ايزلوان ودوره في البناء الحضاري
فنّ ايزلوان ودوره في البناء الحضاري في المجتمع المزابي
ⵉⵣⴻⵍⵡⴰⵏ
جزء من مداخلة الأستاذ يوسف لعساكر في الملتقى الاول حول " القيم الحضارية في التراث الوطني الامازيغي" .
فنّ ايزلوان ودوره في البناء الحضاري في المجتمع المزابي
المقدمة
إنّ فنّ ايزلوان من الفنون التراثية الشعبية الامازيغية ، وإرث انساني عريق ،و رافد معرفي أصيل و زاخر، ساهم بقسط وفير في الحفاظ على هوية أبنائه، عن طريق لغته الامازيغية وهي قناة أساسية لنقله و ترقية مضامينه الحضارية المتواترة ، مجايلة عبر العصور.
وفي هذه المداخلة استوجب علينا طرح اشكالية محورية متمثلة في :
ما المكانة التي حُظيت بها الاهازيج التراثية او"ايزلوان" لدى المزابيين الأوائل الذين أسسوا لاستقرارهم في قرى متجانسة النسق، تتناغم مع طبيعة البيئة الصحراوية ،سموها بـ "ئـغرمان" ؟ وما هي المواضيع التي ضمّنوها في بث الوعي الحضاري (تاغرما) ، لاستمرارية حياتهم الاجتماعية بمختلف مستوياتها؟؟ وما هو الدور التفاعلي الذي أدته في سيرورة المنظومة القيمية من خلال فن "ايزلوان" وكيف ساهم هذا الاخير في الحفاظ على الذاكرة الجماعية و الامتداد الحضاري و الثقافي بين افراد المجتمع ؟ وهل هناك دراسات أكاديمية عكفت على البحث في هذا اللون من الألوان الفنون الشعبية ؟
أولا: مدخل مفاهيمي
قبل ولوجي في الإجابة عن بعض ما طرحنا من الأسئلة ، يجدر بي أن أشير إلى أن عنوان مداخلتي هذه يتضمن مجموعة من المفاهيم مثل : الفن ، ايزلوان ، البناء الحضاري ، المجتمع المزابي . هذه المفاهيم أرى أن الأمر يتطلب تبسيطها بتعريفها لتتضح الصورة ويزول أي لبس قد يختلج بال المتلقي لها، وهو ما سنخصص له مدخلا تعريفيا في بداية الموضوع .
أ/ تعريف الفن
للفن عدّة تعريفات ، و نختصر على ما قاله هربرت ريد، هو" ابداع وابتكار الانسان" - المنفعل بحواسه و المتفاعل في تجانس مع ما يدور حوله " لأنماط و أشكال تعبيرية جديدة" ،بغرض التواصل مع الكون الذى يعيش فيه ، برؤية تأملية ذكية، وليس بالضرورة تلبية للمتطلبات اليومية ، في اوقات الفراغ أو غيرها، فيما يراه البعض ، على أنّه من الضروريات في الحياة ، كضرورة الماء و الهواء ...وهو... مؤشر الحيوية الاجتماعية ، كما يصفه هربرت ريد و الخط البياني المتحرك الذي يسجل مصير الحضارة " ( 1)
ولا تقوم قائمة أية حضارة ما لم تشحد همَمُها و قيَمُها الفنية ، الفكرية ،الأخلاقية والاقتصادية. فكلما زاد تذوق المجتمع للفن زادت قيمة الحضارة وامتد تواصلها.
ولو أسقطنا هذا المفهوم على الوسط المزابي بكل أصنافه و فئاته العمرية لوجدناه وسطا متذوقا للفن أو متنفسا له. فالمرأة فنّانة والرجل فنان و الشاب فنان و الصبي فنان . الكل يمارسه حسب طبيعة عمله والظروف المحيطة به .
ب/ تعريف ايزلوان : مفرده ايـزلي ويجمع الى ايزلوان أو ايزلان ، في بعض التنوعات او المتغيرات الامازيغية ، وقد تفخم الى ايژلان عند الطوارق ( ايموهاغ ) ، ويعني مقطع انشادي ، غنائي (2) يتناول مختلف المواضيع الحياتية ، للتخفيف من أعباء العمل و الترويح عن النفس وكسر الرتابة ، يمتاز بالبساطة ويؤدى في مناسبات مختلفة ، أين يتجلّى فيها النشاط ، الحيوية، روح التكافل و التظافر و الأنس في لقاءات الافراح ،الأعراس مواقف الأسى ،المواساة ، الأتراح ،الأسفار، التوديع و الاستقبال ، واثناء الأعمال التطوعية التضامنية ، ما يسمى بـ " تويزة " أو "انّدهت" ،خصوصا في مواسم الحرث، الزرع ، الجني، الحصاد ( أمجار ، انكاض) ، البناء (اصتشي ) وبهجة نزول الغيث ( اتلاع اوّنزار) و أثناء تصفية الأودية ، وفي تجمعات نسوية ،(أزطا ، تيخباشين، انعارن ، ايبزارن ) ، حفلات الميلاد ( انوجي ) ، الختان ( تيرا / اكراض اوّمزور) ، الزفاف ( تاجرويت، الحنّي ، ارّا نيخف ، اسكوبّر ) ، والأشغال الفردية كالمنزلية ، ( تيغاوسيوين ن تدارت ، ازضا ، افراز ).
ج/ البناء الحضاري : يرتكز على ثلاثية الدين ، الانسان، والعمل ، وهذا الارتكاز يحتاج إلى الرقعة الجغرافية بمكوناتها الطبيعية وعامل الزمن بأمديته وتفاعل الانسان معها بفكره المدبّر. و الفهم الصحيح لدينه هو المقوم المؤثل لتأسيسه ، وتثبيت ركائزه والمؤهل القوي لاستمراريته ،
د/ المجتمع المزابي : هو اثنية امازيغية جزائرية ذات اغلبية زناتية وأقلية وافدة تبوتقت في فضاء عمراني متناسق و تركيبة اجتماعية متجانسة اتصفت بالانضباط الهيكلي من خلال تنظيم محكم متوارث منذ قرون و مستمد من تراكمات تجارب انسانية عريقة ، هذبها وأصلها الاسلام ، حيث تخضع له الافراد و العائلات عن طريق قوانين عرفية تهندس له في شكل هرمي، تشرف عليه وتستشرف له سلطة روحية تسمى حلقة " ئعزّابن " أو العزابة ، تلتقي في ما يسمى "تامنيت " هدفها ضمان سيرورة العلاقات المجتمعية بفض النزاعات و اقتراح حلول والدفع بعجلة التنمية و الوقوف ضد كل ما يعرقلها.
ثانيا: الزخم الفني والأدبي للمجتمع المزابي عبر التاريخ
لو بحثنا في الرصيد التراثي الفني و الأدبي للمجتمع المزابي خصوصا في الأشعار ،الامثال الشعبية ، القصص، الأهازيج ، الأساطير القديمة والأزياء المناسباتية بألوانها وأشكالها ، و تأملنا هذه المادة الأدبية بعين فاحصة،رغم قلتها،و بساطتها أحيانا وتعقيداتها أحيانا اخرى ، لوجدناها ذاتَ أبعاد مختلفة تعكس ثقافة وتفكير وعقلية أفراد ذلك المجتمع في فترات زمنية متعاقبة، صعب جدا تحديد بداياتها الأولى ، وجذورها التاريخية العريقة ، التي قد تمتد الى ازمنة غابرة ذات الأصل الافريقي الامازيغي، والاسلامي ، تحمل في ثناياها أخبار فن المعاملات والتسيير في الشؤون الحياتية بين الشرائح المجتمعية المتفاوتة ، التي كانت تتعايش فيما بينها تحت منظومة اجتماعية منضبطة، تترنح ما بين الصرامة والمرونة ...
وبما أن هذا الرصيد الأدبي القديم اكتسى طابعا شفويا في ما مضى من الأزمان ، ضاع منه الكثير لاسيما في سنوات العشرينات ، حيث انصب جل اهتمام المزابيين نحو اللغة العربية و آدابها، خصوصا أثناء ظهور الحركات الاصلاحية ، النهضة الفكرية و البعثات العلمية المزابية نحو تونس والمشرق. و لم يصل الينا الا ما كان تردده الامهات في بعض المناسبات أو ما دونه الآباء البيض ابّان الحقبة الاستعمارية بنية اكتشاف المختلف عنهم وأبعاد استيطانية في تقارير ، و مؤلفات سوسيولوجية وأبحاث ألسنية عكفت على تدوين النصوص التي مكنتهم من الدراسة.ويؤكد الاديب الشاعر عبد الوهاب فخار أن ثقافة صناعة الصوف في مزاب، من الحرف التي أسدت لنا خدمة هائلة ، مساهمة من أمهاتنا العزيزات في الحفاظ على التراث اللغوي و المخزون الأدبي، من حقنا ان ننشره، ليس كإرث محلي او وطني فحسب، بل كإرث إنساني يحق علينا ان نفتخر به بين الأمم (3).
أ/ الاهازيج :
اهازيج المرأة
للمرأة المزابية كما لصنوها الرجل ، عدة فضاءات للإلتقاء كالأعراس ، و المسامرات ومواسم الافراح و مناسبات التعاون، فيها يتم التواصل و تبادل أطراف الأحاديث والحوار ، تسودها البهجة و الانس، اين تجتمع المرأة ببنات جنسها من صديقات وقريبات للإمتاع و المؤانسة أو مرافقة تطوعية للتعاون في أداء بعض الأشغال المنزلية كخدمة الصوف وتحضيره بداية بغسله ، الى عملية نسجه ، وفي مثل هذه التجمعات النسوية تؤدى باقة من " ايزلوان" تعبيرا عن ما يجيش في الصدر وترويحا عن النفس وكسرا للرتابة من المتاعب اليومية التي تمارسها المرأة. وتنتقل من خلالها بعض العادات و المعتقدات المتوارثة. كضرب الصوف بأداة "فيلتش" للتبرك ظنّا منهن انه مبارك وقد اوصى به الاوائل خيرا، و البيت الذي به " فيلتش " هو بيت تتغشاه البركة ، وإذا لم تنل تلك الكومة من الصوف ضربة "فيلتش" ، يقـِلُّ شأنها حسب اعتقادهن و تبقى لأيام في كيس محشو لتُستغل كوسادة للطفل .
وهذا نموذج من ايزلوان تتغنى به المرأة عند انطلاقها و الشروع في تحضير الصوف مخاطبة ايّاه في صيغة انثى فتقول :
ازكى و البركة
وامركبن اديكنع
واميرضن اديحما
وامخدمن ادياغ ارازن
اضوفت ن ربي
معناها :
" مباركة زكية
يرتضي من يرمقك ،
يتدفـأ من يرتديك ،
ويجازى من ينجزك
يا جزّة الله .
ومن الصور الاجتماعية التي تتجلى فيها قيمة العمل و أمهيته هو نزول العروس في يومها الرابع بعد زفافها من الطابق الاول ( اين توجد غرفتها) الى وسط الدار مكان وجود المنسج لتلتقي بحماتها وبعد السلام و التحية تقدم لها امشض و تقول لها : " اَمْشَضْ د اشْغَل امزوار " . خذيه لتَحيي في القلب مثله (اي امشض) . وتأخذه منها (تايّا ) وهي الامة و تقول لها :" ان شاء الله يكون لك الأول و الأخير". وهي تقصد زوج العروس . وتشتغل به لوقت امام مرأى الجميع ممن حضرن كفأل خير في الحيوية،واستمرار في العمل و الانجاز.
يوسف لعساكر