الإباضية بين الفرق الإسلامية
الفرق بين الاباضية والخوارج
تحميل كتاب الإباضية بين الفرق الإسلامية PDF
الفصل الأول : الإباضية .
الفصل الثاني : الخوارج .
الفصل الثالث : الخوارج في نظر الإباضية .
الفصل الرابع : رأي المخالفين في الإباضية .
الفصل الخامس : الفرق بين الإباضية والخوارج في العقائد .
الفصل السادس : ملخص للبحث .
الفصل السابع : مصادر الإباضية .
وخاتمة البحث
والمراجع
والفهارس
الفصل الأول : الإباضية .
أولا ) : ظهورها وأسباب التسمية بهذا الاسم :
ظهر المذهب الإباضي , في القرن الأول الهجري في البصرة . فهو من أقدم المذاهب على الإطلاق . والتسمية كما هو مشهور عند المذهب , جاءت من طرف الأمويين ونسبوه إلى عبدالله بن إباض وهو تابعي عاصر معاوية وتوفي في أواخر أيام عبدالملك بن مروان , وعلة التسمية تعود إلى المواقف الكلامية والجدالية والسياسية التي اشتهر بها عبدالله بن اباض في تلك الفترة .
ثانيا ) : شخصية جابر بن زيد :
يرجع المذهب الإباضي في نشأته وتأسيسه إلى التابعي الجليل جابر بن زيد الذي أرسى قواعده الفقهية وأصوله . فهو إمام متحدث فقيه , وتبحر بعمق في الفقه , وأمضى بقية حياته بين البصرة والمدينة بشكل جعله على صلة بأكبر فقهاء المسلمين حينذاك . وقد روى عن ابن عباس قال للناس : اسألوا جابر بن زيد فلو سأله المشرق والمغرب لوسعهم علمه . وقد أصبح أعظم فقيه في البصرة , وله أتباع عديدون كعبدالله بن اباض ومرداس بن حيدر وأبي عبيدة مسلم بن أبي كريمة .
ثالثا ) : شخصية أبو عبيدة مسلم بن أبي كريمة :
ولقد اكتملت صورة المذهب الاباضي على يد أبي عبيدة مسلم بن أبي كريمة , المتوفى في خلافة أبي جعفر المنصور وإليه انتهت رئاسة الإباضية بعد موت جابر بن زيد . وبإشارته أسس الإباضية في كل من المغرب وحضرموت دولا مستقلة وخرج على يديه رجال الفكر والدين من مختلف الدول الإسلامية آنذاك عرفوا " بحملة العلم " . ولقد أفلح عبدالرحمن بن رستم في تأسيس الدولة الإباضية بتهارت فهو تلميذ من تلاميذ أبي عبيدة وأحد حملة العلم .
رابعا ) : شخصية عبدالله بن اباض :
هو عبدالله بن اباض التميمي ولد زمن معاوية ( 40 ـ 60 هـ ) وتوفي في آخر حياة عبدالملك بن مروان . ويعد من أتباع جابر بن زيد الذي توفي سنة 93 هـ . وقد اهتم بالجوانب السياسية والكلامية والعسكرية والتنظيم والتخطيط لتكوين دولة إسلامية معتمدة على الكتاب والسنة وسيرة الخلفاء الراشدين .
وقد اشتهر بالرسالة التي أرسلها إلى عبدالملك بن مروان الأموي ( 65 ـ 86 هـ ) يبين فيها آراءه وعقائده بكل وضوح .
الفصل الثاني : الخوارج .
أولا ) : مدلول كلمة الخوارج :
• يطلق بعض المؤرخين كلمة الخوارج " على أولئك الذين اعتزلوا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عندما قبل التحكيم ورضي به , لأنهم في نظر هؤلاء نقضوا بيعة في أعناقهم , وخرجوا من إمامة مشروعة " .
• ويطلقها فريق من المتكلمين في أصول العقائد والديانات " وهم يقصدون بها الخروج من الدين , استنادا إلى قول الرسول صلى الله عليه وسلم : أن ناسا من أمي يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية . وورد حديث بروايات متعددة وألفاظ مختلفة " .
• أما الفريق الثالث " فيطلقها ويقصد بها الجهاد في سبيل الله , استنادا لقوله تعالى :
( ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله , ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله ).
ثانيا ) الثورات في فجر الإسلام :
لكي نوضح موقف هؤلاء القوم ـ الخوارج ـ يجب أن نستعرض حركة الثورات منذ فجر الإسلام ونضع صورته الواضحة بين أيدينا لتصح المقارنة ويكون الاستنتاج أقرب إلى الحق , وأدنى إلى الدقة .
• بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وبايع الناس أبي بكر الصديق رضي الله عته , وبعد البيعة مباشرة وقعت أول ثورة في الإسلام " هي حركة المرتدين " .
• واستقرت الأمور بعد الانتهاء من الثورة الأولى طيلة خلافة أبي بكر وعمر , وتولى عثمان الخلافة , فسارت الأمور ست سنوات كاملة سيرتها في زمن الخليفتين السابقين , فقد أصبح نقد أعمال الخليفة يجري في كثير من المجتمعات ولم تتم ست سنوات أخرى حتى كانت الثورة الجامحة التي ذهبت بحياة عثمان بين سمع ويصر كثير من الصحابة وكانت هذه الثورة الثانية .
• وبايع المسلمون عليا بن أبي طالب أميرا للمؤمنين , وكان أول من بايع : طلحة بن عبيدالله والزبير بن العوام , ولكن ما كادت تتم البيعة حتى كان طلحة والزبير يحملان لواء الثورة مع جماعة من كبار الصحابة وقد استظهروا بأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها , فذهب فيمن ذهب وكانت هذه الثورة الثالثة في الإسلام .
• أما معاوية أظهر أنه يطالب بدم عثمان , وجهز علي بن أبي طالب جيشه القوي , وسار به نحو الشام حيث التقى بالجند الثائر في الموضع المعروف صفين وبدأت المعركة ولم يبق للقضاء على هذه الثورة الجامحة إلا لحظات , والتجأ الثائرون إلى الحيلة والخدعة ولجأوا إلى المكر والمكيدة , فرفعوا المصاحف وهم يصيحون يا أهل العراق بيننا وبينكم كتاب الله وكانت هذه الثورة الرابعة .
• طلب الثائرون هدنة , ودعوا الخليفة الشرعي وجيشه إلى تحكيم حكمين . وقد فطن أمير المؤمنين وبعض من جيشه إلى هذه الخدعة , وعرفوا القصد من الهدنة , ورضي بالتحكيم وقبل الهدنة وأمر بإيقاف القتال في الحال . حين فعل ذلك , تداعى أولئك الذين لم يرتضوا التحكيم , وحذروا عليا قبوله , وهم يرون أن معاوية باغ لا حق له , وأن بيعة علي قد انفسخت بموافقته على الهدنة ورضائه بالتحكيم , فلم تبق لأحد في أعناقهم بيعة , وركنوا إلى موقع يسمى حروراء فانعزلوا فيه ينتظرون تجدد الحوادث وهذا الانعزال عن جيش علي الثورة الخامسة .
• وبعد إعلان أبو موسى الأشعري مندوب علي : عزل علي من الخلافة وترك الأمر شورى بين المسلمين يختارون من يشاؤون .
وبهذه الخطوة أصبحت الأمة الإسلامية منقسمة إلى ثلاث دول :
1) دولة يرأسها معاوية وإن لم يبايعه عليها أحد إلى ذلك الحين .
2) دولة يرأسها علي بن أبي طالب بعد أن فشلت في نظره حكومة الحكمين , وعاد فاستمسك بالبيعة الأولى دون أن يعترف بعزل أبي موسى الأشعري له مندوبه في قضية التحكيم .
3) دولة يرأسها عبدالله بن وهب الراسبي , بعد أن بايعه جمع كبير من الذين انفصلوا عن علي عند قبول التحكيم ثم عند إعلان الحكم بعزل علي عن الخلافة , ومع كل فرقة من هذه الفرق جمع غير قليل من كبار الصحابة , وفيهم بعض المشهود لهم بالجنة أمثال حرقوص بن زهير السعدي .
ثالثا ) : المدلول البعيد لكلمة الخوارج :
إن عددا من الثورات وقع منذ وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى انتهاء خلافة علي بن أبي طالب رضي الله عنه فأي هذه الثورات يحق أن يطلق على القائمين بها لقب الخوارج مع ملاحظة الخروج عن الخلافة الشرعية والمروق عن الدين ؟
أقسم هذه الثورات إلى ثلاثة أقسام :
• القسم الأول : ثورة ليس لها تعليل ولا أسباب غير عدم تمكن الإسلام في قلوب القائمين بها , وعدم إيمانهم الإيمان الصحيح بتكامل الرسالة المحمدية , ويتجلى هذا في الثورة الأولى " التي ارتد فيها فريق , وامتنع فريق آخر عن أداء الزكاة " .
• القسم الثاني : ليس لها أسباب ظاهرة معقولة أما أسبابها الحقيقية الخفية , فهي النزاع على مناصب الدولة , من خلافة أو عمالة , ويتمثل في الثورة الثالثة التي قام بها طلحة والزبير رضي الله عنهم وفي الثورة الرابعة التي قام بها معاوية .
• القسم الثالث : ثورة أسندت إلى أسباب ظاهرة يتراءى للناظر أنها معقولة , وتمثل ذلك في الثورة الثانية التي قتل بها عثمان رضي الله عنه , وفي الثورة الخامسة التي اعتزل فيها جماعة من جيش علي بعد التحكيم , وعزل أبي موسى الأشعري له .
رابعا ) : المدلول السياسي لكلمة الخوارج :
لو كان لمقصود من كلمة الخوارج , هو الخروج السياسي عن خليفة تمت له البيعة الشرعية , لكان إطلاق هذه الكلمة على طلحة أو على معاوية وأتباعه , أو على الثائرين على عثمان أظهر وأوضح .
أما إذا لوحظ المعنى السياسي مع المعنى الديني فإنه لا يمكن إطلاق هذه الكلمة عليهم , كما أنه من العسير إطلاقها على المعتزلين لعلي رضي الله عنه .
والسبب في هذا العسر أن هؤلاء الثائرين سواء كانوا من القسم الثاني أو من القسم الثالث إنما ثاروا غير منكرين لأصل من أصول الإسلام , ولا مكذبين بمعلوم من الدين بالضرورة , ومع كل طائفة منهم فريق من كبار الصحابة , فيهم بعض المشهود لهم بالجنة .
الفصل الثالث : الخوارج في نظر الإباضية .
يقول العلامة أبو يعقوب يوسف بن إبراهيم الورجلاني :
وزلة الخوارج نافع بن الأزرق وذويه حين تأولوا قول الله في ( وإن أطعتموهم إنكم لمشركون ) . فأثبتوا الشرك لأهل التوحيد حين أتوا من المعاصي ما أتوا ولو أصغرها . وأما المارقة فقد زعموا أن من عصى الله تعالى ولو في صغير من الذنوب أو كبير أشرك بالله العظيم , وتأولوا قول الله عز وجل ( وإن أطعتموهم إنكم لمشركون ) .
فقضوا بالاسم على جميع من عصى الله عز وجل أنه مشرك , وعقبوا بالأحكام , فاستحلوا قتل الرجال , وأخذ الأموال والسبي للعيال , فحسبهم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( إن ناسا من أمتي يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية فتنظر في النصل فلا ترى شيئا , وتنظر في القدح فلا ترى شيئا , وتتمارى في الفوق ) .
فليس في أمة محمد صلى الله عليه وسلم أشبه شئ بهذه الرواية منهم , لأنهم عكسوا الشريعة , قلبوها ظهر البطن , وبدلوا الأسماء والأحكام , لأن المسلمين كانوا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم يعصون ولا تجري عليهم أحكام المشركين , فليت شعري فيمن نزلت الحدود في المسلمين أو في المشركين ؟ فأبطلوا الرجم والجلد والقطع . كأنهم ليسوا من أمة أحمد عليه الصلاة والسلام . انتهى
يرى الإباضية أن إطلاق كلمة الخوارج على فرقة من فرق الإسلام لا يلاحظ فيه المعنى السياسي والثوري , سواء كانت هذه الثورة لأسباب شرعية عندهم أو أسباب غير شرعية , ولذلك فهم لم يطلقوا هذه الكلمة على قتلة عثمان , ولا على طلحة وابن الزبير وأتباعهما , ولا على معاوية وجيشه , ولا عل ابن فندين والذين أنكروا معه إمامة عبد الوهاب الرستمي وإنما كل ما يلاحظونه إنما هو المعنى الديني الذي يتضمنه حديث المروق والخروج عن الإسلام يكون :
إما بإنكار الثابت القطعي من أحكامه .
أو بالعمل بما يخالف المقطوع به من نصوص أحكام الإسلام ديانة , فيكون هذا العمل في قوة الإنكار والرد .
وأقرب الفرق الإسلامية إلى هذا هم الأزارقة ومن ذهب من مذهبهم ممن يستحل دماء المسلمين وأموالهم , وسبى نسائهم وأطفالهم .
تحليل النصوص :
• إن النصوص التي كتبها علي يحي معمر حول موضوع الخوارج والإباضية , قد تميزت بالعمق الفكري والمنهجية العلمية , فلقد اعتمد فيها على التالي :
1) الاستقراء .
2) القياس التاريخي شارحا ومبينا وناقدا , مدلول كلمة الخوارج من حيث مضمونها الديني والسياسي , وتطورها التاريخي مستعينا في ذلك بالوقائع التاريخية وحقائقها , من عهد النبي صلى الله عليه وسلم إلى ظهور الثورة الخامسة التي رفضت مؤامرة التحكيم .
فتوصل إلى النتيجة الحتمية التي تفرض بداهتها على كل منصف وباحث نزيه يريد الحقيقة العلمية , أن مدلول كلمة الخوارج لا تنطبق على أنصار الثورة الخامسة سواء من الجانب الديني أو السياسي , وهذا الاستنتاج شبيه بالاستنتاج الرياضي التي تلزم فيه النتائج عن المبادئ العقلية اضطرارا بالضرورة وإلا وقعنا في تناقض .
وهذا الاستدلال المنطقي واقع على الحدس العقلي الواضح الذي لا يمكن أن يغلط فيه الإنسان كمبادئ العقل التي تفرض نفسها فرضا . وإذا رفضناها وقعنا في تناقض مع قوانين المنطق وحقائق التاريخ .
• أما العلامة أبو يعقوب يوسف بن إبراهيم الورجلاني , قد جعل حدا فاصلا بين الدلالتين المتناقضتين من حيث العقيدة :
1) الحد الأول : إن الأزارقة أثبتوا وأقروا الشرك للمسلمين العصاة واستحلوا دماءهم وأموالهم وهذا الأصل عندهم يخالف أحكام الإسلام . فخرجوا على الإسلام فهو خروج بالعقيدة والعمل .
2) الحد الثاني : فهم الإباضية لا يستحلون دماء وأموال عصاة المسلمين وأن كبائرهم كالزنا وشرب الخمر , لا تخرجهم من ملة الإسلام فهم موحدون يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله .
وكثيرا ما نقرأ ونسمع ما يبذله بعض المذاهب في إلصاق الإباضية بالخوارج وذلك لا لشيء إلا لقصد التشنيع عليهم وإظهارهم بالفساد والمروق من الدين بل إنهم عندما يذكرون الخوارج يقولون : " الإباضية حاليا " .
ولكن ما الذي يدل على أنه لا ينبغي وصف الإباضية بأنهم الخوارج ؟
الجواب :
1) إذا نظرنا إلى التعريفات التي أوردها أصحاب المقالات للخوارج مثل الشهرستاني والأشعري نجدها عامة تنطبق عل الكثيرين من أصحاب الفتنة وغيرهم .
2) إذا كانوا يصفون الإباضية بأنهم خوارج لتأييدهم المحكمة ويعتبرون خروج المحكمة مروق من الدين فكيف يكون خروج المحكمة عن علي ـ كرم الله وجهه ـ مروق من الدين وخروج معاوية وأتباعه ولعن علي على المنابر ليس مروقا من الدين ؟!!
3) إن اسم الخوارج يطلق على الفرق التي مرقت من الدين لحكمهم على المسلمين بأحكام المشركين ...
4) إن الحجة التي يحتجون بها على إن الإباضية من الخوارج هي كون الإباضية يتفقون مع الخوارج في بعض النقاط القليلة .
فبعد هذا العرض والبيان الواضح يتبين لنا بكل جلاء أن الإباضية ليسوا من الخوارج .
الفصل الرابع : رأي المخالفين بالإباضية .
وفي هذا الفصل أقسم المخالفين إلى قسمين :
أولا ) : كتاب المقالات ( من علماء الفرق ) مع الإباضية :
1) الإباضية عند الأشعري :
يقول أبو الحسن علي بن إسماعيل الأشعري المتوفى سنة 330 هـ في كتابه ( مقالات الإسلاميين ) صفحة 171 من الجزء الأول ما يلي :
{ ومن الخوارج الإباضية :
فالفرقة الأولى منهم يقال لهم الحفصية كان إمامهم حفص بن أبي المقدام , زعم أن بين الشرك والإيمان معرفة الله وحده , فمن عرف الله سبحانه ثم كفر بما سواه من رسول أو جنة أو نار أو عمل بجميع الخبائث من قتل النفس , واستحلال الزنى , وسائر ما حرم الله من فروج النساء , فهو كافر بريء من الشرك } .
واستمر الأشعري يذكر أمثال هذه الشنائع لهذه الفرقة ثم قال :
{ والفرقة الثانية مهم يسمون باليزيدية , كان إمامهم يزيد بن أنيسة } ثم ذكر آراء هذه الفرقة وشنائعها , ومنها { وزعم أن الله سبحانه سيبعث رسولا في العجم , وينزل عليه كتابا من السماء يكتب في السماء وينزل عليه جملة واحدة } ويقول بعد أسطر : { وتولى ـ أبي يزيد هذا ـ من شهد لمحمد صلى الله عليه وسلم بالنبوة من أهل الكتاب , وإن لم يدخلوا في دينه , ولم يعملوا بشريعته , وزعم أنهم بذلك مؤمنون } .
ثم يقول :
{ والفرقة الثالثة من الإباضية أصحاب حارث الإباضي , قالوا في القدر بقول المعتزلة , وخالفوا فيه سائر الإباضية } .
وبعد أن يذكر لهم جملة من التشنيعات يقول :
{ والفرقة الرابعة منهم , يقولون بطاعة لا يراد الله بها , على مذهب أبي الهذيل , ومعنى ذلك أن الإنسان قد يكون مطيعا لله , إذا فعل شيئا أمره الله به , وإن لم يقصد الله بذلك الفعل , ولا أراده به } .
هكذا بدا أبو الحسن الأشعري حديثه عن الإباضية , فبمجرد ما ذكرهم بدأ في تقسيمهم إلى فرق , وجعل ينسب إلى كل فرقة جملة من الآراء والأقوال .
الرد على ما ذكره الأشعري في كتابه :
(( عند الرجوع إلى كتب الإباضية التي ألفت في عصر أبي الحسن الأشعري , والتي ألفت قبله والتي ألفت بعده , فإن القارئ لن يجد فيها شيئا عن هذه الفرق , ولا عن أسمائها ولا عن آرائها ولا عن أئمتها . وخذ ما شئت من كتب السير والتراجم عند الإباضية , التي تتقصى أخبار أئمتها وعلمائها ومشائخها , فإنك لن تجد ولا إشارة عابرة إلى أولئك الأئمة الذين ذكرهم الأشعري واعتبرهم أئمة لفرق كاملة من الإباضية .
واقرأ ما شئت في كتب العقائد عند الإباضية , فإنك لن تجد ذكرا لهذه الفرق ولا لآرائها , وكل ما نستطيع أن نعتذر به عن إيراد أبي الحسن , لهذه التفاصيل أنه وقع فريسة لبعض المشنعين , فكان يتلقى مقالات الفرق عن ناس يثق بهم , ولكنهم ليسوا في المحل الذي يراه لهم ويضعهم فيه من الثقة والصدق . سواء كان نقله عنهم عن طريق الرواية والسماع , أو عن طريق القراءة والإطلاع في كتب مدونة . فهو يشير إلى أي ذلك على كل حال .
ويكفي فيما أعتقد لنفي أن يكون ما قاله الأشعري عن الإباضية صحيحا جهلهم به , وعدم ذكرهم لأي شئ منه في مراجعهم العامة والخاصة المكتوبة والمتحدثة .
وفي عصر أبي الحسن الأشعري كان الإباضية وعلماؤهم منتشرين في جميع ما يسمى اليوم بالبلاد العربية : كالحجاز والعراق والشام وجنوب الجزيرة ومصر . بل إنهم كادوا يكونون أغلب السكان في المغربين الإسلاميين الأدنى والأوسط , ويوجد لهم عدد من كبار العلماء ـ حينئذ ـ في كل الحواضر الإسلامية كمكة والمدينة والبصرة وعمان وحضرموت واليمن ومصر وبلدان الشمال الأفريقي .
ومع هذا فإن أبا حسن لم يذكر أحدا من أئمة الإباضية كجابر بن زيد وجعفر بن السماك العبدي , وأبي سفيان قنبر , وصحار العبدي وأمثالهم من أئمتهم في النصف الثاني من القرن الأول ولا ذكر شيئا من أقوالهم .
ولم يذكر أحدا من أئمتهم في النصف الأول من القرن الثاني أمثال أبي عبيدة مسلم بن أبي كريمة , وضمام بن السائب , وأبي نوح صالح الدهان , وغيرهم كثر من علماء النصف الثاني من القرن الثاني , وعلماء النصف الأول من القرن الثالث , وعلماء النصف الثاني من القرن الثالث وإلى عصره من علماء المذهب الإباضي .
فهو إما أنه لا يعرفهم ولا يعرف شيئا من مقالاتهم , وإما أنه يعرفهم أو يعرف بعضهم على الأقل ويعرف مقالاتهم , ولكنه لا يجد فيها شيئا يستدعي النقد والتعليق أو حتى مجرد العرض . فلم يتحدث عنهم وعن مقالاتهم لا بخير ولا بشر .
فترك الإباضية الحقيقيين برجالهم ومقالاتهم , وألقيت بين يديه مقالات وأسماء لفرق مجهولة عند الإباضية كل الجهل , وأقوالها تناقض ما عند الإباضية كل المناقضة , فزعمت المصادر التي استقى منها أن هذه الفرق والمقالات للإباضية باعتبارهم إباضية أو منهم , والإباضية منهم براء بعداء ليسوا أقرب إليها من أبي الحسن نفسه .
فكيف وقع أبو الحسن في هذا الخطأ الشنيع , مع أنه من أوائل من انتبه إلى أسباب الزيف عند كتاب المقالات ومن أوائل من شرح الطرق التي يصل منها الخطأ إلى من يكتبون عن الفرق ومقالاتها ومذاهبها , ومن أوائل من حذر من الوقوع فيها ؟!! .
3) الإباضية عند البغدادي :
يقول عبد القهار بن طاهر البغدادي المتوفى سنة 429 هـ في كتابه الفَرق بين الفِرق صفحة 103 ما يلي :
{ أجمعت الإباضية على القول بإمامة عبدالله بن إباض , وافترقت فيما بينها فرقا , يجمعها القول بأن كفار هذه الأمة ـ يعنون مخالفيهم من هذه الأمة ـ براء من الشرك والإيمان . وأنهم ليسوا مؤمنين ولا مشركين ولكنهم كفار , وأجازوا شهادتهم , , وحرموا دماءهم في السر واستحلوها في العلانية , وصححوا مناكحتهم والتوارث منهم , وزعموا أنهم في ذلك محاربون لله ولرسوله لا يدينون دين الحق , وقالوا باستحلال بعض أموالهم دون بعض والذي استحلوه الخيل والسلاح , فأما الذهب والفضة فإنهم يردونها على أصحابها عند الغنيمة .
ثم افترقت الإباضية فيما بينها أربع فرق وهي : الحفصية والحارثية واليزيدية , وأصحاب طاعة لا يراد الله بها } .
وغير ذلك كثير وذهب يورد الفضائح أو الشنائع حينا بدعوى أنها مقالة الإباضية جميعا وحينا آخر بدعوى أنها قول بعضهم أو قوم منهم .
الرد على ما ذكره البغدادي في كتابه :
إن البغدادي كان يعيش في القرنين الرابع والخامس , وفي هذا العصر كان الإباضية قد عرفوا في أغلب البلاد الإسلامية من خراسان إلى الأندلس واشتهرت لهم مؤلفات في أغلب فروع الثقافة الإسلامية ـ لا سيما علم الكلام ـ ودونت تواريخهم وسيرهم وعرف علماؤهم وأئمتهم في طبقات يأخذ بعضها عن بعض , إلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم , كما أن أكثر المذاهب الإسلامية قد تميز بعضها عن بعض في أصولها وفروعها , وآرائها ومقالاتها وأئمتها وعلمائها ,
ومع ذلك فإن أولئك الذين ذكرهم البغدادي هم أولئك الذين ذكرهم الأشعري من قبله حاشرين إياهم في الإباضية والإباضية لا يعرفون عنهم شيئا ولم يذكروهم لا في كتبهم ولا في طبقات علمائهم .
والذين جاؤوا من بعدهم قاموا يستقوا من ماء الأشعري والبغدادي القدماء منهم أو المعاصرين فكلهم أخذوا بقول الأشعري .
ثانيا ) الباحثين مع الإباضية :
1) الأصول التاريخية للفرقة الإباضية بقلم الدكتور عوض محمد خليفات , الجامعة الأردنية , عمَّان ـ الأردن :
بعد أن ذكر الدكتور في بداية حديثه تاريخ الإباضية , ومؤسسي المذهب وأماكن انتشاره ومبادئ المذهب الإباضي ذكر ما يلي :
{ وهكذا فإن جهود مشايخ الأباضية وحملة العلم وتنظيماتهم السرية الدقيقة خلال القرنين الأول والثاني الهجريين , قد أثمرت تأسيس دول إباضية مستقلة في الجزر العربية وبلاد المغرب , كان لها دورا هام ومجيد في التاريخ الإسلامي .
وفي ظل هذه الدول قام الأباضيون بجهود مشكورة في نشر الإسلام في أماكن كثيرة , وكان لهم فضل كبير في هذا الشأن في كل من أفريقية الشرقية وأفريقية السوداء جنوب الصحراء , وبعض مناطق الشرق الأقصى .
كما قام الإباضيون بجهود كبيرة في سبيل إثراء المكتبة الإسلامية بالمؤلفات الكثيرة المتنوعة التي تتناول مختلف جوانب الفكر الإسلامي . ويمكن للباحث المطلع على هذه المؤلفات أن يسجل الملاحظات التالية حول بعض الأمور التي لا تزال محل نقاش وجدل بين الباحثين والمفكرين :
1ـ أن الإباضية ليسوا خوارج كما تزعم بعض كتب المقالات والملل والنحل وكما يدعي بعض الكتاب المحدثين الذين قلدوا هذه المؤلفات دون تدقيق وتمحيص . الواقع أن الإباضية لا يجمعهم بالخوارج سوى إنكار التحكيم .
2ـ أن الإباضية حرموا قتل الموحدين واستحلال دمائهم وحرموا استعراض الناس وامتحانهم كما فعل متطرفو الخوارج مثل الأزارقة والنجدية .
3ـ أن الإباضيين ينظرون إلى الدين نظرة واحدة متكاملة لا فصل فيها بين المظاهر الروحية والمادية ولا طغيان لأحدهما على الأخرى . وتبعا لذلك فقد أنكروا التصوف ورفضوه .
4ـ إن المدقق في المصادر الفقهية الإباضية يجد أصحاب المذهب الإباضي من أكثر المسلمين إتباعا للسنة الشريفة والإقتداء بها . أما ما تلصقه بهم بعض المصادر من تهم فإنما هو ناتج أمرين : الجهل والتعصب .
5ـ إنهم وحدهم الذين طبقوا مبدأ الشورى في الحكم بعد الخليفتين أبي بكر وعمر . }
وختم الدكتور كتابه بنصيحة سأذكرها في آخر بحثي .
2) براءة الاباضية , بقلم الأستاذ فهمي هويدي , كاتب مصري , صحفي , شهير باهتماماته الإسلامية :
ذكر الأستاذ فهمي الكثير من الحقائق التي وقعت على الإباضية من تهم , ثم ذكر مؤتمر الفقه الإسلامي الذي انعقد في سلطنة عمان , ومما قال :
{ هذه عناوين هامة , أرشحها لصدارة أحداث العالم الإسلامي في سنة 1988مـ :
• دعا مؤتمر الفقه في عُمان إلى فض الاشتباك بين مختلف المذاهب الإسلامية .
• طالب ممثلوا فقهاء الأمة بتجميد صراعات القرن الأول وإغلاق ملفات الفتن والأحزان التي شهدتها تلك المرحلة .
• أوصوا بمداومة اللقاء بين فقهاء المذاهب الإسلامية بعيدا عن المنافسات المذهبية العصبية .
• حثوا أهل العلم عن دراسة المسائل المختلف عليها في فقه المذاهب الثمانية وتحقيق أدلتها والترجيح بينها , دون التزام بمذهب معين . }
3) فلسفة الخوارج , بقلم الشهيد سيد قطب , الشهاب ( المصرية ) , غرة جمادي الأولى 1367 ـ مارس 1948 :
بعد أن ذكر سيد قطب نبذة عن الخوارج , ذكر فرق الخوارج ومن ضمنها الإباضية ثم قال:
{ وقد انقرضت هذه الفرق جميعا إلا الإباضية فبقيتهم " بشمال أفريقية بالجزائر وتونس وفي شرقها بجزيرة مسقط وما إليها " ومن علمائهم الأجلاء صديقنا الشيخ إبراهيم إطفيش ولهم كتب متداولة وهم ينكرون على غيرهم أن يطلق عليهم اسم الخوارج , ويقولون نحن فئة من المسلمين لنا أرؤنا وما ذهبنا إليه مع إيماننا بالله ورسوله وكتابه فما بالكم تفردوننا بهذا الوصف وتخصونا به وهو اعتراض له وجاهته , ولئن كان لهذه التسمية ما يبروها في الماضي فما أحوجنا أن نتناساها اليوم والمسلم أخو المسلم } .
4) مسند الإمام الربيع بن حبيب , بقلم الشيخ عز الدين التنوخي , من علماء الحديث البارزين , عضو في المجلس العلمي السوري :
{ وما آثرت تخريج أحاديث المسند والشرح , ولا سيما ما رواه الشيخان إلا لتطمئن قلوب إخواني أبناء السنة بأن مسند الربيع الذي بني عليه المذهب الإباضي هو صحيح الأحاديث , وأكثرها مما جاء في الصحيحين , وجابر بن زيد ممن روى عنهم البخاري وغيره لكيلا يقع فيما وقع فيه خصوم الإباضية أو من لم يعرف حقيقة مذهبهم ... } .
حتى قال : { هذا , وما كان أهل عمان أقرب فرق الخوارج إلى أهل السنة إلا لأن مذهبهم كما أطلعت عليه مبني على السنة وتقديم العمل على الحديث لا على الفقه والمذهب , عملا بما جرى عليه إمامهم جابر بن زيد الذي عمل بنصيحة شيخه عبدالله بن عمر الذي روى عنه .
فقد جاء في (( الحجة البالغة )) أن ابن عمر رضي الله عنه قال لجابر بن زيد : (( إنك من فقهاء البصرة فلا تفت إلا بقرآن ناطق أو سنة ماضية , فانك إن فعلت غير ذلك هلكت وأهلكت )) . ولذلك نعتقد ونقول : إن المعقول ومن القلب المقبول أن لا نهتدي إلا بقوله تعالى : (( فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول )) } .
5) الإباضية مذهب وسلوك , بقلم الشيخ السيد عبد الحافظ عبد ربه , من علماء الأزهر المرموقين :
{ والإباضية دائما تهيئ المسلم بأن يكون مع الله في معاملاته وعباداته , في الجامع وفي الشارع , في الحق والمصنع , في المتجر والمعمل , في المعهد والمدرسة والجامعة ـ وحده أو مع الناس ـ في كل حركاته وسكناته ... تدعوا إلى مجتمع نظيف شريف , نزيه عفيف يكره الفوضى والديماجوجية , تسوده المحبة ويظله التراحم , يمقت الغش , ويثور على الرشوة , ويجرم المحتكر , ويحاكم المتجر المتحكم في أقوات الناس وفي ضرورياتهم . الإباضية هي كل هذا وأكثر من هذا .. } .
ثم ذكر أسباب عداوة الإباضية قائلا :
{ عادوها لأنها تجهر بكلمة الحق وتنطق بالصواب ولا تحب الجهر يالسوء من القول ..
عادوها لأنها تريد أن تطبق شرع الله وتحقق المفاهيم الإسلامية الصحيحة ..
عادوها لأنها تعالج كل الأمور بموضوعية صادقة بعيدا عن التهرج والهوى ..
عادوها لأنها تعمل جاهدة على تأكيد العدل والتبشير به بقدر ما تحارب الظلم والظالمين... }
وفي آخر كتابه قال :
{ ولقد كانت الإمامة في المذهب ـ على مستوى العالم الإباضي كله من مشرقه إلى مغربه ومن شماله إلى جنوبه ـ تقوم مقام الخلافة في صدر الإسلام والعصور التالية في الإجراءات والمضمون وفي جمع كلمة المسلمين وتوحيد صفوفهم , وتقوية جهاتهم الداخلية والخارجية , يصدرون عنها , ويقيسون عليها , ويعيشون في رحابها , ويمارسون من خلالها شئون الدنيا والدين ...
وكان الإمام على الحقيقة هو الخليفة الراشد ...
وما زالت هذه الخلافة أو الإمامة تنتقل من عصر إلى عصر بدءا بجابر بن زيد حتى ألقت بمقاليدها اليوم طائعة مختارة ـ عن طريق العلماء الأفاضل والزعماء المصلحين والأمراء النابهين من أهل الحل والربط ـ إلى الإمام الجليل والعالم الفذ , والعبقري النابغة ورجل المواقف والمكرمات غالب بن علي بن هلال الهنائي , الذي حورب واضطهد , وضيق عليه , وامتحن إلا أنه صبر وصابر , ورابط وثابر في سبيل عقيدته , ومن أجل دعوته وإمامته , شد الله أزره وقوى ظهره ...
الفصل الخامس : الفرق بين الإباضية والخوارج في العقائد .
الخوارج :
(1) اعتبروا أنفسهم المسلمين المؤمنين المستخلفين في الأرض واعتبروا أعدائهم مشركين .
(2) أباحوا دماء المسلمين في السر والعلانية .
الإباضية :
قال أبو حمزة الشاري : " الناس منا ونحن منهم إلا ثلاثة : مشركا بالله عابد وثن , أو كافرا من أهل الكتاب , أو متسلطا في الأرض يحكم في عباد الله بغير ما أنزل الله "
وقال الإمام نور الدين السالمي :
ونحن لا نطالب العبادا فوق شهادتيهم اعتقادا
فمن أتى بالجملتين قلنا إخواننا وبالحقوق قمنا
الخوارج :
(3) يقولون : ما كف أحد عن القتال منذ أنزل الله البسط إلا هو كافر , يعني يكفرون القاعد عن القتال .
الإباضية :
يعتمدون على الدعوة والإقناع ولا يلجئون إلى العنف , وأدل شيء على ذلك طريقة الكتمان والدعوة السرية مثل ما فعل أبو عبيدة مسلم بن أبي كريمة التميمي وجابر بن زيد الأزدي رغم إنكارهم الشديد على حكام الدولة الأموية لسلوكها المنحرف عن الكتاب والسنة .
وطريقة الكتمان باللحوء إلى الدعوة السرية ليست مخصصة بوقت بل هي طريقه يتبعها الإباضية عندما يظهر أعداء الإسلام ولم يكن لهم القدرة لمقاومتهم حتى يستطيعون ذلك وذلك عندما يكونوا نصف عدوهم .
الخوارج :
(4) إن صاحب الكبيرة مشرك , ويقول بعضهم إن الإصرار على الصغيرة شرك وعدم الإصرار ولو على كبيرة ليس شرك .
الإباضية :
لا يقولون بذلك , لكنهم يسمون العاصي كافر نعمة بمعنى انه استخدم شيئا من نعم الله في معصية الله وهذا يسمى كفر دون كفر وله أدلة كثيرة .
الخوارج :
(5) أوجدوا مبدأ امتحان لكل من يلتحق بهم ليتأكدوا من مطابقة آرئه لآرائهم وعقائدهم .
الإباضية :
لا يوجد لديهم مثل هذا المبدأ ويعتبرون جميع المسلمين متساوين في الحقوق فلا يمتحنوا أحدا لهذا الغرض ولا يتجسسوا عليه لأن التجسس عندهم حرام حتى على الكافر إلا في حالات شرعها الإسلام .
الخوارج :
(6) يعتقدون أنه يجوز أن يبعث الله نبيا يعلم أنه يكفر بعد نبوته وأنه كان كافرا قبل بعثته.
الإباضية :
يقولون بعصمة الأنبياء , يقول الإمام نور الدين السالمي رحمه الله :
وواجب عليك أن تعرف ما يجوز للرسل وما قد لزما
وما استحال عنهم فاللازم في حقهم نعتا هي المكارم
كالصدق والتبليغ والأمانة والعقل والضبط وكالفطانة
والمستحيل ضدها كالكذب وكالجنون وارتكاب الريب
الخوارج :
(7) يستحلون دماء أهل العهد والذمة وأموالهم ويستحلون دماء من يعيشون في كنفهم من المسلمين .
الإباضية :
يقول الإمام السالمي رحمه الله :
ويرفع الحرب لجزية أتت منهم وفي المجوس حكمهم ثبت
الخوارج :
(8) تولوا أصحاب الحدود والجنايات منهم .
الإباضية :
يقول الإمام السالمي رحمه الله :
ولاية المؤمن فرض حققا وهكذا براءة الذ فسقا
الخوارج :
(9) قالوا : لعل الله يعذب المؤمنين بذنوبهم بغير النار ثم يدخلهم الجنة .
الإباضية :
:يقول الشيخ أبي طاهر الجيطالي في كتابه القواعد : مما يجب اعتقاده على كل مكلف أن يعلم إن لله ثوابا لا يشبهه ثواب وثوابه الجنة وهي ثواب الله لأوليائه في الآخرة .
الخوارج :
(10) أجمعت النجدات من الخوارج أن لا حاجة للناس إلى إمام وإنما عليهم أن يتناصفوا فيما بينهم .
الإباضية :
يقول الإمام نور الدين السالمي في غاية المراد :
إن الإمامة فرض حينما وجبت شروطهما لا تكن عن شرطهما غفلا
الخوارج :
(11) يقول بعضهم : الفعل من العبد خلق وإبداع لأن الله تعالى فوضها للعباد .
الإباضية :
يقولون :
ومن يقل إلهنا لم يخلق أفعالنا بعدا له من أحمق
لقوله لكل شيء خالق سبحانه الرب المليك الرازق
لو كان خالق سواه لزما تعدد الإله قطعا حتما
ولو تعدد الإله لظهر فساد هذا العالم الذي بهر
لكن لنا في فعلنا اكتساب به الثواب وبه العقاب
من ثم قد نيل به على الرتب إلا النبوات فليس تكتسب
الخوارج :
(12) يقول بعض الخوارج : القدر خيره وشره من العبد .
الإباضية :
يقول الإمام نور الدين السالمي رحمه الله : " وما يجب الإيمان به قضاء الله وقدره لأنهما أصلان من أصول الدين وركنان من الإيمان " .
الخوارج :
(13) من أقام في دار كفر فهو كافر لا يسعه إلا الخروج .
الإباضية :
يقول الإمام نور الدين السالمي رحمه الله :
وبعد ما فحت أم القرى نسخت ما كان من هجرة مفروضها اتصلا
فلا تجب الهجرة حتى من دار الكفر إلا إذا منع عليه إقامة الدين وتعذر عليه ذلك .
الخوارج :
(14) يقول بعض الخوارج : تجب البراءة من الطفل حتى يدعي إلى الإسلام ويجب دعاؤه إذا بلغ .
الإباضية :
قال القطب : " تجب ولاية غير البالغ لأنه تعالى يمن بالرحمة ولا يظلم بالعذاب , ولأن كل مولود يولد على الفطرة " .
الخوارج :
(15) أباحوا أموال المسلمين واعتبروها حلالا في السر والعلانية .
الإباضية :
فقد أطبقت كتبهم على أنه لا يحل شيء من أموال المسلمين وإن كانوا بغاة ولو في حالة قتال .
وهذا ما يقوله الإمام نور الدين السالمي رحمه الله :
ومال أهل البغي لا يحل وإن يكن قوم له استحلوا
ثم ذكر الذين استحلوا أموال المسلمين بقوله :
خوارج ضلت فصارت مارقة من دينها صفرية أزارقة
فحكموا بحكم المشركينا جهلا على بغاة المسلمينا
الخوارج :
(16) منهم من قال إن التقية جائزة ولو في قتل النفس .
الإباضية :
لم تجز تقية بالفعل كالحرق والغرق ومثل القتل
لكن جواز ما أبيح للضرر كالأكل للميتة والدم اشتهر
الخوارج :
(17) ينكر بعض الخوارج سورة يوسف من القرآن ويقولون أنها قصة من القصص.
الإباضية :
يعرفون القرآن " أنه كلام الله ووحيه وتنزيله نزل به الروح الأمين على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم المبدوء بسورة الفاتحة والمنتهي بسورة الناس " .
الخوارج :
(18) قالت الشيبانية من الثعالبة أن الله لم يعلم حتى خلق لنفسه علما , والأشياء تصير معلومة له عند حدوثها ووجودها .
الإباضية :
يقول الإمام نور الدين السالمي رحمه الله :
فهو عليم لا بعلم جلبا وهو سميع لا بسمع ركبا
الخوارج :
(19) بعض الخوارج أسقط الحدود التي لم ترد في القرآن مثل رجم الزاني وحد قذف المحصنين من الرجال مع وجوبه على المحصنات من النساء .
الإباضية :
يقول الإمام نور الدين السالمي عن الرجم : وهو سنة مجمع عليها وحكي عن الخوارج والنظام وأصحابه من المعتزلة إنكاره , ولا مستند لهم إلا أنه لم يذكر في القرآن وهذا باطل فقد ثبت بالسنة المتواترة .
الخوارج :
(20) يقول بعض الخوارج إن الله علي عزيز عظيم جليل كبير لا لعزة وعظمة وجلال وكبرياء وكذلك سائر الصفا ت التي ليست له ولم يوصف بها لمعان .
الإباضية :
يقول الإمام نور الدين السالمي رحمه الله :
نعبده جل امتثال أمره سبحانه ونهيه وزجره
فإن يشأ يرحمنا بفضله وإن يشأ عذبنا بعدله
فالملك والعزة والسلطان له كذا القدرة والبرهان
الخوارج :
(21) أباحوا قتل الأطفال ممن لم يكونوا في معسكرهم واعتبروهم خالدين في النار .
الإباضية :
يقول الإمام الشاري إبراهيم بن قيس الحضرمي مخاطبا جيشه :
ولا تقتلوا طفلا وشيخا وغادة ومن كان مجروحا من البتر جاثما
الخوارج :
(22) قال البدعية نقطع أن من اعتقد اعتقادنا فهو في الجنة ولا نقول إن شاء الله فإن ذلك شك في الاعتقاد فنحن من أهل الجنة قطعا من غير شك .
الإباضية :
يقول الإمام نور الدين السالمي رحمه الله :
فإن يشأ يرحمنا بفضله وإن يشأ عذبنا بعدله
الخوارج :
(23) الإيمان العلم بالقلب دون القول والعمل .
الإباضية :
يقول الإمام نور الدين السالمي رحمه الله :
إيماننا القول والتصديق مع عمل فالقول مر فصدقه وكن عملا .
الآن عرف القارئ الكريم الفرق بين الإباضية والخوارج في العقائد وما اتفقنا مع الخوارج إلا في قضية التحكيم أما عدا ذلك فنحن معشر الإباضية لا نتبع الهوى وإنما نتبع القرآن والسنة والحمد لله نحن ماضون على سيرتهم .
الفصل السادس : ملخص البحث .
قال سماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي في الحق الدامغ :
{ ولست أبالغ إن قلت إن الإباضية ـ أهل الحق والاستقامة ـ تمتاز عقيدتهم وتتسم طريقتهم في فهم أصول الدين بثلاثة أمور :
1ـ سلامة المنزع , فإنهم جمعوا في الاستدلال على صحة معتقداتهم بين الصحيح النقل وصريح العقل , فلم يضربوا بالنصوص الصحيحة عرض الحائط بمجرد تعارضها مع مقتضيات العقل بادي الرأي كما هو شأن أصحاب المدرسة العقلية الذين جعلوا العقل أسمى وأقدس , وأصح وأثبت مما جاء به النبيون عن الله عز وجل , فعولوا عليه في التحسين والتقبيح , والتعليل والحكم , كما أنهم لم يطفئوا شعلة العقل مستأسرين لظواهر الألفاظ الذين لا يأخذون من النص إلا قشوره , لا يتجاوزون شكله إلى جوهره ,,, .
2ـ عدم التعصب لأئمتهم تعصبا يجعلهم يتصاممون عن النقول الصحيحة , ويتعامون عن العقول الصريحة , كما نجد ذلك عن كثير من المتفقهة والمتكلمين , ومن أبشع ما وجدناه في ذلك قول العلامة الصاوي في حاشيته على تفسير الجلالين : ( ولا يجوز تقليد ما عدا المذاهب الأربعة ولو وافق قول الصحابة والحديث الصحيح والآية , فالخارج عن المذاهب الأربعة ضال مضل , وربما أداه ذلك للكفر , لأن الأخذ بظواهر الكتاب والسنة من أصول الكفر ) .
فقد باين الإباضية هذا المسلك الضيق فقها وعقيدة إلى فسيح النظرة الشمولية للأمة , ولم يسوغ لأنفسهم أن يرفعوا كلام أحد من ائمتهم إلى درجة كلام الله وكلام رسوله عليه أفضل الصلاة والسلام وإن بلغ في العلم والورع ما بلغ ,,, .
3ـ المرونة والتسامح في معاملة سائر فرق الأمة وإن بلغ الخلاف بينهم وبينهم ما بلغ , إذ لم يتجرأوا قط على إخراج أحد من الملة وقطع صلته بهذه الأمة ما دام يدين بالشهادتين ولا ينكر شيئا مما علم من الدين بالضرورة بغير تأويل ,,, . }
(( والمتأمل في منهج الإباضية الفقهي يجد أنهم يجمعون في فقههم بين أهل الحديث والرأي , بل هم إلى أهل الحديث أقرب , فالاستنباط عندهم يؤخذ من الكتاب والسنة والإجماع , فإذا عرض حادثة لم يرد في شأنها نص في هذه الأدلة الثلاثة أجروها على القياس , فإن لم تتوفر العلة أجروها على الاستدلال : وهو الاستحسان والاستصحاب , والإلهام )) .
إذن هذا المذهب ليس مستحدثا وإنما نشأ متأصلا على القواعد الصحيحة مدعما بالأصول الواضحة الثابتة , فبالنظر والتتبع لا يوجد في عقيدته ولا في فقهه ما يخالف الكتاب والسنة ولا عموم الأصول التي اتفق عليها المسلمون جميعا .
الفصل السابع : مصادر الإباضية .
أولا : مصادر الإباضية :
وفي ختام هذا البحث , يمكن أن أشير إلى بعض المصادر الإباضية ذاتها التي عالجت الفكر الإباضي , وبينت عقائده , ووضحت حقيقة آراءه , الدينية , والاجتماعية , والسياسية فمن يريد المزيد , والتثبيت والمقارنة بين المدرسة الإباضية , والمدارس الفكرية الأخرى , ليستخرج الأصول المتفقة والأصول المختلفة , ليتأكد عما قلناه في عن الإباضية :
المصدر صاحبه
1) الموجز , أبو عمار عبدالكافي الإباضي
2) كتاب السير , أبو العباس الشماخي
3) طبقات المشائخ , أبو العباس الدرجيني
4) قواعد الإسلام , أبو طاهر الجيطالي
5) الدليل والبرهان , أبو يعقوب الورجلاني
6) عقيدة التوحيد , عمرو بن جميع
7) شرح صحيح الربيع بن حبيب , نور الدين السالمي
8) طلعة الشمس , نور الدين السالمي
9) مشارق أنوار العقول , نور الدين السالمي
10) تيسير التفسير , قطب الأئمة محمد أطفيش
11) شرح النيل , قطب الأئمة محمد أطفيش
12) شامل الأصل والفرع , قطب الأئمة محمد أطفيش
13) الذهب الخالص , قطب الأئمة محمد أطفيش
14) الإباضية في موكب التاريخ , علي يحي معمر
15) الإباضية بين الفرق , علي يحي معمر
وهدفنا الوحيد منة ذلك هو أننا نريد أن نبدد المفاهيم الخاطئة , ونوضح حقيقة آراء الإباضية كما جاءت في مصادرهم لا زيادة فيها ولا نقصان , وإن الأمانة العلمية تفرض علينا أن نبين الأخطاء التي وقع فيها بعض الكتاب المسلمين والمستشرقين بعيدين عن التحيز والذاتية , ونتقيد بالروح العلمية التي تحاول تمحيص الوقائع وتقتضي نزاهة هي ألزم لوازم روح البحث العلمي كما هو معلوم عند الدارسين جميعا .
الخاتمة :
قيل عن الإباضية :
* " وكل من يتهم الإباضية بالزيغ والضلال , فهو ممن فرقوا دينهم , وكانوا شيعا , ومن الظالمين الجهال , جمع الله ما فرقوا ورتق ما فتقوا , ومزق شمل أعوان المستعمرين , والله محيط بالكافرين " .
خلاصة الرسائل في ترتيب المسائل طبعة 1356هـ
عضو المجمع العلمي العربي
عز الدين التنوخي
* " وإذا كان الأباضيون أصحاب أمجاد في الماضي , فلا زالوا كذاك في عصرنا الحاضر " .
إسلام بلا مذاهب
مصطفى الشكعة
* " ومن كل هذا يتبين . اعتدالهم وإنصافهم لمخالفيهم " .
كتاب المذاهب المذاهب الإسلامية
محمد أحمد أبو زهرة
* " قول ابن أباض أقرب الأقاويل إلى السنة " .
الكامل
المبرد
* " ورجال الإباضية يضرب بهم المثل في التقوى والصلاح والزهد "
تاريخ فلسفة الإسلام في القارة الأفريقية
يحي هويدي
هذا ما وفقني به ربي لأكتبه وكلما كتبت في موضوع رأيت موضوع متعلق به وذو أهمية مثله وما كتبت سوى مقدمة سريعة وبسيطة عن مذهب أتهم في سيرته وأتهم في أصوله وفي تسميته وقد تركت الكثير من المواضيع والكثير من الردود والكثير من القضايا لم أطرحها لأنها بعيدة عن موضوع بحثي هذا .
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الخلق أجمعين محمد بن عبدالله الرسول الأمين وعلى آله وصحبه إلى يوم الدين .
المراجع :
1) الإباضية بين الفرق الإسلامية عند كتاب المقالات في القديم والحديث , علي يحي معمر , دار الحكمة , لندن ـ بريطانيا , الطبعة الرابعة , 1422هـ ـ 2001مـ .
2) الإباضية في ميدان الحق , ناصر بن مطر بن سعيد المسقري , مكتبة وتسجيلات الهلال الإسلامية , الرستاق ـ سلطنة عمان ,الطبعة الأولى , 1420هـ ـ 1999مـ .
3) دراسات إسلامية في الأصول الإباضية , بكير بن سعيد أعوشت , الطبعة الثالثة .
4) مكانة الإباضية في الحضارة الإسلامية , محمد صالح ناصر , الحلقة الأولى , الطبعة الأولى , 1413هـ ـ 1992.
5) مكانة الإباضية في الحضارة الإسلامية , محمد صالح ناصر , الحلقة الثانية , الطبعة الأولى , 1413هـ ـ 1992