آلبــير كامو والمزابيون

Icon 08

كتبوا عن مزاب

Albert Camus

آلبــير كامو والمزابيون

في رواية "الرجل الأول" الـتي خَطَّها آلبير كامو بقلمه في أواخر أيام حياته نستطيع تلمُّس مقاطع سردية تتغلغل عميقا في جسد المجتمع لترسم معماريته وجغرافيته.. يتساءل "كامو" كعادته.. ويطرح جدليات تنغرز في متاهة الوجود والوعي الإنساني؛ من قبيل:

لماذا أرغِمتُ على العيش؟

ولماذا في أرض بعيدة؟

من أكون؟

وما الجدوى من الحياة؟

إلى أين أسير؟

وأي شاطئ يمكنه أن يستقبل مرساتي؟

Icon 08

هي أسئلة كثيرة شكَّلت الطابع الفريد الذي تميَّزت به خطاباته السردية، وهي تستند إلى التوظيف الفني للتفاصيل اليومية البسيطة المنتزعة من الواقع، إذ تستفيد من حيوية عناصره وجمالية عناصره في رسم لوحة فنية تضجُّ بالحرارة والقلق والاغتراب.

ومن ضِمن ما ورد في الرواية لفظة "المزابي"...

 

فهي ترد في سياقات شحيحة لكنها مع ذلك تتساوق مع بعضها البعض لتُشكِّل رؤية مَّا. فيأتي الكاتب إلى تقديح خاله المسمَّى "أرنست" بالبخل والشُّح. ولا يجد مُعادِلا لغويا مناسبا يمكنه من أن يجسد هذه الحمولة الدلالية إلا لفظة #مزابي.

فالإيحاءات تتلاحق تباعا من خلال الحيوية التي تتمتَّع بها الكلمة. فهي تساهم في تشكيل فضاء متخم، أين يمكننا التقاط المشاهد من زوايا مختلفة في الرواية. فالمزابيون حسب ما ورد في الرواية هم بقَّالو الحي، يأتون من أماكن بعيدة جدا يُطلق عليها "المزاب". فهم معدومون، ويعتاشون بواسطة التجارة الصَّارمة. لا يملكون نساءً في دكاكينهم الخلفية.. يدعون نساءهم في قراهم في عمق الصحراء. ينعزلون عن متع الحياة، ويرتدون وشاح الجد والصرامة والعزلة. محلاَّتهم تفوح منها رائحة الزيت والقرفة والتوابل الجافة...

 

Icon 08

وتتساوق الصور السردية في الرواية تباعا لتجسِّد الآخر على أنه فردٌ مزابي بخيل شحيح، يلبس لباسا صوفيا قديما، أو برنوسا أصفر تحيط به التشققات والثقوب. همه الأول هو جني المال وتكديسه حتى ولو كان ذلك على حسابه أحيانا.. ولا مفاوضة في ذلك أبدا... إنهم مسالمون، لا يريدون الأضواء.. يفضلون العيش على الهامش.. يخافون قمع المجتمع المحيط بهم.. فلطالما وصفوهم بالمتزمِّتين أو الهراطقة(1)..

وتتظافر مقاطع سردية أخرى لتحدَّ من الدَّور الفاعلي الذي يمكن أن يُعزِّز من سلطة المزابيين في الفضاءات التي تحوي اغترابهم. فكانت النظرة الدونية تلاحقهم خاصة في أراضي الشمال، فهم قليلو المخالطة، كانوا مضطهدين عبر التاريخ من طرف الآخرين.. فكان أن اختاروا مكانا بعناية في أقاصي الصحراء المقفرة، بحيث لا يمكن لأحد أن ينازعهم عليه، وكانوا بعيدين كل البعد عن العالم شبه المتحضِّر في الساحل... ويكتسب هذا التهميش مشروعيته ومرجعيته بالاستناد إلى ذريعة "أنهم مختلفون عنهم"...

وهل الحياة إلا اختلاف ... ‼

 

بقلم  Omar Ben Aissa

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1)الهرطقة هي: الخروج عمَّا هو متدَاوَل، أو السعي إلى تغيير عقيدة أو المساس بمنظومة متعَارف عليها، أو إقصاء أجزاء منها.. وغالبا ما يكون هذا متعلقا بالدين.

Tags: قالوا عن مزاب