معاهدة الحماية
العهد الرّابع الفترة الأولى من 1853م إلى 1882م
لم يقتصر بنو مزاب على إمداد الشريف محمّد بن عبد الله بعدد كبير من المشاة، ولكنّهم ساعدوه أيضا بالمواد الغذائية والمؤونة الحربية. عندئذ حرّم الجنرال راندون[1] باقتراح من الجنرال يوسف شراء الحبوب من أسواق التل على بني مزاب[2].
وفي 4 ديسمبر 1852، يوم معركة احتلال الجنرالين بِيلِسْيِي[3] ويوسف لمدينة الأغواط، التي تحصّن بها الشريف محمّد بن عبد الله –اسمه الحقيقي إبراهيم ابن أبي فارس، يعرف بشريف ورقلة- وسقط فيها حوالي ألفين وخمسمائة ضحية، ساعده حرسه الخاص من المزابيين، على الفرار إلى وارجلان. عقابا لهم فإنّ قوم أولاد سيدي الشيخ الشراقة المناصرين للفرنسيين، قاموا بإبادة أغنام المزابيين. هذا هو السبب المباشر الذي نتج عنه أزمة سياسية بين جماعات مزاب والوالي العام راندون، الذي قرّر إذعان مزاب لفرنسا. عنذئذ أرسل بنو مزاب وفدا لمقابلته، إلاّ أنّ ذلك لم ينتج عنه سوى منح أجل مدّته شهران لإبرام معاهدة الحماية[4].
من جهة أخرى، إنّه لمّا احتل الفرنسيون مدينة الأغواط، وقتلوا بها، وهتكوا الحرمات، التجأت عائلات منها إلى مزاب. ومن بين هذه العائلات آل العمري الذين نزلوا عند صديقهم الحاج حموبن محمّد ترشين، في بني يزقن، لمدّة سنين[5].
عرض الوالي العام على جماعات بني مزاب في رسالته المؤرخة يوم 24 جانفي 1853، استعداده لتأمين المزابيين المسافرين عبر أرجاء المناطق المحتلة، وتأمين تجارتهم فيها، مقابل خضوعهم ودفعهم لفرنسا خراجا قدره خمس وأربعون ألف فرنك، وختم رسالته بتهديد شديد اللهجة.
وربّما الذي شجّع راندون على تقديم هذا العرض، ما كان من تنازع الصفين الغربي والشرقي في غرداية على السلطة. فاغتنم ذلك الوالي العام، وبعث مكتوبه المذكور إلى المزابيين يمهلهم شهرين للاستسلام لفرنسا.
هنالك انقسم بنو مزاب قسمين: قسم أبدى استعداده لقبول شروط الوالي العام، وقسم المقاومة، يتزعمه طلبة القرى، أثار معارضة، أيّدها المزابيون في التل. ولمّا أجرى هذا الفريق اتصالات مع الشريف محمّد بن عبد الله، فرضت السلطات الفرنسية حصارا اقتصاديا على مزاب، ممّا أدّى إلى وقوع بلبلة في الآراء بين محبّذ للإسراع في إبرام معاهدة الحماية، تحفظ عوائدهم وتقاليدهم وتسيير أمورهم الداخلية بأيديهم، وهم الأكثرية، وبين نابذ معارض لكلّ صلة تصلهم بالدولة المشركة فرنسا، ولو أدّى بهم الأمر إلى محق مزاب من الوجود، وفي مقدمة هؤلاء قطب الأئمة الشيخ اطفيش.
اجتمع مجلس وادي مزاب في مسجد أَمِّي سعيد، واتّفقوا على إيفاد جماعة من أعيان القرى السبع إلى مدينة الأغواط يوم 13 رجب 1269هـ/ 22 أفريل 1853م، لإبرام المعاهدة.
ضمّ الوفد من بريان السيّد بابهون ومن غرداية السيّدين باعيسى بن بوهون وداود بن باحمد، ومن مليكة السيّد بانوح بن الحاج أحمد، ومن بونورة السيّد بكير بن علي، ومن بني يزقن السيّدين محمّد بن الحاج زرقون وعمر بن داود، ومن العطف السيّد بكير بن سليمان، ومن القرارة السيّدين بكير بن كاسي وعيسى ولد الزيت.
تمّ عقد معاهدة الحماية مع الكومنداندُوبَارَايْ[6] باسم الوالي العام للجزائر راندون، تعهّدت فيها فرنسا لبني مزاب بحفظ بلادهم واحترام معتقداتهم وصيانة عوائدهم، وأن لا تتدخّل مطلقا في أمور داخلية مزاب، وتترك المدن السبع تعيّن فيما بينها القسط الذي تتحمّله كلّ مدينة من الخراج السنوي. وتنصّ المعاهدة على وجوب غلق أسواق المنطقة أمام الثوار ضدّ فرنسا ودفعهم بالقوّة.
أمّا السلطة الفرنسية تقتصرعلى حفظ النظام العام في البلاد ورعاية حقوق الفرنسيين.
عندما أمضى بنو مزاب المعاهدة رفع الحصار الاقتصادي المضروب على بلادهم. ولتكريس حقيقة الخضوع لفرنسا في أذهان الشعب المزابي، وعندما همّ الكومندان مارغريت[7] عام 1857، بالتوجّه من الأغواط إلى وارجلان على رأس كتيبة من جنده، مرّ بغرداية وعزم على اختراق جانب من المدينة. إلاّ أنّ سكانها أوصدوا دونه أبوابها، فأمرالكومندان جيشه بتحطيم أحد الأبواب بالفؤوس، فدخل المدينة ومرّ الجند بها والحراب على أفواه البنادق، ضاربين الطبول، باعثين بذلك الرعب في قلوب الأهالي، وصدحت الموسيقى الفرنسية لأوّل مرّة في المدينة. بعد الحادثة أعيد صنع الباب المحطّم وسمّي بالباب الجديد[8].
قام كولونيل الأغواط بإحصاء سكان مزاب في سبتمبر 1861، فكانت الأعداد كالآتي:
3.850 | بني يزقن | 1.300 | العطف | 6.300 | غرداية |
800 | مليكة | 920 | بونورة | ||
16.750 | مزاب | 2.300 | القرارة | 1.280 | بريان |
ولتعديل تقسيم السنوي على المدن السبع، وقعت اجتماعات عديدة، انتهت بإحصاء شامل للمنازل والنخيل ودكاكين التجارة، يوم 3 جانفي 1863،
فُرِضَ على كلّ منزل خمسة فرنكات، وعلى كلّ نخلة 0.15 فرنك، وعلى كلّ دكان عشرون فرنكا،
وبقي المجموع: 45000 فرنك.
ثّم بزيادة الضريبة الإضافية النسبية ارتفع إلى 49.837.66 فرنكا.
[1]-COMTE ALEXANDRE RANDON, Gouverneur Général de l’Algérie du 11.12.1851 au 24.06.1858.
[2]-Revue Africaine n° 40,287-288.
[3]- AMABLE PELISSIER.
[4]- B. MERGHOUB : Le Développement Politique en Algérie, 51.
[5] - محمّد علي دبوز: نهضة الجزائر الحديثة، الجزء الثالث، 248.
[6]- DU BARAIL.
[7] - MARGUERITE.
[8]- حمّو عيسى النوري: دور المزابيين، الجزء الأوّل، 304.
[9] - من جهة أخرى فإنّ بني مزاب كانوا يملكون في هذا التاريخ نخيلا في واحة متليلي: 3598 نخلة يملكها خمسة وسبعون ملاكا من مليكة.
346 نخلة يملكها ثلاثة عشر ملاكا من غرداية.
ستّ وخمسون نخلة يملكها ثلاثة ملاكين من بني يزقن.