رفض تسليم مزاب للأميرعبد القادر
رفض تسليم قرى مزاب للأميرعبد القادر عام 1838م
تعرّض مزاب للغزاة ورفض بنيه التخلي عن استقلالهم الذاتي العهد الثّالث
إنّ بني مزاب الذين لم يتردّدوا في مساعدة الأمير بالرجال والأموال ضدّ المحتلين الفرنسيين، كما تقدّم، رفضوا إخضاع قراهم لحكمه.
بعد إبرام معاهدة التافنا مع الفرنسيين يوم 30ماي 1837، وقصد إخضاع بلدة عين ماضي، مركز الزاوية التيجانية، البعيدة عن الأغواط بنحو سبعين كيلو مترا، غادر المير عبد القادر عاصمته تَاقْدَمْتْ، على رأس جيشه، يوم 11 جوان 1838/17 ربيع الأوّل 1254هـ، وضرب حصارا على عين ماضي، وتوالت الهجومات.
أمام إصرار محمّد بن أحمد، شيخ الزاوية، على عدم الاستسلام ،استنجد الأمير بالماريشال فالي، الوالي العام للمستعمرات الفرنسية في شمال إفريقيا، فأمدّه بمدفعين وأربعمائة قذيفة. ولمّا تمّ للأمير قصف البلدة، أحاطها بسلسلة من الألغام، لنسف أبراجها. عندئذ استسلم الشيخ يوم 29 شعبان1254هـ/ 17 نوفمبر1838م، فأمضى اتفاقية مع الأمير ، وقَبِلَ تأدية ما تجمّع أهل في ذمة أهل البلدة من تخلّف زكاة خمس سنوات مضت، مع تحمّلهم لخسائر الحرب ونفقاته، وأمهل المير أهل عين ماضي أربعين يوما للإخلائها، فرفع الحصار عنها يوم2 ديسمبر 1838م، ثمّ دخلها يوم 12 جانفي1839م، /24 شوال 1254هـ، ففجر الألغام، فانهارت الأسوار عن آخرها[1].
أثناء ذلك الحصار، كتب الأمير للأمّة المزابية أن تعترف بحكومته وتدخل تحت عمله، ثمّ ختم رسالته بهذا التهديد:«فإن رفضتم الخضوع لسلطاني فسأعاقبكم معاقبة أليمة، أقطع رأس كلّ مزابي يقع بين يدي».
انعقد مجلس وادي مزاب في شهر شعبان، عندما وصل كتابه إلى كافة قصور مزاب، فاتّفقوا على أن لا يدخلوا في طاعته ولا يدفعوا له غرامة، ولا يتعاملوا مع قوافلهم التجارية، لأنّ أموره كلها غصبها من النّاس وسلطته التي يدّعيها غير صحيحة، وأجابوه:«نحن لا نحيد عن طريقة أجدادنا ولا ينبغي سواها مسلكا. نعم يدفع إليك تجارنا ومسافرونا الغرامة في بلدانك التي يقطعونها أو يمكثون فيها، مثلما كانوا يفعلون مع الأتراك، أمّا تسليم مدننا إليك فلا يقع ولن يقع...فإنهدّدتنا أن تقطع عنّا الحبوب التي تَرِدُ علينا من التل فقد فاتك أنّ لدينا من الذخيرة بارودا وتمرا ما يكفينا لمدة عشرين سنة...».
فلمّا رجع الأمير ووصل تاقدمت، وكانت مركز حكمه، أمر بإلقاء القبض حالا على بني مزاب الموجدين في المدية والمليانةوتازاوبوغار ومعسكر وتاقْدمت وغيرها، ثمّ ضرب عليهم غرامات فادحة أصبح كلّهم بها فقراء[2].
[1]_ YVER GEORGES : Correspondance du Maréchal Valée III,5-15.
[2]_ علي يحي معمر: الإباضية في الجزائر، الجزء الثاني، 595.