الفتن الداخلية 03

الفتن الداخلية العهد الثالث

هناك أسباب عديدة جعلت نار الفتنة المزمنة تتقد من حين لآخر ولأدنى سبب مباشر ،نذكر منها:  

-العصبية القبلية التي يغذيها مبدأ التناصر وفكرة الدفاع عن الشرف.فالفرد الواحد قد يجرّعشيرته أو قبيلته إلى صراع يعمّ البلدة و ربمّا كامل المنطقة .هذه الصراعات لم تتعدّ يوما هذا الإطار و لم تتطوّر إلى حرب بين قريتين يقصد منها استيلاء إحداهما على الأخرى.

_        الانحطاط الثقافي عموما.

_        غياب سلطة مادية قاهرة كالجيش النظامي أو الشرطة.

_        ازدواجية الصف و هو أهمّها:

إنّ العشائر المزابية كانت تشكّل كتلتين : الصف الغربي والصف الشرقي. أمّا الصف الغربي فيضمّ أولاد عمّي عيسى والعفافرةوالمذابيح من سكان غرداية، وأولاد موسى وأولاد يدّر من بني يزقن، و أولاد عبد الله من سكان العطف وبونورة، وكافة سكان مليكة بما فيهم المالكية الذين أصلهم من متليلي، وأولاد عْلاَهُمْ وآل بَالَّهْ و العطاطشة من سكان القرارة.

أمّا الصف الشرقي فيشمل من غرداية أولاد باسليمانوالنشاشبة وأولاد يونس، ومن بني يزقن أولاد عنان، ومن العطف أولاد جلمام، ومن بونورة أولاد نوح أولاد إسماعيل، ومن القرارة أولاد الزيت، وكافة سكان بريان.

هذا الانقسام إلى كتلتين ليس مقصورا على وادي مزاب، بل هو عام لجميع المناطق المجاورة. فالصف الغربي هم بنو يفرن وبنو مرين ومغراوة ومن انضم إليهم بالمجاورة أو المصاهرة أو الفكرة من زاناتة الشرقية. والصف الشرقي هم من اتحدوا مع زغبة من بني بدين ومن انضمّ إليهم كذلك[1].

إنّ هذه الفتن أنهكت قوى مزاب وعاقت تقدّمها. وقد أدّت مرارا إلى نفي عشائر، بل إلى تدمير أحياء كاملة في بعض القرى وتقسيم البعض الآخر.

ولم تكن المنطقة بدعا من المناطق المجاورة. فما كان يقع في مزاب كانت تعاني منه الجهات الأخرى من الصحراء الجزائرية، إن لم نقل من البلاد الإسلامية، في هذا العصر المظلم.

ثمّ إنّ غالبا ما يكون السبب المباشر لاشتعال حرب أهلية، تأتي على الأخضر واليابس، تافها يخجل المرء من ذكره. ذلك الحال مثلا في بلدة العطف التي أعيت أهلها فتنة، سببها تسمية بقل من البقول المحلية بأحد اسمين: تَامِيسَا أو تَاخْسَايْتْ، حتّى أقاموا سورا ينصف البلدة شطرين. هذا السور وقع الاتفاق بين الطرفين على إزالته في نهاية القرن الثامن عشر.

ويقال إنّ سبب بناء مسجد باسا لم أنّ أهل البلد اجتمعوا لأمر وتفقّدوا مَن تخلّف، فقال قائل منهم:«لم يبق إلاّ أولاد عبد الله، وقالوا ليسوا إلاّ حادثين، فأبرموا أمرهم دون حضورهم، فاغتاظوا لذلك وبنوا المسجد الأعلى والصومعة[2].

إنّ مجلس وادي مزاب اتّخذ إجراءات وقائية وردعية للحيلولة دون اندلاع نار الفتنة في البلاد. فقد اتّفق في ذي الحجة 815هـ/1413م«على قاتل النفس التي حرّمها الله تعالى...يقتل. وإن قتل القاتل وتقوم فتنة عليه في بلاده ويهرق دماء المسلمين بسببه فإنّ المجلس اتّفق على القاتل أن يؤدّي دية المقتول عددها اثنتا عشرة مائة ريالات فضة ويخرج من البلاد عامين...وإن وقعت فتنة في حومة من البلاد وماتت نفس ولم يعلم أهل البلد من قتلها، ووجدوا الميت بغير سلاح ولا آلة في يده من أمور الفتنة، والميت من أهل البلد أو من غيرهم فعلى أهل البلد الدية إلى أهل الميت...وإن شهد أهل الفتنة على واحد منهم وأنكر الواحد فعلى الجميع الدية، وإن تعصّبوا وامتنعوا من دفع الدية بعد طلبها منهم فتؤخذ منهم قهرا. وأصحاب التعصب وينفون من البلاد. وإن سامح أهل النفس برضاهم فلا شيء على من ذكرهم».

وجاء في مستهل قرارات المجلس في شوال1052هـ/1642م مايلي: «اتفقوا أنّ من يحمل الحديد فغرامته عقوبة خمسة وعشرين ريالا. والذي ضرب به خمسون ريالا والنفيان. و الحميّة فغرامتها خمسة عشرون ريالا».

فيما يلي سرد لِما وقع تقييده من الفتن الداخلية:

-        يوم3 محرم 807هـ/1405م، أخرج أولاد أبي إسماعيل من بونورة إلى مليكة.

-        وفي عام 809هـ/1407م، هجم المخاريج ومن معهم على مليكة، ووقعت فتنة بين بني يزقن ومليكة، ووقعت مقتلة عظيمة بين بونورة ومليكة سببها أولاد عبد الله.

-        وفي رمضان 810هـ/1408، وقعت مقتلة بني يزقن وغرداية ومليكة.

-        وفي 814هـ/1412م، وقعت مقتلة عظيمة بين أولاد عبد الله وأولاد أبي اسماعيل.

-        وفي القرن التاسع الهجري كذلك، لمّا وقعت هدنة بين مليكة وبنييزقن، دخل عدد من
آل مليكة تَفِلاَلْت في ليلة من الليالي وأحرقوا خزانة الكتب.

-        وفي سنة 990هـ/1582م، خدع الصف الشرقي في غرداية الصف الغربي، وقُتِل منهم ثمانون رجلا وذلك أسفل العديرة. واستقدم عام 994هـ الصف الغربي المذابيح لمناصرتهم ضدّ الصف الشرقي.

-        وفي القرن العاشر كذلك، وقعت فتنة في مليكة بين أولادعبد الله وباقي السكان، فبنى أولاد عبد الله مسجدا خاصّا بهم. وقع ذلك في زمان الشيخ أبي مهدي عيسى الذي يرض ببناء هذا المسجد.

-        وفي سنة1030هـ/1621م، استقبل أولاد مطهر في بونورة أولاد عبد الله الذين أخرجوا من مليكة. ثمّ وقعت فتنة كبيرة بين العشيرتين أدّت إلى إعلان الحرب من طرف أولاد مطهرضدّ أولاد عبد الله، وإلى تخريب الجزء الأعلى من بونورة، والذي يُعَدْ بناؤه بعد ذلك. ساعد في هذه الحرب بنو يزقن أولاد عبد الله الذين كانوا يقيمون بالجزء الأسفل، وقد كان عندئذ سور يفصل بين القريتين ولكلّ منهما مسجدها .أمّا أولاد مطهر فقد لجأ أغلبهم إلى مليكة.

-        وفي سنة 1052هـ/1642م، وقع اتفاق في اجتماع بروضة الشيخ أبي مهدي عيسى تحت رئاسة شيخ بني يزقن الحاج نوح بن أيوب يقضي بأنّ بني مطهر عليهم أن يكونوا عشيرة خاصة بهم ولا يندمجوا في العشائر الموجودة بمليكة.

-        وفي سنة 1099هـ/1688م، وقعت فتنة أخرى في غرداية بين الصفين، وقف فيها إلى جانب الصف الغربي المذابيحوالشعانبة ومات بينهم خلق كثير، سببها بئر الرحبة، فأصلح بينهم أحد أعيان بني يزقن.

-        وحوالي 1116هـ/1705م، حدث تصادم عنيف بين سكان بني يزقن وفرقة من الدبادبة ضربوا خيامهم بأجوجن، عندما أخرجهم المذابيح من غرداية وكانوا رحلا. وإذ بسط الله عليهم الرزق طغوا وبغوا، فكانوا يتعرّضون لأولاد السكان بأنواع من الأذى، فضاق السكان ذرعا بهذه الحوادث، ووقعت الفتنة فارتحل الدبادبة إلى بريان.

-        وفي شوال1183هـ/1769م، عقد صلح بين سكان غرداية بعد فتنة كبيرة سببها حقوق عشيرتي النشاشبة وأولاد يونس، حضر الصلح جماعة من بني يزقنوبونورة.

-        وفي سنة 1192هـ/1778م، قام أهل الحلّ والعقد من قرى مزاب، من بينهم الفاضل يوسف بن قاسم بن اعمر اليزقني رحمه الله وأصلحوا بين أهل العطف، وبينهم وبين أولاد بورقبة وأولاد مهدي. كما اتفقت جماعة الصلح على إعادة كل وقف إلى المسجد الذي سُجّل فيه، وهدم السور الذي كان يفصل بين شطري المدينة.

-        وفي 1208هـ/1794م، وقعت فتنة في غرداية أثارها النشاشبة وأولاد يونس، كبيرهم باحمد بن عبدالله، وقتلوا من المذابيح تسعة، ومن أولاد أَمَّ عيسى أربعة،وأقاموا حفلا في تِيضَفْتْبالمزمار والطبول.

-        وفي 1209هـ/1795م، وقعت مصارعة بالحجارة في سوق غرداية بين أهلها.

-        أمّا في بونورة فقد نشبت فتنة أخرى عام 1213هـ/1799م بين أولاد أبي إسماعيل وأولاد عبد الله وبين أولاد حمو وأولاد سبع أدّت إلى نفي بعض العائلات من الصف الأخير.

-        وفي 1218هـ/1803م، خدع أولاد باسليمانالمذابيح في سوق غرداية وقتلوا منهم سبعة وعشرين.

-        وفي 1219هـ/1805م، أشعل المذابيح النار في واحة بريان فاحترقت.

-        وفي 3محرم 1220هـ/1805م،وقعت فتنة في غرداية بين الصفين مات فيها من المذابيح أحد عشر، ومن أَمَّ عيسى تسعة، ومن باسليمان أربعون.

-        وفي رمضان عام1222هـ/1807م،نشبت حرب في فم شعبة ختالة بين بني يزقنوبونورة وغرداية وبين مليكة والأرباع والشعنابة، وماتت جماعة من المذابيح في حواسي سعيد بن علي في وادي لَعْدِيرَهْ.

-        كما وقعت فتنة بين بني يزقن وأولاد أَمِّ عيسى من غرداية، استمرت عامي 1222و1223هـ.

-        وفي يوم الأربعاء 3 رجب 1224هـ/1809م، وقعت خديعة أولاد سبع وأولاد حمو بن حريز وأولاد أبي إسماعيل في بونورة.

-        كما أنّه في سنة 1221هـ/1806م،قامت فتنة في العطف بين أولاد عبد الله وبين أولاد الخلفي وأولاد جلمام. سعى الطالب إبراهيم بن أبي بكر في إطفائها وكان عندئذ وكيل المسجد. فلمّا أخفقت مساعيه هاجر إلى غرداية مع عدد من أولاد الخلفي وأولاد جلمام.

انتهت الاضطرابات بصلح عقد عام 1230هـ/1815م

-        اغتيل رئيس جماعة غرداية باحمد بن عبد الله(1791-1811) من طرف أحد من أولاد يونس عام 1226هـ/1811م، وقدتمكّن من بسط الأمن في الصحراء من الأغواط إلى المنيعة، وهو الذي لقن درسا لقبائل البدو المحيطة بمزاب وساعده في ذلك كل القرى بما فيها العزابة، وكان مشهورا بشجاعته وقسوته، عند اغتياله وقعت فتنة أدّت إلى نفي النشاشبة وأولاد يونس فلجؤوا إلى بنييزقن.

-        وفي نفس السنة، وقع سفك الدماء بين أولاد موسى وأولاد عنان في نبي يزقن، تسبّب فيه الدبابة الذين كانوا يسكنون واحة بني يزقن فسعوا بالنميمة بين أهلها.

-        وفي صفر 1228هـ/1813م، ذهب الشيخ الحاج يوسف بن حمو اليزقني مع الشيخ عيسى بن كاسي الغرداوي إلى بريان للإصلاح بينهم.

-        وفي 20 رجب 1229هـ/1814م،هجمت على بريان محلة من أهل غرداية والشعانبة ورجعوا مغلوبين.

-        وفي جمادى الثانية1230هـ/1815م، اجتمع في الْمَغْدَرْ(مكان يبعد عن منتهى أجنة بني يزقن بنحو كيلو متر)، أوباش من غرداية ومليكة وبونورة والعطف وكثير من الشعانبةوالمذابيح، ليتعرّضوا لبني يزقن حينما رافقوا طوائف من عرب البادية، رجوعهم من سوق بني يزقن. وقبل أن يصلوا المغدر رأى بنو يزقن رجالا كثيرا في هيئة تنذر بالبشر، فراجعوا إلى البلد وأعلنوا واجب الدفاع ونظموا قيادة الدفاع، فتولاها الشيخ الحاج سليمان بن عيسى، وتركوا موتاهم.

-        وفي ربيع الأوّل1232هـ/1817م، حصل اتفاق صلح بين بني يزقن والقرى الأربع الأخرى بتدخل من أهل القرارة. ووقع صلح آخر في مجلس وادي مزاب يوم 28 ذي الحجة عام 1241هـ،بين نفس الأطراف.

-        وفي 5رجب 1229هـ/1814م، وقعت خديعة في غرداية بين أولاد بالحاج وأولاد باحمد وأولاد محرز ضدّالنشاشبة وأولاد يونس وأولاد نوح. ووقعت مقاتلة بين المذابيح وبين النشاشبة وأولاد يونس وانهزم الفريق الثاني وخرجوا من غرداية يوم 20 ذي القعدة عام 1231هـ.

-        أمّا أولاد باسليمان فقد خدعوا المذابيح عام1235هـ/1820موخسر أولاد باسليمان خلقا كثيرا.

-        وفي سنة 1234هـ/1819م، نشبت فتنة في القرارة بين الصفين دامت ثلاث سنوات، وانتهت بمعركة الباصور التي قتل فيها مئات من الحرازلية و العطاطشة، وهم بدو استقدمهم القراريون في القرن الثامن عشر. وقد تدخل في هذه الفتنة أهل غرداية ومن معهم من مليكة وبونورة والعطف والمذابيحوالشعانبة، وجهزوا محلة إلى القرارة لينصروا الصف الشرقي على الغربي، وذلك يوم10 محرم 1236هـ. وفي جمادى الأولى1238هـ/1823م،التجأ المشارقة إلى بريان، وهدم المغاربة نصف حيّهم، وبقي النصف الآخر فأعطوه للعطاطشة وسكنوه، كما أعطوا لهم نخيلهم في الواحة.

-        وفي1243هـ/1828م،وقعت فتنة كبيرة بين أهل بريان وأهل غرداية ومليكة وبونورة والعطف، وأخذ أهل بريان قافلة بني مزاب القادمين من الجزائر في ربيع الثاني 1244هـ.

-        وفي ذي القعدة1250هـ/1834م، وقعت مقتلة بين المذابيح وأولاد يحي.

-        وفي سنة 1264هـ/1848م، انتهت الفتنة الواقعة بين بني علوان وبني خليل في مليكة. وقد أيّد الشعانبة بني علوان. استتبّ الأمن بتدخّل أهل بونورة وشيخ غرداية.

-        وفي نفس السنة، نفي أولاد عْلاَهُمْ شرفاء القرارة، وأُرجِعوا عام 1267هـ/1851مبتدخل شريف ورقلة محمّد بن عبدالله إلى جانب أولاد سي امحمد.

بعد رجوعهم اتفق معهم آل باَلَّهْ على طرد أولاد أعلاهم الذين لجؤوا إلى بريان، ثمّ عادوا منها خفية برفقة أولاد يحي والمخاليف وأهل بريان، فاحتلوا القرارة، وقُتِل عدد من آل بَالَّهْ، وفرّالباقي مع أولاد سي امحمد عام 1268هـ،ممّا جعل محمد بن عبد الله يعود إلى القرارة من ورقلة، ويحصرها، ويقطع أكثر من ألف نخلة ولا يفكّ حصارها بعد عشرين يوم إلاّ بأخذ غرامة ألفين ومائة ريال. وقع ذلك في الصيف 1269هـ/1852م.

-        وفي سنة 1853م، وقع آخر هجوم للشعانبة، حلفاء أولاد أَمَّ عيسى في غرداية ،على بني يزقن، قتل فيه من بني يزقن عشرون.

 


[1]_ إبراهيم مطياز. تاريخ مزاب، 63.

[2]_ مخطوط لعمر عبد الرحمن، 21.

Tags: تأريخ, الجزائر