كيف تقسم مياه الوديان في مزاب؟

توزيع مياه الأمطار في واد مزاب(01)

Icon 08

" .. لعل أول ما اتجه إليه المزابيون بعد استقرارهم في الوادي، هو توزيع مياه الأمطار التي تجود بها الطبيعة أحيانا، وخزنها، والاستفادة منها قبل أن تبتلعها الرمال. وتوزيعها يتطلب معرفة جيدة بالأراضي، وهندستها ومساحتها.

كما أن الزيادة أو الإجحاف فيها يثير غضب المالك للمزرعة لأن هذا الماء هو كل شيء عنده فلذا نجد في نهاية كل واحة حيث ملتقى شعاب الأودية اليابسة سواقي مبنية تتلقى المياه التي تسيل على مناكب الجبال، عند الأمطار وتوزع بواسطتها توزيعا عادلا فتمر تلك المياه في سواقي عريضة يتراوح عرضها إلى نحو 1050م وفي مدخل كل غابة أو مزرعة فوهة تضيق وتتسع حسب مساحة أرضها يتسرب منها الماء إليها.

وتنتهي تلك السواقي أخيرا وتتلاقى في بطحاء واسعة بني لها سد متين تتجمع وراء المياه، بعد أن تمر وتتخلل الحدائق كلها وهذه السدود الكبيرة تقوم بمهمة خزن المياه وحجزها فلا تذهب إلى الرمال التي تنتظرها، ولكن سوف لا يطول بقائها خلف هذه السدود، فسرعان ما تنتشر بها الأرض وتمتلئ بها الآبار، إلا أن الله تعالى رؤوف بعباده فهناك داخل الأرض على بعد طبقة صخرية تحجز تلك المياه هناك فيستخرجها الفلاح بواسطة النزح من البئر يقي بها زرعه ونخيله لعام أو عامين ريثما ينزل المطر من جديد أو تأتي الرحمة كما تسميها العامة فيقولون رحمنا الله في تاريخ كذا أو الرحمة تأخرت في هذه السنة..."

Icon 08

كيف تقسم  مياه الوديان في مزاب؟(2)

هذا المقال تتمة للمقال: مَانَشْ إِيتُّوزُونَا لَغْدِيرْ إِغْزَرْ نْ مْزَابْ؟

1. تمهيد:

سكن بنو مزاب بلاد الشبكة منذ أقدم العصور، حيث يؤرخ علماء الحفريات تواجدهم بهذه المنطقة إلى العصر الحجري الأول، إلا أن استوطانهم للمنطقة كان في فترات متقطعة.

ويعود الازدهار الحالي إلى قدوم فلول الإباضية المضطهدين بعد خراب الدولة الرستمية سنة 296هـ حيث شهد وادي مزاب استقرارا وتوسعا استمرا إلى حد الآن.

وقد أحدث الإنسان معجزة في هذه المنطقة، فبفضل المجهودات الجبارة والخارقة التي بذلت من طرف الأوائل الذين سكنوها تحولت الأرضُ القفر الجرداء إلى واحات غناء ساحرة تجود بما يحتاجه الإنسان من الماء العذب والغذاء وعلف الأنعام.

الدراسة التي نحن بصدها هي خلاصة البحث التي قمنا به من أجل الحصول على شهادة "ماستر" في علوم الأرض –تخصص: موارد مائية- تحت عنوان: "مقاربة نوعية للمياه الجوفية لمنطقة غرداية".

Icon 08

2. منطلقات موضوعية:

قبل أن ننطلق في موضوعنا لابد لنا من توضيح ثلاث نقاط أساسية ينبني على فهمها الجيد الاستيعابُ الكامل والمقنع الذي نرجو أن يصل إليه القارئ لهذا الموضوع:

1. يسود منطقة غرداية مناخ صحراوي يتميز بخاصيتين أساسيتين متناقضتين:

كمية التساقطات السنوية ضئيلة وجِدُّ متذبذبة يبلغ معدلها 60مم.

الكميات التي يمكن للجو أن يبخرها هائلة قد تصل إلى 3000مم سنويا.

لذا فإن المورد المائي الوحيد هو المياه الجوفية المستخرجة بالآبار التقليدية.

2. سيلان أودية بلاد الشبكة موسمي، فهو مقرون بالأمطار الرعدية المفاجئة عادة، والتي تؤدي في بعض الحالات إلى فيضانات كاسحة، وهذه الوديان هي المصدر الوحيد لتغذية الطبقات الجوفية بالمياه، مما يستوجب احتواء أي قطرة من قطرات المطر.

3. تختلف مياه الآبار كمّاً ونوعاً من منطقة إلى أخرى، لكنها متعلقة أساسا في كميتها بالتساقط –كما أسلفنا- أما نوعيّاً فهي مميزة غالبا بتراكيز عالية من الأملاح المذابة في اللتر الواحد مما يشكل صعوبات بالغة في استعمالها خاصة للسقي.

Icon 08

3. وادي مزاب وأهم روافده:

واد مزاب هو أحد أهم وديان بلاد الشبكة، يسيل من الشمال الغربي إلى الجنوب الشرقي مرورا بقرى سهل وادي مزاب ثم زلفانه إلى سبخة صفيون بنقوسه شمال ورجلان. وطوله الإجمالي من أعالي واد لبيض إلى المصب 300 كلم. أهم روافده وأطوالها بالتقريب هي:

واد لبيض 70 كلم

واد لعديره 55 كلم

واد انتيسه 40 كلم

واد التوزوز 15 كلم

واد أزويل 8 كلم

في الخريطتين المرفقتين نتعرف على توزع تلك الوديان والتقاءها مع بعضها في الأعلى، وعلى أهم الروافد الفرعية لواد مزاب.

إن الحوض الهيدروغرافي لواد مزاب واسع وشاسع جدا مقارنة بمساحة كل القصور مجتمعة، وهنا نفهم كلام الشيخ حمو والحاج رحمه الله: "أَلِّيغْ إِيوِيغْدْ وَارْ، بَتَّا تَجِّيمَازْدْ أَبْرِيدَسْ يَلَّا دَالرَّحْمَتْ، بَتَّا لَاشْ يَلَّا أَوَنِّيَاشْ".

في الاصطلاح، نعتبر موقع الرافد (يمين أو يسار) حسب اتجاه سيلان الوادي، ومحليا نسمي الشعاب المتواجدة على يمين الوادي "إِغَزْرَانْ إِغَرْبِيِّينْ" والمتواجدة على يسار الوادي "إِغَزْرَانْ إِشَرْقِيِّينْ".

علما بأن الواد يسيل إلى الجنوب الشرقي أي في اتجاه القبلة عموما، لذا نقول "أَمَانْ اَتْقَبْلَنْ"

أ. إِغَزْرَانْ إِغَرْبِيِّينْ:

واد لبيض: الرافد الأساسي لواد مزاب.

التوزوز: يصب في أحباس ن التوزوز ويسقي تيجما تغربيين.

أريدان: رافد صغير نوعا ما، يقع بين واديي لبيض والتوزوز ويمر في وسط بلدية الضاية.

أخلخال: يسقي البساتين العليا في تيجما تغربيين.

واد بلغنم: يصب بواد مزاب على مستوى مراوط بالوح.

انتيسه: أحد الروافد الأساسية كذلك، يسقي تيجما ن آت يسجن.

 

ب. إِغَزْرَانْ إِشَرْقِيِّينْ:

لعديره: ثاني أهم رافد لوادي مزاب، موجود في شمال تجما ن تغردايت.

إنيرز: بمحاذاة تارجا ن بوشمجان، وخلفه الشعبة ن بوشن.

تارجا ن الشيخ باباوالجمة: تصب في مجرى الوادي قبيل باب حواشه.

واد أزويل: يسقي تيجما ن آت بنور.

لايتمزا: تصب في واد مزاب قبيل تاجنينت.

بالإضافة إلى الكثير من الشعاب والروافد الصغيرة. والله أعلم وأحكم..

دور نظام تقسيم المياه في الاستغلال الأمثل لمياه السيل:

نظام تقسيم مياه السيل يعتمد على مبدأ الاستغلال الكلي والأمثل لمياه الأمطار وعلى التقسيم العادل لهذه المياه على مجموع الواحة. فيمكن حصر أدواره على أربعة مراحل:

1. التجميع.

2. التوجيه.

3. التخزين.

4. التوزيع.

وتشارك في هذه الأدوار هياكل بُنِيَت وصُممت خصيصا لهذا الغرض، نذكرها باللغة المحلية وبالمفرد:

تارجا                 أحباس                        ترست

تصنبت              أرصفت

 

Icon 08

من خلال الدراسة المعمقة والمتأنية تبين لنا البعد الحقيقي لمساهمة كل العناصر السابقة في تثمين الأدوار المذكورة، من أجل استغلال أمثل للمورد المائي بما يعود للنفع للإنسان أولاً ثم بما تحققه من توازن في العناصر:

ويتجلى ذلك في النقاط التالية:

1. تخفيض تركيز الأملاح في مياه الآبار بفعل السدود ذات التخزين المؤقت (بوشن، التوزوز) أو التي تعمل كممهلات على طول الوادي (أحباس اجديد الوحيد الذي بقي إلى الآن) وهذا يتضح جيدا في الذوق الحلو لمياه منطقة "باباوالناصر" ناحية "بوشمجان" مثلاً حيث توجد آبار المياه العذبة الموجهة للشرب.

2. إمداد طبقات الأرض الجوفية بالماء والتي تقوم بدور التخزين الدائم وحفظ هذه المياه من التبخر، سواء بالسدود أو خاصة بالآبار المسماة "تِرْسِين نُ اسْوَطَّ نْ لَغْدير" أي التي تقوم بإنزال مياه السيل إلى الطبقات الجوفية وهذا بفعل الإنسان.

 

3. غسل الأراضي الزراعية من تراكمات الأملاح التي تبقى بعد السقي وهذا بإدخال مياه السيل إلى البساتين.

5. الخلاصة:

إن وادي مزاب متحف مفتوح لكل باحث يريد أن يتعمق في تراثه، لكن ما نشاهده من تجاهلٍ وإهمالٍ وتنكُّرٍ له من طرفنا، نحن أحفاد هؤلاء العباقرة الذين جعلوا الحياة ممكنة في هذه الربوع، ينذر بكارثة محتملة قد تدفع أحفادنا إلى مغادرة هذا الوادي بحثا عن وطن آخر يأويهم؛ لذا لابد لنا من توصيات نأخذها في نهاية هذا البحث، وهي:

1. ضرورة المحافظة على هذا التراث الإنساني وعدم تخريبه خاصة ما لم نعرف حكمته، فالإنسان "عدو لما جهل".

2. السعي إلى إعطاء الصبغة العلمية لهذا التراث من خلال تخصيص دراسات معمقة.

3. استخلاص استنباطات ميدانية لهذا التراث من أجل تطبيقه في مجال أوسع.

والله أعلم وأحكم..

----------------------- 

(01)المصدر: كتاب مزاب بلد كفاح. تأليف: إبراهيم محمد طلاي. ص 63-65.

(02) بقلم: يوسف بن محمد بن ج قاسم حكيمي؛ باحث في مجال تسيير الموارد المائية..

المصدر nir-osra.org

Tags: حضارة, الفلاحة والري