علاقة حمو بن عبد الله مع الواهج الحاج يحيى
من مواليد بريان سنة ١٨٩٨ كان تاجرا بقسنطينة، واسمه الثوري سي معروف، كان قوي الشخصية من معدن الأشاوس و طينة المخلصين، عُرف بمساهماته الفعّالة قبل الثورة وابّانها ، كانت له اتصالات برجالات الثورة التحريرية بقسنطينة و لم يأل جهدا في الإصلاح والنهضة الفكرية والسياسية كلما سنحت له الفرصة. وكان له يد بيضاء في مشاريع جمعية العلماء المسلمين الجزائريين برئاسة الشيخ عبد الحميد ابن باديس ،وكان من مؤسسي دار الطلبة التابعة لمعهد ابن باديس.
كانت له اتصالات مباشرة بقادة الثورة العسكريين للولاية الثانية مثل مصطفى بن بولعيد وبوينيدر محمد الصالح اسمه الثوري صوت العرب ،والضابط الروس و غيرهم والمسؤولين المدنيين مثل عبد القادر بالقشّي و الاحماري بشير وابن عزوز المكي وفضيلة سعدان.
كان له مستودع للسلع خارج دكانه حيث اتخده المجاهدون من رؤساء وجنود مركزا لاجتماعاتهم وتخفّيهم في ساعات الخطر يقوم بكل مهامهم وضرورياتهم من اكل وشراب أياما وليال ،وذلك باستمرار في سرية وأمان ويقظة. وكان اتصاله بالحكومة المؤقتة في تونس بواسطة المجاهد
الواهج الحاج يحيى بن حمو من بريان ، حيث كان السيد ابن خدة يرسل معه الملفات و التعليمات للولايات الست بالجزائر الى رؤساء الخلايا في المدن الكبيرة فتبلّغ بواسطتهم الى رؤساء الولايات و هذه الوساطة كانت مستمرة الى الاستقلال، وفي ذات يوم بلغ السيد الواهج الحاج كعادته ملفا الى ابن عبد الله حمو بن داود ليبلغه بدوره الى المسؤولين العسكريين فلما شاهدوا ما يحويه من اسرار، تملّكتهم الدهشة، فطلبوا من المجاهد ابن عبد الله حمو ان يعرّفهم بهذا الشخص الذي يستطيع ان يقطع حواجز التفتيش بين تونس والجزائر بمثل هذه الملفات و المصالح السرية الحساسة ، ثم تُسلّم اليهم بكل أمانة غير منقوصة. وعند لقياهم بالمناضل الحاج يحيى الواهج ، أكبروا فيه الوفاء والإخلاص بكل إجلال ونفسا صالحة محفوفة بلطف الاهي ، وبعد التعارف سألوه كيف استطاع ان يؤدي هذا العمل في تلك الظروف العصيبة فأجابهم بقوله :" المهم ان اماناتكم وصلت اليكم ، اما الكيفية فدعوها للذي خلقني ،و لا تسألوا عن شيء يجري بعناية الله ولطفه ، لا شأن فيه للبشر" .
وغالبا ما يلتقي المسؤلون في دكان المناضل بن عبد الله حمو بن داود كل ما سنحت الفرصة لتوزيع البريد وتلقي الأخبار .
غير ان الخيانة الداخلية بواسطة عملاء العدو الفرنسي كشفت أمره مع رؤساء خليته من المزابيين وجماعة المسؤولين من المدنيين بنواحي قسنطينة ، وكان عددهم عشرين ، وقد تمكن سبعة من النجاة بأنفسهم ، وألقي القبض على ثلاثة عشر ، منهم الاحماري بشير و الشيخ احمد حماني و الدكتور عمر بن دالي كحّول و ابن عزوز المكي و فضيلة سعيدان التي كانت تتردد كثيرا على محلات المزابيين بآلتها الراقنة لكتابة المناشير و الرسائل الى ان أوشي بها فاستشهدت بمحل المناضل بغباغة محمد رحمه الله ( وحيثيات استشهادها لا تذكرها الكتب التاريخية ) ، كما القي القبض ايضا على بعض رؤساء خلية المزابيين مثل فخار محمد بن عمر و ابن عيسى الحاج قاسم بن ابراهيم وكان على رأسهم ابن عبد الله حمو بن داود. وبعد التعذيب و الاستنطاق ، سُجن ثمانية اشهر ثم اُفرج عنه بإيعاز من رؤساء الولاية و بسعي حثيث من المحامين .
وإذا ذكرنا المسيرة النضالية للمجاهد حمو بن داود بن عبد الله ، لا نجحف من حق شريكه وأخيه من امه دبوز بكير بن الناصر المولود سنة ١٩٢٣ في بريان ، الذي وقف معه جنبا الى جنب ، وسانده في جميع وقفاته وتحركاته ، التجارية و النضالية ، وكانا لا يقضيان أمرا الا بثقة ومشورة بعضهما، الى ان نالت الجزائر استقلالها واعترف بنضالهما رسميا.
غداة الاستقلال ، قصد قادة الولاية الثانية يتقدمهم العقيد محمد بوبندير الملقب بصوت العرب ، مدينة قسنطينة في جو مفعم بالروعة والحماس و اختاروا ساحة استقبالهم واجهة محل ابن عبد الله حمو بن داود الذي كان معقل حربيا لهم في الثورة التحريرية. وقد شد إعجاب جمهور قسنطينة هذه المفاجأة ، نزول قادة الثورة في ذلك المحل ، وقد كان منهم من ظن ان المزابيين كانوا بمعزل عن الثورة ،حتى شاهدوا هذا المنظر المعبر عن أعمالهم وجهادهم في الثورة ، وهو ما لم يكن في حسبانهم.
الصورة الرائعة تؤرخ للذكرى الاولى بعد الاستقلال للاحتفال باول نوفمبر ذكرى اندلاع الثورة التحريرية بقسنطينة و يبدو فيها :
المناضل حمو داود بن عبد الله الماشر إليه برقم ٣
و الحاج داود دبوز برقم ٤
و السيد مولود حمروش برقم ١
و المرحوم رابح بطاط برقم ٢
المصدر:
عن الشيخ حمو بن محمد عيسى النوري بتصرف.
بنو مزاب في جربة 1510م
بنو مزاب في جربة عام 916هـ/1510م
العهد الثّالث
كان لعروج بربروس اتصال وعلاقة بالشيخ باحيو بن موسى وفرقته الفدائية من الفرسان الميزابيينالمرابطين في السواحل الجزائرية. وقد شاركت هذه الفرقة من الفرسان في صدّ غارة الإسبان على جزيرة جربة بالجنوب الشرقي لتونس سنة916هـ/1510م والتي تحطّمت فيها حملة (دُونْ قَارْصْيَا دُو طليطلة) (1) العتيدة. وكان وقتئذ حاكم الجزيرة اسمه أبو زكريا وشيخ عزابتها أبو النجاة يونس بن سعيد.
---------------------------------
(1) DON GARCIA DE TOLEDE
بنو مزاب في الجزائر العاصمة 1830م
العهد الثّالث
الشيخ أمحد توفيق المدني: «الباشا راسل سائر النواحي الجزائرية، فأجابته بأنّها مستعدّة لإرسال رجالها للحرب... وأرسل المزابيون (مع أمنيهم في العاصمة) ألف رجل للمشاركة في الدفاع، وتجمّعت الجموع كلّها في اسطاوالي، بينما تمكّن الجند الفرنسي يوم 13 جوان 1830 من النزول إلى البرّ داخل شبه جزيرة سيدي فرج وتحصّن بها دون مقاومة تذكر» (1)
ويضيف حمو عيسى النوري:«إنّ المجاهدين الميزابيين استماتوا في الدفاع في الساعات الأولى من الهجوم على الجيش الفرنسي. وقد سقط منهم عدد كبير في ميدان الشرف، وفي مقدّمتهم البطل طفيش داود بن يوسف شقيق قطب الأئمة. ولهؤلاء الشهداء مقبرة في اسطاوالي في ساحة طمست آثارها(2).
وممّن شارك في الدفاع عن العاصمة في هذه المعركة جدّ الشيخ مطياز إبراهيم من الأمّ عيسى بن موسى الأمين الذي جرح ونقل إلى مزاب. واستشهد أخوه محمّد بن موسى وجدّ الشيخ مطياز من الأب كذلك (3)
ومن الشهداء أيضا محمّد بن الحاج يحي جدّ الشيخ القرادي الحاج إبراهيم، وممّن انسحب من العاصمة مع الفلول التي ارتأت أن تتجمّع خارجه المواصلة الدفاع، السيّد سليمان بن كاسي الملقب بالمجاهد، و الذي أُسر في بلد القبائل، ثمّ توفي في بلدته القرارة.
ونجد العدو يشهد أنّ آخر حامية استمرّت ترسل نيرانها، بعد احتلال العاصمة، هي حامية المزابيين بجبل سيدي بَنُّورْ. يقول الجنرال فيفان الفرنسي وزير المستعمرات:«نحن الفرنسيين نعلم أنّ الجزائر لم يدافع عنها بحقّإلاّالمزابيون. فإنّ آخر قوّة بقيت تدافع بعد استسلام الداي، استسلام ذل و صَغَار، واحتلال العاصمة، واستمرّت ترسل نيران مدافعها، هي قوّة الميزابيين بجبل سيدي بَنُّورْ» (4)
ولمّا ورد خبر سقوط العاصمة في يد الفرنسيون مكث المزابيون ثلاثة أيام لم توقد نار بيت من بيوتهم، لا حزنا على شهدائهم ، بل تقديرا لفداحة الخطب.
-------------
(1) كتاب الجزائر، 46.
(2) حمو عيسى النوري: المصدر السابق، 248.
(3) إبراهيم مطياز: تاريخ وادي مزاب، 86.
(4) حمو عيسى النوري: المصدر السابق، 253.
مزابيون أحبطوا مخطط إسباني
المزابيون أحبطوا المخطط الإسباني بجنازة وهمية 1518م
نو مزاب في مدينة الجزائر عام 925هـ/1518م:
إنّ خير الدين باربروس (1) لمّا أحسّ بخطورة الموقف واحتلال كدية الصابون وإحاطة العدوّ الإسباني بمدينة الجزائر، استدعى إلى قصره الشيخ باحيو ابن موسى، وهو من العطف، وأمين المزابيين في الجزائر بكير بن الحاج محمد بن بكير، وهو من مليكة ، وغيرهما من المجاهدين المزابيين يستشيرهم. فأشاروا عليه بالقيام بعملية فدائية، قد يكون بها إحباط المخطط الإسباني وانهزامه ، فاتفقوا معه على أن يقوموا هم بالعملية. بعد ذلك اجتمع المزابيون بفرن الشعبة، وهو موضع مسجد الإباضية بالعاصمة حاليا، تحت إشراف أمينهم، فاختاروا من بينهم سبعين فدائيا، وقرّروا حمل السلاح على النعش والسير به إلى المعسكر الإسباني في حي حسين داي الحالي، فذهبوا بالتهليل والتكبير مخترقين لقوات العدو على طول الطريق. وكان العدو يراقب المشيّعين عن كثب. فلمّا بلغوا بالجنازة الوهمية المكان المقرّر صلوا عليها إيهاما للعدو. ولتنفيذ العملية الفدائية، طلب رئيس الفرقة واحدا يقوم بنسف مستودع البارود في المعسكر، فخرج إليه شخص يلبس عباءة من نوع اللَّشْ (تصنعها المرأة المزابية من الصوف، متعدّدة الألوان، تنسج فيها عددا من الرموز والرسوم التقليدية) وأخفى تحتها قرابيلة ، فدخل بسرعة ومهارة في المعسكر الذي لا يحرسه إلاّ عدد قليل من الجنود الإسبان، فنسف المستودع واستشهد، فالتحمت المعركة وأشغل الفدائيون النّار في المعدات الحربية و القوارب التي تصل الأسطول الإسباني بالشاطئ.
فلمّا شاهدت قوات العدو المتمركزة بكدية الصابون أنّ المعسكر والقوارب تلتهمها النيران انقسمت إلى نصفين: قسم أسرع لإنقاذ المعسكر وقسم يواجه ضربات المجاهدين الذين فتحوا أبواب المدينة بعد العملية الفدائية. ولم يكد ينجو من هذه المعركة أحد من الإسبان. وقد تمّ هذا النصر يوم الأحد 24أوت925هـ/1518م (2) . وفرّ القائد الإسباني (دُونْ هُوقُو) (3) مع ما بقي من رجاله وسفنه وأّما الشهداء المزابيون فدفنوا هناك في حي حسين داي الحالي.
(1) خير الدين باربروس والي الجزائر من 924هـ/ 1518مِ إلى 940هـ/ 1534مِ وقيل من 923هـ/ 1517مِ إلى 944هـ/ 1573مِ.
(2) حمو عيسى النوري: دور الميزابيين، الجزء الأوّل، 208.
(3) HUGO DE MONCADA