العمارة الأصيلة
العمارة الأصيلة وفق صيانة العُرف والحريم ، تراث مزاب الثّمين
الهندسة المعماريّة لقصور مزاب
لاريب أنّ من أهمّ العوامل الرّابطة لأواصر المجتمعات البشريّة، هي تلك القوانين العادلة والنّظم التي تضع أمور الناس في موضعها من غير حيف، سعيا منها لحفظ كرامتهم وصيانة مكاسبهم وأعراضهم، فمن هنا شيّدت قصور مزاب على نمط يصون لكل فرد منهم حقوقه، ولم يكن تشييد القصور إلا بطريقة مدروسة روعيت في ذلك مصلحة الجميع، فالمسجد إتُّخذ له موقعا ناجذا وسط القصر وخطوا مواقع المساكن وسبل الأزقّة والشوارع ومكان السّوق وحدّدوا حدود الأسوار والأبراج والبوّابات المؤدّية إلى أحياء القصر ورسموا حدود المقابر و الواحة ومجرى الأودية والقناطر وآبار المياه وغيرها ممّا يحتاجه النّاس إليه في معاشهم وتتقاطع مصالحهم فيما بينهم على مدى حياتهم، ثم تركوا مسافة معلومة بدون عمارة بين كل مكوّن من مكوّنات القصر سمّوها بالحريم وهي شتى، مثلا للمساكن حريمها وللشوارع حريمها وللسور حريمه و للمقبرة حريمها وللوادي حريمه و للبئر حريمه وللواحة حريمها وللنّخلة الواحدة حريمها وهكذا دواليك ..
وكذلك جعل المزابيّون لهندسة قصورهم ضوابط نظاميّة ولكل منها ترتكز على سند شرعيّ ويخدم مصالحهم العامة ويحفظ حقوقهم الخاصة فاتفقوا عليها وتعارفوا فسمّوه بالعُرف ، فالزّائر لقصور مزاب يلاحظ ثمرة حفظ المهندسين الاوائل لأعرافهم، فيرى المنازل متساوية العلوّ وهي على اتجاه معلوم لغرض التكيّف مع اشعة الشّمس والتهوئة اللازمة، ولا يجد للمنازل نوافذ كبيرة إلا منافذ ضيّقة وكوّاة تفي بغرض التهوئة من غير إضرار لكشف عورة جارهم، ولا يرى باب منزل يقابل باب جاره ولا يُترك وسط المنزل مكشوفا عند فتح الباب من غير حائل من جدار حفظا لعورته ولاتتّخذ الميازيب فوق باب الجار المقابل لكي لا يصبّ عليه ماؤها وغيرها من الامور المتعارف عليها تجنبا للضرر بأحدهم وسهرا لإضفاء روح الاخوّة بينهم وربط لحمة الجوار وتقويته...
فالمحافظة على هذه القيم من أسرار تماسك تلك المجتمعات.
|
منقول منشور في الفايسبوك للأستاذ noureddine fekhar
Tags: الهوية, تأريخ, حضارة, الجزائر, تراث, Architecture , الفن المعماري, الهندسة المعمارية