مزاب وثقافة التسامح

قضية الانعزال هي مسألة نسبية تفرضها عوامل اجتماعية وعشائرية وحتى إجرائية، فالمجتمع المزابي مثلا له تقاليد كثيرة في المساجد والزواج والأعراس وتزاور العائلات، واتفاقات أدبية عرفية كثيرة تضمن حدا من الضبط الاجتماعي لكثير من الآفات كالتدخين والمخدرات، ورقابة عرفية على أداء بعض الشعائر كالصلوات الخمس، وإطار تربوي لغرس القيم والأخلاق في الصغار، كما له فلسفة خاصة في هندسة عالم النساء وفعالياته الدينية والعلمية والأخلاقية، ويتعامل باللغة المزابية المحمّلة بثقافته وفكره ...الخ، كل هذه الخصوصيات تجعل الفرد يميل للزواج ضمن هذا المحيط الاجتماعي الذي يوفر له كثيرا من الميزات، وهذا الأمر موجود في بعض العروش الجزائرية التي لا تزال محافظة على أعرافها الاجتماعية، ولا يعني هذا أن هذا الفضاء مغلق ممتنع على الوافد إليه، فبإمكان من انضم تحت لواء تلك الأعراف والتقاليد واندمج في فلسفته أن يصبح فردا من المجموع، ولقد انصهرت في واد امزاب عدة عائلات وافدة من أقطار الجزائر في أزمان ماضية. وقضيتنا مع جوارنا من قبائل اشعانبة والمذابيح وغيرهم أنهم يراهنون على اندماج مشروط بالتنازل عن الخصوصيات، ولقد حاولوا فعل ذلك بقوة السلطة لما كانوا قوة أغلبية في الحزب الواحد، فهم أنفسهم لهم تقاليدهم وأعرافهم ونحترمها، ولكنا لسنا مستعدين أن نغازل أحدا بالتخلي عن موروثاتنا التي نرى فيها نجاعة اجتماعية وتنظيمية، فلنا نظرة خاصة للدين وللحياة الاجتماعية وللأخلاق نؤمن بها وندعمها ونطورها ونراكمها من قرون، فمن أراد الانضمام تحت لوائها والانضباط بأعرافها فمرحبا به وسهلا، ومن أراد الاستفادة من التجربة فمرحبا به ومنه نستفيد ونكمل الخلل فلسنا مجتمعا ملائكيا، ومن أراد مجاورتنا والبقاء على ما يريد من أعراف فأخوة الإسلام تجمعنا ومظلة القانون والمواطنة تسعنا جميعا، أما أن يفرض أحد عليّ أجندته الخاصة للانفتاح فإن لم أرض بها وصفني بالانعزال فهذا ما لا يقبله عقل ولا فكر محترم، فالمشكل هنا في فلسفة التسامح وقبول الآخر والاعتراف بالتنوع وليس في الكلام عن تعايش وانفتاح إجرائي تفرضه سلطة. وإن تعجب فاعجب ممن يتكلم عن الانعزال وهو يجهر بوصفك بالمبتدع وأحيانا بالكافر!

فكيف يمكن لك أن تنفتح عليه؟

وكيف يمكن أن تزوجه بنتك؟

فلا أدري هنا من يدفع إلى الانعزال؟

متى منع أهل مزاب غيرهم مما عندهم؟*

وهذه مؤلفاتهم تكشف عن عقيدتهم و فقههم، بل عن نظم مجتمعهم وسيره  فأين الإحتكار ؟*

من مظاهر تسامح المجتمع المزابي الجزائري[05]

فيما يلي قائمة لعلماء وفدوا إلى مزاب من مناطق الجزائر، اعتنقوا المذهب الإباضي واندمجوا في النظام الإجتماعي المزابي فصاروا دعاة مصلحين: