تاريخ مْـزَاب كما يجب أن يكون

تاريخ آت مْـزَاب….كما يجب أن يكون

يعتقد الكثيـر من المؤرخين حتى من بني مْـزاب، أن أصل بني مْـزاب هو بقايا الرستميـين الذين هاجروا من تيهرت (بعد سقوط الدولة الرستمية على يد الفاطميين) إلى وارجلان ثم إلى واد ر يغ وإيسدراتن (سدراتة) ثم إلى وادي مْـزاب وهناك بنوا مدنهم الحالية واستقروا إلى اليوم .

ومع أن أكثر المؤرخين والشخصيات الـمِزابية، كقطب الأئمة الشيخ محمد اطفيّش -رحمه الله- ، والشّيخ بيّوض عمر رحمه الله- ، والشّيخ حـمّو عيسى النّوري -رحمه الله- ، والدكتور مـحمد ناصر ، وغيرهم ، يرون هذا الرأ ، إلا أن البحث الدقيق في التاريخ يثبت عدم الصوابه، ولسنا هنا بصدد الإقلال من شأن علمائنا، فهم اجتهدوا و لـم يصيبوا، كما أن لهم أدلتهم في ذلك كما سنبيّـن.


والحقيقة أن جميع الشخصيات الـمِزابية المعاصرة، اعتمدت في أقوالـها على الشيخ القطب، في مؤلفه المخطوط الشهـيـر الرّسالة الشافية في تاريخ وادي مْـزاب، الموجود بمكتبة القطب بآت ايزجن، لذا سنعمد إلى أقوال القطب رحمه الله ، فنحللها وندرسها، ثـم نأتي إلى ادلة القول الثاني .

 

 


أدلة عدم صحة الرأي الأول :


أولا : إن الشيخ اطفيّش رحمه الله ، كتب الرسالة ( كما يذكر التاريخ ) بناء على طلب السلطات الفرنسية آنذاك ، فلم يجتهد كل الاجتهاد في البحث و التقصي ، ولم يعتمد إلا على أفواه بعض الشيوخ و المسنين .


ثانيا : إن اختصاص الشيخ اطفيّش ليس في التاريخ ، وإنما كان اختصاصه في العقيدة والفقه الإسلامي الإباضي ، فلم يفرغ لهذه الرسالة جل وقته.


ثالثا : إن الظروف الصعبة التي كانت تعيشها البلاد في ذلك الوقت، لم تعط الشيخ رحمه الله الوقت والراحة الكافية للبحث والتقصي الدقيق ، وكان على عاتق الشيخ القطب مهام أخرى أكبر وأجل من كتابة رسالة في التاريخ .


رابعا : أنه في الفترة التي عاشها الشيخ القطب رحمه الله ، كان الإنتساب إلى عائلة رسول الله صلى الله عليه وسلم شرفا عظيما، وكان كل مؤرخ في ذاك الوقت يحاول أن يجد نسبا لقومه بعائلة الرسول، فاعتمد الشيخ القطب هذا القول ليثبت أن بني مْـزاب قادمون من بلاد العرب حتى يجد لهم صلة بعائلة رسول الله، ونجد هذا جليا في الرسالة الشافية، حيث نجده ينسب أهل كل مدينة مزابية إلى عائلة رسول الله، حتى يصل إلى ابن الحسين بن فاطمة .


خامسا : أن الشيخ اطفيش رحمه الله، مع سعة علمه اطلاعه و تقواه، عبد من عباد الله يجتهد  فيخطئ ويصيب، لذا ليس علينا أن نأخذ قوله رحمه الله على أنه هو الصحيح الذي لا يخطئ .


سادسا : أن الشيخ رحمه الله لم يعتمد على أكابر مؤرخي المغرب الإسلامي كابن خلدون مثلا، بل لم يعتمد أي دليل بائن في أقواله .

 

أدلة  الرأي الثاني:

 بعد أن استعرضنا أسباب خطـإ الرأي الأول في القول برستمية بني مزاب، نستعرض الآن الأدلة التي اعتمدها مـخالفوا هذا القول، والذين هم:

الشيخ عبد الرحمن باكلي ( البكري ) رحمه الله

الشيخ علي يحيى معمر رحمه الله

الشّيخ ابراهيم مطياز –رحمه الله –

الدكتور يوسف بن بكير الحاج سعيد مؤلف الكتاب الشهير و الوحيد في تاريخ الـمزابييـن : تاريخ بني مْزاب، ونضالهم من أجل الحق في التباين

الأستاذ بكير بن سعيد أعوشت مؤلف كتاب : مزاب يتكلم  تاريخيا عقائديا  اجتماعيا.

وغيرهم من الدكاترة والأساتذة والـمفكرين الـمزابييـن، والذين نجمل أدلتهم في أقوال ابن خلدون والـمؤرخين الـمشاهيـر، الـمنطق والـمعطيات التاريخية ، الآثار التاريخية الأمازيغية بـمْزاب، ونستعرض قبل ذلك الرّأي الثاني والذي نعتبره الأصحّ :


يعتبر مخالفو رستمية بني مزاب أن بني مزاب سكنوا في وادي مْزاب منذ العصر الحجري الأول وهم من قبيلة بني مُصعب، أو مُصاب التي تتفرع من قبيلة زناتة الأمازيغية، واستقروا به وهم الذين أنشؤوا كل القصور المزابية حتى اليوم، أما الرستميون فهم لا يعدون مجرد نازحين قلائل قَبِلهم المجتمع المزابي وضمهم إليه .

 

 


أولا : أقوال ابن خلدون و الـمؤرخين الـمشاهير :

إذ نجد ابن خلدون وهو مؤرخ المغرب الإسلامي الأول يقول في كتابه العبر وديوان المبتدأ والخبر :

” و قصور مصاب سكانها لهذا العهد من بني عبد الواد وبني توجين ومُصاب وبني زردال فيمن انضاف إليهم من شعوب زناتة، وإن كانت شهرتها مختصة بـمُصاب”

 

فابن خلدون من أول الذين يجب أن نعتمد عليهم في التقصي عن تاريخ المغرب الإسلامي، فهو مؤرخ المغرب الأول بلا منازع، وهاهو يساند هذا الرأي .

و نلاحظ أن العلامة ابن خلدون رحمه الله يذكر أن سكان مْزاب الأوائل هم ليسوا من بني مصعب ( مُصاب ) فقط، بل اختلطت معهم عائلات أمازيغية أخرى من أبناء عمومتهم أو من نفس القبيلة  زناتة (بنو عبد الواد ، بنو توجين ، بنو زردال) ، لكن سيادة بني مصعب وانصهار العائلات الأمازيغية الأخرى في بني مصعب أدت إلى انتسابهم وانتساب الوادي إليهم، فسموا كلهم ببني مصعب، وسميت المنطقة ببادية بني مصعب، أو وادي مصاب .

 

 


ثانيا : المنطق و المعطيات التاريخية :
فالـمنطق يؤكد أن أصل المزابيين الرستمي يتنافى تماما مع طبيعة بني مْزاب ولغتهم و ثقافتهم وتراثهم الأمازيغي ، فلو كان بنو مْزاب ذو أصول رستمية لكانوا إما ذو لغة و ثقافة عربية، أو فارسية، أما القول بأن المزابيين (الرستميين) اكتسبوا اللغة المزابية بعد هجرتهم إلى وادي مْزاب فمردود، لأن القائلين بذلك يقولون أن المهاجرين الرستميين كانواهم الأغلبية، فمنذ متى تتأثر الأغلبية بالأقلية؟

 

أما القول بأن المهاجرين الرستميين كانوا أمازيغا فمردود كذلك، لأن أغلبية المهاجرين الرستميين هم من الأسرة الحاكمة (الفارسية  العربية)، مع الإقرار بوجود عائلات أمازيغية بينهم .

 

وإذا تأملنا المعطيات التاريخية، لوجدناها تتننافى كذلك تماما مع القول برستمية بني مْزاب، فلنستعرض معا هذه المعطيات :


أول القصور المزابيـة وهي : أَغَرْمْ نَتْلَزْضِـيتْ (قرية الصوف)، أَوَلْوَالْ، و أُخِـيرة وتقع قرب تاجْنينْتْ، لَحْنَشْ و مُورْكِي قرب آت بُونُورْ، تِيـرِيشِينْ، تْلاتْ و بُوكْيَاوْ قرب آتْ اِزْجَـنْ، أَغَرْمْ أنْ وَادَّايْ قرب آتْ امْليشْتْ، (وهي قرى مندثرة حاليا) وقصر تَاجْـنِينْتْ وقصر آتْ بونورْ وتَغَرْدَايْتْ والقصور الثلاثة الأخيرة من القصور المزابية السبعة حاليًا، كل هذه القصور (المدن) بنيت قبل تاريخ هجرة الرستميين إلى مْزاب، ورغم أن تاريخ إنشاء المدن التسع الأولى المذكورة لم يتضح جيدا، إلا أن المؤرخين متفقون على أنّها أنشئت من قبيل الفتح الإسلامي (حوالي 70 هـ – 689 م) إلى غاية تأسيس تغردايت ( 477 هـ،1085 م) (وهي أحدث المدن المذكورة) ، فإذا علمنا أن الشيخ أبو عبد الله محمد بن بكر الفرسطائي رحمه الله، قد وصل في أول رحلة له إلى مْزاب لدعوة سكانه إلى المذهب الإباضي إلى تاجْنينْتْ عام : 422 هـ، و أن دعوته سكان مْزاب لاعتناق المذهب الإباضي استمرت وقتا طويلا، مع العلم أن بعض المزابيين المعتزلة قاتلوا الرستميين النازحين إلى مْزاب مما يؤخر هجرتهم أكثر، أي أن نزوح بقايا الرستميين لم يكن قبل 470هـ، فكيف وعلى أي أساس نقول أن المهاجرين الرستميين هم الذين أسسوا المدن المزابية ؟ وإذا كان كذلك، فمن أسس أَغَرْمْ نَتْلَزْضِـيتْ و أَوَلْوَالْ و أُخِـيرة و لَحْنَشْ و مُورْكِي و تِيـرِيشِينْ و تْلاتْ و بُوكْيَاوْ و أَغَرْمْ أنْ وَادَّايْ و تَاجْـنِينْتْ و آتْ بونورْ و تَغَرْدَايْتْ ؟ دون أن نتجاهل قرى أخرى غير مشهورة أسست قبل هجرة الرستميين مثل تَمَزَّارْتْ ، و أقْنُونَايْ .

إننا لا ننفي مساعدة بقايا الرستميين لبني مْزابْ في بنائهم لمدنهم الأخرى مثل آت امْلِيشْتْ و آت اِزْجَنْ ، و آت اِيبرڤَـانْ ( التي حُرّفت إلى برّيان) و تيڤْرارْ ( التي حرّفت إلى القرارة)، لكن مساعدتهم هذه لا تعني بناءهم لها، كما أنهم كانوا مجرد عائلات قليلة، وكانوا يبنون تحت إمرة وسيطرة وهندسة بني مْزاب وتعليماتهم ، أي أن مرتبتهم في التأسيس والإنشاء كانت بمرتبة البنّاء المساعد حاليا .

 

 


ثالثًا: الآثار التّاريخية الأمازيغية بمْزابْ :
وهي من أهم أدلة أمازيغية مْزابْ و بني مْزابْ، إذ ألقى الدكتور بْيِـيـرْ روفو (Pierre Roffo) في الدورة الحادية عشرة لمؤتـمر ماقبل التاريخ المنعقد بفرنسا عام 1934م، محاضرة بين فيها حصيلة بحوثه الميدانية في بلاد الشبكة (والتي يعتبر واد مْزاب الجزء الأهم منها)، ذكر فيها بالتفصيل إحدى عشرة محطة من العصر الحجري الأول، وصف فيها ما جمعه من أدوات ذلك العصر التي بلغ عددها : 2959 أداة، بالإضافة إلى ذلك فإن المنطقة غنية بالرسوم على الصخور تثبت أن الإنسان المزابي كان موجودا في منطقة مْزاب منذ العصر الحجري وإلى اليوم.
هذه الصخور العديدة، نقشت عليها حروف ورموز أمازيغية وأعداد ، ورسوم للحيوانات .
فكيف نقول بأن الرستميين هم أول من عمّروا مْزاب ؟ و كيف نقول بعروبة مْزاب ؟ و كيف نقول بأن أعراب الصحراء من الشعانبة  العطاطشة هم الذين عمروا مْزاب قبلنا ؟


أما ما استدل به الشيخ القطب رحمه الله من أن لفظ (ميزاب) أصله ميزاب الكعبة والقصة التي حدثت للإمام الإباضي أبو بلال مرداس بن حدير حينما كان يدعو تحت الكعبة فسقطت عليه قطرة من الميزاب، إلخ ، فهذا مردود من عدة جوانب :


أولا: أن الشيخ اطفيش ادّعى أن اسم ميزابي لفظ تأهل له كل إباضي حتى من عمان وهذا غير وارد وغير منطقيّ !


ثانيا : القصة حدثت لأحد أئمة الإباضية، فمادخل تاريخ الإباضية بتاريخ مْزاب وبني مْزاب ؟؟


ثالثا أن قصة أبي بلال فنّدها جمع من علماء الإباضية نفسهم، وهي قصة قد يكون مستحيلا حدوثها، لأنها غير منطقية،  ربما استقاها الشيخ اطفيش من الروايات العامية.


رابعا : أن الإسم الحقيقي للمنطقة و للوادي و للشعب هو : مْـزَابْ و ليس : ميزاب ، و هنا ننبه كل الإخوة القارئين أن يقولوا : مْزاب، و ليس ميزاب، إلا عند إضافة ال التعريف فنقول بكسرة فقط و ليس بياء  الـمِزابي .


المراجع :


٭٭المرجع الرئيسي : تاريخ بني مْزاب : الأستاذ يوسف بن بكير ٭٭الحاج سعيد ، آت ازجن .
٭٭فتاوى البكري ، الجزء الثاني .
٭٭دور الميزابيين في تاريخ الجزائر ، حمو عيسى النوري .
٭٭ميزاب يتكلم ، بكير بن سعيد أعوشت .
٭٭الرسالة الشافية ، قطب الأئمة الشيخ اطفيش .
٭٭الشيخ بيوض و العمل السياسي ، الدكتور محمد ناصر .

المصدر : منقول بتصرف من موقع تاوالت

Tags: الهوية, تأريخ, الجزائر