الهوية المزابية موقع مزاب ميديا

إن بني مزاب أمازيغ، ويطلق على الأمازيغ كذلك اسم البربر، والبربر ينقسمون إلى قسمين: البرانس وهم أبناء برنس، والبُتر وهم أبناء مادغيس الملقب بالأبتر. وهما أخوان ومن نسل مازيغ بن كنعان بن نوح عليه السلام.
كلّ قسم من البرانس والبتر يتفرّغ إلى شعوب كثيرة لا تحصى. وأحد الشعوب البتر زنَاتَه ومن بين الشعوب البرانس كتامة وصنهاجة.
تتفرّغ زناته إلى فروع، من بينها وَاسين، ومن بطون واسين بنو مرين وبنو راشد وبنو بادين.
ومن أحفاد بادين بنو مزاب المنتسبون إلى ميزاب بن بدين بن محمّد بن زَحيك بن واسين بن يَصلَتين بن مَسرَا بن زَاكيَا بن وَرسيك بن أَدّيرت بن جَانَا (أو شَانَا) جدّ زناتة.
إذن، فإنّ بني مزاب من أفخاذ بادين، أحد بطون واسين، الذي هو فرع زناتة، وزناتة أحد شعوب البُتر، والبُتر أحد قسمي الأمازيغ.
اللّغة المزابية أمازيغية قريبة جدً من القورارية والشاوية والشلحية والنفوسية. من خصائصها إمكان الإبتداء بالساكن في مثل الكلمات: تْمَارْتْ، تْفُويْتْ، تْوَارْتْ. ومن الخطأ استهلاك كتابة هذه الكلمات همزة، قياسا على العربية التي تشترط الإبتداء بالمتحرّك.
ومن خصائص اللغة المزابية أيضا اجتماع ساكنين أو أكثر كما في الأمثلة السابقة.
تختلف المزابية عن العربية بكون تاء التأنيث تتصدّر الاسم المؤنث: تَبَجْنَ، تَزِيرِي، تِشْلِي. وقد يكون المؤنّث في المزابية مختوما كذلك بتاء: تْفَاوْتْ، تَايْزِيوْتْ، تَغَلُّوسْتْ.
والملاحظ أنّ المزابية من جملة اللغات التي لا وجود فيها لصيغة التثنية.

لقد منّ الله علينا في السنوات الأخيرة بكوكبة من الباحثين المهتمّين باللغة المزابية وآدابها وقواعدها، لم يألوا جهدا في نفض الغبار عنها وإحياء ما اندثر منها، خاصّة عبر إذاعة غرداية الجهوية. وقد عانت هذه اللغة بعد الاستقلال من محاربة الحزب الواحد والنظام الاشتراكي البائد لها، ومن تقزيم شأنها من طرف بعض المشايخ، كما عرفت في الخمسينات من القرن الماضي عقوق بعض أبنائها الذين كانوا يسخرون مّمن كان -يستعمل مثل- كلمات تَزَقَّا، أَدَلِي، أحْبَا ...
واللغة المزابية غنية بالأمثال والحكم التي تغنيك عن الكلام الطويل. وفي التراث المزابي قصائد شعرية يتغنّى بها في مناسبات التعاون (تْويزَا) كوقت درس الحبوب للفلاحين، ووقت نسج الألبسة والفرش للنسوة، وأشعارٌ أخرى خاصّة بالأعراس والأعياد.
ولا ينبغي أن نغفل عن الدور الذي قامت به المرأة في الحفاظ قديما على هذه اللغة قبل أن تكون عرضة للغزو الثقافي المتعدّد المصادر والوسائل.
أما الألبسة التقليدية للرجل البربري عموما فنجد منها القشابية، وهي أحسن لباس في الشتاء، يقي من الزمهرير إذا تكالب ومن المطر إذا اشتد، ولا تعوق الحركة. وقد كانت القشابة إلى عهد قريب لا تفارق المزابي في سفره شتاء ولا صيفا.
ومن الألبسة التقليدية كذالك البرنس الذي يوضع فوق القندورة. وقد كان إلى الخمسينات من القرن الماضي لا يجرؤ من يحترم نفسه على دخول سوق بني يزقن، وقت رواجها بين العصر والمغرب، من لم يرتد برنسه، ولو كان صبيًّا دون الحلم.ومن الألبسة التقليدية أيضا الحائك الصوفي الأبيض الذي يميّز عندنا الطلبة عن العوام في المساجد والمناسبات الدينية والاجتماعية. وكان من العيب الكبير أن يظهر الرجل عاري الرأس دون أن يضع عليها شاشية أو يغطها بعمامة.

هذا عند الذكور، أمّا لباس المرأة والفتاة فكان في القديم مقتصر على الملحفة تستر بها بدنها وأَخَمْرِي تغطي به شعرها وجيبها. هذا داخل البيوت. وإذا أرادت المرأة الخروج إلى الشارع تدثّر بحائك من الصوف ساتر لجميع البدن مكتفية، للاهتداء في سيرها، بثقب واحد تبصر من خلاله. أمّا الفتاة البالغة غير المتزوّجة فيسمح لها بالكشف عن وجهها.
المصدر: الهوية الميزابية – أهم عناصرها وتشكلها عبر التاريخ- للباحث: يوسف بن بكير الحاج سعيد


mzabmedia

القيم القرآنية في المجتمع المزابي

القيم القرآنية في المجتمع المزابي العزابة نموذجاد

د.إبراهيم بحاز

عندما نتحدث عن حلقة العزابة في المجتمع الإباضي وفي المجتمع المزابي الجزائري بخاصة، إنما يكون حديثنا عن القرآن تلاوة وترتيلا وتعليما وتلقينا وتحفيظا، وحديثا عن القرآن قيما وعبادة ومجتمعا وثقافة واقتصادا ...
في مداخلتي هذه عن القيم القرآنية في المجتمع المزابي بواسطة حلقة العزابة ودورها في التعليم القرآني، سأتناول تعريفا سريعا عن حلقة العزابة ثم أعرج على دور هذه الحلقة في التعليم القرآني وتثبيت قيمه في النفوس.


أولا : حلقة العزابة النشأة والتسمية والمهام


نشأت حلقة العزابة عام 409هـ /1018م ، على يد المفكر المبدع أبي عبد الله محمد بن بكر الفرسُطائي النفوسي (ت 440هـ/1049م)[1] على أرض الجزائر، في بلدة اعمر، دائرة تقرت ولاية وادي سوف التي كانت مع وادي ريغ (منطقة تقرت) آهلة بالإباضية في تلك الأزمنة من القرن الخامس الهجري وما يليه، العاشر للميلاد وما يليه، نشأت بغار تينّسلي ببلدة اعمر الذي بني خصيصا لانطلاق العمل على منهج العزابة الذي وضعه مؤسِسُه أبو عبد الله محمد بن بكر بعد اعتكاف دام أربعة أشهر جَاء المولود بمُسمَّى حلقة العزابة لأن من شروطه وضوابطه العزوبة عن الدنيا دون رهبانية والتفرغ لخدمة كتاب الله وخدمة المجتمع على القيم القرآنية بالتبع.
وفي معجم مصطلحات الإباضية نقرأ « نظام العزابة وحلقة العزابة وهيئة العزابة ومجلس العزابة كلها مصطلحات تستعمل في المراجع مترادفات وهي أصلها تمثل مراحل تطور النظام»[2].
ويضيف المعجم « والحلقة بدأت تربوية علمية محضة، بحيث يجلس التلاميذ إلى شيخهم في شكل حلقة دائرية، ويبدو أن هذا النظام سرعان ما تطور ليصبح بمثابة نظام اجتماعي سياسي للجماعات الإباضية في مناطقها ببلاد المغرب الأدنى والأوسط(في تلك الأزمنة)، أما مصطلح العزابة فأطلق على تلاميذ الحلقة، ثم اقتصر على شيوخ الحلقة بعد ذلك»[3].

إذن فهذا النظام يبدأ نظامًا تعليميًا دينًيا بحتًا، ثم تطور بعد انتقاله من وادي ريغ إلى وادي مزاب، ليصبح نظاما شاملا، يهتم بكل نواحي الحياة الفردية والجماعية، دينًا واجتماعًا واقتصادًا وسياسة[4] شرعية.
أما عن أصل التسمية بالعزابة، فهو من العزوب عن زخارف الدنيا دون رهبانية، فالعزابة كلهم بلا استثناء يتزوجون وينجبون ويربون ويشتغلون بالفلاحة أو بالتجارة أو بالمهن الأخرى، دون أن يكون ذلك همهم الأول أو شغلهم الشاغل، لأن مقصدهم هو خدمة مجتمعهم تعليما وتربية، ويعطون من أنفسهم القدوة للآخرين في التواضع والورع، ومراقبة النفس وحب العمل والتفاني في إتقانه مهما كان تعليما أو فلاحة أو تجارة أو صناعة أو بناء أو مهنًا أخرى.
أما مهام العزابة فمتعددة، فهناك المهام الدينية والاجتماعية والتعليمية التربوية والاقتصادية وغيرها.
يقول الدكتور محمد ناصر: « يصعب على المرء في الواقع عندما يتحدث عن مهام العزابة أن يفصل بين ما هو مهام دينية وبين ما هو مهام اقتصادية مثلا، لأن الدين الإسلامي دين يتغلغل في كل مناحي الحياة في المجتمع الإسلامي الحق»[5]، وبما أن الحلقة نشأت في عصر غاب فيها الحكم الراشد، جاءت لتكون بمثابة القدوة في المجتمع، فبات طبيعيا أن يكون من مهامها وصلاحياتها التشريع والتنفيذ والحكم، فقادت المجتمعات الإباضية في شمال إفريقيا لقرون عديدة ووجَّهَتهم وحَمتهم خاصة في العهد الاستدماري. ولا تزال حلقات العزابة تؤدي دورها الديني والاجتماعي والتربوي إلى اليوم[6]،
? فهي التي حافظت على قيمة تمسك المجتمع بالدين اعتقادا وممارسة،
? وحافظت على قيمة القضاء الإسلامي وقبوله عند التخاصم،
? وحافظت على قيمة الهندام الإسلامي والتمسك به إلى اليوم،

? وحافظت على سمت المرأة المسلمة الطاهرة العفيفة، وأسست لها هيئة تسمى هيئة “تيمسيريدين” وملتقى سنويا هو ملتقى “سيوت لا إله إلا الله” (انظر المصطلحين في معجم مصطلحات الإباضية) لتدَارسِ شؤون المرأة من قبل المرأة نفسها،
? وحافظت على التعليم القرآني وقيمه عند الناشئة، بل أُسّستْ الحلقة لذلك الغرض ابتداء،
? وحافظت على الهيئات المنبثقة عنها مثل “إيروان” وهم حفظة القرآن، و”الكرثي” و”الأعيان” و”العشائر” و”أمناء العرش” الذين يتولون مهمة مراقبة أعراف البناء وضوابط السيل،
? وحافظت على الشباب وجمعيات الأحياء “تيسكريوين” توجيها وإرشادا،
? وحاربت الاستدمار الفرنسي حربا جهادية في سطاوالي وسيدي فرج وفي بقاع الجزائر المختلفة شرقا وغربا، كما حاربته حرب مقاطعة لمدارسه ولباسه ومأكولاته ومياهه وكهربائه حتى تبعده عن ولوج المنازل والاحتكاك بالناس ... وهذا سر بقاء المؤسسات العرفية والبُنى القاعدية للمجتمع المزابي إلى اليوم.
? وحافظت على الأوقاف ميراثا من الماضي ـ بما في ذلك مقابرهاـ واستثمرته ولا يزال يؤدي دوره الاجتماعي والتربوي إلى اليوم دون انقطاع.
كل هذا وغيره انطلق من المنظومة التربوية التي أنشأها مؤسس الحلقة واستمر عليها الخلف اقتداء وتطويرا حتى بلغت ما بلغته اليوم، فما هي أسس حلقة العزابة في التربية والتعليم؟


ثانيا: دور حلقة العزابة في التعليم القرآني:

يقول الدكتور محمد ناصر في كتابه حلقة العزابة ودورها في بناء المجتمع المسجدي، متحدثا عن المهام التربوية لحلقة العزابة: « كانت المسؤولية هي أهم ما تقوم به الحلقة في عهود نشأتها الأولى، بل إن تربية النشء والعناية بتحفيظهم القرآن الكريم، وتعليمهم اللغة العربية والشريعة الإسلامية، كانت المهمة الوحيدة التي كانت الحلقة قد أنشئت من أجلها، وهذا إدراك من علماء المذهب وشيوخه أن التربية هي أهم الوسائل التي تنشئ الأجيال المسلمة عقيدة وعملا وهي من الطرق البليغة التي تضمن الاستمرار للمجتمع المحمدي مذهبا وسلوكا، وإن الدارس عندما يعود إلى طبقات الدرجيني (ق7هـ/15م) ليعجب حقًا لهذا النظام الدقيق الذي وضعه مؤسس الحلقة أبو عبد الله محمد بن بكر (في وقت مبكر نسبيا) في القرن الخامس الهجري (11م) في هذا المجال»[7].
يقول الدرجيني تحت عنوان ” ذكر لمع من سير الحلقة وما ينبغي لأهل طريق العزابة أن يلتزموه وأن يَعْلَمُوه ... ”
إن أبا عبد الله محمد بن بكر مؤسس الحلقة «جعل للعزابي الذي نظمه هذا الاسم في سلك المتدينين، واعتزل عن دناءة الأجلاف الدنيويين علامات ليُعرفوا بسيماهم ويتميزوا عن سواهم:
فمنها أنه أول ما يتجرد من طريقة أهل الدنيا بحلق شعر رأسه ثم لا يتركه يطول أبدا، فالعزابة من نشأتهم عدم الشعور، ومنها ألا يلبس ثوبا مصبوغا إلا البياض»[8].
ثم فصل في اللباس وهو على الطريقة المتداولة اليوم في وادي مزاب وبعد ذلك فصل الحديث في أهل الحلقة وقال « وأهل الحلقة صنفان:
? آمر ومأمور ...
? فالآمر اثنان: شيخ الحلقة أو مستنابه، والعريف.
? فالعريف اثنان: منفرد وغير منفرد،
? فالمنفرد اثنان: عريف أوقات الختمات والنوم، وعريف أوقات الطعام
? وغير المنفرد: العريف أو العرفاء وهم من حملة القرآن يكون منهم من يكتب عليه طلبة القرآن ألواحهم ويصححونها ويحفظونها ... فهؤلاء لا يحصيهم عدد،

والعريف على أوقات الدراسة ربما كان واحدا وربما أكثر فهو على قدر الاحتياج إليه ونحو ذلك،
والمأمور ثلاثة:
? طلبة القرآن،
? وطلبة فنون العلم والأدب،
? والعاجزون، ولجميعهم أوقات ... »[9].
وبعد أن تطرق لمهام الحلقة وهي عديدة متنوعة[10]، تتجاوز مهام مدير مدرسة ابتدائية أو متوسطة اليوم، تناول مهام العرفاء بمختلف تخصصاتهم، ثم بعد ذلك تطرق إلى أنواع الطلاب أي العزابة في الحلقة[11]، وقد ضبطها الدكتور الأردني المتخصص في الدراسات الإباضية عوض خليفات ضبطًا متميزا وأخرجها إخراجا تربويًّا معاصرًا بحيث رتب مهام الشيخ في ثمانية مهام أساسية، ومهام عريف تعليم القرآن في ثلاث، ومهام عريف أوقات الدراسة في خمس، ومهام عريف الختمات وأوقات النوم في خمس أيضًا، ومهام عريف الطعام في سبع، وصنف الطلبة في الحلقة كما جاءت عند الدرجيني إلى ثلاثة ثم جاء بسير الحياة اليومية في الحلقة وختم بالاختبارات والامتحانات وأنواع العقوبات[12].
? مهام الشيخ عالم وحافظ للقرآن الكريم
1. تعيين العرفاء
2. قبول الطلبة الجدد
3. اعتماد المناهج والخطط الدراسية للطبقات العليا من التلاميذ
4. الجلوس للطلبة من الصفوف العليا
5. الجلوس للطلبة المبتدئين والمتقدمين في الدراسة في أوقات معينة عند الختمات
6. الاجتماع بالطلبة جميعهم مرتين في الأسبوع
7. الفصل في المنازعات والمشاكل
8. الأمر بالصرف من أموال العزابة والأوقاف
? مهام عريف تعليم القرآن:
1. تدريس التلاميذ المبتدئين القرآن الكريم وعددهم لا يزيد عن عشرة ولا يقل عن اثنين
2. الإشراف على تلاميذه من الناحية الخلقية
3. إنزال العقوبات الخفيفة بالتلاميذ عند الضرورة
? مهام عريف أوقات الدراسة:
1. الإشراف على انتظام الطلبة في الصفوف الدراسية
2. المحافظة على النظام والهدوء
3. تعويض عريف تعليم القرآن عند غيابه

4. مراقبة الطلبة عند الاستفتاح أي عند القيام في الثلث أو الربع الأخير من الليل لتلاوة القرآن والدعاء
5. عدم السماح بتناول الطعام اختيارا في غير الأوقات المحددة للأكل
? مهام عريف الختمات وأوقات النوم
1. إعلان انتهاء فترة الدروس الصباحية
2. الدعوة إلى نوم القيلولة إجبارا
3. دعوة الطلاب إلى حضور ختمة المغرب
4. الدعوة إلى الختمة اليومية النهائية بعد صلاة العشاء
5. إعلان ابتداء النوم الليلي
?? مهام عريف الطعام
1. تنظيم جلوس الطلاب عند الأكل
2. التأكد من أن جميع الطلبة قد حضروا إلى الأكل باللباس الرسمي الخاص بهم
3. مراقبة تطبيق آداب الأكل عند الطعام
4. تسجيل الغياب عن الطعام ومعرفة أسبابه
5. إعلان انتهاء الأكل ويكون ذلك بالدعاء والشكر لله على نعمته
6. الإشراف على توزيع الهدايا التي يتصدق بها الأغنياء والمحسنون
7. الإشراف على الوجبات الإضافية وعددها اثنتان في اليوم: وقت الضحى وبعد صلاة العصر
8. الإشراف على الوجبات التي تكون خارج الإقامة كالولائم في بيوت المحسنين.


أما الطلبة في المدرسة فإنهم يُصنفون عادة إلى ثلاث مجموعات:
1. طلبة تعليم القرآن
2. طلبة العلوم والآداب
3. العجزة


والحقيقة أنهم كلهم طلبة القرآن الكريم، فالصنف الأول هم صغار التلاميذ المبتدئين والصنف الثاني هم الذين استظهروا القرآن وانتقلوا إلى تعلم علوم القرآن الأخرى، والصنف الثالث هم العاجزون عن حفظ كتاب الله، هم المتخلفون الذين كبرت أعمارهم وبقوا يراوحون مكانهم في السور القصار أو بعدها بقليل.

أما عن سير الحياة اليومية في الحلقة أي المدرسة، فيبدأ العزابة آمرون ومأمورون يومهم في الثلث الأخير من الليل أو ربعه الأخير لتأدية الاستفتاح، فيتوضؤون ويأخذون في تلاوة القرآن مع الشيخ أو فرادى حتى أذان الفجر، فيسيرون جميعا إلى المسجد لأداء صلاتي الفجر والصبح ويعودون إلى مدرستهم لتناول طعام الفطور ثم يبدؤون دروسهم اليومية المعتادة حسب تصنيفهم وبرنامجهم.
يجلس الطلبة في صفوفهم على هيئة حلقة غير مستندين إلى شيء ولا مكثرين من الحركة والالتفات، وإنما عيونهم على ألواحهم المسندة إلى الأساطين، ويعمل العريف على اختبار تلاميذه فيما حفظوه مما تعلموه وحفظوه في يومهم السابق وبعد ذلك يملي عليهم ما يجب حفظه في اليوم التالي.
وبعد انتهاء الدروس الصباحية يقوم عريف الختمات فيجمع الطلبة لتلاوة دعاء الختمة الصباحية معلنا بذلك انتهاء الدروس الصباحية.
ثم تكون فترة أسئلة يجيب عنها شيخ الحلقة ثم صلاة الضحى ثم تناول الطلبة لوجبة خفيفة من الفواكه أو التمر، وهذه الوجبة مشروطة بالجواب على ثلاثة أسئلة يطرحها العريف ومن لم يجب يُحرم من هذه الوجبة.
بعدها يأمر عريف الختمات والنوم التلاميذ بالذهاب إلى نوم القيلولة ولا يتخلف عن هذا النوم الإجباري إلا أصحاب الأعذار وبموافقة العريف، ومن اكتشف أنه لم ينم أو أزعج من نام فالعقوبة مصيره.

بعد ذلك تأتي صلاة الظهر وتناول الغداء، ثم تبدأ دورة الدراسة المسائية وتستمر حتى العصر ويتخللها تناول وجبة خفيفة كوجبة الضحى، ثم الاستمرار في الدراسة حتى صلاة المغرب، وحينها يعلن عريف الختمات عن الختمة المسائية إيذانا بانتهاء الأعمال اليومية الإلزامية، ثم يصلون صلاة العشاء ويتناولون طعام العَشاء ثم استراحة حرة لمدة قصيرة ثم حضور الختمة النهائية حيث يقوم أحد التلاميذ بتلاوة شيء من القرآن الكريم، ثم يدعو دعاء الختمة المعتاد وبعد ذلك يقوم أحد الطلبة بإلقاء كلمة وعظية إرشادية ثم يستغفرون ويدعون ثانية فينصرفون إلى النوم.


أما أوقات العطل الرسمية فهي يوم الجمعة من كل أسبوع.
وفي وقتنا الحاضر تقوم ما يُعرف بالمحاضر وهي مدارس قرآنية تعد بالعشرات في قصور وادي مزاب وكذا المعاهد العليا مثل معهد الحياة بالقرارة ومعهد عمي سعيد بغرداية ومعهد الإصلاح بغرداية ودار القرآن التابعة لمؤسسة عمي سعيد بغرداية كذلك بمهمة تحفيظ كتاب الله، فضلا عن الدراسات المرتبطة بالقرآن، وقد استظهر في العام الدراسي 2011ـ 2012م، على سبيل التمثيل 128 مستظهرا ومستظهرة منها 53 فتاة([13]) ومثل ذلك في معهد الإصلاح ومعهد عمي سعيد.
هكذا عملت حلقة العزابة بالقرآن الكريم على صياغة الشخصية المزابية وهم جزء من المجتمع الجزائري الكبير وأقصد بالشخصية المزابية كل المتجاورين عربا ومزابيين في منطقة غرداية الذين حظوا بولوج هذه المؤسسات الحديثة والتخرج فيها والانضباط بنظامها، ولا تزال الدراسة مفتوحة للجميع منذ أن فتحت أول مدرسة في وادي مزاب وهي مدرسة الإصلاح بغرداية، ومعهد الحياة بالقرارة عام 1925م.
[1]) انظر ترجمته في معجم أعلام الإباضية، قسم المغرب، تأليف إبراهيم بجاز و آخرون، دار الغرب الإسلامي، بيروت 2000م. العَلَم رقم : 803.
[2]) إبراهيم بحاز وآخرون: معجم مصطلحات الإباضية، نشر وزارة الأوقاف والشؤون الدينية، سلطنة عمان، مسقط 1429هـ/2008م ج2 ص702.
[3]) نفسه: معجم المصطلحات الإباضية ج2 ص 699.
[4]) محمد ناصر : حلقة العزابة ودورها في بناء المجتمع المسجدي، مكتبة الضامري 1410هـ/1983م، ص 17.
[5]) نفسه، ص 17.
[6]) لمزيد من الاطلاع على حلقة العزابة وأدوارها ومهامها، انظر خاصة كتاب صالح بن عمر سماوي: العزابة ودورهم في المجتمع الإباضي بمزاب، جزءان، نشر جمعية التراث، المطبعة العربية – غرداية ط1: 1426هـ/2005م (الكتاب في 1162ص).
[7]) محمد ناصر: المرجع السابق، ص31.
[8]) الدرجيني أبو العباس أحمد: كتاب طبقات المشايخ بالغرب، تح إبراهيم طلاي المطبعة العربية. غرداية. ط2 بلا مكان و تاريخ نشر، ج1 ص 172-173.
[9]) الدرجيني: طبقات، 1/173.
[10]) نفسه 1/173/174.
[11]) نفسه 1/178-184.
[12]) عوض خليفات المرجع السابق، 65 -85.
[13] ) مجلة الحياة عدد 16 رمضان 1433هـ/ أوت 2012م ، المطبعة العربية غرداية 2012م آخر المجلة
د. إبراهيم بحاز
المصدر: موقع أعيان غرداية

شروق أونلاين تاريخ مزاب

من نحن المزابيون :


المزابيون : نحن شعب أصيل ، سكنا منذ أقدم العصور بمنطقة الشبكة و نسبت إلينا و هي منطقة صخرية صحراوية تقع جنوب الجزائر بـ 600 كلم و هي منطقة قديمة جدا منذ العصور الحجرية و قد وجدت أكثر من 2900 أداة استعملها جدّنا الإنسان المزابي البدائي في المنطقة .
نمتاز بالتمسك بالدين و الإلتزام و الخلق الحسن و لا نصدر أمرا إلا إذا وافقه الدين و الشرع .
ننحدر نحن المزابيون من قبيلة مصعب الأمازيغية من قبيلة زناتة ، و كلمة -مزاب- محرفة من كلمة - مصعب - و سبب تحريف مصعب إلى مزاب أن الأمازيغ و نحن المزابيين خاصة نحرف الصاد زايًا في العربية ، كالصلاة مثلا التي نسميها تْزَالِّيتْ .
من هنا جاء التسلسل النطقي للكلمة ، فقلنا مصعب ثم مصاب ثم مزاب و مزاب.
و مصعب هو مصعب بن بادين انتقل بنوه إلى الوادي في العصر الحجري و استقروا به مع أولاد عمهم عبد الواد و عائلات أمازيغية أخرى فيه نظرا للظروف الملائمة للعيش به.
و قد نسبت المنطقة إلينا نحن المزابيين فسميت : بادية بني مصعب أو وادي مصعب أو وادي مزاب أو مصاب .
نقرأ القرآن الكريم كأهل المغرب برواية ورش عن نافع .
إداريًا يقع وادي مزاب في ولاية تغردايت ( التي حرفت إلى : غرداية ) تحت الرقم : 47 .
و للتعرف أكثر على تاريخنا اذهب إلى صفحة تاريخنا .


من نحن الأمازيغ:

نحن الأمازيغ أبناء مازيغ بن كنعان بن حام بن نوح عليه السلام .
كنا أول عهدنا في العصور البدائية بالشام مع أبناء عمنا فلسطين فوقعت بيننا و بينهم حروب ، فهاجرنا نحن الأمازيغ من الشام ، و سرنا إلى المغرب عبر مصر و استوطناه في العصر الحجري و عمرناه من غرب النيل إلى المحيط الأطلسي .
ننقسم نحن الأمازيغ إلى قسمين : البرانس و البتر ، كل فرع يتشعب إلى قبائل كثيرة لا تحصى ، فشعب زناتة الذي ينتمي إليه بنو مصعب هو أحد شعوب البتر .

و قد كان المصعبيون يسكنون بجوار منطقة نفوسة في ليبيا ثم إلى جبال الأوراس بالجزائر ، ثم إلى منطقة مليانة ثم إلى ورجلان (ورقلة) ثم إلى وادي مْزاب .

لغتنا المزابية:


أصل لغتنا المزابية زناتية و هما تتفرعان من اللغة الأمازيغية الأصلية الأصيلة ، و لغتنا المزابية قريبة من القورارية و الشاوية و الشلحية و النفوسية.
من خصائصها الإبتداء بالساكن للأسماء مثل قولنا (تْمَارْتْ) للِّحية و ( تْفُويْتْ) للشمس و من خصائصها كذلك اجتماع ساكنين في نهاية الكلمة كما في المثالين السابقين.
تاء التأنيث تكون في أوّل الإسم فنقول )تَبَجْنَ) للرأس . و قد يكون المؤنث في لغتنا المزابية مختوما بتاء كذلك ، و من ذلك قولنا (تْوَارْتْ) لأنثى الأسد.
كما أنّ من خصائصها عدم وجود صيغة التثنية و تستبدل بصيغة جمع كما في كثير من اللغات .
إن لغتنا المزابية غنية بالأمثال التي تغني عن الكلام الطويل مما يدل على حكمة أجدادنا مثل :

( وِيُّوفِينْ وَلْيَطِّيفْ أََدِبْرَسْ وَلْيَتِّيفْ) و معناه : من وجد و لم يقبض بَحث و لم يجد ، و نضربه لمن يضيع الفرص .
و من الكنايات المزابية قولنا : ( يَقَّنْ سْوُولْمَانْ) ومعناه : مربوط بخيط واهن ، و هو كناية عن عدم إحكام الأمور .
و لنا نحن المزابيين قصائد شعرية نتغنى بها في المناسبات كوقت الدرس للفلاحين ، و أوقات النسج للنسوة ، و في الأعراس ، و الأعياد الدينية.
تأثرت لغتنا المزابية كثيرا بالعربية لغة القرآن الكريم ، لكن الألفاظ المقتبسة منها لم تبق على هيئتها الأولى بل صغناها على قواعد لغتنا و ركبناها تركيبا جديدا ، فانسجمت مع لغتنا المزابية ، و صارت جزءا منها ، و خرجت من نطاق اللغة العربية ، لا ينتبه إليها إلا من عرف أصلها ، فكلمة (أَمْبَارْشْ) أصلها مبارك ، وكلمة (يَتْزَالَّ) أصلها يصلي.



قصور وادي مزاب

 من مظاهر حضارة المزابيين مدنهم و فنها المعماري , و عدده المدن الرئيسية العامرة إلى الآن سبعة ، باستثناء القصور التاريخية العتيقة ، و التي لم يبق منها سوى بعض الآثار .
و ستجدون صورا لمختلف هذه المدن في صفحة صور مزاب.
الملاحظ في مدن مزاب السبع بأن خمسًا منها و هي : تَجْنِينْتْ , آت بونور , تَغَرْدَايْتْ , آتَمْليشْتْ , آت اِيزْجَنْ , متجاورة من بعضها البعض , و لا تبعد عن بعضها سوى ببضع كيلومترات ، و تعرف بالقرى الخمس , أما مدينتي : آت ايبَرْ?ـان , و تيـ?ْرار , فهما بعيدتان عن المدن السبع السابقة , آت ايبَرْ?ـان :45 كلم شمالا , و تيـ?ْرار : 110 كلم شرقا .
و قد بنيت كل هذه المدن فوق مرتفعات , لأهداف كثيرة , و بهندسة معمارية مميزة جذبت المهندسين من جميع أنحاء العالم. تتعرف عليها في صفحة : الهندسة المعمارية .
و في ظروف غير معروفة ، حُرِّفت أسماء هذه المدن إلى أسماء عربية و أعرابية ، ومازالت أسباب هذا التحريف محل بحث من طرف الشبكة المزابية .

1 - تَاجْنِينْتْ :
تُعد من أقدم القصور السبع , يقصد بهذه الكلمة المكان المنخفض , أسسها الشيخ خليفة بن آبغور سنة 402 هـ 1012م , تقع على بعد سبع كيلومترات من آت بونور ، حُرِّف اسمها إلى : العطف .

2 - آتْ بونورْ :
أُنشئت سنة : 457 هـ - 1065 م , و اسمها نسبة إلى القبيلة المصعبية التي بَنَت و سكنت هذه المدينة قديما , تتميز آت بونور بأنها مبنية فوق ربوة صخرية منيعة جدا ، مما شكل لها سورا طبيعيا تقع قرب آت ايزجن ، حُرِّف اسمها إلى : بونورة .

3 - تَغَرْدَايْتْ :

أُنشِئت سنة 447 هـ - 1053م , و أول من سكنها الشيوخ : بابا وَالجَمَّة , و أبو عيسى بن علوان و بابا سعد , وأصل تسميتها : تَغَرْدَايْتْ بالمزابية و هي القطعة المستصلحة من الأرض , والواقعة على حافة الوادي , وتوجد عدة قرى تحمل نفس الدلالة في أرجاء المغرب الإسلامي ، و هي أول مدينة تُشاهَد عند القدوم من الشمال ، حُرِّف اسمها إلى : غرداية .

4 - آتْ اِيزْجَنْ :
أُسّست سنة : 720 هـ - 1321 م ، و اسمها نسبة إلى القبيلة المصعبية التي سكنت المدينة .
تعتبر آت ايزجن , من عواصم العراقة العلمية و الدينية , و هي المدينة الوحيدة التي حافظت على أصالتها المزابية من كل النواحي إلى اليوم ، و تعتبر المدينة المزابية المثالية ، و من أهم مميزاتها ، سورها الذي لايزال قائما إلى اليوم ، و تقع بعد آت امْليشْتْ .

5 - آ ت مْلِيشْتْ :
أسست عام 756 هـ - 1355م , اسمها نسبة إلى " مْلِيكْشْ " أحد زعماء قبيلة زناتة التي تنتمي إليها قبيلة بني مصعب تقع على هضبة مرتفعة نسبيا بين قصري تغردايت و آت ايزجن ، يستطيع الناظر منها أن يرى القصور الثلاث : تغردايت ، آت ايزجن ، و آت بونور .

6 - تِيـ?ْرَارْ :
أسست سنة : 1040 هـ - 1631م , معنى تسميتها : الجبال البيضوية التي بجانبها سهول صغيرة مقعرة بستقر فيها الماء .
تقع على بعد حوالي 110 كلم شرق القرى الخمس ، وهي على أرض طينية ، على خلاف المدن الأخرى التي تقع على جبال صخرية ، و تشتهر بواحتها الشاسعة التي يسقيها وادي ز?ْرير .

7 - آت ايبَرْ?ـان :
أُنشئت سنة : 1060هـ - 1690 م , و هي خيمة مصنوعة من الوبر , وقد كان أهلها ذوي خبرة في نسج هذا النوع من الخيم .
تقع في تقاطع الأودية الثلاثة : بالُّوحْ ، السّودان ، و وادي نْ سَا .

اللباس التقليدي القومي المزابي :

لا يمتلكها سواه , و منها بضع الخصائص الرئيسية التي ما فتئ المزابيون يدافعون عنها بكل ما أوتوا من قوة ضد تيارات الغرب المفسدة , و من مظاهر تمسك المزابيين بأصالتهم , لباسهم التقليدي , و الذي يواظب المزابيون على ارتدائه إلى يومنا هذا سواء في المناسبات أو غيرها , و عادة ما يعتبر من لم يلتزم بهذا اللباس في مزاب غريبا و شاذّا عن المزابيين و لو كان مزابيا .

و هذا الإلتزام إن دل على شيء , فإنما يدل على الروح المزابية الإسلامية الأصيلة , التي تأبى إلا المحافظة على الأصالة العريقة , و الوحدة و الأخوة التي يلتزم بها المزابيون , إذ أن ارتداء جميع المزابيين لباسا واحدا , بحيث لا يتميز غنيهم عن فقيرهم , يدل على روح الوحدة و الأخوة , و أنهم طبقوا حقا قول الله تعالى : " و اعتصموا بحبل الله جميعا و لاتفرقوا " , و يدل على أنهم رفضوا تماما التيارات الغربية المنضوية تحت اسم : ( العولمة ) , التي فسخت الشباب الإسلامي تماما إناثا و ذكورا للأسف الشديد .

يتكون اللباس المزابي التقليدي من سروال مترابط غير مفصل على الرجلين و هو منتشر في بوادي مصر و الشام , و طاقية بيضاء تطبيقا لسنة الرسول (ص) في تغطية الرأس ، و هناك كذلك القميص المزابي المعروف بـ : تاجربيت ، و قد تقلص استعماله إلى المناسبات .
يكون سروال أبيضا في المناسبات و الأعياد و أوقات الصلاة و الإجتماعات , أما في وقت العمل , فيرتدي المزابيون سروالا ملونا حفاظا على النظافة , و لا ينزعون الطاقية .
في أوقات الصلاة يرتدي المزابيون اللباس السابق ذكره , و يرتدون فوقه جبة بيضاء تعبر مرة أخرى على اتحاد المزابيين , و لايدخل مزابي المسجد عادة دون جبة بيضاء .

أما النساء , فهن يرتدين جميعا لباسا موحدا , عبارة عن قطعة قماش كبيرة تلفها المرأة حول جسمها كله , بحيث لايظهر منها شيء , و لا تترك إلا فتحة صغيرة حول العين لترى بها ، في صورة مميزة لتطبيق التعاليم الإسلامية .
لعل البعض يظن أن فرض اللباس الشرعي المحتشم على النساء جمود و جفاف ديني من المزابيين , إنما هو اتباع لتعاليم الدين الحنيف بحذافيره , دون أي مزايدة , كما أمر ربنا عز و جل .

لماذا الأبيض ؟ :

يرتدي المزابيون الأبيض لأنه هو الذي حبّب إليه الرسول (ص) في قوله : " عليكم بالبياض , ألبسوه أحياءكم , وكفنوا به أمواتكم " .
كما أن الأبيض جميل من أصله, لأنه لونه التفاؤل و الخير لدى كثير من المجتمعات , و الله يأمرنا بالزينة في المسجد في محكم آياته , إذ يقول : " خذوا زينتكم عند كل مسجد " , و لا يخفى على أحد أن الزينة تكون باللباس الأبيض الجميل , ثم أن اللون الأبيض سريع التأثر بالألوان , فإذا ما أصابته نجاسة سهلت رؤيتها و التعرف عليها .


 --------------------------------

echoroukonline.com

ولاية غرداية OPVM

ولاية غرداية ديوان حماية وادي ميزاب

 - المعطيات التاريخية:


إن التراث الأثري والثقافي يمثل أهمية علمية و تاريخية كبيرة من الناحية الجمالية، وكذا الثراء الفني الذي يعتمد على جمع الآثار الموروثة من أسلافنا، مرورا بمختلف الحضارات حتى الفترة الحالية ويمثل التوارث كنزا تاريخيا وحضاريا وفنيا.
وإن ولاية غرداية لمن يجهلها، ومن خلال المعطيات الجغرافية والمناخية، يمكن أن ينفي وجود الحياة بها بشكل قاطع، ولكن الدراسات الأثرية للمنطقة تؤكد عكس ذلك فالحياة دبت فيها منذ عصور ما قبل التاريخ .

1-1- فترة ما قبل التاريخ :


عرفت عدة مناطق من ولاية غرداية، حضارات تعود إلى عهد ما قبل التاريخ وبالتحديد إلى فترة العصر الحجري الحديث، وهذا من خلال الاستكشافات الأثرية التي ثم العثور عليها والمتمثلة في بعض الصناعات الحجرية وبعض المعالم الجنائزية في كل من : المنيعة و متليلي كما تم العثور على العديد من النقوش الصخرية على ضفاف سهل وادي ميزاب في كل من : أنتيسة وبابا السعد، و مرماد، وفيما يخص تاريخها فإن أغلبها يعود إلى حوالي 5000 سنة قبل الميلاد، وبالتحديد إلى فترة الليبيكوبربرية والباليونتولوجي الوسيط .[1]
كما أن الهضاب التي تشرف على مدينة المنيعة من الناحية الشمالية غنية بمخزونات مواد تعود إلى ما قبل التاريخ "سهام سواطير"، وبعض الكتابات تؤكد أن جماعات بدائية سكنت مغارات كانت موجودة بهذه المنطقة .
أولى الاكتشافات في هذا الشأن في منطقة وادي ميزاب، ترجع إلى حولي 50 سنة من قبل تحدد موقعها في نواحي مليكة وغرداية و القرارة [2]
حيت تم العثور على أثار إنسان ما قبل التاريخ بالمنطقة من خلال ما عثر عليه الأستاذين :
" بييرروفر
pierre roffo
ثم
abonneau-goel"
حيث أحصى الأستاذ " بيير" إحدى عشر (11) محطة[3]

في محاضرة ألقاها في الدورة الحادية عشر(11) لمؤتمر ما قبل التاريخ بفرنسا سنة 1934 م وصف خلالها ما جمع من أدوات أضف إلى ذلك غنى المنطقة بالنقوش الصخرية[4]
التي تراوحت مواضيعها بين الرسومات الحيوانية والهندسية، ورسوم لبعض أعضاء الجسم البشري، مثل : اليد والرجل، وبعض الصخور نقشت عليها رموز وحروف وأعداد أمازيغية .
ولم تعرف المنطقة كغيرها من مناطق الصحراء أي نوع من أنواع التواجد الروماني، حيث بقي على حدود واد الجدي بالصحراء، ولا التواجد الوندالي، أو البيزنطي، فيما كانت منطقة عبور لقوافل القبائل الزناتية.[5]

1-2- الفترة الإسلامية: "العصر الحديث"
1-2-2- فترة المعتزلة: من القرن 8م إلى القرن 10م


عند انتهاء الفتح الإسلامي لشمال إفريقيا عام 84هـ - 703هـ، اعتنق البربر ديانة الإسلام وساهموا في نشره، ولما ظهرت المذاهب الفقهية كان البربر وهم السكان الأصليون لوادي ميزاب على مذهب المعتزلة، وقد كانوا يسمون بالواصلية نسبة إلى مؤسس المذهب واصل بن عطاء، وأسسوا بعض القرى عرفت بالتجمعات السكنية حيث بلغت أكثر من 20 عشرين مجمع سكني اندثر معظمها، ومن أهم هذه القرى المندثرة التي احتفظت ببعض إطلالها .
- قرية تلزضيت - قرية الصوف - قرب سد مدينة العطف .
- قرية أولال بواحة العطف .
- قرية تمزارت بنواحي وادي ازويل ببنورة .
- قرية اتنوخاي بجوار السد الكبير لبني يزقن .
- قرية ثلاث موسى بواحة بني يزقن
- قرية بوهراوة[6] .
1-3- من القرن 10م إلى القرن 16م : فترة تبني المذهب الإباضي .

تتميز هذه الفترة باعتناق السكان الأصليين للمذهب الإباضي الذي يعود إلى العلامة عبد الله ابن إباض، حيث استطاع الاباضيون أن يضعوا اللبنات الأولى لإرساء حياة حظارية جديدة، فأنشئوا 5 قرى عبر كامل سهل وادي ميزاب، وذلك خلال 3 قرون ونصف من القرن 11م على القرن 14م، بالرغم من قساوة الطبيعة وقلة الإمكانيات، وهذه القصور لا تزال قائمة إلى اليوم، وهي على التوالي.

- تاجنينت " العطف" 1011م – آت بونورة 457ه / 1065م .
- تاغردايت " غرداية "477ه / 1085م .
- آت يسجن "بني يزقن" 1321م.
- أتم ليشت "ملكية " 756ه / 1355م.
- وخارج إقليم وادي ميزاب تم تأسيس قصر المنيعة في القرن 10م، وقصر متليلي خلال القرن 14م .

1-4- الفترة العثمانية: من مطلع القرن 10ه / 16م إلى فرض الحماية 1853م.


- وخلال المنتصف الأول من القرن 17م تم إنشاء قصر القرارة في 1630م، وفي النصف الأخير تم تأسيس قصر بريان في 1690م، إثر تنقل جماعات من سكان ميزاب خارج الوادي.[7]

وتعتبر الفترة العثمانية في غرداية عموما وفي ميزاب خصوصا فترة هامة في تاريخ وعمران المنطقة، وهي الفترة الأقل غموضا لوفرت المادة التاريخية نسبيا، مقارنة مع الفترات السابقة، ولعل من أقدم النصوص المتعلقة بهذه الفترة نص للحسن ألوزاني ( حوالي 1552م ) يقول فيه:"ميزاب منطقة مأهولة في قفار نوميديا على بعد نحو ثلاث مائة ميل شرق تيكورارين، وعلى نفس المسافة من البحر المتوسط، تشتمل على ستة قصور، وعدة قرى سكانها أغنياء، وهي أيضا رأس خط تجاري يلتقي فيه تجار الجزائر، بجاية بتجار أرض السودان..."[8]

فبداية من هذا العهد أخذت الحياة الفكرية والاقتصادية، والعمرانية في النمو، والازدهار بسبب الطريق التجاري، التي استحدثها الميزابيون بكدهم ونشاطهم، فغدت منطقة ميزاب معروفة كمحطة تجارية هامة بشمال الصحراء في جنوب الجزائر، وأصبح موقعها لا يغيب عن الخرائط الجغرافية لتي أنجزها الأوروبيون خلال القرون الثلاثة 18،17،16م[9] .
ونجد أن أغلب المعالم التاريخية الباقية في منطقة ميزاب إلى يومنا هذا تعود في نشأتها إلى هذه الفترة،خاصة ما يتعلق منها بالعمارة الدفاعية .


1-5- الفترة الاستعمارية : مند فرض الحماية الفرنسية على ميزاب 1269هـ / 1853م .


- يقول أوقستان بيرنار:"بإستلائنا على ميزاب قضينا على عش الثورة الدائم والمستودع الذي كان يجد فيه الثوار ضدنا الأسلحة والعتاد والتموين "
- في 16 أكتوبر 1882م تلقى الجنرال دولا تور برقية من الوالي العام لويس تيرمان يأمره بتجهيز حملة ، والذهاب بها إلى ميزاب لإعلان الحاقة، اشتملت هذه الحملة على 1175 ضابط وجندي و معهم 500 فرس، و1851 بعير تحمل مؤونة شهر، غادرت الأغواط يوم : 10 نوفمبر، ووصلت إلى غرداية يوم 17 نوفمبر، ورغم المعارضة الشديدة للطلبة فإن الإلحاق أعلن عنه رسميا يوم: 30 نوفمبر 1882م، ورفع العلم الفرنسي محيا بواحدة وعشرين طلقة مدفعية .
- وكان الخراج المفروض على بني ميزاب عام 1853 قدره : 45 ألف فرنك، بقي إلى 1914م، حيث أخد في الارتفاع إلى أن بلغ عام : 1921م إلى 1035 ألف فرنك .
- وفي 01 نوفمبر 1882م، أصدر الوالي العام قرارا يقضي بإنشاء دائرة عسكرية بغرداية، تشمل قرى ميزاب السبع وأغا ليك، وورقلة، وشعانبة متليلي، وشعانبة المنيعة .

- وفي 12 ديسمبر 1882م، رفع وزير الداخلية ووزير الحربية إلى رئيس الجمهورية "قريفي" تقرير يقضي بإلحاق غرداية، وتم اختيار جبل بوزيزة المشرف على مدينة غرداية لا تبعد عنها سوى 400 م، لإقامة البرج العسكري الفرنسي، وشرع في بنائه يوم 26 ديسمبر 1882م، قسم مخصص للجيش، والقسم الآخر للمكتب الع والمستودعات، به مدفعان يمكن تصويبهما إلى كل من مدن غرداية، ومليكه، وبنورة، وبني يزقن، وبعد الاستقلال حول هذا البرج إلى فندق الرسميين .[10]

2- المعطيات الجغرافية:


2-1- الموقع الفلكي:


تقع ولاية غرداية بين خطي: 32 و20.33 شمالا، و بين: 2 و30 شرقا، وترتفع عن مستوى سطح البحر بـ 468 م.
2-2 الموقع الجغرافي:
تقع غرداية شمال صحراء الجزائر، ومقر الولاية مدينة غرداية، تبعد عن العاصمة بـ600 كلم، وتتربع على مساحة تقدر بـ 86.105 كلم، امتدادها من الشمال إلى الجنوب 45 كلم، ومن الشرق إلى الغرب من 200 الى250 كلم، وتحدها كل من :
- ولاية الجلفة وولاية الأغواط شمالا .
- ولاية البيض وولاية أدرار غربا .
- ولاية ورقلة شرقا .
- ولاية تمنراست جنوبا .
وتبعد مدينة غرداية بـ 200 كلم عن ولاية الأغواط وبـ 200 كلم عن ولاية ورقلة، و600 كلم عن ولاية أدرار وبـ 1200 كلم عن ولاية تمنراست، ويعبرها الطريق الوطني رقم (1) الرابط بين العاصمة الجزائرية والجنوب الكبير.-الخريطة *-

2-3- التضاريس:


تتميز ولاية غرداية بطبيعة صحراوية، باعتبارها جزء من الصحراء الكبرى، كما تحتوي على بعض المنخفضات، المتمثلة في الحمادات والشطوط وبعض الهضبات الصخرية المتقطعة المتكونة من طبقات كلية تتخللها، وديان عميقة متشعبة ومتداخلة، وأبرز مثال على ذلك سهل وادي ميزاب، الذي يقع فوق طبقة صخرية متقطعة تتكون من طبقات كلسيه لذا سميت ببلاد الشبكة، ومن أهم هذه الأودية وادي ميزاب، واد ن سا، واد قدير، واد بلوح واد متليلي، واد الأبيض، واد اريدلن، واد أنتيسه.[11]

2-4- المناخ:


كون الولاية واقعة في مدينة صحراوية فان مناخ المنطقة صحراوي جاف، والمدى الحراري واسع بين النهار والليل وبين الشتاء والصيف، وتتراوح درجة الحرارة شتاءا بين 1°إلى 25°درجة، وبين 18°إلى 48°صيفا، يعتدل الجو في فصلي الخريف والربيع، أما بالنسبة للتساقط فان قلة الارتفاعات ووجود حاجز للاضطرابات الجوية القادمة من الشمال المتمثلة في سلسلة جبال الأطلس الصحراوي جعلت من المنطقة قليلة التساقط، وبصفة غير منتظمة حيث يتراوح المتوسط السنوي مابين 50الى 60مم.[12]
وتهب على المنطقة رياح شمالية غربية باردة في الشتاء، وجنوبية غربية محملة بالرمال في الربيع والتي تلحق أضرارا بالمناطق الفلاحية، عن طريق التعرية، وفي الصيف رياح جنوبية حارة تعرف بالسيروكو .[13]

2-5- الشبكة المائية:


2-5-1- الشبكة المائية السطحية :


هي قليلة وهذا بالنظر إلى كمية التساقط القليلة والمتدبدبة، أما عن شبكة الأودية الرئيسية فان سيلانها مرتبط بكمية التساقط، وهي على العموم تسيل بمعدل مرة في السنتين بشكل طوفاني، يؤدي إلى خسائر مادية في المباني المحيطة بمجرى الوادي .
2-5-2- الموارد المائية الباطنية:
تعتمد المنطقة في احتياجاتها بشكل كبير على الموارد المائية الجوفية، والتي تتوفر بكميات كبيرة هائلة، حيث هناك جيبان مائيان أساسيان تعتمد عليهما المنطقة وهما:
- الطبقة المائية الجوفية : تتغذى هذه المنطقة من مياه الأنهار وجريان الأودية إذ أن منسوب المياه فيها يتغير نسبيا حسب كميات التساقط ومدى جريان الوادي وهذه الطبقة،و يقدر عمقها بين 10الى15م .
- الطبقة المائية الالبية :تتعمق في الطبقة القارية التدريجية إذ أنها تحقق جميع احتياجات الولاية من المياه، وهي تتربع على مساحة 600.000 كلم² من التراب الجزائري .

3- المعطيات الاجتماعية:

إن موضوع معرفة التاريخ الحقيقي المحدد لقدوم العائلات الموجودة حاليا في ولاية غرداية، يصطدم بأكثر من عقبة، فمن ناحية أولى هناك نقص كبير في المؤلفات التاريخية التي تناولت العائلات القادمة إلى هذه المنطقة، وزمن قدومها ضمن أيت ظروف تمت وهذا النقص لم تستطع تجاوزه المحاولات الفردية، ومن ناحية أخرى نجد في الولاية نوع من التراث الشعبي المنقول شفويا، و المتعارف عليه في رواية أصل العائلات[14] ، ولكن الروايات تختلف نوعا ما ولكنها تتفق على أن السكان في هذه الولاية هم من العرب، والبربر امتزجت دماؤهم مع مرور الزمن، حتى انه حاليا لا يمكن نسبة جماعة إلى عرق محدد فالسكان الأصليون الذين قطنوا في ربوع ولاية غرداية قدموا من مختلف أنحاء الجزائر ومن من مختلف أنحاء الوطن العربي كذلك[15].
فخلال الحقبة التاريخية الممتدة ما بين : القرن 10 والقرن 17م توافدت أقوام متعددة إلى سهل ميزاب، فهناك هجرة كانت نتيجة لسقوط دولة مدرار، وهناك قبائل قدمت من وارجلان بعد خراب مدينة سدراتة في 1075م، على يد أحد أمراء قلعة بني حماد المنصور بن الناصر "، و الغزو الثاني في سنة 1229م بقيادة يحيى بن إسحاق النيورقي في ثورته ضد الموحدين فتدمر نهائيا سنة 1274م[16]، وقبائل أخرى قدمت من وادي ريغ بنواحي تقرت، وقبائل قدمت من جبل عمور، وقصر البخاري، والمدية، و الأبيض سيدي الشيخ، ومن جبل نفوسة بليبيا، ومن جزيرة جربة بتونس، ومن مدينتي سجلماسة وفقيق بالمغرب الأقصى، من إقليم الساقية بالصحراء الغربية .

هذه الهجرات المتعددة كونت خليطا بشريا انصهر في بوتقة واحدة تحت راية المذهب الإباضي، و يطلق عليهم جميعا بنو زاب مثل من سبقهم بها[17]، ومع مرور السنين تزايد عدد السكان وأسست قرى كتلك التي أسست سنة 1004م وتدعى "اغرم انواداي" بين مليكة الحالية والوادي على سفح الجبل وقد خرج بها أولاد عبد الله عام 1123م ولم يبق سوى مسجدها، وكان السكان يسكنون أسفل المسجد الذي عند الوادي، لينتقلوا إلى حيث هم اليوم, وفي 1012م أسس خليفة بن أبغور مدينة العطف وكانت تسمى- تاجنينت – يقصد بها المكان المنخفض- وسكنت هذه القرية 13 عائلة أصلها من المعتزلة،[18] ويذكر الشيخ أطفيش في الرسالة الشافية أن أهل العطف كانوا موجودين في قرية اسمها- اغرم نتالزصيت - ويعني قرية الصوف . [19]
إن بني ميزاب وإخوتهم من بني بادين بنو عبد الوادي وبنو توجين وبنو زردال من قبيلة زناته البربرية لما فشلت ثوراتهم ضد قبيلة كتامة تم من بعدهم صنهاجة .
وفي النصف الأخير من القرن الرابع هجري (4هـ) نزحت زناته إلى شمال الصحراء، فانتشروا في بين زاب وملوية حتى الجنوب واستقروا بها وعمروها،[20] ولما ظهرت المذاهب الفقهية سبقت إلى بني مصعب أصول المعتزلة الواصلية، وقد كان هؤلاء السكان يغلب عليهم طابع البداوة والبساطة، ونظام حياتهم يعتمد على تربية المواشي بالدرجة الأولى وعلى الزراعة بالدرجة الثانية، كما توجد بعض القرى والمد اشر التي اندثرت ولم يبق منها إلا بعض الآثار، والتي لا يعرف عنها إلى حد الآن إلا القليل، والمتعلق خاصة بأسمائها ومواقعها نذكر منها : تمزرت- نرشى – اكنوناي، و من ذلك ما ذكره الشيخ إبراهيم مطياز عن قرية بوهراوة شمال شرق غرداية، حيث كانت معمورة بالمعتزلة انقرضت، و لم يبق لها أثر وفي إشارة إلى العلاقة بينهم وبين الرستميين أكد أن العلاقة كانت متوترة، إلى درجة أنهم دخلوا في حروب ضدهم.

كما اشتهرت عدة مناطق من ولاية غرداية مند القديم، بتواجد قبائل الشعانبة الدين قدموا من القطاع ألوهراني ومن مختلف أنحاء الصحراء الجزائرية في سهل ميزاب كما تمركزوا و بكثرة في مدينة متليلي .
وفي القرن السابع عشر ميلادي (19م) كثر عددهم فرحل قسم منهم لتأسيس مدينة المنيعة، سمو بشعانبة مواضي، أما الدين بقوا في متليلي فقد سمو بشعانبة برزقه .
كما توافدت قبائل بني مرزوق الذين قدمو إلى غرداية سنة 1527م، و استقروا بالمنطقة
الشرقية، عند سفح قصر غرداية، وقبائل المدابيح الدين قدموا إلى غرداية سنة 1586م،واستقروا بالمنطقة الشمالية عند سفح قصر غرداية، وفي واحة الضاية، أما في قصري القرارة وبريان بجانب المزابيين الذين أسسوا تلك القصور، فقد نزحت أليهم قبائل عربية تتمثل في قبائل العطاطشة وأولاد السائح والزناخرة وأولاد الشرفة ومغازي . [21]


وفي بريان يسكن إضافة إلى الجماعة الاباضية، أولاد يحيى وهم من السكان القدامى في المدينة، وكانوا قبل ذلك في العطف، فحلوا منها في وادي ن سا ثم استقدمهم آل بريان، وفسحوا لهم المدينة، ومنهم كذلك آل دبادبة، وكانوا في بني يزقن ثم انتقلوا إلى بريان في الأزمنة الأخيرة فسكنوها .
وفي القرارة يسكن إضافة إلى الجماعة الاباضية أولاد الشرفة، ومغازي، وهم من المهاجرين القدامى إلى القرارة .
وهناك عائلات أخرى حلت في بعض مدن ولاية غرداية، منذ قرن أو أقل، وتعاملوا مع السكان ثم استحسنوا المكان فاستقروا فيه .
أما من الناحية الاقتصادية فيذكر لنا التاريخ أنهم انقسموا إلى مجموعتين، أولاهما: استقرت حول مراكز شبه حضارية محصنة طبيعيا وآمنة، مثل قصر متليلي، والمنيعة التي كونوا فيها حضارة عمرانية، هذا عن المجموعة المستقرة، أما مجموعة البدو فإنها ترحل بعيدا بمواشيها إلى مراعي صيفية وشتوية، ثم ما تلبث أن تعود إلى المجموعة الأم من جديد بعد انتهاء موسم الرعي . [22]

بالإضافة إلى الجماعات اليهودية، فنجد أن النواة الأولى لهذه الجماعات قدمت من جزيرة جربة "جنوب تونس" كان لها وجود متميز في المنطقة حيث استقرت من زمن بعيد، والجماعة بأكملها غادرت التراب الولائي سنة 1962م .
أما بالنسبة لتوزيع السكان في القرن 21 م على مستوى البلديات نجده غير عادل، وغير متوازن ومن خلال الخريطة يمكن استخلاص ثلاث صور للتوزيع البشري:
- المناطق المكتظة:
المتمثلة في المناطق ذات ميراث تاريخي ومعماري وخصائص طبيعية مميزة تتمثل في:غرداية، القرارة، العطف
- المناطق المتوسطة الكثافة السكانية:
تشمل المناطق التالية: المنيعة، بريان، متليلي الشعانبة


- المناطق القليلة السكان:


وهي المناطق الجنوبية للولاية: حاسي لفحل، سبسب، زلفانة .


4- المعطيات الإدارية:


ولاية غرداية ظهرت كنتيجة للتقسيم الإداري الوطني لسنة 1984م، حسب القانون رقم 09184 حيث كانت في السابق تشكل إحدى دوائر ولاية الأغواط وتتفرع إلى تسعة (09) وتشتمل على ثلاث عشر (13) بلدية [23]

غرداية
القرارة
بريان
الضاية
زلفانة
غرداية
القرارة
بريان
الضاية
زلفانة

بنورة
بنورة
العطف
متليلي
متليلي
سبسب

منصورة
منصورة
حاسي لفحل
المنيعة
المنيعة
حاسي القارة

- غرداية :

أنشئت سنة 447هـ /1053م وأول من سكنها الشيوخ: بابا الجمة، أبو عيسى بن علوان، وبابا سعد، وأصل تسميتها تغردايت بالمزابية، وهي القطعة المستصلحة من الأرض والواقعة على حافة الوادي، أو الأرض التي يحيط بها الماء، وتعني كذلك الغار أو الكهف الذي كانت تتعبد فيه امرأة اسمها " داية "، وصنفت المدينة عام 1982م كمعلم تاريخي ومكسب للحضارة الإنسانية من طرف اليونسكو، وهذا بفضل الهندسة المعمارية الفريدة من نوعها في الجزائر، وتتشكل من سبعة قصور حملت تسميات عربية وبربرية وهي:العطف، بنورة، تغردايت، بن يزقن، ملكية، القرارة، بريان .
وما يميزها طريقة التحكم في زمام الأمور في هذه المدينة المنقسمة بين الأعيان لكلا الفرقتين الميزانية، والعرب من فرقة الشعانبة .


- القرارة :


أسست سنة 1040هـ /1630م ولم تحتل مكانها الحقيقي مع بقية المدن إلا سنة 1669م، مع الإشارة إلى أنها كانت هناك قريتان عامرتان قبل إنشاء القرارة حاليا فالأولى كانت تسمى: " لمبرتخ أغرن أوداي"، وأما الثانية فتسمى القصر الأحمر وتبعد على مقر الولاية بحوالي: 120كلم، تتميز بقصرها القديم ومسجدها العتيق وواحة النخيل التي تحيط بالمدينة .[24]
- بريان:
أنشئت في أوائل القرن الحادي عشر هجري أي سنة 1101هـ/1690م وتبعد ب45 كلم عن مقر الولاية، ترجع أصول تسميتها إلى- آت أبرقان وأبرقان- لفضة بربرية تعني الخيمة وهناك من يعلل التسمية تعليلا جغرافيا، إذ يرى أن موقع المدينة كان يسمى قديما بريان من طرف رعاة غرداية الذين يقصدونه لكثرة مياهه، وتتميز المدينة بقصرها الذي يعد معلما تاريخيا هاما وتقع في تقاطع الأودية الثلاثة: بالوح، السودان، ن سا . [25]

- ضاية بن ضحوة :


تبعد بـ11 كلم عن مقر الولاية، تتواجد في مجرى وادي ميزاب، سكنت في حدود 995هـ تتميز بواحات نخيلها وقصرها القديم، والنقوش الحجرية، والصناعات التقليدية .
- زلفانة:

تبعد بحوالي 65كم أنشئت عقب انجاز البئر الارتوازي من قبل الإدارة الفرنسية سنة 1956م، عند انجاز الطريق الوطني رقم 46، تتميز بغابات النخيل، وحماماتها المعدنية التي جعلت منها منطقة سياحية .


- بنورة:


أنشئت سنة 457هـ/1065م واسمها نسبة إلى القبيلة المصعبية التي سكنت هذه المدينة قديما تتميز بأنها مبنية فوق ربوة صخرية منيعة، مما شكل لها سورا طبيعيا [26]
- متليلي:
التي تبعد حوالي 45كلم جنوب غرداية، وسكنت في العهد القديم خلال القرن 14م، أما عن نسبة تسميتها فهناك من يرى أنها لفضة بربرية معربة يقصد بها الجبل، ولها معالم تاريخية من بينها قصر متليلي الشعانبة، متحف المجاهد، ضريح سيدي احمد بن بوحفص، مقام سيدي بولنوار، مقام سيدي الشيخ، وتشتهر بإحياء عيد المهري في ربيع كل سنة، وبصناعتها التقليدية المتنوعة ـ الزربية، الجلود، النقش على الكر ناف


- منصورة:


تتميز بالطابع الفلاحي وبمناظر طبيعية رائعة، أضفت عليها بساتين النخيل والجبال الرملية المترامية الأطراف .


- المنيعة:

تقع على بعد 270 كلم جنوب الولاية أين يتربع قصرها القديم " القليعة "، الذي تأسس في القرن 10، أما تسميتها فقد أطلقت عليها في البداية اسم " تاوريت " وبقيت هذه التسمية منذ بداية القرن السادس هجري إلى غاية القرن السابع هجري حيث استبدل بالقليعة نتيجة المعارك التي عرفها القصر، وفي بداية القرن 11 م استبدل باسم المنيعة، يوحي مظهره الخارجي بالقوة والمناعة، كانت تسكنه قبيلة " مضغرة " الزناتية على عهد ابن خلدون، وظل محتفظا ببعض معالمه التي ما زالت تستهوي السياح، وتتميز هذه المدينة بمياهها المعدنية العذبة، ومتحفها الذي يضم مجموعة هامة من المصنوعات الحجرية جمعت من ما يقبل التاريخ، وضريح الأب " دي فوكو " De.Foceault، والكنيسة الكاثوليكية التي تعتبر أول كنيسة بالجنوب الجزائري، تقع على بعد 02 كلم شمال المنيعة، بالإضافة إلى السور الدفاعي، والمسجد العتيق، تتميز بصناعتها التقليدية المتنوعة.

----------------------------------------------------
[1] -ديوان حماية وادي ميزاب وترقيته،: دليل ولاية غرداية، 32شارع فلسطين،غرداية،الجزائر،جانفي 2006،ص2

[2] - ولاية غرداية : واقع الاستثمار السياحي في ولاية غرداية وآفاق تطويره – تقديم ولاية غرداية ص 02 .
[3]- Pierre roffo: contrôlabilité. à l'étude de la préhistoire du Sahara septentrional ancienne imprimerie Alger 1934 . P. 125.
[4] - يوسف بن بكير الحج سعيد:تا يخ بني ميزاب دراسة اجتماعية واقتصادية وسياسية ط 02 – المطبعة العربية – 11 نهج طالبي أحمد غرداية – 2006 م – ص 10 .
1-marth et Edmond couvions:Kharidjisme:Momegraphie du M'Zab imprimerie Marocain vigie, Casablanca, paris 1926.p.217
[6] ديوان حماية وادي ميزاب-نفس المرجع- ص2

[7] ديوان حماية وادي ميزاب وترقيته، المرجع السابق ، ص 3

[8] ألوزاني (الحسن ابن محمد الفاسي):و،صف إفريقيا، ترجمت محمد ألحاجي ومحمد الأخضر،ج 2 دار العرب الإسلامي،بيروت 1983،ص 135،134.

الاولى سنة 1537م, والثانية سنة 1570م وعن هاتين الخريطتين وغيرهما بنظر : (orteils) من أقدم الخرائط خريطتان أنجزهما اورتيليوس 2
-livre l'Algérie de historique géographie de atlas hanzadian c d Z -1930-1830 centenaire du d’or.
[10] يوسف بن بكير الحاج سعيد-نفس المصدر-ص

[11] ديوان حماية وادي ميزاب وترقيته .المرجع السابق ص1.

[12] مديرية التخطيط والتهيئة العمرانية لولاية غرداية .نفس المرجع .ص12

[13] مديرية السياحة: واقع الاستثمار السياحي في ولاية غرداية ،وأفاق تطويره .تقديم ولاية غرداية .ص12

[14] مصطفى إبراهيم رمضان: حول خواطر حول الوضعية الاجتماعية والعلاقات الإنسانية’ مكتبة نزهة الألباب, حي بابا السعد, غرداية’ ص11
[15] إبراهيم محمد طلاي:,-المدن السبع في وادي ميزاب, جمعية التراث لبني يزقن غرداية,ص9

[16] يوسف بن بكير الحاج سعيد المرجع السابق, ص29
[17] -ديوان حماية وادي ميزاب وترقيته, المرجع السابق, ص3
[18]- marth et Edmond couvions : op cit P 228.
[19]-Claude pavard : lumiére du M’zab. Edition déboise paris. France P 12.
[20] - إبراهيم مطياز ـ تاريخ ميزاب ـ بني مخ ، ص 07 .

[21] يوسف بن كبير الحاج سعيد- المرجع السابق،ص 13

[22] مصطفى إبراهيم رمضان،المرجع السابق،ص 12
.

[23] مديرية التخطيط والتهيئة العمرانية لولاية غرداية، المرجع السابق،ص 07

[24] مديرية السياحة، المرجع السابق، ص 12،

[25] - مديرية السياحة،الصناعة التقليدية لولاية غرداية، فوتوغرافية ،إمكانيات ولاية غرداية في السياحة والصناعات التقليدية غرداية ،ص 11

[26] - ديوان حماية وادي ميزاب : المرجع السابق ، ص 15 .


http://www.algeria-tody.com/forum/showthread.php?t=7233

غرداية جوهرة الجنوب الجزائري

غرداية تتحدى الزمن وتختصر التاريخ  جوهرة الجنوب الجزائري

جريدة المساء

Icon 09

مضت ألف سنة، وتعاقبت أحداث تاريخية غيرت كثيرا من ملامح العالم وتقاطعت تأثيراتها الطبيعية والبشرية لترسم في كل مرحلة شكلا يميز حضارة المدن.. فمدينة غرداية قاومت عشرة قرون من الزمن لتبقى وفية لمؤسسها الشيخ بابا سعد خلال القرن الحادي عشر الميلادي، وظلت تأسر زائرها حتى في القرن الواحد والعشرين بسحر الأصالة وتعطيه شعورا بأنه يسافر في التاريخ دون ان يبرح جغرافيته، فيقف على التماسك الاجتماعي الذي يعتصم به سكان غرداية والنابع من الاعتصام بحبل الله والاتفاق على ما ورد في سنة نبيه محمد (صلى الله عليه وسلم)، ولولا بعض المظاهر العصرية التي لاحت بالمدينة على غرار السيارات والهواتف المحمولة ومقاهي الانترنت لانتابك شعور بأن المدينة قد أسرت الزمن ولم يغيرها الزمن.

ومن اجل ولوج أعماق مدينة غرداية التي تعد من أعرق المدن الجزائرية وأكثرها حفاظا على انسجامها الاجتماعي والعمراني والثقافي وحتى الاقتصادي وتعلق سكانها بمظاهر اللباس واللغة والمعمار وأسلوب الحياة، كان لزاما علينا الاستعانة بالمرشد السياحي، حيث تم اختيار ''عمي ناصر'' صاحب دكان بيع التحف التقليدية المرتبطة بالمنطقة المتواجد بقلب ساحة السوق بغرداية،الذي قال أن المدينة المشهورة بوادي ميزاب أو شبكة ميزاب هي منطقة صحراوية تقع في جنوب البلاد على بعد حوالي 600 كلم من العاصمة وتشمل احياء بريان، مليكة، بني يزغن، بونورة والعطف، وهي عبارة عن قصور.

تاريخ المدينة

كانت نشأة هذه الأحياء في أوائل القرن الخامس هجري الموافق للقرن الحادي عشر ميلادي والتي قامت بعد سقوط الدولة الرستمية، والملاحظ في أحياء ميزاب السبعة بأن خمسًة منها وهي تَجْنِينْتْ، آت بونور، تَغَرْدَايْتْ، آتَمْليشْتْ، آت اِيزْجَنْ، متجاورة ولا تبعد عن بعضها سوى ببضعة كيلومترات، وتعرف بالقرى الخمس، أما : آت ايبَرقان، وتيقْرار، فهما بعيدتان عن الأحياء السبعة السابقة، (آت ايبَرْقـان :45 كلم شمالا، وتيـقرار: 110 كلم شرقا) وفي ظروف غير معروفة، حُرّفت أسماؤها وأصبحت على ما هي عليه اليوم.

وقد بنيت كل هذه الأحياء على مرتفعات لأهداف كثيرة وبهندسة معمارية مميزة جذبت المهندسين من جميع أنحاء العالم. وتعتبر مدينة تاجْنِينْتْ من أقدم القصور السبعة ويقصد بهذه الكلمة المكان المنخفض، أسسها الشيخ خليفة بن آبغور سنة 402 هـ 1012م، تقع على بعد سبعة كيلومترات من آت بونور، تسمى اليوم بمدينة العطف. . وآتْ بونورْ أُنشئت سنة 457 هـ - 1065 م، واسمها نسبة إلى القبيلة المصعبية التي بَنَت وسكنت هذه المدينة قديما. وتتميز آت بونور بأنها مبنية فوق ربوة صخرية منيعة، مما شكل لها تحصينا طبيعيا وتقع قرب آت ايزجن وحُرِّف اسمها إلى بونورة.

وتَغَرْدَايْتْ التي أنشِئت سنة 447 هـ - 1053م، وأول من سكنها الشيوخ بابا وَالجَمَّة، وأبو عيسى بن علوان وبابا سعد، وأصل تسمية: تَغَرْدَايْتْ بالمزابية هو القطعة المستصلحة من الأرض، والواقعة على حافة الوادي، وتوجد عدة قرى تحمل نفس الدلالة في أرجاء المغرب الإسلامي، وهي أول مدينة تُشاهَد عند القدوم من الشمال وحُرّف اسمها إلى غرداية.

وآتْ اِيزْجَنْ أُسّست سنة: 720 هـ - 1321 م، واسمها نسبة إلى القبيلة المصعبية التي سكنت المدينة وتعتبر آت ايزجن، من العواصم العلمية والدينية العريقة، وهي المدينة الوحيدة التي حافظت على أصالتها من كل النواحي إلى اليوم، وتعتبر المدينة المثالية، ومن أهم مميزاتها، سورها الذي لايزال قائما إلى اليوم.

أما مدينة آت مْليشْتْ فأسست عام 756 هـ - 1355م، اسمها نسبة إلى ''مْلِيكْشْ '' أحد زعماء قبيلة زناتة التي تنتمي إليها قبيلة بني مصعب، تقع على هضبة مرتفعة نسبيا بين قصري تغردايت وآت ايزجن، يستطيع الناظر منها أن يرى القصور الثلاثة (تغردايت، آت ايزجن، وآت بونور).

ومدينة تيـقرَارْ أسست سنة 1040 هـ - 1631م، ومعنى تسميتها الجبال البيضوية التي بجانبها سهول صغيرة مقعرة يستقر فيها الماء وتقع على بعد حوالي 110 كلم شرق القرى الخمس، وهي على أرض طينية، على خلاف المدن الأخرى التي تقع على جبال صخرية، وتشتهر بواحاتها الشاسعة التي يسقيها وادي زقـرير.

وأخيرا مدينة آت ايبَرْقان التي أُنشئت سنة 1060هـ - 1690 م، وهي خيم مصنوعة من الوبر، كان أهلها ذوي خبرة في نسج هذا النوع من الخيم، تقع في تقاطع الأودية الثلاثة بالوح، السّودان، ووادي نْ سَا.

وسميت منطقة ميزاب ببلاد الشبكة، نظرا لتوفرها على أودية عديدة، والتي لا يتجاوز عمقها مائة متر، تتجه كلها من الشمال الغربي نحو الجنوب الشرقي، لتنتهي عند بحيرة تتميز بالرمال شمال غرب مدينة وارجلان (ورقلة).

وتتجلى حضارة وادي ميزاب وبني ميزاب في تمسكهم بدينهم، وأصالتهم وتقاليدهم، وفي هندستهم المعمارية الأصيلة، لقد بنوا مدنا كاملة فوق جبال وعرة بطريقة رائعة، رغم أنهم لم يكونوا من أصحاب المعدات الضخمة أو التقنية المتقدمة في ذلك العصر (حوالي 1000 م)، لقد استعملوا الأخشاب والسعف والجريد، ليبنوا قصورا رائعة جميلة تتميز بسحر خاص الى جانب مدن كاملة فوق صخور ضخمة.

ويراعي الميزابيون في تخطيط القرية أن تكون على قمة جبل لتوفير المناعة والمحافظة على الأرض الصالحة للزراعة، ويتم التخطيط للمسجد في الوسط ثم تبنى حوله المساكن ويكون السوق بجانب المسجد وقد كان لا يسمح في القديم ببناء مسجد آخر في القرية مراعاة لوحدة وتماسك الصفوف وتجنبا للفرقة ولا يخفى ما لهيئة العزابة وهي جمعية المسجد من اثر روحي ودور قيادي في المنطقة.

وقد شهدت كل قرية من تلك القرى توسعا في العمران على مراحل التاريخ وكلما اتسعت القرية وتكاثر سكانها توسعت مرافقها العامة ويتم إدخال إضافات على المسجد وإصلاحات في المرافق أو يضاف مسجد ثان ويكون تابعا للأول كلما كانت تلك القرى مسورة بسور يدخل إليها من أبواب معينة.

المحافظة على أثر السلف

وحول استفسارنا عن النظام الاجتماعي المتجذر في المجتمع الميزابي أفادنا عمي ناصر بأن هذه المدن عرفت تنظيما عشائريا محكما فقد كان كل من فيها ينتمي إلى عشيرة معروفة وهناك 19 عشيرة بغرداية لوحدها، والوافد إليها من بعيد يهدف للاستقرار وعليه ان ينضم إلى تجمع عشائري من تلك التجمعات فيصبح عضوا من أعضائه له ما لهم وعليه ما عليهم، ومهما كان حجم العشيرة صغيرا أو كبيرا فإنها تشعر بأسرة واحدة متعاونة ويتفقد بعضها البعض، ويقوم مجلس العزابة بحل الخلافات الحاصلة في المدينة ومقرها المسجد ويستعينون بالشورى فيما بينهم، وتتكون من ممثلين عن كل عشيرة يتصفون بالزهد والإيمان والصلاح. كما يتميز سكان المنطقة منذ القديم بتعلقهم بالعلم خاصة علوم الشريعة وعنايتهم بحفظ القرآن الكريم لدى الجنسين.

وبنو ميزاب قبيلة أمازيغية تحافظ على تقاليدها ومعتقداتها وشعائرها التعبدية وأسلوب حياتها، وتتبع المذهب الإباضي ويعرفون بلباسهم التقليدي وهو عبارة عن سروال فضفاض وطاقية رأس.

وتتميز المنطقة كذلك بظاهرة الزواج الجماعي التي يبادر بها أي ثري لما يزوج ابنه ويتكفل من كل النواحي بتزويج شباب آخرين من المعوزين بهدف تعميم الفرحة على كل أفراد القرية، وأضحت هذه العادة متداولة في العديد من الولايات.

التجارة عصب الحياة

وترتبط معيشة الميزابيين بالتجارة، وكانت قبل ذلك تعتمد على الفلاحة، وكانوا يغرسون النخيل على بعد 5 كلم عن مقر سكناهم، وكشف ''عمي ناصر'' عن تواجد حقول نخيل تعود إلى 3 قرون مازالت تثمر إلى يومنا هذا، ثم تحول نشاط سكان المنطقة إلى التجارة بسبب الشيخ ''عمي سعيد'' مع بدايات تأسيس مدينة غرداية، وقد سمح بتعايش 5 عائلات يهودية كانت تحترف التجارة، ومع مرور الوقت احتك الميزابيون بهم وأصبحوا يمارسون التجارة وتفوقوا فيها، وأفاد أن ثرواتهم يجمعونها بالاقتصاد والتقشف وهو الأسلوب الذي يلقنه الأب لابنه، ويسير عليه الأحفاد فيما بعد والأكثر من ذلك فإن الآباء يوجهون أبناءهم الى العمل وجمع المال بالاعتماد على أنفسهم ولا يتدخل الولي في ذلك حتى يجني الشاب ثروته بتعبه وعرق جبينه دون أي مساعدة من الوالدين.

والملفت في غرداية غياب متسولين أو لصوص، فمجتمع بني ميزاب يتسم بالتآزر الشديد حيث يشرف مجلس الأعيان أو الكبار على إدارة شؤون السكان من تجارة وعلم وشؤون خاصة، وتحكم حياة الميزابيين قواعد صارمة تطبق على الجميع، فكل السكان بمن فيهم أصحاب الأعمال التجارية خارج البلدة يساهمون في تحقيق الصيانة والرعاية للمجتمع المحلي.

ولا يقتصر نشاط وحركة المزابيين على المدن الخمس المحيطة بالوادي، فغالبية المدن الجزائرية تجد فيها متاجر العقاقير مثلا يديرها أحد المنحدرين من القبيلة. فقد أسسوا منطقة صناعية على أطراف غرداية، حيث تتم صناعة معظم الأدوات.

وتعتبر غرداية أحد أكثر المواقع السياحية شعبية في الجزائر، تجلب السياح للتمتع بالكثبان الرملية والواحات والمعمار المتميز وخاصة حرفة الحياكة التقليدية والصناعات اليدوية والزرابي المشهورة، فضلا عن منتوجات نسيجية أخرى مثل البرنوس وملابس الأطفال التقليدية والتحف التذكارية، ومن بين المنتوجات التقليدية الأخرى نجد الملابس الجلدية والنحاس واللوحات الفنية الرملية التي أعطت لوادي ميزاب شهرة كإحدى أهم المناطق الحرفية في الجزائر.

 ---------------------------------

روبورتاج: دليلة مالك

 

Tourism

Pdf Books