الشفاعة ليست لأهل الكبائر
فقد كنت كتبت مقالا عن الشفاعة نشر في جريدة "الشرق الأوسط" في العدد 7532 تحت عنوان "الشفاعة لا تكون الا باذن الله ولمن أذن له" توصلت من خلاله الى أن الشفاعة في يوم القيامة ثابتة بنص القرآن الكريم والأحاديث الصحيحة الثابتة وأن هذه الشفاعة لا ينالها كل أحد وانما ينالها المؤمنون الصالحون المتقون فليست هي للكفار ولا لأهل الكبائر وقد سقت عشرات الأدلة من الكتاب والسنة ناصة على صحة ذلك . وبعدها بفترة أطلعت على رد على مقالي المذكور نشر في ساحة المنبر الاسلامي في موقع (سحاب) للأخ/ أبو محمد التميمي تحت عنوان: (رد على منكري الشفاعة لأهل الكبائر) وأقولها بصراحة انه لم يأت بجديد فما زاد على أن ساق الأحاديث المثبتة للشفاعة لأصحاب الكبائر والتي كنت قد أجبت عليها وبينت معارضتها للآيات الكثيرة التي تنفي الشفاعة عن غير المتقين بل ومعارضتها للأحاديث الثابتة والتي رواها من روى أحاديث الشفاعة واليك أخي القاريء بعض ما قلته هناك بعد أن سقت الآيات التي فيها التصريح بنفي الشفاعة عن غير المتقين:
((أما الأحاديث التي فيها ان أهل الكبائر يستحقون شفاعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم فهي مع معارضتها لنصوص القرآن الكريم –كما تقدم- معارضة بأحاديث صحيحة فيها نفي الشفاعة منها ما يلي :
1 – قوله صلى الله عليه وآله وسلم "يا فاطمة بنت محمد يا صفية بنت عبدالمطلب يا بني عبدالمطلب لا أملك لكم من الله شيئا سلوني من مالي ما شئتم" رواه مسلم .
2- عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال قام فينا النبي صلى الله عليه وآله وسلم – فذكر الغلول فعظمه وعظم أمره قال : "لا ألفين أحدكم يوم القيامة على رقبته فرس له حمحمة يقول يا رسول الله أغثني فأقول لا أملك لك شيئا قد أبلغتك وعلى رقبته بعير له رغاء يقول يا رسول الله أغثني فأقول لا أملك لك شيئا قد أبلغتك وعلى رقبته صامت – أي الذهب والفضة- قيقول يا رسول الله أغثني فأقول لا أملك لك شيئا قد أبلغتك أو على رقبته رقاع تخفق فيقول يا رسول الله أغثني فأقول لا أملك لك شيئا قد أبلغتك" متفق عليه.
3 - قوله صلى الله عليه وآله وسلم "ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة ومن كنت خصمه خصمته يوم القيامة رجل أعطى بي ثم غدر ورجل باع حرا فأكل ثمنه ورجل استأجر أجيرا فاستوفى منه ولم يوفه أجره" رواه البخاري وابن ماجة.
فهذه الأحاديث توضح لنا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا يملك يوم القيامة نفعا لأحد حتى لأقرب الناس اليه وهم ابنته وعمته بل هو خصم للعصاة المذنبين .
ومن الجدير بالذكر أن أهل الكتاب قد تعلقوا قبل هذه الأمة بالشفاعة كما حكى عنهم القرآن الكريم وذلك في قوله تعالى "فخلف من بعدهم خلف ورثوا الكتاب يأخذون عرض هذا الأدنى ويقولون سيففر لنا" فحذرهم القران من التعلق بالشفاعة وذلك قوله سبحانه "واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا ولا يقبل منها شفاعة ولا يؤخذ منها عدل ولا هم ينصرون" وحتى لا ينتقل هذا الداء الى الأمة الاسلامية حذرها الله كما حذر من قبلها فقال مخاطبا هذه الأمة "يا أيها الذين آمنوا أنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة والكافرون هم الظالمون"))
وأزيد على ما هنالك ما يلي :
1 – أن الاحاديث المثبتة للشفاعة لأهل الكبائر هي أحاديث آحادية لا يمكن أن يستدل بها في إثبات العقائد لأن الآحاد لا يفيد العلم ، والاعتقاد هو ثمرة اليقين وهذا هو مذهب جمهور الأمة كما حكاه غير واحد من العلماء منهم النووي وإمام الحرمين والغزالي وابن عبد البر وابن الأثير وابن قدامة وغيرهم كثير وينظر في ذلك كتاب السيف الحاد للعلامة المحدث سعيد بن مبروك القنوبي . بل قد نص على ذلك بعض أئمة الوهابية أنفسهم يقول ابن تيمية في منهاج السنة ج2 ص 133 "الثاني أن هذا من أخبار الآحاد فكيف يثبت به أصل الدين الذي لا يصح الايمان الا به".
فلا يمكن الاستدلال بحديث آحادي في القضايا العقدية ولو سلم من المعارض فكيف اذا كان معارضا بكتاب الله وبالثابت من سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم . ولا يعترض علينا بأننا قد استدللنا بأحاديث آحادية – أيضا- لأننا ولله الحمد لم نستدل بها وحدها وإنما استدلالنا بالايات الكثيرة الدالة دلالة واضحة على أن الشفاعة لا تكون الا للمتقين وانما سقنا تلك الأحاديث لنوضح لكم أن الاحاديث التي استدللتم بها معارضة باحاديث اخرى وهذه الاحاديث موافقة للقرآن واحاديثكم معارضة له وما وافق القرآن أولى بالأخذ به مما عارضه.
2 – ان هذه العقيدة تحمل صاحبها على التقاعس عن عمل الصالحات وعلى عدم المبالاة باقتراف الكبائر خاصة عنما تكون النفس مولعة بشيء من الكبائر –والعياذ بالله- فشارب الخمر عندما تكون نفسه قد أشربت حب الخمر ويشق عليه مفارقتها فما الذي يردعه عندما تكون عقيدته أن الرسول صلى الله عليه وسلم سيشفغ له يوم الدين وأن مرده أخيرا الى جنات ونهر في مقعد صدق عند مليك مقتدر بل لو أتيته ناصحا لقال لك أن النبي سيشفع لي فبماذا تجيبه ؟!!!
3- ان الأخذ بعقيدة نفي الشفاعة عن أهل الكبائر فيه السلامة والحيطة فإن كان الأمر كذلك فهو قد اخذ الحزم وإن كان للعصاة شفاعة لم يضره بل سيجد ثواب أعماله الصالحة . على أننا والحمد لله لسنا في شك بل نقطع أن العصاة لا شافع لهم كما قال تعالى :"ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع".
أما ما ذكرته عن قتادة في تفسير قوله تعالى: "ولا يشفعون الا لمن ارتضى " انهم أهل التوحيد . فالله أعلم بثبوته ولإن ثبت عنه فما أحق هذا القول بالهجر إذ كيف يجروء مؤمن عاقل أن يقول أن الله يرضى عن شارب الخمر وآكل الربا والعاق لوالديه والزاني والسارق ان كانوا من أهل التوحيد كلا والله وقد ذكرت في مقالي الأول عشرات الآيات والأحاديث التي فيها لعن الله ولعن رسوله صلى الله عليه وسلم لكثير من اصحاب الكبائر كما ذكرت بعض الأحاديث التي تبرء فيها النبي الكريم عليه أفضل الصلاة والتسليم من أصحاب الكبائر من شاء فليرجع اليه في ذلك المقال . على أنه قد جاء في الحديث ما يدل على فساد هذا التأول فالرسول صلى الله عليه وآله وسلم يقول : ((من قال لا اله الا الله مخلصا دخل الجنة قيل وما اخلاصها يا رسول الله قال أن تحجز قائلها عن محارم الله)) فليس كل من قال لا اله الا الله دخل الجنة ما لم تمنعه هذه الكلمة عن اقتراف ما حرم الله.
كما تعرض لقضية نفي الايمان عن أصحاب الكبائر وجاء ببعض الأدلة الدالة على وصفهم بصفة الايمان وأنكر على من نفى عنهم صفة الايمان وأقول : انه كما جاءت أدلة تثبت لهم الايمان فقد جاءت أدلة كثيرة جدا تنفي عنهم صفة الايمان منها ما يلى:
1 – عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "والله لا يومن والله لا يؤمن والله لا يؤمن قيل من يارسول الله قال الذي لا يأمن جاره بوائقه" . رواه مسلم
2- عن أنس رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه". رواه البخاري ومسلم
3- عن ابن عباس رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا إيمان لمن لا صلاة له ولا صلاة لمن لا وضوء له ولا صوم الا بالكف عن محارم الله ". رواه الامام الربيع
4 – قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن " . رواه البخاري ومسلم
5 – قوله صلى الله عليه وسلم "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب اليه من والده وولده والناس اجمعين". البخاري ومسلم وأحمد
والأدلة على ذلك كثيرة وما قصدت الا التمثيل.
وقد قال العلماء في الجمع بين هذه الأدلة :
ان الادلة التي فيها نفي الايمان عن صاحب الكبيرة تحمل على الايمان الحقيقي الذي ينتفع به صاحبه في الآخرة فهم بهذا المعنى غير مؤمنين والأدلة التي فيها اطلاق صفة الايمان عليهم تحمل على الايمان الشكلي الذي ينتفع به في الدنيا دون الآخرة فنحن لا نحكم بشرك صاحب الكبيرة بل نقول يعامل في الدنيا معاملة المسلمين فهو يناكح ويصلى عليه ويدفن في مقابر المسلمين ... الخ. إلا الولاية فهو لا يتولى بل يتبرء منه كما تبرء النبي صلى الله عليه وسلم من أصحاب الكبائر وقد وضحت ذلك في المقال السابق .
وقد أثار الكاتب شبهة وهي إذا كانت الشفاعة للمتقين الذين لا ذنوب لهم فما معنى الشفاعة إذا؟
وقد أجاب على هذه الشبهة شيخنا العلامة أحمد بن حمد الخليلي في كتابه القيم جواهر التفسير ج3 ص 261 حيث قال "وقد يعترض بأن التوبة نفسها مكفرة للذنوب فلا أثر للشفاعة معها والجواب إن التوبة وان كانت مكفرة بفضل الله ورحمته فان مما تقتضيه توبة التائب استحقاق شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم فيشفغ له عليه أفضل الصلاة والسلام فيقبل الله توبته ويكفر سيئته وقد تكون الشفاعة سببا في رفع منازل الصالحين عند الله يوم القيامة وقد جاء في حديث جابر بن زيد عند الربيع رضي الله عنهما ان النبي صلى الله عليه وسلم قال "ما منكم من احد يدخل الجنة الا بعمل صالح وبرحمة الله وبشفاعتي" فكما أن العمل الصالح يتوقف في اسعاد صاحبه على رحمة الله تعلى فهو أيضا يتوقف على حصول الشفاعة من الرسول صلى الله عليه وسلم التي هي من اسباب قبولها " انتهى كلام الشيخ – حفظه الله - .
على أن الكاتب قد جاء في بحثه بما يناقض هذه الشبهة فقد ذكر عن ابن القيم "الشفاعة في دخول من لا حساب عليهم الجنة" وهذا منه اثبات للشفاعة لغير أصحاب الذنوب . فما معنى الشفاعة إذا ؟ وعلى كل حال ما دامت الأدلة القطعية قد نصت على عدم استحقاق أصحاب الكبائر للشفاعة فلا يسع المسلم الا التسليم وليترك امثال هذه الشبه التي تبعده عن الحقيقة.
وقد تعرض الباحث لقضية الخوارج وذكر بعض الأحاديث التي تنسب الى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم انه قالها فيهم ولست هنا بصدد مناقشة هذه القضية ولكن أحيل القارىء الكريم الى رسالة ماجستير صادرة من احدى الجامعات الاردنية للاستاذ ناصر بن سليمان السابعي بعنوان (الخوارج والحقيقة الغائبة) يجد فيها القارىء المنصف ضالته .
الكـاتـب : إبراهيم الصوافي
رد على المقال المنشور في ساحة المنبر الإسلامي في موقع (سحاب)
للأخ/ أبو محمد التميمي تحت عنوان: (رد على منكري الشفاعة لأهل الكبائر)