مواقف المزابيين البطولية
يقول الجنرال فيفان الفرنسي وزير المستعمرات: (ونحن الفرنسيين نعلم أن الجزائر لم يدافع عنها بحق إلا المزابيون ، فإن آخر قوة بقيت تدافع بعد استسلام الداي، استسلام ذل و صغار ، و احتلال العاصمة ، و استمرت ترسل نيران مدافعها هي قوة المزابيين بجبل سيدي بنور ، ولما ورد مْزاب خبر سقوط العاصمة في يد الفرنسيين ، مكث المزابيون ثلاثة أيام لم توقد نار في بيت من بيوتهم ، لا حزنا على شهدائهم بل تقديرا لفداحة الخبر).
1- بنو مْزاب في الجزائر العاصمة سنة 925 هـ / 1518 م : إن خير الدين بربروس ( والي الجزائر العثماني من 1518 ) لما أحس بخطورة الموقف بعد احتلال الإسبان لمنطقة " كدية الصابون " (منطقة قرب الجزائر العاصمة ) ، و إحاطة العدو الإسباني بمدينة الجزائر ، استدعى إلى قصره الشيخ باحيو بن موسى و هو من تجنينت ، و أمين المزابيين في الجزائر بكير بن الحاج محمد بن بكير و هو من آتمليشت ، و غيرهما من المجاهدين المزابيين يستشيرهم ، فأشاروا عليه بالقيام بعملية فدائية ، قد يكون بها احباط المخطط الإسباني و انهزامه ، و اتفقوا معه على أن يقوموا هم بالعملية . بعد ذلك اجتمع المزابيون بمكان معين هو مكان المسجد الإباضي العتيق بالعاصمة حاليا ، تحت إشراف أمينهم ، فاختاروا من بينهم سبعين فدائيا ، و قرروا حمل السلاح على النعش كجنازة و السير به إلى المعسكر الإسباني في حي حسين داي (أحد أحياء العاصمة الجزائرية ) فذهبوا بالتهليل و التكبير مخترقين قوات العدو على طول الطريق ، و كان العدو يراقب المشيعين عن كثب ، فلما بلغوا بالجنازة الوهمية المكان المقرر صلوا عليه إيهاما للعدو . ولتنفيذ العملية الفدائية ، أمر رئيس الفرقة واحدا يقوم بنسف مستودع البارود في المعسكر ، فخرج إليه شخص يلبس عباءة من نوع اللش (تصنعها المرأة المزابية من الصوف متعدد الألوان تنسج فيها عددا من الرموز و الرسوم التقليدية ) ، وأخفى تحتها قرابيلة فدخل بسرعة و مهارة في المعسكر الذي لا يحرسه إلا عدد قليل من الجنود الإسبان فنسف المستودع و استشهد ، فالتحمت المعركة و أشغل الفدائيون النار في المعدات الحربية و القوارب التي تصل الأسطول الإسباني بالشاطئ . فلما شاهدت قوات العدو المتمركزة بكدية الصابون أن المعسكر و القوارب تلتهمها النيران ، انقسمت إلى نصفين , قسم أسرع لإنقاذ المعسكر و آخر يواجه ضربات المجاهدين الذين فتحوا أبواب المدينة بعد العملية الفدائية ، و لم يكد ينجو من هذه المعركة أحد من الإسبان ، وقد تم هذا النصر يوم الأحد 23 أوت 1518م -925هـ ,وفر القائد الإسباني دون هوقو مع ما بقي من الجنود ، أما الشهداء المزابيين فدفنوا هناك في حسين داي الحالي .
2- العدوان الفرنسي على الجزائر وعلى إثر العدوان العسكري الفرنسي والإنزال الذي شهدته شبه جزيرة سيدي فرج بالضواحي الغربية لمدينة الجزائر، راسل الباشا حسين دا ي الجزائر سائر النواحي الجزائرية. وقد تولى الآغا أفندي إبراهيم قيادة الجيش الجزائري الذي كان ينضم إليه في كل يوم بضعة آلاف من العرب والقبائل والأعراش بقيادة باياتهم وشيوخهم أو خلفائهم فوصل باي قسنطينة إلى سطح الوالي (سطاوالي) مع حوالي 12000، وباي التيطري مع 8000 وخليفته مع 3000 وخليفة باي وهران مع6000، ومع شيوخ القبائل(26) مابين 16000 و18000، وأمين الميزابين مع حوالي 4000 مجاهد. وهذا حسب تقديرات الطبيب الألماني (سيمون بفايفر). ولا ندري ما معتمد الشيخ توفيق المدني في تقدير تعداد مساهمة المزابيين في جيش المتطوعين، حين أحصى عددهم بألف رجل. وهكذا أصبح الجيش الجزائري بإضافة حرس الآغا أفندي وسكان الجزائر الذين تواصلوا إلى المعسكر بدفعات كثيرة، يضم 50 ألف رجل على الأقل. ويبدو أن لا الداي ولا الآغا إبراهيم يعرف مقدار القوات الجزائرية المحاربة وتذكر بعض الروايات والمراجع أن المجاهدين المزابيين استماتوا في الدفاع في الساعات الأولى من الهجوم على الجيش الفرنسي، وقد سقط منهم عدد كبير في ميدان الشرف، ولهؤلاء مقبرة في سطاوالي اختفت معالمها. و سقوط مدينة الجزائر في الخامس من جويلية 1830 في يد الجيش الفرنسي امتد وقع الخبر إلى مزاب، فأضرب السكان هناك عن إيقاد النار في بيوتهم ثلاثة أيام، تقديرا لفداحة الخطب وهول الكارثة، واستعدادا لمواجهة المرحلة الجديدة. ولا نستغرب استماتة المزابيين في الدفاع عن البلاد التي تعتبر موردا لأرزاقهم، فضلا عن أنها بلاد إسلامية، وهذا قبل أن تتبلور معاني الوطنية الجامعة التي توحد مشاعر الشعب وتحدد أهدافه في إطار الحركة الوطنية الشاملة.
3- بنو مْزاب في الجزائر العاصمة عام 1830م: يقول الشيخ أحمد توفيق المدني:(و قد كان الباشا راسل سائر النواحي الجزائرية ، فأجابته بأنها مستعدة لإرسال رجالها للحرب ، و أرسل المزابيون -مع أمينهم في العاصمة- أربعة آلاف رجل للمشاركة في الدفاع و تجمعت الجموع كلها في اسطاوالي ، بينما تمكن الجند الفرنسي يوم 13 جوان 1830 من النزول إلى البر داخل شبه جزيرة سيدي فرج ، وتحصن بها دون مقاومة تذكر ) ويضيف الشيخ حمو بن عيسى النوري (إن المجاهدين المزابيين ,استماتوا في الدفاع في الساعات الأولى من الهجوم على الجيش الفرنسي ، و قد سقط منهم عدد كبير في ميدان الشرف ، و في مقدمتهم البطل اطفيش داود بن يوسف شقيق قطب الأئمة ، ولهؤلاء الشهداء مقبرة في اسطاوالي في ساحة طمست آثارها اليوم ) و ممن شارك في الدفاع عن العاصمة في هذه المعركة جد الشيخ مطياز ابراهيم من الأم ، عيسى بن موسى الأمين الذي جرح و نقل إلى مْـزاب ، و استشهد أخوه محمد بن موسى و جد الشيخ مطياز من الأب كذلك . ونجد العدو يشهد أن آخر حامية استمرت في ارسال نيرانها بعد احتلال العاصمة هي حامية المِزابيين بجبل سيدي بنور . يقول الجنرال فيفان الفرنسي و زير المستعمرات :(ونحن الفرنسيين نعلم أن الجزائر لم يدافع عنها بحق إلا المزابيون ، فإن آخر قوة بقيت تدافع بعد استسلام الداي ، استسلام ذل و صغار ، و احتلال العاصمة ، و استمرت ترسل نيران مدافعها هي قوة المزابيين بجبل سيدي بنور ، و لما ورد مْزاب خبر سقوط العاصمة في يد الفرنسيين ، مكث المزابيون ثلاثة أيام لم توقد نار في بيت من بيوتهم ، لا حزنا على شهدائهم بل تقديرا لفداحة الخبر ) .
4- بنو مْزاب في سهول متيجة : لقد استشهد كثير من المزابيين في المعارك الطاحنة التي قادها ضد المحتلين كل من ابن زعمون و الحاج يحيى بن المبارك و مصطفى بن مرزاق ، و ذلك بين وادي الحراش و بوفاريك و البليدة ، و خصوصا في المعركة الضارية التي بين حجوط و بني مراد . و للمزابيين مقبرة مشهورة خاصة على الطريق الصاعد إلى الشريعة ، تضم رفات 35 شهيدا سقطوا في تلك المعارك .
5- بنو مْزاب في صفوف الأمير عبد القادر : لما التحق سيدي السعدي بالأمير عبد القادر لمواصلة جهاده انضم كذلك المزابيون إليه ، فكانوا أطوع جنده ، فاتخذهم في بطانته ، و جعلهم من أمناء سره . منهم الطبيب الماهر باي أحمد بن بابا عيسى ، اتخذه الأمير طبيبه الخاص و كاتبه و أمين سره ، وهو من آت مليشت ، حضر مع الأمير في معاهدة التافنة .و الحاج سليمان بن داود ، كان ذا مال و جاه عريض في تيارت و نواحيها ، و قد صادرت فرنسا كل أملاكه بسبب نشاطه في ثورة الأمير و إمدادها بالمال و السلاح ، وهو من تجنينت . وحمو بن يحيى يدّر من تجار معسكر و أعيانها ، وهو من آت يزجن ، والحاج داود بن محمد أميني ، كان أمين مال الأمير ، وكان لغناه الشديد يطبع له عملة ذهبية ، كما كان يصنع له السلاح بوادي مْزاب على نفقته الخاصة . و منهم الحاج يوسف أميني ، شقيق داود أميني كان أمين المال في المدية ، و محمد ابن صالح أميني كان أمين المال في الجلفة.
6- بنو مْزاب على أسوار قسنطينة: لقد دافع بنو مزاب عن قسنطينة دفاعا مستميتا ، مما جعل القائد الفرنسي بعد سقوطها يرفع لهم قبعته تحية لبطولتهم ، و قد اشترطوا بعد إيقاف اطلاق النار ألا يسلموا سلاحهم ، و ألا يدخل الجيش الفرنسي القسم الذي كانوا يدافعون عنه لنهب أو سلب أو انتهاك حرمات ، مما جعل عائلات قسنطينة و البيوتات الكبيرة فيها يبعثون بكل نسائهم إلى تلك الأحياء ، فأصبحت رحبة الجمال ملجأ لعائلات وجهاء المدينة و من يرغب بالإحتماء ببني مْزاب مدة أيام الإستباحة الثلاثة . ثم إن أحد أغنياء عائلات ( ابن لفقون ) في قسنطينة حبس أرضا له بقسنطينة على المزابيين ، اعترافا بجميلهم في هذه الحادثة ، فاتخذوها مقبرة لهم .
7- نجدة بني مْزاب لوارجلان عام 1226 هـ - 1811 م : قدم بنو جلاب (حكام تقرت ) إلى وارجلان (مدينة قرب مْزاب ) ، بجيش جرار و سلكوا طريق الفساد و النهب و القتل ، فتلقتهم جموعها و قابلتهم مقابلة الأبطال دفاعا عن وطنهم ، و طلبوا النجدة من بني مْزاب ، فجادوا بخيلهم و رجالهم ، فحكموا سيوفهم في رقاب المعتدين ، و قدموا الشيخ داود بن ابراهيم طباخ امام دفاع ، و كان ضمن هذه النجدة حوالي 800 مزابي رافعين لواء أبيض به رقعة من كساء الكعبة كتب عليه آية من القرآن . و لما وصلوا وارجلان انضموا إلى إخوانهم ووقعت معارك قاسية دامت ثلاثة أيام بلياليها ، أسفرت عن انهزام جيش الجلابيين الغازي . عندما تبلغ الإباضية المزابيين أخبار عن مهاجمة عدو لهم ، أو توقع خطر ينزل عليهم ، فإنهم يتفقون على واحد منهم يبايعونه على أن يقودهم في معركة الدفاع ، يسمى إماما للدفاع ، فإذا انتهت المعارك و رجع العدو و أمنت البلاد بطلت البيعة و الإمارة تلقائيا ، و يصبح إمام الدفاع هذا فردا كسائر الناس . شهادة للمناضل : ابن يوسف بن خدة ، عضو لجنة التنسيق و التنفيذ لجبهة التحرير الوطني ، و رئيس الحكومة الجزائرية المؤقتة في جهاد الشيخ بيوض رحمه الله و المزابيين أثناء ثورة التحرير المباركة .
Tags: الهوية, تأريخ, الجزائر, سياسة, كفاح التحرر, بطولات المزابيين