بَابْ نَ تْشَلاَّتِينْ

Icon 09ⴱⴰⴱ ⵏ ⵜⵛⴻⵍⵍⴰⵜⵉⵏ

bab n tcellatin

صاحبُ الأحجار الطوبية.

لأنَّ الطهارةَ عند الاباضية مثلهم مثل المسلمين، وعند المزابيين بصفة خاصَّة، تبدأ من الاستجمار الجيِّد قبل الاستنجاء بالماء، تجدهم يحرصون أشدَّ الحرصِ على توفيرِ الوسائل الضرورية للتطهُّرِ الجيِّد، وهم يؤصِّلون لذلك بقوله تعالى: ﴿لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللهُ يُحِبُُّ الـمُطَّهِّرِينَ﴾ ويقتدون بأهلِ قباء الذين نزلت فيهم الآية الكريمة تمدح فعلَهم.

ولمــَّــا لم تكنِ الوسائل متنوِّعة ولا متوفِّرة لذلك في الزمن الماضي، كالورق العادي، أو الورق الخاصِّ، ورق التواليت Papier génique ، كانت الحجارة هي الوسيلة الوحيدة المتوفِّرة بينَ أيديهم والمجانية، هي الحَجَرة العادية على طبيعتها، ثمَّ طوَّرها المزابيون إلى حجرٍ يصنِّعونه من التراب الرملي الناعم، أو التراب الطيني، المتوفِّران في منطقة وادي مزاب والصحراء بشكلٍ عامٍّ؛ وقد منعوه على شكلين وحجمين:

Icon 09أ‌- شكلِ قالبٍ مستطيلٍ، يسمُّونه: "أَبَرْشِي".

ب‌- شكلٍ بيضاويٍّ، يطلقون عليه: "تَشَلَّتْ".

وبما أنَّ هذه الأحجار توجَّه للطهارة، والطهارةُ هي أساسُ العبادة في الاسلام، وعند كلِّ المسلمين، اتخذَ بعضُ الناسِ من توفيرِ هذه المادَّة وسيلةً تعبُّديَّـــــةً، يرجون بها الثواب الجزيل عند الله، ومنهم من جعلها وقفا لله تعالى، وصدقةً جارية وعملا صالحا يتواصلُ لهم بها الأجرُ بعد مماتهم.

هذا وُجدَ في المجتمع المزابي أشخاصٌ يُسمَّى الواحد منهم "بَابْ نَ تْشَلاَّتِينْ"  يحملُ هذه الأحجار في شِوالٍ أو حمل مملوءٍ فوق حمار، ويتجوَّل به بينَ أزقَّةِ المدينة ودروبها وينادي:

- تِيشَلاَّتِينْ .. تِيشَلاَّتِينْ ..

لتقتنيَ الأسرُ منه حاجتها منها.

كما يقوم بتزويدِ المساجد والمصلَّيات، والمحاضرِ ودور العلم، بهذه المادَّة الضرورية للطهارة التي لا تصحُّ الصلاةُ إلاَّ بها، وهي غالبا من الوقف الذي يخصّصه المحسنون لدور العبادة.

ولا يأخذ هؤلاء الأشخاص المحسنون المتجوِّلون بأسباب وسائل الطهارة الدينية أجرا على عملهم هذا، ابتداءً من جلبِ المادَّة الأوَّليةِ من الأوديةِ والبوادي، إلى شفطِ المياه اللازمة لصنعها من الآبار، إلى عمليَّة تشكيلها ونشرها للتجفيف، وانتهاءً بتوزيعها على البيوتِ والأسرِ ودور العبادة والتعليم، قلتُ لا يأخذ هؤلاء القائمون على هذا الأمر أجرةً معيَّنة على عملهم، إلاَّ ما يقدِّمه لهم المحسنون من الميسورينَ والخيِّرين في المجتمع، صدقةً وإحسانا وتشجيعا على الخير.

وقد يكلِّفه أحد الأثرياءِ الميسورينَ بعددٍ أو كمِّية معيَّنة من الأحجار الطوبيةِ مقابل مبلغٍ من المال يقدِّمه له صدقةً عنه، وغير ذلك من الطرقِ والأشكال والأسباب التي يبتغي بها ومنها الناسُ أجرا وحسناتٍ عند الله تعالى.

وإن انقرض هذا النوع التقليدي من وسائل الطهارة والتطهير، أقصد الأحجار الطوبية، في الوسط الاجتماعي المزابي حاليا، فإنَّ واجبَ الطهارةِ وحبَّها والرغبة فيها ما يزال قائما وراسخا فيه، فعوَّضوا الأحجار بالورق النشَّاف الذي يزيل النجاسة من مكانها، قبل تمرير الماء أي الاستنجاء، وجعلوا منه –كما من الأحجار- وسيلة للتصدُّق والوقف في سبيل الله، وتزويد المساجد والمصلَّيات والمدارس به صدقً وإحسانا.

بقلم: يوسف بن يحي الواهج

Tags: الهوية, تأريخ, حضارة, الجزائر, إجتماع