مقاومة المزابيين لبوشوشة
العهد الرّابع
العهد الرّابع الفترة الأولى من 1853م إلى 1882م
بعد أن تغلّب بوشوشة على كلّ من تصدّى لمقاومته، وسيطر على وارجلان يوم 5 ماي 1871، أذن للدواودة بتخريب متاجر المزابيين ونهبها وإتلاف عدد من المؤلفات الإباضية، ومنها كتب الشيخ أبي يعقوب يوسف السدراتي، وألقى القبض على سبعة مزابيين ساكنين وارجلان، وحكم عليهم بغرامات دفعوها قهرا، ثّم أمر عساكره بقتلهم فأعدموا.
ومن أسوأ ما فعل بوشوشة أنّه غرم الشيخ ابن الحاج معيزة قائد بني واكين والحاج باعزيز بن خواجة رئيس الطلبة بمبلغ عشرة آلاف فرنك لكلّ واحد منهما، على أن تدفع حالا. فجمع بنو مزاب هذا المبلغ الضخم ودفعوه له، وما إن تسلّمه حتّى أمر الشيخين بالرجوع إلى البلد. ولكّنه حين انفصلا، أمر بإطلاق الرصاص عليهما فقتلا. وكان جلول بن بيحمان مختفيا عند قائد بني إبراهيم، فبعث إليه بوشوشة سبحته علامة على الأمان، فلمّا جاء الرجل أطلق عليه الرصاص، قبل أن يصل إلى خيمة الحاكم بخطوات. وقد ارتكب المغامر الجريء ما يرتكبه مغامر أفاق يجري وراء المال والسلطان دون أن يعصمه دين أو خلق[1].
غادر بوشوشة وارجلان متجها نحو وادي مزاب على رأس حوالي ستمائة فارس من المخادمة التابعين للشعانبة بوروبة، ووصل النومرات يوم 21 أوت 1871م.
وفي الجمعة 1 سبتمبر /15 جمادى الثانية 1288هـ، وصل بني مزاب خبر عزم بوشوشة الهجوم عليهم. ولمّا بلغهم وصول جيوشه إلى غابة بني يزقن من متليلي، وقع اجتماع القصور الخمسة في مسجد باعبد الرحمن الكرتي، وتقرّر أن يواجهوه أينما حلّ. اتّجه أهل غرداية يوم الأحد 3 سبتمبر إلى دبدابة بني يزقن على أنغام الموسيقى، وعلى رأسهم العزابة رافعين علمهم الأبيض. أمّا العوام فكان علمهم أحمر، وكان علم المذابيح أخضر. ولمّا وصلوا بني يزقن انضمّ أهل مليكة وبونورة والعطف وبني يزقن رافعين أعلامهم، فلمّا علموا أنّ بوشوشة بقي بالنومرات ولم ينزل بغابة بني يزقن رجع الجميع إلى قراهم.
وفي الغد من ذلك، شاع الخير بأنّ بوشوشة يريد الانقضاض على أهل العطف. فتجمّع بنو مزاب من جديد: ستمائة من غرداية، وثلاثمائة من بني يزقن، وستون من مليكة، ومائة وعشرة من بونورة، واتّجهوا إلى العطف التي وصلوها عشية الإثنين 4 سبتمبر 1871.
في ذلك اليوم، خطّ بوشوشة رسالة إلى بني مزاب يتوعدهم ويأمرهم أن يهيّئوا له على جناح السرعة ستمائة عمارة شعير علفا وثلاثمائة جفنة من الطعام، ودفع الإتاوات كبرهان لهم على الطاعة.
هناك ثار الوادي وهاج وماج بأبطاله وفرسانه، فأجمعوا أن يلقنوه درسا بليغا، فعسكروا في بطحاء كاف الدخان القريبة من سدّ العطف. خرجوا رجالا ونساء، الرجال بخيلهم وبنادقهم والسلاح الأبيض، والنساء بالأعمدة والعصي من ورائهم، وقدّموا إماما للدفاع البطل الهمام الحاج حَمّو بن باحمدباكلّي، فأرجعوا رسول بوشوشة بالجواب على رسالته أنّ بني مزاب يرحبون بقدومك في أسرع وقت ممكن، بكامل عدّتك وفرسانك وجيوشك الجرارة .إنَّهم هيّؤوا لك، عنوانا للطاعة المطلقة، ستمائة عمارة من الرصاص وثلاثمائة جفنة من البارود وعن الإتاوات فلا تسأل.
فلمّا اتّصل بالجواب وأخبره رائده بما شاهد من قوّة يعجّ بها الوادي، خاف من مغبة هذا الأمر، فأسرع من توّه بالعودة إلى وارجلان عبر زلفانة[2].