أثر العقيدة في الأنسان
إننا نعتقد بوجود أشياء أكثر من ذوات وصفات مدركة بالحواس وغير مدركة، ونجد قلوبنا مطمئنة مما نعتقد به ليس فيها أدنى شك كاعتقادنا بوجود ذواتنا وصفاتنا.ولو جاءنا الناس كلهم أو جلهم يحاولون تشكيكنا فيما نعتقد به لم يجدوا إلى ذلك سبيلاً.وحتى يستقر فينا العلم هذا الاستقرار الراسخ لابد أن نرى أنه اصبح يوجه كثيراً من تصرفاتنا وأفعالنا، ويحرك كثيراً من عواطفنا، ذلك لأنه كما انعقدت أفكارنا وعقولنا على معرفته معرفة غير قابلة للتشكيك انعقدت عواطفنا عليه انعقاداً يصرف أفعالنا وحركتنا، وحبنا وبغضنا، بطريقة شعورية أو بطريقة غير شعورية.
ومتى بلغ شعورنا بالشيء إلى حد يحرك عواطفنا ويوجه سلوكنا حمل اسم «عقيدة»، إن للعقيدة جانباً مهماً مع سيرة حياة الإنسان هذا المخلوق الذي يختلف وضعه عن سائر المخلوقات والكائنات الأخرى في هذه الأرض.فسلوك الحيوان يتسم بأنه مظهر من مظاهر دوافعه وغرائزه المتصلة بحدود حاجاته ومصالح جسده، فإذا أشبعت حاجاته كف وعف. أما الإنسان فقد جعلت غرائزه ودوافعه وأهواؤه وشهواته رعية تحت سلطة إرادته الحرة، ومنح بالإضافة إلى إرادته عقلاً يمكن أن يدرك به الخير والشر والنفع والضر.
فإذا استرشدت إرادته بعقله وكان إدراكه للأمور صحيحاً استقام سلوكه، وإذا تخاذلت إرادته فخضعت لأهوائه وغرائزه كان كالأنعام بل كان أضل سبيلا.وإذا نظرنا إلى تأثير العقيدة في تاريخ الجنس البشري نجد أمراً عجباً، فالعقيدة تبدل مجرى حياة الناس أفراداً و جماعات من حالة إلى أخرى، ولذلك أمثلة متعددة منها: ما قصه الله سبحانه وتعالى علينا من نبأ سحرة فرعون، فإنهم لما جاءوا وهم فارغون من العقيدة لم يكن لهم هم أبداً إلا المصالح الدنيوية، لا يعرفون إلا هذه الحياة المحدودة المحصورة بين المبدأ والمصير.فقد حكى الله سبحانه وتعالى عنهم ما قالوا لفرعون.«أإن لنا لاجراً إن كنا نحن الغالبين»، فما كان لهم من مطمع إلا الفوز بشيء من الأجر والشهرة والظهور، وقد أدرك فرعون ما صرحوا به من رغبة في الأجر، ومالم يصرحوا به من رغبة في الظهور والشهرة.. فقال لهم مجيبا «نعم وإنكم إذاً لمن المقربين..ولكن عندما خالطت بشاشة الإيمان شغاف قلوبهم كان منهم ما قصه الله تبارك وتعالى علينا في آيات متعددة.. منها قوله تعالى «لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات والذي فطرنا فاقض ما أنت قاض إنما تقضي هذه الحياة الدنيا».
صورة أخرى سجلها التاريخ تدلنا على عظيم أثر العقيدة في حياة البشر، فالعرب الجاهليون كانوا قد اشربوا وأد البنات، وكان منهم عمر بن الخطاب «رضى الله عنه»، كان بجانب ذلك أشد كفار قريش عداء للدعوة الإسلامية، ولكنه ما كاد يدخل في دين الله تعالى، حتى أصبح يعرض ابنته حفصة على أصحابه وإخوانه في الله يتزوجها من شاء منهم بعد أن كان وجود البنت في حجره عاراً.
وهذا الصنيع من عمر بن الخطاب «رضى الله عنه» لهو حجة قاطعة على من يعضلون ولياتهم عن الزواج، ويرون في قيامهم بعرض بناتهم لذوي الدين ما يبعث على التشكيك في شرف المرأة وطهرها، وما ذلك إلا لضعف العقيدة في نفوسهم. وقد أكرم الله تعالى عمر بن الخطاب بمصاهرة النبي- صلى الله عليه وسلم- فأصبحت ابنته في عداد أمهات المؤمنين.
وهذا بلال بن رباح -رضى الله عنه- يبرز لنا شيئا من مواقفه الغراء المتمخضة من العقيدة الصحيحة، فعندما أسلم لاقى ما لاقاه من العذاب المهين.. يذهب به إلى بطحاء مكة فيطرح في رمضائها بعد أن يجرد من ملابسه وتوضع الصخرة العظيمة على صدره.. ويوضع في جسده الحديد الساخن.. كل ذلك ليصدوه عن الإسلام، ولينطق بكلمة الكفر.. وهو لا يجبهم إلا بقوله «أحد أحد»، التي تزيد من غيظهم فيزاد في تعذيبه حتى إنه ليرى فمه ينبس بكلمات لا يسمعونها، فيبعث في نفوسهم الأمل أنه يريد أن ينطق بكلمة الكفر فيخففون من عذابه، فإذا بهم يسمعون كلمة «أحد أحد». !! هذا الموقف العظيم يضئ للمسلم طريقه في هذه الحياة التي تموج بكثير من الإبتلاءات، ليثبت أمامها وينازلها لأنه يسعى إلى ما هو أسمى وأعلى وخير أبقى إنها الدار الآخرة، فيها جنة المأوى.وبهذا كله نعلم إن العقيدة هي اعظم مؤثر في سلم القيم في حياة الإنسان.. فالدين كله مبنى على هذه العقيدة لذلك سميت العقيدة «أصول الدين» لأنها الأساس الذي يقوم عليه صرح الدين وبدونها يكون العمل مزلزلا غير ثابت ولا يستقر على حال ولا يقر له قرار.
الكـاتـب : أحمد بن مظفر الرواحي