ابن خلدون وتحديد قصور مزاب
يقول الأستاذ المؤرخ د. بحاز إبراهيم: "ونبقى مع ابن خلدون حيث يذكر في نص دقيق موقع قصور بني مصاب، فضلا عن إشارات تاريخية ذات أهمية كبرى، فيقول:
"ومن بني واسين هؤلاء بقصور مصاب على خمس مراحل من جبل تيطر في القبلة لما دون الرمال، على ثلاث مراحل من قصور بني ريغة في المغرب، وهذا الاسم للذين اختطُّوها ونزلوها من شعوب بني بادين، وضعوها في أرض حرَّة على أحكام وخراب ممتنعة في مسارحها بين الأرض المحجَّرة المعروفة بالحمادة في سمت العرق، متوسَّطة فيه قبالة تلك البلاد على فراسخ ناحية القبلة، وسكانها لهذا العهد شعوب زناتة، وإن كانت شهرتها مصاب" [1]
ثم يقول تعليقا على هذا النص بأسمائه وجغرافيته القديمة نسبيا: "إن أهم ملاحظة يمكن الخروج بها من هذا النص هي أن زناتة، ومصاب [2] خاصة هم الوحيدون الذين كانوا يسكنون هذه المنطقة التي حددها ابن خلدون بنوع من الدقة، وهذا إلى عهده، وهو المتوفى عام 808هـ/ 1405م؛ فالمنطقة للزناتيين عموما، ونسبت للميزابيين خصوصا، وهي إلى القرن الثامن الهجري، الرابع عشر للميلاد، لا يسكنها إلا هؤلاء الزناتيون، الذين عليهم تسمية بني مصاب"[3]
نسوق هذا النص الخلدوني وما علق به الأستاذ عليه، لأولئك الذي يحاولون عبثا تزوير تاريخ المنطقة، بالحديث عن معالم طمست، ومتى كانوا يبنون مساكن محترمة، فضلا عن معالم! ولمن لا تزال تستهويهم أسطورة داية وغارها؛ فقصور مزاب الأولى شيِّدت أصلا قبل دخول الأعراب أرض المغرب منتصف القرن الخامس الهجري 445هـ، وهي لأهلها -حسب ابن خلدون- إلى بدايات القرن التاسع الهجري / الخامس عشر الميلادي -على الأقل-.
ولعل قبول قبيلتي ابن مرزوق والمذابيح وإنزالهم في أحياء محددّة بعد منتصف القرن العاشر الهجري؛ يعدّ أول وجود للأعراب في هذه المنطقة رسميا وعرفيا، وما عدا ذلك فالقصور وما حواليها أراضٍ خالصة لأهلها من بني مصاب، وإن خيَّم بعض الأعراب حولها لفترة أو فترات!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الهوامش:
(1) ينظر: بحاز إبراهيم، الميزابيون المعتزلة (قراءة جديدة لنصوص قديمة)، مجلة الحياة، ع: 01، نشر جمعية التراث (القرارة)، رمضان 1418هـ/ جانفي 1998م، ص126 ومابعدها.
(2) مضاب أو مصاب -كما يذكرهم ابن خلدون- وهو الأدق، ومصاب جد للميزابيين، وقد أبدلت صاده زايا فقط، فقيل مزاب، وهذا أولى من التمسك بتأويلات معرّبة، في حين إن أهل المنطقة أمازيغ اللسان! ينظر: المرجع المذكور، ص 124.
(3) المرجع نفسه، ص: 126. ونحض على قراءة البحث كاملا، فهو تأسيسي جدا في بابه.