سير الوسياني
الرسائل الجامعية
ملخص أطروحة دكتوراه
د/ عمر بن لقمان حمو سليمان بوعصبانة:
سير الوسياني: دراسة مجموعة الوسياني وتحقيق الجزء الأول منها
الحمد لله وحده، والصَّلاة والسَّلام علَى من لا نبيَّ بعده، أرسله الله ليخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذنه، وجعل سيرته العطرة مثالا يحتذى به. فكانت سيرته لدى العلماء عبيرا يتنسَّمونه، وعِبرة تهفو إليها أفئدتهم، وتختلج بها حواسهم. كما صارت سيرة العلماء أنفسهم محطَّ أنظار العامَّة والخاصَّة من الناس. فدوَّنها أترابهم، وامتلأت بها صفحات كتبهم.
إن علينا معاشر الخلف، أن نحيي ما اندرس منها أو انطمس، حتى نحافظ على شعلة الإيمان، كي نستنير بها في دياجي هذه الأزمان. وقد أراد المستغربون أن يمحوا رسمه، ويطفئوا نوره {يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمٌّ نُّورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ}(1). صدق الله العظيم.
لقد اهتمَّ كلُّ بلد مسلم برجاله، وكلُّ مذهب بعلمائه، مشيدا بماضيهم الناصع، وآثارهم التي حاول الزمن أن يطويها بين طيَّات النسيان.
ولا شكَّ أنَّ رجال المذهب الإباضي يعدّون مثل غيرهم من الذين سعوا جاهدين للتعريف بعلمائهم وفضلائهم. ورغم هذا كلِّه نجد أنَّ كتبهم السِّيَريَّة لا تزال بحاجة إلى عمل شاقٍّ وجهد متواصل مقرون بالرغبة الجارفة، والحبِّ الصادق، وتسخير كلِّ الإمكانيات المادِّية والأدبيَّة، حتَّى نتحصَّل على الرؤية الواضحة لما تحتويها من أسرار تراثيَّة، وفوائد تربويَّة، تفيد الشبابَّ المسلم المتعطِّش لمعرفة ماضيه المجيد.
وإنَّ تحقيق ما ألَّفه الوسياني يعدُّ من هذا القبيل شيئا ذا أهمِّيَّة بالغة.
ومن الدوافع إلى البحث في الموضوع ما يلي:
*ـ التوجيه المبكِّر من ذوي الاختصاص؛ فقد كان الذهاب إلى ليبيا لأداء واجب التعزية مع وفد هامٍّ من مشايخ ميزاب، إثر وفاة المؤرِّخ الفقيه الشيخ علي يحيى امعمَّر رحمه الله سنة 1400هـ/1980م، سببا في إشعال جذوة البحث والتنقيب. وقد أشار عليَّ آنذاك الدكتور عمرو خليفة النامي بتحقيق سير الوسياني. وكان تعرُّفي على اسم هذا الكتاب لأوَّل مرة مثيرا لعدَّة أسئلة معه، فأشار عليَّ بالبحث عنه في كراكوفيا ببولونيا، إذ كان مغمورا بعد في الجزائر عامَّة، وفي ميزاب خاصَّة، فرأيت ذلك حينئذ ضربا من المستحيلات. وذلك قبل تسجيلي في مرحلة الماجستير.
*ـ كون الكتاب يشكّل حلقة تكمّل سلسلة كتب السير لدى الإباضية؛ حتى تتضح الرؤية لدى المؤرخين عامة لما بين فترة أبي زكرياء والدرجيني. ويثري المكتبة الإسلامية بكتاب مصدري، يضيف معلومات جديدة تفيد البحث في الحضارة الإسلامية.
*ـ كون كتب السير الأخرى لم تحظ بالتحقيق الدقيق، خاصَّة لِما وقع فيها من خلط بين الأسماء والتواريخ، وهو ما أشرنا إليه خلال هذه الدراسة.
*ـ كون البحث مغاربيا، يبيّن العلاقة الوطيدة بين الأقطار الشقيقة: ليبيا وتونس والجزائر. في وقت نحن أحوج ما نكون فيه إلى معرفة ماضينا المشترك المجيد.
*ـ تكرار التحسر الكبير من أغلب الدارسين ـ مسلمين ومستشرقين ـ على بقاء الكتاب دون تحقيق بعد استفادتهم منه مخطوطا.
*ـ الرغبة الجارفة في استرداد ما ضاع من التراث الإسلامي من ديار الغرب، والاطِّلاع عليه قبل أن يزول إلى الأبد.
كل هذه الدوافع وغيرها مع تسخير الله للأسباب جعلني أنساق إلى هذا المنحى، بعد الاستخارة والاستشارة.
ومن أهدافنا من وراء تحقيق هذا الكتاب ودراسته ما يأتي:
*ـ نفض الغبار عن مخطوط له من العمر ما يقرب من تسعة قرون خلت، حتى يحذو الباحثون هذا المنحى، وهو التصدي لتحقيق التراث الإسلامي الزاخر بما يفيد المسلمين والإنسانية جمعاء، حتى ولو كان التحقيق على الأغلب أصعب بكثير من البحث في موضوع مَّا.
*ـ كون الموضوع يهدف إلى تربية النشء تربية إسلامية صحيحة، حيث إنَّه يذكِّره بمناقب أسلافه وحفاظهم على الأخلاق الحميدة .
ولموضوع سير المشايخ أهمِّيَّة بالغة، إذ يعدُّ من جهةٍ إحياءً لِمَا اندرس ولما انطمس وطواه النسيان، ومن جهة أخرى باعثا على الاعتزاز بهم، في وقت أراد الغرب إضفاء الأهميَّة البالغة، ومسحة العبقريَّة والذكاء على رجاله، ومختلف مدارسه واتجاهاته، كي يُقنع الناشئة بعلوِّ كعبه في كلِّ المجالات، ويبعث فيهم حبَّ الغرب ورجالاته، ويصيبهم بالإحباط؛ فيرون أن لا مجال لها إلا بالاعتراف بعبقرية الإنسان الغربيِّ، وتخلُّف أجدادهم المسلمين؛ فيسهل لهم التبعيَّة والانقياد، بل يكفونه كلَّ دعاية له وترويج لأفكاره وإنكار لماضيهم. وبهذا صار العمل في هذا الاتجاه واجبا ودافعا قويًّا، رغم كون إقناع هؤلاء المستغربين أضحى صعبا وشاقًّا. والوصول بالمقتنعين بعد ذلك للتأسِّي بهؤلاء المشايخ، من أسمى الغايات والأهداف.
وقبل كل شيء نطرح عدة تساؤلات هي بمثابة إشكاليات حول مجموعة الوسياني قيد الدراسة:
*- هل هذا الكتاب يضيف شيئا جديدا إلى المكتبة الإسلاميَّة؟.
*- ما قيمة سير الوسياني، مع وجود سير أبي زكريا، قبله والدرجيني بعده؟
*- هل يسدُّ فعلا الثغرة التي توجد بينه وبين أبي زكرياء حتى يستحق التحقيق؟.
*- لماذا طلب العمانيُّون من الدرجيني، إعادة صياغة كتاب أبي زكرياء مع وجود سير الوسياني في ذلك الحين؟ وكان من مطالبهم جودة التعبير، وسلامة الأسلوب، مع الرغبة الملحَّة أن يكون كتابُ أبي زكرياء هو المصدر، ولم يطلبوا إعادة صياغة سير الوسياني فيما نعلم. والسؤال المطروح: لماذا لم يطلبوا من الدرجيني نفس العمل بالنسبة لكتاب الوسياني؟
*- هل الأجزاء الثلاثة المجموعة في مجلَّد واحد، هي كلُّها للوسياني، أم إنَّ هناك خلطا بينها؟
*- هناك فقرات اشترك فيها الوسياني مع مقرين بن محمد البغطوري في كتابه "كتاب سير أهل نفوسة"، المؤلَّف في أواخر ربيع الآخر سنة 599هـ/1203م، والوسياني عاش في نفس الفترة تقريبا. هل نقل أحدهما من الآخر؟ أم نقلا من مصدر واحد؟ أم إنَّ المصادر الشفويَّة كانت هي السائدة في ذلك الوقت؟.
*- نلاحظ أنَّ في مجموعة سير الوسياني جمعًا بين التاريخ والشريعة الإسلامية (عقيدة وفقها)، هل يزيد هذا للكتب السِّيَريَّة التاريخيَّة قيمة؟ أم أنَّ هذا يزري بالمنهج المتَّبع في كتابة التاريخ؟.
لا شكَّ أنَّ هذه التساؤلات المطروحة تحتاج إلى إجابات مبدئيَّة هي بمثابة فرضيَّات، لا يكون فيها الجواب نهائيًّا إلاَّ بعد الدراسة وعرض النتائج المحصَّل عليها في الأخير، ومن هذه الفرضيَّات ما يأتي:
يمكن أن نقول:
إنَّ لِمؤلَّف الوسيانيّ قيمةً متميِّزةً من حيث وجود فترة قد يكون فيها هو المصدر، بعد أبي زكرياء وقبل الدرجيني.
- حينما طلب العمانيُّون في عصر الدرجيني إعادة صياغة سير أبي زكرياء، فلا شكَّ أنَّهم علموا مسبقا بارتفاع المستوى العلميِّ للدرجيني، وإلاَّ لما تجشَّموا المشاقَّ إليه من عمان إلى المغرب؛ فعمد الدرجينيُّ إلى تخليص كتاب أبي زكرياء من الشوائب؛ فغلب عليه أسلوب السجع والمحسِّنات البيانيَّة والبديعيَّة.
ربما لأنَّ لغة الوسياني كانت أسلم من لغة كتاب أبي زكرياء فلم يطلبوا تحسينه من الدرجيني.
وإمَّا لأنَّهم لم يسمعوا به مطلقا، لكون الفترة بين الوسياني وأبي زكرياء أضيق مما هي بين أبي زكرياء والدرجيني، مما جعل ذلك كافيًا لذيوع أخبار كتاب أبي زكرياء دون التعرف على سير الوسياني. فهذا السؤال يبقى مطروحا إلى أن نجد له جوابا من أهل المشرق.
- نجد في منهج الوسياني ميولاً إلى الفقه أكثر، ولعلَّ ذلك لكثرة تداول تلك المسائل بين العزَّابة – أي طلبة العلم-، خاصة مع انتشار الديوانين، ديوان الأشياخ، وديوان العزَّابة. وهذا لا يعاب على المؤرِّخين المسلمين لأنَّهم متعلِّقون بدينهم مثل جميع العلماء. إذ الهدف الأسمى والغاية النبيلة خدمة الدين. وهم بهذا قد قدَّموا خدمةً بما انتقوه من المسائل، مما - ربَّما - قد أغفله الفقهاء. ونكون بتَرْكِنا تحقيق مثل هذه الكتب قد جهلنا كثيرا مما ورد فيها من أخبار كانت ممتزجة بالعلوم الشرعية قد لا نجدها في غيرها من كتب التاريخ.
للتحقُّق من صحَّة هذه الفرضيَّات، يقتضي منِّي البحث انتهاج خطَّة سليمة؛ ولذلك قسَّمته إلى شقَّين:
تناولت في الشقِّ الأول جانب الدراسة، وفي الشقِّ الثاني جانب التحقيق.
بدأت البحث بمقدمة عرضت فيها بواعث اختيار الموضوع، وأهميته، والإشكاليات المطروحة، وعرَّفت بالمنهج المتبع في الدراسة، وبكيفية ضبط النص وترقيمه. وبينت كيفية وضع الفقرات ورموزها، وكيف جمعت النسخ وقابلت بينها، مع عرض للدراسات السابقة ونقدها. وأنهيتها بالحديث عن الصعوبات التي اعترضتني.
قسَّمت قسم الدراسة إلى مدخل وبابين وفصول:
تناولت في المدخل عرضا ونقدا للدراسات السابقة التي تناولت سير الوسياني، باللغتين العربية والفرنسية.
تناولت في الباب الأول الحديث عن المؤَلِّف، وهو يشمل فصلين:
كان الفصل الأوَّل خاصًّا ببيئة المؤلِّف المؤثِّرة فيه، وقسَّمته إلى خمسة مباحث: البيئة الطبيعية، والدينية، والثقافية، والاقتصادية، والسياسية والاجتماعية.
والفصل الثاني كان عن حياته ويتناول مبحثين: حياته الشخصيَّة، وحياته العلميَّة.
أما الباب الثاني فكان الحديث فيه عن كتابه الذي ألَّفه، ويتناول ثلاثة فصول:
فالفصل الأوَّل: يحتوي على مبحثين:
حاولت في المبحث الأوَّل الإجابة عن إشكاليَّة نسبة الكتب الثلاثة في المجموعة إلى الوسياني.
وفي المبحث الثاني قدَّمت وصفًا للنسخ الخطِّيَّة.
أما الفصل الثاني: فكان الحديث فيه عن مكانة الكتاب وموقعه بين المصادر الإباضية المغاربيَّة السِّيَريَّة السابقة والمتزامنة واللاحقة.
أمَّا الفصل الثالث: فعن المنهج والمحتوى. يتضمَّن مبحثين: الأول عن المنهج والأسلوب، والثاني عن المحتوى.
وبهذا ينتهي قسم الدراسة.
وبالنسبة للقسم الثاني (قسم التحقيق) قمت بتحقيق الجزء الأوَّل بعد ضبط نصِّه، وإجراء المقابلة عليه بين عَشْر نُسخ مختلفة. قمت بتخريج الآيات والأحاديث والأبيات الشعريَّة، وتعريف البلدان والأماكن، والتراجم والقبائل، وما غمض من الكلمات والمصطلحات. معتمدا في ذلك كلِّه على المصادر قبل المراجع.
وبعد إتمام تحقيق الجزء الأوَّل ـ وهو المعنيُّ فقط عند تسجيل الموضوع للبحث ـ وبإشارة من المشرف وموافقة منه، لم يُترك الكتاب الثاني دون ضبط لنصِّه أو مقارنة. فكانت المقارنة بين خمس نسخ خطِّيَّة، زادت الباحث عناء وللبحث فائدة. وتُرك الكتاب الثالث مدرجا في الملاحق دون مقارنة أوَّل الأمر؛ ثقةً منا في عمل الأستاذ عبد الرحمن أيوب، إذ أنجزه في إطار أكاديمي، ولكن حين اتَّضح أنَّ المحقِّق كان بتحقيقه الجزء الثاني من كتاب سير أبي زكرياء (وهو ما يقابل الكتاب الثالث من مجموعة الوسياني)، قد شوَّهه بالأخطاء المتكرِّرة، وتغيير في الأسماء، وتصرُّف شخصيٍّ بعبارات قد تؤثِّر حتَّى في المعنى. وكم نوَّهتُ بعمله في عدَّة مناسبات، ولكن بعد مقارنات مع ما قرأت في الكتاب الثالث من مجموعة الوسياني، تبيَّن لي أنه من الضروريِّ تصحيحه، مع تحقيق إسماعيل العربي لكتاب سير الوسياني ـ المنسوب خطأً إليه(2) ـ وما فيه كذلك من سرعة في التحقيق، رأيت لزاما أن أقارن هذه الأعمال ببعض النسخ الخطية المعتمدة لديَّ، والتي تضمُّ الكتاب الثالث؛ مع الإشارة إلى أنَّ هذا الكتاب الثالث غير موجود في جميع النُّسخ.
وفي هذا البحث المتشعِّب رأينا لزاما أن تتعدَّد المناهج كالآتي:
*- الرُّجوع إلى الأحداث واستنطاق ما فيها من نتائج، يُعدُّ منهجا استرداديًّا، تحليليًّا.
*- جمع أجزاء مجموعة الوسياني، ومقارنة ما فيها من أسانيد، وتواريخ، يعدُّ منهجا تحليليا مقارِنا استقرائيًّا.
*- وصف البيئة الطبيعيَّة، والاجتماعيَّة، والاقتصاديَّة، في عصر الوسياني. ووصف النسخ المخطوطة، يعدُّ منهجا وصفيًّا.
فإذا لزم الأمر أن ننفرد بمنهج دون سواه كان ذلك، وإن لزم الأمر أن تتضافر كلُّها كان ذلك أيضا؛ إذ المقصود اتِّباع أقوى الطرق والمناهج، للوصول إلى الغاية المرجوَّة.
وتفصيلا للمنهج في ميدان التحقيق كانت استفادتي من جانبين:
أ- الجانب النظري، وذلك بالرجوع إلى أهمِّ المصادر في تحقيق المخطوطات، مثل: كتاب "مناهج تحقيق التراث بين القدامى والمحدثين" لرمضان عبد التواب. و"تحقيق النصوص ونشرها" لعبد السلام هارون، و"قواعد تحقيق المخطوطات" لصلاح الدين المنجد، و"محاضرات في تحقيق النصوص" لأحمد محَمَّد الخراط، وغيرها...
ب- الجانب التطبيقي، وذلك بخبرة الباحث المتواضعة منذ 25 سنة في البحث عن المخطوطات عبر العالَم القديم (آسيا وأوروبا وإفريقيا)، وجمعها، وفهرستها، وإلقاء المحاضرات في عدَّة ملتقيات، وتدريس مقياس تحقيق المخطوطات، والإشراف على عدد من الطلبة في هذا المجال.
فبدأت العمل بالنسبة للوسياني، وفق الخطوات الآتية:
1- جمعتُ النسخ الخطيَّة، وقرأتها عدَّة مرَّات، حتى أتعوَّد على خطوطها المتنوِّعة.
2- رقَّمت النصَّ، فوضعت النقاط والفواصل وعلامات التنصيصِ، وما يتلاءم والطّرق المنهجيَّة المطلوبة.
3- أجريت بعض التعديلات من الخطِّ المغربي القديم، إلى الرسم المتعارف عليه حديثا، تيسيرا للقارئ، مثل تعديل رسم الفاء والقاف.
4- تفاديا لإثقال الهوامش بالتعليقات، وفي خلال المقارنة بين النسخ، لم أشر إلى ما وجدته من الاختلافات في رسم الكلمات بين النسخ الخطية، والتي لا تغيِّر المعنى، مثال ذلك:
ـــــ واو العطف والفاء في حال الحذف أو الاختلاف.
ـــــ الاختلاف بين الهمزة والواو، مثل: أولف = أؤلِّف.
ـــــ الاختلاف بين الهمزة والياء، مثل: المسايل والفضايل = المسائل والفضائل / ليلا = لئلا.
ــــ الاختلاف في رسم الهمزة وفق الرسم الإملائي الحديث، مثل: بإحياءه = بإحيائه.
ــــ إثبات الألف وسط الكلمة: روايت = روايات.
ــــــ الاختلاف بين الألف المقصورة والألف الممدودة، مثل: انتها = انتهى.
ــــــ ضبط الإعجام وفق الرسم الإملائي الحديث، مثل: التلوج = الثلوج.
ـــــ الاختلاف في الترضِّي والترحُّم...
5- قسّمت النصّ إلى فقرات، والمخطوط في حدِّ ذاته يضع ما يوحي ببدايتها، مثل كلمة: «وذكر»، وغيرها. فبها وبأشباهها أمكنني ضبط كل فقرة.
6- استحدثت عنوانا للروايات الأولى «روايات نفوسة»، على غرار العناوين اللاحقة، والضرورة توحي بذلك ووضعته بين معقوفين.
7- اتخذت للعناوين الكبرى ـ أي الروايات ـ رموزا، وللفقرات المندرجة تحتها أرقاما، وهذه الطريقة اقتبستها من المحقِّق عبد الرحمن أيوب في تحقيقه «كتاب السيرة وأخبار الأئمة»، فهي مفيدة جدًّا لعدَّة أمور:
*-أولها: بقاء رمز الفقرة ورقمها مستقرين أمام عمل الحاسوب في حالة إضافة بعض السطور، وتغير أرقام الصفحات مرَّات عديدة.
*- ثانيها: إمكانية الإحالة إلى رمز الفقرة ورقمها أثناء العمل دون انتظار النهاية للعمل. وحتى لو تغيَّرت الطبعة وتغيَّر الخطُّ والصفحات تبقى الإحالة ثابتة .
*- ثالثها: كون الإحالة على الفقرة أدقَّ وأضبط، من الإحالة على الصفحة؛ لأنَّ الصفحة الواحدة تحتوي على عدَّة فقرات.
*- رابعها: تسهيل وصول القارئ إلى المعلومة بأسرع وقت ممكن، وهذا شبيه بالطريقة الغربية التي تحيل على السطر في الصفحة الواحدة.
ووضعتُ لكلِّ رواية من الروايات رمزا، على الشكل الآتي:
*-روايات نفوسة = (ن). اندرج تحتها اثنا عشر عنوانا.
*-روايات جربة = (ج). واندرج تحتها سبعة عناوين.
*-روايات أهل القصور = (ق) واندرج تحتها خمسة عناوين.
*-روايات أسوف وأريغ = (س) واندرج تحتها ثمانية عناوين.
*-روايات وارجلان= (و) واندرج تحتها ثلاثة عناوين.
*-روايات ملتقطات منثورات = (ر) واندرج تحتها خمسة عناوين.
*-روايات مشايخ شتَّى = (ش) واندرج تحتها عنوانان.
*-الجزء الثاني = (ث) واندرج تحتها اثنان وثلاثون عنوانا.
ولتوضيح ذلك نأخذ نموذجا لرمز ورقم فقرة من الفقرات.
فعلى سبيل المثال : الفقرة الثالثة من روايات أبي معروف ويدرن بن جواد، وهو من نفوسة، وترجمته كانت الثانية من رجالاتها.
- اتخذت رمز حرف النون (ن) ليرمز إلى روايات نفوسة.
- اتخذت حرف (ن) + رقم (2) لكونه الترجمة الثانية = (ن2).
وحيث إنَّ الفقرة هي الثالثة، فيكون الرمز النهائي للفقرة هو (ن2/3) مع وجود سطر مائل للفصل بين الرقمين.
ومع هذا فقد اعتمدنا في الفهارس زيادة الإحالة على الصفحات، لكون طريقة ترقيم الفقرات ـ مع دقتها، والجهود التي بذلناها في إثباتها ـ لا تزال غير مألوفة بعد.
8- وبالنسبة لجمع النسخ والمقارنة بينها:
تمكنت بفضل الله وحسن عونه وتوفيقه، أثناء رحلاتي داخل الوطن وخارجه، من جمع عشر نسخ للمقارنة، فاعتمدت الأقدم فجعلتها أمًّا لقدمها، ما دامت سليمة من الخطأ؛ فهي ترجع إلى سنة956هـ/1549م، وأيضا لكون ناسخها متمكِّنا، كما أنها الأسلم من السقط، ورمزت إليها بحرف (أ). واخترت نسخة أخرى أوضح نصًّا وأسلم من حيث التآكل، لتكون المكمِّلة للنصِّ، والمرمِّمة له قبل المقارنة، ورمزت لها بحرف (ب) (3)، ووضعت الإضافات منها بين معقوفين.
وفي حالة وجود خطأ في النسخة (أ) المثبتة في المتن، فإنَّنا ننتقي أصوب الاحتمالات من النسخ الأخرى، ونثبته في المتن، وسمَّينا هذا المنهج بالطريقة الانتقائيَّة، على أن لا تعدو التصويبات ما هو موجود في النسخ المعتمدة. وقد اعتمدت هذه الطريقة لكون القارئ غالبا لا يكلِّف نفسه عناء قراءة الصواب في الهامش. ثمَّ وجدت أنَّ الدكتور أحمد بن محمَّد الخرَّاط قد دعا إليها، وسمَّاها بالطريقة التلفيقيَّة(4).
10- أشرت في الهوامش إلى السقط الواقع في النسخ الأخرى بفعل انتقال النظر أو السهو.
مثال ذلك: «وطلّقت نفسها واحدة بعد واحدة ثلاثا، ثمّ جاء بعد ذلك، فبدا لهما في الرجوع، فسأل أبو عبد الله والدها أبا العبّاس، /24 و/ فقال له: ليس هناك إلاَّ واحدة، فرجعت إليه»(5). يلاحظ هنا انتقال نظر من واحدة الأولى إلى الثانية. وهذا الخرم موجود في نسخة (ب) وغير موجود في نسخة (أ).
وكانت المقابلة بين النسخ المخطوطة من أشقِّ الأعمال بالنسبة لي، كما أنَّ الفترة التي قضيتها في سلطنة عمان أوَّل الأمر كانت مرهقة جدََّا، وذلك لاعتمادي على النسخة التي جلبتها من بولونيا، وقد تآكلت حوافها واحتاجت إلى ترميم وإضافات، واعتمادي على النسخة العمانية التي امتلأت بالأخطاء لكون كاتبها لم يألف - حسبما يبدو - الألفاظ والأسماء البربرية، وكذا النسخة الجزائرية - من بني يزجن - القديمة ذات الخطِّ الدقيق مع ما فيها من خرم. وكان هذا كلُّه مصدر تعب وقلق لي وكاد صبري ينفد، وكانت استعانتي ببعض الزملاء نادرة، و كان العمل بطيئا جدًّا؛ وذلك لنفاد صبر من يقرأ معي الصفحة والصفحتين. وكنت أواصل ـ مع ذلك ـ العمل دون كلل أو ملل.
ولما رجعت إلى أرض الوطن، صرت أستعين بذوي البصر الحادِّ على المقابلات، من الأصدقاء أساتذة كانوا أم طلبة، وذلك لتكاثر النسخ، وإن كان الأمر يحتاج إلى جلد وصبر متواصلين طوال الوقت، مع إدامة النظر في كلِّ وقت وآن، غير ناس الاستعانة بالله بالدعاء المتكرِّر.
- أثبتُّ داخل النص ما يشير إلى رقم الورقة في النسخة الخطية الأم – وجها أو ظهرا – ومثال ذلك :
/5 و/ يعني وجه الورقة الخامسة
/5 ظ/ يعني ظهر الورقة الخامسة
- خرَّجت كلَّ ما يمكن تخريجه من مختلف المصادر والمراجع، فعرَّفت بالتراجم الإباضيَّة، سواء من المصادر الأولى التي سبقت الوسياني، مثل سير أبي زكرياء، أو التي أتت بعده، مثل: طبقات الدرجيني، الذي أخذ عنه رواياته، وصنَّف رجالها إلى طبقات. وغيرهما من المصادر والمراجع الإباضية وغير الإباضية كثيرة. وتعدُّ الإحالات إلى الهومش لهذه التخريجات مع إحالات المقابلات بالآف، إذ بلغ عددها: 6640 إحالة (دون قسم الدراسة، والذي يبلغ عدد الإحالات فيه 400 إحالة)، والمجموع هو: 7040 إحالة.
12- تلا ذلك تخريج أسماء المدن، خاصة المندثرة منها، وانقسم العمل إلى عمل مكتبي وعمل ميداني:
فبالمكتبي أمكن اللجوء إلى مؤلفات أبناء منطقة نفوسة بليبيا. وجربة، والجريد، بتونس، وأسوف، وأريغ، بالجزائر.
وبالميدانيّ أمكن السفر إلى ليبيا، وجربة ومنطقة الجريد بتونس. والالتقاء بالمثقفين والمسنّين الذين يعرفون المنطقة جيِّدًا، وحفظوا أسماءها أبا عن جد.
أمَّا غيرها من المصادر العامَّة، المتحدِّثة عن التراجم والأماكن فيكفي للاستدلال عن ذلك إلقاء نظرة بسيطة في الهوامش والفهارس لمعرفة المعتمد عليها.
13- حوَّلت كلَّ ما وجدته من التواريخ الهجرية إلى ما يوافقها بالتواريخ الميلاديَّة، في كامل قسمي الدراسة والتحقيق.
وفي الأخير، لست أدري بعد هذا الجهد المرير الذي قضيته وراء البحث والتنقيب يمكن أن أعدَّ نفسي ضمن الذين أفادوا غيرهم، إذ العبرة بالفائدة المرجوَّة. غير أنَّ ما يشفع لي هو راحة الضمير بعد الاستقصاء في بذل كلِّ الجهد من مال ووقت، ووقوف على كلِّ ما يمكن الوقوف عليه، غير عابئ بالأخطار، ولو كان ذلك على حساب الصحَّة والأهل والمال. وأملي في الله وأجره وثوابه ورضاه، ورضا أحبَّائه وأخياره.
ويبدو أنَّ أهمَّ شيء هو واجب أداء الشكر لله الواحد القهَّار، الذي ذلَّل لي الصعاب التي ما كنت أستطيع أن أتخطَّاها لولا عونه وتوفيقه، فهي كثيرة ومضنية، لا يمكن في بعض الأحيان ذكرها وربما حتَّى تذكُّرها.
وعلى سبيل المثال لا الحصر:
*ـ بذل الجهد في جمع النسخ الخطية، والتي فاق عددها العشرة، من مختلف جهات العالم: بولونيا، وألمانيا، والجزائر (شمالا وجنوبا، شرقا وغربا)، وتونس، وجربة، وليبيا، ومصر، وعُمان، وروسيا (التي مُنِعنا من جلب مخطوطاتها). وكان من الممكن الاكتفاء بالنسخ الثلاثة الأولى فقط؛ وهذا ما أدَّى إلى الإرهاق الماديِّ، والصحِّيِّ، والأدبيِّ والنفسيِّ.
*ـ التنقُّل بين وهران حيث العمل، والقرارة حيث الكاتب، وقسنطينة حيث المشرف، والرجوع إلى وهران، خاصَّة أيام البرد والثلوج، وقطع ما يربو عن ألفي كيلومتر في كلِّ مرَّة، مع أخطار الطريق المختلفة، لَهُو الباعث على الإرهاق كلِّه لولا الصبر الجميل.
*ـ المزج بين العمل وتحضير المحاضرات والبحث، هذا ما يضطرُّني لهجر كثير من المتع، كالبقاء مع الأهل، والاستمتاع بالعطل الأسبوعيَّة والسنويَّة، والراحة والنوم.
*ـ الأسفار الطويلة للالتقاء بالعلماء داخل الوطن وخارجه من أجل تحقيق معلومة(6)، أو فهم معنى، حتى ولو كلمة أمازيغية لا يعرفها إلاَّ المسنُّون في نفوسة. أو الوقوف ميدانيًّا على قوانين تقسيم المياه على جداول مياه قصطالية، وأدوات ذلك في متاحفها القديمة.
*ـ تحول سيارتي في كلِّ سفر إلى الجنوب إبَّان العطل أو إلى الشمال، إلى مكتبة متنقِّلة أخاف عليها من المغيرين، فأرهقني طول الأسفار، وثقل الأسفار.
إضافة إلى ذلك، هناك أخطار كثيرة حصلت لي لا يحسن بي أن أذكرها فهي متعدِّدة ومتنوعة لأنها لا تفيد كثيرا. غير أنَّ ما يستحسن أن يذكر هو ما يستفيد منه القارئ الباحث حتَّى يحذر منه:
*ـ إنَّ ما يلاحق الباحث العربيَّ المسلم هو كثرة الشكوك التي تحوم حوله، لكونه عربيًّا أو جزائريًّا أو مسلما، أو حتَّى ملتحيا!.
إنَّ ما هزَّني وكاد أن يصيبني بالإحباط، أخذ جزء من بحثي ـ من أطراف مجهولة ـ بعد ضبطه وإجراء المقابلة عليه، بعد أن تركته في خزانة المصاحف لأداء صلاة الجماعة في بلد شقيق، لعلَّ ذلك كان رغبة في الاطِّلاع عليه إن كان يمتُّ إلى حركة سياسيَّة أو اتِّجاه إسلاميٍّ معيَّن، فلو سئلتُ من طرف مَّا، وأعيد إليَّ بحثي لهان الأمر، ولكن كيف الحصول على النسخ الخطِّيَّة في بلد غريب لا يقدِّر قيمة العلم والعلماء؟!.
كما أنَّ التقنيات الحديثة لها محاسن جمَّة، فلها عيوب أيضا وقاسية في بعض الحالات، فكلُّ أعمالي الموجودة في الحاسوب ذهبت أدراج الرياح بلمسة واحدة، أصابت المهندس الحاذق بالذهول إبَّان محوه لذاكرة الحاسوب لتغيير برنامجه، وكلَّفني ذلك وقتا تحت وطأة القلق النفسي، والتحسُّر على أمر، لولا لطف الله، وإخلاص المهندس، لتصحيح خطئه لكانت أزمة خانقة لا حلَّ لها.
وكلُّ ما أرجوه بعد هذا كلِّه، أن يتقبَّل الله منِّي هذا العمل، وممن أسدى إليَّ نصحه وإرشاداته، وأن يجعل كلَّ ذلك في ميزان حسناتنا جميعا.
وأرجو من الله السداد، والله من وراء القصد. والله وليّ التوفيق.
--------------------
الهوامش
(1) سورة الصف: 8 .
(2) ينظر: الملحق رقم 6: «كتاب السير هل هو للوارجلاني أم للوسياني؟» جريدة الواحة، العدد 15، الخميس 24 ربيع الأول 1412هـ/ 3 أكتوبر 1991م.
(3) ينظر بقية رموز النسخ الأخرى في الصفحة الخاصة بالرموز.
(4) يقول الدكتور الخرَّاط: «وإن فُقدت نسخة المؤلف فما بقي من النسخ مهما كانت منزلتها فإنَّك تعاملها على أساس: أنتم رجال ونحن رجال، فنختار منها الكلمة التي نراها تناسب المتن... فلا تقل: أثبت في مجموع المتن نسخة (أ) التي تمتاز بكذا وكذا؛ لأنَّ الناسخ مهما أوتي من علم فقد يضلُّ... ولا يجوز للباحث أن يعتمد على شخصيَّته العلميَّة فيسمح لنفسه أن يكتب كلمة لم يجدها في مجموع النسخ، إنما يجوز له أن يلفِّق بين هذه النسخ لاختيار ما يراه مناسبا للوصول إلى النصِّ السليم...». الخراط أحمد محمَّد: محاضرات في تحقيق النصوص، المنارة للطباعة والنشر والتوزيع، ط1، 1404هـ/1984م، ص45.
(5) ينظر: فقرة: س3/4.
(6) ينظر: الملحق رقم 7: زيارات لمراكز دولية وشخصيات علمية.
نشر المقال في دورية الحياة، العدد: 10، 1427هـ/2006م، ص274-287
Tags: كتب للتحميل