التاريخ أمانة ضاعت بين أيدينا
كلنا يعرف ما للتاريخ من مزايا لاينكرها إلا جاحد والإباضية عموما في المغرب والمشرق ينقصهم التدوين لتاريخهم من القديم لذلك كانوا عرضة للاتهامات والتنقيص من قبل المذاهب الأخرى ولابأس من عرض سريع للكتب التاريخية التي دونت في تبين المذهب الإباضي ورجالاته ولعل هذا العرض يوقد في قلوبنا الإحساس للنهوض بهذه المهمة النبيلة حتى يتعرف من يجهلنا على تراثنا ومجدنا ولعلنا نكون بذلك عبرة لمن أراد الاعتبار وذكرى لمن رام الاذكار وكلامنا ينصب على إباضية المغرب .
تأسست الدولة الرستمية وعاشت ما قدر الله لها أن تعيش فكانت مصدر إشعاع ونور حتى سميت ببغداد المغرب برز فيها الفقهاء والقضاة والأدباء والفرسان ولم يبرز فيها من المؤرخين إلا قليل وأشهرهم المؤرخ ابن الصغير الذي اختلف في نسبته فمنهم من يقول أنه إباضي ومنهم من يقول أنه مالكي ترك لنا تاريخا حافلا بالبطولات ولولاه لكانت أخبار الرستميين في خبر كان ومن المؤرخين من يقول جل المؤلفات أحرقت في مكتبة المعصومة وحرقها لايكون لنا عذرا لأننا لانعرف بالضبط هل كان فيها كتب تاريخية أو بالأحرى هل حقيقة أحرقت هذه المكتبة ولامرجح ثم دل على الحقيقة صار كتاب ابن الصغير مرجعا لتاريخ الدولة الرستمية بعد انقراضها وهو موجود إلى يومنا هذا وقد كتب كثير من المؤرخين من غير الإباضية عن هذه الدولة وهم بعيدون عنها بخلاف ابن الصغير الذي عاش فيها أيام ازدهارها وفي القرن الرابع على ما أذكر ألف كتاب بعنوان سير الأئمة وأخبارهم للشيخ أبي زكرياء ولم ير نور الطباعة إلى أواسط السبعينييات وفي القرن السابع ظهر مؤلف بعنوان طبقات المشائخ بالمغرب للشيخ أحمد بن سعيد الدرجيني يركز على رجالات المذهب ولم يرنور الطباعة إلى أواخر السبعينيات كذلك ثم بعده كتاب الجواهر المنتقاة لما أخل به كتاب الطبقات للبرادي مطبوع طباعة حجرية وبعده في القرن التاسع كتاب سير المشائخ للبدر الشماخي طبع طباعة حجرية وأخرى عمانية مليئة بالأخطاء وقد حققه الشيخ عمر عبد الرحمن اليسجني تحقيقا علميا وفي القرن التاسع عشرألف الشيخ سليمان الباروني كتابه الأزهار الرياضية في أئمة وملوك الإباضية طبع منه جزء وضاع الآخر وفي القرن العشرين ألف الشيخ أبو اليقظان ملحقا للسير في ثلاثة أجزاء ولايزال مخطوطا وقد قيض الله في نفس القرن بليبيا الشيخ علي يحي امعمر مجددا لتاريخ الإباضية فألف كتابه المشهور الإباضية في موكب التاريخ في أربع حلقات وغيره من الكتب وفي زمانه برز مؤرخ قدير
في الوادي ببريان هو الشيخ محمد علي دبوز فألف كتابه الكبير تاريخ المغرب العربي الكبير وكتابه النهضة الحديثة وكتابه أعلام الإصلاح سجل لنا كل ما عايشه من أحداث وترجم لكل الشخصيات الإصلاحية بدون استثناء فلو كتب لنا كتابا بعنوان أعلام الإباضية بوادي ميزاب لكان أحسن عملا فاعتزازه بالحركة الإصلاحية جعله يتفانى في خدمتها بكل ما أوتيه من قوة والله لا يضيع أجر من أحسن عملا ومؤخرا صدر عن جمعية التراث مؤلف في أربع مجلدات بعنوان معجم أعلام الإباضية بالمغرب حوى بين دفتيه معظم أسماء أعلام الإباضية وفيه إغفال لكثير من الشخصيات ولا أدري هل عن نسيان أم عن تناسي هذه هي المراجع المعتمدة عندنا باختصار بغض النظر عن المضمون وهناك مؤلفات مستقلة عن بعض الشخصيات وعن مواضيع محدودة كتاريخ حلقة العزابة مثلا أو تاريخ منطقة ما منها ما طبع ومنها ماهو مخطوط إلى الآن وهذه المؤلفات في ليبيا وتونس ووادي ميزاب منها مؤلفات الشيخ سالم بن يعقوب الجربي توفاه الله والشيخ فرحات الجعبيري معاصرين ومنها مؤلفات الدكتور عمرو النامي والأستاذ مصطفى المصراتي معاصرين ومنها مؤلفات الدكتور محمد ناصر والدكتور بحاز إبراهيم معاصرين والأستاذ حمو عيسى النورى توفاه الله ومن المؤرخين القدامى من عهد الشيخ عبد العزيز الثميني - ولا يعني أنه لا يوجد قبله مؤرخون - تلميذه الشيخ إبراهيم بن بيحمان والشيخ حمو بن يوسف عدون والشيخ القطب أطفيش والشيخ أبو اليقظان والشيخ أبو إسحاق أطفيش والشيخ إبراهيم بن بنوح متياز والشيخ عبد الرحمن بن عمر بكلي العطفي والشيخ عمر بن يوسف عبد الرحمن اليسجني والحاج إبراهيم بن صالح أوجانة كل هؤلاء وغيرهم من المغمورين لهم كتابات تاريخية في مواضيع مختلفة وخاصة الشيخ عمر عبد الرحمن فقد ترك من المخطوط ما أعيا به من بعده في مواضيع تاريخية متعددة كما أسلفنا ومن المشائخ الذين بقوا على قيد الحياة ونستطيع الاعتماد عليهم فيتسجيل كثير من الأحداث التاريخية الشيخ ناصر المرموري والشيخ حمو فخار وهناك بعض الأشخاص كالأستاذ عبد الرحمن حواش وبعض الجمعيات كجمعية أبي إسحاق أطفيش يسعون لحصر الوثائق التاريخية من جميع الجوانب وخاصة ماله علاقة بالإباضية والميزابيين والتسجيل بآلات التسجيل مع بعض الشخصيات العلمية والاقتصادية والسياسية وهذا كله قد مضى وولى فماهو عملنا اليوم تجاه التأريخ فكم من أحداث وقعت على مستوى الوادي لم تسجل وكم من شخصيات توفيت لم يترجم لها وكم من مخطوطات قديمة في رفوف المكتبات تنتظر منا التحقيق والطباعة.
مالذي جعلنا نتقاعس عن هذا الواجب هل كثرة الواجبات الأخرى ؟؟؟ أم كثرة الأعراس والسهرات الفارغة ؟؟؟ من الذي ننتظره ليخدم تراثنا ألا نخشى العاقبة ماذا نترك لأولادنا وأحفادنا وبما ذا نبين صحة مذهبنا وطريقتنا لغيرنا كفانا من تشييد ديار العشائر وبناء المساجد المتعددة وزخرفتها وكفانا من كثرة الإسراف في الولائم والمآتم وغيرهما على الشباب أن يحسسوا أولي الأمر وعلى أولي الأمر أن ينتبهوا ويتخذوا حلولا لهذه المخالفات ميدانيا لافي المنابر والكتيبات لعل الله يغير بنا من حال إلى حال .
كتبه : أبي إسماعيل أحمد بن سعيد النشاشبي
المصدر : tizafri.com