استلهام لوكوربوزييه من مزاب
استلهام المهندس لوكوربوزييه من مزاب كتابه نحو عمارة عصرية
إن الهندسة المعمارية لمزاب في بساطتها وتشكلتها ملائمة للبيئة وللبنية العائلية فكانت مصدر الهام للمعماريين الحديثين مثل "لوكوربوزييه" "Le corbusier" الذي يعتبر مهندس معماري القرن.وقد استلهم هذا الأخير من ضريح سيدي إبراهيم تاجنينت (العطف) لبناء كنيسة "رونشامب" "Ronchamp"المشهورة في منطقة "لي فوج" الفرنسية.
غرداية هذه المدينة الأَلفيّة التي شُيّدت في منطقة وادي مزاب، وهي منطقة صحراوية قاسية المناخ، كانت مواجهة الحرّ والهجير معضلة المؤسسين الذين ابتدعوا، بالاعتماد على الطين، طريقة فريدة في خلق تكييف طبيعي للهواء دون التفريط بالإضاءة، وعملوا على تضييق الشوارع التي أصبحت بمثابة أروقة تفادياً لأشعة الشمس الحارقة. هذه التقنيات المصاغة بجمالية مُدهشة جعلت لوكوربوزييه يصف غرداية بأنها "مدينة متلألئة". زيارته إلى وادي مزاب أثمرت تصميم كنيسة "نوتر ديهو" "Notre Dame du Haut" في مقاطعة "رونشامب" "Ronchamp"، شرق فرنسا، التي تحاكي بهاء العمران المزابي.
لقد قال عنه المهندس الفرنسي لكوربيزييه في كتابه *نحو عمارة عصرية* عندما تقل في رأسي أفكار البناء أذهب إلى المسجد في غرادية حيث أجلس في ساحته لتواتيني الأفكار. إنه لم يكتف بالجلوس في ساحة المسجد فقط ولكنه نقل تصميمه المعماري الداخلي لينفذه في كنيسة رون شون في مقاطعة بيرباتي الفرنسية.
هندسة قرى مزاب و تأثيرها على المهندس المعماري Le Corbusier لوكور بوزيي
زار المهندس منطقة مزاب سنة 1931 و قد جاءها بالسيارة من باريس مرورا بإسبانيا و المغرب الاقصى متوغّلا في الصّحراء . لقد كانت صدمة و مفاجأة بالنسبة له بعد ان اكتشف هذه الكنز الحضاري في مكان لم يكن ابدا يتوقّعه .حضارة حياتيّة ، راقية ، منعزلة، عمرها ألف سنة في قلب الصحراء.
يقول: "مع كلّ ما ذاقته هذه القبيلة من الاضطهاد عبر الزّمن ، ومع ذلك لم تندثر بعد، ربّما السرّ في هذا الاستمرار هو ايمانها العميق بمقومات راسخة في نفوس اهلها تختلف عن الآخرين".
مزاب هي مجموعة من المدن المتقاربة pentapole لم تتأثّر أبدا بمعالم خارجية أو دخيلة منذ قرون -كما حدث لحضارات اخرى- قصور مترامية رائعة، تشكّلها بيوت مبنية بنمطٍ مُبهر .
هؤلاء النّاس هم في حركية و اصرار دائمة للبناء و التّشييد ، لسدّ متطلباتهم في الحياة ورغباتهم الرّوحيّة ، يُترجمها نمط بناء فريد من نوعه ضمن بيوت مشيّدة مثل فسيفساء باهرة او مقطع غنائي ملهم .
بالنّسبة لـ "فرانسسكو تونتوري" "francesco tentori"احد الدّارسين لرحلات "Le Corbusier" كانت الرّحلة والتي دامت 26 يوما في الغالب ، الرّحلة الأكثر تجربة و اكتشاف، و الثّانية بعد رحلته الى الشّرق، ممّا جعله يغوص في حضارات منسيّة لم تكتشف بعد، والتي ستدخل في التّراث العالمي لا محالة .
بعد عامين، وبالضبط في مارس 1933 يعود "Le Corbusier" الى مزاب في رحلة اخرى لكن هذه المرّة في طائرة صغيرة بقيادة صديقه دورافور، بعد ترتيب مذكّراته للملاحة الجوّيّة هو يعرف ان رحلته هذه لن تدوم اكثر من 8 ساعات، لذلك يريد استغلالها جيّدا .
يقوم Le Corbusier في غرداية عاصمة مزاب بالالتفاف حول القصر لتتاح له رؤية فوقيّة من الطّائرة،
فيقول: "هذه البيوت المتراصّة افقيّا أتخيّلها منشأة تتربّع فوق ربوة في منظر بديع"، ثمّ يطلب من قبطان الطائرة الدّوران بطريقة حلزونيّة حتّى قمّة القصر في لفّات متتالية لتكتمل عنده صورة للمخطّط الهندسي البديع، وفي آت ايزجن و من الطّائرة دوما يستمتع بمنظر السطح الهندسي المتناسق للمنازل يبدأ من القاعدة و ينتهي الى القمّة في شكل يشبه كثيرا قاعدة لعبة الشطرنج و ترتصّ مكوّناتها كمحار البحر، أمّا الواحات و البساتين بعيدا عن قُدسيّة هذه المدن فهي حكاية اخرى من الإبداع المنمّق لهاته المدن المشرقة والزّاهية دوما وسط الصّحراء و التي يتمنّى المهندس دوما العودة اليها لدراستها .
كنيسة رونشامب (1953- 1955م)
Notre Dame du Haut,Ronchamp
|
مقام الشيخ ابراهيم بن مناذ تاجنينت واد مزاب
Mosquee de Sidi Brahim El Atteuf Ghardaia
مصلى الشيخ ابراهيم بن مناد يوجد داخل المقبرة التي تعد من أقدم مقابر وادي مزاب و يقع أسفل قصر العطف من الجهة الجنوبية، و يتكون المصلى من قاعة صغيرة دائرية الشكل نصفها مغمور في الأرض تشكل النواة الأصلية له، كان الشيخ يدرس فيها ويلتقي بطلبته، تم وسعت بقاعة نصف علوية عن سقف المصلى وسطح الأرض كان الشيخ يقضي فيها جل أوقاته، ويتم الدخول إلى هاتين القاعتين عبر قاعة الصلاة. ونظرا لموقعه المتميز المتكون من أشكال هندسية بسيطة و وجود تلك الفتحات و الكوات بأماكنها المختارة بدقة وألوانه الساطعة، فقد جلب إليه أنظار واهتمام العديد من المهندسين العالميين و الباحثين والفنانين، منهم المهندس المعماري الكبير لكوربيزيي Le Corbusier الذي استوحى منه عناصره المعمارية و شكله الهندسي لبناء كنيسة ( شبال ديرونشون ( بفرنسا. المصلى مفتوح على الصحن بأقواس ذات أشكال وأحجام متفاوتة جميلة وبسيطة وبارتفاع متناسب مع قامة الإنسان، و كذا مجموعة من الفتحات ذات أشكال هندسية مختلفة موضوعة على رفوف عريضة محاذية لجدار ضريح الشيخ. و فيما يخص تقنيات بناء هذا المعلم ، فتتمثل أساسا في المواد المحلية التقليدية كالحجر الممزوج ببلاط الجير لإنشاء الجدران الحاملة، وكذا جذوع النخل كوسيلة لتسقيف الأروقة التي تبدو على أنماط مختلفة .والمبنى ملبس بملاط الجير الذي أنجز بطرق مختلفة الأيدي – عرجون النخلة ... . والمبنى يصبغ بانتظام بمادة الجير قصد حمايته من تقلبات الطقس من أجل الحفاظ على نظارة لونه الأبيض الناصع لمدة أطول.
|
جامع سيدى ابراهيم هو العمل الفنى الذي جمع بين الابداع والبساطة
قادنى صاحبي إلى جامع سيدى ابراهيم على مشارف بلدة العطف اقدم المدن المزابية والتى تبعد عن غردايه سبعة كيلو مترات وهو اول مسجد اقيم في مزاب إلى مكان اثرى , يبدوا شكل الجامع وكأن المعمارى الذي اقامه كان يطوع الحجر ويلاينه ويخرج منه هذا العمل الفنى الذي جمع بين الابداع والبساطة , فالمبنى على نفس شكل الحجر , ويتسق مع البيئة من حوله .
والجامع لديهم ليس مكان للعبادة فحسب بل ومركزا للحياة , يأخذ هذا الجامع بفكرة القبلة المفتوحة والتى تتجه إلى الفضاء الواسع , ولديهم تقليد فريد بالا يقوم في المدينة سوى جامع واحد , يتسع مع اتساع المدينة , فلا يقام سواه فوحدة الجامع تعنى وحدة المجتمع والعقيدة .
ويؤكد مرافقى مسؤلول الاثار في مزاب الفنان عبد الحميد عرعور : (( ان عددا كبيرا من المعماريين الفرنسيين يجدون هنا الكثير الذي يتعلمونه من هذا الجمال المعمارى المتكامل , وهذا الانسجام بين الوظيفة والشكل )).
ويقف وراء كل هذا الفن ذلك الإنسان الذي عمل بيديه المجردتين في صراعه الطويل مع البيئة ومواد البناء , لكي يتمخض من هذا الصراع ذلك الجمال المعماري القائم , ويأتي جمال الشكل من التوافق والتوازن الذي يعبر عن الوحدة والمساواة في ظل الأيمان , وترى هنا كيف تمثل الزخرفة الفطرية القديمة جمالا باقيا , لم تصل إليه بعد التشكيلية المصطنعة الحديثة .
إبراهيم بن مناد* العطفاوي
(النصف الأوَّل ق: 6هـ / 12م)
من علماء العطف بـ مزاب، عاصر الشيخ باعبد الرحمن الكرثي ، والشيخ بابه السعد الداوي، والشيخ أبا جعفر مسعود. اجتهد مع هؤلاء العلماء الأعلام في نشر المذهب الإباضي بين واصلية بني ميزاب - ومن المعروف أنَّ الميزاببين كانوا واصلية معتزلة، وظلَّ بعضهم على ذلك المذهب إلى غاية القرن السادس الهجري. من علماء الخمسين الأولى من المائة السادسة للهجرة, ( 550 هـ) ويعود في أصله لقبيلة زناته البربرية التي سكنت شمال إفريقيا وعمرت في جبال بني مصعب, يعتبر من أشهر علماء العطف القدامى, وقد عاصر الشيخ باعبد الرحمن الكرتي والشيخ بابا السعد الغرداوي والشيخ أبي جعفر مسعود المليكي, وحسب رواية بعض المؤرخين فهو تلميذ العلامة أبى عبد الله محمد بن بكر الفرسطائي، أخد منه مبادئ وأصول العلوم واستزاد و تبحر في الفروع, وقد اجتهد رفقة هؤلاء الأعلام في نشر المذهب الإباضي وتوضيح مبادئه وأحكامه بين الأهالي, الذين كانوا من قبل واصلية معتزلة, و تابع نهج من سبقه في ذلك خاصة أستاذه أبى عبد الله محمد بن بكر. وللشيخ مساهمة كبيرة في المجال الاجتماعي والإصلاحي, لهذا يعتبر من أبرز الشخصيات التي تحتفظ بها ذاكرة العطفاويين بل أنه محل اهتمام الناس حتى من خارج المنطقة. زيادة للقيمة الروحية التي حازها الشيخ إبراهيم بن مناد من خلقه و أعماله و نشاطه الدعوي، فإن مقامه الموجود بالعطف زاد له علوا وشأنا وجعله محط الأنظار
المصادر:
القطب اطفيّش الرسالة الشافية
حفَّار: السلاسل الذهبية (مخ)، 24
دبوز: نهضة الجزائر، 1/254
متياز : تاريخ مزاب (مخ)، 42
متياز : نظام العزابة (مخ)، 1
الحاج سعيد: تاريخ بني مزاب، 55
مجهول: رسالة حول زيارة مشاهد ميزاب (مخ)، 4، 15، 16، 87
بحاز: الميزابيون المعتزلة، http://tourath.org دورية الحياة، عدد 1 (رمضان 1418ه/1998م) ص124-133.
مجلة العربي وادي ميزاب تراث جزائري حي محمد المنسي قنديل العدد 445
مزاب منذ 31 سنة عالم مزاب المسحور رحلة إلي الصحراء الجزائرية منقول من مجلة العربي الصادرة من الكويت العدد 286 سبتمبر 1982م
http://www.fondationlecorbusier.fr/CorbuCache/2049_4497.pdf
ملاحظة:
وورد: إبراهيم بن أيوب بن مناد، غير أنَّ الأشهر ما ذكرنا.
* يعود إبراهيم بن مناد في أصله إلى قبيلة زناتة البربرية
Tags: تأريخ, سير وتراجم, Architecture , الفن المعماري, الهندسة المعمارية