بلقاسم باباسي بنو مزاب ضد الإسبان

Icon 07

بنو مزاب ساهموا في طرد الإسبان من العاصمة خلال الحقبة العثمانية و لهم فضل كبير في القضاء على الاستعمار بالجزائر.

"جنوب نيوز" في حوار خاص مع الباحث في تاريخ الجزائر الأستاذ المؤرخ بلقاسم باباسي الذي استقبلهم في مقر جمعيته "أصدقاء القصبة" المتواجدة بباب جديد بالجزائر العاصمة

بداية نريد أن نعرف عن بداية تواجد بني ميزاب في العاصمة؟

أول ما يجب أن تعرفينها أن تواجد بني مزاب في العاصمة يعود إلى الحقبة العثمانية أي إلى عهد السلطان والمماليك، وعلى وجه التحديد يعود تواجدهم بالعاصمة إلى تاريخ 1516م، فترة حكم السلطان سليم بن تركي، فقد قصد هؤلاء العاصمة وذلك في إطار الهجرة بحثا عن الرقي ومعيشة أفضل فقد كانوا شغوفين بالحياة الحضرية التي كان يعيشها العاصميون في تلك الحقبة الزمنية.

فالمعروف عنهم أنهم يعيشون في جماعة متناسقة ومتكاملة، كما أنهم كانوايريدون الاندماج في الحياة الاقتصادية وممارسة التجارة وهو النشاط المفضل لديهم والمعروف عنهم إلى يومنا هذا. ولكنهم ومنذ استعانة الدولة العثمانية بالأخوين  بربروس خير الدين وعروج من أجل حماية الجزائر من أي عدوان خارجي يمكن أن تتعرض له، ودخل الجنود العثمانيون إلى العاصمة وقاموا بتضييق الخناق عليهم من خلال منعهم منممارسة بعض الأنشطة التجارية التي كانت تعرف رواجا كبيرا آنذاك.

ما عاشه بنو ميزاب في هذه الفترة من الزمن كان ظلما كبيرا في حقهم؟ هل عادوا أدراجهم من حيث جاءوا أم أنهم ثأروا لأنفسهم؟

المعروف عن الميزابيين التريث والصبر فلم يقوموا بأي سلوك عدائي آنذاك اتجاه الأتراك فقد اكتفوا فقط بالعيش منعزلين عن باقي سكان العاصمة كانوا يمارسون الأنشطة التجارية التي كانت مرخصة لهم، إلى غاية سنة 1541م التاريخ الذي وصل فيه الملك الاسباني شارل الخامس إلى الجزائر العاصمة و قام باحتلالها بعد أن تغلب على الجيوش العثمانية التي لم تستطع صده بسبب قوة جيشه الذي كان يتكون من ما يفوق 500 ألف جندي و200 ألف مدفعية، وتمكن من الدخول إلى العاصمة من منطقة الصابلات حاليا التابعة للمقاطعة الإدارية للحراش، واختار أعالي العاصمة الحي الذي يتواجدفيه فندق الأوراسي حاليا مقرا له حتى يشيد قلعته التي كان يطلق عليها "كودية الصابون"، وهي منطقة إستراتجية مكنته من مهاجمة قصر الداي، الذي كان يحكمه "حسن أغا" وقد حاول مقاومة قوات الاحتلال الاسبانية إلا أنه لم يتمكن من إخراجه من الجزائر.

ونتيجة لذلك، عقد بنو مزاب اتفاقا مع "حسن أغا" يقضي بمساعدتهم له على التخلص من التواجد الاسباني بالعاصمة مقابل السماح لهم بممارسة جميع الأنشطة التجارية التي يريدونها بالإضافة إلى تلك التي كانت محظورة عليهم في وقت من الأوقات. فلم يجد حسن أغا خيارا أخار لمواجهة الاحتلال الاسباني إلا من خلال قبول عرض بني ميزاب، الذين استعملوا ذكائهم لانقاد العاصمة من الاستعمار الاسباني، حيث قام بعض الجنود الميزابيين من دخول القصر وشنوا هجوما طاحنا على جنود شارل الخامس فألحقوا بهم هزيمة نكراء، و أخرجوه من قصره الذي سلموه فيا بعد إلى "حسن أغا" بموجب الاتفاق الذي كان  بينهم، وبهذه الطريقة سمح لهم البقاء في العاصمة والعيش فيها كما شاءوا سنة 1541م.

c 7بعد أن ساهم الميزابيون في القضاء على التواجد الاسباني في الجزائر حسبما رويتم، هل ساهموا أيضا في القضاء على الاستعمار الفرنسي الغاشم؟

سنة 1830م بوصول الاحتلال الفرنسي إلى الجزائر، التحقت كل القوات الجزائرية ومن كافة ربوع الوطن جنوبا و شمالا، شرقا وغربا، بالمقاومة للتصدي للهجوم الفرنسي آنذاك، لتشكيل جيش تكون ضم أكثر من 45 ألف جندي للمشاركة في معركة 30 جوان 1830 التي دارت أحداثها بميناء سيدي فرج، والجدير بالذكر انه شارك ما يفوق 6 ألاف جندي من بني ميزاب تحت قيادة المدعو"الحاج بكير"، إلا أن الجيش الجزائري لم يتمكن من مقاومة الجيش الفرنسي ووقعت الجزائر أسيرة بيد المعمرين، لتكون بذلك ثاني مرة شارك فيها الميزابيون في مواجهة خطر الاحتلال الذي تعرضت له الجزائر العاصمة. وشارك بعدها في جل المعارك التي كان ينظمها الجيش الجزائري لمحاربة العدو الفرنسي، لم يتوقف الأمر عند هذا الحد فقط قاموا بإمضاء اتفاقية مع الفرنسيين حتى لا يتم تجنيد أبنائهم في أية حروب يقوم بها الفرنسيون مع باقي الدول، كالمشاركة في الحربين العالمتين الاولى والثانية، مقابل دفع مبالغ مالية كبيرة لاحترام هذا الاتفاق.

في سنة 1954 تاريخ اندلاع الثورة التحريرية المسلحة التحق بنو ميزاب رسميا بالثورة التحريرية، وكان منهم عدد كبير من الثوار والمجاهدين، واستشهد كثير منهم دفاعا عن الوطن، وثمنا للحرية المغتصبة، وفي معركة الجزائر حول الميزابيون محلاتهم إلى مخازن الذخيرة والأسلحة، هذا بالإضافة إلى المبالغ المالية الطائلة التي كانوا يدعمون بها المجاهدين حتى يتمكنوا من شراء السلاح.

رفعها في وجه المعمر الفرنسي، ومن بين الشهداء الذين استشهدوا في ساحة المعركة: الشهيد الدكتور ترشين إبراهيم، والشهيد الدكتور قضي بكير، .. والقائمة طويلة. كما توجد شخصيات ميزابية معروفة على المستوى الوطني بعملها وإخلاصها للثورة التحريرية ضد المستعمر الغاشم من بينهم مفدي زكرياء شاعر الثورة التحريريةمؤلفالنشيد الوطني الجزائري "قسما" الذي تضمن أبدع تصوير لملحمة الشعب الجزائري الخالدة. ومن العلماء نذكر الشيخ ابراهيم بن عمر بيوضالذي شارك سنة 1931م في تأسيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين ومناقشة قانونها وانتخب عضوا في إدارتها وأسندت إليه نيابة أمانة مالها .وقد لعب دورا فعالا في إحباط مؤامرة فصل الصحراء عن الجزائر. وكذلك أبو إسحاق إبراهيم اطفيش الذي أصدر وترأس تحرير مجلة المنهاج ما بين 1344هـ/1925م- 1349هـ/1930م، التي عرفت بتوجهها السياسي والاجتماعي القويين، فكانت تنشر مقالات لكتاب عرفوا بعدائهم الصريح للاستعمار الغربي، والشيخ أبو اليقظان إبراهيم بن عيسى حمدي الذي يلقب بعميد الصحافة في الجنوب ، وهو عالم جليل وصحفي بارع. كان رائدا من رواد الصحافة العربية والإسلامية في الجزائر عموما وفي جنوبه خصوصا، حيث شهد له التاريخ تحديه المتواصل للآلة الاستعمارية، حتى أنه أصدر ثماني جرائد واحدة تلوى الأخر، ومن بينها جريدة وادي ميزاب، جريدة الفرقان، جريدة النور.

والجدير بالذكر أيضا أنه كانت لبني ميزاب مشاركة فعالة في إنجاح إضراب الثمانية أيام الذي أقرته الجبهة الوطنية للتحرير بغلق جميع المحلات التجارية بالعاصمة آنذاك. وكانوا تزامنا مع الإضراب، يمولون سكان العاصمة بكل المواد الغذائية التي يحتاجونها حتى لا يجوع الشعب ويفشل الإضراب، ولم يتلقوا أية مبالغ مالية نظير ذلك. وبهذه الطريقة تم مواجهة المعمر الفرنسي إلى أن حقق الشعب مبتغاه وجاء الفرج المبين واستقلت الجزائر عن الاستعمار الفرنسي.

وما هي إنجازات بني ميزاب بالعاصمة في تاريخ الجزائر المستقلة؟

إنجازات بني ميزاب بالجزائر العاصمة في تاريخ الجزائر المستقلة كثيرة، فمثلا قاموا بتشييد بعض المساجد، خصوصا وأنهم معرفون بمدى ولوعهم بالعلم خصوصا تلك التي تعنى بأمور الدين والعقيدة، ومن أمثلة هذه المساجد ذاك المتواجد بشارع طنجة بالجزائر العاصمة، بالإضافة إلى ثاني بمحاذاة مقبرة العالية بالحراش، وثالث متواجد بالحميز، ولم يتوقفوا عند هذا الحد فقط بل قاموا بتأسيس تجارة خاصة بهم من شأنها أن تساهم في تنمية الاقتصاد الوطني، على غرار تجارة القماش والقصابات التي أصبحوا سباقين فيها، كما برز منهمالعديد من المثقفين وأهل العلم والسياسة الذين لطالما شرفوا الجزائر في محافل دولية كثيرة.

نشكركم الأستاذ باباسي على هذه المعلومات القيمة، فهل من كلمة ختامية؟

لا شكر على واجب. لقد شعرت بسرور كبير حينما طرحتم علي فكرة الحوار، وقررت أن أقدم لكم كل المعلومات التي أعرفها عن تاريخ بني ميزاب وإنجازاتهم بالعاصمة، وذلك حتى نطلع الرأي العام عن بعض خبايا التاريخ، كما أتمنى من كل قلبي أن تعود الأمور إلى نصابها في غرداية ولا فرق بين مزابي أو عربي فكلاهما جزائري من أرض واحدة ودين واحد، كما أتمنى كل النجاح والاستمرارية لجريدة "جنوب نيوز" التي أرجو أن تكون منبرا إعلاميا ونموذجا في البحث عن الحقيقة ونقلها للقارئ بكل صدق ومصداقية

المصدر : جنوب نيوز.

Tags: تأريخ, بطولات المزابيين