فتن داخلية 04

فتن داخلية

العهد الرّابع الفترة الأولى من 1853م إلى 1882م

لمّا احتل الكومنداندُوبَارَاي القرارة عام 1270هـ/ 1853م، عيّن يحي بن كرواية قائدا للصفّ الشرقي وبوباكر بن كاسي قائدا للصفّ الغربي.

وفي سنة 1856، أقنع حاكم الأغواط مَارْغُرِيتْ القراري كاسي بن إسماعيل الملقب الزرويل، ليقوم باتّصالات مع التوارق، قصد تكوين علاقات تجارية بينهم وبين فرنسا، فعقد هو وأخوه رحلة استكشافية، رفقة إسماعيل بوضربة، إلى غدامس وغات، وأمدّوا السلطات الفرنسية بالأغواط بمعلومات ثمينة حول هذه المناطق. واعترافا له بمساعيه عيّنه الحاكم عام 1274هـ/ 1858م قائدا على القرارة خلفا لبوباكر بن كاسي.

تجبّر الزرويل وطغى وصار، متى قصد السوق أو غادرها، رافقته أنغام الدفوف والمزامير، ثمّ نشأ اقتتال بين أنصار القائدين، ففرّ كاسي الزرويل مع أخيه عيسى إلى الصحراء في جوان 1859م. وأصدرت جماعة القرارة حكمها عليهما بالنفي، وأعادت القيادة لبوباكر بن كاسي.

بعد ذلك، قام الحاكم بإرجاعهما إلى القرارة في أوّل مارس 1860م، فوقعت فتنة قتل فيها الأخوان، وفي نهاية العام استعادت جماعة القرارة تدبير شؤون البلدة، وبدأ من جديد الصراع بين الصفين الشرقي والغربي. واستطاع الصف الشرقي، بقيادة يحي بن كرواية، أن يبعد إبراهيم بن بوهون وأنصاره يوم 10 سبتمبر 1861، فتوجّه هذا الأخير إلى الأغواط ليعرض حالته على السلطات الفرنسية.

وفي أفريل 1862م/ 1 ذي القعدة 1278هـ، قَبِلَ قائدا غرداية الحاج إسماعيل بن بابا وعمر الكعبوش من الحاكم العسكري بالأغواط، التوسّط لإعادة إبراهيم بن بوهون ورفيقه بوباكر بن كاسي إلى القرارة، وإصلاح ما بينهما وبين أهل القرارة. وفي يوم 22 أفريل 1863م/1279هـ، استولى على جزء من المدينة إبراهيم بن بوهون، ونتج عن ذلك مقتل ثلاثة وسبعين شخصا يوم 7 ماي 1863م/1280هـ، ومن بينهم يحي بن كرواية قائد الصف الشرقي. ألقي القبض على إبراهيم بن بوهون وسجن بجزيرة كورسيكا عامين، وعيّن بوباكر ابن كاسي قائدا من جديد إلى أن توفي عام 1290هـ.

وقيل سجن إبراهيم بن بوهون بباريس عامين من ماي 1863م إلى 29 ماي 1865م، مع الحاج إسماعيل بن بابه، رئيس أولاد عمي عيسى بغرداية، الذي أعان أولاد أعلاهم بالتدبير في فتنة القرارة، وسجن من 31 جوليت 1863م إلى 14 جوليت 1865.

وبعد رجوع إبراهيم بن بوهون إلى القرارة عام 1291هـ، عاد إلى منصبه كرئيس لجماعة القراراة إلى أن قتل يوم 4 أفريل 1877م/1293هـ، في ساحة السوق. نقل على إثر ذلك مدبرو الاغتيال إلى الأغواط، وحكم عليهم بدفع الدية، والنفي إلى غرداية. وفي طريقهم إليها قاطعهم أنصار إبراهيم بن بوهون بزعامة أخيه للأب كاسي، وبمساعدة أربعين عطاشيا قرب لَعْدِيرَهْ، وقتلوا منهم أربعة عشر، من بينهم الحاج قاسم بن حمو طبال، قاضي البلد منذ 1276هـ. كان ذلك يوم 3 جوان 1877م. أماّ كاسي بن بوهون فقد عيّن قائدا في نفس السنة 1294هـ/1877م[1]، وقد استعان بالحاكم العسكري في الأغواط الذي رحّب به وأعانه واستعمله في أغراضه.

وفي 1281هـ، وقعت فتنة بين الشعانبة وأهل بريان، مات منهم خمسة وأربعون رجلا ومن الشعانبة سبعة. وفي 1286هـ، وقعت فتنة أخرى في بريان.

وفي سبتمبر 1864م، وقعت فتنة بين بني يوقن ومليكة وبونورةوالمخاريج من أولاد عمّي عيسى والمذابيح وافترقوا، ولمّا بلغ الخبر إلى متليلي قدم الشعانبة في محلة كبيرة بالطبول والمزامير وقدم أهل العطف ومليكة وبونورةوالمخاريج إلى غرداية، وحوصرت أربعة أيّام، وكان المدّ بين المذابيح وإخوانهم الذين داخل البلد وهدموا السور واقتحموا المدينة، وهرب أولاد باسليمان ومعهم محلّة من بني يزقن كانوا لهم نصرة، فنهبت ديار أولاد سليمان واليهود، وبقيت البلاد في يد أولاد عمّي عيسى والمذابيح. عدد القتلى الذين سقطوا في هذه الفتنة ثمانية وعدد المجاريح سبعة.

وفي 27 رمضان 1284هـ/14 جانفي 1867م، استنجد أولاد باسليمان من غرداية بجماعة بريان التي يترأسها الحاج إبراهيم بن جريبة. قدم هذا الأخير مع عدد من المخاليف وسعيد عتبة والحرازلية وأولاد يحي والدبادبة ومائتين وخمسين رجلا من بني يزقن، وانكبّوا على المذابيحوالعفافرة وأولاد عمّي عيسى. مات منهم أربعة عشر ومن الصفّ الأوّل ثمانية وثمانون رجلا، عندما تخلّى عن الحاج إبراهيم بن جريبة حلفاؤه وأرغم على العودة إلى بريان وترك أولاد باسليمان ضحية للثأر.

وفي سنة 1878م، نفي عدد من أولاد عنان من بني يزقن. ويوم 12 ربيع الأوّل 1297هـ/23 فيفري 1880م وقعت فتنة في سوق بني يزقن ذهب ضحيتها ثلاثة عشر قتيلا وستون جريحا. واتّفق عزابة بني يزقن والطلبة والعوام على من أثار هذه الفتنة، وعددهم أحد عشر رجلا،«أن ينفوا إلى الظهرة (التل) ولا يمكثوا في قصور ميزاب ولا يردوهم حتّى يظهر صلاحهم».

تصالح أولاد عنان من أولاد يدّر يوم 29 فيفري 1921، ودفع الفريق الثاني للفريق الأوّل ما عليهم من الديات يومي 4 و5 مارس 1921.

وفي 11 جوان 1880، تمكّن عدد من المنفيين من بونورة بمساعدة شعانبةومذابيح، من دخول المدينة خفية، وأطلقوا النّار وتحصّنوا في دار الجماعة أين حوصروا ثمّ استسلموا. حصيلة المعركة أحد عشر قتيلا وعدد كبير من الجرحى.

وفي 10 أكتوبر 1881م/1298هـ، قتل رئيس جماعة بريان الحاج إبراهيم ابن جريبة في ساحة السوق على يد ثلاثة من أولاد يحي، وعمره ثمانون سنة، ففرضت السلطات الفرنسية على البلدة ضريبة قدرها ثلاثون ألف فرنك.

ثمّ قتل الشّيخ الحاج صالح بن قاسم شيخ مسجد غرداية، أو اختفى بصفة غامضة، يوم31 مارس 1882م، فوقع اقتتال كبير في جمادى الأولى 1299هـ/ 26 أفريل 1882م، بين أولاد باسليمان وأولاد عمّي عيسى، صاحبه أعمال الشغب والسلب، ذهب ضحيته تسعة موتى وعشرة جرحى، وتعهّد كلّ من أولاد عمّي عيسى والمذابيحوالنشاشبة وأولاد يونس بدفع خمسة عشر ألف فرنك دية لأولي القتلى وتعويضا لضحايا النّهب.

 


1- GOUVION : Monographie du M’Zab, 238.

Tags: تأريخ, الجزائر