الدين - موقع آت مژاب ... للحضارة عنوان

آثار ما قبل التاريخ في بريان

c 7

إن المحيطات الأثرية الموجودة في بريان والتي اكتشفت من طرف علماء الآثار والباحثين تشهد علي وجود الإنسان منذ عصور ما قبل التاريخ بالمعنى المعماري أسست في حوالي 1678م كما تعد من احد القصور السبعة لوادي مزاب. وقد اشتهر سكانها بالصناعات التقليدية والفلاحة منذ القدم إسنادا إلى ما كتبه المؤرخ الانجليزي شو سنة 1730 الذي مر ببريان في طريقه إلى إفريقيا حيث كتب عن السكان وعاداتهم وتاريخهم وكذا استناداالى المؤرخ وليام هودسن(1).

 

أولى الإكتشافات(2):

بفضل الأبحاث والحفريات التي قام بها كل من "بيار روفو"، "إيف بونيه"، "جوال أبونو"، "نجيب فرحات"، "مليكة حشيد"،... الخ. إن المحطات الأثرية الموجودة في بريان المتمثلة في النقوش حجرية لرسومات فيها أيدي وحروف تيفيناغ في منطقة "انفوسن" الحنية والأخرى المتواجدة في منطقة باللوح و التي اكتشفت من طرف علماء الآثار و الباحثين مثل ما كتبه المؤرخ الانجليزي شو -show- الذي مر من بريان سنة 1730 م في طريقه إلى إفريقيا حيث كتب عن السكان وعاداتهم وتاريخهم وكذا استنادا الى المؤرخ ويليام ويدصون -wiliam houdson-.

 

ما قبل التاريخ في بريان(3):

بعد عملية البحث والتنقيب عن الآثار والحفريات، تم العثور على العديد من المغارات والكهوف متفاوتة الارتفاع والعمق، وتوجد بجانبها رسومات حجرية منها على شكل رسومات جدارية وأخرى فوق الهضاب، وهي مختلفة الأشكال الهندسية من حيث رسم الخطوط و وضعها لحيوانات مختلفة كانت تعيش بالمنطقة منذ أقدم العصور وعلى سبيل المثال:

الحصان- الزرافة – الغزال –الضبع- النعامة-الذئب –الماعز –الثور –الجاموس...

إضافة إلى ذلك يذكر جون بيار سفاري: "أن الرسوم الحجرية في معظم الأحيان موجودة فوق الهضاب أفقية، وتعد أقدم الرسوم الحجرية التي رسمت بأشكال هندسية مستقيمة"( 4). ويمكن تحديد المعالم الأثرية  وهذه الرسومات في هذا الجدول:

 

الرقم

الموقع أو المكان

     النوع

المرجع المحتمل

الملاحظة

01

أ- بالوح العلوي

رسومات حجرية ومغارات

عصر الصيادين

رسومات لحيوانات مختلفة كانت تعيش بالمنطقة إختلاف في وضع الخطوط الهندسية للرسومات الحجرية وكيفية رسمها

02

ب- بالوح العلوي (سيدي مبارك)

رسومات حجرية ومغارات

       "

03

بالوح السفلي (باحمد والحاج)

رسومات حجرية ومغارات

"

04

الشوف

رسومات حجرية

"

05

الحنية (لالة عائشة)

رسومات حجرية ومغارة كبيرة

       "

06

بابا السعد

رسومات حجرية

       "

07

الزرقي

رسومات حجرية

08

إنفوسن (الشرقي والغربي) الحنية

بصمات الأيدي على الهضاب

بصمات الأيدي فوق الهضاب بأشكال واضحة

09

واد البئر

رسومات حجرية

عصر الرعاة

 

تحديد المناطق مع عرض اللمحة التاريخية:

 

أ‌-منطقة بالوح العلوي:

هذه المنطقة تبعد عن مقر البلدية بحوالي 10كلم شمالا حيث تم العثور على رسومات حجرية على الهضاب وموجودة على سطح الجبل، وأهم رسوماتها الضبع الغزلان والفيل الوحشي، وتم العثور على بعض الأشكال التي لا نستطيع تحديد مفاهيمها، وتجدر الإشارة إلى أننا عثرنا لأول مرة على رسومات للإنسان عند زيارتنا للموقع عام 1993م( 5).

 

ب‌-منطقة بالوح العلوي(سيدي مبارك):

هذه المنطقة معروفة بهذه التسمية وتبعد عن مقر البلدية بحوالي 8كلم، وهي منطقة يمر بها وادي بالوح وتتخللها جبال إلتوائية متوسطة الارتفاع لا تزيد عن 200م، مشكلة بذلك مجرى للأودية (شعاب)، وعلى هذا جلبت أنظار الإنسان منذ القدم، فاهتدى للعيش فيها والاستئناس بالحيوانات والنار، واتخذ الكهوف والمغارات الموجودة بتلك المنطقة مأوى يهتدي إليه ومنها نجد أنه كان يعبر عن مشاهداته برسومات لتخليدها على جدران الصخور.

- في الجبل الأول: توجد رسومات حجرية لحيوانات برية كالزرافة والنعامة والضبع والبقر الوحشي، وهذه الرسومات رسمت وفق أشكال هندسية بسيطة ومستقيمة و وجدت معها مغارة مرتفعة عن مجرى الوادي غمرت بالتراب، والاعتقاد السائد هو أن عقل الإنسان لم ينضج بعد ولهذا كان يرسم الأشكال بمستقيمات هندسية.

- في الجبل الثاني: هذا الجبل محاذ للجبل الأول، أما الرسومات الموجودة به فهي لحيوانات أليفة كالحصان والغزال.. فلقد صممت تصميما بالغ الدقة والفن حيث كان ذلك الإنسان بارعا في التصور والتخيل وضبط الأشكال لهذه الحيوانات الأليفة، ويتبين هذا من ازدياد معرفته والاحتكاك بهذه الحيوانات الأليفة التي كان يعيش معها، ونستطيع أن نقول إن سعة عقله وذهنيته ومقدراته العقلية تطورت وأبدعت في الرسم والفن، وكانت توجد مغارة متوسطة العمق حوالي 5 .3 متر وارتفاع مدخلها 1 متر تبدأ في الانخفاض ولعل هذا راجع إلى أنه بدأ يحفرها قصد الدخول على حسب قامته ثم النوم و وجدت على جدرانها الداخلية حمم الدخان والحصاة التي بها يصطاد ويدافع عن نفسه.

 

ت‌-بالوح السفلي (باحمد والحاج):

هذه المنطقة تبعد بحوالي 2 كلم عن البلدة وتم العثور على رسومات منحوتة في الصخور وجزء كبير مهدد بالانقراض والتلف، وتوجد بها ثلاث مغارات متفاوتة العمق وأكبرها موجودة على حافة الساقية بداخلها مكان مغلق فيه احتمال كبير على أنها مقبرة للإنسان البدائي الذي كان يدفن موتاه داخل المغارات مع أدواته التي كان يستعملها . ث‌-منطقة بابا السعد: تبعد عن مقر البلدية بحوالي 1 كلم، تم العثور فيها رسومات فوق الهضاب لحيوانات، وعلى حسب الملاحظة والمشاهدة نعتبرها قديمة جدا، لكن أصبحت مهددة بالانقراض والزوال(6).

 

ج‌-منطقة جبل الشوف:

تبعد عن مقر البلدية  1.5كلم توجد بها رسومات لحيوانات كالذئب والحمام و بها  كهف صغير وهي مواجهة لمجرى الوادي، وتم العثور فوق الجبل على عدة أدوات متمثلة في الحصاة المشغولة التي كان يستعملها في الصيد والدفاع عن نفسه، وبها يتم رسم هذه الأشكال والرسومات.

 

ح‌-منطقة الحنية(لالة عائشة):

هذه المنطقة تبعد عن مقر البلدية بحوالي 4 كلم، توجد بها رسومات لحيوانات كانت تعيش بتلك المنطقة، كالنعامة والحمام بأنواعه المختلفة، والضبع والثور... لتوفر المناخ الملائم للعيش، وفي أسفل الجبل توجد مغارة كبيرة الارتفاع بحوالي  2 متر في مدخلها وعرضها حوالي 4 أمتار وعمقها حوالي 5 أمتار يلجأ إليها الإنسان للراحة فهي مسكن له.

وتوجد في ناحية الحنية منطقة إنفوُسَنْ الشرقي والغربي وهي عبارة عن بصمات الأيدي فوق الجبل بشكل واضح وبجانبها حروف التفناغ ورموز وأشكال غير مفهومة، إلا أن رسومات إنفوُسنْ إشريقيَنْ أتلفت حيث وصل إليها الزحف العمراني.

 

خ‌-منطقة واد الزرقي:

وهي منطقة تبعد عن البلدة حوالي 1 كلم وهي قريبة منها، يوجد بها رسم حجري في وسط مقبرة قديمة تعرف بمقبرة أرجال الزرقي وهذا الرسم لحيوان الأسد وهو كبير الشكل منحوت فوق الصخرة على شكل أفقي(7 ).

 

د‌-منطقة واد البئر:

هذه المنطقة تبعد عن مقر البلدية بحوالي 6 كلم جنوبا، توجد بها رسومات حجرية على صخور الجبال، فهي في بعض المناطق متجمعة، وأخرى متفرقة، ولعل تفسير ذلك هو أن هذه المنطقة كانت آهلة بالسكان الذين كانوا يهتمون بالرعي والاستئناس بالحيوانات، وتم العثور على صخرة من بقايا الشعب المرجانية وعلى حسب الدراسة فهي تعتبر بقية للمستحثات التي تجمعت في مكان واحد ومع مرور الوقت تحولت إلى صخر كلسي صلب وهي تعود إلى فترة زمنية قديمة.

 

اللمحة التاريخية:

هذه الآثار التي تم العثور عليها كانت لحضارة غابرة عبر الزمن للإنسان القديم البربري الذي عمر منطقة وادي مزاب منذ أقدم العصور، ولاسيما في العصر الحجري الحديث Néolithique   والدليل على ذلك تلك الرسومات الحجرية الراسخة على صخور بعض الجبال وتلك المغارات والكهوف التي كانت مأوى ومسكنا له، فهي بذلك تمثل بداية تكوين التجمعات البشرية التي تعود إلى مرحلة الليبيكو بربرية حوالي 18000 سنة ق.م وهذه كلها احتمالات منبعثة من رسومات بعض الحيوانات مثلا:

-عصر الصيادين الذي ساد من 5 000سنة ق.م إلى 3500 سنة ق.م.

-عصر الرعاة الذي ساد من 3500  سنة ق.م إلى 1000 سنة ق.م

-عصر الحصان الذي ساد في 1000 سنة ق.م.

-عصر الجمال الذي ظهرت بوادره خلال 100 سنة ق.م وبالتحديد في سنة 46 ق.م(8)

ولكن لشح المصادر والمراجع، لا نستطيع حاليا ضبط الفترة الزمنية وتحديدها بدقة وعلى هذا اكتفينا بذكر التاريخ المحتمل، تاركين ذلك لبحوث أكاديمية أثرية نرجو أن تلتفت قريبا إلى هذا التراث.

 

خصائصها:

اختراع الفخار، استئناس الحيوانات، الاهتمام بالزراعة، وظهور الفن الجداري، صانعها إنسان حديث وتعرف بالفترة الانتقالية وهذا بفجر التاريخ في شمال إفريقيا بظهور القرى والفخار الملون والمجتمع (اجتماعي واقتصادي) وظهور المعادن.

فهذا الإنسان عمل على تجسيد كل ما يراه وما يمارسه في حياته اليومية والتعبير عنها بالرسومات مثل: صيد الحيوانات واستئناس النار، فكان منظما، واستقراره جلب إليه العديد من الأفكار والتطور في الذكاء والقدرات العقلية، أهلته لصنع الأدوات والحصاة المشغولة.

فيمكننا ملاحظة ومشاهدة هذه الرسومات لحيوانات عمرت المنطقة طويلا، فزال أثرها اليوم فانقرضت من هذه المنطقة منها: الزرافة، النعامة، الفيل، الأسد، الجاموس...وتم العثور إلى جانب هذه الرسومات على بقايا الحصاة المشغولة والمعروفة بحضارة الحصاة المشغولة وهو الحجر الذي استعمله الإنسان في الصيد والدفاع عن نفسه من الحيوانات المفترسة مثل: " حصاة ذات الوجه وذات الوجهين وتعرف بأدوات البيفازيال في الصناعة الحجرية" (9) .

إضافة إلى ذلك عثر الباحث بيار روفو المختص في علم ما قبل التاريخ بوادي مزاب على العديد من الأدوات الحجرية والحصاة المشغولة واعتبرها بحضارة الهواء الطلق (10).

 

أهمية الآثار:

لهذه الآثار أهمية تاريخية وعلمية خاصة للمتخصصين في الأركيولوجيا، والتي تعبر حقا عن وجود حضارة قديمة قدم العصور بهذه المنطقة الفريدة من نوعها من حيث الفن المعماري الحديث، أضف إليها هذه الرسومات والفنون الجدارية، حقا إنها تعطي للسائح والزائر والباحث منظرا حقيقيا لدور الإنسان الذي أبدع وتفنن منذ أمد طويل، وتعاقبت عدة تجمعات بشرية على المنطقة، وكلها حاولت ترك أثر لها للتعبير عنها.

وفي الأخير يمكن القول: إن هذه المنطقة الزاخرة بفنونها وهندستها المعمارية ورسوماتها الحجرية، لدليل قاطع على أنها محط استقرار للتجمعات البشرية منذ القدم.

 

الصيانة:

بودي أن أتقدم لكل مهتم بهذه الآثار (الرسومات والمغارات) برجائي للحفاظ عليها لأن معظمها مهدد بالانقراض والضياع والتلف وبخاصة منها القريب من البلدة، والتي وصلت إليها أيادي الإتلاف وشوهت هذه الرسومات وغمرت بعض المغارات بالتراب وبقيت بعضها فقط، مثل ما حدث لرسومات بالوح السفلي باحمد والحاج، وكذلك وصل البناء والزحف العمراني على رسومات بابا السعد وإنفوسن إشريقن في منطقة الحنية، فلا بد لنا من الأخذ بعين الاعتبار لهذه الآثار الثمينة والتي تعتبر مفخرة لنا ولوطننا، بل نحافظ عليها لأنها مصدر علمي كبير يستقطب السواح والباحثين لمشاهدتها والتطلع عليها قصد حمايتها وصيانتها من الضياع والتلف وهذه الآثار مازالت لم تدرس دراسة علمية أكاديمية إلى يومنا الحالي، وهذه الملاحظة أتوجه بها إلى وزارة الثقافة عموما، وإلى مديرية الثقافة لولاية غرداية خصوصا، وإلى ديوان حماية سهل وادي مزاب وترقيته بدرجة أخص، فهذا التراث يستغيث ويريد حمايته وترقيته.

 

 

بريان بالّوح نوادّاي

 

 

بريان بالّوح نوجنّا 

 

 

بريان لحنيت نوجنّا 

 

 

بريان فوج الريان الكشفي

 

 

بريان صور من كتاب الأستاذ لعساكر اسماعيل

——————————-

(1) ويكيبيدياالموسوعة الحرة

(2)  ديوان حماية وادي ميزاب وترقيته،: دليل ولاية غرداية، 32 شارع فلسطين، غرداية، الجزائر، جانفي 2006،ص2

إضافة إلى ذلك يذكر جون بيار سفاري: "أن الرسوم الحجرية في معظم الأحيان موجودة فوق الهضاب أفقية، وتعد أقدم الرسوم الحجرية التي رسمت بأشكال هندسية مستقيمة"

(3) بريان تاريخ وحضارة دراسة: تاريخية حضارية سياسية اقتصادية اجتماعية دينية ثقافية تأليف إسماعيل بن محمد لعساكر ص 1 إلى 17.

(4)  JP Savary : Gravures Repestres d’age historique au M’Zab, 1962, page. 01-301

 (5) )- مكتشف هذه الآثار السيد لطرش عيسى بن باعلي في بستانه بناحية بالوح العلوي. 

(6) ) مكتشف هذه الأثار المعلم الفرنسي مسيو روش الذي كان يدرّس في المدرسة الإبتدائية الأمير عبد القادر ببريان. 

(7) - رسم حجري من اكتشاف جمعية أنفوسن للآثار وحماية التراث سنة 2015م. 

(8)  بوزياني الدراجي: القبائل الأمازيغية وأدوارها ومواطنها وأعيانها، دار الكتاب العربي، الجزائر، ط1، 1999م،ج 1، ص45.  

(9) -J.. MORREL : libyca sommaire notules de prehistoire mozabite , 1976 ,p176.

(10 )- PIEER ROFFO sur les civilization palèolithiques du M’ZAB ;CH ;MONNYER.1935.P8 .

أثر العقيدة في الأنسان

إننا نعتقد بوجود أشياء أكثر من ذوات وصفات مدركة بالحواس وغير مدركة، ونجد قلوبنا مطمئنة مما نعتقد به ليس فيها أدنى شك كاعتقادنا بوجود ذواتنا وصفاتنا.ولو جاءنا الناس كلهم أو جلهم يحاولون تشكيكنا فيما نعتقد به لم يجدوا إلى ذلك سبيلاً.وحتى يستقر فينا العلم هذا الاستقرار الراسخ لابد أن نرى أنه اصبح يوجه كثيراً من تصرفاتنا وأفعالنا، ويحرك كثيراً من عواطفنا، ذلك لأنه كما انعقدت أفكارنا وعقولنا على معرفته معرفة غير قابلة للتشكيك انعقدت عواطفنا عليه انعقاداً يصرف أفعالنا وحركتنا، وحبنا وبغضنا، بطريقة شعورية أو بطريقة غير شعورية.

ومتى بلغ شعورنا بالشيء إلى حد يحرك عواطفنا ويوجه سلوكنا حمل اسم «عقيدة»، إن للعقيدة جانباً مهماً مع سيرة حياة الإنسان هذا المخلوق الذي يختلف وضعه عن سائر المخلوقات والكائنات الأخرى في هذه الأرض.فسلوك الحيوان يتسم بأنه مظهر من مظاهر دوافعه وغرائزه المتصلة بحدود حاجاته ومصالح جسده، فإذا أشبعت حاجاته كف وعف. أما الإنسان فقد جعلت غرائزه ودوافعه وأهواؤه وشهواته رعية تحت سلطة إرادته الحرة، ومنح بالإضافة إلى إرادته عقلاً يمكن أن يدرك به الخير والشر والنفع والضر.

فإذا استرشدت إرادته بعقله وكان إدراكه للأمور صحيحاً استقام سلوكه، وإذا تخاذلت إرادته فخضعت لأهوائه وغرائزه كان كالأنعام بل كان أضل سبيلا.وإذا نظرنا إلى تأثير العقيدة في تاريخ الجنس البشري نجد أمراً عجباً، فالعقيدة تبدل مجرى حياة الناس أفراداً و جماعات من حالة إلى أخرى، ولذلك أمثلة متعددة منها: ما قصه الله سبحانه وتعالى علينا من نبأ سحرة فرعون، فإنهم لما جاءوا وهم فارغون من العقيدة لم يكن لهم هم أبداً إلا المصالح الدنيوية، لا يعرفون إلا هذه الحياة المحدودة المحصورة بين المبدأ والمصير.فقد حكى الله سبحانه وتعالى عنهم ما قالوا لفرعون.«أإن لنا لاجراً إن كنا نحن الغالبين»، فما كان لهم من مطمع إلا الفوز بشيء من الأجر والشهرة والظهور، وقد أدرك فرعون ما صرحوا به من رغبة في الأجر، ومالم يصرحوا به من رغبة في الظهور والشهرة.. فقال لهم مجيبا «نعم وإنكم إذاً لمن المقربين..ولكن عندما خالطت بشاشة الإيمان شغاف قلوبهم كان منهم ما قصه الله تبارك وتعالى علينا في آيات متعددة.. منها قوله تعالى «لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات والذي فطرنا فاقض ما أنت قاض إنما تقضي هذه الحياة الدنيا».

صورة أخرى سجلها التاريخ تدلنا على عظيم أثر العقيدة في حياة البشر، فالعرب الجاهليون كانوا قد اشربوا وأد البنات، وكان منهم عمر بن الخطاب «رضى الله عنه»، كان بجانب ذلك أشد كفار قريش عداء للدعوة الإسلامية، ولكنه ما كاد يدخل في دين الله تعالى، حتى أصبح يعرض ابنته حفصة على أصحابه وإخوانه في الله يتزوجها من شاء منهم بعد أن كان وجود البنت في حجره عاراً.

وهذا الصنيع من عمر بن الخطاب «رضى الله عنه» لهو حجة قاطعة على من يعضلون ولياتهم عن الزواج، ويرون في قيامهم بعرض بناتهم لذوي الدين ما يبعث على التشكيك في شرف المرأة وطهرها، وما ذلك إلا لضعف العقيدة في نفوسهم. وقد أكرم الله تعالى عمر بن الخطاب بمصاهرة النبي- صلى الله عليه وسلم- فأصبحت ابنته في عداد أمهات المؤمنين.

وهذا بلال بن رباح -رضى الله عنه- يبرز لنا شيئا من مواقفه الغراء المتمخضة من العقيدة الصحيحة، فعندما أسلم لاقى ما لاقاه من العذاب المهين.. يذهب به إلى بطحاء مكة فيطرح في رمضائها بعد أن يجرد من ملابسه وتوضع الصخرة العظيمة على صدره.. ويوضع في جسده الحديد الساخن.. كل ذلك ليصدوه عن الإسلام، ولينطق بكلمة الكفر.. وهو لا يجبهم إلا بقوله «أحد أحد»، التي تزيد من غيظهم فيزاد في تعذيبه حتى إنه ليرى فمه ينبس بكلمات لا يسمعونها، فيبعث في نفوسهم الأمل أنه يريد أن ينطق بكلمة الكفر فيخففون من عذابه، فإذا بهم يسمعون كلمة «أحد أحد». !! هذا الموقف العظيم يضئ للمسلم طريقه في هذه الحياة التي تموج بكثير من الإبتلاءات، ليثبت أمامها وينازلها لأنه يسعى إلى ما هو أسمى وأعلى وخير أبقى إنها الدار الآخرة، فيها جنة المأوى.وبهذا كله نعلم إن العقيدة هي اعظم مؤثر في سلم القيم في حياة الإنسان.. فالدين كله مبنى على هذه العقيدة لذلك سميت العقيدة «أصول الدين» لأنها الأساس الذي يقوم عليه صرح الدين وبدونها يكون العمل مزلزلا غير ثابت ولا يستقر على حال ولا يقر له قرار. 

الكـاتـب : أحمد بن مظفر الرواحي 

 

أحداث متفرقة في بريان

أحداث متفرقة في بريان(1)

-14نوفمبر 1882: احتلال القوات الفرنسية لمدينة بريان.

-30سبتمبر 1901: الواد المساح حمل وادي مزاب وحمل واد أنسا ووقع فيضان في بريان وهلك فيه ثمانية أشخاص.

في سنة 1903: قام الشيخ القطب الحاج أمحمد بن يوسف أطفيش بزيارة إلى بريان.

-16أوت 1935: إيصال الهاتف إلى بريان.

-07أفريل 1936: ذهاب اللومنة في شأن فض النزاع بين جارين حول ازدياد علو حائط البناء.

-02جانفي1937: فرض الحراسة على البلدة.

-02فيفري 1937تنظيف البلدة وجعل منظف لها "كناس".

-10فيفري 1937:زيادة عمق بئر العروش "مامة أزقاو".

-07أفريل 1937: زيارة بعض الزعماء منهم بن جلول والشيخ إبراهيم بيوض والشيخ أبو اليقضان إبراهيم إلى بريان.

-14أوت 1937: ذهاب اللومنة في شأن كواتة السيل.

-28جانفي 1938: تنصيب حارس على آبار بالوح.

-22جويلية 1938: ذهاب اللومنة في شأن تقسيم دار بين الورثة.

-24أوت 1938: ذهاب اللومنة في شأن صلح بين صاحب الجنان والخماس.

-06سبتمبر1939: مراقبة وحراسة البلدة أنفار من كل فرقة.

-01فيفري 1941: تنظيم من جديد الحراسة في البلدة .

-07أكتوبر1942:دفع الأهالي ما عليهم من الغرامة السنوية.

-10أوت 1942: ذهاب اللومنة إلى غابة الزرقي في شأن الزجر(زجر الماء من البئر).

-31ديسمبر 1943: الصحة والمقاومة ضد الأمراض وذلك في شأن تنظيف البلد من الأوساخ على اختلافها.

-18نوفمبر 1944: تعيين حارس من المخاليف للحرث بواد الكبش.

-05أوت 1945: امتلاء سدود بريان بالرمال.

-10أوت 1946: تعيين حارس للحرث بواد أنسا لمسايبة.

-01فيفري 1947: تنصيب أنفار لمراقبة أسعار السلع والمواد لدى التجار.

-01فيفري 1947: تموين العرش بالمواد.

-10أوت 1947: إنارة المدينة بمركز توليد الكهرباء.

-20ديسمبر1949: تصريح المواشي المذبوحة للعرش.

-24نوفمبر1954:الصحة العمومية، إدخال الماء وإخراج المياه القذرة.

-10ديسمبر1954: تعيين خوجة ثاني لكتابة وتسجيل مصالح العرش.

-20جانفي1955: ترقيع السد الكائن بانتهاء الحنية.

-05مارس 1955: بناء خزان للمياه.

-31مارس 1955م: بناء محل لمركز الإغاثة.

-15أفريل 1955: بناء مركز للدرك.

-15أوت1955م: تصليح سد الفخارين.

-31أوت 1955: مد قنوات المياه للأجنة لدروليك (.(hydrolique

-01أكتوبر1955: حسابات الكيس داخليا وخارجيا.

-01جانفي 1956:بناء المذبح البلدي.

-21جانفي1956: بناء سد السودان.

02جوان 1956: تقصاب الشارع السفلي.

-03نوفمبر 1956: فتح ممر إلى السوق من طريق السيارة لتسهيل عملية ممر أعراب الصحراء([1]).

 


)-أحداث متفرقة مأخوذة من سجلات.[1](

(1) المرجع : بريان تاريخ وحضارة دراسة: تاريخية حضارية سياسية اقتصادية اجتماعية دينية ثقافية تأليف إسماعيل بن محمد لعساكر ص-183-185

أسماء تلاميذ القطب من بريان

نذكر طائفة من العلماء الذين تخرجوا من مدرسته على يده أسندوا ظهره وشدوا أزره في جهاده العلمي سد بهم الثغور المختلفة في الحقلين الديني والاجتماعي لاسيما ثغرة القضاء الشرعي عند إنشاء المحاكم الشرعية بمزاب الذي أحدثه الزحف الأجنبي على الوطن فتردد أبناء البلاد أول الأمر أن يتولوها لا جهلاء ولا هروبا من تحمل المسؤولية ولكن تحرجا أن يكون في ذلك إعانة للمستعمر الظالم وتثبيت لقدمه في أرض الوطن لكن القطب رحمه الله لبعد نظره رأى في ذلك التحفظ إفساح المجال في وجه الأجنبي الغاشم وتمكينه من تعيين أشخاص على مزاجه يتخذهم آلة في يده يوجههم أنى شاء ومعاول هدامة لصرح المجتمع بها يعقدون مشاكلها ويؤرثون من خصومات وعداوات بينها فأوعز إلى هيئات العزابة في مدن مزاب أن ترشح من بينها من يضطلع بهذا الحمل الثقيل ليرسموا قضاة في محاكمها وكان طابعهم أول الأمر يحمل شعار " شيخ العزابة " أما الذين رشحوا فعلا للقضاة فقد كانوا من تلاميذ القطب مباشرة وإليكم أسماء تلاميذه من بريان :

الشيخ الحاج الناصر بن الحاج إبراهيم الداغور قاضي بريان .

الشيخ الحاج إبراهيم بن صالح قرقر محكمة بريان .

الشيخ اعمارة بن صالح موسى المال واعظ ومدرس في بريان متأثر بجد القطب وحبه للعلم وكانت له آمال واسعة في إنهاض بريان وإلحاقه بركب المعرفة لكن المنية عاجلته لسوء الحظ فذهب بغصة .

   

---------------------      

منشور في الفايسبوك لـ: أبو إسماعيل عمروس أحمد بن سعيد النشاشبي من غرداية ماي 2007 م 1428 هـ

راجع كتاب السلاسل الذهبية في الشمائل الطفيشية للشيخ إبراهيم حفار

أصل لفظة تنوبا

Icon 09ⵜⵉⵏⵓⴱⴰⵡⵉⵏ تينوباوين

إن للمقابر كما للمتوفّين حرمة في مزاب، و لهم ذكر سائر في الخالدين، و ذلك بزيارتهم من طرف الأهل والأقارب في مناسبات عديدة مثل يومي الإثنين والخميس من كل أسبوع، و في مواسم الأعراس كعادة (تحيزّا)، و عادة ارجال (الإلتحاق بالحلقة) للتلاميذ الحافظين قسطا من القرآن (الى سورة الرحمن) والأعياد والمناسبات الدينية، اين يتلى فيها اقساط من القرآن، و يدعى لهم بالخير، أحيانا تحت اشراف هيئة المسجد (ئعزّابن) وفيها يتم توزيع الصدقات مما يُجمع من المتصدقين، وغالبا ما يكون خبزا، تمرا، و كسكسا مطهيا بكيفية خاصة مع قطع من اللحم، تعدّه الأمهات في بيوتهن يدعى (وشـّو نـ تنوبا)، توزًع كوقف بإسم المتوفى من كل عائلة، كصدقة جارية، ولفظة تنوبا كلمة أمازيغية تجمع إلى تينوباوين، اسم لهذه العادة القديمة، كان يقوم بها سكّان وادي مزاب ولا يزالون إلى يوم النًاس هذا، رغم أن هناك من يراها من البدع، ربمّا لأنه لم يفهم مقاصدها وأثرها في المجتمع من حيث التكافل والإهتمام بالمعوزين، ممن قهرتهم ظروفهم، فهي فرصة لإسعادهم، وللسعادة ألف طريق.

ولفظة تنوبا او تينوبا تعني عند أمازيغ (ئيموهاغ) التوراڤ خاصية الميت او ما له علاقة بالميت، وهي من فعل ئبا iba ,ⵉⴱⴰ ,بمعنى مات، غاب للأبد، افضىت روحه إلى بارئها، او فصلت الروح عن الجسد.

 

بقلم الاستاذ يوسف لعساكر

أصول الدينونة الصافية للشيخ أبي حفص عمروس بن فتح

كتاب أصول الدينونة الصافية

تأليف الشيخ: أبي حفص عمروس بن فتح النفوسي

تحقيق: حاج أحمد بن حمو كُّروم
مراجعة:
مصطفى بن محمد شريفي
محمد بن موسى باباعمي
الطبعة الأولى
1420هـ / 1999م

تقديم
(( إن كان أبو حفص في شيء من هذا البلد فهذا السؤال منه ))
كلمة عظيمة من إمام عظيم في إمام عظيم .
هذه العبارة لهي شهادة علمية رفيعة المستوى ، وأجازة من الأجازات العلمية العالية منحها واحد من أقطاب العلم وعظماء الإسلام ذلكم هو الإمام المحكم محمد بن محبوب بن الرحيل القرشي العماني رضي الله عنه إلى واحد من عباقرة العلم وعلماء الإسلام هو أبو حفص عمروس بن فتح المساكني النفوسي رضي الله عنه.
إن علاّميَّة عمروس ودقة فهمه وقوة استنباطه لمسائل العلم وقضاياه جعلت من الإمام الكبير محمد بن محبوب إن يظهر إعجابه بهذا النابغة المغربي الذي سبقته شهرته العلمية إلى المشرق العربي ولا سيما عُمان عندما تم اللقاء بينهما في مكة المكرمة حرسها الله تعالى ، حتى اخذ الحديث بالإمامين الكبيرين شجوناً وشئوناً كل مأخذ وتوغل بهما وتوغلا فيه إلى مكنون العلم الذي يضن به على غير أهله .
إن هذه الحادثة اللقائية المكية ترشدنا إلى ما لعمروس من منزلة عظمى في العلم ودرجة عليا في الفهم .
لذلك نجد إمام المنقول والمعقول أبا يعقوب الوارجلاني رضي الله عنه يورده في كتابه (( الدليل والبرهان )) من بين الأئمة العشرة الذين نقل عنهم مسائل عقدية تعتبر قواعد في علم العقيدة .
فلا غرو أن تأتي (( الدينونة الصافية )) صافية من غير كدر نقية من أية شائبة عذبة المورد سائغة للشاربين .
على أن الدينونة معناها الدين وهو دين الإسلام الحنيف ، مشتقة من دان يدين وهي كلمة ليست لها صيغة تصريفية عند العرب ، وإنما مما عدوه من النوادر وقليل النظائر ومنه قولهم (( طار طيرورة ، وسار سيرورة ، وحاد حيدودة ، وكان كينونة ، ودام ديمومة ، وهاع هيعوعة ، وساد سيدودة ، وقال قيلولة )) .
إن هذا العمل الجليل هو واحد من نتاج فكر عمروس ووحي عبقريته الفذة ضمنه دقيق مسائل العبادات وواضح قضايا الأحكام .
ولقد جاء عمل الأستاذ الفاضل / حاج أحمد بن حمو كّروم في تحقيق الكتاب جهداً واضحاً ملموساً ، فهو قد بذل فيه جهداً مشكوراً حيث استطاع أن يجمع مخطوطات خمسا للكتاب وهو أمر يعتبر من أساسيات عمل التحقيق .
وان وزارة التراث القومي والثقافة وعلى رأسها سمو السيد / فيصل بن على بن فيصل آل سعيد وزير التراث القومي والثقافة حينما تهم بنشر هذا الكتاب فإنها تضيف إلى المكتبة الإسلامية كنزاً قيما من كنوز العلم والمعرفة ، وتملأ بذلك حيزاً من مساحة الفكر الإسلامي العظيم عقيدة وشريعة .
وما ذلك إلا إستلهاماً من توجيهات القيادة الحكيمة لحضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم حفظه الله ليكون حاضر هذه الأمة موصولا بماضيها تراثاً ، وليكون اللاحق سائراً على درب السابق تاريخاً ، وليكون السلوك مستمداً من الكتاب والسنة والإجماع والقياس ومأثور أهل العلم اعتقاداً وعملاً .
والله نسأله التوفيق إلى كل خير والسداد في القول والعمل وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه .
وأخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .
أحمد بن سعود السيابي
10/ 6/ 1418هـ.
12/10/ 1997م .

بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على أشرف المرسلين
مقدمة
{ الحمد لله الذي هدانا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله } وبعد :
ففي إطار الهواية التي اخترتها مناط مستقبلي ألا وهي : جمع مخطوطات الأصحاب ، وتحقيقها بعد تنظيمها عثرت على هذا المخطوط النفيس في مكتبة البكري بالعطف أثناء قيامي بوضع بطاقات فنية لمخطوطات المكتبة في رمضان 1410هـ / 1990م .
وما زالت نفسي تميل للقيام بتحقيقه وإخراجه للنور حتى طلب مني أحد الأساتذة أن أفيده بمخطوط كلامي يقوم هو بتحقيقه فسارعت إلى الإجابة لطلبه حتى لا تنفلت الفرصة بأن قدمت له المخطوط الذي بين يديك .. وعندما تصفحه وجده دون مستوى الشرط الذي طلبه فأرجعه لي .
هنالك عقدت العزم على نفسي في بداية سنة : 1411هـ / 1991م لأن أقوم بالعلمية معتمداً على نفسي وعلى إمكانياتي الكليلة في الميدان راجياً من المولى عزّ وجل العون والتّوفيق ، وأهمّ ما حفّزني إليه هو وجود نسخة ثانية في مكتبة المدرسة الجابرية ببني يزقن ، إضافة إلى وجود تسهيلات لاقتناء النسختين من قيمي المكتبتين حفظهم الله ورحم المحبَّسين ـ وكذا المكتبة الخاصة لشيخنا الحاج محمّد بن بأحمد الحاج سعيد العطفاوي ـ رحمه الله ـ وأبنائه المعتنين بها تقبّل الله منهم .
استغاثة ملحة
وهنا لا أنسى أن أغتنم الفرصة لأوجّه استغاثة إلى :
أصحاب مكتبات الآباء والأجداد : أن يتّقوا الله في خزن المخطوطات التي في حوزتهم وألاّ يستحوذوا عليها في (( عمدٍ ممدَّدة )) وليعملوا صالحاً للحضارة والأجيال ـ على الأقل ـ بعدم إهمالها والاِستخفاف بحقّها... وأن يمدّوا يد المساعدة للرّاغبين على الاِطّلاع عليها لأنَّها ليست ملكهم وحدهم بل هي ملك للأجيال حتى لا تضيع الأمانة من أيدينا ..
أصحاب الشّهادات والألقاب العليا في مختلف فنون العلم الحديث : أن لا يتوانوا في تجديد أمر هذا التّراث الحيّ الضّخم ، وأن يمدّوا له أيديهم وأفكارهم وقلوبهم ؛ لئلاّ تستفزّه الأيدي المادّية والأفكار المغرضة... واعلموا أن الحجّة قائمة عليكم بم أوتيتم من (( بسطة في العلم والجسم )) والتاريخ لا يرحمكم ولا يعذركم في الكسل بما وفّر الله لنا من الوسائل المتطوّرة في الحياة .
أصحاب رؤوس الأموال : أن لا يردّوا طلاّب المساعدة المادّية في هذا الميدان... فالمال مال الله... وما نحن إلاّ موظّفون مكلّفون ومحاسبون بل ومسؤولون عنه : من أين ؟ وإلى أين...
وقبل أن أختم هذه الكلمات يجدر بي أن أعرض عليك أخي القارئ الخطّة التي سلكتها أثناء القيام بعمليّة التّحقيق الموضوعيَّ لفصول الكتاب ، ونصوص ترجمة المؤلّف .
عرض خطّة البحث والتّحقيق
نقلت هذه المخطوطات من مخطوطة ( د ) وقارنتها بمخطوطة ( أ ) و ( ب ) و ( جـ ) و ( هـ ) .
غالب الأخطاء اللغوية الموجودة في نسخة ( ب ) لم أثبتها في الهامش نظراً لكثرتها وبساطتها ، ويبدو أنّ ناسخ المخطوطة ( ب ) لم يكن عالما باللغة رحمة الله وتقبّل منه .
أشرت في الهوامش إلي ما كان من غموض كلمة بين النسخ فأبيّن الأنسب ليستقيم المعنى .
شرحت بعض الكلمات الجديدة والمصطلحات العلميّة ليفهمها القارئ .
خرّجت الأحاديث والآيات وأتممت ما يجدر إتمامه ، قدر المستطاع .
اعتمدت النسخة ( د ) أُمَّا للمخطوطات الأخرى نظراً لقدمها ، وجودة خطّها ، وضبطها وقلَّة الأخطاء فيها ، ولكونها تامَّة . اللهمَّ إلاَّ بعض الأخطاء الواضحة التي لا بدَّ من تصحيحها داخل المتن ، اعتماداً على النسخ الأخرى ـ خاصَّة ( هـ ) ـ مع الإشارة إلى ذلك في الهامش وهي قليلة .
أنني أطلت في التّرجمة رغبة مني في كشف الضبّاب الكثيف عن هذه الشّخصية النّموذجيّة التي لا يعرفها كثير من النّاس .
وضعت الفهارس المختلفة للكتاب ليسهل على الباحث مبتغاه .
بينّت القيمة العلمية للمخطوط وعرفت به وأثبت نسبته للمؤلّف حتى لا يكون مختلقاً عليه للشّهرة ، أو لقيطا تبنّاه بغير حق...
كما أنَّني حاولت إرجاع بعض الآراء في متن المخطوط إلى أصحابها اعتماداً على بعض أمَّهات كتب الفقه ، ومن أبرزها : (( مدوّنة أبي غانم الخرساني )) رحمه الله ، التي هي مصدر من المصادر الهامّة لهذا الكتاب .
لقد سمحت لنفسي بوضع عناوين الأبواب والفصول والفقرات ليجد القارئ راحته أثناء الاِستفادة منه... فأيّ عنوان وجدته بين معقوفتين فهو منّي .
لقد حاولت الاِبتعاد ما أمكن عن وضع تعليقات على الأفكار لئلا يتخم الكتاب فيخرج عن إطار التّحقيق إلى الشّرح إلاّ ما كان لا بدّ منه .
فما كان من حسن فبفضل الله وما كان من نقص فمن نفسي... وعلى الله قصد السّبيل وهو أعلم بما تخفي الصّدور...
والسلام عليكم ورحمة الله
القسم الأول
حول حياة المؤلف
ترجمة حياة المؤلَّف : الشيخ أبي حفص عمروس بن فتح المساكني النفوسي
مولده
ولد الشيخ عمروس بن فتح في قافلة نفوسة المتوجّهة إلى البقاع المقدّسة في أواخر العقد السّادس من القرن الثّاني الهجري . (1)
عائلته
أبوه : لم يسجّل لنا المصدر عن أبيه أيَّة معلومة تذكر...
أمُّه : توفيت وتركته في المهد صبيّا ، ورجعت بسببه من طريق الحجّ وعندما حضرتها الوفاة أوصت بالحجّ وغيره ، لَّما سئلت عمّن استخلفت في إنفاذ هذه الوصيّة... فأشارت إلى الذي في المهد ، وهو ابنها الرّضيع (( عمروس )) (2)
أخته : هي العالمة المشهورة بمواقف وأمجاد كثيرة منها ثلاثة للتّمثيل :
اشتراكها في نسخ مدونة أبي غانم الخرساني إذ كانت هي التي تملي على أخيها عمروس . (3)
__________
(1) …مجموعة ستة كتب... الكتاب الرابع ، اللمعة المرضية من أشعة الإباضية لعبد الله بن حميد السالمي ص70... غير أن الشماخي في كتاب السير لم يذكر عمروس بن فتح منهم ص228 ؛ وكذا ج1 من مخطوط سير المشايخ لأبي الربيع الوسياني ص6... وبالتالي يبدو وأن السالمي استنتجه استنتاجا من السياق وهو الصحيح .
(2) …الدرجيني أبو العباس : طبقات المشايخ بالمغرب ، ط1 ، تحقيق إبراهيم طلاي ، مطبعة البعث ـ قسنطية ـ الجزائر ـ ج2 ، ص324 .
(3) …انظر النقطة الرابعة من (( فتاويه واجتهاداته )) من مقدمة هذا الكتاب .
اشتراكها في وقعة (( مانو )) بجبل نفوسة مع النسوة ، أين استشهد أخوها ، فلمّا خشيت على نفسها وعليهنَّ الفتنة من الظلمة أمرت كلَّ واحدة منهنّ أن تستخلفها الأخرى في تزويجها بمن يريدها بسوء . (1)
سئل الشّيخ سدرات بن إبراهيم المساكني النفوسي عن امرأة ولدت ولداً فبقي آخر في بطنها هل تأكل في رمضان نهاراً ؟ قال : نعم ، فقال بعض الأشياخ نعس الشّيخ ، فقالت أخت عمروس : (( إن نعس لم ينعس علمه وكلامه ، وجدناها تأكل إذا انشقّت المبولة(2) فكيف بهذه... )) (3)
أخوه : من خلال ما حفظته لنا كتب السير يبدو أنَّه لم يفقد حظّه من العلم ودرجته حيث اختبر أخاه عمروساً بسؤال عندما انتهى فترة التعلّم لائماً فقال له : (( لو رأيت إجرافاً في فدادينك ؟ )) فقال له مجيباً : (( لو رأيت أجرافاً يتلموا دينك... )) (4)
قبيلته
هي نفوسة البربرية التي نسب الجبل الغربي لطرابلس إليها بليبيا ؛ هذه القبيلة قال عنها الشمّاخي : (( بلغت في العلم والتقى والعدل والورع مبلغاً عظيماً ، يكاد أن يكون حاكيه كاذباً... بالشرق والغرب ، ولذا قال الإمام عبد الوهّاب رضي الله عنه : (( إنَّما قام هذا الدين بسيوف نفوسة وأموال مزاته... )) (5)
__________
(1) …أبو زكريا يحيى بن أبي بكر : سير الأئمة وأخبارهم ، ت إسماعيل العربي ، مطبعة أحمد زبانة ، الجزائر ، نشر المكتبة الوطنية الجزائرية ، الجزائر ص104 . الشماخي : سير ص229 .
(2) …المبولة : هي الماء الذي يسبق خروج الولد ، انظر هذا الحكم في كتاب : شرح النيل ، للقطب أطفيش ، ج1 ، ص313 .
(3) …الشماخي : السير ، ص267 .
(4) …الشماخي : السير ، ص229 ، (( يتلموا دينك )) هكذا وجدت الكلمة . ولعل الصحيح ما قال الباروني : (( لو رأيت أجرافاً تثلم دينك لهان عليك أمري )) . الأزهار الإباضية ، ص254 .
(5) …الشماخي : السير ، ص267 .
هذا الجبل الذي كان ملاذ كثير من القبائل : (( لواته ـ مزاته ـ هوارة )) ويؤمه الأصحاب عند فتور النفس في العبادة فيقولون : (( نصعد الجبل لنصقل قلوبنا )) يعني بالعلم والذكر ومجالسة الصالحين . أبو زكرياء الجناوني : الوضع ، مقدمة المحقق ، ص11 .
هذه القبيلة التي يصفها المؤرخون بأنها في ذلك الزمان أكثر الناس حجاً فكانوا يحجون بنسائهم وذراريهم ، حتى إنهم ولد لهم في ركب واحد ثلاث مائة مولود ذكر . الدرجيني : طبقات ، ج2 ، ص325 . الشماخي : السير ، ص228 . الوسياني : سير ( مخ ) ج1 ، ص6 .
مكان ولادته ونشأته
مكان ولادته :
(( قطرس )) وهي القرية الجاثمة على ضفّة وادي تالة العميق من أرض الرحيبات بجبل نفوسة في ليبيا . (1)
نشأته :
في هذه الأجواء الطاهرة المفعمة بالعلم والورع تربّى الفتى عمروس وترعرع فوجد فيها خير عزاء وعوَض عن أمّه التّي لم يحظ بحنانها المدّة الكافية لأبناء سنّة...
حياته العلمية
لقد درس أوّلاً في مسقط رأسه (( قطرس )) مبادئ العلوم الدينيّة واللغويّة... ثمّ انتقل إلى المغرب (2) ليتعلّم هناك مدّة عشرين عاماً ..
هذا ما كتبته المصادر عن تعلّمه بصفة إجماليّة دون التعرض لأيّ تفصيل يشير إلى مشائخه ورفقائه في الدراسة أو العلوم التي درسها أكثر من الأخرى...
هل كان الشيخ مدرّسا ؟ : إنّ الإجابة عن هذا السؤال ذات شقّين أساسين ظنيين هما :
المصادر القديمة : إذا نظرنا إلى الكتب القديمة فلا نجد إشارة واضحة تذكر عنه أنَّه كان مدرّسا لحلقة من التلاميذ إلاّ ما نستشفُّه من ظلال بعض النصوص حيث ذكر الشيخ سليمان الباروني في تعليقاته :
على رسالة والده الشيخ عبد الله الباروني : " سلّم العامة والمبتدئين إلى معرفة أئَّمة الدين " : ((... وهي قطرس ، وفيها مسجد الشيخ عمروس وأظنّه ابن فتح المساكني النّفوسي... )) (3)
وهل هذا المسجد المنسوب إليه بناه في حياته لهذا الغرض ؟ أم سمّي باسمه تكريما ؟ لا ندري...
__________
(1) …علي يحيى معمر : الإباضية في موكب التاريخ ، ج2 ، الإباضية في ليبيا ، القسم الأول ، ص137 .
(2) …الشماخي : السير ، ص229 . هذه الكلمة : (( المغرب )) لم تتعرض لها المصادر المعتمدة بشيء من التوضيح ، فأصبحت محتملة إلا أن الاستعمال السائد آنذاك عند الإباضية لهذه الكلمة هو (( تيهرت )) عاصمة الدولة الرستمية إذ كانت كعبة الطلاب والعلماء والمتكلمين حيناً من الدهر حتى غدت تعرف بـ (( بغداد المغرب )) كما أنها جاءت في غرب جبل نفوسة .
(3) …المصدر المذكور : ص54 .
ذكر الوسيانيُّ أنّ جماعة اجتمعوا في موضع يسمّى : " تنين أزدرشل " في طلب العلم وفيهم أبو نصر من تمصمص ، وهو المفتي والمجيب ، وفيها نفاث بن نصر ، وكان يلقي مشكلات المسائل عليهم ، وربّما عسر جوابها عن أبي نصر ومن معه ، ثمّ أتى عمروس ومهدي فسكت نفاث فقال أبو نصر : (( الآن جاء السلوقان اللذان يحرزان الحيّ وأمّا جروة أبي نصر فتنبح على (1) أكل الذئب الغنم فهرب الذئب " يعني بالجروة نفسه ويعني بالذئب نفاث ويعني بالغنم نفوسة ، والسلاليق (2) هما مهدي وعمروس(3) والسؤال هو : هل كان دائما يحضر هذا المجلس أم جاءه عرضا ؟ لا ندري...
يقول الحسن بن محمّد الوزّان القابسي من علماء القرن 10هـ : (( عمروس : مدشر يقع على بعد نحو ستّة أميال من طرابلس داخل الأراضي ويوجد فيه عدد كبير من النخيل وبساتين مليئة بمختلف الأشجار المثمرة )) (4)
هل كان في هذه المدينة مدرّسا ؟ لماذا نسبت إليه ؟ لا ندري...
لقد تصفّحت الكتب التي أوردت نسب المذهب الإباضي (5) فلم أجده مذكوراً في أيّ سلسلة من سلاسلها الذهبيّة ، نظرا لأنّ هذه السلاسل عادة ما تحوي المتصدّرين لحلقات العلم الذين يتلقّى عنهم التلاميذ أمانة الدين فيبلّغونه لمن بعدهم من التلاميذ والدعاة...
__________
(1) …الشماخي : السير ، ص328 .
(2) …السلاليق جمع السلوقي : الكلب الكبير المدرب على الحراسة .
(3) …الوسياني : سير المشايخ ( مخ ) ، ج1 ، ص23 . الدرجيني : طبقات المشايخ ، ج2 ، ص314 .
(4) …وصف إفريقيا ، ج2 ، ص110 ، ترجمة محمد حاجي ومحمد الأخضر .
(5) …الباروني محمد بن زكريا بن موسى : نسبة الدين ، ملحق بسير الشماخي . الباروني : رسالة سلم العامة والمبتدئين إلى معرفة أئمة الدين . القطب أطفيش : الرسالة الشافية .
المصادر الحديثة : أمّا إذا تصفّحنا الكتب الحديثة فإنّنا نجدها تذكره مدرّسا بدون إسناد لمصدر الفكرة... فمنهم المحقّق الشيخ عبد الرحمن بكلّي يقول : (( وقّف حياته على العلم تحصيلا وتأليفا وتدريسا... )) (1)
وعلى هذا فإنّني أرجّح أنّ الشيخ لم يكن مدّرسا لحلقة علم وإنّما كان من المتمكّنين في العلم المشتغلين بالمناظرة في مجالس المخالفين ودحض شبههم ، والدليل هو عدم إسناد سلسلة المذهب الإباضي إليه ، وهيبة نفاث منه إذا حضر مجلسا للمناظرة...
إذن فهو إمام من أئمّة الإسلام الذين ذاع صيتهم بأقوال انفردوا بها ، وساهموا في حفظ المذهب من التلاشي بتآليفهم القيّمة ، وغيرتهم النيّرة...
اشتغاله بالقضاء
لقد اشتغل الشيخ في وظيفته القضاء مدّة قصيرة ، حيث عيّنه أبو منصور إلياس ـ والي جبل نفوسة ـ على قضاء الجبل ، في عهد الإمام أبي اليقظان محمد بن أفلح ثم ابنه الإمام أبي حاتم يوسف بن محمد رحمهم الله ، ثمّ استقال من المنصب بسبب مضايقة بل مخالفته آراء بعض علماء عصره إذ أنَّه كان مرنا في أحكامه وفتاويه ، وهم يرفضون هذه المرونة خشية الفتك بعرى الدين بالنزوع إلى الرخص ، والسبب المباشر لهذه الإستقالة هو قضاءه بين عبد ومولاه وعندما اشتكى إليه العبد كان الشيخ أبو مهاصر يسمع ـ وهو شديد الأمر والنهي في دين الله ـ فغضب من جوابه وقال له : (( اِعطه حقّه من مولاه ، وإلاّ نزعك الله من ذلك المكان وردّ فيه غيرك )) . ولقد أبى الرجوع عن استقالته رغم الإلحاح عليه (2) وربّما لأنّ المعارضة على أحكامه قد تكرّرت عليه كثيراً من هذا الشيخ وغيره...
نماذج من أقضياته
__________
(1) …الجيطالي إسماعيل بن موسى : قواعد الإسلام ، تحقيق عبد الرحمن بن عمر بكلي ، هامش المحقق ، ج1 ، ص12 .
(2) …الشماخي : السير ، ص229 ، الباروني ، الأزهار الإباضية ، ص254 .
لقد رغبت في عرض هذه النماذج رغم أنَّها إطالة للترجمة وذلك لأنَّها لا تخلو من إبراز الجوانب اللاّمعة في شخصية الشيخ وتعيننا على تفهُّم الأفكار التي بثَّها في كتابه...
اختصم إليه ذات مرّة رجلان فاستمسك أحدهما بالآخر ، فقال للمدّعى عليه : (( ردّ الجواب )) فسكت ، فأعاد عليه فسكت... فقام إليه فركضه برجله ، فقال له جلساؤه عجلت يا عمروس...
فجمع أصابعه بيده فقال : (( كم هؤلاء )) فقالوا : (( خمسة )) ، فقال لهم : (( ما عجلت له إلاَّ كما لم تعجلوا أنتم إذ لم تعدوها واحدا واحداً ))... فقال لألياس : (( إن لم تأذن لي بثلاث ، فخذ خاتمك عنّي : قتل مانع الحقّ ، والدالَّ على عورات المسلمين ، والطاعن في دين المسلمين )) . (1)
وذكر أنَّ قافلة وقع عليها قطَّاع الطرق فانتهبوها ، ثمَّ إنَّ أصحاب القافلة والقطَّاع اصطحبوا جميعا إلى جبل نفوسة في زمان ولاية أبي منصور إلياس وقضاء عمروس ، فتشاجروا فيما بينهم ، وكلُّ يدَّعي القافلة ، وانتهوا إلى الوالي فحار في أمرهم ؛ وقال : أحكّم بينهم عمروس... ثمَّ إنَّ عمروساً عزل أصحاب القافلة على حدة ، وانفرد بكلَّ واحد منهم يسأله عما رفع وما علامة حمله ومتاعه ، فكتب ذلك كلّه ، ثمَّ انفرد بالقطّاع فسألهم كما سأل الأولين ، فكتب ما قالوا ، ثمَّ أخرج ما في الأحمال فوجده كما قال الأولون أصحاب القافلة بها لهم... ووجد قول القطّاع مختلفا بعضه ينقض بعضا ؛ فقال القاضي عمروس لألياس : (( هؤلاء أصحاب القافلة وأولئك أضيافك أضفهم )) . يعني يحبسهم ويؤدبهم . (2)
جهاده واستشهاده
__________
(1) …الوسياني : سير المشايخ ( مخ ) ج2 ، ص2 ، الدرجيني : طبقات المشايخ ج2 ، ص321 . الشماخي : السير ص226 .
(2) …الوسياني ، سير المشايخ ( مخ ) ، ج1 ، ص3 ، السير ص226 ، علي يحيى معمر : الإباضية في ليبيا القسم 1 ، ص141 ـ 142 .
إضافة إلى كلّ ما كنت أذكره لك من جهاد الشيخ بلسانه وقلمه فإنّه لم يهمل نصيبه من الجهاد بالسيف حيث شهد وقعة " مانو " بين نفوسة والأغالبة ، وكان في آخر المعركة يحمي الناس ويذود عنهم ولم يقدروا عليه ، (( وكان على فرس سابق ، فلمّا أعجزهم وأتعبهم عمدوا إلى الحبال فنصبوها له واضطروّه إليها فعثر به الفرس فأخذوه أسيرا ومضوا به إلى الفاسق إبراهيم بن الأغلب ، فسألوه أن يستعفيه ليعفيه ، فقال لهم : كلمة لا تسمعوها منّي ، ولكن أسألك في سراويلي هذه لا تكشفوني منه ، فأخذوه يقطعونه بالحديد من أنامله ، فلمّا وصلوا إلى عضده استشهد (( رحمه الله )) . (1)
فقال ابن عذاري المرّاكشي : (( وفي سنة 284هـ كانت وقعة نفوسة لأبي العبّاس بن إبراهيم فقتل منهم مقتله عظيمة ، وأسر منهم ثلاثة مائة ، فلمّا وصل بهم إلى والده إبراهيم إبراهيم بن أحمد دعا بهم... فقرب إليه شيخ منهم ، فقال له إبراهيم : (( أتعرف علي بن أبي طالب ؟ )) فقال له : (( لعنك الله يا إبراهيم على ظلمك وقتلك )) . فذبحه إبراهيم وشقّ عن قلبه وأخرجه بيده وأمر أن يفعل ببقيّة الأسارى كذلك... حّتى أتى على اخرهم ونظمت قلوبهم في حبال ، ونصبت على باب تونس )) . (2) وهي في عهد المعتضد بالله الخليفة العبَّاسي ببغداد (ت : 289هـ) لا في عهد المتوكّل (ت : 247هـ) كما يشير الوارجلانُّي والدرجينيُّ .
وفاته
__________
(1) …أبو زكريا : سير الأئمة ، ص104 ، الشماخي : السير ، ص229 ، الدرجيني : طبقات المشايخ ، ج1 ، ص89 ، سليمان الباروني : الأزهار الإباضية ، ص282 ، علي يحيى معمر : الإباضية في ليبيا ، القسم 1 ، ص 142 .
(2) …ابن عذاري : البيان المغرب في أخبار الأندلس والمغرب ، ط2 تحقيق ج ، س كولان وأ . ليفي بروفنسال ( دار الثقافة بيروت ، ج ، ص130 ) .
وهناك اختلاف طفيف بين المراجع في تحديد سنة الواقعة التي تعنينا في ضبط السنة التي توفَّي فيها الشيخ عمروس بن فتح رحمه الله... فالمصادر الإباضيَّة كُّلها متَّفقة على سنة 283هـ (1) نقلاً عن ابن الرقيق القيرواني صاحب تاريخ إفريقيَّة ، إلاَّ الشيخ البكري فقد أشار إلى أنَّ هذه الوقعة كانت في سنة 282هـ . (2)
أمَّا المصادر غير الإباضية فهي تشير إلى السنة التي وقعت فيها الكرة من ابن الأغلب على نفوسة ، وهي سنة 284هـ (3) أي بعد عام من وقعة مانو...
وبناء على هذا التاريخ يتبين لنا أن الشيخ قد عمر طويلا(4) . وأهم دليل نستند إليه في هذا هو نسخه لمدونة أبي غام الخراساني في عهد الإمام عبد الوهاب الذي توفي سنة 190هـ ، وبالتالي لا يمكن أن يكسب هذه الثقة ، ولا يستطيع أن يصل إلى هذا المستوى من التفكير إلا بعد أن تجاوز سن البلوغ (18 سنة على الأقل) (5) . وبذلك يمكن أن نقدر ميلاده في أواخر العقد السادس من القرن الثاني للهجرة .
أسرته
لم تتعرض المصادر التي بين أيدينا لشيء من أسرة الشيخ (زوجه وأولاده) إلا بصورة يسيرة عامة ، وذلك عندما كتب وصية حياته قبيل الخروج إلى معركة مانو .. (6) .
حالته المادية
يبدو أن الشيخ في الجانب المادي كان دون الأغنياء الكبار ، وأفضل من الفقراء الضعاف ، إذ أنه كان يملك ما يلي :
__________
(1) …الشماخي : السير ، ص268 ، الباروني : الأزهار ، ص280 ، الجيطالي : قناطر الخيرات ، تحقيق عمرو خليفة النامي ، ج ، ص49 .
(2) …الجيطالي : قواعد الإسلام ، هامش المحقق ج1 ، ص12 .
(3) …ابن عذاري المراكشي : البيان المغرب ، ج1 ، ص130 .
(4) …الدرجيني : طبقات ج2 ، ص320 . ويقول الشماخي نقلاً عن الدرجيني : (( حاز قصب السبق ، وإن كان في السن متأخراً . السير ، ص225 .
(5) …الدرجيني : طبقان ج2 ، ص323 . يقول ( وعمروس حينئذ حدث ) أي صغير السن .
(6) …الدرجيني : طبقات ج2 ، ص323 ، الشماخي : السير ، ص228 .
أدوات الكتابة والتأليف (نسخه لمدوَّنة أبي غانم ، وتأليفه كتابه في الأصول) .
السفر إلى الحج الذي يتطلب الزاد ووسيلة النقل .
الخروج إلى البادية ابتغاء فضل من الله ونعمة مع أبي مهاصر .
له عبد نصراني (1)... وبغلة يستقي عليها . (2)
وسائل الجهاد (فرس سابق وسيف قاطع) .
مؤلفاته
لقد نسب المؤرخون للشيخ عددا من المؤلفات منها الموجود ، ومنها المفقود ، منها المكتوب ، ومنها الذي بقي في الخاطر أمينة غير محققة...
كتاب " العمروس " الذي أجاب به الشيخ عبد الخالق الفزاني (3) .
كتاب في الخاطر مشروعا هو في قول الدرجيني : (( بلغنا أنه هم أن يعلق تأليفا في الفقه ولم يسبق في طريقته ، عزم أن يفرق في العلم على ثلاثة أوجه : التنزيل والسنة والرأي ، وما يتعلق بكل واحد منها من المسائل فيرتب كل باب من أبوابه ويبنيه على القواعد الثلاثة... فلم يقدر الله بذلك بل قضى له بإعجال الحمام )) (4) .
كتابان في الأصول والفقه . (5)
كتاب عمروس بن فتح . (6)
كتاب أعلام الملة .
كتاب الحكم والمعارف .
كتاب الدينونة (7) الصافية . (8)
كتاب في الرد على النكاث وأحمد بن الحسين . (9)
__________
(1) …الشماخي : السير ، ص230 .
(2) …الشماخي : السير ، ص229 .
(3) …الشماخي : السير ، ص229 ، الجيطالي : قناطر الخيرات ، تحقيق د. عمرو خليفة النامي ، ص49 . ولعل انفراد الشماخي بذكره هو الذي جعل الدكتور النامي ينفي وجود هذا الكتاب تماماً في مؤلفات الشيخ ( دليل المؤلفين الليبيين ص300 .
(4) …أبو زكريا الوارجلاني : سير ، ص96 ، الدرجيني : طبقات ، ج2 ، ص321 ، الشماخي : السير ص225 .
(5) …أبو زكريا : سير ، ص99 . هكذا ذكرهما بدون أي توضيح .
(6) …البرادي : الجواهر المنتقاة ، ص219 ، هكذا بدون أي توضيح .
(7) …هذه الكتب الثلاثة ذكرها الشيخ عبد الرحمن بكلي في هامش ص12 من كتاب قواعد الإسلام للجيطالي .
(8) …دليل المؤلفين العرب الليبيين ، ص300 .
(9) …المصدر السابق .
تلاحظ أخي القارئ أنني جمعتها بدون تعليق ، ولو كانت بدون عنوان أو كان عنوانها مكرراً ، وذلك خشية أن يكون أحدها موجوداً ، فأجني عليه بالغفلة والسكوت ، ولا مانع أن أشير إلى أن المحقق في التراث الإباضي الدكتور عمرو خليفة النامي جزم في مقدمته على كتاب " الرد على جميع المخالفين " ص(ي) المحققة المرقونة ، بأنه لم يبق لنا من تراث الشيخ عمروس إلا رسالتان : إحداهما بعنوان " الدينونة الصافية " وأخرى بعنوان " الرد على الناكثة وأحمد بن الحسين " . وأما الشيخ فرحات الجعبيري في كتاب البعد الحضاري للعقيدة عند الإباضية ص109 ، فيجزم بوجود الأولى منهما فقط ، وأشار إلى مكان وجودها في المكتبة البارونية بجربة تونس .
فتاويه واجتهاداته
لقد اشتهر الشيخ بفتاويه مثبوتة في بطون كتب المذهب الإباضي في الأصول والفروع ، ولذلك احتل مكانة مرموقة في تاريخ أعلام المذهب ؛ ولعل انفراده ببعض هذه الفتاوي عن معظم علمائنا ، يجعلني أتجرأ على العلماء فأصفه بأنه بلغ " درب الاجتهاد في الدين "... وعندما أعرض لك بعضا منها فاحكم بما شئت بعد اطلاعك الموضوعي على ما يتضمنه الكتاب الذي أرجو أن أكون موفقاً في تحقيقه إن شاء الله .
جلس الشيخ ذات مرة مع داود بن ياجرين وماطوس بن هارون رضي الله عنهم يتحدثون حتى قالوا لعمروس : (( أهل شروس لا يكذبون )) ، فكان عمروس بعد ذلك يجيز شهادتهم ، فتذاكر الشيخان ما يفعل عمروس ، فقالا له : (( مالك تحكم بكل أهل شروس ؟ )) فقال لهما : (( إنما أحكم بكما لا بهم ، لأنكما زكيتماهم بقولكما : أهل شروس لا يكذبون )) ، فقالا له : (( ما ذلك مرادنا )) ، فترك جواز شهادتهم بعد ذلك إلى أهل العدالة والرضى . (1)
سأله رجل بمحضر أبي مهاصر عمن أخذ من مال ابن طيلون ، خرج فتاب ولم يعلم له صاحباً ، قال : (( تسأل عن مولاه ، فإن أعياك أمره فتصدق به ))... فغضب أبو مهاصر فقال : (( لا أقعد في مجلس يفتى فيه بمثل هذا ))... قال عمروس : (( إن أردت أن تقعد فاقعد ، فإن من شأن المسلمين أن لا يؤيسوا أحداً من رحمة الله )) . (2)
__________
(1) …الوسياني : سير (مخ) ، ج1 ، ص3 ، ولكن الدراجيني استبعد أن يقع مثل هذا العبث بأحكام الله من الشيخ ، فقال (( وعمروس أجل من أن يتجاوز إلى هذا القدر ، أو ينسب إليه هذا التهاون )) فأوله بأنه توبيخ مؤدب مع الشيخين لأنهما أعلى منه مرتبة حتى يعدلا فتواها ، إلى أن قال : (( وهذه إحدى فضائله ، لا ينسب إليه غير هذا )) . الدرجيني : طبقات ، ج2 ، ص322 .
(2) …الشماخي : السير ، ص227 . قال الشيخ على يحيى معمر : (( لقد كان أبو مهاصر شديداً وهو يرى أن يلزم صاحب الخرج أن يبحث عن صاحبه أو ورثيه مهما كلفه الأمر ، ولن يبرئه من التباعة غير ذلك ، أما عمروس فقد كان أعمق فهماً لأسرار الشريعة .. وقد أصبح قول عمروس هو القول المعمول به في الأحوال المشابهة )) . الإباضية في ليبيا ، القسم الأول ، ص140 .
حدث جماعة من المشايخ أن أبا مهاصر خرج سنة من السنين إلى البادية في أوان الربيع هو وعمروس بن فتح رحمهما الله ، فلبثا أياماً على غير ماء في برية من الأرض ، لا يجدون ما يتوضؤون به ، إنما كانوا إذا حضرت الصلاة تيمموا وصلوا ، وتكدر خاطر أبي مهاصر لذلك ، حتى قال ذاماً لهذه الحال : (( قلوب تربو عليها الشحوم مما سمنت ، ووجوه تعلوها الغبرة ، قلت سلامة الدين مع أهل الوبر ، إنما الدين في المدر ، والله لا يجمل بنا أن نترك الدين لاتباع شهواتنا ، وإني لأخاف أن أكون ممن عاب الله عز وجل ، فقال فيهم : { أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا } (1) (( فرد عليه عمروس بأن قال له : (( ليس في ذلك ما تخافه ، فقد أباح الله التيمم عند الضرورة ، فأبان ذلك في كتابه ، وعلى لسان نبيَّه - صلى الله عليه وسلم - ، وذلك في ابتغاء الفضل ، وقطع الفيافي ـ المجاهل من الأرض ـ وقال : { وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ } (2) وقال : { عَابِرِي سَبِيلٍ } (3) وقال : { فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء } (4) )) فلم يقنع ذلك جميعاً أبا مهاصر بل أرتحل راجعاً إلى منزله . (5)
__________
(1) …الآية 59 من سورة مريم.
(2) …الآية 10 من سورة الجمعة.
(3) …الآية 43 من سورة النساء.
(4) …الآية 43 من سورة النساء.
(5) …الدرجيني : طبقات ج2 ، ص306 .
من أهم الحسنات التي سجلها له التاريخ ، هو استنساخه لمدوَّنة أبي غانم بشر بن غانم الخراساني ، هذا العالم الذي مرَّ بالشيخ عمروس بجبل نفوسة ، فأودع عنده مدوَّنته التي رواها عن حملة العلم ـ تلاميذ أبي عبيدة مسلم بن أبي كريمة ـ في الفروع ، وهو قاصد وجهة بغداد المغرب ـ تيهرت ـ لزيارة الإمام عبد الوهَّاب بن عبد الرحمن... فأفتى عمروس لنفسه باستنساخ الوديعة رغم أنَّه لم يستأذن صاحبها (1) فأملتها عليه أخته حتَّى أتمَّاها ، وردها في مكانها ، وعندما رجع أبو غانم إليها اكتشف ذلك ، بعلامة وقعت على الأصل وهي نقطة حبر لم ينتبه إليها عمروس ، أو تعمدَّها . فقال له : (( أسرقت هذه ؟ )) قال : (( نعم ، سمَّاني سارق العلم )) إخباراً لا أمراً . (2)
وكأنه بهذا يشير إلى جواز استعمال وديعة من هذا النوع بمثل هذه الطريقة ، إذا كانت في صالح المسلمين .
__________
(1) …يشير الوسياني إلى أنه استأذنه فأبى .
(2) …ويقول عنه الدرجيني : (( وكأن الكتاب في اثني عشر جزءاً. وفي إثر هذا كان ما كان من إتلاف ديوان تاهرت غصباً وحرقاً ، ولولا تمسك عمروس بهذا الكتاب لم يبق لأهل المذهب بجهات المغرب ديوان يعتمد عليه ؛ وذلك بحسن نية عمروس وبركته ويمنه )) انظر : الوسياني : سير (مخ) ج1 ، ص4 . الدرجيني : طبقات ، ج2 ، ص323 . الشماخي : السير ، ص228 . الباروني : الأزهار ، ص253 . علي يحيى معمر : الإباضية في موكب ، الإباضية في ليبيا ، القسم الأول ، ص128 . وهذه المصادر كلها تعلق على فعل عمروس وتحمده .
لما حضرت الوفاةُ أمَّ عمروس أوصت بوصايا وأشهدت عليها... فقيل إلى من تفوّضين تنفيذ هذه الوصايا ؟ قالت إلى ذلك الذي في مهدي فأشارت إلى عمروس الرضيع... فلما بلغ أشده شرع في تنفيذ الوصايا في وجوهها ، إلا وصيتها بالحج فقد توقف عنها . لماذا ؟ لأنه لا يعرف منزلة أمة من الولاية والبراءة... وجعل يسأل في جهات من نفوسة عن أحوالها ، فلم يجد من يعرف حالها وتولاها غير امرأة واحدة ، فتولاها لذلك وحج عنها...
ويريد من هذا العمل أن يرشدنا إلى أمرين هامين في مجال العقيدة :
أن الحجة في ولاية الدين يمكن أن تقوم بشهادة النساء والعبيد إذا كانوا ممن قبل قوله وتقوم به الحجة .
أن الذي يحج عن غير متولى فإنه غير مرضى الفعل ولا مشكور الحال... (1)
والثالثة تتمثل : في جواز استخلاف الوارث على تنفيذ الوصية ولو كان في المهد صبيا .
كانت لأبي محمد ملي الإيدر في بقرة تحلبها امرأة كل صباح دون أي جهد ، وذات مرة مرة ركضت فدفقت قدح الحليب على غير عادتها فلما شكت الزوجة لبعلها قال : ما هذا إلا لنازلة سوء شنيعة نزلت بالجبل فأخذ عكازه وخرج مبادراً ، فأتى مجمع أهل الجبل ، فوجدهم مختلفين على رجل ينكل ويجلد ، فسألهم عن شأنه فقالوا له : جاء في كتاب الوالي... فقال : أبسواد في بياض تهرق الدماء يا نفوسة ؟ أو قال : يا معشر المسلمين ؟ فقالوا لعمروس : جاوبه... فقال : إذا قيل الحق بطل الجواب... قال : فسألوا عن الرجل فغدا هو غير المكتوب فيه... فقال لهم عمروس : إذاً قصوا ضربه... فأعطوا ديته فأعطى فيهم عمروس سهمه... (2)
__________
(1) …الوسياني : سير (مخ) ، ج1 ، ص6 . الدرجيني : طبقات ، ج2 ، ص325 .
(2) … الوسياني : سير (مخ) ، ص14 . الدرجيني ، طبقات ، ص334 .
لما سمع عمروس بموت الشيخ أبي مهاصر موسى بن جعفر رضي الله عنه أكبر المعارضين لفتاويه ـ سارع ليبلغ جنازته ، فوصلهم وهم يجعلون التراب على قبره ، فوضع عليه يده فقال : (( الآن يا أخي أمنت لك )) . يعني من همزات عدو الله إبليس ومكائده...
وفي الحديث : (( إن إبليس يأتي المؤمن عند خروج روحه ويكيده ، ويقول له : سلمت منّي آمنك منك الآن يا عدو الله )) يعني ذلك الشيخ عمروس رضي الله عنه أجمعين لا يعني غير ذلك (1) قال الشماخي : قال الجهال : استراح منه وتأولوه لأموره الدنيوية... أعني جهال إفطمان بلد أبي مهاصر... (2)
قبيل خروجه للجهاد الذي حظي فيه بالشهادة كتب وصيته ومكنها ورثته فقال لهم (( اعملوا بما فيها وأنا خصيمكم غداً بين يدي الله )) (3)
مكانته العلمية
يقول أبو زكرياء يحيى بن أبي بكر : (( وكان عمروس عالماً كبيراً... )) (4) وقال : (( وكان حافظاً فاطناً حاضر الحجة )) . (5)
وقد وصفه الشيخ الدرجيني قائلاً : (( بحر العلوم الزاخر ، المبرز أول السباق وهو الآخر ، الضابط الحافظ المحتاط المحافظ ، لم تشغله المجاهدة في الله عن دراسة العلوم ، ولم يلهه التبحر في العلم عما تعين عليه من مصادفة تلك الهموم... لازم الدرس والاجتهاد ثم رابط على الجهاد... (6) ولم تزل الأمثال مضروبة به بعلومه وآدابه ، وحيال ذوي الآمال متعلقة بأهدابه إذ كان علم الدين يقتدى به )) (7)
__________
(1) …الوسياني : المصدر السابق ، ص22 .
(2) …الشماخي : السير ، ص228 .
(3) …الوسياني المصدر السابق ، ص4 ، الدرجيني ، طبقات ص323 ، الشماخي المصدر السابق ص228 .
(4) …سير الأئمة وأخبارهم ، ص99 .
(5) …نفس المصدر السابق .
(6) … الدرجيني : طبقات ، ص320 .
(7) … المصدر السابق ك ص321 .
وروى أبو الربيع سليمان بن عبد السلام الوسياني عن أشياخه أن عمروساً عالم غاية زمانه . (1)
قال الشيخ علي يحيى معمر : (( كان عمروس من أكبر أئمة العلم والدين وله أقوال إنفرد بها وحسب من أجلها إماماً )) . (2)
وذكر الشيخ سليمان الباروني أنه استشهد من نفوسة في وقعة مانو أربعمائة عالم فيهم من المشاهير والعلماء الكرام أبو ميمون وعمروس وماطوس . (3)
وذكره الأستاذ بحار إبراهيم من بين مشاهير علماء تيهرت فقال : (( ويشغل عمروس بن فتح النفوسي مكاناً بارزاً في طبقات الإباضية إذ كان عالماً غاية زمانه... (4) وقد صنفه الدرجيني في كتابه طبقات المشايخ بالمغرب في الطبقة السادسة (250 ـ 300 هـ) (5)
وذكره الشيخ أحمد بن سعيد الشماخي في سيره عند تسمية شيوخ نفوسة ثالثهم (أبو حفص عمروس بن فتح من أمو ساكن) . (6)
__________
(1) … الوسياني : سير (مخ) ، ج1 ، ص2 . علي يحيى معمر : الإباضية في موكب التاريخ ، ج2 . الإباضية في ليبيا ، القسم 1 ، ص139 .
(2) … الوسياني : سير (مخ) ، ج1 ، ص2 . علي يحيى معمر : الإباضية في موكب التاريخ ، ج2 . الإباضية في ليبيا ، القسم 1 ، ص139 .
(3) … الباروني : الأزهار الرياضية في أئمة وملوك الإباضية ، ج2 ، ص282 .
(4) … إبراهيم بحار : الدولة الرستمية ، ص326 .
(5) … الدرجيني : ج2 ، ص326 .
(6) … الشماخي : السير ، ص590 .
سافر إلى الحج مع جماعة من أصحابه فدخلوا إلى مجلس علم يتصدره الشيخ محمد بن محبوب بن الرحيل العماني ، فأدنى مجلسهم دون أن يتعرف على أعضاء الوفد...وأثناء تجاذب الفتوى بين الحاضرين ألقى عمروس سؤالاً... فقال ابن محبوب : إن كان أبو حفص في شيء من هذا البلد فهذا السؤال منه فقالوا له هو السائل : فرفع ابن محبوب مجلسه وزاد في دنوه فجعل عمروس يسأله في مسائل الدماء وأكثر ، فقال ابن محبوب : هذا من مكنون العلم فلا يعلن به في قوم جهال ، فقال عمروس لأصحابه : إحفظوا السؤال أحفظ لكم الجواب فلما قدموا نفوسة ، قال عمروس : هلموا ما تكلفتكم ، قالوا : لم يبق معنا إلا قولك إحفظوا السؤال أحفظ لكم الجواب لنرد بها على إخواننا . ثم إن عمروساً أعادها مسألة مسألةَ . (1)
قال الشيخ عبد الرحمن بكلي : (( الإمام عمروس بن فتح المساكني النفوسي إمام من أئمة الدين وكهف من كهوف العلم في القرن الثالث الهجري )) . (2)
أرسل له أحد الأشياخ من علماء فزان رسالة يطلب منه أن يؤلف له كتاباً في الأصول ، فكتب إليه الكتاب المعروف بـ (( العمروسي )) وكتب إليه رسالة فلما رآه الفزاني ـ وهو الذي ألف الكتابين المعروفين بأصول الكلام ـ قال النفوسي أعلم مني... (3)
مميزاته وعصره
مميزاته :
فمن خلال ما استعرضنا في الأبواب السابقة تتجلى لك مميزات الشيخ فيما يلي :
الورع والتقوى : وكان له الحافز على العدل في القضاء ، كما أنه لم يسمح لنفسه بالحج عن أمه حتى يجد من زكاها له في الولاية .
الذكاء والاجتهاد : يمكن أن تتجسد ذلك من خلال بعض النماذج التي وضحتها لك في باب القضاء والفتاوى .
__________
(1) … الوسياني : سير (مخ) ، ج1 ، ص6 ، الدرجيني : طبقات ، ج2 ، ص324 ، الشماخي : السير ، ص227 .
(2) … الجيطالي : قواعد الإسلام ،ج1 ، ص12 ، تحقيق الشيخ عبد الرحمن بكلي .
(3) … الشماخي : السير ، ص229 .
حب العلم : والدليل هو : المدة التي قضاها في التعلم ، ثم تخصصه في الفتوى ، وكذا استنساخه للمدونة .
تقدير العلماء : يظهر ذلك جلياً في قصته مع داود بن ياجرين وماطوس بن هارون في إجازته شهادة أهل شروس كلهم .
إحقاق الحق : إن اقتحامه لأكثر القضايا ولو لم ترق الوالي أو الخصم يكفي دليلاً لذلك .
حب الجهاد : ولا أدل على ذلك من عدم تمكن العدو منه إلا بعد أن نصب له فخاً لإسقاطه .
الشجاعة والإقدام : فهو لا يخاف ممن يعارضه في فتوى ولو كانت نقيض رأي الحاكم ولا أدل على هذه الشجاعة من عدم الخضوع لابن الأغلب في طلب العفو منه .
عصره :
لقد وجد الشيخ عمروس في ظروف سياسية مضطربة لم تعرف الاستقرار إلا في فترات متقطعة قصيرة...
ففي المغرب : نجد ثورة ابن فندين ـ ثورة ابن السمح ـ ثورة نفات بن نصر ـ فتنة ابن عرفة ـ غارات الأغالبة على الدولة الرستمية وولاية نفوسة والقيروان ـ وقعة مانو ـ فتنة زواغة مع والي نفوسة ـ فتنة ابن طولون ، وعلى النقيض من هذا نجده قد عايش الازدهار العلمي الذي يعد فيه الشيخ واحداً من نماذجه ويكفي أن نعرف أن وقعة مانو فقط حصدت أربعمائة عالم من نفوسة وحدها ، ولا ندري كم حصدت الثورات الأخرى ليتجسد لنا هذا الازدهار الفائق في تيهرت .
كما أنه عايش أيضاً الازدهار الاقتصادي الذي امتاز به عصر الدولة الرستمية وضواحيها... هذا الازدهار الذي مد جذوره إلى السودان وغانا ومالي وتشاد وسجلماسة ، وشارك في نشر الإسلام في هذه الربوع التي لم يصل إليها الفتح الإسلامي إلا من خلال القوافل التجارية الآتية من شمال إفريقية . (1)
__________
(1) … لمزيد من المعلومات راجع : كتاب الدولة الرستمية ، للأستاذ بحاز إبراهيم .
أما في عمان بالمشرق : فإننا نجده في عمان قد عاصر إمامة غسان ابن عبد الله اليحمدي (207هـ) ـ وعبد الملك بن حميد (ت226هـ) ـ والمهنا بن جيفر (277هـ) ـ والصلت بن مالك الخروصي (ت273هـ) ـ وراشد بن النظر اليحمدي (ت277هـ) ـ وعزان بن تميم الخروصي (ت280هـ) ، ولقد كان الرخاء والاستقرار يسود عهود الأئمة الأربعة الأولى بصفة عامة لولا تقطعه بفترات من الكوارث الطبيعية والبشرية أما في عهد الإمام الخامس فقد عمت فيه الفوضى والتعصب للقبيلة ( عدناني ، يماني ) وبلغ أشده في عهد الأخير منهم فانتشرت الفتن الداخلية بين القبائل وتوالت حتى استنجد المضريون لخلع الإمام بعامل المعتضد العباسي محمد بن بور في عمان فاستغل الخليفة الفرصة لاحتلال عمان فأمد الوالي بخمسة وعشرين ألف مقاتل فأسفرت المعركة عن قتل الإمام وعدد كبير من العمانيين منهم أربعمائة عالم إلى أن بويع لمحمد بن الحسين الخروصي سنة 282هـ ، وثمانية آخرين إلى سنة 320هـ . ومع ذلك لم تخل من علماء أجلاء لهم باع طويل في التأليف والمناظرة مثل : موسى بن علي بن الحصين العنبري وبشير بن المنذر ـ أحد حملة العلم ـ ومحمد بم محبوب بن الرحيل ـ الذي التقى به الشيخ عمروس في مكة ـ وأبو المؤثر الصلت بن خميس وغيرهم كثير... (1)
أما في بغداد : فقد تعاقب على الخلافة الإسلامية هارون الرشيد (ت: 193هـ) ـ والأمين (ت: 198هـ) ـ والمأمون (ت: 218هـ) ـ المعتصم (ت: 227هـ) ـ والواثق (ت: 232هـ ) ـ المتوكل على الله (ت: 247هـ) ـ المنتصر (ت: 284هـ) ـ المستعين بالله (ت: 252هـ) ـ المعتز (ت: 255هـ) ـ المهتدي (ت: 256هـ) ـ المعتمد (ت: 279هـ) ـ المعتضد (ت: 289هـ) .
__________
(1) … لمزيد من المعلومات راجع : كتاب عُمان تاريخ يتكلم ، لمحمد بن عبد الله السالمي وناجي عساف ، والعقود الفضية في أمور الإباضية ، للحارثي ، ص256 .
وهذه القائمة الطويلة دليل على عدم الاستقرار السياسي في عاصمة الدولة العباسية ، وهذا لا ينفي وجود ازدهار مرموق في الجانب العلمي والاقتصادي .
أما في الأندلس : فقد شهد أواخر أيام عبد الرحمن الداخل (ت: 172هـ) ، ثم ولاية هشام الأول (ت: 181هـ) ، ثم ولاية الحكم الربضي (ت: 206هـ) ، ثم ولاية عبد الرحمن الثاني (ت: 238هـ) ، ثم ولاية الأمير محمد الأول (ت: 273هـ) ، ثم ولاية المنذر (ت: 275هـ) ، ثم ولاية عبد الله بن محمد (ت: 300هـ) . وبذلك يكون قد عاصر أيام تكون الدولة الأندلسية وأيام شبابها التي لم تخل ازدواجية بين السلم والحرب مع الداخل والخارج ، وبين الازدهار الاقتصادي والعلمي والتطور الاجتماعي ، فمثلاً عاصر عالم الطيران والكيمياء والفيلسوف الشاعر يحي الغزال ، والأديب الكبير أحمد بن عبد ربه . كما شهد عصره توسع مسجد قرطبة والتطور العمراني بالأندلس .
غير أن الشيخ فيما يبدو لم يكن له أي اتصال بهذه الحركات الحضارية في أطراف الدولة الإسلامية ، إلا ما كان عرضاً في آخر حياته من حروب نفوسة مع الأغالبة ، أو سفراً قاصداً أثناء لقائه مع ابن محبوب في مكة .
ولعل السبب يكمن في اكتفائه بالحركة العلمية بالمغرب الإسلامي ، وكذا ارتقائه منصب الصدارة العلمية في هذه الحركة حيناً من الدهر .
شخصيات لامعة عاصرها الشيخ
أثناء جمع معلومات الترجمة عثرت على كثير من الشخصيات الإباضية وغير الإباضية ، ذات المكانة العلمية أو السياسية التقى بها الشيخ أو عاصرها ، وهي مؤثرة في الأحداث بصورة أو بأخرى ، خاصة في مواطن الإباضية بالمغرب . ولعلك ـ أخي القارئ ـ قد التقيت مع أكثرها في الفقرات السابقة للترجمة ، فرأيت من الأفضل أن أحصرها لك في هذه القائمة ليسهل عليك ضبط تأثيراتها المباشرة أو البعيدة في تكوين حياة الشيخ وترقيتها .
الشخصية... علاقتها بحياة الشيخ... مصادر ترجمتها
أبو الحسن الأبدلاني... الفقيه الشهير ومنجد تيهرت... الشماخي : السير ، ص172
أبو بكر بن أفلح... إمام بتيهرت قتل ابن عرفة في عهده... الباروني : الأزهار ، ص222
أبو ذر أبان بن وسيم النفوسي... وال على جبل نفوسة وعالم... الباروني : الأزهار ، ص219
أبو عبيدة بن الأعرج... فقيه من تيهرت... الباروني : الأزهار ، ص243
أبو عبيدة عبد الحميد الجناوني... وال على جبل نفوسة... الباروني : الأزهار ، ص143
أبو مهاصر موسى... عالم صاحب الشيخ... الشماخي : السير ، ص198
أبو ميمون... عالم وشهيد موقعة مانو... الشماخي : السير ، ص232 ، ص269
أبو نصر التمصمصي... عالم التقى به الشيخ... الشماخي : السير ، ص202
أحمد بن الحسين... عالم التقى به الشيخ... الشماخي : السير ، ص328
أفلح بن العبَّاس النفوسي... وال على جبل نفوسة وعالم... الباروني ، الأزهار ، ص245
أفلح بن عبد الوهَّاب... إمام بتيهرت وعالم... أبو زكريا : سير ، ص85
أيُّوب بن العبَّاس... وال على جبل نفوسة وفارسها... الباروني : الأزهار ، ص152
إبراهيم بن أحمد الأغلبي... قائد جيوش وقعة مانو... أبو زكريا : سير ص107
إلياس النفوسي ، أبو منصور... وال على جبل نفوسة وعالم... الباروني : الأزهار ، ص251
الطيب بن خلف بن السمح... زعيم معارضة لوالي نفوسة... الباروني : الأزهار ، ص277
بشر بن غانم ، أبو غانم... عالم من خراسان التقى بالشيخ... ابن خلفون : أجوبة ، ص11
جنا التنزغتي... عالم وشهيد وقعة مانو... الشماخي : السير ، ص203 ، 269
خلف بن السمح بن عبد الأعلى... زعيم معارضة لإمامة أفلح... الباروني : الأزهار ، ص168
داود بن ياجرين... عالم من نفوسة... الشماخي : السير ، ص273
سدرات البغطوري ، أبو القاسم... عالم شارك في وقعة مانو... الشماخي : السير ، ص235
سدرات بن إبراهيم المساكني... فقيه مفتٍ في نفوسة... الشماخي : السير ، ص230
سعيد بن أبي يونس القنطراري... عالم شارك في وقعة مانو... الشماخي : السير ، ص214
سليمان الفرَّاء... عالم التقى به الشيخ... الشماخي : السير ، ص262
شيبة... عالم وشهيد وقعة مانو... الشماخي : السير ، ص269
عبد الله بن الخير ، أبو محمًّد... عالم وإمام مسجد... الشماخي : السير ، ص236
عبد الوهاب بن عبد الرحمن ابن رستم... إمام بتيهرت ومدرّس بجبل نفوسة... أبو زكرياء : سير ، ص56
ماطوس بن ماطوس... عالم وشهيد وقعة مانو... الشماخي : السير ، ص265
ماطوس بن هارون... عالم وشهيد وقعة مانو... الشماخي : السير ، ص265
محكَّم الهواري... قاضِ بجبل نفوسة... الباروني : الأزهار ، ص210
محمد بن أفلح ، أبو اليقظان... إمام بتيهرت ومدرَّس ومجادل... الباروني : الأزهار ، ص236
أحمد بن طولون ، أبو العبَّاس... والي المأمون على مصر ومحارب نفوسة... طلس : تاريخ العرب ، ج6 ، ص36
محمد بن عبد الله ، أبو عبد الله... قاض بتيهرت... الباروني : الأزهار ، ص247
محمد بن عرفة... صهر أبي بكر بن أفلح ومساعده... الباروني : الأزهار ، ص223
محمد بن محبوب العماني... عالم التقى به الشيخ في مكَّة... ابن خلفون : أجوبة ، ص122
محمد بن يانس... المفسَّر الشهير ومنجد تيهرت... الشماخي : السير ، ص165
معبد... عالم وشهيد وقعة مانو... الشماخي : السير ، ص242، 269
ملي الإيدرفي ، أبو محمد... عالم وحاكم بجادو... الدرجيني : طبقات ، ص333 الشماخي : السير ، ص284
مهاصر السدراتي ، أبو مرداس... شيخ زاهد وقور التقى بالشيخ... الشماخي : السير ، ص174
مهدي النفوسي الويغوي... المتكلم الشهير ومنجد تيهرت... الشماخي : السير ، ص170
ميال بن يوسف... عالم وشهيد وقعة مانو... الشماخي : السير ، ص269
نفاث بن نصر النفوسي... زعيم فرقة النفًّاثية ومجادل... الباروني : الأزهار ، ص195
هود بن محكم الهواري... المفسر المشهور... هود بن محكم : تفسير ، مقدمة المحقّق
يزيد بن فندين... زعيم معارضة ورئيس فرقة... الباروني : الأزهار ، ص102
يوسف النفوسي ، أبو بكر... عالم بعد وقعة مانو... الباروني : الأزهار ، ص282
يوسف بن محمد ، أبو حاتم... إمام بتيهرت وعالم... الباروني : الأزهار ، ص265
ملاحظة :
ولا شك أنني لم أستقص جميع هؤلاء الأعلام ، وإنما على الأقل جمعت لك أغلبهم ، وقد اكتفيت بذكر مصدر واحد أو أثنين نظراً لأن أغلبها يأخذ بعضها من بعض .
هل هناك عمروس غيره في هذا الميدان ؟
إن المتصفَّح لكتب تاريخ الإباضيَّة يجد " عمروسين " غيره في المغرب ، وثالثهما من الأندلس ، ولكي نسلَّ شيخنا من بينهم كما تسلُّ الشعرة من العجين ، يجدر بنا التعريف بهم للتمييز بينهم .
أبو حفص عمروس بن عبد الله الزواغي :
ذكره الدرجيني في الطبقة التاسعة (400 ـ 450هـ) (1) وقال عنه الشمَّاخي : (( كان شيخاً مذكوراً في أهل الخير والصلاح )) . (2) وله حِكم وفتاوى مبثوثة في كتب اللقط والمعلقات .
أبو حفص عمروس اليفرني :
قال الشماخي : (( وقيل إنّ أهل أمرساون ذبحوا بقرة ولم تتحرّك فسألوا الشّيخ عمروس اليفرني وكان بتميجار... فقال : اجعلوا قطعة من لحمها في الماء فإن نزل فكلوه وإن طفا ولم ينزل فلا تأكلوها )) (3) .
وحسب التّراجم التي بعده وقبله يبدو أنّه من علماء الخمسين الثّانية من القرن السّابع الهجري وأوائل القرن الثّامن الهجري .
عمروس الأندلسي :
__________
(1) …الدرجيني : طبقات ، ج2 ، ص403 .
(2) …الشماخي : السير ، ص495 .
(3) …الشماخي : السير ، ص552 .
كان والياً على طليطلة أيام الحكم بن هشام الأوّل على قرطبة (180ـ 206هـ) وعمروس هذا من أصل إسباني وهو مدبّر فتنة طليطلة ـ يوم الحفرة ـ إذ أقام مذبحة ضّد الثورة التي ثارت على حكم البيت الأموي في الأندلس... فخمدت الأوضاع مؤقتاً لكن سرعان ما تحولت إلى عصيان مدني عصف بالاستقلال الداخلي أكثر من ربع قرن (1) .
وعليه فإنه من الواجب عليك ـ أخي القارئ ـ أن لا تحسب الشّحم فيمن لحمه ورم... وطبعاً لا بدّ من تميز بين صاحب المخطوط وهؤلاء الثّلاثة وغيرهم مّمن لا أعرفهم بالسياق والسّباق والقرائن ، { أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ[6] } (2) .
المراجع المعتمدة في الترجمة
أبو العباس أحمد بن سعيد الشماخي : كتاب السير ، ط حجرية ، القاهرة ، 1301هـ / 1884م .
أبو العبَّاس أحمد بن سعيد الدّرجيني : كتاب طبقات المشايخ بالمغرب ، ت . إبراهيم طلاي ، مطبعة البعث ، قسنطينة ، الجزائر ، 1975م .
أبو زكريا يحي بن أبي بكر الوارجلاني : كتاب سير الأئمة وأخبارهم ، ت . إسماعيل العربي ، مطبعة أحمد زبانة ، الجزائر ، 1399هـ / 1979م .
أبو يعقوب يوسف بن إبراهيم الوارجلاني : الدّليل والبرهان ، ط حجرية ، البارونيّة ، مصر ، 1306هـ / 1889م .
أبو طاهر إسماعيل بن موسى الجيطالي : قواعد الإسلام ، ت . عبد الرحمن بن عمر بكلّي ، المطبعة العربيّة ، غرداية ، الجزائر ، 1397هـ / 1977م .
أبو طاهر إسماعيل بن موسى الجيطالي : قناطر الخيرات ، ت . عمرو خليفة النامي ، القسم الأوّل ، الطبعة الأولى ، مطبعة الاستقلال الكبرى ، القاهرة ، 1385هـ / 1965م .
عبد الله بن يحي الباروني : رسالة سلّم العامّة والمبتدئين إلى معرفة أئمة الدين ، ت . سليمان باشا الباروني ، مطبعة النجاح ، مصر ، 1324هـ / 1906م .
__________
(1) …د. حسين مؤنس : معالم تاريخ المغرب والأندلس ، ص278 .
(2) …الآية 6 من سورة الحجرات.
علي يحيى معمّر : الإباضية في موكب التاريخ ، ج2 ، الإباضية في ليبيا ، القسم 1 ، مكتبة وهبة مصر ، 1384هـ / 1964م .
أبو محمد عبد الله بن حميد السالمي : اللمعة المرضية في أشعّة الإباضية ، ضمن مجموعة ستّة كتب ، غرداية ، الجزائر .
سالم بن حمد الحارثي : العقود الفضيّة في أصول الإباضيّة ، دار اليقظة العربيّة ، سوريا ، لبنان ، 1394هـ / 1974م .
سليمان بن عبد الله الباروني : الأزهار الرياضية في أئمة وملوك الإباضية ، مطبعة الأزهار البارونيّة .
أبو الفضل أبو القاسم بن إبراهيم البرادي : الجواهر المنتقاة في إتمام ما أخلّ به كتاب الطبقات ، ط . حجرية ، القاهرة ، 1302هـ / 1885م .
أبو زكريا يحيى بن أبي الخير الجناوني : كتاب الوضع ، ت . أبو إسحاق إبراهيم أطفّيش ، ط1 ، مطبعة الفجالة الجديدة ، القاهرة ، مصر .
أبو الربيّع سليمان بن عبد السلام الوسياني : سير مشايخ المغرب ، ج1 ، مخطوط بدار التلاميذ بالعطف ، غرادية ، الجزائر .
إبراهيم بم بكير بحّاز : الدّولة الرستمية ، مطبعة لافوميك ، الجزائر .
محمد بن عبد الله السالمي وناجي عساف : عمان تاريخ يتكلم ، المطبعة العمومية ، دمشق ، 1383هـ / 1969م .
ابن عذاري المراكشي : البيان المغرب في أخبار الأندلس والمغرب ، ج1 ، ت . ج . س . كولان وإ . ليفي بروفنسال ، ط2 ، دار الثقافة ، بيروت ، 1980م .
د. حسين مؤنس : معالم تاريخ المغرب والأندلس ، مؤسسة المعارف للطباعة والنّشر ، بيروت ، ط1 ، 1397هـ 1977م .
دار الكتب طرابلس ، دليل المؤلفين العرب الليبيين ، مطابع الثورة ببنغازي ، ليبيا ، 1397هـ / 1977م ,
الحسن بن محمد الوزان الفاسي ، وصف إفريقيا ، ترجمة محمد حجي محمد الأخضر ، ط2 ، دار الغرب الإسلامي ، بيروت 1403هـ / 1983م .
د. محمد أسعد طلس : تاريخ العرب ، ج6 ، ط3 ، دار الأندلس للطباعة والنشر والتوزيع بيروت ، 1403هـ / 1983م .
القسم الثاني
حول التعريف بالمخطوط وإثباته
إثبات نسبة المخطوطة إلى المؤلف
هذا المخطوط النفيس أثبت نسبته إليه القدماء والمحدثون من المؤرخين والمحققين الإباضية وغيرهم ، نذكر منهم :
أبو زكريا يحي بن أبي بكر الورجلاني (ت: 471هـ) في كتاب سير الأئمة وأخبارهم قال : (( وكان عمروس عالماً كبيراً له كتابان في الأصول والفقه .. )) (1)
أبو يعقوب يوسف بن إبراهيم الوارجلاني ( ت: 570هـ ) في الجزء الثاني من كتاب الدليل والبرهان قال : (( وأما قول عمروس فيما يسع الناس جهله فيما ضيقه المشايخ على الناس وسَّعه هو ، قال عمروس : (( والذي يسع جهله من الإيمان حتى يحل تفسيره ، فما كان من تفسير جملة التوحيد ، مثل إنفاذ الحدود على الله عز وجل )) (2) فهذه العبارة مأخوذة من هذا الكتاب نفسه ، فراجعها في ص {11} من المخطوط الأم .
وكذلك ذكر عبارة أخرى من هذا الكتاب نفسه : (( إنما يقيم الحجة في دين الله العالم الغاية الذي لا يوجد على قوله مزيد... )) (3) فراجعها في المتن .
__________
(1) …أبو زكريا : في كتاب سير الأئمة وأخبارهم ، ص99 .
(2) …الوارجلاني : كتاب الدليل والبرهان ، ج2، ط . البارونية ، مصر ، 1306هـ ، ص14.
(3) …المصدر نفسه : ص77 .
أبو القاسم بن إبراهيم البرادي (ق9هـ / 15م) ذكره في الرسالة التي ألفها في تقييد كتب الإباضية (المشارقة وأهل جبل نفوسة والمغاربة) .. حيث استهل به ـ تآليف جبل نفوسة ـ فقال : (( وأما تواليف أصحابنا أهل الجبل فمنها كتاب الشيخ أبي حفص عمروس بن فتح من أهل القرن الثالث... (1) .
أبو العباس أحمد بن عبد الواحد الشماخي ( ت: 928هـ ) في كتاب السير قال : (( وبعث إليه بعض الأشياخ المتكلمين من أهل فزان أن يؤلف له كتاباً في الأصول فكتب إليه الكتاب المعروف بالعمروسي... )) (2) .
القطب محمد بن يوسف أطفيش ( ت: 1332هـ ) استشهد ببعض نصوص هذا الكتاب في موسوعته شرح النيل وشفاء العليل ؛ وحتى صاحب المتن عبد العزيز الثميني رحمهم الله جميعاً (3) .
الدكتور عمر خليفة النامي (؟) ذكره برقم 12 ، ضمن قائمة المخطوطات التي ضبطها عام 1970م ، حيث رآها في زيارته إلى مناطق الإباضية في شمال أفريقيا عام 1968م (4) .
__________
(1) …انظر كتاب الموجز لأبي عمار عبد الكافي الإباضي الذي حققه د. عمار طالبي بعنوان " آراء الخوارج الكلامية " ، ج2 مطابع الشروق ، بيروت ، نشر الشركة الوطنية للنشر والتوزيع ، الجزائر 1978م ، ص287 ، وانظر الجوهر المنتقاة في إتمام ما أخل به كتاب الطبقات لأبي القاسم بن إبراهيم البرادي ، الطبعة البوني ، مصر 1301هـ ، ص219 ، وانظر اللمعة المرضية من أشعة الإباضية لعبد الله بن حميد السالمي ضمن مجموعة ستة كتب ، ص85 .
(2) …الشماخي : السير ، ص229 .
(3) …انظر مثلاً : ج4 ، ص9 . وقارنها بصفحة {9} من مخطوط هذا الكتاب . ج14 ، ص612 ، وقارنها بصفحة {25 } من مخطوط هذا الكتاب .
(4) …. Jornal Of Islamic studies : Adscription of new Ibai manuscripts from North Africa , by A. K . Ennami ,p.80.
عبد الرحمن بن عمر بكلي ( البكري ـ محبس مكتبة البكري التي أخذت منها مخطوطة ( ب ) ـ : 1986م ) ، تقبل الله منه وأجزل مثوبته ، قال في تحقيقه لكتاب " قواعد الإسلام " للشيخ إسماعيل بن موسى الجيطالي : ((... فترك لنا كتباً قيمة... وكتاب الدينونة... )) (1) .
بطاقة تعريف تقنية عن النسخ المعتمدة
وصف المخطوطة ( أ )
مكانها : هي عبارة عن ورقة مزدوجة انفصلت عن مجموع المخطوطة ، وجدتها في مجموعة من مخطوطات شيخنا الناسخ : الحاج سعيد الحاج محمد بن باحمد العطفاوي ، رحمه الله رحمة واسعة ( ت : 1411هـ / 1990م ) في مكتبته بالعطف .
بدايتها : ((... مملوكاً وذلك لقوله تعالى : { كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاء مِنكُمْ }... )) .
نهايتها : ((... فلما كان هذا هكذا ثبت أن الإقامة إنما هي الوقت... تم الكتاب والحمد لله رب العالمين ، على كاتبه لنفسه )) .
عدد الأوراق : 4 صفحات تامة لكنها ممزقة من فوق .
مقاسها : 7,17 سم × 24 سم .
عدد الأسطر : 26 سطراً في كل صفحة .
خطها : مغربي مفهوم واسع ، لولا انفساح عام طرأ على صفحاتها بعوامل الزمن ، ويتخلله اللون الأحمر في عناوينها .
ناسخها : باحمد بن الحاج قاسم بن دادي حني بن باحمد بن عيسى بن الحاج سعيد العطفاوي .
تاريخ النسخ : يوم 11 رمضان المعظم 1296هـ
وصف المخطوطة ( ب)
مكانها : يقع نص المخطوطة ( ب) الذي نقلت منه هذا الأصل ضمن مجلد تحفظه لنا مكتبة البكري ـ العطف ـ ولاية غرداية ( الجزائر ) برقم (م31/ ع1) . وبعدها كتاب فيه فوائد أخذت من شرح الشيخ عمرو بن رمضان الجربي التلاتي للعقيدة الإباضية المسماة : (( مقدمة التوحيد )) .
__________
(1) …ج1 ، ط1 ، المطبعة العربية ، غرداية 1976م ، ص12 .
بدايتها : )) { بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ } . صلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما . كتاب فيه أصول الدينونة الصافية ، تأليف الإمام الفقيه عمروس بن فتح رضي الله عنه وقدس روحه .
الحمد لله أرانا الحقَّ ببرهانه ، وأوضح منهاجه بالحجج المنيرة... فهذه محنة الفصل بين التوحيد وجميع ملل الشرك الخمسة... )) .
نهايتها : ((... ووجوه تربيته تعالى لخلقه لا يحيط بها إلا هو... فلما كان هذا هكذا أثبت أنَّ الإقامة إنما هي الوقت... تم الكتاب والحمد لله ربَّ العالمين... )) .
عدد الأوراق : 24 ورقة أي 47 صفحة .
مقاسها : 5,21 سم × 16 سم .
عدد الأسطر : 24 أو 25 سطراً في كلَّ صفحة .
خطها : مغربي مفهوم ، ويتخلله اللون الأحمر للعناوين والفقرات .
ناسخها : لم يذكر في نهايته وإنما أخذته من المخطوط الذي قبله ، لتشابه الخط ، وهو حاج بن محمد بن بكلي .
تاريخ النسخ : لم يذكر في نهايته وإنما أخذته من المخطوط الذي قبله ، لتشابه الخط . وهو يوم الخميس 1ربيع الثاني 1275هـ
قيمتها : تتمثل في أنها تامة وفي وضوح خطها رغم كثرة أخطائها النحوية والنسخية .
وصف المخطوطة (ج)
مكانها : يقع نص المخطوطة (ج) التي قابلتها على هذا الأصل وصححته عليها في بدايته ، مصورة صورة طبق الأصل ، تحفظها لنا مكتبة المدرسة الجابرية ببني يزقن ـ ولاية غرداية ـ ( الجزائر ) . بعدها : مخطوطة رسالة الحقائق للشيخ أبي القاسم بن إبراهيم البرادي... وغيرها من متناثر الفوائد .
بدايتها : (( { بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ } . صلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما . كتاب فيه أصول الدينونة الصافية ، تأليف الإمام الفقيه عمروس بن فتح رضي الله عنه وقدس روحه .
والحمد لله أنار الحق ببرهانه ، وأوضح منهاجه بالحجج المنيرة... )) .
نهايتها : (( فلما كان هذا هكذا ثبت أن الإقامة إنما هي للوقت... تم الكتاب والحمد لله رب العالمين... )) .
عدد الأوراق : 28 صفحة مرقمة وقد صورت من وجه واحد .
مقاسها : 18سم × 27سم .
عدد الأسطر : 28 سطراً في كل صفحة .
خطها : مغربي رقيق ومتعِب إلا أنه مفهوم .
ناسخها : مجهول .
تاريخ النسخ : مجهول .
قيمتها : تتمثل في أن الناسخ له دراية بالنحو ، وأمين في النسخ وتامة .
عرض المخطوطة ( د )
مكانها : توجد ضمن مجلد به مجموع مخطوطات قيمة في مكتبة الحاج بابكر بن مسعود الغرداوي وهي عند حفيده الأستاذ بابكر الحاج يوسف .
بدايتها : (( { بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ } وبه نستعين {كذا} ، وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
كتاب فيه أصول الدينونة الصافية ، تأليف الإمام الفقيه عمروس بن فتح رضي الله عنه وقدس روحه .
الحمد لله الذي أنار الحق ببرهانه... ))
نهايتها : (( فلما كان هذا هكذا ثبت أن الإقامة إنما هي للوقت... تم الكتاب والحمد لله في 6شعبان سنة 1124هـ )) .
عدد الأوراق : 19 ورقة .
عدد الأسطر : 25سطراً .
مقاسها : 22سم × 16سم .
ناسخها : حسب المخطوط الذي قبله والذي بعده هو السيد يحيى بن عبد الرحيم بن محمد بن عبد الواحد بن عبد الرحيم ابن عبد الواحد الفناص اليفرني .
تاريخ النسخ : 6شعبان 1124هـ .
خطها : مغربي واضّح .
مدادها : أسود وأحمر .
ملاحظة : في وجه كل ورقة منها مكتوب : (( وقف على المصعبيين )) .
قيمتها : أنها تامة ، وخطها واضح ، وتاريخ نسخها أقدم ما في أيدينا من النسخ ، وأهم ما تمتاز به الدقة في الضبط وقلة الأخطاء . لذلك اعتمدناها أمّا لباقي النسخ .
عرض المخطوطة ( هـ )
مكانها : توجد ضمن مجلد به مجموع مخطوطات قيمة بمكتبة الحاج بابكر ابن مسعود الغرداوي وهي عند حفيده الأستاذ بابكر الحاج يوسف .
بدايتها : (( { بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ } ، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما .
كتاب فيه أصول الدينونة الصافية ، تأليف الإمام الفقيه عمروس بن فتح رضي الله عنه وقدس روحه .
الحمد لله الذي أنار الحق ببرهانه... )) .
نهايتها : (( فلما كان هذا هكذا أتيت [ كذا ] أن الإقامة إنما هي للوقت ثم [ كذا ] .
عدد الأوراق : 28 ورقة .
عدد الأسطر : بين 23 و 24 سطراً .
مقاسها : 21 سم × 16 سم .
ناسخها : مجهول .
تاريخ النسخ : مجهول ويحتمل أنها نسخت في القرن الثاني عشر أو الثالث عشر بعد السابقة .
خطها : مغربي واضح .
مدادها : بني وأحمر .
ملاحظة : * تنقصها ورقة واحدة بين صفحة 40 و41 .
* بداية المخطوطة لا بأس به من حيث نقص الأخطاء ، ولكنها في الوسط والآخر مليئة بالأخطاء الإملائية والنحوية وغيرها...
* بعدها نصف صفحة بها فوائد في الأذكار .
قيمتها : أنها تامة إلا خرم ورقة واحدة ، وخطها واضح ، وتاريخ نسخها يبدو أنه قديم نسبيا .
ملاحظة عامة عن النسخ المعتمدة :
نلاحظ أن النسختين ( ب ) و( جـ ) كثيرا ما تتفقان على مواضع الخطأ ، أو السقط... مما يجعلنا نرجح أنهما من أصل واحد ، أو أن إحداهما أماً للأخرى .
ونفس الملاحظة يمكن أن تقال عن النسختين : ( د ) و ( هـ ) . فهما من أم واحدة , ورغم قدم ( د ) أكثر من ( هـ ) فإنه يستبعد أن تكون أماً لها ، لأن في الثانية بعض الإضافات غير موجودة في الأولى .
إثبات عنوان الكتاب
لقد ورد عنوان الكتاب في النسخ المعتمدة على لفظين : في ( ب ) و( د ) و( ج ) كتب : " أصول الدينونية الصافية " بالياء بعد النون الثانية... وفي نسخة ( هـ ) ضبط بلفظ " أصول الدينونة الصافية " بدون ياء بعد النون الثانية ، وهو الأصوب لما يلي :
أن هذه النسخ كلها تتفق في العبارة التي ختم بها باب العقيدة قائلا : (( وقد وصفت في هذا أصول السيرة والدينونة الصافية )) (1) .
من الجانب اللغوي في المعاجم لا نجد المصدر في كلمة " دان " إلا بلفظ " ديانة ودينونة " لا " دينونية " على صيغة النسبة ، ولا مجال للنسبة في هذا المكان ويرد في تعابير الفقهاء قولهم : (( فعل هذا دينونة )) (2) أو (( قال دينونة )) أي اعتقادا صحيحا .
لقد ورد هذا العنوان بلفظ " الدينونة " عند بعض المحققين المتأخرين مثل الشيخ عبد الرحمن بكلي والشيخ فرحات الجعبيري والدكتور عمرو النامي... بينما المتأخرون منهم لو يورده أحد بهذا الاسم إلا النساخ .
فأميل إلى أن النساخ هم الذين وضعوا هذا العنوان له وقد اقتسبوه من وسط الكتاب... والله أعلم بالصواب .
عرض المخطوطة :
تنقسم المخطوطة إلى ثلاثة أبواب رئيسية هي :
قسم العقيدة .
قسم العبادات .
قسم المعاملات .
وفي كل قسم تظهر عناوين مهمة جامعة لمعلومات ذات محور واحد ، تمتاز :
بضبط الحكم مباشرة ولو بدون دليل شرعي في بعض الأحيان ، اعتمادا على الدليل العقلي الموضوعي .
كما أن أسلوب الجدال والرد على مناقض رأي المذهب الإباضي ؛ ومقارعة الحجة بالحجة كان سيد الموقف في أغلب الأبواب . ولكنه كان أكثر وضوحا في باب العقيدة لأنه الميدان الخصيب لذلك النوع من الأساليب .
ومما يلاحظ أيضا في نصوص هذا الكتاب هو تسليط الضوء على بعض القضايا التي كانت محل خلاف أو اعتناء في اوساط الإباضية خاصة سكان جبل نفوسة ؛ بحيث إذا عرضناها على واقع هذه المنطقة اتضح لنا وجه الموافقة ، فمثلا : نجد مسألة الزكاة وبالضبط قسم الأنعام منها وقع فيها الإطناب والتوضيح بصورة ملفتة للانتباه ، والسبب واضح في أن المنطقة كانت منطقة رعي ورعاة وزهاد .
__________
(1) …انظر ص 13 من المخطوط .
(2) …انظر قوله : (( ومن قتل بالدينونة )) ص 27 من المخطوط .
والمثال الآخر : يتضح لنا جليا في عرض فريضة الحج عرضا واسعا أكثر من جميع الفرائض الأخرى ، وخاصة مسألة (( منهيات الإحرام وكفاراته )) ، ولعل السبب يرجع أيضا إلى واقع نفوسة التي وصف أهلها (( بأنهم أكثر الناس حجا وأزكاهم نهجا ، حتى إنهم كانوا يحجون بالنساء والذرية )) . (1)
كما نلاحظ أن هذه الأحكام قد اعتنت بجانب كبير من المعاملات المالية ـ سلبا وإيجابا ـ مثل الغنائم والمواريث التي تنتج عن كثير من الحروب التي خاضتها نفوسة في جبل نفوسة وفي تيهرت ـ بالجزائر ـ إذ أن أكثر إمدادات الحروب إلى الحكم الرستمي كانت من شرآة نفوسة الشجعان .
كما أن تفصيل الكلام في قضية قطاع الطرق والقصاص يبين لنا الأجواء التي كانت تعيشها منطقة المغرب بصفة عامة من كثرة الغارات والاعتداءات على الأموال والأنفس والثمرات ، سواء بين القبائل في الداخل او مع الجيران في الخارج كالأغالبة .
والملاحظة الأخيرة التي لا شك أنك أخي القارئ قد اكتشفتها أثناء تصفحك لفهرس الكتاب هي غياب الترتيب التسلسلي لمسائل بعض الفصول والأبواب . مثل وجود (( مسألة سنن الختان والأذان )) في آخر الكتاب رغم أنهما من مسائل الطهارة والصلاة . وسوف لا تكترث لمثل هذه الملاحظة إذا عرفت أنها ميزة أغلب الكتابات الإباضية في ذلك العصر ، سواء في التاريخ أو الشريعة (2) .
القيمة العلمية للمخطوطة :
يمكن لي أن أحصر القيمة العلمية لهذا الكتاب في أربع نقاط أساسية هي :
__________
(1) …الوسياني : سير ( مخ ) ج 1 ، ص 7 ، الدرجيني : طبقات ، ج2 ، ص325 ، الشماخي : السير ، ص228 .
(2) …لاحظ كتاب : بدء الإسلام وشرائع الدين ، لابن سلام الإباضي ، تح . ق . شفارتز والشيخ سالم بن يعقوب . والكتاب في التاريخ أصلا ، وإنمما سوف تجد فيه العقيدة والشريعة .
تساهم في كشف جوانب هامة عن التأليف عند الإباضية في عهد الدولة الرستمية ، هذه الدولة التي أبيدت معالمها من الجذور بعد أن أحرق الفاطميون مكتبتها (( المعصومة )) العظيمة ، لولا وجود كتب محفوظة هنا وهناك ، يتوارثها الأبناء عن الآباء في جو من السرية والحيطة المتناهيين ، إلى أن وصلتنا ، مثل هذا الكتاب .
أنها توضح لنا جوانب عن شخصية أحد الأعلام المغمورين في التاريخ الإسلامي للقرن الثالث الهجري ؛ هذه الشخصية التي ظلت مضرب المثل عبر القرون ـ للجد والنشاط واغتنام الفرص ـ فبارك الله في عمر الشيخ عمروس لإخلاص نيته في خدمة الإسلام ونفع عباد الله .
لها فضلها في الحفاظ على نصوص من مدونة أبي غانم الخراساني ، بل تلخيص بعضها تلخيصاً يتناسب مع طريقة التأليف في المغرب الإسلامي ، إذ أنها تعرض الإسلام على قوم عجم ليس لهم باع عريض في اللغة العربية ، فيبسط لهم الكلام ويمدده . (1)
إذا استعرضنا نصوص الكتاب إلى المنهجية العلمية في التأليف وجدناها لا تفقد حظها من ذلك ، إذ أنها : تعتمد على الدليل الشرعي والعقلي في أحكامها ، وتستعمل السند ـ ولو كان عاماً ـ في إثبات الترجيحات والاجتهادات الخاصة لكل مدرسة ، واختيار العبارات الواضحة ، حتى يتمكن العامي من فهمها .
أما النقطة التي نفتقرها في المصادر التي تحدثت عن الشيخ وآثاره ، فهو إظهار سبب تأليف هذا الكتاب بصورة مباشرة . ولعل السبب مذكور داخل الكتاب ولكنه غير كافٍ : (( وأردت أن أقصد بكتابي إلى بعض أمور تكون فيه الحاجة مما كلف الله به العباد )) . (2)
ولعله يرجع إلى عدم معرفة هذا الكتاب بعنوانه هذا منذ القديم ، والله أعلم بالحقيقة .
بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
__________
(1) …قارن : أوقات الصلاة ، صلاة الجماعة ، زكاة الإبل ، زكاة الفطر ، الأذان... بما في مدونة أبي غانم الخراساني .
(2) …انظر ص10 من المخطوط .
وبه نستعين (1)
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

القسم الثالث
كتاب فيه أصول الدينونة الصافية
تأليف
الإمام الفقيه
عمروس بن فتح رضي الله عنه وقدس روحه
مقدمة الباب الأول
[ مسائل في العقيدة ]
مقدمة
الحمد لله الذي أنار (2) الحق ببرهانه وأوضح منهاجه بالحجج المنيرة التي قطع الله بها عذر المبطلين ، وشهد بها على أعدائه بما أراد عزّ وجلّ ، لئلا يكون للعاصي (3) في معصيته عذر ، ولا يهلك من هلك إلا بعد إعذار وإنذار ، بعث رسله تترى ، وأنزل كتبه تتلى { لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا } (4) { لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ } (5) .
وأن الناس لم يختلفوا في شيء قط إلا وقد بينه الله في كتابه : { وَلكِن(6) يُضِلُّ مَن يَشَاء وَيَهْدِي مَن يَشَاء وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } (7) { فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ } (8) { فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِّن رَّبِّهِ } (9) { وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء } (10) فلا يصل إليه الخير ، فهو على شبهة من أمره .
__________
(1) …في ( د ) (( وبه نستعين )) . وهو تصحيف .
(2) …في ( ب) : (( أرانا )) .
(3) …في ( د ) : (( للعاصين )) .
(4) …الآية 165 من سورة النساء.
(5) …الآية 42 من سورة الأنفال.
(6) …في ( د ) ( هـ ) : (( ولكن الله يضل...)) وهو خطأ إذ لا توجد آية هكذا .
(7) …الآية 93 من سورة النحل.
(8) …الآية 125 من سورة الأنعام.
(9) …الآية 22 من سورة الزمر.
(10) …الآية 125 من سورة الأنعام.
شرع الله دينه وبينه وأخذ على جميع من علمه إياه (1) الميثاق { لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ } (2) .
وقد عبر الله تعالى قوماً لم يفعلوا ذلك ، فقال عزّ وجلّ : { فَنَبَذُوهُ وَرَاء ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْاْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً } (3) .
وقوله : { إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ } (4).
[ مسائل في العقيدة ]
[ المعاملة بين الموحدين ]
__________
(1) …في ( هـ ) سقط : (( إياه )) .
(2) …الآية 187 من سورة آل عمران.
(3) …الآية 187 من سورة آل عمران.
(4) …الآية 159 من سورة البقرة . وفي ( هـ ) : ((... ما أنزل الله من البينة... )) وهو خطأ .
فأول ما نحن ذاكروه : الإقرار لله بالوحدانية وأنه لا يشبهه شيء من خلقه ، وليس له شريك ، وأن محمداً عبده ورسوله ، والإقرار بما جاء به أنه الحق من الله ، فمن أقر بهذا فقد خرج من الشرك ، فهذه محنة (1) الفصل بين التوحيد وجميع ملل الشرك الخمسة ؛ (2) وإلى هذه (3) كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدعو المشركين ، فمن استجاب له كان مسلما ؛ ثم ابتلاهم الله بعد ذلك بالفرائض ، ومحصهم بها ، فقال عز وجل { الم[1] أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ[2] وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ[3] } (4) بغير الابتلاء (5) إلى قوله { ْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا } (6) في عمل ما أقروا به ، وهم المؤمنون { وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ } (7) أهل الخيانة والتضييع لعمل ما أقروا به ، فسماهم الله منافقين ، اسماً لم يسم به أحداً من ملل الشرك ، فيهم كانت الحدود ، فهم مع المؤمنين ، جرت بينهم الحقوق من المناكحة والموارثة ، وأكل الذبائح ، والمدافنة [ 02 ] مع المسلمين ، وقبول الشهادة ، والقيام على جنائزهم ، والحج معهم ، والقصاص ، وتسويتهم في القود (8) والدية ، فهم بإقرارهم مع المسلمين في الأحكام . لا يبطل منهم بنفاقهم إلا ما أبطله القرآن ، من تحريم ولايتهم ، وتسميتهم بالإيمان وقد نفاه الله عنهم ، وتسميتهم بالكفر والنفاق ، (9)
__________
(1) …المحنة : الصفاء والنقاء .
(2) …إشارة إلى : المشركين ، اليهود ، النصارى ن المجوس ، والصابئين .
(3) …في ( هـ ) : (( هذا )) .
(4) …الآيات من 1 إلى 3 من سورة العنكبوت.
(5) …في ( د ) : (( الابتلى )) .
(6) …في ( هـ ) : (( وليعلمن )) . وهو خطأ .
(7) …سورة العنكبوت : 1 ـ 3 .
(8) …في ( ب ) و( ج ) : (( القود )) والصواب ما أثبتاه من ( د ) و ( هـ ) .
(9) …قوله : (( وتسميتهم بالكفر والنفاق... )) معطوف على قوله : لا يبطل ، ولا يدخل في الاستثناء ، أي يجوز تسميتهم بالكفر ـ كفر نعمة ـ وبالنفاق .
وتحريم التسمية لهم بالشرك ، ما لم ينكروا ما أقروا به (1) من التوحيد وإن كان الكفر يجمعهم .
فكان الناس على ثلاث (2) منازل ، كما قال الله تبارك وتعالى : { إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا } : لنفسه { جَهُولا ً } : لأمر ربه... ثم قال : { لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ } : فهذه منزلتان في الكفر ، { وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ } : أهل الوفاء بالقول والعمل { لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا[73] } (3) .
[ المنزلة بين المنزلتين ]
فهذه ثلاث(4) منازل في الخلق معروفة بأسمائها ، مختلفة في أحكامها ومنازلها ، ومن عدل الله أن يجمعهم من حيث اجتمعوا ، ويفرقهم من حيث افترقوا .
المشرك : المنكر للقول والعمل .
والمنافق : المقرّ بالقول المضيّع للعمل .
والمؤمن : الموفي (5) بما أقر به من القول والعمل .
__________
(1) …في نسخة ( ب ) : (( ما أقروا )) . وهو تحريف .
(2) …في ( هـ ) : (( ثلاثة )) .
(3) …الآية 73 من سورة الأحزاب.
(4) …في ( هـ ) : (( ثلاثة )) .
(5) …في( د ) : (( الموف )) . وهو خطأ إذ لا موجب لحذف الياء .
ولا يسمى أهل النفاق بالشرك ، وإن كان يجمعهم اسم الكفر ؛ كما لا يسمى أهل الشرك بالنفاق ، وإن كانت النار تجمعهم واسم الكفر... فهم كما قال الله : { مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لاَ إِلَى هَؤُلاء وَلاَ إِلَى هَؤُلاء وَمَن يُضْلِلِ اللّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً[143] } (1) . لا هم مع المؤمنين في الاسم والثواب ، ولا هم مع المشركين في الحكم والسيرة ، قال الله : { مَّا هُم مِّنكُمْ وَلَا مِنْهُمْ } (2) .
وندعوهم إلى ترك ما به ضلوا وكفروا ، فمن أبى قبول ما دعونا إليه ورد دعوتنا ، وسفًَّه مقالتنا ، وباين مناصبتنا (3) استحللنا قتاله ، ولا تجاوز سفك دمائهم إلى غنيمة أموالهم وسبي (4) ذراريهم ، محرم ذلك علينا ، لإقرارهم بتوحيد ربهم ، ولا يحرم منهم شيء مما كان أحلّ لنا منهم ، إلا الولاية وتسميتهم بالاسم الذي زال عنهم من اسم الإيمان ؛ وإنما كان السبي والغنيمة في أهل الشرك ، وقد حكم الله بذلك أحكاما ، وسار فيها نبي الله بسيرة معروفة ، اتبعها المؤمنون (5) حين ابتلوا فكنا أتباعاً غبر مبتدعين .
[ معاملتنا لأهل الكتاب ]
__________
(1) …الآية 143 من سورة النساء.
(2) …الآية 14 من سورة المجادلة.
(3) …المناصبة : المقاومة والعداوة
(4) …في ( د ) و ( هـ ) : (( وسبا )) وهو جائز ، فهو سبي يسبي سباءً ، وإنما حذفت الهمزة على عادة غالب النساخ المغاربة على الخصوص . وصححناها هنا وفيما سيأتي تماشيا مع ما يجري في الألسن . ولم نشر إلى ذلك في الهامش لكثرة ورودها ..
(5) …في ( هـ ) : (( المسلمون )) .
وننزل أهل الكتاب حيث أنزلهم الله : أن يقاتلوا حتى يقروا بالجزية عن ذل وصغار ، ونستحل منهم إذا أقروا بالجزية نكاح الحرائر منهم (1) ـ وهم أهل الملل الثلاث : اليهود والصابوون والنصارى ـ ، وقد قال الله في كتابه : { قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ } إلى قوله : { عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ } (2) يعني : عن ذل وهم صاغرون (3) .
وقال : { أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ } : [ 03 ] يعني الحلال كله ، { وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ } : يعني ذبائحهم ، ثم قال : { وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ } يعني الحرائر منهم ، { إِذَآ آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ } : أن تتزوجوهن بمهورهن ، فتبين (4) بقوله : { مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ } (5) ناكحين غير زانين معلنين { وَلاَ مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ } يعني أن يتخذ أحدكم خليلة يزني بها في السر ، فحرم الله ذلك ـ سره وعلانيته ـ كما قال في سورة الأنعام : { وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ } (6) . وفي الأعراف : { قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } (7) .
__________
(1) …في ( هـ ) : ((من نسائهم)) .
(2) …الآية 29 من سورة التوبة.
(3) …في ( ب ) سقط : (( يعني عن ذل وهم صاغرون )) .
(4) …كذا في النسخ والأنسب : (( تبين )) .
(5) …الآية 5 من سورة المائدة.
(6) …الآية 151 من سورة الأنعام.
(7) …الآية 33 من سورة الأعراف.
وإذا حاربوا وأبوا الجزية ، تركنا تحليل ذلك منهم ، لأنهم يسبون في ذلك الحال ، فلا يحل لمسلم أن يتزوج امرأة يحل سبيها لغيره ، ولا نستحل نكاح إماء أهل الكتاب لأن الله لم يذكر في التحليل إلا الحرائر .
ويوطأن(1) بملك اليمين ، لأن الله أحل للرجل ما ملكت أيمانهم ، ما لم يكونوا بمنزلة التي يحرمهن المسلمون، من ذلك : الرواضع ، والمشركات ، وما دخلت بمن يحرمها ، أو دخل بها من يحرمها ، أو ذوات البعولة ، وما يشبه ذلك من الحواجز .
وليس على الرجل وقت (2) عدد في التسري . ولا يتزوج الحر الأمة إلا مضطراً ، ولا يتزوج إلا واحدة ؛ وإن وجد المضطرُ الصبر عن تزويج الأمة فهو خير له ، كما قال الله (3) : { وَأَن تَصْبِرُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ } (4) .
[ معاملتنا مع المجوس ]
وحكمنا في المجوس ما حكم الله فيهم ، وسار به نبي الله عليه السلام : أن يقاتلوا ، حتى يقروا بالجزية ، فإذا أقروا أخذت منهم { عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ } (5) ، ثم تركوا على ما هم دائنون به لأن الله يقول : { لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ } (6) ، وقد يقال : أكره على الدين ، ولا تكره فيه ، ولا تؤكل (7) ذبائحهم ولا تنكح حرائرهم ـ سلما كان أو جربا ـ .
[ معاملتنا مع المشركين ]
__________
(1) …في ( هـ ) : (( يطين )) .
(2) …كذا في النسخ ولعل الصحيح : (( وقف عدد )) . أو معناه انتظار أيام العدة .
(3) …في ( هـ ) : سقط : (( الله )) .
(4) …الآية 25 من سورة النساء.
(5) …الآية 29 من سورة التوبة.
(6) … الآية 256 من سورة البقرة.
(7) …في ( هـ ) : ((وتوكل)) .
وحكمنا في عبدة الأوثان ما حكم الله فيهم وسار نبي الله عليه السلام : القتل (1) حتى يدخلوا في الإسلام ، لا يقبل منهم إلا الدخول في الإسلام ، لا تقبل منهم جزية ، لأنهم ليس لهم دين (2) يقرون عليه . والمجوس يدَّعون أثره من العلم وأنهم ـ زعموا ـ أهل دين آدم ، ولذلك (3) أخذت منهم الجزية... وأما عبدة الأوثان فلا يدعون (4) دينا... وفيهم أنزل الله : { وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ } : يعني شركا ، { وَيَكُونَ الدِّينُ لِلّهِ } (5) . فهذه ملل الشرك فقد ذكرناها ن وبينا السيرة في كل ملة... وفيهم كان السبي والغنائم .
[ معاملتنا للمنافقين ]
__________
(1) …لعل الصحيح : (( القتال )) .
(2) …كذا في النسخ ، والأنسب : (( لأنهم ليسوا على دين )) .
(3) …في النسختين : ( ب ) و( ج ) : (( وذلك )) . والأنسب : ما أثبت في ( د ) و ( هـ ) .
(4) …في النسختين : ( ب ) و( ج ) : (( فلا يدعوا )) . وهو خطأ .
(5) …الآية 193 من سورة البقرة.
وأما المنافقون فهم في ملة الإيمان ، ويجري عليهم ملتهم التي ادعوا وأقروا بها ، وليسوا (1) بملة كملة اليهود والنصارى ، ولكنه إدغال (2) في الدين ، إما شهود في محرم ، أو تحريف في التأويل ، وإنما أصابوا النفاق بمعاص دون [ 04 ] الشرك في هوى (3) مضل ، أو تأويل شبهة في غير حق ، وأهله مقرون بالتنزيل ، ولا يجحدونه ولا ينكرونه ، ويجزي عليهم حكم ما أقروا ، ولا تستحل منهم إلا الدماء ، والبراءة منهم ، لأن الله تبارك وتعالى لم يحل منهم غير ذلك فقال : { مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا } (4) ويبين أنه إنما يحل منهم ذلك إذا باينوا (5) لقوله الله تعالى : { لَئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ } (6) فأما إذا انتهوا (7) عن إظهار نفاقهم تركوا ، قال الله تعالى : { فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ } (8) .
__________
(1) …في ( هـ ) : (( وليسموا )) . وهو خطأ .
(2) …إدغال : من دغل يدغل : أي دخل دخول المريب...وله معنى الخيانة والخلط .
(3) …في النسخ ( ب) و( ج ) و( د ) : (( هواء )) والأنسب ما أثبت من ( هـ ) .
(4) …الآية 61 من سورة الأحزاب.
(5) …في النسخ ( ب ) و( ج ) (( بيانو )) . والصحيح ما أثبت من ( د ) و( هـ) .
(6) …الآية60 من سورة الأحزاب.
(7) …في ( ب ) و( ج ) : (( انتلموا )) .
(8) …الآية 9 من سورة الحجرات.
فلا نجاوز تحليل دمائهم إلى غنيمة أموالهم وسبي ذراريهم ، ونسميهم بالكفر كفر والنفاق كما (1) قالت المرجئة (2) إن كل موحد مسلمُ مؤمنُ ، وإن لم يذر لله حرمة إلا انتهكها ، أو معصية إلا ارتكبهاً ، خلافاً لما قال الله ، وتركا لما حكم جرأة على الله ، ونقصاً لقول الله بمكابرة... وقد شرع الله ديناً نقياً صافياً خالصاً ، ليس فيه ند (3) ولا قذر (4) ولا ظلم ولا منكر ، ولا يدان فيه بمعصية الرب ن ولا يتولى فيه عدو ، (5) وليس يساعدهم على مقالتهم إلا سفيه أو فاجر ، يرتعي في رياض الهوى ويتجرأ (6) في الشهوات (7) ، جرأة العصاة على معصية الله ، وإسخاط ربهم .
[ لمن تمنح الشفاعة ؟ ]
__________
(1) …كذا في النسخ ، والأنسب : (( لا كما قالت )) . وفي ( هـ ) : (( وقالت )) .
(2) …هو إتجاه لبعض الفرق الإسلامية ( اليونسية ، الغسانية... )) .
(3) …ند : نفور . ويمكن أن نقرأ في ( د ) : (( قد )) . وفي ( هـ ) : (( قدا )) . ولعل صوابها : (( قذى )) .
(4) …في النسخ ( ب) و( ج ) و( هـ ) : (( قدر )) أي ضيق .
(5) …في ( هـ ) : (( غدر )) أو (( عذر )) .
(6) …في النسخ : (( يتجر )) . والأنسب ما أثبت .
(7) …في ( د ) (( بيانو )) : (( في شهوات )) والأنسب ما أثبت من باقي النسخ .
وأباح الفساق الحرام ، وقالوا : دونكم التوحيد تنالوا به الدرجة العلى في الجنة بشفاعة (1) محمد عليه السلام ، لو لم يتركوا لله معصية جهلاً كالسائمة (2) من البهائم لا يعرفون البراءة ولا الولاية ، يزعمون أنهم على دين ، وليسوا على شيء حتى يقيموه (3) ولا يعرفون من الدين إلا اسمه ، ويزعمون أنهم على الكتاب وليسوا يعرفون من الكتاب إلا صفته ، ولا يقودهم الكتاب فيما يحل ولا فيما يحرم ، ولا يحكمون بأحكامه ، ولا يسمون بأسمائه ، ويزعمون أنهم من أهل السنة ، وهم ممن أمات السنة (4) ، وينكرون البدعة وهم أهلها ، ويحتجون بالكثرة والظهور والغلبة ، وأن بيت الله الحرام في حكمهم ؛ وليس هذا من الحجة في شيء ، فكم من ولي الله في أيدي أعدائه أسيراً ذليلاً مقهوراً ، وقد ألقي إبراهيم صلوات الله عليه في النار ، وهو على حجة الله ، ولو كان مع الغلبة لكان الذين ألقوه في النار محقين ، ولكان الذين قاتلوا أنبياء الله في سالف الدهر محقين ، ولكان أبو جهل بن هشام ومن معه من مشركي قريش محقين حين أخرجوا نبي الله والمؤمنين من مكة ، ولكان (5) نبي الله وأصحابه مبطلين حين منُعوا من بيت الله الحرام أن يقربوه... قال الله عز وجل : { هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَن يَبْلُغَ
__________
(1) …الشفاعة لغة : الوسيلة والطلب ، وعرفا : سؤال الخير من الغير للغير ، وشرعا طلب تعجيل دخول الجنة أو زيادة درجة فيها من الرب عز وجل لعباده المؤمنين ، فتكون للأنبياء وغيرهم ، ويختص فيها نبينا عليه السلام بفضل الزيادة ، ثم يأتي من بعده . وهي عند الإباضية لا تجوز إلا للتقاة . انظر : السالمي : مشارق أنوار العقول ، ص 289 .
(2) …السائمة : الراعية في غير إسطبلها .
(3) …في ( ب) و( ج ) : (( يقيمون )) . وهو خطأ .
(4) …وهم الذين يرون أن الإسلام قول بلا عمل .
(5) …في النسختين : ( ب) و( ج ) : (( ولو كان )) .
مَحِلَّهُ } (1) . وتركوا حجة الله النيرة ، وأخذوا يخوضون في الأباطل . ألجأهم ثقل كتاب الله واستوحشوا [ 05 ] منه ، ونفروا عن الحق واستأنسوا بالروايات الكاذبة ، وقالوا : ( إن قوما يخرجون من النار ) ، بعد توكيد الله في غير موضع : أن من دخلها خالداً ، وما هم منها بخارجين ، (2) وإنهم ماكثون ، { وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ } (3) . حرفوا مقالة الله وافتروا على الله ، ولا يضرنا خلافهم ـ ولكنا نعلم ـ والحمد لله ـ أنهم كذبه .
__________
(1) …الآية 25 من سورة الفتح.
(2) …في ( هـ ) : (( بمخرجين )) .
(3) …الآية 37 من سورة المائدة.
وأنهم يستحلون شتم الإباضية (1) ، وحتى أنهم يقولون : شتمهم قربة إلى الله ، سفها بغير علم ؛ فبهذا نقض أول كلامهم ، أن جميع أمة محمد عليه السلام ، مسلمون حرام البراءة منهم ، فدينهم متضادد ، ينقض بعضه بعضاً ، وآخر كلامهم ينقض أوله ؛ وفساد مذهبهم أكثر من أن نأتي عليه بكتاب ولا خبر . وإن أولى الناس بالحق من أقامه ، ولم يستنكر مذاهبه ، ولم يختلف قوله ؛ إن أولى الناس بالله من اتبع أمره واستدل بحكمه ، واستدل بأمره ، وسمى الناس بما سماهم الله به في كتابه ، وحكم فيهم بما حكم الله ، ولم يتبع حكمه هوى ، ولا يميل به غضب ، ولا يأخذ المال إلا من حيث أذن الله له : ميراث من كتاب الله ، أو شراء ، أو بيع عن تراض ، أو هبة عن طيبة نفس أهل الهبات ، أو غنيمة من أموال المشركين غير المعاهدين... في طريق الهدى ، مع أهل الهدى ، يدعوهم إلى الهدى ، مع أهل العدل ؛ لا يغل (2) من المغنم ، ولا يستخفي حتى تقسم الغنيمة على جميع أهل العسكر ، ويدفع الخمس إلى الإمام ، ويقسمه فيمن قسمه الله . وإنما يصح الخروج بإمام الهدى أو بإذنه ، ولا يحل أن يصفي (3) أحد لنفسه من الغنيمة شيئاً ، إلا إن نفله به الإمام ، ما خلا طعاماً يأكله لبطنه ، أو علفاً
__________
(1) …الإباضية : فرقة من الفرق الإسلامية المعتدلة أسسها الإمام جابر بن زيد الأزدي العُماني ـ رحمه الله ـ في البصرة ، ولكنها نسبت إلى ناطقها الرسمي عبد الله بن أباض ـ رحمه الله ـ في القرن الأول الهجري ، وهي نقيض الخوارج في مبادئها إلا في قضية رفض التحكيم في معركة صفين ، ولا يزال أتباعها منتشرين في عُمان وشمال أفريقيا . انظر : علي يحيى معمر : الإباضية بين الفرق الإسلامية ، كل الكتاب . وعوض محمد خليفات : الأصول التاريخية للفرقة الإباضية . بكير بن سعيد أعوشت : دراسات إسلامية في الأصول الإباضية .
(2) …يغل : من الغل ، السرقة أو الخيانة في الغنائم .
(3) …كذا في النسخ ، والأنسب : يصطفي .
يعلف به دابته ، وما سوى ذلك فهو مقسوم ، حتى السهم يخرجه الرجل من جسده .
[ الرد على شبهات الصفرية ]
وقالت الصفرية (1) : بتشريك أهل الكبائر من أهل التوحيد ، واستحلوا سبي ذراريهم ، وغنيمة أموالهم جرأة على الله ، ديناً لم يشرعه الله ولم يسن (2) بسيرته نبي الله عليه السلام ؛ وتأولوا على ذلك تأويل شبهة خالفت الحق وخرجت من العدل ، فدخل عليهم من الضلال ما لا نهاية له .
وتناقض قولهم فأجازوا مناكحة أهل القبلة ، وأكل ذبائحهم ، وأجازوا شهادتهم ، والقيام بين أظهرهم ، وأستحلوا نكاح ذوات البعولة من غير موت أزواجهن ولا طلاق ، وانتحلوا (3) الهجرة ، وزعموا أنها كهجرة الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، فهذا مما لا يحصى من فريتهم وخدعتهم ، فأخذوا (4) [06 ] ما أحبوا وتركوا ما كرهوا .
فإن كان أهل القبلة بمنزلة مشركي العرب ، فقد ضلت الصفرية بأكل ذبائحهم وموارثتهم ومناكحتهم .
__________
(1) …الصفرية : فرقة من فرق الخوارج تنتسب إلى زياد بن الأصفر ، يرون أن مرتكب الكبائر مشرك ، وأن التقية تجوز في القول لا في العمل . انظر : مصطفى الشكعة : إسلام بلا مذهب . ص104 .
(2) …كذا في النسختين : ولعل الأنسب : (( يسر )) .
(3) …انتحلوا : نسبوا أنفسهم إلى هجرة زعموها ، والرسول - صلى الله عليه وسلم - يقول : (( لا هجرة بعد الفتح )) . رواه البخاري عن مجاشع بن مسعود وصححه السيوطي .
(4) …في ( هـ ) : إضافة : (( وما أحبوا وتركوا )) .
وإن كانوا بمنزلة المجوس ، فذلك في المناكحة والذبائح وقبول الشهادة وترك ضرب الجزية عليهم . وإن كانوا بمنزلة أهل الكتاب فليضربوا عليهم الجزية إذا أسلموا ، وليحرموا نساءهم على رجال قومهم ، وليحرموا منهم الموارثة ، وإن كانوا من أهل التوحيد فقد ضلوا باستحلال سبي ذراريهم وغنيمة أموالهم... يشبهون قومهم في بعض سيرتهم بالمسلمين ، وفي بعض يشبهونهم باليهود والنصارى ، وفي بعضها يشبهونهم بأهل اللات والعزى ، يستحلون غنيمة أموالهم ، ثم يقاسمونهم الميراث بكتاب الله !!
وعن النبي عليه السلام أنه قال : (( كل ما يورث حرام غنيمة وكل ما لا يغنم (1) حرام ميراثه )) (2) لأنه لا يجتمع في مال سيرتان : سبي وغنيمة بكتاب الله . واستحلوا نكاح نساء قومهم بكتاب الله ، ثم استحلوا سبيهم (3) مع ذلك ، ولا يجتمع حكمان في امرأة : نكاح بحلال ، وسبي بحلال .
وضلالتهم أكثر من أن أصف جميعها ، وقد ذكرت بعضها .
وقالت فرقة أخرى : لا ندري أي منزلة نضيف إليها المحدثين من أهل القبلة ، وذلك أسلم لنا وأحرز من الإثم ، وذلك أرضى لله ، أن (4) لا نقع في شيء من الخطأ لأن الناس اختلفوا فيهم فقال بعضهم مؤمنون مسلمون ، ثابته لهم الولاية والإيمان إيمانهم كإيمان المرسلين (5) والملائكة وجميع المؤمنين ، ليس أحد من أنبياء الله ورسله وملائكته أفضل منهم إيماناً... إيمان من لا يترك لله معصية إلا ارتكبها !
__________
(1) …في نسختي ( ب) و(ج ) : (( ما يغنم )) وهو الأظهر .
(2) …قال القطب : (( رواه تبغورين ، ولم ينسبه ، وهو حجة )) شرح النيل ، ج15 ، ص340 .
(3) …كذا في النسخ ، والصحيح : (( سبيهن )) .
(4) …في ( هـ ) سقط ( أن ) .
(5) …في ( ج ) : (( كإيمان المسليمن والمرسلين )) .
كإيمان جبريل وإسرافيل (1) والملائكة والرسل ؟ ! لا يضر ـ زعموا ـ مع التوحيد كبير ولا صغير ؟ ! (2) التائب من الذنوب والراجع عنها كالمصر عليها والمتمادي فيها ؟ !
وأشنع من هذا مما وصفته المرجئة ، وما دخلوا فيه من تشبيههم ربهم وتحديدهم له ، وما وصفوه به من الزوال والانتقال ، وما ردوا من تنفيذ وعيد الله ، وهم أشبه بقول اليهود { وَقَالُواْ لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً } (3) .
وقالت طائفة أخرى وهم الصفرية : إن المحدثين من أهل القبلة كأهل حرب نبي الله ، فمن شك في شركهم فهو مشرك ، يحل منهم ـ زعموا ـ ما يحل من المشركين من الاسم والحكم والسبي .
وقالت طائفة : ضألون منافقون ليسوا بمشركين ؛ فهذه مقالة أهل العدل (4) .
[ نقض شبهات المعتزلة ]
وقالت المعتزلة (5) : ما أشركوا ولا كفروا ولا نافقوا ، ولكنهم ضلوا ضلالاً لا يبرئهم من الإيمان ، وليسوا [07 ] بمؤمنين ، ولكنهم ضلوا وفسقوا ، حرام ولايتهم وتحل البراءة منهم ؛ ثم أدخلوا في ولايتهم الشكاك الذين قالوا : لا ندري أي الاسم (6) أصابوا ، ولا حيث نزلوا وتولوا المرجئة الذين أثبتوا الإيمان والولاية لمن نفته عنه المعتزلة بدين ، فهم أحمق ! كل فرقة إنما تعتقد أصلا واحداً وتبتي عليه ، وهم يعتقدون ثلاثة أديان ، يستحلون في دين ما يحرمون في غيره ، لأنهم يحرمون ولاية المحدثين .
__________
(1) …في ( هـ ) : (( وميكائل )) .
(2) …الكبير والصغير : يعني به كبيرة ولا صغيرة من الذنوب .
(3) …الآية 80 من سورة البقرة .
(4) …أهل العدل يقصد بهم الإباضية .
(5) …المعتزلة أو أهل العدل والتوحيد : فرقة إسلامية تعتمد على التأويل والعقل في استنباط الأحكام من أدلتها الشرعية ، ومؤسسها هو واصل بن عطاء ( ت : 131 هـ ) ومن أعلامها : النظام والجاحظ والزمخشري والقاضي عبد الجبار... انظر : الشكعة : إسلام بلا مذاهب ، ص249 .
(6) …في ( هـ ) : سقط (( الاسم )) .
والمرجئة تستحلها بدين ، فجائز لهم أن يدخلوا في دين من يرونه مسلماً ، ويتركون دينهم بعد إذ علموا .. جائز لهم بعد العلم الرجوع إلى دين الشكاك ، ويرجعون بعد المعرفة شكاكاً حيارى .
وقالوا : أتصفوا لنا من أنفسكم ، واعدلوا الحكم بيننا وبينكم ، وقد وجدناكم تتولون (1) من نزل من ضعفائكم بتلك المنزلة . ولو أن (2) علماءكم يبرءون من رجل بما استبان لهم لم يلزم الغيب (3) من لم يعرف من براءته ما عرف العلماء .
ولو أن رجلاً من الضعفاء (4) تولي رجلاً بولاية العلماء ثم أحدث أمراً خلعته به العلماء ، ولا يفرز ذلك الضعيف علم العلماء ، فثبت على ولايته فتوليتموه !
وكذلك عذرنا نحن المرجئة والشكاك لضعفهم ، وإنما تولوه (5) على ما كان من إيمانه ، وقالوا إنما توليناه على الإسلام ، فكذلك عذرناهما بجهلهما كما عذرتهم ضعيفكم بجهله .
قلنا إنكم قستم أمرين غير مشتبهين ولا متناظرين ، وذلك إنما تولينا ضعفاءنا لردهم إلى علمائهم فيما لم تقم به عليهم الحجة ؛ لأن ضعيفنا يقول : أقف حتى ألقي العالم أو العلماء فأسألهم ، فما حملوني عليه احتملت ، وقولي قولهم ، وديني في الذي جهلت دينهم ؛ فمتى ما قال هذه المقالة ونزل هذه المنزلة كان قد وافق علم العلماء .
وأما الذين يقولون : لا علم أفضل من علمنا ، ولا لله دينا يعبد به أفضل مما كنا عليه ، فهذا قد نصب الحرام ديناً ؛ كما (6) نصبتم ما أنتم عليه ديناً .
[ الدليل على كفر النعمة ]
__________
(1) …في النسختين ( ب ) و( ج ) و( هـ ) : (( تتلون )) وهو تحريف .
(2) …في النسختين : (ب) و( ج ) : (( ولون )) ، وهو تحريف .
(3) …كذا في النسخ : ولعل الصواب : (( الغائب )) .
(4) …الضعفاء : يقصد بهم هنا غير العلماء أي المقلدون .
(5) …في النسختين : ( ب) و( ج ) : (( تولده )) ، وهو تحريف .
(6) …في النسختين : ( ب) و( ج ) : (( كم )) . وهو تحريف .
وقالوا لنا : ما أين علمتم كفر ضلال الإيمان ؟ قلنا : من قبل كتاب الله . قالوا : فأوجدونا ذلك . قلنا : من قبل أن الله أضاف الكافرين إلى النار . قالوا : فأوجدونا ذلك .. أين ذكر الله الزاني كافراً ؟ قلنا : من حيث وقع عليه الوعيد / فحيثما وجدنا الوعيد علمنا أن أصحابه كفار . كما أنا حيثما وجدنا الله وصف قوماً بالكفر علمنا أنهم مضافون إلى النار ؛ لقول الله : { النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا } (1) . وقال { وَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ } (2) ؛ وقال : { إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا... } (3) وقال : { خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُم مُّؤْمِنٌ } (4) . وقال [08] سليمان عليه السلام : { لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ } (5) . مع اجتماع الناس في اللغة المطلقة الجائزة : أن لا تسأل أبدا عالماً أو جاهلاً إلا أخبرك عمن ليس بمؤمن أنه كافر . ولو أنك سألتهم : من أين يزعمون أن الزاني عدو الله ؟ لأنهم ينفذون فيه الوعيد ، ويسمونه فاسقاً ضالاً عدواً لله ؛ قالوا لك : من قبل أنه خرج من ولاية الله ، فلما خرج من ولاية الله استحق عداوة الله ، وليس بين عداوة الله وولايته منزلة ، مع أنكم تقرون لنا أنه عدو الله ؛ قلنا لهم : فعرفنا أنه عدو الله من قبل قوله : { فَإِنَّ اللّهَ عَدُوٌّ لِّلْكَافِرِينَ } (6) وكل عدو لله كافراً ، وإن كنتم من قبلنا عرفتم عداوته فاعرفوا كفره ، فإنا إنما قلنا إنه عدو لله لأنه كافر ، والله عدو للكافرين .
__________
(1) …الآية 72 من سورة الحج.
(2) …الآية 131 من سورة آل عمران.
(3) … الآية 3 من سورة الإنسان. وتمامها : ( إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا ) .
(4) … الآية 2 من سورة التغابن.
(5) … الآية 40 من سورة النمل.
(6) …الآية 98 من سورة البقرة.
وأما قولهم كيف يكون كافرا وليس فيه جميع الكفر ، وكان من قولهم : إن الناس لا يكونون (1) كافرين حتى يستكملوا جميع الكفر ، قلنا لهم لا يكون إذن ضالاً حتى يستكمل جميع الضلال ، وكيف يكون الناس بشيء من الضلال ضالين ، وبشيء من الفسق فاسقين ، ولا يكونون بشيء من الكفر كافرين ؟
وجاء عن النبي عليه السلام أنه قال في خطبة يوم حجة الإسلام ـ ويقال حجة الوداع ـ : (( لا ألفينكم رجعتم بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض )) (2) وقوله حين سأله رجل عن قول الله تعالى : { وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً } (3) فقال رجل : أفي كل عام يا رسول الله ؟ فقال رسول الله عليه السلام : (( لو قلت نعم لوجبت ، ولو وجبت لما قدرتم عليها ، إذن لكفرتم )) (4) وقوله عليه السلام : (( ليس بين العبد والكفر إلا تركه الصلاة )) (5) وقد اجتمعت الأمة (6) على هذه الأحاديث عن رسول الله عليه السلام ، (7) يؤثره عنه عامة العلماء من الموافقين والمخالفين .
__________
(1) …في النسخ : (( لا يكونوا )) ، والصواب : (( لا يكونون )) إذ لا موجب لحذف النون .
(2) …روي الحديث عن عدد من الصحابة : جرير ـ ابن عمر ـ أبي بكر ـ ابن عباس ، في مسند أحمد والنسائي وأبي داود والبخاري مع اختلاف في اللفظ أحيانا وصححه السيوطي . ورواه الإمام الربيع بن حبيب بلفظ (( لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض )) . حديث رقم 756 .
(3) …الآية 97 من سورة آل عمران.
(4) …رواه ابن ماجة والإمام الربيع عن أنس بن مالك برقم 394 .
(5) …رواه الإمام الربيع عن ابن عباس رقم 303 ، وابن ماجة عن أنس بلفظ : ((... العبد والشرك )) .
(6) …اجتمعت : يعني أجمعت .
(7) …في ( هـ ) : (( صلى الله عليه وسلم )) .
وكل عدو لله كافر ، وكل ضال كافر ، وكل فاسق كافر ، والله إذا اشتد في شتم قوم نسبهم من بعد الكفر إلى الضلال ، قال : { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُواْ كُفْرًا لَّن تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الضَّآلُّونَ } (1) . وقال : { وَقَوْمَ نُوحٍ مِّن قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ } (2) .
والكفر اسم عام لجميع الضلالة وليس بخاص ، والشرك اسم خاص لبعض الضلال وليس بعام ، وكذلك اسم النفاق اسم خاص وليس بعام ، والضلال والفسق أسماء عامة . والخروج من الإيمان الدخول في الكفر ، والدخول في الإيمان الخروج من الكفر ، وليس بينهما منزلة ، لأن الكفر ضد الإيمان ، والإيمان تفسير .
وإنما كان الإيمان إيماناً لوجوب الثواب ، وإنما كان الكفر كفراً لوجوب العقاب ، ليس كما يقول من يقول : إنما كان الكفر كفراً لأنه معصية ن وكان الإيمان إيماناً لأنه طاعة ، أو قول [ 9] من يقول : إنما كان الإيمان إيماناً للأمر به ، والكفر كفرا للنهي عنه ، وليس كذلك . يقول أهل النظر : لأنه لو كان الكفر كفراً لأنه معصية للزم أن يكون كل معصية كفراً . ولو كان إنما كان الإيمان إيماناً للطاعة أو للأمر للزم أن يكون كل ما ليس فيه أمر لا يكون إيماناً ، فتخرج كل نافلة يتقرب بها إلى الله من حد الإيمان . ولو أن الكفر إنما كان كفراً للنهي عنه للزم الكفر بكل أمر كان فيه نهي ، وهذا لا يقوله عالم .
[ لا منزلة بين المنزلتين ]
__________
(1) …الآية 90 من سورة آل عمران.
(2) … الآية 46 من سورة الذاريات.
وأما الشكاك فالذين قالوا : لا ندري أي الأسماء أصابوا ، ولا أيهم بلغوا ، يؤول (1) بهم ذلك إلى أن يجهلوا منزلتهم ولا يعرفون أنهم على هدى ولا على ضلال ، لأنهم لو عرفوا أنهم على هدى لعرفوا أن من خالفهم على ضلال ، لأنهم يقرون أنه ليس بين الهدى والضلال منزلة ينزل بها أحد ثم إنهم جمعوا الجبابرة والمحدثين من المتأولين وكلَ صاحبِ شهوة يسمونهم بالإيمان أحياناً ثم يلعنونهم أحياناً بلا (2) علمٍ بموقع اللعنة ، ويستغفرون لهم ويتولونهم بلا علم بموقع الاستغفار ، ويستحلون من أوليائهم ومن مخالفهم (3) أحياناً ما يحرمون أحياناً : يستحلون دماءهم وأموالهم ؛ ثم قالوا : لا نقاتل من قال : (( لا إله إلا الله )) ، ثم يقاتلونهم أحياناً ، ويأخذون أموالهم ، وليس لهم دين موصوف ولا لدين الله عندهم معرفة . وضلالتهم أعجب وأكثر من أن يستطاع صفتها ؛ وكل من وصفت لك من المحدثين يدينون بما يقولون ويدعون الناس إليه ، ويزعمون أن الله نهاهم عن غيره من الأديان ، فهم مستحلون للحرام ومحرمون للحلال .
وقد اختلفت المرجئة فيما بينهم ، والصفرية أيضا فيما بينهم ، والمعتزلة حتى إن منهم من يوسع جهل القيامة والبعث والحساب ، لأنهم جعلوا الإيمان كله توحيداً .
وقد اتفقت المرجئة والصفرية بدءا أن الإيمان كله توحيد ، واختلفوا بعد ذلك في صفته ، فقالت الصفرية : من ترك العمل أشرك . وقال المرجئة : لا يشرك ولا ينافق ، وجعلوا التوحيد بعضه يسع جهله ، وبعضه لا يسع جهله ؛ فلو جعلوا ما يسع جهله من الإيمان غير التوحيد لدخلوا في قول المسلمين .
[ نقض شبهات السبئية ]
__________
(1) …عبارة : (( لا ندري أي الأسماء أصابوا ، ولا أيهم بلغوا يؤول )) سقطت من ( ب) و( ج ) . وفي ( هـ ) بدل (( يؤول )) نجد : (( يدل )) .
(2) …في ( ب) و( ج ) : (( بل علم )) . وهو تحريف .
(3) …كذا في النسخ ، ولعل الأصوب : مخالفيهم .
وأما السبابة (1) فإن كل رجل قلد أمره رجلا من بني هاشم ، فما أحل أحلوه ، وما حرم حرموه ، وإن غير الكتاب والسنة ، والصلاة حول (2) القبلة ، مع أنهم ثلاثة أصناف أو أربعة يسندون أمرهم إلى رجل واحد ، فمنهم من يزعم أنه إله ، ومنهم من يزعم أنه نبي ، ومنهم من يزعم أنه (3) إمام مطاع لا يأمر بشيء إلا كفر من عصاه .
__________
(1) …كذا في ( د ) وفي ( ج ) : (( السيابة )) وسقطت من ( هـ ) . والصحيح هو السبئية : فرقة من فرق الشيعة الضالة المتطرفة التي تنسب إلى عبد الله بن سبأ . وقد بلغ الضلال بهذه الفرقة أن ألهت الإمام عليا وأبناءه واعتقدت رجعة محمد ( - صلى الله عليه وسلم - ) وعدم وفاة على كرم الله وجهه . مصطفى الشكعة : إسلام بلا مذاهب ص 114 .
(2) …في ( هـ ) : (( حولوا )) . ولعل الصواب : (( الصلاة وحول القبلة )) .
(3) …في ( هـ ) : سقط (( أنه )) .
تعليق المستخدم :السبابة هم غلاة الشيعة والله أعلم ..وقد سماهم كذلك أيضا التابعي سالم بن ذكوان الهلالي -رضي الله عنه- في سيرته الطويلة ..وسموا بذلك لكثرة سبهم للخليفتين أبي بكر وعمر -رضي الله عنهما كما أن سياق الشيخ عمروس في كلامه يفيد ذلك .أما السبئية فما عليه بعض المحققين أن قصص عبدالله بن سبأ باطلة لا تصح ..والله أعلم....وليعذرني من حقق الكتاب على هذا التطفل !
فالذين يقولون : إنه إله بريئون من الفريقين ، والذين يقولون إنه نبي رسول بريئون من الفريقين ، والذين [10] يقولون إنه إمام بريئون من الفرقتين ، وهو حي قائم (1) يعرف براءة بعضهم من بعض ، واستحل بعضهم دم بعض ، ثم لا يصلح بينهم ؛ وقد دخل عليهم ما يدخل على الخوارج (2) والمرجئة والمعتزلة من الضلال إلا صنف منهم الزيدية (3) وصف منهم الحسنية (4)
__________
(1) …في ( هـ ) : (( خير قائص )) . ولا معنى له .
(2) …الخوارج : هم مجموعة من المسلمين المعارضين لفكرة التحكيم التي رضي بها الإمام علي كرم الله وجهه وأنصاره في معركة صفين ، هذه المجموعة التي تفرعت إلى فرق عديدة منها : الصفرية والأزارقة والنجدية ، وأما الإباضية الذين ألحقوا بهم ظلما فلا تجمعهم بهؤلاء الخوارج إلا فكرة المعارضة للتحكيم والدليل هو إعلان الإباضية البراءة من هؤلاء الخوارج ومعارضتهم في تطرفهم منذ الإمام الذي تنسب إليه الفرقة (( عبد الله بن إباض )) الذي أعلن معارضته للخروج معهم باستعمال القوة ضد الملوك الجورة فسموا (( قعدة )) . وقد وضح ذلك في رسالته التي خاطب بها الخليفة عبد الملك بن مروان قائلا : (( وإنما نبرأ من ابن الأزرق وأتباعه من الناس ، لقد كانوا على الإسلام فيما ظهر لنا حين خرجوا ، ولكنهم ارتدوا عنه وكفروا بعد إسلامهم فنبرأ إلى الله منهم )) مختصر تاريخ الإباضية ، الباروني ص25 .
(3) …الزيدية : فرقة من فرق الشيعة المعتدلة تنسب إلى زيد بن علي بن زين العابدين بن الحسن بن علي كرم الله وجهه ( ت ـ 122 ) ، وكان أول من أعلن المقاومة بالسلاح ضد بني أمية في عهد هشام بن عبد الملك وهم يوجدون اليوم في اليمن ويعتقدون جواز الإمامة في غير آل البيت بشروط ن ومبدؤهم تميل إلى الاعتزال كثيرا . مصطفى الشكعة : إسلام بلا مذاهب ، ص150 .
(4) …الحسينية : أو ( التوابين ) هي فرقة من فرق الشيعة نشأت في البصرة بعد مقتل الحسين بن علي في واقعة كربلاء المشهورة سنة 61 هـ ، وعلى رأسهم الصحابي سليمان بن صرد الخزاعي وكان شعارهم أخذ الثأر على مقتل ( الحسين ) إذ إنهم يحسون بمسؤليتهم في مقتله . انظر : مصطفى الشكعة : إسلام بلا مذاهب ، ص158 .
تعليق المستخدم :الصحيح أن الذين عارضوا التحكيم هم القراء من الصحابة والتابعين ولكن الخوارج من النجدية والأزارقة والصفرية ألحقوا أنفسهم بالقراء...أما الإباضية الكرام فهم الامتداد الأصيل لجيل القراء ..والله أعلم
، قالوا بالعدل وجامعوا (1) المسلمين في جميع كلامهم وأحكامهم وأسماء المحدثين ، ثم أدخلوا على أنفسهم الضلالة ، فلا نعلم أحداً من محدثي (2) أهل القبلة أحدث حدثاً هو أشد وأقبح منهم ، ولا هم (3) فيه أشد مكابرة لأهل العدل والحق ، وذلك أنهم زعموا أنه يحل لهم أن يحرموا الدماء التي (4) أحل الله في كتابه بلا قربة ولا رجعة ولا توبة ، وأن الكافرين الذين أحل الله دمائهم من المحدثين من أهل القبلة لهم أن يحكموا في كتاب الله ، فإن حكموا بأن دماءهم حرام حرمت ، وإن حكموا بأنها حلال أستحلت ، وإن ردوا (5) حكم الله بلا توبة كانت ممن أحل الله دماءهم ، وذلك أنهم جوزوا تحكيم الحكمين يوم صفين : حرموا دماء من قاتل عليا من أهل الشام مع معاوية ، وهم بغاة ولم يفيئوا إلى أمر الله ، وحكمهم في الكتاب والسنة ، والله يقول : { فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ } (6) .
وقد بقي من أقاويل المخالفين كثير لم نذكره ن وبقي مما ذكرت حججاً عظيمة لم نذكرها ، لما يطول من ذكرها ، وقد ذكرت بعض ذلك وهي أكثر من أن نأتي عليها بكتاب .
[ ما لا يسع الناس جهله طرفة عين ]
وذكرت قول أهل الحق ، وأردت أن أقصد بكتابي إلى بعض أمور تكون فيها الحاجة مما (7) كلف الله به العباد وذلك أن أول ما يلزمهم الإقرار بالله ربا وبمحمد نبياً ، وبما جاء به حق ، وهذا ما لا يسع جهله طرفة عين .
[ ما يسع الناس جهله إلى قيام الحجة ]
__________
(1) …كذا في النسخ ، يعني : وافقوا .
(2) …في ( هـ ) : سقط : (( محدثي )) .
(3) …في( هـ ) : سقط : (( هم )) .
(4) …في النسخ : (( الذي )) والأنسب ما أثبت .
(5) …في ( ب) و( ج ) : (( أرادوا )) . وهو تحريف .
(6) …الآية 9 من سورة الحجرات.
(7) …في ( هـ ) : (( ما )) .
وأما الذي يسعهم جهله حتى يأتيهم وقت فعله وما يرضي الله عليهم (1) من الصلاة قبل وقتها ، والزكاة قبل وجوبها ، وصيام شهر رمضان قبل مجيئه ومحضره في أهله ، والحج والعمرة ، والبر بالوالدين ، وصلة الرحم ، وحق الجوار ، وما ملكت اليمين ، وشأن القبلة والولاية لأهل طاعة الله ، والعداوة لمن وقع عليه اسم الكفر ، وغض البصر ، وحفظ الفروج ، وصدق الحديث ، وحق ابن السبيل ، والاغتسال من الجنابة ، والاستئذان في البيوت ، والأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، والإخلاص في النية ، والعمل والقول ، وأداء الأمانة ، والوفاء بالعهد ، وذكر اسم الله ، على الذبيحة ، وما أشبه (2) ذلك مما أمر الله به ، (3) وحق الإيمان ، والجهاد في سبيل الله ، والتوبة من الذنوب ، فهذه ونحوها مما أمر الله بفعله يسع الناس جهله ما لم يأت وقت فعله ، [11] فإذا جاء وقت فعله لزمهم العلم والعمل به .
وقال من خالف الحق : إنما عليهم العمل وليس عليهم العلم ، وهذه أوهن الأقاويل وأضعفها ، (4) لأنه لو وسعه الجهل مع العمل لوسعه (5) أن يرى أن تارك (6) ذلك مسلم على تركه ، ويسعه أن يرى أن تارك جميع ما أمر الله به مسلم . ووسعه جهل إسلام من يعمل بجميع ما فرض الله عليه ، ووسعه أن يرى أنه كافر غير مسلم ، فإن ضيقوا عليه ذلك فقد ألزموه (7) العلم مع الفعل في وقت الفعل .
__________
(1) …كذا في النسخ والأنسب للعبارة : (( فهو ما يرضي الله )) .
(2) …في ( د ) : (( وما أشباه )) . وهو خطأ .
(3) …في ( هـ ) : سقط : (( به )) .
(4) …في ( هـ ) : (( وأضعفه )) .
(5) …في ( هـ ) : (( لوسه )) . وهو تحريف .
(6) …كذا في ( د ) و( ج ) وهو أنسب ، وفي ( ب) : (( ناكر )) .
(7) …في ( هـ ) : (( لزموه )) .
وأما الذي يسعه جهله من الإيمان حتى يحل له تفسيره ، فما كان من تفسير التوحيد مثل إنفاذ (1) الحدود عن الله والأقطار ، وإثبات القدرة له (2) والعلم وجميع الصنع الحدث أن يضاف إليه أنه صانعه ومحدثه ، وتصديق كل ما جاء عنه من خبر عما هو كائن أو يكون . وإضافة كل شيء إليه ، وما رأوا أو ما لم يروا سمية (3) ، وليس معه مكون ، وأنه بائن من صفات المخلوقين { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ } (4) فهذا ذكروا جل تفسيره .
[ ما لا يسع جهله من التوحيد ]
ولا يسع جهله من ذلك ما أخبر الله من ذكر الجنة والنار ، والبعث والحساب ، والملائكة والكتب والرسل ، فهذا وأشباهه من تفسير التوحيد ولا يدعى في الجملة إلى هذا التفسير ، وهو داخل في جملة التوحيد . والمنكر لتفسير التوحيد منكر لجملة التوحيد ؛ كما أن الإيمان بجملته إيمان بتفسيره ، وكذلك الكفر بتفسيره كفر بجملته ؛ لأن المنكر لشيء من هذا أن يضيفه إلى الله منكر لتوحيد الله ، لأنه منكر لصفته ن والله يوصف بذلك : مثيب وباعث ومعاقب ومرسل ومنزل .
__________
(1) …في ( د ) : (( إنفاء )) . وفي ( هـ) : (( إنفاذ )) . بدال مهملة . وهو خطأ .
(2) …في ( ب ) و( ج ) : سقط : (( له )) .
(3) …كذا في النسخ ومعناه : مثله .
(4) …الآية 11 من سورة الشورى.
ومن أنكر شيئاً من صفات الله أنكر الله ، ومن أنكر الله فهو مشرك . وقال بعض أهل الخطأ والجهل : لا نشرك من أنكر شيئاً سوى الله ما أقرَّ أنَّ الله واحد ، وهذا هو الخطأ .. وكتاب الله يكذَّب قائل هذا في غير موضع ، منها ما ذكر الله من محاورة الأخوين في سورة الكهف حيث قال أحدهما : { وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَى رَبِّي... } فأقر أنه ربَّه ، وإنما شك في البعث ؛ وقال له المؤمن : { أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ... } فجعل شك في البعث كفراً بالذي خلقه ، ولم يجحد أنَّه ربُّه ؛ ثم قال المؤمن له : { لَّكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي... } أصله : (( لكن أنا هو الله ربي )) وأدغم النون الثانية ، وزاح الألف فوقع التشديد في النون لأنَّه التقى النونان ، ثم قال : { وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا } فدَّل بهذا أنَّه إنما هرب من الشرك ، لأنَّ صاحبه واقعه واستحقه . ثم (1) قصتها محاورة بينهما إلى قوله : { فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ } ندامة { عَلَى مَا أَنفَقَ فِيهَا } حيث صارت { صَعِيدًا زَلَقًا، } وهو تراب يابس يزلق { وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا } (2) . وأقر أن شكه (3) في البعث شرك بربه .
فمن أنكر شيئاً مما تفرد الله به بصنعته (4) أشرك بالله ؛ ومن أنكر شيئاً مما أضافه الله إلى بعض خلقه فأنفى الله من صنعه نافق ، لأنه متأول مخطئ .
[ ما يسع جهله أبداً ما لم يكذًّب ]
__________
(1) …كذا في النسخ ، والأنسب : (( وأتم )) .
(2) …الآية 42 من سورة الكهف.
(3) …في النسختين : ( ب) و ( ج ) : (( أن شركه )) وهو تحريف .
(4) …في ( هـ ) : (( بصنعه )) .
وأما الذي يسع جهله أبداً ما لم يتقولوا على الله ـ في حال جهلهم ـ فيه الكذب ، فيحلون حراماً أو يحرمون حلالاً ، أو يواقعوا فعل ما يضلهم أو يلقوا الحجة فتخبرهم بها ، فلا يؤمنون بها ، ولا يصدقونها ، فما حرم الله عليهم من الميتة والدم ولحم الخنزير والزنى والربا وقتل النفس التي حرم الله وأكل الأموال الحرام والسرقة ، وكل ما حرم عليهم ، والفساد في الأرض والأمر بالمنكر والظلم والبغي ودخول البيوت بغير إذن والنظر إلى ما حرم الله ، وإتيان النساء في الحيض (1) وكل ما حرم الله ونهى عنه ، إنما عليهم الكف عنه ، (2) وليس عليهم معرفته ولا معرفة أن الله حرمه فهو يسعهم جهل ذلك أبداً ما لم يتقولوا على الله في حال جهلهم فيها الكذب ، فيحلوا حراماً أو يحرموا حلالاً ، أو يواقعوا فعل ما يضلهم ؛ أو يلقوا الحجة ، فتخبرهم عن الله أنه كذلك ، بمبلغ الحجة التي ليس فيها تفاضل ، لا يزيد فيها زائد ، ولا ينقص منها ناقص ، إذا كان المبلغ من أهل دين الله ، لأنه إنما يكون حجة في دين الله أهل دين الله ، إذا بلغ أقصى الحجة ، ولم يترك منها مزيداً ؛ مثل ما لو أن جميع المسلمين حضروا لم يجدوا عن (3) قوله مزيداً ، فهو حجة الله في دين الله . وقد قال بعض سلفنا رحمهم الله : إنما تكون التي يقطع بها العالم (4) الغاية بنهاية العلم الذي لا يجهل شيء الحجة .
__________
(1) …ف ( هـ ) : (( المحيض )) .
(2) …في ( هـ ) : سقط : (( إنما عليهم الكف عنه )) .
(3) …في ( هـ ) : (( على )) .
(4) …في ( هـ ) : سقط : (( العالم )) .
وقد تركت قولين يقال بهما في الحجة ، لأن من أدركنا من خيار أصحابنا مما (1) كنا نأخذ عنهم قالوا بتضعيف ذلك القولين ولم يميتوهما ، وإن كان بعض الناس يحتجون بهما ، وأن كل ما حرم الله حراماً ، وما نهى عنه فهو الحرام الذي حرمه الكتاب والسنة ، فاضاف فاعله إلى النار فهو كبيره يكفر أهله بمقارفته حين قارفوه حتى يتوبوا ، وكذلك نظيره ، وإن لم يذكره الكتاب والسنة . وما سمى الله أهله بشيء من أسماء الضلال فهو كبيره ، وما أمر الله عليه بالنكال في الدنيا فهو كبيرة ، وما لم يعد عليه النار ولم يفسق أهله ، ولم يأمر بنكالهم فأهله (2) .
وإن أصابوا معصية يخاف عليهم فيها حكم المسلمين ، وكانوا لله عاصين يخاف عليهم فيها عقوبة الله في الدنيا والآخرة ، وعليهم التوبة من ذلك والخوف ؛ فإن تمادوا ولم يتوبوا ضلوا وكفروا ، وإن ذلك (3) لهم حلال فهو أشد لكفرهم من التمادي .
[13] وقد وصفت في هذا أصول السيرة والدينونة الصافية ، نسأل الله التوفيق لمراشد الأمور .
الباب الثاني
مسائل في العبادات
[ الفصل الأول مسائل الصلاة ]
وقد أردت (4) تفسير بعض الفرائض .
ومما فرض الله الصلاة والزكاة في كتابه .
[ أوقات الصلاة ]
وإن مواقيت الصلاة مسميات في كتابه الله [فـ ] (5) قوله في سورة الروم : { فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ } : يعني المغرب والعشاء ، { وَحِينَ تُصْبِحُونَ } : يعني صلاة الغداة(6) { وَعَشِيًّا } : يعني صلاة العصر ، { وَحِينَ تُظْهِرُونَ } (7) : يعني صلاة الأولى .
__________
(1) …كذا في النسخ ، ولعل الأنسب : (( ممن ))
(2) …كذا في جميع النسخ .
(3) …كذا في النسختين : ولعل الصحيح والأنسب : (( وإن كان ذلك )) .
(4) …في ( هـ ) : (( أرد )) . وهو تحريف .
(5) …أضفنا الفاء ليستقيم النحو .
(6) …في ( هـ ) : (( الغدوة )) .
(7) …الآيات 17 ـ 18 من سورة الروم.
وقال بعضهم : { حِينَ تُمْسُونَ } : صلاة المغرب وحدها (1) ، وذكر صلاة العتمة في سورة النور : { وَمِن بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاء } (2) يعني صلاة (3) العتمة ، وقدم (4) معها صلاة الصبح ، وقال : { مِن قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ } (5) .
وقال في سورة بني إسرائيل : { أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ } : يعني زوالها ، { إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ } : يعني ظلمته . وإنما ذكر ثم أربع صلوات الأولى والعصر والمغرب والعشاء ـ وهي العتمة ـ ثم قال : { وَقُرْآنَ الْفَجْرِ } يعني صلاة الصبح ، { إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا } (6) يعني تشهده ملائكة الليل وملائكة النهار (7) .
وقال في سورة طه : { وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ } : يقول : فصل بأمر ربك ، { قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ } : يعني صلاة الصبح ، { وَقَبْلَ غُرُوبِهَا } : يعني العصر والأولى ، { وَمِنْ آنَاء اللَّيْلِ } : يعني ساعات (8) الليل ، { فَسَبِّحْ } : يعني فصل له المغرب والعشاء ، { وَأَطْرَافَ النَّهَارِ } (9) : يعني صلاة الصبح والعصر ، كرر عليها .
__________
(1) …في ( هـ ) : (( واحدها )) .
(2) …الآية 58 من سورة النور.
(3) …في ( هـ ) : سقط : (( صلاة )) .
(4) …في ( هـ ) : (( وقد )) . وهو خطأ .
(5) …الآية 58 من سورة النور.
(6) …الآية 78 من سورة الإسراء.
(7) …في ( ب ) و( ج ) : (( ملائكة الليل والنهار )) .
(8) …في ( هـ) : (( صلاة )) .
(9) …الآية 130 من سورة طه.
وقال في سورة هود : { وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ } : الصبح والعصر (1) ، { وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ } : المغرب والعشاء ، وهي العتمة ، { إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ } (2) : يعني الصلوات الخمس ، وهي الخمسة يكفرن (3) ما دون الكبائر لمن اجتنب الكبائر . ويقال في : { طَرَفَيِ النَّهَارِ } : الأولى والصبح والعصر : الطرف الأول : الصبح ، والطرف الثاني : الأولى والعصر لأنهما كانتا في الطرف ، وقد زال وسط النهار فما ليس بوسط ، فهو طرف .
وقال في سورة ق : { وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ } : وهي الصبح ، { وَقَبْلَ الْغُرُوبِ } : وهي العصر ؛ ويقال : الأولى والعصر ، لأنهما مقرونتان في الوقت (4) .
__________
(1) …في ( هـ ) : سقط (( كرر عليها . وقال في سورة هود : (( وأقم الصلاة طرفي النهار )) الصبح والعصر )) .
(2) …لآية 114 من سورة هود.
(3) …في ( هـ) : (( المسلة ، يكفرون )) . وهو خطأ واضح .
(4) …قال الشيخ عامر الشماخي : (( وقال بعض أصحابنا : الظهر والعصر مشتركتان في الوقت ، وكذا في المغرب والعشاء ، والدليل على هذا حديث ابن عباس رضي الله عنه : [ صلى رسول الله عليه وسلم الظهر والعصر والمغرب والعشاء جميعا من غير خوف ولا سحاب ولا مطر ] رواه مسلم . ورواه الربيع بن حبيب في مسنده ، بنحو لفظه . انظر حديث رقم 251
…انظر : عامر الشماخي : الإيضاح ، ج1 ، ص 382 . أبو غانم الخراساني : المدونة ، ترتيب القطب اطفيش ج 1 ، ص34 .
{ وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ } يقول : فصل له المغرب والعشاء .. { وَأَدْبَارَ السُّجُودِ } (1) ، وهي الركعتان بعد صلاة المغرب (2) وقال في سورة الطور : { وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ } : يعني إلى الصلاة ، { وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ } : يعني فصل له ، { وَإِدْبَارَ النُّجُومِ } (3) يعني الركعتين قبل صلاة الصبح (4) بعدما أبهر (5) الفجر... وذكر صلاة الضحى (6) نافلة قال { إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ } (7) ، ثم ذكر في سورة البقرة { حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ } : يعني في الجماعة { والصَّلاَةِ الْوُسْطَى } (8) : يعني صلاة الصبح في قول أصحابنا . وقال متفقهوا قومنا : إن (9) الصلاة التي غفل عنها سليمان [14] بن داود عليه السلام ، { حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ } (10) ، وقال : { الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ } يعني النبي عليه السلام وحدك في الصلاة ، { وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ } (11) يقول : ويرى صلاتك مع المصلين .
[ صلاة الجماعة ]
__________
(1) …الآية 40 من سورة ق.
(2) …هود بن محكم الهواري : تفسير كتاب الله العزيز ، تحقيق بلحاج بن سعيد شريفي ، ج4 ، ص208 .
(3) …الآية 49 من سورة الطور.
(4) …هود بن محكم الهواري : تفسير كتاب الله العزيز ، ج4 ، ص233 .
(5) …بهر ـ يبهر ـ أبهره : صار في حر وسط النهار . وفي ( هـ ) : (( أيفجر )) . ولا معنى له .
(6) …في ( ب) : (( ضحار )) . والصحيح ما أثبت من ( د ) و( ج ) و( هـ ) .
(7) …الآية 18 من سورة ص.
(8) …الآية 238 من سورة البقرة.
(9) …كذا في ( د ) ، ولعل الصواب : (( إنها )) .
(10) …الآية 32 من سورة ص. وانظر هود بن محكم : تفسير كتاب الله العزيز ، ج4 ، ص16 .
(11) …الآيتين 218 و 219 من سورة الشعراء.
ويقال : إن صلاة أحدكم في الجماعة يزيد على صلاة وحده (1) أربعة وعشرين ضعفا (2) وإنما يتقبل الله من المتقين .
[ حكم تأخير الصلاة ]
ومن ترك صلاة النهار حتى يدخل عليه الليل ، أو ترك صلاة الليل حتى يدخل عليه النهار من غير عذر ولا نسيان (3) ضل وكفر .
[ عدد الركعات في الفرائض والسنين ]
وسن الصلاة الأولى في الحضر أربع وهي في السفر ركعتان ، وإنما سميت الأولى لأنها أول صلاة فرضت . والعصر أربع ركعات ، والمغرب ثلاث ركعات ، والعتمة أربع ركعات ، والصبح ركعتان . كلها في السفر ركعتان ركعتان ، ما خلا المغرب فإنه ثلاث ركعات في الحضر والسفر ، وهذا العدد من السنة .
__________
(1) …في ( هـ ) : (( واحدة )) .
(2) …روى البخاري عن أبي هريرة بلفظ ( خمس وعشرين ) وفي رواية عن عمر متفق عليها قال ( بسبع وعشرين درجة ) . ورواه الإمام الربيع بن حبيب عن أنس بم مالك بلفظ ( الصلاة في الجماعة خير من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة ) . وعن أبي هريرة بلفظ ( صلاة الجماعة تفضل صلاة أحدكم وحدة بخمس وعشرين درجة ) . انظر مسند الربيع ، حديثي رقم : 215 و 216 .
(3) …المعذرون هم : الحائض والمسافر والصبي والمشرك والمغمى عليه والناسي والنائم والمجنون ، القطب اطفيش : شرح النيل ج2 ، ص22 . الجيطالي : قواعد الإسلام ، ج1 ، ص240 .
والوتر ركعة ، وهي سنة ، ويستحب أن يوتر بسبع ركعات (1) . ومن الناس من يقول : الوتر ثلاث ركعات لا يفصل بينهم بتسليم (2) والمعمول به عندنا ركعة .
وسن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (3) سنن الصلاة بقيامها وركوعها وسجودها وتشهدها .
[ القراءة في الصلاة ]
أول ما نفتتح (4) بالتكبير ويقرأ في القيام بفاتحة الكتاب وحدها (5) سراً في الأولى والعصر ، وفي الثالثة من المغرب ، والركعتين الأخيرتين (6) من العشاء . ويقرأ في الركعتين الأولتين (7) من المغرب سورة من القصار مع فاتحة الكتاب . وفي الأولتين (8) من العشاء بسورة مع فاتحة الكتاب ، ويستحب من ذلك ما يبلغ عشر آيات ، وكذلك في الصبح .
[ إستقبال القبلة ]
__________
(1) …قال الشماخي : (( وقد روي أنه كان عليه السلام يوتر بسبع وثلاث )) رواه أحمد والنسائي ولذلك استحب علماؤنا رحمهم الله الوتر على سبع . الشماخي : الإيضاح ، ج1 ، ص691 .
(2) …قال الشماخي : (( دليلهم ما روي أنه قال عليه السلام : صلاة المغرب وتر النهار ، فأوتروا صلاة الليل ـ متفق عليه ـ وقالوا : لما كانت المغرب وتر النهار ، واختلف الناس في وتر الليل ، كان أحسن الأشياء أن يشبه به . وقد روي أيضاً أنه - صلى الله عليه وسلم - يوتر بثلاث لا يسلم إلا في أخراهن ـ رواه النسائي وأحمد )) الشماخي : الإيضاح ، ج1 ، ص692 .
(3) …في ( هـ ) : سقط : (( صلى الله عليه وسلم )) .
(4) …في ( هـ ) : (( تفتتح )) . وهو الأنسب .
(5) …في ( هـ ) : (( واحدها )) .
(6) …في ( هـ ) : (( الأخرتين )) . وهو خطأ .
(7) …كذا في النسخ .
(8) …كذا في النسخ .
وتوجيه الكعبة (1) في الصلاة فرض من التنزيل . قوله تعالى (2) : { فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ } (3) يعني في الصلاة .
[ الفصل الثاني في الطهارات ]
[ فريضة الوضوء ]
والوضوء من التنزيل ، [لـ] قوله (4) تعالى : { إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ } : يعني إذا أردتم أن تقوموا إلى الصلاة ، { فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ } (5) فهذه الفريضة .
وسن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المضمضة والاستنشاق ، وهما واجبتان لا يسع تركهما ، ولا تجوز الصلاة إلا بهما .
وسن مسح الأذنين مع الرأس مقدمهما ومؤخرهما . وقال بعضهم مقدم الأذنين من الوجه ومؤخرهما من الرأس . والمعمول به عندنا أنهما من الرأس .
[ سنة الإستنجاء ]
وسن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الاستنجاء من كل نجاسة (6) ، لا يجوز الوضوء إلا بعد الاستنجاء .
وفرض الله في كتابه الطهارة من الجنابة (7) .
[ رخصة التيمم ]
__________
(1) …كذا في جميع النسخ ، ولعل الصواب : (( والتوجه للكعبة )) بلام الجر .
(2) …في ( هـ) : سقط : (( تعالى )) .
(3) …الآية 144 من سورة البقرة. وفي ( هـ) : (( فولوا وجوهكم شطر المسجد الحرام )) . وهو تحريف ، لا توجد آية هكذا .
(4) …في النسخ بدون لام الجر ، والصحيح إثباتها .
(5) …الآية 6 من سورة المائدة.
(6) …الاستنجاء : النجو وهو الحدث بنفسه ويتضمن أيضا معنى الاستجمار لأنه وجه من الاستنجاء : ومعناه إزالة النجاسات ولا بد من الجمع بين الماء والأحجار لتخفيف العين عن الموضع ثم الماء للإنقاء ، وإزالة الأثر ، والدليل هو عمل أهل قباء وثناء الله عليهم في ذلك . الجيطالي : قواعد الإسلام ، ج1 ، ص162 ـ القطب : شامل الأصل والفرع ، ج1 ، ص186 .
(7) …قال الله تعالى : (( وإن كنتم جنباً فاطهروا )) سورة المائدة 6 .
ومن كان على سفر ولم يجد الماء تيمم (1) صعيداً طيبا . يعني تعمد ترابا نظيفا . والتيمم : التعمد ؛ والصعيد : التراب ؛ والطيب : النظيف .
وبعض الناس يرى التيمم هو المسح بنفسه ، وليس هو من المسح ولكنه التعمد إلى التراب . ألا ترى أنه قال [15] { فَامْسَحُواْ } والمسح غير التيمم ، يقول فتعمدوا ترابا نظيفا ، { فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ } (2) وما يدل أن التيمم هو التعمد لا المسح قول الله : { وَلاَ تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ } (3) . يقول ولا تتعمدوا الخبيث من أموالكم منه تنفقون .
والتيمم أن تعمد ترابا نظيفا ، وتضرب بيديك مرة ، ثم تنفضهما وتمسح بهما وجهك ، وتضرب مرة أخرى وتمسح بهما كفيك ، تبدأ باليمنى ، وكذلك في الوضوء . فإذا وجدت الماء اغتسل من جنابتك ، ولا تعد ما مضى من الصلاة .
[ حكم نسيان الصلاة ]
ومن نسي صلاة حتى يذهب وقتها (4) فليصلها حين يذكرها ، إلا حين تطلع الشمس أو حين تغرب ، إذا طلع منها شيء أو غاب منها شيء . وكذلك من صلاها بغير وضوء أو ثوب لا يصلى به .
[ كيفية الإغتسال ]
ومن أراد أن يغتسل فليبدأ بنفي كل ما أصاب جسده من النجاسة ، فإذا فرغ من غسل النجاسة صب الماء على يده اليسرى بيده اليمنى ثم يتوضأ وضوء الصلاة حتى عند رجليه ، ثم يسكب الماء على رأسه وسائر جسده ، وليبالغ في تنقية جسده ولا يقصر في شيء . جاء في الحديث : (( أن كل موضع لم ينعم غسله من الجنابة فإنه يبعث عليه يوم القيامة حيات تلدغه في تلك الأماكن )) (5) .
__________
(1) …في ( هـ ) : (( يتيمم )) .
(2) …الآية 6 من سورة المائدة.
(3) …الآية 267 من سورة البقرة.
(4) …كذا في النسخ . والأنسب : (( حتى ذهب وقتا )) . وفي ( هـ ) : (( حتى تذهب واقتها )) .
(5) …ذكره في المدونة بلفظ : ((... ولم يعم ..)) ، الخراساني : المدونة ، ج1 ، ص15 .
وليس في الغسل وقت دون الإنقاء وحسن الغسل . وليرو (1) الشعر وليبالغ في غسله فإنه جاء في الحديث (( تحت كل شعرة جنابة )) (2) .
وجاء في الحديث أيضاً أن : (( كل شعرة لم ينعم غسلها تشعل يوم القيامة ناراً )) (3) . وليبالغ في الغسل وليغسل إبطيه ومسربته (4) وسرته وبطنه ، وليمد بطنه إذا أراد غسلها . وليغسل رفغيه (5) ومأبطيه (6) .
فإذا غسل كل شيء تنحى (7) ولبس ثيابه وغسل رجليه وصلى إن لم ينتقض وضوءه بحدث (8) ، أو قطر ، أو مس المذاكر (9) أو قيء ، أو رعاف .
فإن حدث منه شيء يفسد وضوءه استأنف الوضوء . وإن صب الماء على رأسه وجسده قبل أن يتوضأ حين يفرغ من الاستنجاء أجزاه .
ومن ترك الغسل من الجنابة من غير عذر وهو يجد الماء حتى يذهب (10) وقت الصلاة ضل (11) في قول المسلمين .
[ الفصل الثالث فريضة الزكاة ]
__________
(1) …في ( د ) : (( وليروي )) . والصواب حذف حرف العلة لأنه مجزوم .
(2) …رواه الربيع عن أبي عبيدة عن جابر بن زيد عن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : (( تحت كل شعرة جنابة فبلوا الشعر وانقوا البشرة )) . انظر مسند الربيع ، رقم : 139 . وأبو داود والترمذي وابن ماجه عن أبي هريرة بلفظ : (( إن تحت كل... )) وضعفه السيوطي .
(3) …ذكره في المدونة بلفظ : ((... ولم يعم .. )) . الخراساني : المدونة ج1 ، ص15 .
(4) …مسربته : الشعر وسط الصدر إلى البطن ، مجرى الدمع ، مجرى الغائط ، ومخرجه .
(5) …في النسختين ( ب ) و( ج ) : (( رفيقه )) والصحيح ما أثبت من ( د ) و( هـ) . ومعناه : أصول الفخذين .
(6) …في ( هـ ) : (( مايطيه )) . ومعناه أصول اليدين .
(7) …تنحى : إنتقل إلى ناحية أخرى .
(8) …في ( هـ ) : (( بحدثا )) . وهو خطأ .
(9) …في ( هـ ) : (( الذاكر)) .
(10) …في ( هـ ) : (( تذهب)) . وهو خطأ .
(11) …في النسختين ( ب) و( ج ) : (( أضل )) . وفي نسخة ( د ) و( هـ ) ما أثبت ، وهو الصواب .
فريضة الزكاة من التنزيل ، مقرونة (1) بالصلاة ، ثم فسرت السنة كيف كان قسمها (2) ، ومن كم تجب ؟ ومن أي نوع تجب ؟ وعلى كم ؟ والحول... كل ذلك من السنة . وبين الله تعالى في التنزيل أهلها الذين فيهم تقسم .
[ في ماذا تجب الزكاة ]
إنما تجب الزكاة في الذهب والورق (3) ، والحبوب من البر والشعير والذرة والسلت والتمر والزبيب ، والغنم والإبل والبقر (4) .
[ زكاة الذهب والفضة ]
وزكاة الذهب والورق : يضم بعضها إلى بعض ، أن يعطي من مائتي درهم خمسة [16] دراهم ، فما زاد ففي كل أربعين درهما درهم ، فما لم يتم الأربعين فليس فيه شيء ؛ وما لم يبلغ من الدراهم (5) والفضة . والذهب مع الفضة مائتي درهم (6) فليس فيه زكاة ؛ وإن بلغت مائتين وبقيت عند صاحبها حولاً ففيها زكاة خمسة دراهم .
ومن كان عليه دين حط من حساب ماله بقدر ما عليه من الدين . والشريكان من الذهب والفضة ، فلا يجب على أحد زكاة بحصة غيره ، وتجب الزكاة فيما سوى الذهب والفضة باسم الشركاء (7) وما سوى الذهب والفضة لا تحط الديون منه في الزكاة .
فإذا لم تكن الفضة مع الذهب فزكاته من عشرين مثقالا نصف مثقال (8) ليس فيما دون شيء .
__________
(1) …في ( هـ ) : (( في وقته)) .
(2) …في النسختين ( ب ) و( ج ) : (( تقسيمها )) وفي نسختي ( د ) و( هـ ) : (( قسمها )) . ولعل الأصح : (( كيف تكون قسمتها )) .
(3) …الورق : الفضة .
(4) …لم يذكر الماعز لأن حكمه مثل حكم الغنم تماماً .
(5) …الدراهم جمع ، مفرده : درهم ، وهي قطعة من الفضة مسكوكة للمعاملة بين الناس ، أو هي مرادف النقود عموماً .
(6) …في ( هـ ) : (( دراهم )) .
(7) …المقصود هنا : يستتم الشريك بسهم الشريك .
(8) …المثقال = 5 غرامات ذهبا .
وما زاد على عشرين مثقالاً ففي كل أربعة مثاقيل عُشُر مثقال ؛ وما لم يتم فيه أربعة مثاقيل من الكسور ثلاثة ودون ثلاثة ، وفوق ذلك ما لم يتم مثاقيل (1) فليس فيه شيء .
وليس في اللؤلؤ والجوهر زكاة ، إلا من تطوع بخير ، ما لم يكن للتجارة ، وما كان للتجارة ففيه الزكاة : زكاة رأس ماله حتى يباع .
[ زكاة الحبوب ]
في القمح والشعير والذرة العُشُر فيما سقت السماءُ والعيون (2) إذا بلغ ثلاث مائة صاع بصاع النبي عليه السلام ، لا يضم نوع من ذلك إلى نوع إلا ما بلغ في نوعه (3) ؛ غير أن البر والشعير اختلف فيه الفقهاء ؛ وقولنا الذي نأخذ به ونعتمد عليه أنه يضم البر إلى الشعير والشعير إلى البر ، وهو أخر كلام أبي عبيدة (4) رضي الله عنه (5) ؛ وكان أول قوله : لا زكاة في البر ولا في الشعير إلا ما بلغ ثلاث مائة صاع ، ولا يضم بعضه إلى بعض ، ثم رجع عن ذلك وقاسه بالذهب والفضة ، فقال : يضم الذهب إلى الفضة ، ويضم البر إلى الشعير(6) .
__________
(1) …كذا في النسخ والأنسب : (( المثاقيل )) .
(2) …لم يذكر السلت معها رغم أنه وارد في السنة . كما أنه عطف العبارة الأخيرة وأراد في النسختين ، والأنسب هو لعطف السلت إذا لا تتم السنة إلا بها .
(3) …أي من القمح الجيد والرديء مثلا وهكذا .
(4) …أبو عبيدة مسلم بن أبي كريمة عالم من الأعلام المؤسسين للمذهب الإباضي أخذ العلم عن التابعي الكبير جابر بن زيد الأزدي ، وتصدر المذهب الإباضي في المشرق الإسلامي ومغربه . ولم يترك كتبا كثيرة ، إلا رسالة في الزكاة ، وكتاب مسائل أبي عبيدة . توفي حوالي سنة 150هـ .
…انظر : علي يحي معمر : الإباضية في موكب التاريخ الحلقة الأولى ، ص155 . سالم بن حمد الحارثي : العقود الفضية في أصول الإباضية ، ص139 . الشماخي : السير ، ص83 .
(5) …في ( هـ ) : سقط : (( عنه )) .
(6) …الجيطالي : قواعد الإسلام ، ج2 ، ص22، 23، 24 .
وما لم يبلغ ثلاث مائة صاع فلا زكاة فيه إلا من تطوع بخير . والتمر والزبيب مثل ذلك . وما يسقى بالدوالي (1) والنواضح (2) والرشاء (3) والسواني (4) ففيه نصف العشر من كل عشرين واحد .
[ صدقة الإبل ]
__________
(1) …الدوالي : جمع دالية : الدلو الصغير وهو آنية متتابعة لها عارضة تجعلها تنصب في الحوض .
(2) …النواضح : جمع ناضحة : بعير السقي .
(3) …الرشاء : ج أرشية ، حبل الدلو .
(4) …السواني : جمع سانية : الدواب ، هي آنية تمتلئ وتصعد في دائرة بالدابة .
فليس فيما (1) دون الخمسة شيء ، فإذا بلغت خمسة ، ففيها شاة حتى تبلغ تسعة ؛ فإذا زادت واحدة وبلغت عشرة ، ففيها شاتان حتى تبلغ أربعة عشر ؛ فإذا زادت واحدة وبلغت خمسة عشر ، ففيها ثلاث شياه ، حتى تبلغ تسعة عشر ؛ فإذا زادت واحدة وبلغت عشرين ، ففيها أربعة شياه ، فإذا بلغت خمسا وعشرين ، ففيها بنت (2) مخاض . فإذا لم توجد ابنه مخاض ، فابن لبون ذكر ، حتى تبلغ خمسا وثلاثين ؛ فإذا زادت واحدة ، ففيها ابنه لبون ، حتى تبلغ خمسة وأربعين ؛ فإذا زادت واحدة ففيها حقة طروقة الفحل (3) ، حتى تبلغ ستين ؛ فإذا زادت واحدة ، ففيها جذعة حتى [17] تبلغ خمسة وسبعين ؛ فإذا زادت واحدة ، ففيها ابنتا لبون حتى تبلغ تسعين ؛ فإذا زادت واحدة ففيها حقتان ، حتى تبلغ عشرين ومائة ؛ فإذا زادت واحدة ، ففيها ثلاث بنات لبون حتى تبلغ ثلاثين ومائة ، ففيها حقة وابنتا لبون ؛ فإذا بلغت أربعين ومائة ، ففيها حقتان وابنه لبون ؛ فإذا بلغت خمسين ومائة ، ففيها ثلاث حقائق (4) فإذا بلغت ستين ومائة ، ففيها أربعة بنات لبون ، حتى تبلغ سبعين ومائة ففيها ثلاث بنات لبون وحقة ؛ فإذا بلغت ثمانين ومائة ، ففيها حقتان وابنتا لبون ؛ فإذا بلغت تسعين ومائة ، ففيها ثلاث حقائق وابنة لبون ؛ فإذا بلغت مائتين ، ففيها أربع حقائق ، أو خمس بنات لبون ، لأنه إذا كثر الإبل أخذ من كل أربعين ابنة لبون ومن كل (5) خمسين حقة .
__________
(1) …في ( هـ ) : (( ما )) .
(2) …في ( هـ ) : (( ابنة )) .
(3) …طروقة الفحل : وهي الداخلة في السنة الرابعة .
(4) …في النسخ جمعت الحقة إلى حقائق ، وهو خطأ والصحيح إلى : حقق أو حقاق . وأثبتنا ما في الخطوط مراعاة للأمانة العلمية .
(5) …في ( هـ ) : (( ولكل )) .
وليس فيما لم يكمل العشرة بعد أن تزيد الإبل على العشرين ومائة شيء ؛ فإذا بلغت عشرة ومائتين ففيها أربع بنات لبون وحقة ؛ فإذا بلغت عشرين ومائتين ففيها حقتان وثلاث بنات لبون ؛ فإذا بلغت ثلاثين ومائتين ففيها ثلاث حقائق وابنتا لبون ؛ فإذا بلغت أربعين ومائتين ففيها أربع حقائق وابنة لبون ؛ فإذا بلغت خمسين ومائتين ففيها خمس حقائق ؛ فإذا بلغت ستين ومائتين ففيها أربع بنات لبون وحقتان ؛ فإذا بلغت سبعين ومائتين ففيها ثلاث حقائق وثلاث بنات لبون ؛ فإذا بلغت ثمانين (1) ومائتين ففيها أربع حقائق وابنتا لبون ؛ فإذا بلغت تسعين ومائتين ففيها خمس حقائق وابنة لبون ؛ فإذا بلغت ثلاث مائة ففيها ست حقائق . فإذا كثرت الإبل فعلى هذا الحساب : ففي كل أربعين ابنت لبون ، وفي كل خمسين حقة .
[ صدقة البقر ]
وصدقة البقرة مثل صدقة الإبل ، على عددها يؤخذ ما يؤخذ من الإبل من الغنم ما لم تبلغ خمسة وعشرين ؛ فإذا بلغت خمسة وعشرين فحولية نظيرة بنت مخاض .
ويؤخذ من البقر ما يؤخذ من الإبل غير أن أسنان الإبل كثيرة وأسنان البقر قصيرة عاجلة . ولكن يعد لها (2) من السنين ما يعد للإبل ، فيؤخذ مكان ابنة لبون في الإبل نظيرتها في السنين ، ويؤخذ مكان حقة نظيرتها ؛ وكذلك مكان كل سن من الإبل نظيرتها من البقر في السنين ، وإن اختلفت أسنانها .
فإن لم يجد المصدق في الإبل سن (3)
__________
(1) …في ( هـ ) : تكرار (( ثمانين )) .
(2) …في ( هـ ) : (( يدلها )) . وهو خطأ .
(3) …أما أعمار إبل الصدقة فهي كما يلي :
* بنت مخاض : وهي الداخلة في السنة الثانية .
* بنت لبون : وهي الداخلة في السنة الثالثة .
* حقة : وهي الداخلة في السنة الرابعة .
* جذعة : وهي الداخلة في السنة الخامسة .
فريضة الصدقة ووجد فوقها أخذها ورد فضل ما بينهما بقيمة عدل (1) ذهب أو فضة ، والصدقة من الحول (2) القمر (3) .
[ صدقة الغنم ]
لا يأخذ مما دون الأربعين شيئاً حتى تتم أربعين ، فإذا بلغت [18] أربعين وبقيت عند صاحبها سنة ففيها شاة ، حتى تبلغ عشرين ومائة ، فإذا زادت واحدة ففيها شاتان حتى تبلغ مائتين ؛ فإذا زادت واحدة ففيها ثلاث شياه (4) حتى تبلغ تسعاً وتسعين وثلاث مائة ، فإذا زادت واحدة وكمل أربع مائة ففيها أربع شياه (5) ؛ ثم يستقيم بعد ذلك حسابها : لكل مائة تامة شاة ، وليس فيما لم يكمل المائة من التسع والتسعين بعد إذ جازت الغنم ثلاث مائة شيء .
ويأخذ المصدق من أوسط الغنم .
ويعد من الغنم من أولادها مع أمهاتها ما حمله الراعي واستغنى عن أمه . قال بعضهم : ما جاز الوادي ؛ وقال بعضهم : وإن حمله الراعي (6) ؛ ولكن من نأخذ عنه ممن أدركنا لا يرى الشاة إلا شاة استغنت عن غيرها (7) .
__________
(1) …في ( هـ ) : (( على )) . وهو خطأ .
(2) …في ( هـ ) : إضافة : (( سنين )) .
(3) …كذا في النسخ ولعل الصواب تنكير كلمة حول . أي من الأشهر القمرية لا الشمسية .
(4) …في ( هـ ) : (( أشياه )) .
(5) …في ( هـ ) : (( أشياه )) .
(6) …في ( هـ ) : (( الرعي )) ، وهو خطأ .
(7) …زكاة الماعز هو نفس زكاة الغنم ولكن يمنع أخذ التيس والذكر من الغنم . الجيطالي : قواعد الإسلام ، ج2 ، ص14 .
ومن أخر (1) زكاة ماله شهراً في شهر ألا يكفر ، ولا يضل في الحكم ، ما لم يدخل حول (2) في حول ، وقال من نأخذ عنه : وإن دخل حول (3) في حول لا يحكم عليه بالكفر ما لم يمت ولم يؤدها (4) ولم يوص ، إلا أن يكون مانعا فإنه يضل في حين ذلك . وقد روي عن النبي عليه السلام أنه قال في خطبته : (( ألا أنه لا صلاة لمانع الزكاة ، لا صلاة لمانع الزكاة ، والتعدي فيها كمانعها )) (5) .
[ زكاة الفطر حكمها ]
وزكاة الفطر يؤديها (6) من كان له ما يقوته سنة ، وهي سنة (7) ، الأخذ بها فضيلة ، وتركها ليس بخطيئة . والسنة سنتان :
* سنة في غير فريضة ، الأخذ بها فضيلة وتركها ليس بخطيئة .
* وسنة في فريضة ، الأخذ بها هدى (8) وتركها ضلالة .
[ من ومِمّاذا ومتى تؤدى ]
أن يعطي فطرته (9) من أطيب ماله على جميع عياله ، والحر والعبد ، على كل رأس يوم الفطر ، صاعا بصاع (10) النبي عليه السلام ، من قمح ، أو تمر ، أو شعير أو ذرٍة ، أو زبيب ، أو لحم ، أو لبن حليب ما لم يخالطه ماء ، أو مما يأكل منه ، ويكون قوت عامة عياله ، أو يخلط من الأنواع .
__________
(1) …في النسخ : (( وخر )) . وصححناها على ما اعتيد عليه من الاستعمال .
(2) …في ( هـ ) : (( حولاً )) .
(3) …في ( هـ ) : (( حولاً )) وهو خطأ .
(4) …في ( هـ ) : (( يدها )) وهو خطأ .
(5) …رواه الربيع عن ابن عباس برقم 342 ، رواه الطبراني عن ابن مسعود موقوفا مع زيادة . قال الربيع : المتعدي فيها هو الذي يدفعها لغير اهلها .
(6) …في ( د ) و( هـ ) : (( يدَّيها )) وفي ( ب ) و(ج ) : يودَّها . والصواب ما اثبت .
(7) …في ( هـ ) : تكرار (( وهي سنة )) .
(8) …في ( هـ ) : (( هذا )) . وهو تصحيف .
(9) …في ( هـ ) : (( فرطته )) . وهو تصحيف .
(10) …في ( هـ ) : تكرار (( بصاع )) .
وليؤدها (1) بعد ما صلى الصبح (2) قبل أن يصلي صلاة العيد يوم الفطر أفضلها ، أو قبل نصف النهار .
[ الفصل الرابع فريضة الصيام ]
وصيام شهر رمضان فريضة من كتاب الله عز وجل على كل بالغ صحيح العقل إذا شهد الشهر في أهله .
{ وَمَن كَانَ مَرِيضًا } : في أهله ، { أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ } (3) وفيها إضمار ، وإضمارها : فمن كان مريضا أو على سفر فأكل في مرضه أو سفره فعدة من أيام أخر ؛ ليس على كل من مرض أو سافر يكون عليه الإعادة إذا لم يأكل .
والمسافر إن شاء أكل وإن شاء صام ، فليس عليه الإفطار (4) بواجب ، ولكن إن صام فمأجور (5) وإن أكل فمعذور .
والصيام من الليل إلى الليل ، فإذا انفجر الفجر حلّت الصلاة ووجب الصوم ، وحرم الأكل والشراب .
سئل (6) ابن عباس رضي الله عنه : متى يحرم على الصائم (7) الطعام ؟ [19] قال رجل : ما لم تشك حتى تشك . قال : فقال ابن عباس كل ما شككت حتى لا تشك .
[ هل الاغتسال من الجنابة شرط في صحة الصيام ؟ ]
__________
(1) …في ( د ) و( هـ ) : (( وليدها )) .
(2) …في ( ب ) و( ج ) : (( بعد صلاة الصبح )) .
(3) …الآية 185 من سورة البقرة.
(4) …في ( هـ ) : (( الإفطار عليه )) .
(5) …في ( هـ ) : (( فمأجوز )) وهو تصحيف .
(6) …في ( هـ ) : (( س )) وهو تحريف .
(7) …في ( هـ ) : (( الصيام )) وهو تحريف .
واختلف الناس في الاغتسال من الجنابة ؛ فقال بعض : إنما جاء الاغتسال لعلة الصلاة ، ولم ينزل لعلة الصوم ، فمن أصبح ولم يغتسل لا يبطل ذلك صومه ، لأن الله أجاز لنا الأكل والشراب والمباشرة ـ وهي الجماع ـ حتى يتبين لنا الصبح . قلنا لهم : أما الأكل والشراب ليس(1) فيه تباعة تلحقهما ، والجماع له تباعه تلحقه ؛ وإنما أراد أن لا نصبح إلا ونحن على الحالة التي يجوز لنا بها الصوم ، كقوله تعالى : { إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ... } إلى آخر الآية (2) ؛ وإنما أراد أن لا نقوم إلى الصلاة إلا ونحن على الحالة التي تجوز لنا بها الصلاة ، ليس على أنا لا نتوضأ إلا إذا قمنا إلى الصلاة . قلنا لهم : أرأيتم (3) فقيهين (4) اختلفا لرجلين (5) ، فقال أحدهما : إذا اغتسلت ليلاً أجزاك ، وإذا أخرت إلى الصبح لا يضرك ، وقال آخر : إن اغتسلت ليلاً أجزاك ، وإن توانيت إلى الصبح أبطلت صومك ، وليس لك صوم ، أليس الوثاقة أن يحتاط لنفسه ، ويأخذ بالذي أجتمعا عليه أنه مجز ! وقول من نأخذ عنه من أصحابنا : من توانى بغسله حتى أصبح فلا صوم له يومه (6) ، ويستأنف (7) ما مضى من شهره . وقد كان يستحب إذا لعطك الصبح (8)
__________
(1) …كذا والأصح : (( فليس )) . بإضافة الفاء ، مثل قوله تعالى : (( أما السفينة فكانت لمساكين...)) وقوله : (( وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين... )) .
(2) …سورة المائدة الآية 6 . وتمام الآية : (( وأيديكم إلى المرفق ، وأمسحوا برؤسكم وأرجلكم إلى الكعبين ، وإن كنتم جنبا فاطهروا )) .
(3) …في ( هـ ) : (( رأيتم )) . وهو خطأ .
(4) …في ( د ) : (( فقيهن )) . وهو تحريف .
(5) …في ( هـ ) : (( أختلف الرجل )) . ولا معنى له .
(6) …في ( هـ ) : سقط (( يومه )) .
(7) …يستأنف معناه : يعيد لأنه يعتبر مضيعا ، والتضييع حكمه عند أصحابنا إعادة ما مضى من صومه . القطب اطفيش : شرح النيل ، ج3 ، ص342 .
(8) …كذا في النسخ ، ومعناه : من لعط يلعط : كواه في عرض عنقه ، أي ظهر بياض الصبح فجأة .
وقرب الفجر أن تشرب ولا تأكل ، لسرعة انقطاع تباعة الشراب ، والوطء أثقل تباعة .
[ الفصل الخامس فرض الحجَّ ]
فرض الله الحج في كتابه ، وتفسير بعض ذلك من السنة .
قال الله تعالى : { وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً } (1) .
[ ما معنى الاستطاعة في الحج ؟ ]
واستطاعة السبيل : الزاد والراحلة . ليس الناس إلى ملك الزاد والراحة بأحوج إليهم من أمان الطريق ؛ فإن وجدوا الزاد والراحلة ملكوا ذلك ، ووجدوا أمان الطريق ، مع كشف الآفات التي تحل بالجسم يكون منها الموانع ؛ فإذا اجتمع (2) لهم ذلك وجب عليهم الحج .
وأما الحج فلا يستطيعونه إلا بفعله ، وفي أيامه ومشاهده . واستطاعة السبيل غير استطاعة الحج . واستطاعة السبيل إنما هي المال وكشف الموانع ، وأما الحج إنما هو فعل الحاج حركة وسكوناً (3) من الفاعل في أيامه ومشاهده .
[ فريضة الحج والعمرة ]
ثم قال عز وجل : { وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ } وقولنا ـ والله المستعان ـ : أما الحج والعمرة [فـ] فريضتان ، وبهذا (4) نأخذ وعليه نعتمد ؛ وأما بعض الناس [فـ] يرون قول ابن مسعود : الحج فريضة والعمرة نافلة (5) ؛ وكان يقرأ فيما روي عنه : { وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ } (6) بنصب { الْحَجَّ } ورفع { َالْعُمْرَةَ } ، يقول : { وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ } وقع عليه الفعل فانتصب ، و(( العمرة )) مبتدأ مستأنف فارتفع ، يقول : والعمرة لله تطوع .
والعامة من العلماء : على أن الحج والعمرة فريضتان .
__________
(1) …الآية 97 من سورة آل عمران.
(2) …في ( هـ ) : (( اجتمعا )) . وهو خطأ.
(3) …في ( هـ ) : (( وسكون )) . وهو خطأ .
(4) …في ( هـ ) : (( وبها )) .
(5) …محمد رواس قلعة جي : موسوعة فقه عبد الله بن مسعود ، ص472 . هود بن محكم الهواري : تفسير كتاب الله العزيز ، ج1 ، ص184 .
(6) …الآية 196 من سورة البقرة.
[ الإحرام : سننه ونواهيه ]
ووقت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (1) مواقيت الحج (2) التي يحرم منها الناس ، لا يجاوزها أحد ، إذا أراد الحج والعمرة إلا وهو محرم ، وقت (3) لكل ناحية منهم علم .
وسن في الإحرام الطهر في الأجساد ، والنقاء في الثياب . ونهى الله في التنزيل عن الرفث للمحرم ، وهو غشيان النساء ، فمن فعل بطل إحرامه بحج أو بعمرة ، [20] أو بهما جميعاً ، وعليه البدل من عامه ؛ وإن لم يستطع من عامة فمن قابل وعليه هدي كفارة ، مع البدل .
ونهى عن الفسوق ، وهي المعاصي .
ونهى عن الجدال ، وهو المراء ؛ فمن فعل ومارى بالباطل حتى يَغضبَ (4) أو يُغضِب صاحبه فعليه كفارة . فمن جادل بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فلا كفارة عليه .
[ حكم صيد الحرم وجزاؤه ]
__________
(1) …في ( هـ ) : سقط (( صلى الله عليه وسلم )) .
(2) …في ( هـ ) : (( الإحرام )) .
(3) …في ( هـ ) : سقط (( وقت )) .
(4) …في ( هـ ) : (( يغضبا ويغضب )) .
ونهى عن قتل الصيد صيد البر في الحرم ؛ وجاءت الرخصة في السنة أن تقتل من قاتلك من السباع . والجراد من الصيد . وجاء عن النبي عليه السلام : (( مكة حرام لحرام الله ، لا يحل صيدها ، ولا يختلى (1) خلاؤها ، ولا يعضد شجرها ، ولا تحل لقطتها )) (2) . وهذا في الحرم الذي يقال له الجمع ، وهو الأمن الذي لا يزول تحريمه . ومن لجأ إليه وعليه الحد فإنه (3) لا يبايع ولا يجالس ، ولا يطعم ولا يؤوى حتى يخرج من الحرم ن فيقام عليه حد ما اجترم .
ومن أحدث حدثاً في الحرم فإنه يقام عليه حد ما أصاب ، ومن قتل صيد بر في الإحرام فعليه الجزاء ، وهو قول الله تعالى(4) في كتابه : { لاَ تَقْتُلُواْ الصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ } : يعني صيد البر ، { وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاء مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ } (5) .
ومن أحرم من بلده أو موضع من المواضع قبل الحد الذي وقت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (6) لزمه إحرامه ، فليتق كل ما نهي عنه المحرم .
__________
(1) …اختلى خلاءه : سطا على منزله .
(2) …رواه الشيخان عن أبي هريرة . ورواه الربيع عن أنس بن مالك بلفظ : (( مكة حرام حرمها الله ، لا تحل لقطتها ، ولا يعضد شجرها ، ولا ينفر صيدها ، ولا يختلى خلاها )) فقال عمه العباس : (( إلا الإذخر يا رسول الله )) ، فقال : (( إلا الإذخر )) قال الربيع : لا يعضد : أي لا يقطع ، والخلا : الكلا ، والإذخر : نبت يصنع منه الحصر ، وتسقف منه البيوت . انظر : الربيع بن حبيب : الجامع الصحيح ، ج2 ، ص105 ، 106 ، كتاب الحج باب [2] في المواقيت والحرم ، حديث رقم 389 .
(3) …في ( هـ ) : (( وعليه المدافنة )) وهو تحريف .
(4) …في ( هـ ) : سقط (( تعالى )) .
(5) …الآية 95 من سورة المائدة.
(6) …في ( هـ ) : (( عليه السلام )) .
والأفاكر (1) والضفادع وطير الماء من صيد البر ، ولا بأس بقتل النحل للمحرم .
وجزاء قاتل الصيد بحكومة ذوي عدل اثنان يحكمان فما حكما به عليه لزمه ؛ فإن كان الجزاء دماً فإنه لا يكون إلا بمكة ، لأن الله يقول : { هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةٍِ } (2) . وإن كان صياماً أو كفارة طعام فحيث ما أطعم أو صام أجزاه ، وهو مخير بين الهدي والإطعام والكفارة . ولا يأكل شيئاً لا من جزاء ولا من فدية ولا من كفارة ، ولا بأس أن يأكل الرجل من كفارة غيره ، إذا كان فقيراً ما لم يكون رفيقه (3) . وقال بعضهم يأكل من جزاء غيره وكفارته ما لم تلزمه نفقته (4) ، ولا يحكم في ذلك واحد ، ولا يحكم هو لنفسه وإن كان يعلم ذلك .
والسنة المجتمع عليها لا يغط الرجل رأسه . وإن نسي وغطى ، اجهر بالتلبية ونزع (5) وإن مر عليه يوم أو ليلة كفر بدم .
ولا يلبس الرجل المحرم الأطواق (6) ولا سراويلات ولا خفين إلا مضطراً ، وليقلب ساقيها (7) إلى الكعبين (8) .
ولا يتقلد سيفا ولا يحتزم الخائف ؛ ورخص له في سيفه يمسكه معه ، قال بعضهم : يتقلد الخائف ، وقال بعضهم : يمسكه ولا يتقلده .
__________
(1) …لم أجد معنى هذه الكلمة في القواميس اللغوية والعلمية ، ولعل الأنسب للسياق هو ، الفقمة ، وهو الحوت البري البحري المعروف .
(2) …الآية 95 من سورة المائدة.
(3) …قال رسول الله ( - صلى الله عليه وسلم - ) : (( لا تأكل منه شيئاً ولا أحد من رفقتك )) . رواه أحمد ومسلم وابن ماجه عن ابن عباس . عامر الشماخي : الإيضاح ، ج1 ، ص336 .
(4) …في ( هـ ) : (( وكفاراته ما لم تلزمه نفقة )) .
(5) …في النسختين ( ب ) و( ج ) : (( ونرع )) بالراء ، والصحيح ما أثبت من ( د ) و ( هـ ) .
(6) …الأطواق جمع طوق : ما يلبس حول العنق وغيره .
(7) …في النسخ : (( ساقيهما )) . والصواب ما أثبت من ( هـ ) .
(8) …في ( هـ ) : (( الكعبتين )) .
ولا يلبس الرجل (1) المحرم الخاتم ، ولا يحتزم ، ولا يزر (2) عليه ثوبا . ولا يتطيب ولا يمس طيبا ، ولا يشمه (3) ؛ فإن فعل فدم يهريقه (4) ، ولا يكتحل بالأثمد (5) ، ولا يكتحل بالأنرروت (6) والمستكا (7) ، والأنرروت حب السودان ، ولا يدهن بلبان (8) ولا دهن ، ولا بأس أن يدهن (9) بما يتأدم منه ولا ينتف شعرا ولا يقلم ظفرا ، فإن آذاه ظفره وهو مكسور [21] نزعه ؛ ولا بأس أن ينزع المحرم الضرس إذا آذاه .
ولا بأس أن يحتجم وينصع بغيره (10) ، ويذبح المحرم ويتزوج ولا يباشر ، ويلبس من الثياب أيما (11) شاء وأي لون شاء ما لم يكن صبغها زعفران أو عصفر (12) ، وما كان من طيب فإنه لا يلبسه ؛ فإن غسل ولم ينتقص منه ولم يكن فيه ريح الطيب فلا بأس أن يلبسه .
ويلبس المحرم ما شاء من الثياب وإن لم يكن أحرم فيها ، إلا ما نهينا عنه (13)
__________
(1) …في ( هـ ) : سقط (( الرجل )) .
(2) …في ( ب ) و( ج ) : (( يزور )) ، وفي ( د ) و( هـ ) : (( يزر )) . والصواب : (( يأتزر )) أو (( يتأزر )) . أي يلبس لباسا فيه أزرار .
(3) …في ( هـ ) : (( يسمه )) . وهو تصحيف .
(4) …كذا في النسخ ، ولعل الأصوب : (( يريقه )) أو (( يهرقه )) .
(5) …في ( هـ ) : (( الإثمد )) ، بتاء مثناه . وهو تصحيف . والإثمد : حجر يكتحل به .
(6) …في ( هـ ) : (( الأنزورة )) .
(7) …( ب ) و( ج ) : (( المشكا )) ، وفي ( د ) و( هـ ) : (( المستكا )) .
(8) …في ( هـ ) : (( بيان )) وهو خطأ .
(9) …في ( هـ ) : سقط (( أن يدهن )) .
(10) …أن يحتجم لنفسه ويحتجم لغيره . وفي ( هـ ) : (( بغير )) .
(11) …كذا في النسخ ، ولعل الصواب : (( أيها )) .
(12) …العصفر : السنبل لأنه ذو رائحة .
(13) …في ( هـ ) : (( نهيا )) . وهو خطأ .
…والثياب المنهي عنها يجمعها حديث ابن عمر ، أن رجلا سأل النبي ( - صلى الله عليه وسلم - ) عما يلبس المحرم من الثياب ، فقال : (( لا يلبس القمص ، ولا العمائم ، ولا السراويلات ، ولا البرانيس ، ولا الأخفاف إلا أحد لا يجد نعلين فلبس خفين وليقطعهما أسفل الكعبين ، ولا يلبس من الثياب شيئا مسه الزعفران ولا الورس )) . رواه الربيع عن أبي سعيد الخدري برقم 406 ، وبلفظ المفرد . الجيطالي : قواعد الإسلام ، ج1 ، ص139 .
، وإن شاء المحرم باع ثيابه التي أحرم فيها ولبس غيرها .
[ إحرام المرأة ]
والمرأة في الإحرام مثل الرجل في كل شيء مما يحرم عليهما (1) ، إلا أن المرأة تلبس في الإحرام ما كانت تلبس قبل الإحرام ، إلا ما كان فيه طيب ، إلا البرقع (2) وتغطية الوجه ، ولا تلبس حريراً ولا خزاً (3) ، ولا تتزين ولا تكتحل ، ولا تنظر في مرآة إلا من علة ، وتنزع عنها حليها إلا ما خافت أن ينكسر بنزعه تركته إياه (4) .
[ المحرم والحشرات ]
ولا يقتل المحرم قملة (5) ولا يلقه من ثوبه ولا يطرحه عنه (6) ، ويطرح البرغوث (7) والقرادة (8) والحمنان (9) والحلمان (10) وكل ما ليس منه ، ولا يقتل من ذلك شيء .
وليدهن بعيره ويطليه (11) بالقطران (12) ويحكه ويقرده (13) .
[ فدية المحرم المريض ]
__________
(1) …في ( هـ ) : (( عليها )) . والأصوب ما أثبت من النسخ الأخرى .
(2) …ما تستر به وجهها وتبقي عينها .
(3) …في ( هـ ) : (( خراً )) . وهو تصحيف . والخز نوع من الحرير .
(4) …كذا في النسخ : إياه كلمة زائدة .
(5) …في ( هـ ) : (( قملة )) .
(6) …انظر جواز هذا في حديث ابن عباس . عامر الشماخي : الإيضاح ج2 ، ص267 .
(7) …برغوث : نوع من الحشرات .
(8) …القرادة جمع قردان : حشرة دموية تتعلق بظهر البعير ، مثل القمل للإنسان .
(9) …حمنان جمع حمنة : صغار القردان .
(10) …الحلمان جمع حلمة : صغير القردان .
(11) …في ( د ) : (( وليطليه )) ، كذا بإثبات حرف العلة ، والصواب حذفه . أو الصواب ما أثبت من ( هـ ) .
(12) …القطران : سيال دهني يؤخذ من شجرة الأبهل والأرز وغيرها .
(13) …يقرده : يلتقط منه القردان .
ونهى الله المحرم عن (1) الحلق حتى يبلغ الهدي محله ، فإن كان به أذى من رأسه فحلق ، ففدية من صيام أو صدقة أو نسك ، وفيها إضمار : { فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ } فحلق ، { فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ } (2) . وليس كل من مرض أو به أذى من رأسه تلزمه الفدية ، وإنما تلزمه الفدية إذا حلق ، وهذا اختصار من كلام العرب وهو معروف ، وقد ذكرته شعراء العرب ، وله نظير في كتاب الله مثل قوله لموسى : { أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ } ولم يقل : فضرب (3) ، ولكن لما قال : { أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ } على أنه قد ضربه فاكتفى وقصر (4) واختصر ، وهذا من أغرب (5) الكلام وأخصره . وهو مخير في الفدية بين الصيام والصدقة والنسك ، وهو شاة يذبحها .
__________
(1) …في ( هـ ) : (( على )) . وهو خطأ .
(2) …الآية 196 من سورة البقرة. وفي ( هـ ) سقط عبارة : (( وفيها إضمار : (( فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه )) فحلق (( ففدية من صيام أو صدقة أو نسك )) . وقد وقع للناسخ فيها انتقال النظر لتكرار عبارة كاملة )) .
(3) …في ( هـ ) : (( فضربه )) .
(4) …(( وقصر )) إضافة من ( هـ ) .
(5) …في النسخ : (( من أغراب )) . وأما في ( هـ ) : (( من إعراب )) ويبدو أن الصواب ما أثبتناه .
ومن (1) نتف شعرة أو شعرتين تصدق على مسكينين (2) ببر أو تمر ؛ ومن نتف ثلاث شعرات ولم يكفر حتى تلاحقت فدم (3) يهرقه . ومن نتف أكثر من ثلاث شعرات ثم لم حتى نتف شعر أخر فكفارة واحدة تجزيه دماً واحداً ما لم يفصل بينهما بكفارة ؛ وقال بعضهم : ذلك إذا (4) جمعه اليوم أو الليلة ، وما فرقة الأيام فكل يوم كفارة ، والأول أحب إلينا .
[ مستحبات الإحرام والتلبية ]
ومن أراد أن يحرم فليغتسل في بدء إحرامه ، وليلبس ثوبين جديدين أو غسيلين ، أو إزاراً أو رداء ، ثم يصلي صلاة مكتوبة إن كان حين الصلاة . ويستحب الإحرام دبر صلاة مكتوبة ؛ وإن [22] لم يوافق (5) حين صلاة مكتوبة صلى ركعتين ثم قال : (( اللهم إني أريد كذا )) لما أراد أن يحرمه ، ويسمي (6) حجة أو عمرة أو بهما جميعاً . والمسلمون يستحبون أن يبدأ بالعمرة قبل الحج ، وأيا ما فعل من ذلك فهو يجزي . غير أن أحسن الأمور وأفضلها أن يقدم العمرة . والتلبية فيهما والإحرام سواء ، فإن كان أراد العمرة فليقل : (( اللهم إني أريد العمرة ، فيسرها لي ، وتقبلها مني )) ثم يركع ركعتين ـ إن لم يكن حين مكتوبة ـ ويلبي ، والتلبية أن يقول : (( لبيك اللهم لبيك لا شريك لك لبيك ، إن الحمد والنعمة لك والملك ، لا شريك لك )) ؛ فإذا لبى قال : (( لبيك بعمرة تمامها وبلاغها عليك يا الله )) ، فلا يضرك بعد ذلك أن تلبي ولا تسمي (7) .
[ مناسك العمرة ]
__________
(1) …في ( هـ ) : سقط (( من )) .
(2) …في ( هـ ) : (( على مسكين ببر أو ثمر ، ومن نتف ثلاث شعيرات... )) . وقد تكرر فيها استبدال كلمة (( شعيرات )) بـ (( شعيرات )) . ولم نشر إلى ذلك لكثرتها .
(3) …في النسخ : (( بدم )) . والصواب ما أثبتناه من ( هـ ) .
(4) …في ( هـ ) : (( إذ )) .
(5) …في ( هـ ) : (( يوفق )) . وهو تحريف .
(6) …في ( هـ ) : (( ويسمين )) .
(7) …تسمي : أي تبين عـ ماذا تلبي عن عمرة أو حج ، عن نفسك أو عن غيرك .
وأكثر من التلبية كلما علوت شرفاً أو هبطت (1) وادياً أو لقيت راكباً ، وبالأسحار ، ولا يشغلنك (2) شيء من الحديث عن التلبية . ولا تقطع حتى تأتي الحجر الأسود ـ هذا للمعتمر ـ ثم يطوف بالبيت سبعة أشواط ، ثم يركع خلف المقام أو حيث يتيسر (3) له من المسجد ، وخلف المقام أفضل ؛ ثم يعود فيستقبل الحجر الأسود ، ثم يدعو بما فتح الله له (4) ، ثم يخرج إلى الصفا من الباب الذي يخرج منه ، ثم يأتي الصفا فيصعد عليه ، فيستقبل البيت ثم يكبر الله ويحمده ويهلله ، ويدعو بما فتح الله له بعد الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ثم يهبط من الصفا إلى المروة ، ثم يصنع بها مثل (5) ما صنع على الصفا ، يطوف كذلك بينهما سبع تطويفات (6) ، يبدأ بالصفا ويختم بالمروة ، ويسعى في بطن المسيل من العلم الأخضر إلى العلم الأخضر ، ثم يقص من رأسه ويأخذ من شاربه ولحيته وأظفاره ، فإذا فعل ذلك حل (7) له الحلال كله من الثياب والطيب والصيد ولحمه ، إلا ما حرم من صيد الحرم ؛ وحل (8) له النساء .
[ مناسك الحج ]
__________
(1) …في ( هـ ) : (( علوت وأهبطت )) .
(2) …في ( هـ ) : (( يشغلك )) .
(3) …في ( هـ ) : (( تيسر )) .
(4) …في ( هـ ) : سقط (( له )) .
(5) …في ( ب ) : سقط (( مثل )) .
(6) …في ( هـ ) : إضافة (( ثم )) .
(7) …في ( هـ ) : (( أحل )) .
(8) …في ( هـ ) : (( وانحل )) .
فإذا كان يوم التروية ، أتى المسجد فطاف بالبيت أسبوعاً (1) ثم يركع خلف المقام ، فإن (2) لبى وأحرم (3) بالحج من المسجد الحرام ، وإن شاء خرج إلى البطحاء ، فأحرم منها بالحج ، والمسلمون يستحبون الإحرام بالحج من البطحاء من المسجد الذي يقال له مسجد الجن ، فحيثما أحرم من حرم البطحاء أجزاه أو أحرم من الحرم ؛ فإنما يكون ذلك بالرواح (4) يوم التروية .
ولا يستحب التعجيل قبل الزوال (5) إلا لمريض أو ضعيف (6) ؛ ثم يخرج إلي منى ويبيت بها ليلة عرفة حتى يصبح ، ثم يرتحل إلى عرفات بعدما أصبح وينزل بها ، فإذا كان عند زوال الشمس اغتسل إن تيسر له ، وإلا فالوضوء يجزيه ، وليصب الماء على نفسه ، وليرفق بجسده ألا يدلكه إلا دلكاً رفيقاً (7) .
[ أنواع الغسل في الحج ]
وإنما يؤكد (8) في الغسل في المواطن التي (9) يذكر فيها الغسل في بدء الإحرامين :
__________
(1) …كذا في ( د ) و( هـ ) ، ولعل الصواب : (( سبعاً )) .
(2) …كذا في النسخ ولعل الصواب : فإن شاء لبى... .
(3) …في ( هـ ) : (( وانحرم )) . وهو تحريف .
(4) …الرواح : العشي .
(5) …في ( هـ ) : (( زوال الشمس ، إلا للمريض أو ضعيف )) .
(6) …أو ضرورة تقتضي التخفيف على المسلم ، فتوافق مقاصد الشريعة في رافع الحرج .
(7) …لئلا ينزع شعراً أو جلداً فتلزمه فدية .
(8) …يوكد : بمعنى أنه سنة مؤكدة يجب فيها دم إن أهملت ، وقيل : يجزيه الوضوء .
…انظر : عامر الشماخي : الإيضاح ، ج2 ص247 .
(9) …في جمع النسخ : (( الذي )) ، والصحيح ما أثبتناه .
الإحرام من الحد (1) الأول حين يحرم بالعمرة ، ويوم التروية (2) حين يحرم بالحج ؛ وأما الغسل الذي يدخل به الحرم (3) ، [23] والغسل الذي يدخل به (4) المسجد الحرام ، وغسل عرفات ، وغسل المزدلفة ، وغسل الزيارة ، وغسل الوداع ، والوضوء في كل ذلك يجزي ، والغسل أفضل ، فإذا زالت الشمس جمع بين (5) الصلاتين : الأولى والعصر مع الإمام أو وحده ، ثم وقف (6) إلى أن تغيب الشمس ، ولا يفيض قبل غروب الشمس من عرفات ، وقبل أن يفيض الإمام (7) ، فإذا أفاض الإمام والناس فاض معهم ، فإذا أتى مزدلفة صلى بها المغرب ، والعشاء جميعا ثم يبيت بها ، فإذا أصبح وأسفر الصبح أفاض إلى منى ، وليكثر ذكر الله تلك الليلة ، كما (8) قال : { فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُواْ اللّهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ } (9) : وهو المزدلفة ، وهو جمع يجمع بها بين الصلوات ؛ فإذا أصبح وفاض الإمام والناس أفاض معهم حتى يأتي منى ؛ فإذا أتى جمرة العقبة أمسك عن التلبية بالحج ، ولا يمسك عن التلبية بالحج حتى يأتي جمرة العقبة حين أراد أن يرمي ، وليرمها من بطن الوادي بسبع حصيات ، ويكبر مع كل حصاة ، ولا يرميها من فوق العقبة ، ولا يرميها إلا بحصى الحرم ؛ ومن رمى بحصى غير (10) الحرم فعليه الإعادة ؛ وإن فاتته فعليه دم لكل جمرة كل يوم ؛ وإن وقع شيء من الحصى الذي يرمي به على إنسان أو دابة أو محمل أبدله .
__________
(1) …الحد : الميقات .
(2) …التروية : اليوم الثامن من ذي الحجة .
(3) …في ( هـ ) : (( يدخل في الحرم )) . وهو خطأ .
(4) …في ( هـ ) : إضافة (( في )) .
(5) …في ( هـ ) : سقط (( بين )) .
(6) …في ( هـ ) : (( يقف )) .
(7) …الإمام : يعني به إمام الظهور ، أي الخليفة أو أمير المؤمنين .
(8) …في ( هـ ) : سقط (( ثم )) .
(9) …الآية 198 من سورة البقرة.
(10) …في ( هـ ) : (( بغير حصا الحرم )) .
فإذا رمى جمرة العقبة ذبح إن كان متمتعاً أو قارناً ؛ وإن كان مفرداً بالحج وليس معه هدي حين حلق يرمي . فإذا ذبح (1) المتمتع أو القارن حلق رأسه ، فإذا حلق (2) حل له كل شيء إلا النساء والصيد حتى يزور البيت ، فإذا زار البيت حل له جميع الحلال (3) كله .
[ مواقيت الحج ]
ولا يحرم بالحج في غير أشهر الحج ، وأشهر الحج المعلومات التي ذكر الله : شوال وذو العقدة وعشرة (4) من ذي الحجة ، وإنما ذكر العشرة لأن (5) الإحرام يكون في بعض العشرة ، لأن يوم عرفة يوم التاسع ، فلا يكون الإحرام بالحج إلا قبل الوقت لمن ضاق به . وأما المتمتع عليه قدر ما يبلغه من ميقاته ، فإنه لا يجاوز الميقات من لم يحرم بعمرة إلا وهو محرم بالحج .
[ منهيات الإحرام ]
فإذا أحرم المحرم من الميقات أو قبل الميقات بالحج أو بالعمرة أو بهما جميعاً فليتق كل ما نهي عنه ، ولا يأكل صيد بر ـ وإن صاده غيره ـ وهو قول ابن عباس ، وبه أخذ أصحابنا ، وعليه اعتمدوا ؛ يقول : الآية مبهمة (6) : { وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا } (7) يقول : مبهمة (8) في الأكل والقتل ، وأن غيره يفسر الآية على القتل لا على الأكل مثل الآية الأخرى : { لاَ تَقْتُلُواْ الصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاء مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ } (9) ومن أكله فعليه الجزاء في قولنا :
__________
(1) …في ( هـ ) : (( أذبح )) . وهو خطأ .
(2) …في ( هـ ) : (( أحلق )) . وهو خطأ .
(3) …في النسختين : ( ب ) و( ج ) : (( الحليل )) .
(4) …في ( هـ ) : (( وعشرين )) .
(5) …في ( هـ ) : (( لأجل )) .
(6) …يقول هنا ، يعني ابن عباس في الرأي المعتمد .
(7) …الآية 96 من سورة المائدة.
(8) …في ( هـ ) : (( مبهم )) . وهو خطأ .
(9) …الآية 95 من سورة المائدة.
كفارة مثل ما أكل . ومن قتله خطأ يحكم عليه بالجزاء ، وكما يحكم [24] فيه بالعمد في قولنا الذي نأخذ به ، وإنما افترقوا في الإثم لا في الجزاء (1) ، وكذلك من قتل صيد بعد صيد يحكم عليه في قولنا بالجزاء ولا نأخذ بقول من يقول : لا يحكم عليه بالإعادة بالجزاء ويترك ونقمة الله ، لأن الله يقول : { وَمَنْ عَادَ فَيَنتَقِمُ اللّهُ مِنْهُ } (2) ؛ وعلماؤنا وأيمتنا أنهم يحكمون بالجزاء ، فإذا أحللت حل لك الحلال كله .
[ أحكام الإحرام ]
__________
(1) …يعني الذي قتل خطأ لا إثم عليه رغم أنه مكلف بالجزاء ، والذي تعمد أثم وكلف بالجزاء ، فرغم أن الآية تخصص الجزاء بالمتعمد فإن العلماء أوجبوه كذلك على المخطئ ، عملا بقاعدة : (( الخطأ لا يزيل الضمان )) . انظر : عامر الشماخي : الإيضاح ج2 ، ص373 وما بعدها . هود بن محكم الهواري : تفسير كتاب الله العزيز ، ج1 ، ص497 .
(2) …الآية 95 من سورة المائدة.
والمحرم بالعمرة يحل إذا طاف بالبيت وركع وسعى بين الصفا والمروة وقصر . والمحرم بالحج لا يحل حتى يرجع من عرفات ، ويقف بالمشعر ويرمي جمرة العقبة يوم النحر ، ويذبح ويحلق إن كان متمتعاً بالعمرة إلى الحج أو قارناً بحج وعمرة . وأما المفرد بالحج الذي لا يسوق الهدي فلا هدي عليه ، ولكن يرمي ويحلق ، فإذا حلق حل به كل شيء إلا النساء والصيد . والمتمتع والقارن يحلان إذا حلقا بعد الذبح ، يحلان من كل (1) شيء إلا النساء والصيد ، حتى يزورا (2) البيت . وكذلك المفرد إذا زار وطاف أسبوعاً (3) ركع وطاف بالصفا والمروة حل من النساء والصيد ، وحل المهل (4) بالحج .
والبيت الحرام لا يحل أبداً وما حوله من الحرم صيده ونباته إلا الإذخر (5) فإنه رخص فيه للبيوت والقبور والخضروات (6) التي يزرعها الناس في الحرم لا بأس بها من بقل أو شجر ، لأن مكة حرام لحرام الله يوم خلق السموات والأرض . ذكروا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : (( مكة حرام لحرام الله ، لم تحل لأحد قبلي ، ولا تحل لأحد بعدي ، وإنما حلت لي ساعة من النهار )) (7) يعني يوم فتح مكة .
[ مبطلات الحج ]
__________
(1) …في ( ج ) سقط (( كل )) .
(2) …في ( د ) و( هـ ) : (( يزوران )) . وهو خطأ ، والصواب حذف النون ، لأنه منصوب بأن مضمرة جوازاً بعد حتى .
(3) …كذا في ( د ) و( هـ ) ، والصواب : (( سبعاً )) . وفي ( هـ ) : (( زارا وطافا أسبوعاً ، وركعا وطافا بالصفا والمروة حلا )) بصيغة المثنى .
(4) …في ( هـ ) : (( المهمل )) . وهو تحريف واضح .
(5) …الإذخر جمع إذخرة : حشيش طيب الرائحة يسقف به البيوت فوق الخشب .
(6) …في ( هـ ) : (( الحضورات )) . وهو تحريف .
(7) …رواه الشيخان عن أبي شريح العدوي . والربيع رواه في خطبة عام الفتح برقم 419 .
ومن لم يلب فلا حج له ولا عمرة ، ومن لم يقف بعرفات فلا حج له (1) ، ومن لم يطف بالبيت فلا حج له ولا عمرة .
[ مخالفات الحاج وكفاراتها ]
ومن ترك من المشاهد سوى ما ذكرنا يكفّر له ، وذلك من لم يقف بالمزدلفة يهرق دماً .
ومن لم يرم الجمار يكفر ـ إن فاته رمي يوم النحر ، والجمرة الكبرى ـ بشاة يهرق دمها ويتصدّق .
ومن فاته الرمي في اليومين الأوسطين فليتصدق ، وليبدل الرمي في اليوم الثالث . ومن فاته آخر الرمي فشاة لكل جمرة . أعظم الرمي أوله وأخره .
ومن فاته الرمي كله فعليه لكل جمرة كل يوم شاة ، فذلك تسعة أشياه ، والشاة العاشرة لجمرة العقبة يوم النحر .
ومن فاته حضور ليلة من ليالي منى فعليه دم .
ومن تعجل فنفر (2) في اليوم الثاني فلا شيء عليه في رمي اليوم الثالث إذا نفر قبل الليل ، فإذا أدركه الليل ، في حد منى فلا ينفر (3) إلا في اليوم الثالث إلا أن يكون خائفا على نفسه ولا يرمي (4) قبل زوال الشمس في أوّل النهار إلاّ من فاته أمس قضاه أول النهار إن شاء ، [25] وإن شاء أخره إلى زوال الشمس .
ومن نقص من سبعة من الحصى أعاد تلك الواحدة ؛ وإن فاتته الإعادة فدم . ومن رمى حصاتين (5) معا فهي رمية يعدها حصاةً واحدة ، ويرم (6) بعدها ستة ؛ وإن فاته أهرق دماً . ومن زاد في الرمي فلا يضرّه ولا يفسد عليه .
__________
(1) …في ( هـ ) : سقط عبارة : (( ومن لم يلب فلا حج له ولا عمرة ، ومن لم يقف بعرفات فلا حج له )) , وقد وقع للناسخ فيها انتقال النظر لتكرار : (( ومن لم... )) .
(2) …نفر : رحل إلى بلده مع جماعة من الناس .
(3) …في ( هـ ) : (( يفر )) , وهو تحريف .
(4) …في ( د ) و( هـ ) : (( ترمي )) . وهو خطأ ، والصواب ما أثبت .
(5) …في جميع النسخ : (( حصاة )) ، وفي ( هـ ) : (( خطاه )) ، وهو تصحيف ، والأنسب ما أثبت .
(6) …في ( هـ ) : ((ويرمي )) .
ومن رجع إلى بلده ولم يطف طواف الزيارة أبطل ؛ وعليه الطواف ، يعود من بلده فيقضيه ويكّفِر .
ومن رجع إلى بلده لم يطف طواف الوداع فعليه دم . (1)
ومن ترك ركعتي الطواف حتى يخرج من المسجد فليركعهما (2) ما دام في الحرم ؛ فإن خرج من الحرم فليركعهما حيث كان .
وإن أتى منزله فليهد شاة ، لتأخيره ركعتي الطواف .

الباب الثالث
مسائل في المعاملات
[ باب في تفسير المظالم والمحاربة ]
من أسلم ثم أشرك فإنه يقتل لقول الله تعالى : { وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ } (3).
[ تفسير المحاربة ]
قال الله تعالى : { إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ } (4) وذلك من حارب وقطع الطريق ، فأصاب في محاربته الأموال الأنفس ، أنه يقتل إذا قدر عليه ، ومن أصاب الأموال ولم يقتل قطعت يده ورجله (5) { مِّنْ خِلافٍ } : يده اليمنى ورجله اليسرى .
ومن قطع الطريق من أهل الشرك ثم قدر عليه ، وقد أصاب الأموال والأنفس فإنه يصلب . ولا يصلب أحد من أهل الإقرار (6) .
وإن جاء تائباً قبل أن يقدر عليه هدر (7) عنه ما أصاب في محاربته .
__________
(1) …في ( هـ ) : سقط (( دم )) .
(2) …في ( هـ ) : (( فليركعها )) .
(3) …الآية 217 من سورة البقرة.
(4) …الآية 33 من سورة المائدة.
(5) …في النسختين : ( ب ) و( ج ) : (( ورجلاه )) .
(6) …الإقرار : التوحيد . انظر : القطب اطفيش : تيسير التفسير ، ج2 ، ص74 .
(7) …هدر : أبطل .
ولا يهدر عن أحد من الإقرار ما أصابه في محاربته (1) ؛ فإن طلبه الإمام فامتنع فهو باغ ، لا يقارب ولا يترك حتى يسلم لحكم الله ، ويقاتل على امتناعه ؛ فما أصاب في امتناعه من الأنفس وما دونها من الجراحات يهدر عنه ولا يؤخذ به ، لأنه لا قصاص بينه وبين المسلمين ، لا يقيدوه من أنفسهم فيما أصابهم منه ، وكذلك لا يعطوه لأنّه إذا نزل قوم منزلة لا نعطيهم القصاص من أنفسنا فيما أصبنا (2) منهم .
كذلك لا نأخذ (3) منهم بما أصابوا . ولا يستقيم أن نستحل قوماً فنأخذ منهم القصاص , ولا نعطيهم مثل ذلك من أنفسنا .
وأما النفي الذي ذكره الله فهو أن يطلبهم الإمام والمسلمون بإقامة ما حكم الله بينهم وعليهم ـ من القتل والقطع والصلب ـ فيهربون فلا يؤمنون في شيء من بلاد (4) المسلمين ؛ وليس ذلك على معنى ما يقول من يقول : إن الإمام [26] فيهم مخير إن شاء قتلهم ، وإن شاء شلبهم ، إن شاء قطعهم ، وإن شاء نفاهم .
ولا يحل ما يقول من يزعم أن النفي هو الحبس ، ولكنه كما فسره العلماء : النفي أن يطلبوا بما حكمه (5) الله فيهم فيهربون ، فلا يؤمنون في شيء من بلدان المسلمين (6) .
[ أحكام القطع في الإسلام ]
قال الله تعالى في القطع : { وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } (7) .
__________
(1) …في ( هـ ) : سقط (( ولا يهدر عن أحد من أهل الإقرار ما أصابه في محاربته )) . وقد وقع للناسخ فيه انتقال النظر لتكرار : (( في محاربته )) .
(2) …في النسخ : (( أصابنا )) ، والصحيح ما أثبت من ( ج ) .
(3) …في ( هـ ) : (( تؤخذ منهم فما أصابوا )) .
(4) …في ( هـ ) : (( بلدان )) .
(5) …في ( هـ ) : (( حكم )) .
(6) …انظر هذا المعنى في : هود بن محكم الهواري : تفسير كتاب الله العزيز ، ج1، ص467 . القطب اطفيش : تيسير التفسير ، ج2 ، ص75 .
(7) …الآية 38 من سورة المائدة.
القطع حكم جرى على الأحرار والعبيد والذكور والإناث والموحد والمشرك إذا أخرج المال من الحرز (1) .
يقطع إذا كان الذي أخرج من المال يساوي قيمة أربعة دراهم فصاعداً ، وقال بعضهم : خمسة دراهم . وقالوا : (( لا تقطع الخمس إلا في الخمس )) (2) ، وقال بعضهم : عشرة دراهم (3) ؛ وقولنا الذي نأخذ به ونعتمد عليه : القطع في أربعة دراهم (4) . وقالوا لنا (5) : فمن أين جاز لكم في قولكم القطع في أربعة دراهم وأنتم قد جمعتمونا (6) على الأكثر ، فما حجتكم وما شاهدكم على الأقل ؟ وأنتم مدعون ؟! قلنا : فأي دليل وأي حجة أقوى من كتاب الله ؟! فإن الله يقول : { وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } (7) ، فجاءت الآية مجيء عموم فلم يخرج (8) ولا يخرج من جملتها وحكمها ، إلا ما أجمع العلماء عليه أنّه خرج منها ، وإلا فالحكم حكم العام .
__________
(1) …الحرز : هو الموضع الحصين ، لقوله - صلى الله عليه وسلم - : (( لا قطع في التمر حتى يؤويه الحرز )) رواه ابن بركة العماني في جامعة ج2 ، ص473 .
(2) …هذا رأي المعتزلة . انظر : ابن بركة : الجامع ، ج2 ، ص478 .
(3) …وهو رأي أبي حنيفة . انظر : ابن بركة : الجامع ، ج2 ، ص478 .
(4) …استناداً إلى أن رسول الله ( - صلى الله عليه وسلم - ) قطع في مجن قيمته ربع دينار . وروي عنه ( - صلى الله عليه وسلم - ) عن طريقة عائشة أنها قالت : (( القطع في ربع دينار فصاعداً )) . رواه أبو داود والنسائي ومالك والربيع . انظر : ابن بركة : الجامع ، ج2 ، ص473 .
(5) …في ( هـ ) : (( قولنا )) . وهو خطأ .
(6) …في ( د ) و( هـ ) : (( جامعتمونا )) ، والصواب ما ورد في غيرها : (( جمتمونا )) : اتفقيتم معنا .
(7) …الآية 38 من سورة المائدة.
(8) …في ( هـ ) : سقط (( فلم يخرج )) . وقد كرر للتأكيد .
والوجه الثاني : إنما جاءت السنة في قطع يد السارق سرق مجناً (1) ، فاختلفوا في قيمة المجن فإن كنت إنما تنظر إلى موضع الدعوات فالذي يدعى الأكثر ـ من المختلفة ـ هو المدعي .
وإنما يقطع يده اليمنى ، وهذا من سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . والسنة أن يقطع من أخرج من الحرز ؛ ولا يقطع إلا بإقرار أو بشاهدين (2) عدلين .
واختلفوا في إقرار العبد ، قال بعضهم : لا يجوز إقرار العبد على نفسه وهو مال ؛ وقال بعضهم : يجوز إقراره في إتلاف نفسه في القطع والقتل ولا يجوز إقراره في مالٍ .
[ أنواع السرقة وأحكامها ]
ولا يقطع المختلس ولا الخائن ولكن يعاقب (3) .
والمختلس الذي يسرق من المرعى أو من الجبال ، أو من البراري ، ما لم يخرج من المراح (4) والخزائن (5) والدوار (6) والمرابض (7) .
والخائن الذي يدخل بإذن ، فيخون الأمتعة فيسرقها ، أو سرق من أصحابه وهو معهم .
__________
(1) …المجن : الترس ، انظر : أبو غانم : المدونة الكبرى ، ج2 ، ص287 .
(2) …في ( هـ ) : (( وبشاهدين )) .
(3) …في ( هـ ) : (( يعاقبوا )) ، والصحيح ما أثبت . وفي ( د ) : تكرار (( الخائن )) .
(4) …كذا في ( د ) و( هـ ) ، وفي النسختين ( ب ) و( ج ) : (( المراج )) . ولعل الصحيح المروج وهي أرض واسعة فيها نبت كثير ترعى فيها الدواب .
(5) …كذا في النسختين ( د ) و( هـ ) وفي ( ب ) و( ج ) : (( الخزائل )) ، ولعل الصحيح الخمائل حسب السياق وهي غابة ذات أشجار كثيرة وكثيفة .
(6) …الدوار : المنازل .
(7) …في ( هـ ) : (( المرابظ )) ، وفي ( هـ ) : (( المرابط )) . ولعل الصواب : المرابض : وهو مأوى الغنم .
ومن سرق دابة لها راع يقطع يده ؛ فإن كابروه (1) فإنه يقطع يده ورجله من خلاف ؛ وإن سرق الدابة مع راعيها فإنه لا يقطع ، وقد خرج إلى حال الاختلاس أقرب وأشبه ، لأنه لم يكابر فيكون محارباً ، ولم ينزل الحرز فيخرج منه المال فيكون سارقاً .
ومن سرق صغيراً (2) فإنه يقطع ، ومن سرق كبيراً فإنه لا يقطع (3) .
[ باب [27] في القصاص ]
قال الله تعالى : { وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ } (4) و {... الْفَاسِقُونَ } (5) و {... الْكَافِرُونَ } (6) تفسير ذلك أن نفس المؤمن تقتل بنفس المؤمن الحرّ ، إذا كان القتل عمداً .
ولا يقتل الحر بالعبد ، ولا المسلم بالمشرك ، ولكن الدية إذا كان معاهداً . ولا يقتل العبد المسلم بالمشرك ، ولا الحر بالمشرك ، ولكن الدية .
__________
(1) …كابروه : غالبوه مغالبة ، أي أثبتوا الحجة عليه .
(2) …في ( هـ ) : (( سغيراً )) . وهو تحريف .
(3) …هنا يشير إلى سرقة إنسان . والكبير يسير بمطاوعة .
(4) …الآية 45 من سورة المائدة.
(5) …الآية 47 من سورة المائدة.
(6) …الآية 44 من سورة المائدة.
ولا يقتل الرجل بامرأة حتى يؤدا (1) نصف الدية في قول بعضهم ؛ وقال بعضهم : يقتل . وذكروا أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قتل ثلاثة في امرأة ، وقال : (( لو اشترك في قتلها أهل صنعاء لقتلتهم )) (2) . ولا يقتل عبد بعبد أفضل منه حتى يؤدوا فضل القيمة . والمرأة نصف الرجل (3) .
[ الديات أنواعها وأحكامها ]
ودية الرجل مائة من الإبل ؛ هذا من قضاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (4) . ودية العبد ثمنه ، وجراحاته على قدر ثمنه . وكل ما هو نصف في الحر فهو في العبد نصف ثمنه (5) فذلك إلى أقل قليل وأكثر كثير . واصطلح المسلمون أن دية الخطأ على العاقلة بقدر قربهم ، الرجال دون النساء ، لكل رجل منهم أربعة دراهم ؛ فإن فضل ، قسّم على الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم ؛ فإن لم تتم أعيدت أيضاً كذلك ، فإن لم تتم أعيدت أيضاً كذلك .
__________
(1) …في ( د ) (( يدوا )) وهو خطأ .
(2) …نفس الكلام رواه مالك عن سعيد بن المسيب علي رجل لا على امرأة بلفظ " (( لو تمالاً عليه أهل صنعاء لقتلتهم جميعاً )) المطأ : كتاب العقول ، باب ما جاء في الغيلة والسحر ، رقم 13 .
(3) …قال أبو غانم الخراساني : (( هو قول أبي عبيدة... وعلي بن أبي طالب )) . المدونة الكبرى ، ج2 ، ص302 .
(4) …رواه أبو داود عن جد عمرو بن شعيب . سنن أبي داود : حديث رقم 4541 . والربيع عن أبن عباس برقم 661 .
(5) …أي بعبارة أخرى : كل ما يمكن تنصيفه في الحر ـ مثل العينين ـ فهو في العبد كل نصف بنصف ثمنه في العبد .
ولا تعقل العاقلة عمداً ولا عبداً ولا صلحاً ولا اعترافاً ، وأما ما جنى المملوك (1) ؛ ولا تعقل ما دون الثلث ، وقال بعضهم : تعقل العاقلة ما فوق الموضحة (2) ، ولا تعقل ما دونها .
وتعقل دية الخطأ في ثلاثة أعوام : الثلثين في عامين ، والثلث في عام .
وقد أمر الله الطالب أن يطلب بالمعروف ، وأمر المطلوب أن يؤدي إلى صاحبه بإحسان ، وقال في ذلك : { فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاء إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ } حيث جعل لهم أخذ الدية ، قال : { فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ } (3) : يعني من قتل بعد أخذ الدية يقتل ، ولا يعفى عنه ولا يؤخذ منه الدية ؛ ولا عفو للقاتل بعد أخذ الدية . وإن عفى عنه ولي المقتول فالسلطان يقتله . ومن قتل بالدينونة (4) فهو إلى السلطان يقتله ، فلا يجوز فيه عفو الأولياء .
وكذلك من قطع الطريق بالمسلمين فأمره إلى السلطان ليس إلى الأولياء .
واختلف العلماء في قتل الغيلة ، فقال بعضهم : هو إلى السلطان وليس إلى أولياء المقتول ، ولا يعفى عنه ، ولا عفو له . وقال بعضهم : هو إلى الوالي .
[ تفسير الغيلة ]
وتفسير الغيلة : أن يغتال بالرجل فيدعى إلى طعام [28] أو إلى جماعة أو إلى خير يؤتى به إلى مكان مطمئن استمكنوه ، وهو مغتر لا يعلم ما يراد به ، فهذا وجه الغيلة .
[ تفسير الفتك ]
__________
(1) …كذا في ( د ) ، وفي النسختين ( ب ) و( ج ) : (( ولا اعترافا ما جنى المملوك )) ، ولعل الأنسب : (( ولا ما جنى المملوك )) . انظر : القطب اطفيش : شرح النيل ج15 ، ص138.
(2) …الموضحة : شجة كشفت العظم ولم تكسره .
(3) …الآية 178 من سورة البقرة.
(4) …يقصد به المرتد .
وأما الفتك : فهو أن يأتي بيته (1) في مكان غافلاً لا يرى أنه يراد به بأس ، فيقتله مفاجأة فذلك الفتك ، فهو الذي يقال فيه : (( قيد الإسلام الفتك ، لا يفتك مؤمن )) (2) . ولا فتك في الإسلام .
[ تفسير الغدر ]
وأما الغدر : فهو أن يعطيه الأمان ثم يقتله وهو أشر هذه الوجوه .. ( وأما العقص : فهو أن يضرب بحديد ثم يموت مكانه ) .
[ تفسير شبه العمد ]
وأما شبه العمد من الخطأ : فهو أن يضرب بما لا يقتل مثله ، ثم يموت مكانه ، ففيه وقع الخلاف ، قال بعضهم دية ولا قود (3) .
وقال بعضهم يقاد منه لأنه تعمد ضربه وإن لم يتعمد قتله ، ولا تعقله العاقلة .
[ باب الخطأ المحض ]
وأما الخطأ المحض الذي تعقله العاقلة : فهو أن يهوي الرجل بضربة أو رمية إلى صيد أو دابة أو إنسان فيصيب غيره ، أو يسقط منه شيء فيصيب به إنساناً ، أو يسقط هو بنفسه ، أو يصيح صائح فيقع إنسان من أجل صيحته .
وما أشبه هذه الوجوه ، فهو (4) الخطأ المحض الذي تعقله العاقلة بالبينة .
[ باب الخطأ العمد ]
وأما الخطأ العمد : فالذي يتعمد الضربة بغير حديد . بما لا يقتل مثله ، يقال له (( خطأ العمد )) ، يقال له (( عمد )) (5) لأنه تعمد الضربة ، ويقال له (( خطأ )) لأنه لم يتعمد القتل ؛ فالدية فيه في مال الجاني ، ولا تعقله العاقلة .. فقال بعضهم يقاد منه .
__________
(1) …في ( ج ) : (( يؤتى بيته )) .
(2) …حديث رواه أبو داود بلفظ : (( إن الإيمان قيد الفتك ، قيد الفتك ، لا يفتك مؤمن )) . كتاب الجهاد ، حديث رقم 157 . انظر : ونسنك : المعجم المفهرس لألفاظ الحديث ، ج5 ، ص57 . رواه الربيع عن جابر بن زيد مرسلا بلفظ : (( الإيمان قيد... )) برقم 997 .
(3) …في ( د ) : (( قوة )) والصواب ما أثبتناه من غيرها .
(4) …في ( هـ ) : خرم مقداره ورقة كاملة من قوله : (( ومن سرق صغيراً فإنه يقطع... )) إلى موضع هذا الهامش .
(5) …في ( هـ ) : سقط (( يقال له عمد )) .
والمرتت : أن توهنه (1) الجراحات فيموت بعد ذلك . فعلى هذه الوجوه جرت الأحكام .
[ العفو وفضله ]
وأما العفو : وما ذكر الله منه ، فما ذكر في سورة المائدة قوله : { فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ } (2) يعني كفارة لذنوبه . وقال في { حم، عسق } : { وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا } (3) يقول جزاء جراحة جراحة مثلها ، فبدأ بذكر القصاص قبل العفو ؛ وكذلك في سورة المائدة بدأ القصاص قبل العفو ، ثم ختم بالعفو وفضله ، ومدح به فاعله ، ووعد الأجر عليه ، قال جزاء الجارح أن يساء إليه كما أساء إلى المجروح حين جرحه فيساء إليه فيقتص منه ، ثم ذكر العفو فقال : { فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ } (4) . ثم قال : { وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ } يقول : المظلوم (5) ينتصر فيأخذ حقه من الظالم ، { فَأُوْلَئِكَ مَا عَلَيْهِم مِّن سَبِيلٍ } (6) يقول : من عدوان في أخذهم الحق ممن ظلمهم ، { إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُوْلَئِكَ لَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ } (7) يعني في الآخرة عذاب وجيع ، وفي الدنيا القصاص ، ثم قال : { وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ } (8) يعني يقول : من حق الأمور . يقال : إن مناديا (9) ينادي يوم القيامة : (( ألا من كان له أجر على الله فليقم إلى أجره فليأخذه )) فيقال : (( من هذا الذي
__________
(1) …في ( هـ ) : (( تهنه )) وهو خطأ .
(2) …الآية 45 من سورة المائدة.
(3) …الآية 40 من سورة الشورى.
(4) …الآية 40 من سورة الشورى.
(5) …في ( هـ ) : (( للمظلوم )) .
(6) … الآية 41 من سورة الشورى.
(7) …الآية 42 من سورة الشورى.
(8) …الآية 43 من سورة الشورى.
(9) …في النسختين ( ب ) و( ج ) : (( منادي )) . وفي ( د ) و( هـ ) : (( مناد )) . والأنسب ما أثبت .
له على الله أجر ؟ )) .
فيقال : (( من عفا وأصلح )) ـ والعفو من الأعمال الصالحة ـ فيقومون إلى أجورهم فيأخذونها .
قال الله : { وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ } (1) وقال بعض أهل العلم : العفو باب جامع لك ولصاحبك إذا ظلمك كان لك أجر ظلمه إياك وكان عليه وزره ؛ فإن أخذت حقك لم تظلم ؛ فإن عفوت عنه كان لك أجر عفوك مع ظلمه إياك ، وينقلب صاحبك لا له ولا عليه . وقال : (( واحدة بواحدة والبادئ أظلم )) .
ومن قتل على ماله فلا يعفى قاتله ، وهو إلى الإمام ، ولا يجوز فيه العفو ، عفو الولي ، ولكن القتل ، لأن هذا محارب .
[ باب المقاسم في المغانم (2) والفيء والصدقات ]
قال الله عز وجل : { وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ } (3) . فهذا قسم الله في تنزيله الخمس بين هؤلاء الستة ، وأربعة أخماس لمن قاتل عليه : للفارس سهمان ، وللرجل (4) سهم . ومن كان له أفراس لا سهم إلا للذي (5) قاتل عليها . ولا سهم للعبد ولا للذّمّيّ ، ولا لمن لم يبلغ ، ولكن يرضخ (6) لهم . ولا سهم لامرأة وإن قاتلت (7) إلا الرضخ (8) .
وما وجد من الكنوز مدفونا أو في القبور غنيمة إذا لم يكن لقبلي .
__________
(1) …الآية 134 من سورة آل عمران.
(2) …في ( د ) : (( المغنائم )) . وهو خطأ . والصواب ما أثبت من ( هـ ) .
(3) …الآية 41 من سورة الأنفال.
(4) …في ( هـ ) : (( والرجل )) . ولعل الصواب : وللرجل .
(5) …( ب ) : (( إلا في الذي )) . وفي ( هـ ) : (( إلا الذي )) . ولعل الصواب ما أثبت من ( د ) .
(6) …الرضخ : الأعطية القليلة .
(7) …في ( هـ ) : (( قاتل )) وهو خطأ .
(8) …المسألة فيها خلاف بين العلماء . انظر تفصيلها عند القطب اطفيش : كتاب وفاء الضمانة بأداء الأمانة ، ج3 ، ص95 .
ومسك محمد عليه السلام ، الخمس يخرج منه لمن ذكره الله له الذين (1) سماهم الله غير سهمين من الستة ساقطين سهم رسول الله عليه السلام ، لأنه ليس لأحد أن يرثه ، ولا يكون لأحد بعده ، وسهم ذي القربى لأنه إنما كان يومئذ لقرابة رسول الله عليه السلام ، إذا كان حيا ، فأما اليوم سهمهم ساقط .
فالخمس (2) اليوم يقسم على أربعة أسهم : سهم الله ، وسهم اليتامى ، وسهم للمساكين (3) ، وسهم لابن السبيل .
فأما سهم الله فإنما هو في القوة والعدة ، يقوى منه الغزاة . فما كان من صنف لم يحضر من هؤلاء الصنوف رفع ربع الخمس وكتب عليه اسم ذلك الصنف ورفع ، فإذا حضروا أخذوا حقهم وأربعة أخماس لمن وجده ، إلا أن يكون عبداً أو امرأة أو مشركاً أو طفلاً ، فهؤلاء لم يكن لهم حق في الغنيمة ، ولكن (4) ينظر لهم الإمام ، ويقسم سائره قسم الفيء .
والفيء يكون لهؤلاء الصنوف الأربعة ، وغيرهم من جميع الناس ـ غنيا كان أو فقيراً ـ من المسلمين ما خلا مملوكاً ، وذلك لقول الله تعالى : { كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاء مِنكُمْ } (5) يعني لما ذكر من الصنوف ما ذكر ، [29] فقال : (6) { مَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ } (7) فقال : لهؤلاء فيه حق يقطعون من الفيء لئلاً يذهب (8) به الأغنياء كله ، ولا يكون لهؤلاء فيه شيء .
__________
(1) …في ( هـ ) : (( ذكره الله الدين )) .
(2) …في ( هـ ) : (( بالخصص )) . وهو تحريف .
(3) …في ( هـ ) : (( المساكين )) . بدون لام الجر .
(4) …في جميع النسخ : (( ولا ينظر لهم الإمام )) . ولعل الصواب ما أثبتناه من ( هـ ) حسب السياق .
(5) …الآية 7 من سورة الحشر.
(6) …كذا في جميع النسخ ولعل الصواب حذف الفاء : (( قال )) .
(7) …الآية 7 من سورة الحشر.
(8) …في ( هـ ) : (( يذهبون )) .
ثم قال : { لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ } يعني لفقراء (1) المهاجرين فيه حق ، { الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ } أخرجهم المشركون (2) من مكة وغيرها ، { يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ } (3) .
ثم قال : { وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ } : يعني الأنصار ، { وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ } : يعني قبل دخول المهاجرين ، وقد كان إيمان المهاجرين قبل إيمان الأنصار ، { يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ } من المهاجرين ، وواسوهم في الدور والأموال ، { وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ } : يعني ضيقا وحاجة ، { وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } (4) .
ثم قال : { وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ } : يعني من دخل الإسلام بعد فتح مكة ، إلا من هاجر قبل الفتح . وبعد الفتح سموا تابعين بإحسان إلى يوم القيامة .
فكل صنف من هؤلاء الذين سمى من الصنوف الأربعة وغيرهم ممن ذكر من المهاجرين والأنصار والتابعين بإحسان بعد ارتفاع الهجرة ولم يبق أحد إلا وله في الفيء .
ذكروا عن عمر (5) بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال : (( ما من أحمر (6) ولا أسود لا يملكون رقبته إلا وله في هذا المال )) (7) يعني في الفيء .
[ لمن تعطى الزكاة ]
وقال الله تعالى في الصدقات :
__________
(1) …في ( هـ ) : (( الفقراء )) . وهو خطأ .
(2) …في ( هـ ) : (( الممشركون )) . وهو خطأ .
(3) …الآية 8 من سورة الحشر.
(4) …الآية 9 من سورة الحشر.
(5) …في ( هـ ) : (( عومر )) وهو تحريف .
(6) …في ( هـ ) : (( أخضر )) ! . وهو تصحيف واضح .
(7) …محمد رواس قلعة جي : موسوعة فقه عمر ، ص684 ، ذكره بلفظ مشابه .
{ إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ } : وهما جميعا أهل الحاجة ، الفقراء : المتعففون الذين لا يسألون وبهم حاجة . والمساكين : الذين يسألون الناس .
{ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا } : الذين يُجبونها ويتولون جمعها ، ينظر لهم الإمام بقدر شغلهم عن أمورهم .
{ وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ } : وهم قوم يتألفهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (1) ليؤمنوا أو ليعينوا رسول الإسلام ، ولهم غنى وجرأة وقوة ، وليست لهم خشية ولا رغبة في الإسلام ، فيتألفهم ليقوي بهم الإسلام وقد أعطاهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (2) ، وأعطاهم أبو بكر (3) رحمه الله ، ومنعهم عمر (4) بن الخطاب (5) رضي الله عنه ، لقد جاؤوا يسألونه حقهم فقال : (( لا حق لكم... ذلك إذ كان الإسلام حقيّا (6)
__________
(1) …في ( هـ ) : سقط (( صلى الله عليه وسلم )) .
(2) …في ( هـ ) : (( السالم )) وهو تحريف واضح .
(3) …أبو بكر الصديق : هو عبد الله بن أبي قحافة عثمان بن عمرو بن كعب القرشي ( 573 ـ 635م ) ولد بمكة ونشأ فيها ولقب بعالم قريش ، هاجر مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة المنورة وكان عضده الأيمن في كثير من مهام الدولة الإسلامية ، بويع خليفة سنة 632م قاتل المرتدين وفتح الشام وجزءا من العراق ( الإصابة في تمييز الصحابة تـ 4808 ـ مختصر تاريخ الإباضية ، ص11 ) .
(4) …في ( هـ ) : (( عومر )) . وهو تحريف .
(5) …عمر بن الخطاب : هو أبو حفص العدوي ( 584 ـ 644م ) هو الذي بزل الله به الإسلام واعزه حتى أن الناس بشجاعته لقبوه بالفاروق ، بويع خليفة سنة 635م وفتح في عهده الشام والقدس والعراق والمدائن ومصر ولقد طور نظام الدولة الإسلامية وهو أول من أرخ التاريخ للمسلمين ( الإصابة في تمييز الصحابة تـ 5738 ، الشماخي : السير ، ص16 ) .
(6) …حقيا : وهو الحق : سن من سني الإبل ، وهو الداخل في السنة الخامسة . انظر : الثميني : النيل ، ج3 ، ص233 .
وأما الآن فقد بزل ، فمن رضي فله الرضا ، ومن سخط فله السخط )) (1) فهو اليوم سهم ساقط ، ما دام الإسلام قويا ، وعنهم غنيا ، إلا أن ينزل قوم في الإسلام بمنزلة خافوا عليه الضعف فيتألفوا [31] من نزل بمنزلة من ذكرنا ، ليحرزوا الإسلام من شره ، وليجروا إلى الإسلام نفقه .
{ وَفِي الرِّقَابِ } : وهم المكاتبون وهم في قولنا الذي أخذنا به واعتمدنا عليه أحرار لهم فرض الصدقة مع أصحابهم الأحرار ، لأن (2) الله لم يفرض الصدقات للعبيد . ولو أنا دفعنا صدقاتنا إلى عبيدنا لا نجتزي بها ولا يحل لنا ذلك .
وقال من خالفنا : هم عبيد حتى يؤدوا ما كوتبوا (3) عليه فليس لهذا القول صحة مذهب ، بل هو فاسد متغير (4) .
{ وَالْغَارِمِينَ } : هم الذين لحقهم الدين من غير فساد(5) .
{ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ } : يقوى بها الغزاة (6) .
{ وَابْنِ السَّبِيلِ } : المنقطع به عن أهله يعطى من صدقات المسلمين قدر ما يبلغه ، وإن كان غنيا في بلده .
__________
(1) …الثميني : النيل ، ج3 ، ص471 . ذكره بلفظ مشابه ولكن الواقعة كما في هذا المرجع وغيره ، وقعت في زمان أبي بكر الصديق رضي الله عنه .
(2) …في جميع النسخ : (( إن )) . والأنسب للسياق ما أثبتناه .
(3) …في ( هـ ) : (( كاتبوه )) .
(4) …قارن هذا الرأي بما في فقه السنة ، للسيد سابق ، ج1 ، ص331 .
(5) …يعني : ليست الديون تحملها من إسراف وغيره من المعاصي .
(6) …كذا في ( د ) و( هـ ) . وأما في ( ب ) و( ج ) : (( يقوى بها القراءة )) . ويمكن أن يعني به مجالات العلم والتعلم وغيره من الوجوه الخيرية التي يراها الإمام جديرة بذلك مثل : الجهاد إذا كانت الغنائم قليلة وكان فقيرا ، أو ليستعين بها في الجهاد ولو كان غنيا . وعموما كما قال القطب : (( والأولى تفسير بالسعي في طاعة الله تعالى وسبل الخير )) . انظر القطب اطفيش : تيسير التفسير ، ج2 ، ص947 . القطب اطفيش : شرح النيل ، ج3 ، ص237 .
{ فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ } (1) ؛ فإذا لم يحضر من هؤلاء الاصناف إلا صنف واحد أخذ جميعها إلا العمال . وليست كقسمة المواريث بالحصص ، ولكنه إنما بين الله تبارك وتعالى من يأخذها ، ولمن تحل له ، فذكر ثمانية أصناف . لا تبعث هدية ولا تخبأ لغائب .
ولا تجوز قسمتها بعد اجتماعها (2) ؛ وقسمتها بالنظر والاجتهاد من أهل الصلاح (3) .
وليس فيها وقت ينتهي إليه دون حسن النظر لمن سميت له على قدر الحاجة .
[ باب في قسم المواريث ]
وبينها القادر الحكيم في أربع آيات من كتابه والخامسة لأولي الأرحام .. فبين جميع علومها على كثرة ما فيها من الفنون ، واختلاف الأصناف ، وسعة المعالم ، وبين جميعها (4) في أخصر ما يكون ، وأقصد فبين بها ذكر ما لم يذكر .
[ أصحاب الفروض وغيرهم ]
فقال عز وجل في الآية الأولى : { يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ فَإِن كُنَّ نِسَاء } : يعني إن كان الولد بنات ليس معهّن ذكر ، { فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ } إلى الأبوين ، { وَإِن كَانَتْ } ابنة { وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلأَبَوَيْهِ } : يعني أبوي الميت ، { لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ } (5) وما فضل فهو للأب ، والأب عصبة (6) .
__________
(1) …الآية 60 من سورة التوبة.
(2) …كذا في جميع النسخ ، والأنسب : (( إلا بعد اجتماعها )) .
(3) …وهم الإمام أو مفتي المسلمين في عهد الكتمان . انظر الجيطالي : قواعد الإسلام ، ج2 ، ص54 .
(4) …في كل النسخ : (( جميعا )) ، والأنسب ما أثبت من ( هـ ) .
(5) …الآية 11 من سورة النساء.
(6) …كذا في جميع النسخ ، والأنسب : (( والأب عاصب )) . يعني إضافة إلى سهم السدس الذي فرض الله ، له باقي التركة إن لم يكن للميت ولد ذكر فيحجبه .
وولد الولد بمنزلة الولد إذا لم يكن الولد من البنين إناثاً أو ذكوراً وليس لولد البنات ميراث . فإن لم يكن ولد وولد الولد ، { وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ } : أم وأب ، فللأم الثلث ، واللأب ما بقي وهو الثلثان .
وإن ورث مع الأبوين زوج أو امرأة فللأم ثلث ما بقى . وفي هذا اختلاف من قبل الرأي ، وبعض الفقهاء يقولون : (1) إذا كان الأب يأخذ أكثر مما تأخذ الأم فللأم ثلث الجميع (2) .
والمأخوذ به عندنا أن لها ثلث ما بقي لأنا وجدنا الله إنما قسم لهما حيث لم يذكر معهما غيرهما (3) على الثلث والثلثين قال : { وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ } ولم [32] يذكر غيرهما . ولا يعطى الأم في كل موضع مما يرث الأبوان إلا الثلث إذا لم يكن إخوة فإن (4) كان للميت إخوة اقتصرت الأم على السدس ، إن كان الإخوة إخوة ، أو أخوات ، أو أخ وأخت ، وأخت من أب وأم (5) ، أو من أب أو من أم ، لقوله (6) تعالى : { فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ } (7) فلا يحجبها الأخ الواحد عن الثلث .
[ ميراث الأجداد ]
والجد بمنزلة الأب في قولنا الذي نأخذ به (8) .
__________
(1) …في ( هـ ) : جاءت العبارة كما يلي : (( وفي هذا اختلاف من قبل ، أرى بعض الفقهاء يقولون... )) .
(2) …انظر هذه القضية القطب اطفيش : شرح النيل ، ج15 ، ص419 ، 423 .
(3) …محمد رواس قلعة جي : موسوعة فقه عمر ، ص63 . القطب اطفيش : شرح النيل ، ج15 ، ص420 .
(4) …في ( هـ ) : جاءت العبارة كما يلي : ((... مما يرث الأبوين ، إلا الثلث إذ لم يكن إخوة فإذا... )) .
(5) …(( وأم )) إضافة من ( هـ ) . وهو الأظهر من السياق .
(6) …في ( هـ ) : (( لقول الله تعالى )) .
(7) …الآية 11 من سورة النساء.
(8) …انظر توضيحا وشرحا وافيا في المسألة : ابن بركة العماني : كتاب الجامع ، ج2 ، ص591 .
ولا يرث الإخوة مع الأب ، ولا ولد ذكر ، ولا جد ، ولا ولد الولد ، فإن لم يكن له أب ولا جد ولا ولد ولا ولد الولد (1) ، ورث الإخوة مع الأم .
ولا يرث أحد مع الأب والجد إلا الولد وولد الولد ـ مكان الولد ـ والأم والزوج والمرأة ـ مكان الزوج ـ .
ولا يرث الأب ولا الجد مع الولد الذكر إلا السدس .
ولا يرث مع الإناث إلا السدس ، وإن فضل المال فيكونان عصبة مع الإناث .
والجد لا يرث معه أخ ولا أخت في قولنا .
[ ميراث الجدّات ]
ولا يرث من الجدات مع الأم شيء (2) .
ولا ترث الجدات أكثر من السدس .
وترث الجدة من الأب وابنها حي في قولنا الذي نأخذ به .
وبعض العلماء لا يورثونها وابنها حيُّ ولا نأخذ به (3) وترث الجدة ـ في قولنا ـ إذا لم تكن الأم ، وإن لم تكن الجدة من الأم وكانت الجدة من الأب ورثت ؛ فإذا كانتا جميعا ورثتا السدس بالسوية .
ويرث ثلاث من الجدات ولا ترث الرابعة في قولنا الذي نأخذ به وفيه اختلاف .
وبعض العلماء (4) يورثون أربع جدات ، وذلك إذا لم يكن دونهن جدتان أو جدة .
والثلاثة : جدة الأم ( أم أمها ) وجدتا ( أم أمه وأم أبيه ) ؛ والرابعة التي فيها اختلاف ، ونحن لا نورثها : ( أم أب الأم ) . ولا يرث أب الأم ، في قولنا وفي قول غيرنا إلا أن يكون عصبة .
[ ما يتعلق بأصل التركة ]
__________
(1) …في ( هـ ) : (( ولا ولداً منه الولد ، ورث الخوة )) .
(2) …كذا في النسخ ، ولعل الصواب : (( شيئا )) .
(3) …راجع تفاصيل هذا الموضوع في : يحيى بكوش : فقه الإمام جابر بن زيد ، ج2 ، ص567 .
(4) …هذا القول منسوب إلى الإمام جابر بن زيد رحمه الله . انظر : يحيى البكوش : فقه الإمام جابر بن زيد ، ج2 ، ص585 .
أصول ما ذكرنا إلى هذا الموضع في الآية الأولى . وهي في الأبوين ، والد . والميراث بعد الدين ، والوصية ؛ والكفن قبل الدين . ولا يغلى به (1) إذا كان الديون ، وهو من جملة المال ، ثم الديون من جملة المال ، ثم الوصية من الثلث ما كانت ، إذا لم تكن حقا واجبا لأحد من الناس أقريبا كان أو أجنبيا (2) .
وحق الوصية للأقربين ، وإن أوصى أحد للأجنبي فللأقرباء ثلثا ما أوصى به في قولنا (3) .
وما أوصى به الكفارات ، أو تطوع ، أو حج ، أو عمرة ، أو تفريط في تزكية مال ، أو عتق واجب ، أو تطوع ، ما كان لله ، وما لم يكن لأحد من الناس حقا لازما .
[ آية الميراث بسبب النكاح ]
ثم ذكر في الآية الثانية الزوج والزوجة فقال : { وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّهُنَّ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّكُمْ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُم مِّن بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ } (4) والدين قبل الوصية مثل الأولى .
__________
(1) …في ( ب ) و( ج ) : (( يغل )) ، ولعل الصواب ما أثبت من ( د ) و( هـ ) ، أي لا يغالي في ثمنه .
(2) …من كانت له ديون كثيرة فإنه لا يدين بالكفن لأن الكفن أولى من الديون في إخراجه من جملة المال . (( ومن لا مال له فمؤونة تجهيزه على من لزمته نفقته في حياته وإن لم يكن ففي بيت المال وإلا فعلى المسلمين )) . القطب : شرح النيل ، ج15 ، ص337 .
(3) …وهو قول الإمام أبي عبيدة رحمه الله . وكلمة الأجنبي يعني بها من لا يستحق الوصية ولا الميراث . انظر أبو غانم الخراساني : المدونة الكبرى ، ج2 ، ص209.
(4) …الآية 12 من سورة النساء.
و (( لا وصية لوارث )) (1) والوصية من الثلث إن كانت امرأة واحدة من غير ولد أو ولد الولد .
وامرأتان كذلك ، وثلاث وأربع يشتركن في الربع مع غير ولد ؛ وكذلك يشتركن في الثمن مع الولد أو ولد الولد .
[ آية الإخوة ]
وقال في الآية (2) الثالثة : { وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلاَلَةً أَو امْرَأَةٌ } : (3) والكلالة الذي ليس له أب ولا جد ولا ولد الولد . { أَو امْرَأَةٌ } : تورث كلالة ، { وَلَهُ أَخٌ } : للرجل الموروث أو المرأة ، وله أخ من أم ، أو أخت من أم (4) ، { فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ } : ولم يفضل الذكر على الأنثى ، { فَإِن كَانُوَاْ أَكْثَرَ مِن ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاء فِي الثُّلُثِ } لا يزايدون (5) بعد وهم في الثلث (6) شرعا سواء الذكور والإناث .
ولا يرث الإخوة من الأم مع ولد ، ولا ولد الولد ، ولا أب ولا جد ، في قولنا المأخوذ به .
{ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَآ أَوْ دَيْنٍ } : مثل الأولى .
قضى رسول الله عليه السلام أن الدين قبل الوصية (7) : الدين من جميع المال ، والوصية من الثلث .
__________
(1) …رواه الدار قطني عن جابر بن عبد الله وحسنه السيوطي . ورواه الربيع في مسنده .
(2) …في ( هـ ) : (( الآيات )) .
(3) …في ( هـ ) : سقط (( أو امرأة )) . ويبدو أنه صواب لأنه سيأتي تفسيرها .
(4) …في ( د ) : سقط (( أو أخت من أم )) . والصواب ما أثبت من ( هـ ) .
(5) …في ( د ) و( هـ ) : وفي نسختي ( ب ) و( ج ) : (( لا يزيدون )) .
(6) …(( في الثلث )) إضافة من ( هـ ) . وهي أصوب ليتضح المعنى .
(7) …رواه الدار قطني عن علي : هود بن محكم الهواري : تفسير كتاب الله العزيز ، ج1 ، ص355 .
{ غَيْرَ مُضَآرٍّ } : في وصيته ، فقد حرم الله الضرر في الوصية . فقال : { تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ } : يعني قسمة المواريث . { وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَرَسُولَهُ } : فيما تعبده ويتبع حكم الله ، ويقسم بقسمة الله ، { يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } : فيما تعبده به ، ويخالف أمره { وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ } : في قسمة المواريث ، { يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ } (1) .
[ أية النصف ]
ثم قال في الآية الرابعة ، وهي التي في آخر سورة النساء ، وهي تسمى آية النصف : { يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلاَلَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ } من أب وأم ، أو من أب ، { فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَآ } { إِن لَّمْ يَكُن لَّهَآ وَلَدٌ فَإِن كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِن كَانُواْ إِخْوَةً رِّجَالاً وَنِسَاء فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ } : ولا يرث الإخوة مع الأب { يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ أَن تَضِلُّواْ } : لئلا يضلوا ، { وَاللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } (2) هذه في الإخوة من الأبوين ومن الأب ، (3) إذا لم تكن الإخوة من الأبوين فالإخوة من الأب بمنزلتهم يرثون ما يرثون ، ويحجبون ما يحجبون .
__________
(1) …الآيات 12 ـ 13 ـ 14 من سورة النساء.
(2) …الآية 176 من سورة النساء.
(3) …في ( هـ ) : سقط (( ومن الأب )) .
وإن كانت أخت من الأبوين وأخت من الأب فللأخت من الأبوين النصف وللأخرى (1) السدس تمام الثلثين . وكذلك إن كن أخوات من الأب أكثر من واحدة لهن السدس مع الأخت من الأبوين ، إذا لم يكن مع أخوات من الأب أخ ، وإن كان معهن أخ أو أخوة خرجن من الفريضة وصار الأخ من الأب مع الأخوات من الأب مع الأخوات من الأب (2) والأم عصبة للذكر مثل حظ الأنثيين .
فإذا [34] كن أخوات للأبوين أكثر من واحدة حرزن الثلثين ، فليس لأخوات الأب شيء ، إلا إن كان معهن ذكر . ولا يكون الأخوات عصبة ، وقد يكن مع البنات عصبة . ولا ترث بنت الأخ ولا العمة ولا بنت العم شيئا إلا لمن لم تكن عصبة .
[ آية العصبة ]
وقال في الآية الخامسة : { وَأُوْلُواْ الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللّهِ } (3) يعني الميراث ، فهؤلاء العصبة : الولد وولد الولد وإن سفلوا إذا كانوا ذكورا ، أو إناثا وذكورا أولى من الإخوة .
وإن كن بنات فالأخوات معهن عصبة ، إذا لم يكن أب ولا جد ( أب الأب ) . والأخوات مع البنات عصبة . وبنات البنين بمنزلة البنات .
وبنات البنين لهن مع الابنة الواحدة السدس تمام الثلثين .
والإخوة من الأبوين أولى من الإخوة من الأب .
والإخوة من الأب أولى من بني الإخوة من الأبوين .
وبنو الإخوة من الأبوين أولى من بني الإخوة من الأب .
وليس لبنات الأخ ميراث إن لم تكن عصبة .
وبنو الإخوة أولى من العم .
والعم أخو الأب للأبوين أولى من العم أخي الأب للأب .
والعم أخو الأب للأب أولى من بني العم من الأبوين .
وبنو العم أخي الأب للأبوين أولى من بني العم أخي الأب للأب .
وبنو العم أولى من عم الأب أخي الجد للأبوين .
__________
(1) …في ( هـ ) : (( فللأخت للأبوين السدس ، وللآخر السدس... )) .
(2) …في ( هـ ) : سقط (( مع الأخوات من الأب مع الأخوات من الأب )) . وقع للناسخ انتقال نظر ، لتكرار : (( من الأب )) .
(3) الآية 75 من سورة الأنفال.
وعم الأب أخو الجد للأبوين أولى من عم الأب أحي الجد للأب .
والعم أخو الجد أولى من بني العم أخي الجد للأبوين .
ولا يرث المملوك حرا .
ولا المشرك المسلم .
ولا يرث القاتل قتيله عمداً كان (1) أو خطأ .
[ باب في عدد النساء ]
قال الله عز وجل : { وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ } (2) .
وفرض في الأيسات : { وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِن نِّسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ } (3) وكذلك فرض في اللواتي لم يحضن ، وفرض في أولات الأحمال : { أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ } (4) ما كان من تمام أو سقط إذا تيقن بهؤلاء بعد الدخول بهن .
وفرض العدة على النساء ، وائتمنهن على العدة ، قولهن في العدة جائز ، ما لم يكن ادعين أمراً فاحشا لا يمكن لهن وهن مأمونات . قال الله في التوكيد عليهم فيما فرض إليهم : { وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ } (5) .
قال : { وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ } (6) يعني العدة إذا كان إنما طلقها واحدا أو اثنين .
[ الطلاق الثالث ]
وأما إذا طلقها ثلاثا ، { فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىَ تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ } (7) قد دخل بها ، وهذا كله في المدخول بهن .
__________
(1) …في ( هـ ) : سقط (( كان )) .
(2) …الآية 228 من سورة البقرة.
(3) …الآية 4 من سورة الطلاق.
(4) … الآية 4 من سورة الطلاق.
(5) …الآية 228 من سورة البقرة.
(6) …الآية 228 من سورة البقرة.
(7) …الآية 230 من سورة البقرة.
جعل حد الطلاق فيهن ثلاثا ، فلا يحل للرجل أن يطلق امرأته ثلاثا معاً ما لم تكن بينهما رجعة ، ولا تحل المراجعة بإضرار ليطول عليها العدة ، قال الله تعالى : { وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا... } إلى قوله : {... وَلاَ تَتَّخِذُوَاْ آيَاتِ اللّهِ هُزُوًا } (1) يعني أن يطلق ثم يرجع ، ثم يطلق يرجع (2) ، لا لحاجة تكون له فيها إلا ليطول عليها في العدة .
[ طلاق السنة ]
ولا يطلقها إلا على طهر ، فمن فعل فقد عصى ربه ومضى طلاقه ، وذلك قول الله : { فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ } (3) يعني لطهرهن من غير جماع ، قال : { ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا } (4) هذه لا عدة عليها تتزوج إن شاءت من يومها ذلك ، وليس له عليها رجعة إلا أن تشاء (5) هي بنكاح جديد ومهر جديد . وإن طلقها ثلاثا فلا يحرم عليه تزويجها ، يتزوجها إن شاءت ، فتكون عنده على تطليقتين ، وقد مضت الثالثة . (6)
[ الطلاق بالإيلاء ]
وذكر المولى (7) عدة عنها فقال : { لِّلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَآؤُوا فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } (8) فجعل عدة الإيلاء أربعة أشهر .
__________
(1) …تمام الآية : (( ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه ولا تتخذوا... )) الآية 231 من سورة البقرة.
(2) …في ( هـ ) : سقط (( ثم يطلق ثم يرجع )) .
(3) …الآية 1 من سورة الطلاق.
(4) …الآية 49 من سورة الأحزاب.
(5) …في ( هـ ) : (( يشاء )) . وهو خطأ .
(6) …أي لا اعتبار للطلاق الثلاث قبل المس فتعتبر تطليقة واحدة لأنه لا عدة فيها . بكوش يحيى : فقه الإمام جابر ج2 ، ص430 .
(7) …كذا في جميع النسخ ، وفي ( هـ ) : (( الولا )) . والعبارة مع ذلك غير مستقيمة المبنى . ولعل صوابها : (( وذكر عدة المولى منها فقال )) .
(8) …الآية 226 من سورة البقرة.
وكل يمين حلف به وامتنع من الوطء لليمين أربعة أشهر فهو إيلاء ، إذا كان إنما وقع اليمين على البدن ، فأما إذا وقع على الموضع فليس فيه إيلاء ؛ وإن تركها أربعة أشهر أو أكثر من أربعة أشهر ، لأنه لا يستطيع أن يمس في غير ذلك الموضع ، فإذا مضت أربعة أشهر للمولي ولم يف تزوجت (1) إن شاءت من يومها ذلك ، في قولنا الذي نأخذ به ، وهو قول ابن عباس رضي الله عنه (2) ، وقال غيره : تستأنف بعد أربعة أشهر عدة المطلقة ، إذا كانت ممن تحيض فثلاثة قروء ، وإن كانت ممن لا تحيض فثلاثة أشهر ؛ وإن كانت حاملاً فحتى تضع حملها ، وهي أملك بنفسها (3) في قول ابن مسعود (4) .
غيره أنه قال : لا يحل لزوجها أن يتزوجها (5) في تلك العدة ولا لغيره ، وقول ابن عباس أعدل عندنا ، وبه أخذ أصحابنا .
__________
(1) …في ( هـ ) : وردت العبارة هكذا : (( فإذا مضت أربعة أشهر للمولى ولم يف [ كذا ] تزوجت تزوجت )) .
(2) …هود بن محكم الهواري : تفسير كتاب الله العزيز ، ج1 ، ص214 . ابن بركة : كتاب الجامع ، ج2 ، ص183 . وابن عباس هو : أبو العباس عبدالله ( 619 ـ 687م ) صحابي جليل لازم الرسول - صلى الله عليه وسلم - وروى عنه الحديث ، وكان عالما بالتأويل والتفسير ، ينسب إليه (( تنوير المقباس )) . انظر : الإصابة ، تـ 4772 . وانظر موسوعة فقه عبدالله بن عباس ، تأليف محمد رواس قلعة جي .
(3) …في ( هـ ) : (( بنفسه )) .
(4) …هود بن محكم الهواري : تفسير كتاب الله العزيز ، ج1 ، ص214 .
وابن مسعود هو : عبدالله بن مسعود بن غافل الهذلي ( تـ 32هـ / 653م ) صحابي جليل خدم الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، وقيل فيه : وعاء مليء علما . وهو حليف بني زهرة ، ولي بيت المال بالكوفة ، وروى عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - الكثير من الأحاديث . انظر الإصابة ، تـ 4945 . الزركلي : الأعلام ، ج4 ، ص280 .
(5) …في ( د ) : (( إن تزوجها )) .
والمولى منها في قول ابن عباس أربعة أشهر مدخول بها أو غير مدخول بها . فمن آلى بالله فليكفر يمينه (1) قبل أن يدخل بامرأته أو بعده في أربعة أشهر .
[ الظهار ]
ومن آلى من امرأته بظهار نفسها يحملها عليه ، كظهر ذات محرم منه ، فلا يقربها حتى يكفر كما قال الله : { فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ، فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا فَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا } (2) .
[ عدة الوفاة ]
وأما عدة المتوفى عنها زوجها فأربعة أشهر وعشراً ، لقول الله عز وجل : (3) { وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا } (4) ، فهي عدة كل متوفى مدخول بها أو غير مدخول بها ، كانت ممن تحيض أو صغيرة لا تحيض ، أو كانت حاملا قد وضعت ، [36] إلا حاملا جاوزت أربعة أشهر وعشراً فعدتها أبعد الأجلين في قولنا الذي نأخذ به ، وهو العدل إن شاء الله .
وللمطلقات النفقة والسكنى في عدتها ، وليس للمتوفى عنها نفقة ولا سكنى .
[ باب في نفقة المرضع وحد الرضاع ]
__________
(1) …في ( د ) : (( يمنه )) . وهو خطأ .
(2) …الآيتين 3 و 4 من سورة المجادلة.
(3) …في ( د ) : سقط (( عز وجل )) .
(4) …الآية 234 من سورة البقرة.
قال الله تعالى : { وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لاَ تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا لاَ تُضَآرَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا } (1) يعني أن لا يسترضع الزوج ولدها عند غيرها بالأجرة إذا كانت أمه ترضعه بذلك الأجر ، وأمه أحق بما كان مسترضعاً به عند غيرها .
{ وَلاَ مَوْلُودٌ لَّهُ } : يعني ولا يضار مولوده ، يعني الأب الذي ولد له الولد لا يضار بولده ، إذا لم يكن له مال يسترضع به جبرت أمه على رضاعة الولد ، وإن دفع المراضع ولم يقبل الصبي ثدي مرضع جبرت أمه على رضاعه ، ولا تترك أن تلقي (2) الولد فيموت هزلا .
قال : { وَعَلَى الْوَارِثِ } : يعني وارث الصبي إذا (3) مات أبوه .
{ مِثْلُ ذَلِكَ } : يعني ما على الأب من النفقة والإضرار .
{ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَن تَرَاضٍ مِّنْهُمَا } : فيما يوافق ، { فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا } : أن يفصلا الولد المسترضع دون تمام الحولين .
ولا رضاع بعد الحولين في قولنا الذي نأخذ به ، وهو ما صدقه الكتاب ؛ وقال بعض : الرضاع الذي لا ريبة فيه بعد أربع سنين (4) .
[ باب في مسائل مختلفة ]
[ سنة الختان ]
سنن (5) الختان مجمع (6) عليها أنها واجبة .
__________
(1) …الآية 233 من سورة البقرة.
(2) …في ( د ) و ( هـ ) : (( تلقا )) . والصواب ما أثبتناه .
(3) …في ( هـ ) : (( إن )) .
(4) …هو قول الإمام أبي عبيدة مسلم . انظر القطب اطفيش : شرح النيل ، ج7 ، ص12 .
(5) …في النسختين ( ب ) و( ج ) : (( سنين )) . وهو تحريف .
(6) …في ( هـ ) : (( مجتمع )) .
ومن ترك الختان من الرجال فلا صلاة له (1) ، ولا تزويج ، ولا تؤكل له ذبيحة ، ومن ترك الختان من النساء فلا حرج عليها ، ولا يلزم النساء من ذلك ما يلزم الرجال (2) ، من شاء من النساء اختتن ومن شاء ترك .
[ فصل فيما يفرق فيه الذكور عن الإناث والعكس ديانة ]
وإنما يقال : إن دين النساء ودين الرجال واحد ، لأنه إنما يقع على صنف من الناس الطاعة لله فيما تعبده ، فإذا فعل فهو على دين الله ، وليس يفترق الدين لافتراض الفرائض ، وإنما هو دين جماعة (3) الطاعة ، لأنه يكون على الرجال أشياء حطها الله على النساء ، ويكون على النساء أشياء حطها الله على الرجال ؛ ويحل (4) للرجال ما يحرم على النساء ، ويحل للنساء ما يحرم على الرجال ؛ وكذلك العبيد . ويجب على بعض الرجال ما حط الله عن بعض ، وكل دينهم واحد وقد جمعته الطاعة لله . وذلك أن الله كلف الرجال الجهاد وصلاة الجمعة مع الأيمة ركعتين ، وليس ذلك على العبيد والنساء ، وحط الجمعة على [37] المسافر ؛ وأحل للنساء الحلي والحرير وحرمه على الرجال ، وأحل للرجال ما ملكت أيمانهم ، وحرمه على النساء بالجلابيب (5) وضرب الخمر على الجيوب وحرم عليهن إبداء الزينة ، ولم يحرم ذلك على الرجال .
__________
(1) …في ( هـ ) : (( له )) .
(2) …في ( هـ ) : (( الرجل )) .
(3) …في كل النسخ : (( جماعته )) . ولعل الصواب : (( جمعته الطاعة )) ، أو ما أثبتناه من ( هـ ) .
(4) …في ( هـ ) : (( ويحرم )) . وهو خطأ .
(5) …في ( هـ ) : (( بالأجلابيب )) . وهو خطأ .
وما (1) سوى ما ذكرنا مما تعبد الله به بعض خلقه دون بعض من إنفاذ (2) أحكام أمر بإنفاذها خاصة من الناس وهم الأيمة والقضاة ، ومن أمر الحج والعمرة ، ألزمه صنوفا وحطه عن صنوف... كل ذلك تجمعه الطاعة ، ويكون أمرهم واحداً (3) ودينهم واحداً .
[ فصل في الأذان ]
ذكر الله الأذان ذكراً (4) ولم يأمر به (5) .
أجمع الناس أنه من سنة رسول الله عليه السلام ، واختلفوا فيه ، وقولنا الذي نأخذ به : الأذان مثنى مثنى ، والإقامة كذلك ، وهما من سنة رسول الله عليه السلام (6) ، وهما في أوقات الصلاة : الأذان في الوقت والإقامة في الوقت .
واختلفوا في ذلك ، والذي أخذنا به أن الأذان للوقت كالإقامة ، وقد أجمعوا أنه لا أذان بعد فوات الوقت ، وهذا تقوية أنه للوقت لا قبل ، كما أنه لا بعد (7) ، مع أنهم أجمعوا أنه يؤذن في الوقت .
__________
(1) …في ( هـ ) : (( وأما )) .
(2) …في ( د ) و( هـ ) : (( إنفاذ )) . بدال مهملة . في هذا الموضع وفيما سيأتي ، وقد صححناه فيما سيأتي دون إشارة إلى ذلك ، نظراً لتكرار هذا الخطأ الشائع في المخطوطات المغاربة وخلطهم بين الدال المعجمة والمهملة .
(3) …في ( د ) : (( واحد ، ودينهم واحد )) . وهو خطأ . وفي ( هـ ) : سقط (( ودينهم واحدا )) .
(4) …في ( د ) : (( ذكر )) . وهو خطأ . وفي ( هـ ) سقط : (( ذكراً )) .
(5) …وذلك في قوله تعالى : (( وإذا ناديتم إلى الصلاة اتخذوها هزؤا ولعبا )) سورة المائدة الآية 58 .
(6) …روى الإمام الربيع بسنده الصحيح عن أبي سعيد الخدري : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ( إذا سمعتم النداء فقولوا مثل ما يقول المؤذن ، والأذان مثنى مثنى ، والإقامة مثنى مثنى ) الجامع الصحيح ، باب 27 في الآذان ، رقم 175 . القطب اطفيش : شرح النيل ، ج2 ، ص26 .
(7) …في ( هـ ) : في العبارة خطأ وسقط : (( لا يعد ، مع أجمعوا )) .
واختلفوا في الإقامة للصلاة (1) الفائتة ، قال بعضهم (2) : لا إقامة على أحد لصلاة فات وقتها ولكن يتوجه ويكبر ، قال بعضهم : ذلك في الصلاة التي صُلّيت وانقضت ، وأما ما فات وما لم يصل ، فليُقم لها ، والله أعلم .
على أن الحجة ـ إن شاء الله ـ أنه لا إقامة إلا للوقت ، لأنه لا أذان إلا للوقت ، والإقامة أبداً أن تأتي مقرونة بالأذان الأول .
وأن الرجل الواحد إذا أذن وأقام يجزي عن الخلق الكثير ، ولا يجزي عنهم توجيه الواحد ولا إحرام (3) الواحد .
فهذا [مـ ] ما (4) لا يحصى ، فالله نسأله التوفيق للصواب ، ونعوذ به من تهوين ما قال المسلمون من الحق ، فالحق أردنا ، وإياه قصدنا .
[ فصل في الأمر بإتمام الأعمال ]
وليس على الناس (5) ما فات إلا في الفرائض ، وبها أكد (6) الله على نفسه ، وسنذكر بعض ذلك إن شاء الله :
الرجل يوجب على نفسه الصيام من الليل حتى يصبح صائما ، ثم يأتي عليه في نهاره ما يبطل صومه ، فيلزمه بدله ، لأنه أوجبه على نفسه .
وكذلك من أحرم بحج نافلة أو عمرٍة نافلة ، فقد أوجب على نفسه القيام بجميعه ، والفراغ من المناسك ، وحضور المشاهد كلهّا ، وعليه من الكفارة فيما يصيب ما على صاحب الفرض .
وكذلك من أحرم بصلاة نافلة ، بثياب طاهرة ، وجسد طاهر ، ثم دخل عليه ما ينقض صلاته النافلة ، كان عليه بدلها لأنه أوجبها ، وإن كانت نافلة .
وأما من أحرمها بثوب نجس ، أو عليه وضوء [38] فذكر الإعادة عليه لأنه لم يدخل في الصلاة ، وهو كمن عقد الصيام من الليل وهو جنب حتى أصبح فلا إعادة عليه ، لأنه أصبح مفطراً .
__________
(1) …في ( هـ ) : (( لصلاة )) .
(2) …في ( ب ) و( ج ) سقط : (( بعضهم )) .
(3) …في النسختين ( ب ) و( ج ) : (( الإحرام )) .
(4) …في جميع النسخ : (( ما )) . والأصوب ما أضفناه .
(5) …في ( هـ ) : (( على أنا )) . ولا معنى له .
(6) …في جميع النسخ : (( كذا )) . وقد صححناه على ما اعتيد من الاستعمال .
وأما الذين يقولون : إنّ الإقامة تلزم الصلاة التي لم تصل ، وإن فات الوقت ، ولا تلزم الإقامة للصلاة التي صليت بعد الوقت إذا انتقضت عليه لعله نجاسة الثياب أو طهارة (1) ، فيدخل عليهم في قولهم أنهم يوجبون الإقامة للصلاة التي صليت ، لعله أنهم يوجبون الإقامة لها على من ذكرها في وقتها ثم يضيعها (2) لفوات (3) الوقت ، ففي هذا دليل وحجة لمن قال : إن الإقامة إنما هي للوقت كالأذان ، لأنّ فوات (4) الوقت لا يزيل حقا وجب في الوقت ، فلما كان هذا هكذا ثبت (5) أن الإقامة إنما هي للوقت .
تم الكتاب والحمد لله (6)
الخاتمة
بعد هذا العمل الذي أخذ مني جهداً كبيراً ، أشكر الله عز وجل على هذه النعمة التي تفضل بها عليَّ من تحقيق هذا الكتاب وإخراجه للنور على أحسن وجه إن شاء الله .
كما لا يفوتني أن أثني بالخير والدعاء الصالح على كل من أمد لي يد المساعدة أثناء التحقيق ، بل قبلها وبعدها ، فاللهم تقبل على الأحياء منهم والأموات أجمعين ، فيا رب زدنا ولا تنقصنا ، وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب ، واغفر لنا إصرارنا وإسرافنا وما أنت أعلم به منا .
واجعل عملنا هذا خالصاً لوجهك الكريم ، واجعله فوق ما يظنون ، إنك على كل شيء قدير .
آمين...
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مراجع التحقيق
بشر بن غانم الخراساني أبو غانم : المدونة الكبرى ، ترتيب : القطب اطفيش ، تقديم : سالم بن حمد الحارثي ، طبعة مصورة من مخطوط ، نشر وزارة التراث ، عُمان ، ط2 ، 1984م .
__________
(1) …في ( هـ ) : (( طاهرة )) . وهو خطأ .
(2) …في ( هـ ) : (( يضعها )) . وهو خطأ .
(3) …في ( د ) : (( لفوت )) . وما أثبتناه فمن ( هـ ) .
(4) …في ( هـ ) : (( وفات )) . وهو تحريف .
(5) …في ( هـ ) : (( أتبث )) . وهو تصحيف .
(6) …في ( د ) : (( تم الكتاب والحمد لله ، في 6 شعبان سنة 1124هـ )) . وهو تحريف . وفي ( هـ ) : (( تم الكتاب )) .
بكير بن سعيد أعوشت : دراسات إسلامية في أصول الإباضية ، ط1 ، مطبعة البعث قسنطينة ، الجزائر ، 1402هـ / 1982م .
الربيع بن حبيب ، أبو عمرو : الجامع الصحيح ، تحقيق : أبي إسحاق إبراهيم اطفيش ، ط2 ، المطبعة السلفية ، القاهرة ، 1349هـ .
سعيد الخوري : أقرب الموارد في فصح العربية والشوارد ، مطبعة مرسلي ، بيروت ، 1889م .
سليمان الباروني ، أبو الربيع : مختصر تاريخ الإباضية ، مطبعة الإرادة ، نشر : مكتبة الاستقامة ، تونس ، 1938م .
سليمان بن الأشعث إلسجستاني ، أبو داود : سنن أبي داود ، تحقيق : محمد محيي الدين عبد الحميد ، دار الفكر ، بيروت .
السيد سابق : فقه السنة ، ط5 ، دار البيان ، الكويت ، 1391هـ / 1971م .
عامر بن علي الشماخي : كتاب الإيضاح ، تحقيق لجنة من العلماء ، ط2 ، الوطن ، بيروت ، 1390هـ / 1970م .
عبد الرحمن بن أبي بكر ، جلال الدين السيوطي : الجامع الصغير في أحاديث البشير النذير ، دار الفكر، بيروت .
عبد الكافي بن أبي يعقوب التناوتى الوارجلاني ، أبو عمار : كتاب الموجز ، تحقيق : عمار طالبي بعنوان ، آراء الخوارج الكلامية ، ط1 ، الشروق ، نشر : ش . و . ن . ت . ، الجزائر ، 1398هـ / 1978م .
عبدالله بن حميد السالمي ، نور الدين أبو محمد : مشارق أنوار العقول : تصحيح وتعليق : أحمد بن حمد الخليلي ، ط2 ، مطابع العقيدة ، عُمان ، 1398هـ / 1978م .
علي يحيى معمر : الإباضية بين الفرق الإسلامية ، مطابع سجل العرب ، ط1 ، القاهرة ، 1396هـ / 1976م .
عمرو خليفة النامي : Journal of Semitic studies chaptes أوراق مصورة .
عوض محمد خليفات : الأصول التاريخية للفرقة الإباضية ، مطبعة الجويني ، تونس ، 1984م .
لفيف من المستشرقين : المعجم المفهرس لألفاظ الحديث النبوي ، دار الدعوة ، استنبول ، دار سحنون ، تونس .
لواب بن سلام بن عمرو الإباضي : الإسلام وتاريخه من وجهة نظر الإباضية ، تحقيق : ق . شفارتز ، وسالم بن يعقوب ، دار اقرأ ، ط2 ، 1405هـ / 1985م .
محمد أسعد طلس : تاريخ العرب ، ط3 ، دار الأندلس ، بيروت ، 1403هـ / 1983م .
محمد بن بركة العماني ، أبو محمد : كتاب الجامع ، تحقيق : عيسى بن يحيى الباروني ، ط1 ، 1391هـ / 1971م .
محمد بن يوسف اطفيش ، قطب الأيمة : تيسير التفسير ، ط1 ، حجرية ، 1325هـ / 1907م .
محمد بن يوسف اطفيش ، قطب الأيمة : شرح كتاب النيل وشفاء العليل ، ط2 ، دار الفتح ، بيروت ، مكتبة الإرشاد ، جدة 1393هـ / 1973م .
محمد رواس قلعة جي : موسوعة فقه عمر بن الخطاب ( رضي الله عنه ) ، ط3 ، دار النفائس ، بيروت ، 1406هـ / 1986م .
محمد فؤاد عبد الباقي : المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم ، دار الأندلس ، بيروت .
مصطفى الشكعة : إسلام بلا مذاهب ، ط7 ، الدار المصرية اللبنانية ، القاهرة ، 1407هـ / 1987م .
هود بن محكم الهواري : تفسير كتاب الله العزيز ، تحقيق : بلحاج شريفي ، ط1 ، دار الغرب الإسلامي ، بيروت ، 1410هـ / 1990م .
مفتاح الرموز المستعملة في التحقيق
كل عنوان بدون معقوفتين هو من وضع المؤلف .
كل عنوان جانبي أو فصلي وضع بين معقوفتين هو من وضع المحقق .
كل رقم صغير بين معقوفتين يشير إلى أرقام الصفحات في المخطوط الأم ، أي نسخة ( د ) .
كل باب وضعت أرقامه الهامشية متسلسلة منفصلة عن الباب الآخر .
في الهوامش :
ص = الصفحة .
ج = الجزء .
تح = تحقيق .
الحروف الموجودة في الهامش بين قوسين تشير إلى النسخ المعتمدة في التحقيق :
( ب ) = نسخة مكتبة البكري
( جـ ) = نسخة مكتبة الجابرية .
( د ) = نسخة مكتبة الحاج بابكر بن مسعود (1) .
( هـ ) = نسخة مكتبة الحاج بابكر بن مسعود (2) .
تم بحمد الله

مركز الدراسات الاباضية

أعراش ريان

الأعراش التي نزلت بالمنطقة قديما ومناطق وجودها

-                 عرش أولاد بن هزيلة: المسمون بالعفافرة صحراء بريان.

-                 عرش أولاد يعقوب: صحراء بريان.

-                 عرش المذابيح: صحراء بريان.

-                 عرش الفراشيش: المهراس الجوفي واد البئر.

-                 عرش بني قرط وأولاد أعقاب المداغ الغربي.

-                 عرش أولاد الحفيان: المداغ الجوفي.

-                 عرش أولاد سيدي عبد الله: واد الفرش.

-                 عرش أولاد سيدي الصالح: واد أنسا.

-                 عرش الزناخرة: وكان الزناخرة قسمين قسم منهم غربي والآخر شرقي؛ أما القسم الشرقي فهم من فيض غانم أسفل مع وادي أنسا و لاروي وواد البئر إلى وادي زقرير للقرارة مرعى وحرثا، وأما القسم الغربي لهم فحنية سيدي محمد بوسحابة جوفا وشرقا من واد فيض غانم شرقا وغربا للفياض والمقيتلة و وادي سطافة ومنهم فرقة نزلوا مع الشيخ سيدي أمبارك بن محمد وحنية بالوح أسفل حنية سيدي أمحمد بوسحابة، وأول صراع وقع في منطقة بريان كان بين الزناخرة والمذابيح وتدخل أولاد الحفيان بفض النزاع وكان السبب في رحيل عرش الزناخرة من بريان([1])، وانتقلوا إلى تطري عمالة بوغار، وفيما بعد جماعة بريان اشتروا من الزناخرة والزرقان الوادي المسمى بوادي أنسا من مكب الحلفاء إلى مكب واد البير بثلاث نعجات وخمسين برنوصا وأربعمائة ريالة عام 1100ه-1688م([2]).

 

ملاحظة: نتيجة لسنين الجدب شحت الطبيعة بمطرها، فمعظم هذه الأعراش حفروا آبارا وبعد نفاذ مائها انتقلوا من هذه المنطقة بعدما كانوا يسكنون الخيم ومعظمها لم يكن لها أثر في الكتب والوثائق ولم يتركوا لنا آثارا مادية.

عرش أولاد نوح:

متكون من العشائر التالية: أولاد بالناصر- أولاد عابو- أولاد بلفع – أولاد حل عينهم.

أولاد نوح: جدهم قاسم بن موسى بن محمد بن الشيخ أبو عبد الله بن محمد بن يحي بابه تجمى بن إبرهيم بن محمد بوسحابة *- دفين بالوح- بن الشيخ أبي القاسم بن نوح بن بجر بن طلحة بن بابكر بن عمي عيسى بن بابه والجمة([3]). الذين منهم: تربح ومن يليه ومنهم فريق في غرداية هم أولاد حل عينهم.

الشيخ بالناصر*: جاء الشيخ بالناصر بن يحي من وادي أكريرش مع البعض من فريق بني عسكر وأخيه وأسرهم فنزلوا غرداية عند الشيخ عبد العزيز بن يحي سنة 778ه/1376م وله أولاد ثلاثة وهم من بقية الإمام يعقوب بن أفلح وأصله من بني عبد الواد أمراء تلمسان. هو الناصر بن يحي بن أبو حمو بن الناصر بن يحي بن يغمراسن، ومكثوا مدة من الزمن، توفي الشيخ بالناصر سنة 839ه/1435م، وأخوه سليمان ليس له عقب، ودفنوا في الشعبة الغربية بغرداية وعليه مقام قريب من المقبرة المالكية([4])، بينما رحل أولاده وهم حمو وسليمان وإسماعيل وأحفاده وجماعة بني عسكر إلى بريان.

جماعة بني عسكر:

هاجر من تيهرت الأمير بن يعقوب بن أفلح وهو أحد أيمة بني رستم مع من اتبعه عام 296ه/909م، وذلك عند غزو الفاطميين لتيهرت، أولا وقع فيهم تشتيت فبقي بعضهم في حوز تلمسان وهم قبيلة بني عبد الواد الحاكمين، بعد ذلك افتراق أعراش بني عسكر بعضهم إلى وجدة وبعضهم إلى طنجة وبعضهم إلى الشارف، وبعضهم بقي في الأغواط فريق أولاد سرقين وبنو توجين وبنو مخرف وبعضهم ظل ملازما للإمام يعقوب واتبعوه، يرحلون وينزلون إلى أن وصلوا وادي مية قريب من وارجلان بحوالي ستة عشر ميلا وأسسوا فيه مدينة سدراتة، وشرعوا أولا في استخراج المياه وتشييد البنيان إلى أن صارت مدينة عامرة بالأهالي طولها ميلان في عرض ميل واحد ونشطوا في غرس النخيل والأشجار مدة نصف قرن وتوفي الإمام رحمه الله([5]).

فأولاد عابوا جدهم يحي بن السايح بن عابوا، وأولاد قاسم بن إبراهيم وأصلهم من فقيق بالمغرب الأقصى الذين ينتسب إليهم أولاد بلفع([6]).

فسبب خروج أولاد نوح و العفافرة مع أولاد باخة من غرداية هو الصراع الذي كان قائما هناك مما أدى بنزوحهم نحو الأغواط ثم وادي زقرير فأسسوا قصر لمبرتخ، وبعدها انتقل أولاد نوح والعفافرة إلى بريان فأسسوها عام 1005ه/1596م([7]).

عرش العفافرة:

   نتيجة للصراع الذي كان قائما في غرداية، فإن عشيرة العفافرة خرجت ونزح أهلها إلى الأغواط ونزلوا عند فرقة أولاد سرقين، فانشغلوا بحفر الآبار والفلاحة ومكثوا ثلاثين عاما، ولما عزموا على بناء مسجد أخرجهم أهل البلد في أسوء حال، فاتجهوا نحو وادي

أنسا وتبعوه إلى أن وصلوا ملتقاه مع وادي الكبش، أين حفروا بئرا وبنوا ديارا([8]).

عرش النشاشبة وأولاد يونس:

   وقع صراع في غرداية أدى إلى خروج بعض من أنشاشبة وأولاد يونس وهم من الإباضية الذين جاؤوا من الشرق من نفوسة الجبل، وهم من بلاد طرميسة وشيخهم العالم الطاهر بن يوسف، كان أثر قدمه وخف ناقته ونشابه يؤثرون في الحجر أين ما حل مجاب الدعوة.

جد النشاشبة: حمو بن زكريا بن داود بن عيسى بن محمد بن ينزار الباروني.

   جد أولاد يونس: أحمد بن موسى بن محمد بن صالح بن أبي القاسم بن يحي بن يونس بن ينزار الباروني، نزلوا غرداية وهم فرقة كبيرة، فلما وقع الصراع في غرداية أدى إلى خروج بعض منهم فقصدوا قصر الخنوفة بوادي أنسا حيث كان أولاد سيدي الصالح، ومكثوا مدة من الزمن واستقدمهم أولاد نوح إلى بريان.

عرش آل العطف:

وقع شنآن بين أهل العطف، فخرج البعض منهم قاصدين واد بريان فنزلوا عند ملتقى واد البئر مع وادي أنسا وحفروا حواسي قريبة الماء وأرادوا البناء واستقدمهم أولاد نوح إلى بريان.

عرش آل بنورة:

   تغلب أولاد عبد الله على أولاد أسباع في بنورة، وهدموا قصرهم وأخرجوهم تاركين ديارهم حاملين أولادهم وحريمهم مع إخوانهم أولاد داود عام 1200ه/1785م، فذهبوا إلى مطلق مهراس الجوفي القريب من واد البئر وأرادوا أن يعمروا فأدخلهم أولاد نوح إلى بريان ولازالت الآثار بتلك الأماكن*.

   وأولاد أسباع أصلهم من نفوسة من مدينة كباو، وهي الآن خالية، والدوام والبقاء لله. جدهم باحمد بن صالح بن بابش بن أحمد بن أبي بكر بن عمر بن عبد الله بن أحنين بن أسباع بن أبا القاسم بن عبد الله بن عبد الرحمان البابشي النفوسي([9]).

عرش آل عمي سعيد:

في سنة 854ه/ 1450م، جاء الشيخ عمي سعيد من الشرق وابنه أحمد، ولأحمد أولاد وأصلهم من نفوسة فقدموا جربة ومنها إلى غرداية وهما من بلد أدرف الجبل ثم سافر إلى ناحية فقيق بالمغرب الأقصى يتخبر أحوال الإباضية فلم يجد شيئا من ذلك إلا اللسان العربي والبربري فانعطف راجعا ولما نزل أخيرا غرداية، تزوج امرأة يقال من أولاد بابا والجمة، فرزق بولد اسمه موسى وله عقب بغرداية، وأما ابنه أحمد فقد سافر إلى المشرق وترك زوجته وابنه في غرداية، اسمه معطى ولقبه ميكيس وأمه حبيبة بنت الحاج عبد العزيز الجناوني، فأقام بغرداية وله فيها عقب إناث وذكر اسمه عيسى بن داود، وهذا ملقب بوكراع وترك ولدا اسمه بهون، وأما موسى بن الشيخ عمي سعيد فأولاده موجودون فارتحلوا إلى بريان.

   والشيخ عمي سعيد هو ابن موسى بن عيسى بن أحمد بن محمد بن عبد الرحمان بن يوسف بن جودر بن حضر بن سام بن علوان بن أبوار بن ميسان بن شماد بن الشيخ عمي عامر بن علي([10]).

عرش أولاد سيدي يحي:

في منتصف القرن الثامن للهجرة /14م جاء سيدي سعيد بن سيدي يحي وإخوانه سيدي البخاري وسيدي أمحمد من جبل العلام بالمغرب الأقصى، فنزلوا عند الشيخ

إسماعيل بن موسى المقيم آنذاك في العطف جاءها أولاد يحي إلى العطف زائرين ومكثوا مدة بالبلاد فأكرمهم لما توسم فيهم الخير، وفرح بهم أهل القرية فتوجه سيدي أمحمد بن يحي للمشرق، ومات في توقرت بوادي ريغ، وأما سيدي البخاري فمات في العطف ولم يترك عقبا، وبقي أخوهما سيدي سعيد في العطف وتزوج ببنت من نسل سيدي إبراهيم بن مناد، وسيدي إبراهيم ليس له عقب ذكور إلا أنثى واحدة اسمها عائشة، فأنجبت معه سيدي أمحمد بورقبة، كان طويل العنق ولذلك لقبوه به، ثم بعد سنين عديدة سافر سيدي سعيد وترك ابنه المذكور في حجر أمه يراقبه الشيخ أيوب بن قاسم، عاش مائة وعشرين سنة، وتوجه سيدي سعيد للمشرق، ولما وصل واد أنسا نزل عند الشيخ محمد بن الطاهر بن سيدهم في قصر الخنوفة فأكرمه وكان يقرئ القرآن العظيم ويريد أن يتوجه للجريد لطلب العلم فرغبه الشيخ محمد بن الطاهر على أن يقيم عنده يعلم الصبيان، فمكث مدة شهرين واشتاق لبلاد الجريد بعدما تزوج امرأة من أولاد سيدي الصالح، وسافر وتركها بالحمل وبعد أربعة أشهر جاءهم نعي سيدي سعيد من المشرق"وعند تمام الحمل وضعت غلاما باسم أبيه سعيد بن سعيد فنشأ وتربى في حجر جده لأمه إلى أن كبر وبلغ سن الرشد فزوجته أمه بعد وفاة جده محمد بن سيدهم من بنات أحمد بن عبد الله فرزق منها ثلاثة أولاد وهم عبد الرحمان وأحمد وبالقاسم"[11] فكان أخا لأمحمد بورقبة من أبيه، وأما أخوه سيدي امحمد بورقبة فإنه نشأ في العطف وزوجته أمه بنتا من بني أحريز تسمى عائشة بنت إبراهيم بن عبد العزيز، يقال إنها أنجبت أربعة أولاد وهم: سلامة، أمبارك، عثمان، السايح.

أما أولاد مهدي فهم من ناحية تلمسان وهم عرش كبير يرحلون وينزلون في الصحراء إلى أن وصلوا العطف ونزلوا على أولاد بورقبة مكثوا هناك سنين، كذلك أصبح لهم إلى أن وصلوا العطف ونزلوا على أولاد بورقبة مكثوا هناك سنين، كذلك أصبح لهم شأن كبير عند أهل البلاد ومكانة لا ينازعهم أحد محبوبين بخلاف غيرهم من الأعراب.

   وكان أولاد بورقبة وأولاد مهدي يرحلون وينزلون في البلاد مع بعضهم البعض ويتوجهون إلى أولاد سيدي الصالح في واد أنسا لتفقد أخيهم سعيد بن سعيد وعندهم مواشي عنز وضأن، وفي عام 860ه/1455م توفي سيدي أمحمد بورقبة ودفن في المكان المعروف بالحسي (زلفانة)، وهو شريف النسب، وقبل هذه السنة توفيت زوجته الحريزية وتزوج امرأة أخرى من عرش الزناخرة تسمى رقية بنت الطيب الزنخري فأنجبت خمسة أولاد ذكور وهم محمد والطيب وسليمان وعبد القادر وأبو القاسم، وبعد وفاته حملتهم أمهم نحو أهلها الزناخرة وهم متوزعون بالناحية الجوفية صحراء أولاد نايل ومنهم في سيدي عقبة وفي نفطة من بلاد الجريد، بقي أولاد الحريزية يرحلون كذلك مع إخوانهم أولاد مهدي وفي عام 862ه/1457م،كانوا نازلين بوادي الشويخات بخيامهم وأهلهم، وقد انتشر فيهم وباء فمات كثير من النساء والصبيان ومن أعيان الجماعة سيدي السايح بن أمحمد وأخوه سيدي عثمان وأحمد الصغير وأخوه موسى، وفي ذلك العام رحل سيدي مبارك وأخوه سيدي سلامة، فأما سيدي مبارك فنزل في وادي بالوح على الشيخ حمزة المذبوحي وحفر حاسيا في مْلاقاة بالوح وشعبة المناخ من الشرق، ومكث هناك بأهله، وأما أخوه سيدي سلامة فرحل مع بيوت من إخوانه أولاد مهدي لناحية واد أنسا. ولما انبجس الماء في حاسي سيدي أمبارك، شرع في بناء دار في الجبل القبلي فلما وجد الماء قريبا من الأرض السهلة بعث لابن عمه سيدي بلقاسم بن سعيد فجاءه وشرع في حفر حاسي جوار حاسي سيدي أمبارك إلى أن ظهر الماء واتفقوا على العمارة فبدؤوا بتأسيس المسجد تحت الجبل القبلي المقابل لحاسي عبد الله بن سعيد، فوضعوا الحجر وهناك تزوج سيدي بلقاسم أفريحة بنت سيدي أمبارك ولم تمض إلا مدة يسيرة حتى توفي سيدي أمبارك بذلك الوادي وقبره مشهور وعليه مقام يزار شرقي الحاسي، وبعده بعشرة أيام توفي أخوه سيدي سلامة ودفن في مقبرة أرجال الزرقي.

   لما توفي سيدي أمبارك في وادي بالوح أقام بعده ابن عمه سيدي بلقاسم بن سعيد وطلب من بعض إخوانه أن يأتوا نحوه ليساكنوه، فلم يأت له أحد، واستوحش عند عند فراقه لسيدي أمبارك فرحل بجميع الأهل والأولاد وقصد عمه سيدي عبد الرحمان بن سعيد لوادي أنسا حيث محط رحالهم.

   وأما أولاد سيدي السايح بن أمحمد بورقبة والبعض من أولاد سيدي عثمان بن أمحمد بورقبة مع إخوانهم أولاد مهدي، لايزالون يرحلون وينزلون في العطف، وفي جهة بريان كان أجدادهم المتوفون في ترابه وإخوانهم أولاد سيدي سعيد بن سعيد ومن جهة العطف كذلك مع المحبة الجارية بينهم وبين أهل العطف([12]) .

عرش الدبادبة :

   نصبوا الدبادبة خيامهم بمكان معروف أوجُّوجنَ في بني يزقن (آت يزجن) عندما أخرجهم المذابيح من غرداية وكانوا رحلا وبسط الله عليهم الرزق، فوقعت بعض الحوادث مما أدى إلى وقوع الحوادث مما أدى إلى وقوع شنآن بين سكان بني يزقن وفرقة الدبادبة وحدث تصادم عنيف فيما بينهما حوالي 1116ه/1705م([13])، فارتحل الدبادبة منهم من رحل إلى وادي ريغ وبقي بعضهم متجولين في الصحراء وبعضهم انتقل إلى وادي نيمل "وفي عام 1280ه/1862م، جاء أعمر بن إبراهيم وعيسى بن محمد بن الطاهر واحمد بن النعجة بأولادهم ونسائهم إلى بريان"([14]).

عرش المخاليف:

مؤسس العرش سيدي مخلوف، موطنهم سيدي مخلوف، وهم قسمان: مخاليف الزرق الذين وطنوا سيدي مخلوف؛ ومخاليف الصحراء الذين وفدوا إلى بريان وتحالفوا مع أهلها للدفاع عنها في واقعة الشعانبة عام 1280ه/1863م([15]).

عرش الحرازلية:

   ينتسبون إلى الشيخ أحمد بن حرز الله موطنهم حاسي الدلاعة بالأغواط[16]، وأول العائلات التي وفدت إلى بريان هي عائلة بلحوت والتي نزلت في عشيرة أولاد بناصر[17].

عرش الشعانبة:

   وفدوا إلى مناطق الواحات وتوطنوا جهات وارجلان المنيعة ومتليلي منذ القرن السادس عشر الميلادي، وهم يتكونون من عشائر عديدة والعائلات الأولى التي وفدت إلى بريان عائلة صيفية التي نزلت ف عشيرة أولاد بناصر[18].

عرش العطاطشة:

   وهم ذرية أخوين أولاد عيسى وأولاد عطاش[19]، كانوا يخيمون بجوار القرارة في الصيف والخريف ويبتعدون عنه في الشتاء والربيع فقد استقدمهم أهل القرارة في القرن الثامن عشر الميلادي[20]. ووفدت بعض العائلات منهم إلى بريان.

عرش أولاد السايح:

   يرجع نسبهم إلى محمد بن أحمد بن علي بن يحي (السائح) القادم من تلمسان عبر الونشريس وصحراء الأغواط وبريان وواد النساء إلى أن حط رحاله بجلالة (أجلو) سنة 1449م([21])، ويعد مؤسس العرش موطنهم الطيبات بلدة أعمر توقرت وبعد مدة من الزمن وفدت بعض العائلات منهم إلى بريان.

عرش أولاد نايل:

   ينتسبون إلى محمد بن عبد الله الملقب نائل(سيدي نائل)([22]) أماكن استقرارهم بالأطلس الصحراوي والهضاب العليا جنوب التيطري([23]) موطنهم مسعد وسد الرحال بولاية الجلفة، و وفدت بعض العائلات منهم إلى بريان.

وهنالك عائلات تنتمي إلى فرق أخرى: رحمان...

وفي الحقيقة إن هذه الأعراش متباينة الأنساب توافدوا من قرى وادي مزاب ومن أقاصي البلاد فيهم البربري والعربي بعد انقراض الدولة الرستمية وخراب سدراتة، أو أثناء الفتن الداخلية.

 

الأعراش في مرحلة تأسيس بريان 1005هـ/1596م.

خرج أولاد نوح والعفافرة من غرداية مع أولاد باخة إثر اصطدام بين الصفين (الشراقة والغرابة) فتوجهوا إلى الأغواط، وكان ذلك حسب موتلنكسي في القرن السادس عشر الميلادي، ولما وصلوا نزل أولاد باخة على فرقة الأحلاف، والعفافرة وأولاد نوح على فرقة السرغين، فاشتغلوا في حفر الآبار والفلاحة والتجارة ثلاثين عاما، ولكن لم يدم مقامهما طويلا في هذه المدينة فأخرجهم أهل البلد فرقة بعد أخرى، ثم انتقلوا إلى موضع بوتركفين([24]) ،ثم التقوا جميعا في منطقة تسمى "مْلاقا بن سيدهم" عند تقاطع وادي الكبش ووادي أنسا وبعدها توجهوا إلى وادي زقرير هروبا من بطش قطاع الطرق فشيدوا قصر المبرتخ الذي أخذ يزدهر وينمو بسرعة فائقة، لم ينعم أهالي قصر المبرتخ بالأمن والاستقرار طويلا فتصارع أولاد نوح والعفافرة مع أولاد باخة، واستقدم أولاد باخة سلطان بن جلاب حاكم تقرت فحاصروا قصر المبرتخ ليتمكن أولاد باخة من تأسيس قرية لهم على كدية العقارب سموها القرارة وبعد رحيل ابن جلاب من المنطقة تصارع الطرفان وتمكن أولاد باخة من هدم قصر المبرتخ وتخريبه، فارتحل أولاد نوح والعفافرة إلى الموقع الحالي لبريان على ملتقى وادي السودان ووادي بالوح، ليشيدوا مدينة جديدة عام 1005ه/1596م([25]) ، وانضم إلى المؤسسين في فجر تاريخها أولاد يحي الذين كان يسكن فريق منهم وادي أنسا والآخر مدينة العطف وهم مالكية المذهب، وكان لهم علاقة وطيدة مع أولاد نوح عبر التاريخ، ثم استقدم أولاد نوح كل من النشاشبة وأولاد يونس وأولاد بونورة والعطف، والتحق بهم أولاد عمي سعيد من غرداية، وبدأ ينمو قصر بريان بازدهار العمران، وعمرت البلاد بغرس النخيل والأشجار،

   واستوطنوه وعاشوا معا متعاونين على عمارته وحمايته والدفاع عنه في عدة وقائع منها مع المذابيح:

واقعة الباقل الكبير (في الراقوبة الصفراء بواد أنسا) 1130ه/ 1717م.

واقعة العويجة ببالوح.

واقعة المداغ الغربي.

واقعة الشعانبة عام 1280ه/1863م([26]).

   ثم انتقل إلى بريان بقية الأعراش الأخرى من المخاليف والدبادبة والحرازلية والشعانبة والعطاطشة وأولاد السايح وأولاد نايل ورحمان... في فترات زمنية متلاحقة وهم عرب مالكية، وعاشوا متجاوزين ومتعاونين في سلم وأمن وهناء في مدة زمنية طويلة وازدهرت البلدة في شتى المجالات إلى أن وقع شنآن بين المتساكنين مما أدى إلى مشادات في عدة وقائع منها:

واقعة بين المتساكنين السبت 23جوان 1990م.

واقعة بين المتساكنين الأربعاء 19مارس2008م.

واقعة بين المتساكنين الخميس 10أفريل 2014م

واقعة بين المتساكنين الخميس 13جوان 2015م.

   لقد قام الاستعمار بإذكاء نار الفتنة بين الأعراش المتساكنة* بالمنطقة وفرضت عليها سياسة "فرق تسد"، وشهد وادي مزاب عبر التاريخ فتنا داخلية مما أدى إلى إضعافه وإنهاك قواه وبسط السيطرة والهيمنة عليه*([27]) .

أسماء بعض المشايخ وأعيان المزابيين قديما في بريان:

-حمو بالناصر.-سليمان بالناصر.- اسماعيل بالناصر.

-إبراهيم بن كاسي- كاسي بن كاسي- باحمد بن كاسي.

-سليمان بن ببهون- سليمان بن علي – بابه بن حمو- عمر بالناصر.

-حمودة بن صالح.- باحمد بن يحي.

-سليمان بن الناصر الباعوش- كاسي بن عابو.

-باسعيد بن كاسي بن بابه.- باسعيد بن الحاج علي بن عسكر.

أسماء بعض المشايخ والضمان العرب قديما في بريان:

-سعيد بن موسى بن علي- مبارك بن علي- سليمان بن أحمد المهداوي- الطاهر بن عبد الرحمان- محمد بن السايح- المسعود بن السايح.

-محمد بن قله – محمد بن زنبط- أسماحي بن لاعجال- ابراهيم بن أحمد.

-الطاهر بن شاعة: ضامن في أولاد خديجة.

-أسماحي بن سليمان: ضامن في الفريحات.

-العموري بن عيسى: ضامن في القسامة.

-محمد بن عيسى: ضامن في أولاد الشبن والمهادة.

-سليمان بن السايح: ضامن في أولاد بورقبة.

-أحمد بن الطيب: ضامن في أولاد بالخاوه.

-محمد بن مخلوف: ضامن في أولاد موسى بن إبراهيم.

- القيسي بن إبراهيم: ضامن في الدبادبة.

   هؤلاء الرجال كبراء الفرقات ويكونوا داخلين في جماعة البلاد مع جماعة بني مزاب في بريان ويتفقوا على ما يصلح بهم ويتبعون قانون البلاد كما في المسجد([28]).

 


) –الحاج إبراهيم بن الحفيان: أعراش بريان، مخطوطة يوم 24شوال عام 1206ه ورقة 2. [1](

) –عقد شراء جماعة بريان واد انسا من الزناخرة والزرقان عام1100ه، توجد نسخة منه عند المؤلف انظر العقد كاملا في آخر الكتاب[2](

([3]) الحاج محمد بن يوسف اطفيش: الرسالة الشافية، طباعة حجرية، ص64.

(2) –امحمد بن التومي: تقييد وبيان منقول من تأليف الشيخ بايوب بن قاسم العطفاوي من خط يده، في تاريخ واد مزاب،(رسالة مغنيةفي تاريخ بريان وواد مزاب) مخطوط) 1278ه ورقة 13. والسنوات أخذت من معجم أعلام الإباضية الجزء الثاني 1999م ص.165

(*) –سيدي امحمد بوسحابة : هو جد عرش أولاد نوح بريان مات سنة 687ه ضريحه موجود فوق الهضبة بسيدي بوسحابة ببالوح، الشيخ بالناصر هو نفسه الشيخ بامحمد بناصر على حسب المعطيات التي توصلت إليها.

)(2)- امحمد بن التومي: المرجع نفسه، ورقة 07-16.[5](

) –محمد بن علي بن أبو حميدة: هذه بلاد غرداية وعمارة واد مزاب وبلدانهم الذي كانوا فيها قبل مزاب(مخطوط) 945ه، ورقة 14.[7](

)-يوسف بن بكير الحاج سعيد: تاريخ بني مزاب، المطبعة العربية غرداية، ط1، 1992م، ص60.[8](

 ([9])- امحمدبن التومي:المرجع نفسه، ورقة 13.

(*) –يوجد في تلك الأماكن بعض الأطلال وكذلك نجد آبار صغيرة العمق تعرف بـ ـلعتاعيت منها ماهو مغمور بالتراب ومنها ماهي صالحة يوجد بها الماء وهي في وسط مجرى الوادي، وليس ببعيد منها توجد مقبرة وتعرف هذه المنطقة بالزايرات.

)-امحمد بن التومي: رسالة مغنية (مخطوط )، ورقة 14.[10](

)-محمد بن الخيذر بن محمد بن أحمد بن يوسف الملياني: تاريخ أولاد سيدي يحي في الصحراء ودخولهم إلى بير ريان ، مخطوط، عام 1222ه، ورقة 14.  [11](

)-أمحمد بن التومي: رسالة مغنية(مخطوط) 1278ه، ورقة9-10-11.[12](

)- يوسف بن بكير الحاج سعيد: تاريخ بني مزاب دراسة اجتماعية واقتصادية وسياسية، ط2، 2006م، ص94.[13](

)- امحمد بن يوسف التومي: المرجع السابق ورقة 26.[14](

)-مقابلة مع الحاج علي بن عيسى لطرش19ديسمبر1996م.[15](

)-محمدرميلات: مقدمةفي دراسة مجتمع الحرازلية، مطبعة رويغي الأغواط،ط1، 2011م،ص18.[16](

)-مقابلة مع الحاج إبراهيم بن علي لعساكر(الزعيم)،02 فيفري 1996م.  [17](

)-حمو محمد عيسى النوري:نبذة من حياة المزابيين الدينية والسياسية والعلمية من سنة 1505م، إلى 1962م، ص128.[18](

)-نفس المقابلة مع الحاج ابراهيم بن باعلي(الزعيم).[19](

)-حمو محمد عيسى النوري: مرجع سابق، ص122.[20](

)-يوسف بن بكير الحاج سعيد:تاريخ بني مزاب دراسة اجتماعية واقتصادي وسياسية، ط2، 2006م، ص78.[21](

)-عبد القادرموهوبي السائحي الإدريسي الحسني:ومضات تاريخية واجتماعية لمدن وادي ريغ ومزاب وورقلة والطيبات والعلية والحجيرة، دار البصائر الجزائر، 2010م،ص45.[22](

 

)-عامر محفوظي: تحفة السائل بباقة من تاريخ سيدي نائل، مطبعة دارأسامة باب الزوار، 2006، ص8. [24](

)-عبد القادر موهوبي السائحي الإدريسي الحسني، نفسه، ص163.[25](

)-هذا المكان هو عبارة عن واد يسمى واد بترفكين يبعد عن مدينة بريان في شمالها بحوالي 115كلم أي 35كلم جنوب مدينة الأغواط. [26]( (*)–التأسيس بمفهومه الحضاري في بناء المدينة بتشييد العمران ووضع الأنظمة الاقتصادية والاجتماعية والحضارية.

)[27]( fondation sa puis de GUerara M’zab le sur historiaues notes :c ;de ;A Montylinski-Alger ;1885 ;p18et7 .أنظر كذلك محمد بن علي بن أبو حميدة،(مخطوط) ورقة 14-44.

)- أحمد بن التومي: رسالة مغنية(مخطوط) ، ورقة 15-17-22-70-71.[28](

 

المرجع  بريان تاريخ وحضارة دراسة: تاريخية حضارية سياسية اقتصادية اجتماعية دينية ثقافية تأليف إسماعيل بن محمد لعساكر ص22 34

أفران الجير والجبس في بريان

الجانب المعماري( المعالم الأثرية)(1)

يتصف الجانب المعماري لمدينة بريان بمواصفات الهندسة المعمارية لقرى وادي مزاب، وعلى سبيل المثال نذكر بعض المعالم المعمارية في بريان منها الأفران :

  

أفران الجير والجبس:

كانت بالبلدة عدة أفران لإنتاج الجير والجبس، تنتقي فيه الحجارة الموصوفة بالأنثى ويتم ترتيبها على شكل حلقات من الأسفل إلى الأعلى بحوالي 7إلى 10أمتار، فتظل الحجارة على النار يوما أو يومين، ثم تترك في مدة ثلاثة أيام لتصبح جيرا يصلح لاستعماله في مختلف البناءات، وبه بنيت المنازلوالمساجد والأبراج والسدود...إلخ، ولكن بخلطه بنوع من الرمل والماء وكانت هذه الأفران تنسب إلى أربابها.

 

أهمها:

-أفران أمحارزية صالح بن حمو (مدرسة أبو اليقظان حاليا).

-أفران بابا وعيسى محمد بن عمر(البريد حاليا).

-أفران بطولة عيسى وحمو ابني باحمد (مدرسة الأمير عبد القادر حاليا).

-أفران أزقاو بكير وأولاده حمو وسليمان (محطة البنزين حاليا).

-أفران بلخير بن أحمد بن عيسى بلعمري (الشيخ صالح الزرقي).

-أفران بابا وعيسى عفاري بن محمد.

-أفران أرشوم الحاج حمو والحاج يحي ابني عيسى (بالزرقي).

-أفران النوي بن السايح لغلام في (بالوح).

لقد انقرضت معظم هذه الأفران من المنطقة ولم يبقى إلا القليل منها([18]).

 


(1) المرجع : بريان تاريخ وحضارة دراسة: تاريخية حضارية سياسية اقتصادية اجتماعية دينية ثقافية تأليف إسماعيل بن محمد لعساكر ص155-173.

)-مقابلة مع الحاج علي بن عيسى لطرش، الإثنين 13جانفي 1997م. [18](

 

أنواع الاوقاف في مزاب

Icon 09

أنواع الأوقاف والوصايا بواد مزاب(01)

.. الأوقاف أو الوصايا في وادي مزاب موجودة ومتنوعة، ولكنها اتخذت شكلا مغايرا لما يُعرف عادة في الأوقاف الإسلامية في مختلف أنحاء العالم، وهي تتلخص في أن أحد المؤمنين يوصي بعرجون في نخلته الكائنة في غابته الفلانية أو يوصي بنخلة غرس مثلا كانت في غابته الفلانية بجانب البئر ويترك حُكمها في ملك ورثته دائما، وبعد ذلك يجيء مُنفذ الوصية فيذهب إلى المسجد ويخبر الوكيل لينقل نص الوصية حرفيا في دفاتر المسجد، وتبعا للنص يتفقان على طريقة تنفيذ هذه الوصية، وهناك -وهذا هو الأعم الأغلب- من يُؤبِّر النخلة وينقص لها في وقت تنقيص العراجين، ويسوي العراجين في وقت التسوية وهو ما يعبر عنه بالحط أو "أسرسي"، وعند الجُذاذ تأتي الجماعة التي تقطع نخيل المسجد وتأخذ التمر الذي على النخلة كله وتترك له عرجون التأبير كما يسمى -هذا من صميم العدالة الإسلامية ذلك لأن صاحب البستان هو من دفع أجرة الفلاح الذي صعد النخلة وأبَّرها أو لقح عراجينها-. وهناك من الوكلاء من يثق بمن يملك الغابة أن يقوم بكل شيء ويوصل التمر للمسجد، أما إذا كانت النخلة لصاحبها وللمسجد فيها عرجون واحد فإنه هو الذي يوصله إلى المسجد، ومن النادر أن نجد غابة بأكملها ملكا للمسجد إلا في القرارة أو لمساجد مزاب في وارجلان مثلا.

وهذه الغابات كلها ألحقت بصندوق الثورة الزراعية عام 1975م، أما النخيل المتفرق أو العراجين فلا تزال على حالها وإن كان إيمان المؤمنين وأريحيتهم قد سدت حاجيات الفقراء من عُمَّار المساجد بما لا مزيد عليه، وإذا قلنا إن الوصايا متنوعة فهناك مثلا "جُبة الإمام" أو "حائك الإمام"، ففي العطف -تجنينت- توجد دار معروفة هي ملك لصاحبها ولكن عُلقت فيها وصية بجبة الإمام، وهي أن يصنع مالك الدار جبة صوف لإمام المسجد كل ثلاث سنوات، وإذا صنعوا له جديدة أخذوا القديمة فقد يلبسها صاحب الدار وقد يبيعها، وهناك وصية باستضافة الحجيج كل سنة في بلدة "مليكة" مثلا، وهناك ما جُعل للمقابر إذا نُوديَ لها في الصيف أو الشتاء وذلك من أنواع الميراث، وهناك من أَوصى ببیت لضيف المسجد ينام فيه مادام مقيما في البلدة، وهناك من أَوصى بكل ما تحتاج البلدة من مِلحٍ، وإن كان قد علق ذلك في دار ذات ریع مُهمٍ، وهو على طول السنة يتصدق بالملح لكل من يقصده في تلك الدار، والملح كما يقال لنا هو مأدبة جدنا الخليل إبراهيم عليه الصلاة والسلام.

وهناك من أَوصى بِحُليِّ يُعطَى على سبيل العارية لكل متزوجة فقيرة تتزين به في عُرسها.

وهناك من العائلات وإذا قلنا العائلة فنحن نقصد عددا من العائلات التي تحمل اسما واحدًا، وهؤلاء بوصية من جدهم يهيئون عشاءً لكل طلبة المساجد من عزَّابةٍ وإروان في موسم من المواسم، وعلى سبيل المثال أذكر أربع عائلات في العطف، فـ "آل الحاج احمد" يصنعون فطورا وسحورا في ليلة السابع عشر من شهر رمضان المعظم، يدعون إليهما طلبة المسجدين سواء كانوا من "العزَّابة" أو "إروان" ومعلمي المدارس الثلاث، ويفوق عدد المدعوين المائة يفطرون عند المغرب أو يتسحرون في السهرة.

أما "آل الحاج إبراهيم" فيصنعون عشاء أو غداء في منتصف شعبان لكل الطلبة كسابقيهم، وأما "آل الحاج إسماعيل" فيصنعون عشاء ليلة عاشوراء، أما "آل ابن أيوب" فيصنعون طعاما للطلبة يوم عيد الفطر ويوم عيد النحر، ويأكل معهم كل من حضر من الناس وليست هناك دعوة رسمية إليه وذلك بعد أن يخرجوا من المسجد مباشرة، فإذا دخلوا إلى الدار التي يوجد فيها مصلى جدهم الشيخ "أحمد بن موسی، ابن أيوب" يقرؤون سورة الملك على روحه ثم يأكلون الطعام ثم ينصرفون بعد الدعاء، وكل ما ذكرنا من هذه العشاءات هي وصايا يتوارثها الخلف عن السلف، ولا علاقة للمسجد في تسييرها إلا دور المشرف، حيث أن أعضاء الحلقة هم على رأس قائمة المدعوين، وهناك وقف آخر في العطف هو "آل حاجو" فإنهم يصنعون طعاما في يوم معروف من أيام السنة وهي الجمعة الرابعة من مقابر الشتاء، فيدعون العزابة للغداء ويحضرون لهم الطعام مهيأً والمقادير المقررة من السمن واللحم، فيخلطه العزابة بأيديهم ويبعثون قصعًا كبيرة تحمل على ظهور الدواب إلى مصلى المقبرة لتوزع هناك، ويأكلون الغداء مع من حضر من الناس، وإذا خرجوا حضر سائر الناس وأكلوا الغداء ويحضره كثير من الفقراء.

ولو ذهبنا نعدد هذه الأنواع من الوصايا المعلَّقة بالدُّور لطال بنا السرد، وهناك كذلك أدوات للمطبخ كالمراجِل والقِصَع الكبار والقدور الراسيات وأدوات المناسج وخيام الأعراس وما إلى ذلك مما ينتفع به الناس، ويردونها لأهل الموصي حتى يجدوها في يوم آخر إذا احتاجوا إليها، وهذا كله لا يعد شيئا بالنسبة للأوقاف أو الوصايا المسجلة في "كراس العزَّابة" كما تقدم ذكره، ونحن إذا تصفحنا هذا الكراس وجدنا مثلا: "أوصى فلان بن فلان بعشرين قِربة ماء عذب تُسقى في الصيف للمسجد العتيق بالعطف "تَجنِينت" وعلقها في داره الكائنة في الشارع الفلاني التي دخلت ملکه بالشراء من فلان أو بالإرث من والديه..."

وهذه الوصايا فيها أقسام منها:

أ. الماء الذي يهيأ للمساجد، وأغلبها للصيف أو لرمضان.

ب. ما كان من الزيت للاستصباح، وأغلبه في المولد ورمضان.

ج. قمح أو شعير وهو يعلق في أرض حِراثية، يؤدَّى الوقف إذا حرثت فقط.

د. قمح أو شعير وهو يعلق في أرض حِراثية، يؤدَّى الوقف ولو لم تحرث.

ه. ما يصنع طعاما بالسمن واللحم في بعض ليالي رمضان وفي المقابر، وهذا من أكثرها کمية.

و. ما كان من الخبز أو التمر لهذه المقابر.

وكل هذه الأوقاف لا تزال مستمرة –والحمد لله- وليس هناك قوة تقهر الناس لأدائها، بل يكفي أن يعلن عن المناسبة في المسجد حتى يستجيب الناس.

Icon 09

أَمَرْشِيدُو دْ لْحَابُوسْ وَادْ مْزَابْ(02)

الأوقاف في مزاب نوعان من حيث حقيقتها. النوع الأول وقف مؤبد لوجه الله، لأصل من الأصول، مثل أرض أو منزل أو بستان أو نخلة أو مرحاض أو جابية أو بئر، بحيث لا يجوز بيعه أو هبته أو إرثه، أو منتقل من المنتقلات، مثل القدور والمكاييل والكتب.

النوع الثاني يسمى تنوبا (جمعها تِنُوبَاوِينْ)، لا يمنع التصرف في الأصل ببيع أو هبة أو إرث، ولكنه يشترط على المالك أن يدفع إلى جهة معينة، بصفة مؤبدة، كمية معينة من المواد الغذائية، أو مواد الإنارة، أو أن يقوم بخدمات معينة للصالح العام.

الهدف من كل هذه الأوقاف هو خدمة الصالح العام، ومساعدة الفقراء وتشجيع المتعلمين، وخاصة منهم حفظة القرآن.

من جهة ثانية فإن لتنفيذ هذه الأوقاف طريقتين. هناك عدد من الأوقاف ينفذها العامة مباشرة، كتوزيع ماء الشرب في بعض الديار، وإنارة الطرقات، وتوزيع بعض المواد الغذائية، وصيانة آبار البلدة وتجهيزها، وصيانة سواقي الغدير في الواحة.

الطريق الثاني هو تقييد الوقف بالمسجد، فيتولى الوكيل أو الوكيلان في حلقة العزابة تنفيذه في المسجد، أو في محاضر تعليم الصبيان التابعة للمسجد، أو في المقابر، أو في أماكن خاصة أخرى. ما ينفذ في المسجد يكون في صيانته وتأثيثه وإنارته وإحضار ماء الشرب وماء الميضأة، وبتوزيع الصدقات على الطلبة والعامة من عمار المسجد، في أوقات معينة من اليوم والليلة، وفي أيام معلومة من السنة.

 ----------------------------------------------------

(01)/المصدر: كتاب رسالة في بعض أعراف وعادات وادي مزاب، الحاج أيوب إبراهيم بن يحيى، ص 149-152.

(02)تاريخ بني مزاب يوسف بن بكير الحاج سعيد، ص 173-174

المصدر: nir-osra.org

أنواع الصدقات العرفية وأخطاء في التنفيذ

Icon 09

أنواع الصدقات العرفية وأخطاء في التنفيذ

ويطعمون الطعام على حبه

الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات والصلاة والسلام على محمد بن عبد الله المحرض بالقرآن المبين على لسانه بالتصدق والصدقات وبإطعام الطعام وإفشاء السلام وعلى آله وصحابته أولي الهدى والتقى والكرم المتمسكين بتعاليم الفرقان المطبقين لسنة النبي العدنان جمعنا الله بهم في يوم المجازاة بالإحسان إحسانا وبعد :

إن المجتمع المزابي الإباضي مجتمع متماسك ومتعاون من قديم الزمان وأساس ذلك هو انتشار الأعمال الجماعية فيه على جميع الأصعدة في السراء والضراء وقد كتبت رسالة وضحت فيها طبيعة الأعمال الاجتماعية الجماعية وتأثيرها في المجتمع ومن تلك الأعمال الإكثار من الصدقات المتنوعة وقد يرتبط بها الاجتماع على تلاوة القرآن والدعاء أي هذه الأعمال الجماعية الثلاثة تدور حيث دار الناس في السراء والضراء وفي الحضر والسفر وفي الرخاء والشدة فقد تكون الصدقة فتنفذ بتلاوة القرآن والدعاء وقد يكون مجلس التلاوة ثم تحضر الصدقة وقد تحضر الصدقة وبعد التنفيذ ترفع أكف الضراعة والدعاء ولا يمكن أن يستقل عمل من هذه الأعمال بمفرده إلا الدعاء أحيانا أي قد يكون الدعاء مستقلا أما القرآن والصدقة فلا يستقلان عن الدعاء بتاتا وهكذا.....!!! .

بدون إطالة أحاول أن أحصر ما رمت تحريره في شأن الصدقات عموما والصدقات العرفية خصوصا في هذه العناوين :

-رسالة مجلس عمي سعيد في شأن الأوقاف إلى توفيق المدني :

-الصدقات في القرآن الكريم والسنة النبوية :

-أنواع الصدقات في المجتمع المزابي الإباضي :

-أخطاء شائعة في تنفيذ الصدقات العرفية :

-خاتمة نسأل الله حسنها :

رسالة مجلس عمي سعيد في شأن الأوقاف إلى توفيق المدني :

إن مجلس عمي سعيد بعد الاستقلال مباشرة قد أرسل رسالة مهمة في شأن صدقات الأوقاف إلى الوزير الأول في وزارة الشؤون الدينية السيد الأستاذ أحمد توفيق المدني صاحب كتاب الجزائر قديما وحديثا وكان الوزير محبا حبا جما للعوائد والتقاليد في منطقة أمزاب وكانت له مراسلات مع مجلس عمي سعيد وحلقات العزابة للفريقين المحافظين والمصلحين وهو حريص كل الحرص بالمحافظة التامة على الأوقاف عامة وهو من سن نظارة الأوقاف وقد خطت أنامل شيخنا الجليل العلامة الحاج عمر بن الحاج يوسف اليسجني طيب الله ثراه رسائل ذهبية واردة وصادرة من الأمة إلى الوزير والعكس من خلالها يتحسس القارئ بعظمة الأمة المزابية وتاريخها وبقيمة العظماء كالوزير العادل المذكور ولتشويق القارئ أورد عناوين الرسالة التاريخية في شأن صدقات الأوقاف عندنا وهي بمثابة تأصيل في الموضوع ذكرت الأوقاف في الماضي من أجل استدامة الأمر إلى المستقبل البعيد وأول الأوقاف هو التمر لقيمته :

-عنوان الرسالة الأصلي :

-تقرير في أوقاف بلاد ميزاب وورجلان وأنواعها ونظمها وطرق توزيعها : قدم للأستاذ توفيق المدني وزير الأوقاف في الحكومة الجزائرية .

-العناوين الفرعية :

-تقسيم أوقاف ميزاب بحسب طبيعتها إلى أنواع :

-طريقة صرم نخيل الوقف وعراجينه وجمع التمر ونقله إلى المسجد .

-ماذا يصنع بالتمر بعد جمعه .

-طريقة توزيع هذا التمر .

-النوع الثاني من أنواع الحبس : الطعام والخبز واللحم .

-ما هي الأوقات التي تفرق فيها هذه الصدقات [ النوبات ] .

-النوع الثالث : الماء والزيت .

-النوع الرابع : نخيل عراجين كذلك .

-النوع الخامس : وهو نادر .

-نظارة الأوقاف .

-ملاحظة وخاتمة .

هذه هي مكونات الرسالة التاريخية القيمة التي توضح بأن الصدقات الوقفية كانت من مكونات المجتمع المزابي الإباضي وهذه الصدقات المذكورة في الرسالة تحت مسؤولية العزابة في الإشراف والتنفيذ والمتابعة لديمومة الاستمرار ابتغاء الأجر والثواب والنفع للأمة بناء على فضائل واردة في الكتاب والسنة والدافع الأول والأخير لسن هذه الصدقات الوقفية الإلزامية والتطوعية هو الاحتياج وكثرة الفاقة في المجتمع وهذه الصدقات بمثابة جوائز للتحفيز في عمارة المسجد وتلاوة القرآن وجمع أفراد الأمة على اختلافهم في مناسبات عرفية كثيرة فقد أسس السلف صروحا وبنوا مجدا وتركوا تراثا في خدمة الدين والأمة والمجتمع والبشرية جمعاء فماذا صنعنا نحن الخلف فهل استثمرنا في سبيل السلف أم ضيعنا وتجاهلنا مجهودات من سبق بحكم تغير الأحوال وكثرة التقلبات وتطور الزمان ؟؟؟ََ!!!.

الصدقات في القرآن الكريم والسنة النبوية :

إن القرآن الكريم حرض كثيرا على إنفاق المال في السور الطوال والقصار ابتغاء مرضاة الله وندد على الكنز والجمع والمن والأذى في الصدقة وبالرجوع إلى القرآن الكريم نجد الحث على الإنفاق والصدقة والمواساة بكيفيات كثيرة تشويقا للمسلمين وترغيبا لهم لأن زكاة المال بإخراج الصدقة منه على حبه تطهر النفوس وتجزل الأجور وتوفر النفع في المجتمع ومن ذلك التنويع في استخدام الألفاظ مع التكرار الرائع في السور القصار والطوال وكذلك استعمال القصص الحق مثل ما ورد في سورة الكهف والقلم في شأن أصحاب الجنات والتكثير من الأمثلة والتشبيهات مثل ما ورد في سورة البقرة إلى غير ذلك فقد يذكر لفظ المال بالإفراد ومرة بالجمع ويذكر كذلك لفظة الخيرات والخير في شأن الإنفاق ويذكر لفظة الصدقة والصدقات والتصدق ويذكر لفظة النفقة والإنفاق ويذكر لفظة الإطعام والطعام وتذكر لفظة التعاون والبر وغير ذلك ويذيل كل ما ذكر بتوجيهات تحصينية كابتغاء مرضات الله ورضوان الله ووجه الله وتوجيهات تحفيزية كالسر والعلانية إلى غير ذلك وكفى بالقرآن مرجعا ومفزعا لكل من أراد الفوز .

وبالنظر إلى مراجع السنة النبوية المطهرة الصحيحة وكتب السيرة النيرة نجد بأن الرسول صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبة حرض على الصدقة بالقول والفعل ووضح كثيرا من مجمل آي القرآن في الشأن وكانت معظم أفعاله ومبادراته في التصدق سببا في نزول آيات بينات تتلى إلى يوم الدين ومما نبهنا عليه الرسول الأعظم عليه أزكى الصلاة والتسليم هو : الصدقات الجارية وصدقات السر والتركيز على الكيف لا على الكم مع الإخلاص ومن هو أفضل من رسول الله عليه الصلاة والسلام في مواساة الضعفاء والفقراء والمساكين من المسلمين وغيرهم ويكفي دليلا على هذا مواساته لأصحاب الصفة كما ورد في السيرة وتأليفه لقلوب وجهاء العرب من أجل كسب قلوبهم وهدايتهم وقومهم إلى الصراط المستقيم وفي السنة المطهرة صدقات معروفة كصدقة عيد الفطر والعقيقة وأكتفي بهذا القدر للتذكير .

أنواع الصدقات في المجتمع المزابي الإباضي :

المجتمع المزابي يزخر بأنواع من الصدقات قد لا توجد في غيره من المجتمعات وهذا ما ذكر في رسالة العزابة إلى وزير الشؤون الدينية كما سبق حتى يرعاها تتميما لما كانت عليه بناء على المعاهدة المعروفة مع العدو الفرنسي ولا يخفى على عاقل ما تدر هذه الصدقات من منافع للناس في الجانب الاجتماعي والديني .

وأنا هنا لا أستطيع التفصيل في بيان هذه الصدقات وخصوصيتها وإنما أذكرها بكل إيجاز تنبيها للقارئ وعلى رأس ذلك الصدقات الدائمة أو الإلزامية كما يسميها الخصم وقد ذكرت بكل تفصيل في رسالة العزابة إلى توفيق المدني ومعظمها يؤول إلى المسجد وهي مثبة في الوصايا من عهد الشيخ عمي سعيد الجربي وقد تنوعت وتكاثرت على مر الزمن وهي الآن في اضمحلال مستمر لأسباب كثيرة تحتاج إلى دراسة وأفضل مرجع عصري سلط الضوء عليها هو الأستاذ المؤرخ الحاج سعيد يوسف بن بكير في كتابه : الوجه الحي للمقابر وباستطاعة المرء أن يشارك في هذه الصدقات متطوعا بدون إلزام وهو ما يسمى بـ : أنفاش فمثلا تجد أوقافا دائمة في موسم مقبرة ما مسجلة في دفتر الأوقاف عند وكيل المسجد وتجد بالمقابل صدقات تطوعية لمن يشاء مشاركة للمسلمين في الصدقة والدعاء هذا في داخل المقبرة أو المسجد .

وفي خارج المسجد نجد أوقافا متنوعة منها ما هو على حاله وفي تطور كوقف سقاية الماء الصالح للشرب لبني البشر ومنها ما هو في طريق الزوال كوقف إطعام الطيور في أسطح المنازل بالحبوب وسقايتهم بالماء وكذلك سقاية الدواب في طريق الغابة كالحمير والضأن والمعز والجمال قديما ويكون هذا بوضع الماء في أحواض في مسافات معينة ومنها ما هو مستحدث كوقف أواني الأعراس وغير ذلك من المستجدات .

ومن أنواع الصدقات العرفية خارج المسجد ما يوصى به في الوصية من التمر والخبز والعشاءات وصدقة اللحم على طريقتين والكفارات والنذر والوقف والتنصل والاحتياط والصدقة في المواسم العرفية كيوم تعليم القبر وغير ذلك وكذلك الصدقة في موسم المقابر إجمالا وفي موسم الزيارة وفي التحفيز على حفظ القرآن طلوعا من سورة الملك إلى سورة يسن والصافات ثم سورة الكهف ثم الخاتمة وكذلك الصدقة في رحلة الصيف إلى الجنان والصدقة في العودة في الخريف والصدقة في الأعراس والختان وبعد إنجاز أي عمل مهم كالحصاد وجذاذ التمر أو اقتناء أي شيء نافع كمنزل أو دابة إلى غير ذلك من الصدقات التي تحتاج إلى رسالة مستقلة لعدها وحصرها وتوضيح أسرارها وهذه الصدقات غالبا ما يقوم بإعدادها شخص ما ويستدعي إليها من أراد في دائرة الأقارب والجيران وغير ذلك لا فرق بين غني أو فقير.

وهناك صدقة جماعية تسمى بأنفاش لا وقت لها معين ولا مكان لها معلوم وغالبا ما تقام صدقة أنفاش في وقت الرخاء فرحا بإنجاز ما أو لجمع الناس للتراحم والتناصح أو لطلب مأمول كالغيث والعافية والهناء وتحصل صدقة أنفاش بالمشاركة الجماعية إذ يعلن عن نوعية الطعام مسبقا وعن اللوازم فيأتي كل الناس المشاركين بما يتيسر لهم بدون تحديد للكمية وغالبا ما يكون الطعام : [ إوزان الشيخ حمو والحاج ] أو [ الكسكس] أحيانا يهيأ الطعام ثم يوزع وبعد ذلك يتلى ما تيسر من القرآن وترفع أكف الضراعة إلى الرحيم الرحمن وقد يتلى القرآن ثم توزع الصدقة وهذا الجمع من الزاد المتنوع مأخوذ من جمع الزاد في غزوة من الغزوات للخلط والتفريق قصد بركة دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم وأنواع الصدقات على هذا النحو :

-زكاة الفريضة وهي على أنواع كما نعلم وأحكامها مفصلة في كتب الفقه وهي خاصة بأصنافها الثمانية ويشترط في قابضها عندنا الاحتياج والولاية أي لا يأكل صدقتك إلا تقي .

-صدقات التطوع النابعة من الكتاب والسنة كصدقات الحج المتنوعة مثل الهدي وغير ذلك وصدقات رمضان وغير ذلك مثل الهدية والهبة والرهن... ومعظمها من الغني إلى المحتاج وهناك ما يصلح للفقير والغني كالهبة والهدية والرهن .

-صدقات التطوع الدائمة والوقتية النابعة من العرف وهي على أنواع يصعب حصرها معظمها مذكور في رسالة العزابة السالفة منها ما هو قائم كما هو مشاهد ومنها ما انقرض ككفارة التربية ومنها ما هو في مد وزجر ومنها ما حُكم عليه بالبدعية من الضابطين للسنة والحلال والحرام كما يقال .

أخطاء شائعة في تنفيذ الصدقات العرفية :

من الأخطاء الشائعة في هذه الصدقات كما نرى في الواقع :

-محاربة هذه الصدقات من بعض على أساس أنها مبتدعة بعيدا عن التركيز في المقاصد والمصالح وهذه الحرب استعرت في السبعينيات فقط من أهل السنة ثم زادت حدة بواسطة حركة التدبر بتزكية من مفتي عمان الشيخ أحمد الخليلي ولا ننكر محاربتها من أشخاص في القديم لكن بنظرة مغايرة عن نظرة المحاربين في هذا العصر وقد عادت قيمة هذه الصدقات في هذه الأيام العصيبة كما نرى ونشاهد .

-المباهاة والتفاخر والإسراف في تنفيذ كثير من الصدقات المعروفة وهذا ما فشا وظهر في المجتمع قبل نشوب نار الفتنة الحالية وأثناءها فقد رأينا في صفحات الفيسبوك وفي كثير من الأحياء كقصر غرداية ما حدث من أنفاشات مجموع أنفاش على غير القياس أي صدقات تطوعية بطريقة غريبة عن مجتمعنا المزابي الإباضي فقد كان السلف رحمهم الله يحرصون على الصدقة أنفاش لكن يهيئون الجو اللائق وذلك باختيار الزمان والمكان ومراعاة المصلحة العامة مع التستر التام بعيدا عن التباهي والتفاخر ابتغاء مرضاة الله لأن في قاموسهم قول الله العظيم :

{وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ }المائدة27

فقط لا من الضالين والفاسقين وغالب ما يختارون مكان السيل كطريق الزجر من البئر والسواقي المعروفة أو في وسط الوديان ولوجود النية والإخلاص يتفضل الله عليهم برحمة الماء عقب الانتهاء من توزيع الصدقة وتنظيف الرماد على عاتق مياه السماء فأين نحن من السعي إلى اللب والمعالي كما كان من سبق همنا مرضاة الله مهما كلفنا من ثمن لا نبالي بسخط العباد :

وابغ رضا الله فأشقى الورى * من أسخط المولى وأرضى العبيد

وللمناسبة أعلق على أنفاش ساحة الرحبة في أيام الفتنة بالقصر أين أقطن فأقول : صدقة أنفاش في الجملة أمر مشروع ولو كانت بطريقة مخالفة للأصل وهي جمع النقود لكن الزمان غير لائق وكذلك الطريقة العلنية في التنفيذ لأخطار اجتماعية وسياسية زد إلى هذا تكرار تلك الصدقة في بولنوار على أساس إكرام أصحاب المواجهة وهذا من التمييز الفاضح فمن جاهد فلوجه ولا معنى لهذا التكريم والله وحده يعلم من هو في الواجهة لتنوعها وتعددها فمنا من جاهد بالبكاء والدعاء ومنا من جاهد بنفسه ومنا من جاهد بماله ومنا من جاهد بمنصبه إلى غير ذلك من طرق الجهاد وسبله فمن أين لنا هذا الانتقاء والتخيير وإذا رأينا بأن هؤلاء الشباب الهمج الفسقة في الواجهة فلنكبر على أنفسنا أربعا لأنني رأيت ما رأيت من التعدي منهم على بني جنسهم وقد داسوا بتخريبهم كل القيم والأعراف والعياذ بالله إن تسيير الأزمة شارك فيها كل الشعب ولم يختص بها أحد من أعضاء جمعية أو أعيان أو عزابة أو هيئة ما وإنما هؤلاء حملوا مشعل التمثيل للأمة فقط كفانا من المظاهر واستغلال الأزمات وسرقة المجهودات .

فلولا الشيوخ الركع والشباب الخشع والأطفال الرضع والبهائم الرتع والصالحات من النساء والغسالات لصب الله علينا العذاب صبا وقد رأينا تجدد الاشتباكات العنيفة بعد كل هذه الصدقات والتجمعات لأنها على غير المنهج القويم .

خاتمة نسأل الله حسنها :

هذه الخواطر قصدت بها النصح والتوجيه لنفسي ولإخواني خوفا من الولوج في سبل نحن في غنى عنها بسبب تصرفاتنا الرعناء من بعض الجهلاء وأصحاب الجاه لأننا رأينا البلدة أثناء الفتنة غالبا تسير من أهل المال والجاه والقوة والجهل وتحت تصرفهم طلبة العلم ومن يسمون بالمشايخ والوعاظ والمرشدين وما يقرره من ذكرنا من الأصناف الأربعة ينفذ ولا يجوز فيه النقاش أو المعارضة أو الشورى إلا من باب المساعدة في التنفيذ والمساندة ولا داعي للتمثيل والتوضيح وهذه الحالة المزرية حصاد السنوات الماضية ولا نجاة لنا في السراء والضراء إلا في تقليد أهل الذكر الراسخين في العلم في كل صغيرة وكبيرة .

وختاما أورد بعض النصوص في أحكام الصدقات لعلمائنا من كتبهم الفقهية تبرز حرصهم على تجويد أعمالهم وتقديمها خالصة لوجه الله تعالى فمن ذلك ما يلي بدون ترتيب :

01/:ويحتمل أن يكون المراد بالصدقة ما يعطى تطوعا على ضعيف ممتهن للرقة عليه , وكذا أصل الزكاة وأفضل الصدقة صدقة على ذي الرحم الكاشح .

02/:وقال أبو هريرة : الصدقة على الصاحب أفضل من الصدقة في سبيل الله , ويجب أن يكون الإنسان مع كافة الخلق طلق الوجه مستبشرا رفيقا , قال صلى الله عليه وسلم :

{حرمت النار على الهين اللين السهل القريب }.

03/:وفي الديوان : من حقوق الجمعة الصدقة على من احتاج , وأفضل ذلك أن يتصدق على قرابته إن احتاجوا إلى ذلك .

04/:إن نافلة الصوم والصلاة والصدقة تجزي الإنسان لما عليه من تباعات الناس وبالجملة فالرجل يعطيها لكل من لا تلزمه نفقته

وخير الصدقة ما أبقت غنى .

05/:ومن حقوق المسلمين الإصلاح بينهم وهو أفضل الصدقات وأن لا يقبل فيهم ما يسمع من النمام والحساد , ولا يسيء الظن بهم ولا يحل النظر لمسلم بعين الاستصغار .

06/:ويصرف ما في يده من الوصايا والصدقات المتطوع بها وغير ذلك في إحياء الإسلام والمداراة عنه وهن أهله , وفي ذوي الفاقة من المسلمين وغيرهم من عوام الناس على قدر ما يرى .

07/:ندب توقيت شهر معلوم بتقرب وقصد ونية ليعلم بذلك وقت ينتهي إليه أداء ما وجب عليه أي من الصدقات أو التطوع .

08/:الرهن من الصدقة والهبة هي تمليك بلا عوض ولثواب الآخرة صدقة قال بعض: الصدقة تمليك بلا عوض للمحتاج لثواب الآخرة , والهبة تمليك بلا عوض خال عما ذكر في الصدقة والصدقة بإيجاب وقبول لفظا مثل أن يقول : وهبت لك هذا , فتقول : قبلت , ولا يشترطان في الهدية على الصحيح بل يكفي البعث من هذا والقبض من ذاك , وكل من الصدقة والهدية هبة ولا عكس , فلو حلف لا يهب له فتصدق عليه أو أهدى له حنث , والاسم عند الإطلاق ينصرف إلى الأخير .

09/:وقد قيل : ثواب الهدية كثواب الصدقة لأن الصدقة ولو كان أصلها وهو الغالب أن تكون من غني إلى من ساءت حاله وضاقت بالفقر فيكثر الثواب , لكن أصل الهدية وهو الغالب أن تكون من كثير المال إلى رحم أو ذي شأن ذي مال أو فقير , فيحصل له بها سرور إذا ثبت المهدي بينهما الاتصال , ويحصل بها تجديد المودة والصلة واستئناف أفعال الخير بينهما , فيكون الاتفاق بعد ذلك والتعاون على البر والتقوى , والثواب على ذلك كثير , بل أكثر من ثواب الصدقة بذلك القصد ; وقال صلى الله عليه وسلم : "

{الهدية تجلب السمع والبصر } " , وكان يقبلها ولو من مشرك ويهدي إلى المشرك أيضا .

10/:وقيل : من حق كلٍّ أن لا يكتسي ويعرى أخوه , وأن لا يتخالفا جوعا وشبعا وتزوجا وعدمه بقلة , ولا يمنع كلٌّ أخاه إن استقرضه أو استباعه إن قدر , وروي : " المؤمن مرآة أخيه , ولا تؤمنون , حتى تحابوا والأخبار في ذلك كثيرة جدا .

11/:وما فعل الإنسان بنفسه من جرح أو نحوه , ودية حل العقدة وشهر من ذلك زكاة الأموال والفطر ودينار الفراش وشاة الأعضاء فقط كلها للمتولي الفقير , إلا شاة الأعضاء فللمتولى ولو غنيا وقيل: كل ما يعطى للفقراء المتولين يعطى الفقراء غير المتولين وذلك التخيير ثابت .

12/: (ومنع غني من شرب ما ينادى به في سوق أو طريق لشرب لله ) , لأن المعتاد النداء بذلك للفقراء , لأنهم المحتاجون وهم الأولى بالصدقة , فليحتط الغني عنه حتى يقال : للفقير والغني أو لكل أحد , وقيل : يجوز للغني والفقير حتى يقال : للفقراء لأن الصدقة تجوز على الغني والفقير , وإن نودي بذلك في سفر جاز لكل , لأن الغني والفقير جميعا محتاجون فيه إلى الماء , وكذا غير الماء ولو في سوق أو طريق يجوز لكل .

13/:ومما رزقناهم ينفقون للكف عن الإسراف في الصدقة وقال الله تعالى { وآتوا حقه يوم حصاده ولا تسرفوا } أي لا تسرفوا بإعطائه كله إلى غير ذلك من النصوص الرائعة التي يصعب حصرها وهي توحي بمدى اهتمام السلف الصالح بالصدقة ابتغاء مرضاة الله في الأداء والتنفيذ وقصد استجداء الرحمات والمنافع الدنيوية والأخروية وفقنا الله إلى الاقتداء بهم جميعا والحمد لله رب العالمين .

الخميس، 20 مارس آذار، 2014 م يوافقه 19 جمادى الأولى، 1435 هجري

---------------------------

المصدر منشور في الفيسبوك لـ : أبو إسماعيل عمروس.

أوقاف بريان

 من 1299هـ/1882م إلى 1330هـ/1912م

طبقا لقرار القائد الأعلى لجيش إفريقيا[22] الصادر يوم 7 ديسمبر 1830، والمؤيّد بقرارين صدرا يوم 23 مارس 1843 و3 أكتوبر 1848، والمادّة الرابعة لقانون 16 جوان 1851، ضبطت كافة الأوقاف الإسلامية التي كانت تقوم بحياة المسجد ورجال الدين في القضاء الإسلامي، وأدخلت ضمن أملاك الدولة الفرنسية، ووزّعت الأرض على الاستعمار. فلم تبق بأرض الجزائر من أوقاف عامّة إسلامية إلاّ ببلاد مزاب وحدها.

إلاّ أنّ ذلك لم يمنع الحاكم العسكري بالأغواط من توجيه أمر إلى المسؤولين بمزاب لتسجيل الأوقاف، فأحدث ذلك استياء وقلقا بين بني مزاب، فانتدبوا من مدينة بني يزقن السيّد الحاج إبراهيم بن أيوب بليدي، فذهب إلى رئيس الملحقة بغرداية وقال له: «إن كنتم تقصدون ما يطلق عليه اسم الأوقاف من عمارات وحمامات وضيعات ومئات الهكتارات من الأراضي المنتجة فذلك ما لا وجود له عندنا. وكلّ ما نملكه ونطلق عليه اسم الوقف هو ماء عذب وعرجون تمر في نخلة كذا، وطعام من قمح يصنع كسكسا بالسمن» فقال له رئيس الملحقة: «اكتب بهذا إلى الكومندان بالأغواط ليقتنع» (1)

يبدو أنّ الكومندان أصرّ على الحصول على إحصاء الأحباس بالمساجد والمقابر المزابية، لمجرّد الاطّلاع، فكان كالتالي (2)

كمّية اللّحم بالشّاة 120

كمّية السّمن بالكيلو 250 غرام

كمّية البرّ بالحثية 500 (الحثية تساوي عشرة لترات تقريبا)

عدد العراجين 2000

عدد النّخيل 500

 ----------------------------------

[1]- حمو عيسى النوري: دور المزابيين، الجزء الأوّل، 283.

[2]- M. MERCIER : Etude sur le Waqf Ibadite et ses Applications au M’Zab, 114

إقبال الإمام على الدرس والتدريس لقلة مشاكل الدولة لاستقرارها

واعتماد الأمة على نفسهاوكان الإمام كعادة لا يقتصر في الأعمال على شئون السياسة. إن دولته مستقرة،وتمسك الناي بالدين يكبح النفوس فتقل الجرائم والمشاكل وتعاون أهل لدولة واعتمادهمعلى أنفسهم، وفض الخاصة للمشاكل والخصومات، وجعل حمل الإمام خفيفا،مشاكل الدولة التي تشغل فكره ووقته قليلة إن الأمة تعتمد على نفسها، وليستعبئا ثقيلا على الحكومة، والدولة الرستمية متمسكة بالدين الذي يأمر الأمة أن تعتمدعلى نفسها، وتعمل، وتجد، وتجتهد، وتسابق الأمم لتكون هي الأغنى والأقوى، لا تتكل علىالحكومة أن تطعمها وتقدم إليها كل الضرورات.  إن اعتماد الأمة على نفسها، وكثرة العلماء والصلحاء فيها، وأعضاء مجلسالشورى، هؤلاء الذين يفضون الخصومات، ويحلون المشاكل، فلا تصل إلى الإمام، وجعلأعمال الإمام السياسية قليلة. فانصرف في بقية الوقت الواسع إلى دراسة الكتب،والى التدريس العالي. فكانت له حلقة في مسجده في ميري يؤمها الطلبة الكبارالمتخصصين للعلم فيلقي عليهم الدروس في مختلف الفنون. وكان الإمام يرى التعليم اكبر عبادة. وكان لشخصيته العلمية يلذه نشر العلم والحياة العلمية، فخصصللتدريس جانبا كبيرا من وقته.

وكان الإمام يوال النصح والإرشاد لرعيته في جبل نفوسة. وكانت الوفود تترىعليه من أنحاء الجبل، فيلقي عليهم المحاضرات والدروس، ويزودهم بالزاد العقلي النافع،ويوجههم أحسن توجيه في كل الميادين. وكان له درس بين الصلوات في مسجدهللعلامة يثقفهم ويهديهم، ويعلمهم فلسفة دينهم، وأسرار الشريعة الإسلامية التيمن الله بها عليهم.

قال الشيخ الباروني: "ويقال إن اغلب دروسه [للعامة] في مسجده في السنينالسبع التي أقامها في جبل نفوسة في مسائل الصلاة ولم يتمها"1 وذلك لان دروسه في فلسفة الصلاة أيضا، وآثارها العظمة في النفس، وتطهيرها للمرء من كل الدنايا والمهلكات!

وكان جبل نفوسة وكل أنحاء الدولة الرستمية مستقرة. وقد دام هذا الهدوء في الجبل إلى آخر أيام الإمام فيه. فثارت هوارة في سنة ست وتسعين ومالئة على الملكية المستبدة، وعلى الأغالبة الذين أرغموها بالقوة على الدخول في دولتهم، واحتلوا بلادهم بالسيف والسنان، ووطأوها بأرجلهم القوية لتخضع وتستكين.

-------------

1-الأزهار الرياضية ج 2 ص 142 ط البارونية بالقاهرة 1324 هـ

محمد علي دبوز تاريخ المغرب الكبير ج3 ص436-437

اتفاقيات وعقود عرش بريان

اتفاقيات جماعة وقائد عرش بريان(1).

-"يوم 16ماي 1936م: نحن أعضاء جماعة عرش بريان الواضعين خطوط أيدينا أسفلا قد اجتمعنا وأعطينا إلى المسمى الدبوز الحاج سليمان بن الحاج أحمد قطعة أرض بآخر زقاق المحارزية عرضها 3مترات مربع يشرع فيها على حفر بئر العروش المعد لسقي العرش أي الشراب لأن العرش محتاج إلى بئر في ذلك الموضع المذكور أعلاه للاتساع على بئر الكائن في الزقاق السوق لأنه وقع فيه ازدحام والمصاريف الواجبة أن يتحمل بها الحاج سليمان المذكور وكل ما يلزم عليه ولا بد يدفع الضرر على جواره حسب مطلوبه أمام الجماعة ولا يقدر التملك به ".

-"يوم 27أكتوبر1936م: نحن أعضاء الجماعة الواضعين خطوط أيدينا أسفلا اجتمعنا واتفقنا على ما يأتي قد أدنا المسمى بوكراع الحاج عمر بن قاسم أن يشرع في زيادة العمق في البئر العروش الكائن بناحية بوكراع الذي هو في أثناء خدمته وذلك إلى أن يصل إلى الماء وهذا البئر المعد لسقي العرش أي للشراب والمصاريف الواجبة يتحمل بها الحاج عمر المذكور حسب مطلوبه أمام الجماعة ولا يقدر التملك به حسب خدمته".

-يوم 02فيفري 1937م: نحن أعضاء جماعة عرش بريان وقائدها الحالي الواضعين خطوط أيدينا أسفلا قد اجتمعنا و اتفقنا في شأن تنظيف البلد وقد جعلنا كناسا (منظف) عموميا لكي يتحمل ويتكفل بتنظيف البلد بقيمة 3000فرنكية في السنة وذلك العدد المذكور يقسم على الديار يعني 4فرنك لكل دار".

-"يوم 10فيفري 1937م نحن قائد عرش بريان وأعضاء الجماعة الواضعين خطوط أيدينا أسفلا وبعد قد اجتمعنا واتفقنا على ما يلي: نادينا للمسمى دادي عدون محمد بن بهون أن يشرع في زيادة العمق للبئر للعروش المسمى "مامة أزقاو" في ناحية تحت القصر والعمق إلى أن يصل إلى الماء والعمق المعد للسقي العرش

أي للشراب والمصاريف الواجبة اللازمة يتكلف بها محمد المذكور وحسب مطلوبه أمام الجماعة و لايقدر التملك به حسب خدمته".

-"يوم 20أكتوبر 1937م: نحن قائد عرش بريان وأعضاء جماعة البلد الواضعين خطوط أيدين أسفلا قد اجتمعنا واتفقنا اتفاقا تاما في شأن أراضي الحرث العروشية.

أولا: أن جميع من استصلح أرضا أحياها ثلاث سنوات أنها إليه ولا يأتي أحد يحرث معه في تلك الأرض سوى لمن استصلحهافإن حرث معه في تلك الأرض ويقول بأنه شريك معه وأن تلك الأرض سوى لمن استصلحها فإن حرث معه فإنه على وجه الإعانة فقط.

ثانيا: وكذلك الأجنبي فإنه ممنوع منعا كليا أن يحرث مع أناس البلد فإذا ظهر على أحد بأنه قد دخل معه أجنبي في حرثه فإن ذلك الزرع يذهب عنه وتلك الأرض ترجع إلى العرش لأن ذلك يجلب الهواس وتضيق على أوناس البلد.

ثالثا: وأنه جميع من تعدى على أرض غيره حرثها فإن زرعها يرجع إلى صاحب الأرض بغير شرع.

رابعا: إذا كان فرضنا إنسانا حرث أرضا مدة ثلاثة سنوات وتركها إمّا لسبب تغيب من البلد وإما بسبب عجز عن لوازم الحرث تكون تلك الأرض لمن احتاج لذلك من أقاربه تحت نظر شيخ الفرقة".

-"يوم 05ماي 1939م: نحن أعضاء جماعة عرش بريان الواضعون خطوط أيدينا أسفلا قد اجتمعنا وتفاوضنا في شأن تنظيم وتنظيف البلد والشروط الصادرة بين الجماعة والكناس واتفقنا على ما يلي: وأن البلد داخلا وخارجا تنظف على سبعة أيام وهذا تفصيله:

1.يوم السبت: من زقاق زغموم إلى شارع فارة عيسى بن حمو.

2.يوم الأحد: من زقاق فارة عيسى بن حمو إلى ناذر بوكراع.

3.يوم الإثنين: من زقاق مسجد أولاد سيدي يحي إلى شارع دبوز الحاج علي.

4.يوم الثلاثاء: من زقاق الحاج علي دبوز إلى شارع المجاهدين أو لمسيد.

5.يوم الأربعاء: من زقاق المجاهدين إلى باب الجوفي.

6.يوم الخميس: من الحراق الجوفي إلى زقاق زغموم.

7.يوم الجمعة: سوى زقاق الحوانيت فقط.

وتلك الأوساخ تجعل في ثلاث مواضيع شرقا وادي الزرقي، قبلة تحت جنان المسجد، غربا شعبة الجامع القبلي.

وأجر الكناس عدد 3600 فرنك ثلاثة وستة مائة إلى السنة وزيادة عن أجرته أربعة اغنانيت إلى السنة.

وأن جميع من جعل تراب في الشارع من بناء وذلك يلزم على صاحب المحل أن يرجعه أو تفرض عليه خطية.

ومن الواجب على الكناس قبل أن ينظف أي حي أن ينادي قبل أن يشرع في العمل.

ومن خرّج الوسخ من داره بعد جواز الكناس فذلك الوسخ يرجعه صاحب المحل أو تفرض عليه خطية (غرامة مالية) يدفعها.

إننا سمينا عساس يحرس أولا الكناس وتنظيمه خصوصا.

أولا: الماء الوسخ الذي يسيل من الميزبات.

ثانيا: المستراح المرجوع ومخلف مفتوح.

ثالثا: الماء المطيش في الزقاق العمومي غير الموضع المعين"

-"يوم 06سبتمبر 1939م: نحن أعضاء جماعة عرش بريان ورئيسها الحالي السيد بعوشي بالحاج بن سليمان والواضعون خطوط أيدينا أسفلا قد اجتمعنا واتفقنا في تاريخ اليوم على استخراج من كل فرقة أربعة أنفار في كل ليلة إعانة ومراقبة لحراسة البلد قصرا و غابة فتلك الأنفار يتفرقون على عدد أناس فروقهم حسبما يأتي:

على أولاد بالناصر                                               خمسة أنفار05

على أولاد عابو                                                   خمسة أنفار05

على أولاد بلفع                                                     خمسة أنفار05

على أولاد حل عينهم                                               نفرين 02

على آل العفافرة                                                     نفرين 02

على أولاد أنشاشبة وأولاد يونس     خمسة أنفار 05

على آل بنورة والعطف                                             خمسة أنفار 05

على أولاد أمي سعيد                                               خمسة أنفار 05

تنبيه: من خالف منهم أو من أناس فروقِهِمْ على هذا الإتفاق يعتبر حينئذ عاصيا يجري عليه قانون العاصين انتهى يوم 6سبطامبر سنة1939م".

-يوم 01فيفري1941م: نحن أعضاء الجماعة لبلدة بريان وقائدها الواضعون خطوط أيدينا أسفل هذا اتفقنا على مايلي: نظرا إلى الحالة الحاضرة ومراعاتنا مصالح البلد اقتضى نظرا على تنظيم من جديد العسة البلدية من تبديلا وتغيرا وزيادة ونقصان فقدمنا وعيّنا خمسة أنفار الآتي أسماءهم وأجرة كل واحد منهم مائة وخمسة وسبعون فرنك 175 F شهريا وهم:

1.العساكر عمر بن الحاج سليمان.

2.قلو عيسى بن الحاج سليمان.

3.كوته إبراهيم بن باحمد.

4.باسليمان صالح ب يوسف.

5.عمر أيوب قاسم بن باحمد.

انتهى الاتفاق المذكور بتاريخ يوم 1فاتح فيفري سنة 1941م".

حمدا وصلاة وسلاما

-يوم 04فيفري 1942م: أما بعد نحن أعضاء جماعة البلد (بريان) وقائدها الواضعون خطوط أيدينا أسفل هذا اتفقنا هذا نظرا للحالة الحاضرة والمعسرة جدا فيما يخص التموين اقتضى نظرنا:

أولا: جعل حد على خروج التمر من البلد إلى الخارج حسب التنبيه الواقع بالسوق العمومية بالبلد بتاريخ اليوم.

ثانيا: جعل خزانات من تمر تكون محفوظة لاحتياجات العرش مستقبلا بحيث قد فرض ذلك المقدار على الفرق حسبما يأتي:

على فرقة أولاد بالناصر                                90قنطار

على فرقة أولاد عابو                                   60قنطار

على فرقة أولاد بلفع                                   40قنطار

على فرقة أولادحل عينهم                           25قنطار

على فرقة العفافرة                                    10قنطار

على فرقة أنشاشبة وأولاد يونس                       60قنطار

على فرقة بنورة والعطف                               60قنطار

على فرقة أمي سعيد                                 40قنطار

على فرقة أولاد بخاوة                                 25قنطار

على فرقة أولاد موسى بن إبراهيم                     25قنطار

على فرقة الدبادبة                                     25قنطار

المجموع:             460قنطار

الجميع أربعمائة وستون قنطارا اه بريان يوم 4فيفري سنة 1942م".

حمدا وصلاة وسلاما

-"يوم 5أكتوبر 1942م: أما بعد نحن أعضاء جماعة البلد (بريان) وقائدها الواضعون خطوط أيدينا أسفل هذا اتفقنا على مايلي:

نظرا إلى الزيادة الواقعة في الغرامة اللازمة السنوية 1942م وفي المصاريف العرش فلأجل تسديدها اقتضى نظرنا على زيادة في الغرامة خمسة وعشرين فرنك في المائة 25 على الغرامة السابقة، راجيا من سعادة السيد رئيس الملحقة الموافقة على ذلك انتهى ببريان يوم 5أكتوبرسنة 1942م"

حمدا وصلاة وسلاما.

-"يوم 31ديسمبر1943م: أما بعد نحن أعضاء جماعة عرش بريان وقائدها الواضعون خطوط أيدينا أسفلا مراعاتنا لمصالح العرش من قبل الصحة والمقاومة ضد الأمراض الحادثة قررنا مايلي:

بعد التنبيه عنه بالسوق العمومية وذلك في شأن تنظيف البلد من الأوساخ على اختلافها نصه: فكل أحد يجب عليه أن يقوم بكناسة أمام محله كل صباح يوم الجمعة من كل أسبوع ويرمي تلك القمامات خارج البلد بعيدا وكذلك منعنا المنع الكلي رمي الماء الموسخ في الأزقة وأطراف البلد فمن فعل لم يمتثل للأوامر فإنه تجري عليه العقوبة بمقتضى القانون فمن أنذر فقد اعذر، وقدمنا لأجل ذلك البعض منا أعضاء الجماعة لأجل المراقبة راجيا من سعادة سمو رئيس الملحقة الموافقة للتقرير المسطور انتهى بتاريخ يوم 31ديسمبر1943م".

حمدا وصلاة وسلاما.

 

-يوم 5أوت 1945م: أما بعد نحن أعضاء جماعة عرش بريان وقائدها الواضعون خطوط أيدينا أسفل هذا نظرا لامتلاء سدود بريان بالرمال سيما سد باحمد والحاج وامتلاء السواقي وغالب الأجنة التي تسقى منه بحيث أصبح عديم المنفعة لا يحمل إلا اسم السد الأمر الذي سبب جفافا في آبار بريان وأفلس فلاحيها قررنا ما يلي:

1.يزاد لذلك السد من الجبل إلى الأصل الشرقي متر واحد في عرض متر ونصف سافلا مقابل غابة باحمد والحاج ومقابل غابة بن شيشة فإنه يزاد عليه ذلك المتر الواحد خمسة وسبعين سنتمترا لمنع الضرر عن تلك الغابتين.

2.يجعلفي وسط السد مقابل مجرى الوادي عشر كوات بأبواب حديدية ذات متر مربع تغلق عند الحملة وبين كل كوتين عمود عرضه على شكل عدسي عرض كل عمود متر ونصف.

1-يجعل لمصب السد سندات أربع "نطاحات" تكون في مندفع السيل.

2-تجعل أبواب حديدية لكوات الأصل الغربي والفرع الشرقي تغلق عند اللزوم.

3-يعين ثلاث أمناء واحد من أصحاب الأصل الغربي وواحد من الفرع الشرقي وواحد من أصحاب الحنية يتولون غلق أبواب السد وأبواب الساقيتين الغربية والشرقية.

.Aأن لا تغلق الأبواب أصلا إذا كان الوادي ضعيفا لا يهبط لوادي البئر.

. Bإذا وصل الوادي إلى آخر الحنية وأخذ يهبط الماء إلى وادي البئر تغلق أهـ. بريان يوم   5أوت سنة 1945م".

حمدا وصلاة وسلاما.

 

-"يوم 1فيفري 1947م: أما بعد نحن أعضاء جماعة عرش بريان تحت رئاسة قائدها الواضعون خطوط أيدينا أسفل هذا –فقد اجتمعنا لأجل نظرنا في المسئلة التي أمرنا بها جناب السيد رئيسنا للملحقة بمنشور عدد 397 فبعد الأخذ والرد في جلستنا الواقعة في الشأن ليوم فاتح فيفري 1947م-قررنا ما يلي:

وذلك قد قدمنا من بينا أربعة أعضاء الآتي أسمائهم أسفل هذا ممن لنا فيهم الثقة التامة ومن أصحاب المعرفة والصدق التام لمراقبة الأسعار للسلع و المواد لدى

التجار –بعد أدائهم اليمين الشرعي على القيام بذلك الوظيف القيام التام بالعدل والانصاف وهم:

1.الأطرش الناصر بن إبراهيم     خليفة وشيخ         فرقة أولاد بالناصر

2.كاسي موسى الحاج داود بن محمد                   فرقة أولاد بلفع            

3.قراس باحمد بن باسعيد                                   فرقة أولاد حل عينهم

4.حشاني محمد بن حشاني                                 فرقة أولاد موسى بن إبراهيم

انتهى ببريان يوم 1الفاتح من فيفري 1947م".

حمدا وصلاة وسلاما

-"يوم 25ديسمبر 1947م: ما بعد نحن أعضاء جماعة عرش بريان وقايدها الواضعون خطوط أيدينا أسفل هذا اتفقنا على بيع قطعة أرض بيضاء من أراضي العرش معدة للبناء بناحية بودواية مساحتها إثني عشر مترا وخمسين سانتمتر طولا وتسعة مترا عرضا لفائدة لاكومين أي ثمن البيع يدفع في صندوقه ، وكما نلتمس من سعادة سمو الوالي العام على القطر الجزائري الإذن على البيع المسطور اهـ. بريان يوم 25ديسمبر 1947م".

حمدا وصلاة وسلاما.

 

-"يوم 23ماي 1948م: أما بعد نحن أعضاء جماعة عرش بريان وءاغاها الواضعون خطوط أيدينا أسفل هذا، ان في جلستنا الخصوصية ليوم 23 التاريخ على الساعة الخامسة مساء في بعض مصالح العرش وبالأخص في شأن مسألة مياه السيل وجريانها بما ينتج منه، بحيث أن الأودية الجنة قد امتلئت جدا في الحال بالتراب المرمي بها من أصحاب الاجنة المجاورة وتعطلت من أجله المياه السيل ووقعت مضرة كبيرة في المكان.

قررنا ما يلي: وذلك أمرنا على رفع حينا أي في أجل غايته آخر من شهر أجوان القابل ذلك الثراب، ثم امنعنا المنع الكلي حيث التنبيه الواقع يوم 23 التاريخ

بالسوق العمومية على رمي مستقبلا التراب مهما كانت كميته في الأودية عموما.

راجينا من سعادة سمو رئيس الملحقة على هذا القرار والاعانة على تنفيذه ان احتجنا لذلك اهـ. بريان يوم 23 ماي 1948م"

حمدا وصلاة وسلاما

-"يوم 20جوان 1950م: أما بعد نحن شيوخ الفرق العرب المضافة الثلاثة عرش بريان:

سماحي أحمد بن الحاج سماحي، حشاني محمد بن حشاني، قرين أمعمر بن بوزيان، الواضعون خطوط أيدينا أسفل هذا، بحيث قد وقعت تسميتنا انتخابا رسميا وأن لنا حق في مشاركة زملائنا المزابيين بدون فرق في جميع المصالح العرش من الكيس وغيره على الاطلاق والعموم ولنا مالهم وعلينا ما عليهم كذلك وجب علينا أن ندفع ما يجب على فروقنا من قبل البعض من مصاريف العرش في كل مناسبة.

انتهى ببريان ليوم العشرين من شهر أجوان 1950م.

السماحي أحمد

حشاني محمد

قرين امعمر".

حمدا وصلاة وسلاما.

-"يوم 15ديسمبر1950م: أما بعد نحن أعضاء جماعة عرش بريان وآغاها الواضعون خطوط أيدينا أسفل هذا، قد اتفقنا على مايلي: وذلك قد تحملنا على انفسنا على دفع ثمن الواجب على المقدار الكافي من الغاز للمسيد وقاية من البرد للصبيان في الفصل الشتاء اثناء العيادات الطبية.

انتهى ببريان ليوم 15ديسمبر 1950م".

حمدا وصلاة وسلاما

-"يوم 5ماي 1951م: أما بعد نحن أعضاء جماعة عرش بريان وءاغاها الواضعون خطوط أيدينا أسفل هذا بعد أن أخبرنا المسيو قيلان المهندس أن مصلحة الهيدروليك قد تبرعت بمبلغ مليونين فرنكات اعانة لاصلاح الفساد الواقع بالسد الجديد فعليه فقد اتفقنا والتزمنا على انفسنا بأن تتميم عمله يكون على العرش ان لم يكفي ذلك العدد المذكور اهـ. بريان يوم 5ماي 1951م".

حمدا وصلاة وسلاما

-"اما بعد نحن أعضاء جماعة عرش بريان وآغاها بل خليفتها الواضعون خطوط أيدينا أسفل هذا ان جلستنا الغير الاعتيادية الواقعة ليوم 8 التاريخ على الساعة التاسعة والنصف صباحا قررنا ما يلي:

وذلك قد اتفقنا على تسمية السيد بودي عمر بن سليمان ابن المرحوم ءاغة بودي سليمان قايدا على العرش في مكان والده المذكور بحيث لا نقبل ولا نرضى من يتولى علينا غيره وكما نلتمسوا من السادات الحكام عموما ومن جناب السيد الوالي العام على القطر الجزائري خصوصا التوفيق على ذلك بريان يوم 8نوفمبر 1952م".

حمدا وصلاة وسلاما

-"أما بعد نحن جماعة أعضاء عرش بريان وآغاها الواضعون خطوط ايدينا اسفل هذا في جلستنا الغير الاعتيادية يوم العاشر من شهر جانفي الجاري، بعد اطلاعنا على مضمون المنشور المؤرخ يوم 22ديسمبر1951تحت عدد 188 من جنان السيد رئيس الملحقة بغرداية في شأن الاصلاحات التي يجب تنفيذها واتفقنا على ما يلي:

 

1.واد أنساء:

أولا: تنظيف وإصلاح الجب (الخزان) المتصدع مع خدمة الساقية التي يوصل إليه الماء ولا يستلزم خدمة كبيرة، ونحن في اشد الحاجة اليه في هذا العام.

ثانيا: إصلاح الطريق المعد للسيارات من السودان إلى كفوس.

ثالثا: إحداث جب في المكان المسمى الامسابية في ذلك الوادي وإصلاح الطريق الموصل إليه.

رابعا: جعل بعض سدود من شبكة من حديد سلك في الوادي ليبقى دائما صالحا للحرث والمفلى(المرعى).

 

2.وادي بالوح:

أولا: إصلاح البئر الموجودة في المكان المسمى الهسكول على طريق الغياط.

ثانيا: إحداث طريق للسيارة إليه لأنه واد كبير صالح للحرث ومحروث في هذه السنة حرث كبير.

ثالثا: إصلاح بالوادي المذكور بئر تسمى بئر الغشا وقد لزمتنا عليه مصاريف في السنة الماضية في اصلاحه مبلغ ستة وعشرين الف فرنك 26000F وقد افسدته الحملة في هذه السنة ويحتاج للخدمة عاجلا.

رابعا: خدمة ماجن (بسان) واشريعة في ابيار سيدي مبارك تصلح لميراد المواشي وغيرها.

 

3.وادي الكبش:

أولا: تنظيف البئر الموجودة بالوادي قريب لطريق السيارة.

ثانيا: إصلاح البسان وأشريعة الموجودان سابقا بذلك البئر.

4.وادي السودان:

أولا: إحداث بئر بمكب البقرة أو بمكب بوحوارة.

ثانيا: إصلاح الجب (الخزان) للسقي الموجود هناك على طريق السيارة الكائن بالاعمور، اغاثة للطريق و لاصحابالحرث والمواشي، هذا الوادي صالح للحرث والمفلى ومحروث بقوة في هذه السنة ولكنه بدون ماء وخال من المشاد للمياه.

 

5.وادي المداغ:

إصلاح الجب (الخزان) الموجود على طريق السيارة ثم الزيادة في كبره.

 

6.وادي نشو:

إحداث الجب (الخزان) في الوادي بمكب برطيم بحيث فيه مشقة كبيرة من قلة الماء.

انتهى بريان يوم 10جانفي 1952م".

 

خاتمة

لقد قمنا في كتابنا هذا بدراسة تاريخية حضارية لمدينة بريان ومحيطها، منذ ما قبل التاريخ إلى مطلع القرن العشرين من خلال ومضات ومختصرات تفيد القارئ للاطلاع بصورة وجيزة على الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والدينية والثقافية والأنظمة العرفية المتداولة والعادات والتقاليد في المجتمع البرياني نلخصها فيما يلي:

يعود تاريخ بريان إلى حقب تاريخية قديمة قدم العصور، حيث الوجود البشري للإنسان البدائي الذي عمر المنطقة منذ آلاف السنين وترك بصماته عبر النقوش الحجرية والرسومات على شكل جداريات وأخرى فوق الهضاب، ومن هنا نستنتج أن هذه المنطقة كانت آهلة بالسكان منذ القدم، ثم انتقلنا إلى نشأة وادي مزاب كون بريان جزء منه والقبائل التي انتقلت إليه هي قبائل بربرية أمازيغية زناتية، أسهمت في تأسيسها بعد تأسيس القرى الخمس، واستطاعت هذه القبائل أن تتفاعل فيما بينها وتُكوّن مجتمعا راقيا متحضرا من مختلف جوانبه، وكما أن بريان نزلت به أعراش وعشائر مختلفة إباضية، كذلك نزلته قبائل وعشائر مالكية عاشت كلها جنبا إلى جنب وتعاونت معا في الدفاع عنها وعمارتها.

أما من الناحية السياسية نجد أن الحكم كان في رئيس الجماعة ثم انتقل إبان الاحتلال الفرنسي إلى القياد الذين تولوا القيادة وحاول كل قايد إنجاز أعمال ومشاريع مهمة أسهمت في تنظيم ورقي المجتمع، وكذلك يمثل القضاء ركيزة أساسية في المجتمع لفض الخصومات وفك النزاعات وتصفية التركات وإعطاء كل ذي حق حقه، وكل هذا يعد مكسبا حضاريا لتطور أي مجتمع، ومن بين التنظيمات التي كانت قائمة في المجتمع، ضمان العشائر وهؤلاء أسهموا في تنظيم وترتيب عشائرهم فهم الرابطة الصلبة التي كانت بين الهيئة الدينية وهم العزابة وهيئة القياد

مكونين مجلسا استشاريا لعرض أهم القضايا والنظر فيها لجلب المنافع للبلدة، وقد تم وضع بعض النظم الأخرى مثل نظام الأمناء والذي كان العين المراقبة لقوانين وعوائد البلد في الفلاحة والتجارة وكذا العمران، ومن ناحية أخرى نجد نظام (الدلالة) كان وراء تنشيط وتنظيم الحركة الاقتصادية في السوق.

وفي الجانب الآخر، نجد أن لبريان مصادر مائية جد معتبرة منها المياه الجوفية والسطحية بحيث تم حفر آبار وتشييد السدود لحجز وتخزين المياه والتي تعد مصدر الحياة والاستقرار للمنطقة.

كما أنه نشطت الحركة الاقتصادية بتنوع مجلاتها الفلاحية والصناعية والتجارية وحققت أرباحا جد معتبرة كانت وراء رفاهية المجتمع وتحقيق الاكتفاء الذاتي.

وفي الناحية الاجتماعية كان المجتمع منظما تنظيما راقيا بحيث نجد لكل عشيرة عددا من الديار أي أسماء العائلات التي تتكون منها وكان بينها تكافل وتضامن اجتماعي كبير والتي تعد لبنة من لبنات المجتمع، ويزخر المجتمع البرياني بعادات وتقاليد منها الزيارة وتينوباوين والمولد النبوي الشريف والأعراس الجماعية كلها أسهمت في ترابط أواصر المجتمع.

ونجد كذلك من بين الإنجازات التي تم التوصل إليها إنشاء مصلحة للبريد ومستوصف يتكفل بصحة المواطن.

وفي الجانب الديني نجد هيئة العزابة التي تهتم بتسيير شؤون البلدة من الناحية الدينية كتشييد المساجد والمدارس القرآنية وتنظيم الأعراس الفردية والجماعية وهي المشرفة على المسجد والمجتمع.

أما الجانب المعماري حيث الأسلوب الحضاري والنمط العمراني والمعالم لأثرية التي أعجزت الباحثين والمهندسين من حيث التصميم والدقة ولكن نتأسف من ضياع هذا الإرث الحضاري الكبير أو كاد، حيث أصبح ينقرض يوما بعد يوم ولا حياة لمن تنادي.

أما من الناحية الثقافية فنجد أن حياة التعليم في بريان وتطوره منذ مطلع القرن العشرين إلى تاريخ اليوم كان بفضل المجهودات المبذولة من قبل المشايخ والمعلمين الذين سهروا على التربية والتعليم وتكوين الناشئة دينيا وخلقيا، كما أنه برز بعض الشعراء في البلدة منهم من ترك لنا دواوين شعرية ومنهم من أبدع قصائد شعرية في مختلف المواضيع.

كما أننا قمنا بذكر أحداث متفرقة ونماذج من اتفاقيات جماعة وقايد عرش بريان الهدف منها إبراز مدى التنظيمات الهامة التي كان يزخر بها مجتمعنا و الإنجازات التي تحققت في الميدان بفضل تكاثف جهود أفراد المجتمع.

أخيرا نرجو أن يلقى هذا الكتاب صدى طيبا في نفس القارئ الكريم، ويكون طموحا في رقي المجتمع وكذا بعث التراث الحضاري العريق لبريان، كما نطمح في المستقبل أن يهتم الناشئة بالتاريخ والآثار من أجل الوصول إلى مجتمع راق ومتحضر يعيش الأصالة والمعاصرة.

الملاحق:

عقد قسمة عرش بريان أرض وادي الكبش و ورياش

عقد قسمة رقم 100 سجل 6 المؤرخ يوم 13سبتمبر 1889م

استخرجت هذه النسخة من أصلها المحفوظ بالمكتب لطالبها وهذا نصها.

بالمحكمة الشرعية الإباضية ببلد بريان أمام قاضيها في التاريخ وهو الشيخ القاضي العلامة السيد الحاج الناصر بن الحاج إبراهيم وبمحضر شهديه أمدهم الله بعونه-أمين- حضر أمام شهيديه باليوم 15 الخامس عشر من شهر ذي الحجة سنة توافق ليوم 12أوت الثاني عشر سنة 1889 م ولما تم أمر ما سيأتي الى الأن جميع أعضاء جماعة بريان وخلفاء بعضهم وهم رجل من ورجلان كل فرقة مع قائدهم وهم: الحاج أمحمد بن الناصر بن عمر وحمو بكر بن حمو من

المسيمة أولاد بالناصر. وكاسي بن صالح الملقب ببهدي وباسعيد بن موسى من فرقة المسمية أولاد عابو.

وسليمان بن كاسي بن باعلي من فرقة أولاد بلفع.

وبهون بن عيسى الملقب بتربح من فرقة المسمية أولاد حل عينهم.

وعيسى بن باعلي من فرقة المسمية العفافرة.

وأمحمد بن صالح وبهون بن حمو الملقب ببوكراع من فرقة المسمية أمي سعيد.

وكاسي بن عيسى بن حمو والحاج أمحمد بن بكر بن بابا من فرقة المسمية النشاشبة أولاد يونس.

والحاج صالح بن يامي من الفرقة المسمية أهل بنورة .

والحاج سليمان رمضان من فرقة المسمية أهل العطف .

فهؤلاء رجال فرق

وعبد القادر بن إبراهيم بن أمطلق والزروق بن أغويدر وأحمد بن سعيد من رفقة المسمية أولاد خديجة.

وعيسى بن أحمد بن أبكير ومحمد بن أرويشد من فرقة المسمية الأقسامة ومحمد بن مخلوف من فرقة المسمية أرقاب.

وعلي بن أعطية من فرقة المسمية المهادة.

فهم رجال عرش أولاد يحي

والأخضر بن أحمد بن أغويدر من فرقة الدبادبة.

فهم رجال المتعينون من عرش بريان عرب وبنو مزاب من غير قيد.

حضور فرقة وأشهدنا على أنفسهم وهم بحال يجوز منهم وعليهم شرعا أنهم اقتسموا جميع أرض وادي المسمى الكبش المعلوم من أوله إلى آخره وذلك بعد الكيل والتعديل وجد النظر في ذلك وبذل الجهد وبعد أن أعطوا العرش المذكورين للقائد قطعة من أرض لخاصة نفسه بطيب أنفسهم في حق خدمته وتعبه في ذلك وهي معلومة عند مدفع شلخة المسمية الدلاعة العليا محدودة من الحجر المنبوت بوسط الوادي المجعول كالسد وهو مغضر المسمى بقاعة وسر مع الوادي إلى الجهة السفلية إلى حد البطمة الموالية للسندة القبلية وهي على طرف الوادي من الجهة الغربية ومقابلها إلى الجبل الواعر الجوفي للشلخة المسمية دلاعة العود.

كما اتفقوا وأعطوا للقاضي كذلك في تعبه وحق خدمته ومسيرته لوادي الكبش بأغراضهم وبطيب أنفسهم قطعتين أرض بحومة المسمية المقام وهي أرضه التي كان يحرث فيها قبل، حدها من السدرة الصغيرة الكائنة بوسط الوادي القبلية لحنية المقام ومقابلها للجبلين وسر مع الوادي صاعدا إلى ثلاثة الحجرات المقرونات الكائنات في جدر الجبل الغربي عند شق القبلي للشلخة القبلية للبطمتين القبليتين لمدفع وادي ورياش وهي بالجبل الغربي مقابل ذلك للجبل الشرقي.

ثم اقتسموا باقي الوادي على عدد الفرق المذكورة على قدر تفاوتهم في القلة والكثرة وابتداء القسمة من أسفل الوادي.

أول ذلك ناب فرقة أرقاب وفرقة أولاد الشين والمهادة وفرقة القسامة من حد البطمة القبلية للبير الغربي لطريق الكروسة وسر مع الوادي الجهة السفلانية إلى مدفع وادي الكبش عند إنتهاوه من أسفل فيه أحد عشرة قسمة منها أربعة لأولاد الشين والمهادي وأربعة للرقاب وثلاثة للقسامة وناب لهن ذلك في الشركة على حسب ماذكر.

وناب فرقة المسمية الأفرحات من حد بطمة المذكورة وهي القبلية للبير المذكور حد الفرق المذكورة وسر مع الوادي صاعدا إلى البطمتين المتقابلتين ومقابلهما للسندة الشرقية والغربية هذا ماناب لها.

وناب النشاشبة وأولاد يونس في الشركة من حد البطمتين المذكورتين بوسط الوادي وهي منفردة وحدها ومقابلها الجبل الشرقي والغربي وهذا ماناب لهما.

ثم ناب أولاد حل عينهم من حد مغدر المسمى بسندة وسر مع الوادي صاعدا إلى حد السدرة المعرفة يعني أنها أعراف صاعدة للهواء والكائنة بوسط الوادي القبلية لبطمة الصغير التي بحنية المسمية السوق هذا ماناب لها.

ثم ناب لعشيرة أولاد عابو من حد السدرة المذكورة وهو حد انتهاء مناب عشيرة أولاد حل عينهم واصعد مع الوادي إلى السدرة القبلية لمدفع شلخة التي معها الطريق السالك لمغدر المسمى بقاعة ومقابل ذلك للجبل الغربي والشرقي هذا ماناب لها.

ثم ناب عشيرة المسمية أهل بنورة وعشيرة المسمية أهل العطف في الشركة بينهما أنصافا بلا فضل باتفاقهما على ذلك من حد السدرة المذكورة وهو حد انتهاء مناب عشيرة المسمية أولاد عابو وسر مع الوادي صاعدا إلى البطمة الكبيرة الموالية للقطاعة الغربية ومقابلها إلى الجبل الواعر الجوفي لشلخة المسمية دلاعة العود وهو حد أرض القائد يحي بن عفاري هذا ماناب لهما.

ثم ناب العفافرة من حد أرض القائد يحي بن عفاري والحد المعلم هو الحجر المنبوت بوسط الوادي المجعول كالسد على عرض الوادي القبلي لمغدر المسمى بقاعة وسر مع الوادي صاعد إلى طرف شلخة المسمية العساوي وهو طرفهاالقبلين ومقابل ذلك إلى الجبل الشرقي هذا ماناب لها.

ثم ناب فرقة المسمية الدبادبة من طرف القبلي للشلخة المذكورة وهو حد الأعلى من مناب العفافرة وسر مع الوادي صاعد إلى حد الزلج الذي بالجبل الشرقي وهو الجبل الواعر ومقابل ذلك إلى الجبل الغربي هذا ماناب لها.

ثم ناب فرقة المسمية أولاد خديجة من حد الثلاثة السدرات الكائنات مدفع الغرافة القبلية الغربية للبطمة الجوفية لمدفع وادي المسمى الطفلة والغرافة بالجبل الغربي ومقابل ذلك إلى المرشق الأعلى وهو الجوفي لمدفع وادي المسمى الطفلة وسر مع الوادي صاعد إلى حد ما تنتهي ثلاثمائة ذراع فوق البطمة المذكورة وهي الجوفية الغربية لمدفع وادي المسمى الطفلة وهي البطمة المنفردة ولا بطمة حْداها إلى مقبرة المسمية السيد طالب وابتداء كيل الثلاثمائة ذراع من حد البطمة المذكورة إلى الجهة العليا وهو حد مناب عشيرة المسمية العرام كما ناب لها بوادي المسمى ورياش وهي الخمسمائة ذراع في ابتداء وادي ورياش للعربي بن الطاهر ويكيلون تسعمائة ذراع فوق الخمسمائة ذراع وسر مع الوادي صاعدا إلى ما تنتهي التسعمائة ذراع هذا ماناب لها.

ثم ناب العربي بن الطاهر خمسمائة ذراع في ابتداء وادي المسمى ورياش.

ثم ناب عشيرة المسمية العرام(عمي سعيد) من حد ماتنتهي الثلاثمائة ذراع من البطمة المذكورة وسر مع الوادي المسمى الكبش إلى منتهى وادي الكبش أعلاه هذا ماناب لها.

ثم ناب عشيرة المسمية أولاد بالناصر من حد الزلج المذكور بالجبل الشرقي وهو حد الأعلى من مناب الدبادبة وسر مع الوادي صاعدا إلى حد السدرة الصغيرة القبلية

لحنية المسمية المقام وهو حد السفلي مناب القاضي ثم ناب لها فوق مناب القاضي من حد الحجرات الثلاثة الكائنات بجدر الجبل الغربي عند منكب القبلي للشلخة القبلية الغربية للبطمتين القبليتين لمدفع وادي ورياش ومقابل ذلك إلى الجبل الشرقي وسر مع الوادي صاعدا إلى حد السفلي من مناب فرقة المسمية أولاد خديجة وهو حد ما تنتهي أربعة عشر مائة ذراع من ابتداء وادي ورياش صاعدا إلى منتهى أعلى وادي ورياش صاعدا إلى منتهى أعلى وادي ورياش ولا مانع لهم إلى منتهى الوادي هذا ماناب لها.

هذا ماناب لكل واحدة من الفرق المذكورة على يد نائبهم المذكور وخرجت مما سواه قسمة جائزة شرعية وعلم كل بما ناب له وخرج عنه بهذه المقاسمة وسلم كل حقه لشريكه وتسلمه منه وحازه حوزا بعد الروية والتقليب والطوع والرضا والإحاطة والعلم وهما على الحالية الجائزة شرعا شهد بذلك من علمه وتحقق به من المعرفة بتاريخ يوم 17محرم 1307هجرية المطابق ليوم 13سبتمبر سنة 1889م.

وتعريفه النسخة قدره بمبلغ 45.00 دج قبضت بوصل يحمل رقم 1225بتاريخ يوم 21ديسمبر سنة 1988م[2].

عقد شراء جماعة بريان أرض واد أنسا

نسخة تنقيل جماعة بريان سليمان بن علي ومن معه عدد 530 سجل 69 يوم 29ديسمبر 1911م موافق 04محرم 1330ه عن المحكمة الإباضية بغرداية.

حمد وصلاة وسلاما

ففي يوم 14جانفي 1969م استخرجت هذه النسخة من أصلها لطالبها السيد كله صالح بن محمد بن إبراهيم سوغ له إستخراجها لإتيانه برسم مماثل مقيد في دفتر قديم نصها حرفيا الحمد لله وحده أما بعد فهذا نقل رسم من خط من سيأتي ذكره وهو نقله من خط قبله نصه بعد البسملة و التصلية و الحمدلة أم بعد فإن جماعة بريان منهم سليمان بن علي والسايح بن عابو وعفاري بن عبد الله إشتروا على الزناخرة والزرقان وادي المسمى بوادي أنسا من مكب الحلف إلى مكب وادي البير في بطمة سيدي أمحمد السايح من البائعين مقدمين الزرقان والزناخرة منهم أحمد بن منصور والأخضر بن الأطرش على الزرقان والزناخرة وأحمد بن إسماعيل بن مصطفى وأحمد بن محمد الزياني على الزناخرة بثلاثة نعجة وخمسون برنوس وأربعمائة ريالة سلمه الوقت وصلت البائعين وبريت ذمة المشترين بشهادة زرقون بن علي والكبير بن أعمر والحاج بن الحبيب ويعقوب بن الرازق وساسي بن الأخضر والعربي بن أحمد بن سعيد بن سعيد بن يدين والفقيه السيد بولانوار والمصطفى بن عبد الرحمن وبرهيان بن أحمد وجم غفير يطول ذكرهم والكاتب الأخوين صاحب ألف والجرد عمر بن العمر الحمر يوم 13رجب عام 1100 ه أما ماوجد مكتوب ونقلتها حرفا بحرف بلازيادة ولا نقصان من كاتبه لأوائل من جمادي الأول عام 1208ه يوسف بن حمو ونقله كاتبه لأوائل من شعبان عام 1298ه باسعيد بن موسى بن باحمد كفى بالله شهيدا أنتهى ماوجد بخطهما الأول شيخ بني يسجن والثاني كان قاضي بريان سنة 1329ه يوم 30ذي الحجة 1329 يوم 22ديسمبر 1911م وسجل يوم 29ديسمبر 1911م وسجل يوم 29ديسمبر 1911م أجرته 3فرانك يليه الإمضاءات بابا بن الحاج داود وداود بن الحاج

بكير إنتهى نقلها مماثلا لأصلها لتاريخ بعدد أجرتها بالبحث والقرطاس ستة دنانير قبضت بتوصيل عدد 242 ([3]).

عرش بريان هذا بيان قسمة أرض وادي أنساء

وقع يوم 11نوفمبر 1916م

-فرقة أولاد بالناصر

علامة الأرض بين أولاد بالناصر والعفافرة.

علامة سدرة من الغرب في جوف سدرتان.

عرض الوادي 100متر.

طول الوادي 5577متر.

-فرقة العفافرة

عرض الوادي 100متر.

طول الوادي 1419متر.

-علامة الأرض بين العفافرة والدبادبة

علامة حجارة في قطاف من الغرب ومن الشرق بطمتان

عرض الوادي 100متر .

طول الوادي 3217متر.

-علامة الأرض بين الدبادبة وأولاد بن خاوة.

بينهماحجارة في حشيت الأرض من أظهر سدرة كبيرة، قبلتها بطمة في حشيت الخنقا.

عرض الوادي 100متر.

طول الوادي 3531متر.

-علامة الأرض بين موسى بن إبراهيم وأولاد بن خاوة.

من الغرب وإلى منها الرخما وستة مترات واثناني إلى الشرق، اثنان سدرات.

والمدون من قبله.

عرض الوادي 500متر.

طول الوادي 2178 متر.

-علامة الأرض بين موسى بن ابراهيم وأمي سعيد.

بينهما المدون تسعون متر من الغرب حتى إلى الحجرة مبنوات من الغرب.

عرض الوادي 100متر.

طول الوادي 3400متر.

-علامة الأرض بين عمي سعيد والنشاشبة.

عرض الوادي 100متر.

طول الوادي 3400متر.

-علامة الأرض بين النشاشبة وبنورة.

بينهما الرصفة من فوق الخنقا علامة حجارة من الغرب خنشوش مكان سراق.

عرض الوادي 100متر.

طول الوادي 3234متر.

-علامة الأرض بين أولاد عابو وأولاد بلفع.

بينهما من الغرب حجارة ونادر قديم.

عرض الوادي 100متر.

طول الوادي 2475متر.

-علامة الأرض بين أولاد بلفع وأولاد حل عينهم.

بينهما من الغرب بطمتان من الشرق أجرعي ومن الغرب الخراط وهباط.

عرض الوادي 100متر.

طول الوادي1150متر.

بيان المجموع المترات جملة الواد.

أولاد بالناصر                                                     5577متر.

العفافرة                                                           1411متر.

الدبادبة                                                            3217متر.

اولاد بن خاوة                                                     3531متر.

اولاد موسى بن ابراهيم                                             2178متر.

أمي سعيد                                                           3400متر.

النشاشبة                                                             3400متر.

أولاد بنورة والعطف                                                   3400متر.

أولاد عابو                                                             2234 متر.

أولادبلفع                                                              2475متر.

أولاد حل عينهم                                                         1150متر.

البقي في الواد حدادة زوج بطمات من الغرب والشرق جرعاية .

فرقة أولاد حل عينهم (قسمة الأرض)

النوحي            215

ب

بغوتي               275

قراس               200

سعودي             200

تربح                 200

مولود               200

كاسي وصالح       200

الوصفان             200

 

عقد أرض العفافرة

الحمد لله وحده وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.

هذه نسخة أخرجت من سجل الرسم عدد 11يوم15 مارس سنة 1919م لطالبها للحاجة بها بإذن من ذي الخاتم أعلاه نصها.

بالمحكمة الشرعية المالكية قسم 72وادي مزاب ببلدة غرداية أمام قاضيها في التاريخ وهو الفقيه السيد أحمد بن محمد وبمحضر شهيديه أمدهم الله بمنه أمين حضر إذ ذلك صالح بن عمر المكنى أكراوا المزابي الغرداوي أصلا وقرارا فرقة العفافرة التاجر حرفة في التاريخ وبيده رسم قديم بخط الطالب الحاج صالح بن محمد بن الحاج إبراهيم المزابي الغرداوي أصلا ومسكنا وطلب مكن ذي الخاتم أعلاه وفقه الله لما يرضاه تنقل ذلك في سجل المحكمة المذكورة لحفظه وخوف ضياع أصله عليه فأتى به لذلك بعد التعريف..([4])

خير البرية لما طلبت العفافرة لدى مجلس وادي مزاب في روضة الشيخ أبي عبد الرحمن يوم الخميس لثامن ليالي من صفر عام 1293ه من أهل بريان ماعندهم من الملك في بريان أعني حضهم ونصيبهم مما باع العرش داخل البلد للبناء وخارجها للغرس....وماكان للأفراد أما العفافرة أدعوا أن العرش باع نحو ثمانين جنانا أرض بيضاء للغرس وعديد قطعات أرض داخل البلد للبناء وأهل بريان أجابوا بأن لم يبلغ ما باع العرش خارج البلد أكثر من سبعة عشرة جنانا وفي البلد باع أقل مما إدعت العفافرة ومع ذلك كلما بعناه يحضر فيه رجل من العفافرة الذين معنا في البلد ويتصرف في الأمور معنا لهم رجل مع جماعة الأعوام ورجل مع عزابة المسجد وقد صرفنا الثمن في مصالح البلد فبعد احجاج الفريقين اتفقى رأي المجلس على أن يعينوا رجالا من القصور الخمسة يذهبون لبريان ويعين العفافرة رجلين وأولاد نوح

كذلك يروهم كل المواضيع التي باعهم العرش ثم بعد ذلك يبنون بينهم الخصومة وأما دعوة الأفرد فمن عرف شيئا بيد الغير يطالبه للشريعة لا يمنع و لا يدخل بينهم عرش أولاد نوح ولا عرش أولاد العفافرة فهذا وقع الفصل ثم بتاريخ 01من صفر المذكور وقع الاجتماع في الشيخ عبد الرحمن يخرج من غرداية بل فاتفقوا على سفر من يعين أهل كل بلد لبريان يكون صبيحة يوم الثلاثاء الموفى عشرون يوما من صفر من روضة الشيخ أبي عبد الرحمن فخرج من غرداية الفاضل الشيخ الحاج صالح بن كاسي والفاضل عمنا ابو بكر بن الحاج مسعود وعمنا كاسي بن الشيخ بابا بن يونس والكاتب صالح بن محمد بن الحاج ابراهيم وعيسى بن الحاج ابراهيم بن عيسى بن الحاج ومن بني يسقن الفاضل الشيخ الحاج امحمد بن عيسى وعمنا الحاج احمد بن عيسى وعمنا الحاج حمو بن يحي بن يوسف ومن بنورة عمنا احمد بن عيسى ومن مليكة بابا عيسى بن كاسي بن بابا عيسى ومن العطف الفاضل عمنا الحاج امحمد بن باحمد ودادي حني بن بابا بلغ من ذكر عشية يوم الثلاثاء المذكور يعين من اولاد نوح ستة رجال وهم عمنا باسعيد بن موسى وعمنا عيسى بن باحمد والحاج ابراهيم بن باحمد اجريبة لقبا ويحي بن عفاري ومحمد بن داود وصالح بن الناصر باحميدة والعفافرة وكلوا قاسم بن حمو كزول وابراهيم بن علي ادباش وابراهيم بن ابي علي بن ابراهيم وابراهيم بن ابياحمد بريم فخرجنا للتجريد يوم الاحاد ويوم الثاني والعشرين فلما كيلنا الارض التي باع العرش داخل صور البلد كما ان اووها لنا اعني جماعة العفافرة وجماعة اولاد نوح وكذلك جميع ارض الغرس م غرس منه....

فاتفقت الجماعتان المذكورتان محضر بيع من ذكر اعلاه على ان يعطي عرش بريان لعرش العفافرة نضير ما باع الى تاريخ خمسة وعشرين من صفر عام 1296ه داخل البلد قدر خمس عشرة دارا من الارض كل دار يكون عرضها خمسة وعشرين ذراعا وطولها كذلك يحسبون لهم تلك الارض خمسة ديار من الارض المبيعة قبل يردها عرش بريان ممن مشتريها بما امكنه ويزيدون لهم من انتهاء حد ارض المعوضة لاكراوة واولاد محرز اعني لمن ثبتت منهما الى ناحية المغرب الى الصور وما يخصهم عن استفاء الخمس عشرة دار يزيدونه لهم داخل الصور اينما يرضي العفافرة من ارض الذي لم تبلغ قبل هذا هذا وايضا يعطوهم عوض ما بيع من الارضين للغرس خارج البلد الى اليوم قدر اربعين جنان طوله مائة ذراع وعرضه كذلك مائة ذراع ارضا بيضاء للغرس يكون ابتداء هذه ارض من حد سد المغارة قبلة في الحنية هذا كله على وجه الصلح واما تواكل دعوة في شأن ما باع عرش بريان مند خرجت العفافرة من بريان الى يوم خمسة وعشرين من صفر عام 1294ه اربعة وتسعون ومائتين والف خاصة قصر او غابة ثم مر هذا الصلح ببلد بريان ضحوة يوم الاحد لخمسة وعشرين ليلة خلون من صفر عام 1294ه اربعة وتسعون ومائتين والف وشهد بجميع ما ذكر اولهم الفاضل الشيخ صالح بن كاسي والفاضل عمنا كاسي بن الشيخ بابا بن يونس وعمنا الحاج احمد بن عيسى وعمنا عيسى بن الحاج سعيد وعمنا دادي حني بن بابا عيسى وعمنا الحاج حم بن يحي بن يونس وكاسي صالح بن محمد بن الحاج ابراهيم صالح بن محمد وايضا مكتوبا باسفله اربعة سطر نصهم كتب على ثلاثة نسخ واحدة للعفافرة وواحدة لاولاد نوح وواحدة ارسلت لحاكم دايرة الاغواط انتهى نص الوثيقة المذكورة اعلاها خاتم الشيخ القاضي المذكور وكما نقلت حرفا بحرف من غير زيادة ولا نقصان على الذاعي اسمه اسفله وعرفه في تاريخ يوم 12شعبان سنة 1309ه...........([5]).

وبه الحاج المشري ثلاثة فرنك احمد بن محمد قاضي انتهت النسخة المومل اليها كما وجد في اصلها حرفا بحرف دون زيادة و لا نقصان مع المقابلة وبه عبيده ابراهيم بن الحاج احمد.

وثيقة في مسألة بناء المدرسة القرآنية لتعليم أبناء البلد.

الحمد لله وحده وبه نستعين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وسلم

الجزائر يوم 1سبتمبر 1932م

حضرة الفضلاء الكرام الاحبة الاعزاء السادات عيسى بن صالح بن صالح، حمو بن عبد الله بن بن يحي محمد بن صالح بحميدة باحمد بن يوسف زيطاني وتربح محمد بن عيسى حفظهم الله ورعاهم.

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته والتحية والاكرام من كاتبه عن اذن السيد موسى بن الحاج موسى وبعض من اعيان الجزائر اللآتي أسماءهم السادات ناصر بن يوسف زيطاني سليمان بن عمر بودي صالح بن عيسى تربح بكير بن حمو عبد الله والكاتب سليمان بن ناصر بن حمو الزيات.

اما بعد فقد كتبنا لكم هذا الجواب في مسألة النقود المجموعة من اهل الخير والصلاح المحفوظة على وجه الامانة تحت يد السيد عيسى بن صالح وذلك العدد مجموع لمسألة التعليم لشبان بريان ولم يتم الامر في ذلك التاريخ.

وحيث انها وقعت مدرسة لتعليم ابناء البلد وهي رايجة من مدة تفوق الثلاث سنين وانه وقع بناءها كما هو قبلكم وقد تأملنا نحن الواضعون خط ايدينا اسفله في القضية ووجدنا ان هذا هو محلها ولاجله جمع هذا العدد وعلى هذا ومن اجله نرجو منكم تدفعوا لحامل الجواب اليكم وهو واحد منا السيد سليمان بن عمر بن سليمان بودي وليدفعه هو في مصالح وبناء هذه المدرسة المشار اليها ولكم الاجر التام من الملك العلام نرجو منكم تنفيد المسألة لترفع المسؤولية عن الجميع لا يخفاكم حالة اموال الحبس والاماين وما اشبه ذلك نسألوا الله ان ينجينا واياكم من التبعات انه سميع مجيب وصلى الله على سيدنا محمد وآله في البدء والختام.

التوقيعات: وبه موسى بن بالحاج، الناصر بن يوسف، بودي سليمان، تربح صالح بن عيسى، سليمان بن الناصر بن حمو، بكير بن حمو.

عرض المجلس التأسيسي

لجمعية الفتح بريان

على الساعة التاسعة من صباح الاثنين 41ذى الحجة الموافق ليوم 11نفامبر 1987اجتمع بقاعة المدرسة القرآنية بريان، ميزاب-ما يقارب عن مائة من أعيان بريان وفضلائها لتأسيس جمعية خيرية تهذيبية باسم"الفتح" مركزها بريان، ميزاب.

وغرضها: محاربة الجهل والأمية ونشر العلم وتهذيب الفقير واليتيم ومحاربة الآفات الاجتماعية وتنشيط الصناعة الوطنية وسائر مشاريع البر والاحسان.

لما اكتمل جمعهم شكلوا مكتبا مؤقتا يتركب من السادة:

أكبر الجماعةسنا

قلو ابراهيم بن سليمان                    رئيس

السيد أوراغ أحمد بن عمر                 كاتب

الشيخ لبسيس صالح بن يوسف         عضو

أبو الصديق باحمد بن الحاج بكير       عضو

افتتح الرئيس الجلسة فحمد الله وصلى على النبيء الكريم. ثم شكر الحاضرين الذين دفعت بهم خدمة الصالح العام في دائرة النظام الى تلبية الدعوة: ثم اقترح على الحاضرين ان     بتسيير الجلسة الى الشيخ عبد الرحمن بن عمر فوافقوا بالاجماع .

وبعد ان   العلامة الشيخ عبد الرحمن بن عمر احد نجباء التلاميذ بتجويد آيات من الذكر الحكيم إيقاظا للعزائم وتنشيطا للهمم، قام فعرف الحاضرين بغرض الاجتماع وأفاض القول في فوائد الجمعيات والعمل في دائرة النظام وكيف تجب مسايرة قافلة الحياة بكيفية ديموقراطية توافق روح العصر وتضم جهود الأمة من أمراضها، ثم عرض عليهم القانون الأساسي تلاوة وشرحا مادة مادة فوافقوا عليه بالإجماعبعد تعديلات طفيفة ومفاوضات خفيفة. ثم أعطيت الكلمة للكاتب فألقى خطابا وجيزا يناسب المقام كله تشجيع وحث على حياة النظام ودعوة الأمة الى توحيد جهودها وتسخيرها لمداواة

 

أمراضها وترقية حالها.

وبعد ذلك اجرى المكتب عملية انتخاب مجلس الادارة ففاز بالإجماع وبالأغلبية السادة:

الشيخ عبد الرحمن بن عمر                       مدرس           رئيس

ابن يامي موسى بن بالحاج                       تاجر             نائب أول

بودي عمر بن سليمان                           تاجر             نائب ثاني

الطالب باحمد صالح بن يحي                      فلاح             كاتب

أوراغ أحمد بن عمر                               طالب           نائب كاتب

قلو ابراهيم بن سليمان                           فلاح           أمين المال

بحميدة حمو بن يحي                             فلاح             نائب

لعساكر الحاج حمو بن عبد الله                 تاجر               عضو مستشار

الدبوز الحاج اعلي                             فلاح               عضو مستشار

بكراع محمد بن صالح                         تاجر                 عضو مستشار

قراس قاسم بن باحمد                         تاجر                 عضو مستشار

قلو موسى بن باحمد                   تاجر                     عضو مستشار

الواهج يحي بن حمو                   تاجر                     عضو مستشار

أوراغ محمد بن سليمان               فلاح                     عضو مستشار

الدبوز محمد بن الحاج صالح         تاجر                       عضو مستشار

ازقاو سليمان بن بكير               فلاح                       عضو مستشار

ثم ان المجلس التأسيسي عهد إلى مجلس الإدارة باتخاذ التدابير الرسمية للتحصيل على رخصة الجمعية، وأخيرا قرأ الكاتب على الحاضرين عرض حال جلسة التأسيس فوافقوا عليه بالإجماع، واختتمت الجلسة بتجويد آيات من الذكر الحكيم وانقض الاجتماع على الساعة الثانية بعد الزوال.

)-أحداث متفرقة مأخوذة من سجلات.[1](

[2]

)-نسخة لدى المؤلف.[3](

)-سطر من العقد لم تتضح كتابته جيدا.[4](

)-اسطر من العقد لم تتضح كتابتهم جيدا.[5](

-وثيقة عقد شراء أهل بريان وادي أنسا من عرش الزناخرة والزرقان يوم 12رجب 1100ه.[6](

)-شعب مرجانية من اكتشاف فوج الريان للكشافة الإسلامية الجزائرية لبريان مارس 2012م.[7](

 


(1) المرجع : بريان تاريخ وحضارة دراسة: تاريخية حضارية سياسية اقتصادية اجتماعية دينية ثقافية تأليف إسماعيل بن محمد لعساكر ص186-270

الأعراس في مزاب

الأعراس في مزاب

Icon 09متابعة حلقة العزابة لنظام الأعراس      

مراحل العرس  

الأعراس الجماعية:  الأعمال الجماعیة وفوائدھا الدینیة والاجتماعیة في المجتمع

"أحبي" أو "تازوضا "    

النظام الديموقراطي في أعراس مزاب    

ألبوم صور الأعراس في مزاب

وثائقي اعراس مزاب

الزواج عند المجتمع المزابي يحمل دلالات كبيرة بداية من الروحانيات ثم المحافظة على الزي التقليدي وصولا الى التكاتف و التعاون الذي يلقاه العريس من طرف مجتمعه . اليكم هذا الوثائقي الذي يبرز يوميات العريس المزابي و مراحل العرس من البداية الى النهاية . من انتاج مؤسسة : بالكوم للخدمات الإعلامية .

 

مراسيم العرس بمزاب

 

أَيْرِيضْ نُوسْلِي

 

 

نموذج الأعراس الجماعية في وادي مزاب

(بريان ولاية غرداية)

 

 

 

الأعمال الجماعیة في مزاب

الأعمال الجماعیة وفوائدھا الدینیة والاجتماعیة في المجتمع


الولیمة بعد التقاء العریسین سنة من سنن الرسول صلى لله علیھ وسلم لا داعي للتفصیل في مشروعیتھا وكلامنا ھنا ینصب
حول إقامة ھذه الولیمة في زماننا ھذا وھذا لا یكون إلا بالرجوع إلى الوراء قلیلا لننظر في طبیعة مجتمعنا من الناحیةالدینیة والاجتماعیة ونبني على ذلك حكمنا .

المجتمع المیزابي مجتمع جماعي یبني كل شيء على أساس قولھ تعالى : وتعاونوا على البر والتقوى . فتجده یؤسس نظماجماعیة ویتقبلھا ولو كانت من خارج المجتمع، فبعد اقتناعھ - أي المجتمع في أول الأمر - بنظام العزابة الذي یضممجموعة من الطلبة مع شیخھم تقوم بترشید المجتمع واعتناقھ المذھب الإباضي أقام بواسطة نظام الحلقة نظما أخرىبمباركة العلماء كنظام العشائر المتولد من نظام الحلقة ونظام إیروان ونظام إمصوردان الذي ق نُن بواسطتھ نظام الحراسة ثمأسسوا على مستوى القصور مجلسین با عبد الرحمن الكرثي وعمي سعید ومقصدھم في كل ھذا التعاون على البر والتقوىلأن الجماعة رحمة والفرقة عذاب والذئب یأخذ من الغنم القاصیة ونظمھم تسمى بالإمامة الصغرى في عرف المؤرخینوھذا ما جعلھم متماسكین على مر التاریخ.


وقد تعدى ھذا الفكر إلى عباداتھم مثل إجازة تلاوة القرآن جماعة وصلاة النافلة جماعة استنادا إلى أدلة فقھیة في تراثھم
وإلى عاداتھم الاجتماعیة مثل التعاون على درس القمح وقت الحصاد بطریقة مدروسة أو إقامة حملات تطوعیة في أشغالالبناء أو النظافة أو البحث على مفقود ضاع فقد یجد المرء نفسھ في المجتمع مع إخوانھ في كل المجالات في المسجد حینیعبد ربھ وفي العمل حین یحتاج مساعدة وفي فرحھ كالعرس وفي ترحھ كالجنازة فلم یقتصر فكرھم الجماعي في الوطنفقط بل رحل معھم إلى الشمال وحتى إلى ما وراء البحار في الحرمین الشریفین وفي مدینة الملائكة باریز وفي مواطن العلمكتونس ومصر وقیل في فلسطین كذلك فتجدھم یبنون دارا للعرش تضم بنیھم في بلاد الغربة حتى یتعاونوا على البروالتقوى في أمور دینھم ودنیاھم وفي داخل دار العرش تجد مصلى خاصا للصلاة لكي یحافظ مواطنوھم على دینھم ولا
تتفرق بھم السبل في خارج بلادھم .


ومن حسنات ھذه النظم الجماعیة نظام الأعراس داخل العشیرة التي تضم خلیطا من الناس متباینین في كل المجالات فمادام
الرسول صلى لله علیھ وسلم أمر عبد الرحمن بن عوف أن یعمل ولیمة ولو بشاة وھو من ھو ارتأى منظرو النظمالاجتماعیة تحدید حیثیات ھذه الولیمة التي لو تركت على حسب فھم الناس لوقع التنافس فیھا كل على حسب مفھومھومكانتھ الاجتماعیة ولیس في ھذا التحدید مخالفة للرسول صلى لله علیھ وسلم وإنما ترشید لتطبیق ھدي الرسول صلى لله
علیھ وسلم الذي یقول من سن سنة حسنة فلھ أجرھا وأجر من عمل بھا إلى یوم القیامة ولیس لھذا كذلك دُخل في البدعة
الحسنة أو السیئة وإنما ھو من المصالح المرسلة التي یستفید منھا الخاصة والعامة .ففي كتب التاریخ نجد أجدادنا رحمھم لله یھتمون بما یوحد المجتمع ویجمع شملھ وخاصة في مسألة تنظیم الأعراس وقدقرأنا قرارات مُلزمة في مجلس عمي سعید الفقھي تبین تفاصیل إقامة الولیمة وتسن عقوبات لكل من یخالف أمر أولي الأمرالذین أمر لله بطاعتھم ومجمل ھذه القرارات تدور حول مقاصد الشریعة التي تدعو إلى الحفاظ على المال والنفس وغیر
ذلك .


فنحن إذا رأینا في واقع المجتمعات الأخرى في داخل وطننا وخارجھ لرأینا العجب العجاب في ھذا الجانب لكون الفرد فیھا
غیر مربوط إلى جماعة تؤطره لذلك كثرت العنوسة فیھم وعزف كلا الجنسین عن الزواج ووقعت المخالفات الشرعیة فیھموھناك محاولات مشكورة من أھل الغیرة فیھم تقوم بترشید ھذا الزواج وترصد لھ إعانات حتى یستطیع الشاب أو الشابةالزواج بأقل تكلفة وقد تسأل كبار القوم فیھم عن ھذا التدھور في مجال الزواج فیجیبون نزلنا إلى ھذا الحضیض بسببالتقلید الأعمى للغیر وبسبب عزوفنا عن ولاة أمورنا واقتناعنا بآرائنا فنحن نتمنى العودة للعیش في أریج تلك الأیام الغابرةلكن دون جدوى فاسألوا لله لنا العافیة والعودة إلى الجادة، نسأل لله لنا ولھم السلامة لأننا في كل عام في الرذالة سعینا بلىكل یوم في الوراء ولا نثني
وفي ھذه السنة وقع عرس جماعي في دولة الیمن لأول مرة وقد نوھت بھ كل القنوات الفضائیة لفوائده المھمة على حسب
تصریح الأزواج وذویھم وطلبوا بكل إلحاح تصدیر ھذا الخیر إلى الدول العربیة لأنھم بقوا سنوات یحضرون لھذا الحدثالتجریبي .


نحن بحمد لله نتفیؤ في ضلال مجھودات أجدادنا ولكن لا نعرف القیمة ومن كان في نعمة ولم یشكر خرج منھا ولم یشعر .
* قد یقول قائل ھذا تقیید للحریات وللمرء أن یفعل ما یرید في أموره الخاصة .الجواب: ھذا من باب الرحمة للفقیر والمسكین لأن المؤمن ضعیف بنفسھ قوي بإخوانھ والفائدة من الانقیاد إلى نظام العزابةفي الأعراس ھي الرحمة بالضعیف لأن الرسول یوصینا بالسیر على مقدرة الضعیف في أعظم الفرائض قائلا: صلوا صلاة
أضعافكم فكیف بغیرھا من الأمور والضعیف أمیر الركب كما یقولون والمتدبر للقرآن الكریم یجد بأن لله تعالى یجعل
للضعیف مكانة في كل الحالات ویوصي الرسول صلى لله علیھ وسلم بمواساتھ والرحمة بھ والصبر معھ أفلا یكون الرسولصلى لله علیھ وسلم قدوتنا .
* قد یقول قائل ھذه النظم الاجتماعیة لم یفعلھا رسول لله ولا صحابتھ الكرام ولا التابعون لھم بإحسان ؟


نعم لم یفعلھا ھؤلاء ولكن عملوا بمغزاھا وھو الاقتصاد في نفقات الأعراس رحمة بالفقیر وحفاظا على وحدة الأمة فإیمانھم
القوي كان الحاجز لھم عن كل المخالفات الشرعیة التي یحاربھا أولوا الأمر الآن في شأن إقامة الأعراس ومثل ھذه النظمكما قدمت لھا مقاصد شرعیة منھا الحفاظ على المال والدین وھي داخلة تحت أصل شرعي مجمل في كتاب لله وسنة رسول
لله كقانون المرور مثلا الموضوع أساسا حفاظا على النفس البشریة التي نوه لله بمن أحیاھا فكأنما أحیا الناس جمیعا فأي
مخالفة فیھ ستؤدي حتما إلى ضرر محتمل للسائق أو غیره ولھذه المخالفة المضرة تبعات في الدنیا والآخرة ونظام الأعراسشبیھ بھذا النظام الملزم حفاظا على حیاة الناس فنحن نقرأ في التاریخ الأحداث الواقعة في قضیة الأعراس بعد نقصانالوازع الدیني ودخول حب الترف والبذخ في نفوس الخاصة فضلا عن العامة وھذا من عھد عمر بن الخطاب الذي خافكثیرا من تعدد الفتوحات وتدفق الأموال في بیت مال المسلمین من شتى الأنواع فوضع نظام محكم للأعراس من أولي الأمروفق كتاب لله وسنة رسول لله یكون مرجعا للأمة یلزمنا اتباعھ وطاعة أولي الأمر في شأنھ ما أطاعوا لله ورسولھ ومنولرسولھ فلھ ذلك أما أن یخالفھم اتباعا للھوى خالفھم وفي نیتھ التخفیف على نفسھ أو غیره وكبح جماح النفس ارضاءواستجابة لنزغات النفس والشیطان یصدق فیھ قولھ تعالى ومن یتبع غیر سبیل المؤمنین نولھ ما تولى ونصلیھ جھنم وساءتمصیرا .


* قد یقول قائل أي شيء یحدث إذا أنا قمت بعرس مستقل ؟

الجواب : الشيء الذي یحدث ھو زعزعة نظام العشیرة وغیره من النظم المرتبطة بھ كحلقة العزابة التي تشرف على ھذاالنظام من غابر الأزمان ونتیجة ھذا الاستقلال ھو تفكیك النظم الجماعیة المؤدیة إلى تفكیك المجتمع وعیشھ في الفوضىكما نرى ونشاھد .


* قد یقول قائل ما الحل إذا ألم یقل لله تعالى: لا إكراه في الدین ؟

الحل ھو السعي إلى الإصلاح وتنبیھ أولي الأمر إذا رأینا فیھم ما یعكر صفونا ولا یحق لنا أن نبرر ما نقوم بھ من أعمالارتجالیة في المجتمع بغفلتھم وركودھم أو ركونھم وإذا أردنا أن نقوم بعرس مستقل فعلینا بما یلي لكي لا نتسبب في زیادةتفكیك الأمة التي تذھب إلى الزوال بما كسبت أیدینا

1/: نقوم بالعرس في نطاق عائلتنا من الوالدین والأولاد والإخوة والأخوات والأعمام والعمات والأخوال والخالاتوالجیران دون غیرھم ونظھر أثر القناعة فیھا رحمة بالضعیف الذي یوصینا لله ورسولھ بالعطف علیھ لأن أقل ما یجزيفي العرس شاة واحدة لمن ھو في منزلة عبد الرحمن بن عوف أما غیره فیجزیھ فیھ حلیب وماء وتمر لأن العرس شرعامن المندوبات فھل یستحق منا كل ھذا الھرج والمرج ؟؟؟ كل واحد ورأیهفي الموضوع والتجربة تقول إن الاستقلالیة في
اتخاذ القرار تؤدي إلى التنوع الممیع والاختلاف المضاد .


2/: من أراد الاستقلال في عرسھ فلا یستغل رموز الوحدة كالعشیرة وأفراد الھیئات الدینیة لإقامة عرسھ لأن ھذا العمل یزید في تصدع الشمل وانتشار البلبلة في المجتمع المتماسك ویؤدي إلى الإطاحة بھذه الھیئات على مر الزمان .


3/: نستقل في جمیع شؤوننا في الوطن والشمال فنتحمل جمیع مسؤولیتنا خیر من أن نتسبب في شقاق وخلاف في الأمة نحن في غنى عنھ تلبیة لغرائزنا وأفكارنا الأحادیة لأن نظم المجتمع كلھا مترابطة كالعقد الواحد فأي إھانة لواحد منھا یعتبر إھانة لغیره فلنأخذ الجمیع أو نترك الجمیع وإذا لاحظنا خللا حاولنا إصلاحھ بكل الوسائل والطرق المتاحة حتى لا نكون كالتي نقضت غزلھا من بعد قوة .


نحن في المجتمع كأصحاب السفینة الذین استھموھا فسكن بعضھم الطابق الأعلى والباقون الأسفل فترك من ھم في الأعلى أصحابھم في الأسفل ینقبون عن الماء فإذا أخذوا بأیدیھم نجوا جمیعا وإذا تركوھم ھلكوا جمیعا فأصحاب الأعراس المستقلة وغیرھم من أھل الأفكار الدعویة المستقلة في الطبق الأسفل من السفینة ینقبون لھلاك المجتمع فإما أن یتفاھموا مع أصحاب الطابق العلوي حتى ینجوا جمیعا أو یخرجوا من السفینة وینظروا أي سبیل یأخذونھ في البحر إذا لم یعجبھم العیش معا في سفینة المجتمع في ظل التسامح .


أصحاب الأفكار المستقلة والأعراس المستقلة - یأكلون الغلة ویسبون الملة - فإما الوفاق مع المجتمع الذي ھیأه الأجداد في كل المجالات أو الفراق لھذا المجتمع فراقا كلیا والعیش في مجتمع آخر حتى تظھر لھم بركات مجتمعھم جلیة من بعید .


وخلاصة القول :

لا یفھم من قولي بأنني أمتدح المجتمع بكل ما فیھ فالعیوب موجودة والمحاسن موجودة ولكن لا یعني وجود العیب النفور من المجتمع وزعزعتھ بأفكارنا الأحادیة في الدعوة وأعراسنا المستقلة على حسب ھوانا ولا یعني من ھذا أنني أدعوا إلى تقدیس العزابة ودعوتھم جمیعا إلى أعراسنا وإنما أدعوا إلى احترام الرأي العام والحفاظ على وحدة الأمة وذلك باتباع النظم
النافعة قدر المستطاع فلنا بحمد لله تنوع اجتماعي في ھذه النظم یكفینا إن نحن حكمنا عقولنا كنظام المحافظین والمصلحین والسنیین وإن كان الواجب أن یكون نظام واحد لأن الإسلام یدعو إلى الوحدة فما الداعي إلى استحداث ما یفكك بالأمة وأنا أرى أصحاب ھذه الأعراس المستقلة من أھل المال أو أھل الأفكار الخاصة یصعب علیھم الانقیاد والانصیاع إلى الرأي
العام فیسببون بأعمالھم الارتجالیة تصدعات في الأمة رغم أن العرس سنة مندوب إلیھا لا تحتاج إلى كل ھذا الھرج والمرج وأرى أنھ مما ساعدھم على ھذا التنوع المقیت استجابة كثیر من أفراد الھیئات لدعواتھم وھذا خطأ فادح .


التصحیح أمر مشروع والإبداع عمل ممدوح لكن بطرقھ المطلوبة فما یضر أھل المال إذا طالبوا العزابة بنزع شيء أو بإضافة شيء في ھذه النظم الاجتماعیة یتوافق ومتطلبات العصر فما داموا أي أھل الحل والعقد ینصاعون لأھل المال فيقراراتھم الشخصیة فمن باب أولى وأحرى أن ینصاعوا لھم في كل ما فیھ صلاح للأمة ولیس فساد القمة مبررا لإفساد القاعدة والرجل الرشید یخفف من الفساد ولا یزید فیھ بمبررات واھیة .


كلنا نحس بالنقص ونأمل في الصلاح ونرید النھوض بالأمة في كل المجالات لوجود الخلل جلیا ولكن نرید السبیل الذي یضمن لنا النتیجة فیما یستقبل من الزمان ولا یشق عصا الوحدة نرید العودة إلى العمل الجماعي في الدعوة إلى لله لأن حالة المجتمع لا تبشر بخیر لكثرة الدعوات الانفرادیة فیھ وتنوعھا وقلة النتیجة المطلوبة ونرید العمل الجماعي كذلك في القیام
بإصلاح الأمور الاجتماعیة كالأعراس وغیرھا لأن خرجات أھل المال والأفكار الخاصة وشطحاتھم في ھذا المجال لھا تأثیرھا على وحدة الأمة ونحن نرى ونسمع في ھذه الأعراس أمورا یندى لھا الجبین بحكم ادعاء الخصوصیة في إقامة العرس فأي إنسان یرید عملا ما في المجتمع فلیتذكر أنھ في السفینة وأن معھ أناسا في الأعلى والأسفل ولیتدبر عاقبة عملھ
على المدى البعید وإذا أراد الحریة والحفاظ على خصوصیاتھ فلیخرج من السفینة إلى البحر بوسائلھ الخاصة أو إلى جزیرة من الجزر ولیفعل ما یشاء في محیطھ الخاص أما أن یظاھر قومھ ویسعى إلى خراب بلدتھ التي ھي في طریق الدمار فھذا عار وأي عار .


علینا بمحاربة الارتجالیة في الأمور والعجلة فیھا نقوم على قلب رجل واحد ضد الأحادیة في الرأي ونشجع العمل الجماعي ولو كان مبنیا على رخصة لأن في الاتحاد قوة ونحارب العمل الانفرادي ولو كان مبنیا على عزیمة إذا كان فیھ تشتیت للجماعة وكان فیما یسع فیھ الخلاف .
وقد یقول قائل نحن رجال وھم رجال :


الجواب : نعم صحیح ھذا ولكن ھل نحن متصفون بالإخلاص الذي نالوا بھ الحسنیین نحن عبدة الجاه والمال ونخشى أھل المال ولله أحق أن نخشاه والذي قال بأنھ یجب الإبداع وعدم التمسك بما تركھ الأجداد نقول لھ أبدع خارج نطاقھم كما أسلفنا فكل الحضارة التي ننتمي إلیھا ونفخر بھا كانت من صنع ھؤلاء الذین أسسوا لھذا المجتمع نظما جماعیة أضحت لا تعجبنا
ونرید لھا بدیلا فإذا أردنا البدیل تبرأنا منھم ومن حضارتھم وقلنا ما یحلو لنا بدون عتاب أما أن نفخر بھم في كل زمان ومكان وعلى رؤوس الأشھاد ونتنصل من نظمھم متبعین للھوى فھذا في القیاس لعمري بدیع ولا یحق لنا ھذا بحال من الأحوال نحن لا ننكر بأن بنیانھم قد تصدع وأصابتھ رضوض لأنھم بشر یصیبون ویخطئون وزمانھم غیر زماننا فما كان
ثابتا من نظمھم تمسكنا بھ وما كان متغیرا أبدعنا فیھ بالشورى ومراعاة الأصلح للدین والجماعة .


والبنیان الذي وُھب لنا إذا كان أساسھ متینا وتصدع رممناه واستمتعنا بھ وقلنا الخیر للمبتدي ولو أحسن المقتدي أما أن نھدمھ مع متانة الأساس لأجل بعض التصدعات ونعید البناء الفوضوي علیھ فلا یجوز لأن ھذا العمل یعتبر نكرانا للجمیل وھضما لحق صاحب البناء الذي خطط وبنى وسلم لنا المفاتیح فكل النظم التي تكلمنا علینا كانت نتیجة عمل أجیال یجب
علینا المحافظة علیھا والإبداع فیھا بالشورى مع كل أصحاب الحق فیھا لأنھا لیست ملكا لنا ولسوف نسأل عنھا ھل حافظنا أم ضیعنا كلنا ننْشد الإبداع والتصحیح في سیر من سبق لكن تتخلف نظرتنا في ذلك وطریقتنا. فمنا من یترحم على الأجداد ویكبر فیھم جھدھم ویحافظ على نظمھم وسیرھم ویحاول طرح إشكالات للبحث والحوار فیما استشكلھ أو لم یقتنع بھ في الجانب الدیني والمجال الاجتماعي دون أن یمس بشخصھم الكریم بالأقوال المشینة والأوصاف
المھینة فیمكن أن یقول ھذا الأمر بدعة ولا یقول لمن فعلھ مبتدع لأنھ لا یدري على أي أساس وضعھ بالضبط وما حجتھ فیھ وقس على ذلك. أما الصنف الآخر منا فیصف من سبقھ من الأجداد الذین عدلوا في البلاد وأكثروا فیھا مما ینفع العباد في أمور المعاش والمعاد بالمبتدعة وبالمخالفین للسنة وبغیرھا من الأوصاف التي تمس شخصھم رغم طول المدة التي تفصلھ بینھم .


فلنا الحق في الانتقاد وتبیان الخطأ في نظرنا ولكن دون أن نھین شخصا سبقنا إلا إن كانت لدینا حجة قاطعة واضحة وضوح الشمس مع احتمال كل العذر .


خاتمة :


وفي الختام أذكر الأعمال الجماعیة التي حافظت على وحدة الأمة في غابر الأزمان - ولا تزال إلا قلیلا منھا - وكان لھا مغزى اجتماعیا مع ما فیھا من أمور یقال بأنھا مخالفة للسنة رزقنا لله اتباعھا.


1/: صلاة الجماعة في المسجد وخاصة صلاة الظھر والعصر التي یكون فیھا الرباط بینھما .


2/: تلاوة القرآن في المسجد جماعة بین المغرب والعشاء وبین الأذان الأول والتثویب لصلاة الصبح كل یوم .

3/: تلاوة القرآن في المسجد في مناسبات خاصة كشھر رمضان كاملا من أول یوم منھ إلى صبیحة العید دون انقطاع وفي بعض اللیالي المعروفة في السنة وفي المآثم والأعراس وفي المقابر والختمات.


4/: صلاة بعض النوافل جماعة في المسجد في بعض المناسبات خلاف قیام رمضان وإعادة الصلوات الخمس فیھ


5/: موسم الزیارة السنوي الذي یجمع الناس من أجل السیاحة في البلدة على اختلاف أعمارھم ومراتبھم وفي داخل الزیارة مجموعة من الناس تعنى بقواعد القرآن الإملائیة


6/: مناسبة تغییر المنكر التي تقع في العام مرتین جماعة إقامة للحجة على من لم یصلھ الأمر أو النھي أو على من تعنت وأصر .


7/: إحیاء لیلة المولد النبوي بالمدیح والمواعظ جماعة

8/: الاجتماع للسیاحة مرة في الأسبوع صیفا والاجتماع في المحاضر لحفظ القرآن وتلاوتھ في القصر والجنان .


9/: الاجتماع للحراسة في البلدة بطریقة مقننة والاجتماع كذلك لإقامة الأعراس وبعض المناسبات الاجتماعیة المتنوعة وإحیاء بعض العادات التي لھا أصل في الدین .


10 /: زد إلى ما مضى بعض الأعمال الجماعیة كموسم جني التمور جماعة على مستوى المسجد والعشائر وكانوا في القدیم یحتطبون للمسجد جماعة وللأعراس كذلك بكیفیات عجیبة وكذلك موسم الحصاد الذي یجتمعون لھ ویعدون لھ العدة إلى غیر ذلك من الأعمال الجماعیة الاجتماعیة منھا والدینیة وقد رأینا زوال كثیر من ھذه الأعمال أو نقصانھا بحجة البدعة ومخالفة
السنة وبحجة تطور الزمان واختلاف عقلیة الناس إلى غیر ذلك من الحجج الواھیة التي نتشبث بھا وكثیرا ما نسعى نحن لخراب ذلك الإرث العظیم بتسرعنا في أخذ القرار الحاسم وعدم فھمنا ووعینا للأمور فنخترع الأعراس المستقلة والحركات الدعویة المستقلة كذلك عن النظم العرفیة في الدعوة مستندین في عملنا ھذا إلى أدلة ضعیفة نبرر بھا ما تسول بھ أنفسنا ولله
المستعان .

 

كتبه : أبو موسى الشماخي

الأعياد والمناسبات الموسمية بوادي مزاب

  • التراث غير المادي

    Icon 07

    تعرّف اتفاقية اليونسكو لسنة 2003 التراث الثقافي غير المادي بكونه الممارسات والتصورات وأشكال التعبير والمعارف والمهارات، وما يرتبط بها من آلات وقطع ومصنوعات وأماكن ثقافية، التي تعتبرها المجموعات وأحيانا الأفراد جزء من تراثها الثقافي. هذا التراث الذي يسمى أيضا "التراث الثقافي الحي" يشمل الميادين الآتية:
    العادات وأشكال التعبير بما فيها اللغة التي تمثل محرك التراث الثقافي الغير مادي، فنون الاستعراض، الممارسات الاجتماعية، الطقوس، الأحداث الاحتفالية، المعارف و.....

    إقرأ المزيد

  • العادات والتقاليد

    Icon 09إن التقاليد و العادات ببلاد مزاب تختلف عن غيرها من البلاد ، فلكلٍّ صبغة ووجهة و هدف ، إنها في وادي مزاب مطبوعة بطابعالدين الخالص ، بحيث لا يتسرب إليها تدجيل أو حذلقة أو تصوف مقيت أو جمود أو تزمّت عائق عن العادة النفسية ، و...

    إقرأ المزيد

  • عوائد مزاب سنن لا تقاليد

    Icon 09
    من سنن الله في عباده، جعلنا شعوب و قبائل لنتعارف، وهذا من فضله و منه علينا وهذا أيضا من بديع صنعه سبحانه و تعالى ،فالمتأمل في عادات و تقاليد بني مزاب يجد لها ارتباط و..

    إقرأ المزيد

  • عادة  تنوبا ⵜⵏⵓⴱⴰ

    Icon 09عــــــادة  تنـوبــتا
    تينوباوين المتعلقة بقصر تغردايتتينوباوين المتعلقة بقصر تغردايت
    موسم مقبرة الشيخ عمي سعيد الصيفي...

    إقرأ المزيد
  • أبيانو مناسبة عاشوراء

    Icon 08
    يتم استقبال العام الهجري الجديد في احتفالات دينية، ففي شهر محرم وبمناسبة عاشوراء، يحتفل كل سنة بإعداد طبق خاص من الفول "إباوان"، ويردد الأطفال أغاني محلية "أبيانو"ن وتقام زيارات عائلية متعددة.


    إقرأ المزيد

  • مناسبة أعمار ⴰⵄⵎⴰⵔ

    Icon 09بوشمجان ذكريات اصطياف وبواكير وعي: كان موسم النزوح إلى الواحة للاصطياف دأب أغلب المزابيين حيث يجدون في بساتين واديهم ملاذا من قيظ الصيف..، وقد كانت العطلة الصيفية آنذاك بالنسبة لطفولتنا موزعة بين سويعات للتعليم القرآني.....

    إقرأ المزيد

  • مناسبة الاّي سڨ وعمار ⴰⵍⵍⴰⵢ

    Icon 09قصة يوزان داديك حمو ولحاج  
    بين أَلاَّيْ وأَعْمَار الدلالة .. ورمزية التحضُّر   
    أزداغ د وعْمَار  ⴰⵣⴷⴰⵖ  ⴷ   ⵓⵃⵎⴰⵔ ...


    إقرأ المزيد

  • تحيزَّا ⵜⵃⵉⵣⵣⴰ thizza

    Icon 09تحيزا هي مِن عاداتنا الجَميلة  ومن بين مراسيم  حفل الزواج في قصور وادي مزاب، في الصباح الباكر من اليوم الأول من عقد القران يذهب العريس رفقة وزرائه وأفراد العائلة وكل من أصدقائه ومرافقيه وبعض أعضاء العزابة لزيارة المقبرة التي دفن فيها بعض أفراد عائلة العريس، مثل مقبرة باعيسى وعلوان أو مقبرة بابا والجمة أو مقبرة الشيخ عمي سعيد، كما تستغل هذه الفرصة للتعريف بأول..

    ...

    إقرأ المزيد

  • الأعراس الجماعية

    Icon 07
    مراحل العرس
    الأعراس الجماعية: الأعمال الجماعیة وفوائدھا الدینیة والاجتماعیة في المجتمع عادة "أحبي" أو "تازوضا .".....
    ...

  • مناسبة  ينار ⵢⴻⵏⵏⴰⵕ

    Icon 07
    مناسبة ينّار إرث حضاري وتراثي لبني مزاب 
    يـــنّــــاڔ ⵢⴻⵏⵏⴰⵕ عبد الرحمن حواش
    ...

  • عيد الزربية

    Icon 07
    تقام كل سنة في شهر مارس، وتحتفل به كافة ولاية غرداية باستعراض لعربات مزينة بالزرابي من مختلف أنحاء الولاية، ومعرض للمنتجات الحرفية التقليدية وألعاب وأغاني فلكلورية.
    ويشكل “عيد الزربية” فرصة لتثمين ما تزخر به ولاية غرداية من ثروات تقليدية والترويج لها، حدثا يستقطب العديد من السياح الوطنيين والأجانب والمهتمين بالزربية التقليدية......

    إقرأ المزيد

    إقرأ المزيد
  • موسم الحج

    Icon 09يحتفل المزابيون برحيل وقدوم الحجاج من البقاع المقدسة، بترديد أناشيد دينية في مختلف المساجد وفي مصلى خاص يسمى "المستجاب".
    يقوم بمرافقة الحجاج الميامين إلى البقاع المقدسة مرشد كمرجعية فقهية وتاريخية وقد 
    تولى الشيخ الناصر المرموري رحمه الله هذه المهمةلعشرات السنين باعتباره عضوا دائما في البعثة المزابية إلى البقاع المقدسه...

    إقرأ المزيد

  • فورار فبراير

    Icon 09

    في بداية فصل الربيع، يقوم السكان بزيارات للمصليات الجنائزية المنتشرة بالبلدة لتلاوة القرآن الكريم وتوزيع الصدقات.

  • شهر التراث

    Icon 09يحتفل به في كافة منطقة المغرب العربي، وذلك بتنظيم نشاطات علمية وثقافية خاصة بالتراث، وتقام ما بين 18 أفريل (اليوم العالمي للتراث) و18 ماي (اليوم العالمي للمتاحف). وهذا بعد ملتقى الدار البيضاء بالمغرب سنة 1995.

  • مناسبة جني التمور

    Icon 07 يحتفل بهذه المناسبة بكافة واحات وبساتين المنطقة، أين توجد أكثر من 150 نوع من التمور، ومن بينها: أوتقبالا (بنتقبالا)، تامجوهرت، دقلة نور، الدالة،... الخ. وبهذه المناسبة يقام معرض لمنتجات التمور.

 

  • المواسم، المناسبات، أعياد وحكمها الشّرعي

    Icon 07
    جميع المجتمعات تتخذ لنفسها مواسم ومناسبات وأعيادا تفرح فيها وترسخ اللحمة العائلية والاجتماعية، وقد كان في صدر الإسلام مناسبات هي امتداد للمناسبات الاجتماعية في العصر الجاهلي. والمجتمع المتدين يميل إلى أن يستلهم من ميراثه الثقافي الديني مناسبات، ثم انضم إلى ذلك في العصر المدني الأعياد الوطنية، وكلها وسائل ليحيى المجتمع ويتماسك وخاصة في الوقت المعاصر الذي طغت فيه المادية التي.....

    إقرأ المزيد
  • الاحتفال بمولد الرسول محمد صلى الله عليه وسلم

    Icon 07
    يطبع إحياء ذكرى المولد النبوي الشريف بمنطقة مزاب بمظاهر وعادات خاصة تستمد جذورها من التراث الثقافي المحلي العريق ويميزها استعراض بواسطة مصابيح الزيت ”انارن” بقصر بن يزجن. وعلاوة على الجموع الغفيرة من المؤمنين التي تتوجه إلى مختلف المساجد لأداء صلاتي المغرب والعشاء فإن العشرة أيام الأولى من الشهر الذي يصادف ميلاد خير البرية الرسول -محمد صلى الله عليه وسلم- تتميز أيضا بمنطقة سهل وادي ميزاب بإحياء سهرات دينية تخصص لتلاوة القرآن الكريم والمدائح النبوية. وتكتسي الاحتفالات الخاصة بإحياء ذكرى مولد الرسول صلى الله عليه وسلم على مستوى بلدة بني يزقن العتيقة طابعا متميزا ينبني على....

    إقرأ المزيد


    إقرأ المزيد
  • عادة مجالس القرآن

    Icon 07
    أولا: أرجال
    ثانيا: البدلة الرسمية
    ثالثا: آداب المجلس القرآني
    رابعا: قراءة القرآن


    إقرأ المزيد
  • عيد الزيارة
    Icon 07موسم الزيارة هي تظاهرة شعبية تحدث مرة في العام في فصل الربيع في جميع قصور وادي مزاب يتجمع الناس في مكان معين، فيجوبون بعض الأماكن المعروفة في البلدة ويقومون بزيارة بعض المقابر القديمة من أجل العبرة وتقديم تاريخ المشائخ للأجيال الصاعدة مرددين في تجوالهم هذا الذكر جماعة :[سمِ اللهِ ياَ اللهُ يا رحمانُ يا رحيمُ يا الله ارحمنا] ويغتنمون الدعاء للغيث لأن الموسم موسم بذر خضروات الصيف وموسم تأبير النخيل والمتصدر في هذا المهرجان الشعبي هم العزابة...

    إقرأ المزيد

  • عيد آحباس بالقرارة

    Icon 07
    تنظم بالقرارة  جمعية إحياء التراث وحماية الآثار عيد آحباس حيث يقام في هذه التظاهرة الثقافية مسيرة استعراضية فلكلورية بساحة إينورار  وأخرى حول المنتوج التقليدي للمنطقة بمشاركة جمعيات الأحياء والأفواج الكشفية بالإضافة إلى الفروسية ، وإلى جانب هذا يتم تنظيم مسابقة أحسن لباس تقليدي للأطفال الصغار الذين يفسح لهم المجال للمشاركة، وعلاوة على ذلك يتم تنسيق معرض متنوع يضم في أجنحته صور قديمة لقصر القرارة ونظم الري التقليدية وكيفية المحافظة عليها بالصور والأرقام، وكما يتم أيضا عرض أفلام وثائقية في ذات الشأن لاستعادة العادات والتقاليد الضائعة و التي افتقدها شباب الحضارة والعولمة.
  • عيد أملاڤا نْفاش

    Icon 07
    يحيى سكان منطقة وادي مزاب المناسبة التقليدية السنوية المعروفة بـ” أملاڤا” بالأمازيغية (اللقاء) تسمح هذه التظاهرة للمحسنين بإقامة “أنفاش” (الصدقة). وتنسب تسمية هذا الحدث الإجتماعي السنوي المعروف بـ”أملاڤا” إلى نقطة إلتقاء تقع بأقصى شمال سهل وادي مزاب لواديي الأبيض ولعديرة اللذين يمونان مجرى وادي مزاب بمياه الأمطار حيث تحول هذا الموقع الطبيعي الفسيح إلى....

    إقرأ المزيد

  • تشموست ن ولالي ن وارا

    Icon 07
    من تقاليد آت مزاب هي عبارة عن خلطة تقليدية من العطور تحضر في اليوم السابع من ميلاد البنت أو الطفل ولكل منهما ألوان خاصة به فاللون الأحمر و الأخضر خاص  باللبنت أما  الأبيض و الأسود فهو للطفل.

  • عادات مزاب لَمْزَن

    Icon 09

    إننا نستدعي التاريخ ونستحضره أحيانا لينفخ فينا روح العمل والاستمرار، ويفكَّ عنَّا قيود المستحيل إلى سعة الممكن والقابل للتحقق، لكن لا ينبغي أن نستهوي النفخ ونمتهن التفاخر والتعظيم ونحن نغط في سبات عميق، ثم نستيقظ على واقع مرير وصادمإن من العادات الحسنة التي لم يبق لها أثر للأسف على.....

    إقرأ المزيد

  • أَنْفَاشْ نَ تْجَمِّي

    Icon 09

    بهمزة مفتوحة ونُون ساكنة محققة وفاء مفتوحة. لفظ أمازيغي مزابي. وهو وليمة جماعية يُتقرَّب بها إلى الله تعالى، تقام على مستوى حي أو جماعة أو بلدة، يُسْهِم فيها كلُّ فرد بما يستطيع، تهدف إلى لَمّ الشمل ومساعدة....

    إقرأ المزيد

  • عادة توديع المسافرين والحجيج

    Icon 09

    مفتوحة ونُون ساكنة محققة وفاء مفتوحة. لفظ أمازيغي مزابي. وهو وليمة جماعية يُتقرَّب بها إلى الله تعالى، تقام على مستوى حي أو جماعة أو بلدة، يُسْهِم فيها كلُّ فرد بما يستطيع، تهدف إلى لَمّ الشمل.........

    إقرأ المزيد

  • عادة إِوْزَانْ نْ اُمْسَافَرْ

    Icon 09

    نظرا لما كان يتلقاه المسافر خلال سفره من مخاطر كاعتداءات قطاع الطرق، يقوم الأهل ببعض الطقوس بنية حفظ المسافر في حله وترحاله وهي: إثر تخطيه عتبة البيت للخروج تقوم إحدى النساء المودعات له برمي ماء فيه حناء تيمنا بهذه العشبة وراءه، وغالبا ما تكون الأم أو...

    إقرأ المزيد

  • فرقة إمكراس الفولكلورية

    Icon 09

    الرقص الشعبي الفولكلوري: لكلّ شعب من الشّعوب رقصات خاصة به تنتقل من جيل لآخر. الرقص الشعبي شكل من أشكال الاحتفال أو الشعائر الدّينيّة. يُتَعلّم من قبل الأفراد كلّما يكبرون في الجماعة بالتّوارث.. فالرّقصة يمكن أن تكون فنًّا طقسيًّا أو استجماميًّا يذهب إلى ما بعد الأغراض الوظيفيّة للحركات التي استعملت، كما أنّها تظهر العواطف، الحالة المزاجيّة، أو...

    إقرأ المزيد

الإباضية بين الفرق الإسلامية

الفرق بين الاباضية والخوارج

c 7

 

تحميل كتاب الإباضية بين الفرق الإسلامية PDF

الفصل الأول : الإباضية .

الفصل الثاني : الخوارج .

الفصل الثالث : الخوارج في نظر الإباضية .
الفصل الرابع : رأي المخالفين في الإباضية .
الفصل الخامس : الفرق بين الإباضية والخوارج في العقائد .
الفصل السادس : ملخص للبحث .
الفصل السابع : مصادر الإباضية .
وخاتمة البحث
والمراجع
والفهارس

الفصل الأول : الإباضية .

أولا ) : ظهورها وأسباب التسمية بهذا الاسم :

ظهر المذهب الإباضي , في القرن الأول الهجري في البصرة . فهو من أقدم المذاهب على الإطلاق . والتسمية كما هو مشهور عند المذهب , جاءت من طرف الأمويين ونسبوه إلى عبدالله بن إباض وهو تابعي عاصر معاوية وتوفي في أواخر أيام عبدالملك بن مروان , وعلة التسمية تعود إلى المواقف الكلامية والجدالية والسياسية التي اشتهر بها عبدالله بن اباض في تلك الفترة .

ثانيا ) : شخصية جابر بن زيد :

يرجع المذهب الإباضي في نشأته وتأسيسه إلى التابعي الجليل جابر بن زيد الذي أرسى قواعده الفقهية وأصوله . فهو إمام متحدث فقيه , وتبحر بعمق في الفقه , وأمضى بقية حياته بين البصرة والمدينة بشكل جعله على صلة بأكبر فقهاء المسلمين حينذاك . وقد روى عن ابن عباس قال للناس : اسألوا جابر بن زيد فلو سأله المشرق والمغرب لوسعهم علمه . وقد أصبح أعظم فقيه في البصرة , وله أتباع عديدون كعبدالله بن اباض ومرداس بن حيدر وأبي عبيدة مسلم بن أبي كريمة .

ثالثا ) : شخصية أبو عبيدة مسلم بن أبي كريمة :

ولقد اكتملت صورة المذهب الاباضي على يد أبي عبيدة مسلم بن أبي كريمة , المتوفى في خلافة أبي جعفر المنصور وإليه انتهت رئاسة الإباضية بعد موت جابر بن زيد . وبإشارته أسس الإباضية في كل من المغرب وحضرموت دولا مستقلة وخرج على يديه رجال الفكر والدين من مختلف الدول الإسلامية آنذاك عرفوا " بحملة العلم " . ولقد أفلح عبدالرحمن بن رستم في تأسيس الدولة الإباضية بتهارت فهو تلميذ من تلاميذ أبي عبيدة وأحد حملة العلم .

رابعا ) : شخصية عبدالله بن اباض :

هو عبدالله بن اباض التميمي ولد زمن معاوية ( 40 ـ 60 هـ ) وتوفي في آخر حياة عبدالملك بن مروان . ويعد من أتباع جابر بن زيد الذي توفي سنة 93 هـ . وقد اهتم بالجوانب السياسية والكلامية والعسكرية والتنظيم والتخطيط لتكوين دولة إسلامية معتمدة على الكتاب والسنة وسيرة الخلفاء الراشدين .
وقد اشتهر بالرسالة التي أرسلها إلى عبدالملك بن مروان الأموي ( 65 ـ 86 هـ ) يبين فيها آراءه وعقائده بكل وضوح .


الفصل الثاني : الخوارج .

أولا ) : مدلول كلمة الخوارج :

• يطلق بعض المؤرخين كلمة الخوارج " على أولئك الذين اعتزلوا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عندما قبل التحكيم ورضي به , لأنهم في نظر هؤلاء نقضوا بيعة في أعناقهم , وخرجوا من إمامة مشروعة " .
• ويطلقها فريق من المتكلمين في أصول العقائد والديانات " وهم يقصدون بها الخروج من الدين , استنادا إلى قول الرسول صلى الله عليه وسلم : أن ناسا من أمي يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية . وورد حديث بروايات متعددة وألفاظ مختلفة " .
• أما الفريق الثالث " فيطلقها ويقصد بها الجهاد في سبيل الله , استنادا لقوله تعالى :
( ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله , ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله ).

ثانيا ) الثورات في فجر الإسلام :

لكي نوضح موقف هؤلاء القوم ـ الخوارج ـ يجب أن نستعرض حركة الثورات منذ فجر الإسلام ونضع صورته الواضحة بين أيدينا لتصح المقارنة ويكون الاستنتاج أقرب إلى الحق , وأدنى إلى الدقة .
• بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وبايع الناس أبي بكر الصديق رضي الله عته , وبعد البيعة مباشرة وقعت أول ثورة في الإسلام " هي حركة المرتدين " .
• واستقرت الأمور بعد الانتهاء من الثورة الأولى طيلة خلافة أبي بكر وعمر , وتولى عثمان الخلافة , فسارت الأمور ست سنوات كاملة سيرتها في زمن الخليفتين السابقين , فقد أصبح نقد أعمال الخليفة يجري في كثير من المجتمعات ولم تتم ست سنوات أخرى حتى كانت الثورة الجامحة التي ذهبت بحياة عثمان بين سمع ويصر كثير من الصحابة وكانت هذه الثورة الثانية .
• وبايع المسلمون عليا بن أبي طالب أميرا للمؤمنين , وكان أول من بايع : طلحة بن عبيدالله والزبير بن العوام , ولكن ما كادت تتم البيعة حتى كان طلحة والزبير يحملان لواء الثورة مع جماعة من كبار الصحابة وقد استظهروا بأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها , فذهب فيمن ذهب وكانت هذه الثورة الثالثة في الإسلام .
• أما معاوية أظهر أنه يطالب بدم عثمان , وجهز علي بن أبي طالب جيشه القوي , وسار به نحو الشام حيث التقى بالجند الثائر في الموضع المعروف صفين وبدأت المعركة ولم يبق للقضاء على هذه الثورة الجامحة إلا لحظات , والتجأ الثائرون إلى الحيلة والخدعة ولجأوا إلى المكر والمكيدة , فرفعوا المصاحف وهم يصيحون يا أهل العراق بيننا وبينكم كتاب الله وكانت هذه الثورة الرابعة .
• طلب الثائرون هدنة , ودعوا الخليفة الشرعي وجيشه إلى تحكيم حكمين . وقد فطن أمير المؤمنين وبعض من جيشه إلى هذه الخدعة , وعرفوا القصد من الهدنة , ورضي بالتحكيم وقبل الهدنة وأمر بإيقاف القتال في الحال . حين فعل ذلك , تداعى أولئك الذين لم يرتضوا التحكيم , وحذروا عليا قبوله , وهم يرون أن معاوية باغ لا حق له , وأن بيعة علي قد انفسخت بموافقته على الهدنة ورضائه بالتحكيم , فلم تبق لأحد في أعناقهم بيعة , وركنوا إلى موقع يسمى حروراء فانعزلوا فيه ينتظرون تجدد الحوادث وهذا الانعزال عن جيش علي الثورة الخامسة .
• وبعد إعلان أبو موسى الأشعري مندوب علي : عزل علي من الخلافة وترك الأمر شورى بين المسلمين يختارون من يشاؤون .
وبهذه الخطوة أصبحت الأمة الإسلامية منقسمة إلى ثلاث دول :
1) دولة يرأسها معاوية وإن لم يبايعه عليها أحد إلى ذلك الحين .
2) دولة يرأسها علي بن أبي طالب بعد أن فشلت في نظره حكومة الحكمين , وعاد فاستمسك بالبيعة الأولى دون أن يعترف بعزل أبي موسى الأشعري له مندوبه في قضية التحكيم .
3) دولة يرأسها عبدالله بن وهب الراسبي , بعد أن بايعه جمع كبير من الذين انفصلوا عن علي عند قبول التحكيم ثم عند إعلان الحكم بعزل علي عن الخلافة , ومع كل فرقة من هذه الفرق جمع غير قليل من كبار الصحابة , وفيهم بعض المشهود لهم بالجنة أمثال حرقوص بن زهير السعدي .

ثالثا ) : المدلول البعيد لكلمة الخوارج :

إن عددا من الثورات وقع منذ وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى انتهاء خلافة علي بن أبي طالب رضي الله عنه فأي هذه الثورات يحق أن يطلق على القائمين بها لقب الخوارج مع ملاحظة الخروج عن الخلافة الشرعية والمروق عن الدين ؟
أقسم هذه الثورات إلى ثلاثة أقسام :
• القسم الأول : ثورة ليس لها تعليل ولا أسباب غير عدم تمكن الإسلام في قلوب القائمين بها , وعدم إيمانهم الإيمان الصحيح بتكامل الرسالة المحمدية , ويتجلى هذا في الثورة الأولى " التي ارتد فيها فريق , وامتنع فريق آخر عن أداء الزكاة " .
• القسم الثاني : ليس لها أسباب ظاهرة معقولة أما أسبابها الحقيقية الخفية , فهي النزاع على مناصب الدولة , من خلافة أو عمالة , ويتمثل في الثورة الثالثة التي قام بها طلحة والزبير رضي الله عنهم وفي الثورة الرابعة التي قام بها معاوية .
• القسم الثالث : ثورة أسندت إلى أسباب ظاهرة يتراءى للناظر أنها معقولة , وتمثل ذلك في الثورة الثانية التي قتل بها عثمان رضي الله عنه , وفي الثورة الخامسة التي اعتزل فيها جماعة من جيش علي بعد التحكيم , وعزل أبي موسى الأشعري له .


رابعا ) : المدلول السياسي لكلمة الخوارج :

لو كان لمقصود من كلمة الخوارج , هو الخروج السياسي عن خليفة تمت له البيعة الشرعية , لكان إطلاق هذه الكلمة على طلحة أو على معاوية وأتباعه , أو على الثائرين على عثمان أظهر وأوضح .
أما إذا لوحظ المعنى السياسي مع المعنى الديني فإنه لا يمكن إطلاق هذه الكلمة عليهم , كما أنه من العسير إطلاقها على المعتزلين لعلي رضي الله عنه .
والسبب في هذا العسر أن هؤلاء الثائرين سواء كانوا من القسم الثاني أو من القسم الثالث إنما ثاروا غير منكرين لأصل من أصول الإسلام , ولا مكذبين بمعلوم من الدين بالضرورة , ومع كل طائفة منهم فريق من كبار الصحابة , فيهم بعض المشهود لهم بالجنة .
الفصل الثالث : الخوارج في نظر الإباضية .

يقول العلامة أبو يعقوب يوسف بن إبراهيم الورجلاني :
وزلة الخوارج نافع بن الأزرق وذويه حين تأولوا قول الله في ( وإن أطعتموهم إنكم لمشركون ) . فأثبتوا الشرك لأهل التوحيد حين أتوا من المعاصي ما أتوا ولو أصغرها . وأما المارقة فقد زعموا أن من عصى الله تعالى ولو في صغير من الذنوب أو كبير أشرك بالله العظيم , وتأولوا قول الله عز وجل ( وإن أطعتموهم إنكم لمشركون ) .
فقضوا بالاسم على جميع من عصى الله عز وجل أنه مشرك , وعقبوا بالأحكام , فاستحلوا قتل الرجال , وأخذ الأموال والسبي للعيال , فحسبهم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( إن ناسا من أمتي يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية فتنظر في النصل فلا ترى شيئا , وتنظر في القدح فلا ترى شيئا , وتتمارى في الفوق ) .
فليس في أمة محمد صلى الله عليه وسلم أشبه شئ بهذه الرواية منهم , لأنهم عكسوا الشريعة , قلبوها ظهر البطن , وبدلوا الأسماء والأحكام , لأن المسلمين كانوا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم يعصون ولا تجري عليهم أحكام المشركين , فليت شعري فيمن نزلت الحدود في المسلمين أو في المشركين ؟ فأبطلوا الرجم والجلد والقطع . كأنهم ليسوا من أمة أحمد عليه الصلاة والسلام . انتهى

يرى الإباضية أن إطلاق كلمة الخوارج على فرقة من فرق الإسلام لا يلاحظ فيه المعنى السياسي والثوري , سواء كانت هذه الثورة لأسباب شرعية عندهم أو أسباب غير شرعية , ولذلك فهم لم يطلقوا هذه الكلمة على قتلة عثمان , ولا على طلحة وابن الزبير وأتباعهما , ولا على معاوية وجيشه , ولا عل ابن فندين والذين أنكروا معه إمامة عبد الوهاب الرستمي وإنما كل ما يلاحظونه إنما هو المعنى الديني الذي يتضمنه حديث المروق والخروج عن الإسلام يكون :
إما بإنكار الثابت القطعي من أحكامه .
أو بالعمل بما يخالف المقطوع به من نصوص أحكام الإسلام ديانة , فيكون هذا العمل في قوة الإنكار والرد .
وأقرب الفرق الإسلامية إلى هذا هم الأزارقة ومن ذهب من مذهبهم ممن يستحل دماء المسلمين وأموالهم , وسبى نسائهم وأطفالهم .

تحليل النصوص :

• إن النصوص التي كتبها علي يحي معمر حول موضوع الخوارج والإباضية , قد تميزت بالعمق الفكري والمنهجية العلمية , فلقد اعتمد فيها على التالي :
1) الاستقراء .
2) القياس التاريخي شارحا ومبينا وناقدا , مدلول كلمة الخوارج من حيث مضمونها الديني والسياسي , وتطورها التاريخي مستعينا في ذلك بالوقائع التاريخية وحقائقها , من عهد النبي صلى الله عليه وسلم إلى ظهور الثورة الخامسة التي رفضت مؤامرة التحكيم .

فتوصل إلى النتيجة الحتمية التي تفرض بداهتها على كل منصف وباحث نزيه يريد الحقيقة العلمية , أن مدلول كلمة الخوارج لا تنطبق على أنصار الثورة الخامسة سواء من الجانب الديني أو السياسي , وهذا الاستنتاج شبيه بالاستنتاج الرياضي التي تلزم فيه النتائج عن المبادئ العقلية اضطرارا بالضرورة وإلا وقعنا في تناقض .
وهذا الاستدلال المنطقي واقع على الحدس العقلي الواضح الذي لا يمكن أن يغلط فيه الإنسان كمبادئ العقل التي تفرض نفسها فرضا . وإذا رفضناها وقعنا في تناقض مع قوانين المنطق وحقائق التاريخ .

• أما العلامة أبو يعقوب يوسف بن إبراهيم الورجلاني , قد جعل حدا فاصلا بين الدلالتين المتناقضتين من حيث العقيدة :
1) الحد الأول : إن الأزارقة أثبتوا وأقروا الشرك للمسلمين العصاة واستحلوا دماءهم وأموالهم وهذا الأصل عندهم يخالف أحكام الإسلام . فخرجوا على الإسلام فهو خروج بالعقيدة والعمل .
2) الحد الثاني : فهم الإباضية لا يستحلون دماء وأموال عصاة المسلمين وأن كبائرهم كالزنا وشرب الخمر , لا تخرجهم من ملة الإسلام فهم موحدون يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله .

وكثيرا ما نقرأ ونسمع ما يبذله بعض المذاهب في إلصاق الإباضية بالخوارج وذلك لا لشيء إلا لقصد التشنيع عليهم وإظهارهم بالفساد والمروق من الدين بل إنهم عندما يذكرون الخوارج يقولون : " الإباضية حاليا " .
ولكن ما الذي يدل على أنه لا ينبغي وصف الإباضية بأنهم الخوارج ؟
الجواب :
1) إذا نظرنا إلى التعريفات التي أوردها أصحاب المقالات للخوارج مثل الشهرستاني والأشعري نجدها عامة تنطبق عل الكثيرين من أصحاب الفتنة وغيرهم .
2) إذا كانوا يصفون الإباضية بأنهم خوارج لتأييدهم المحكمة ويعتبرون خروج المحكمة مروق من الدين فكيف يكون خروج المحكمة عن علي ـ كرم الله وجهه ـ مروق من الدين وخروج معاوية وأتباعه ولعن علي على المنابر ليس مروقا من الدين ؟!!
3) إن اسم الخوارج يطلق على الفرق التي مرقت من الدين لحكمهم على المسلمين بأحكام المشركين...
4) إن الحجة التي يحتجون بها على إن الإباضية من الخوارج هي كون الإباضية يتفقون مع الخوارج في بعض النقاط القليلة .


فبعد هذا العرض والبيان الواضح يتبين لنا بكل جلاء أن الإباضية ليسوا من الخوارج .

الفصل الرابع : رأي المخالفين بالإباضية .


وفي هذا الفصل أقسم المخالفين إلى قسمين :
أولا ) : كتاب المقالات ( من علماء الفرق ) مع الإباضية :

1) الإباضية عند الأشعري :
يقول أبو الحسن علي بن إسماعيل الأشعري المتوفى سنة 330 هـ في كتابه ( مقالات الإسلاميين ) صفحة 171 من الجزء الأول ما يلي :
{ ومن الخوارج الإباضية :
فالفرقة الأولى منهم يقال لهم الحفصية كان إمامهم حفص بن أبي المقدام , زعم أن بين الشرك والإيمان معرفة الله وحده , فمن عرف الله سبحانه ثم كفر بما سواه من رسول أو جنة أو نار أو عمل بجميع الخبائث من قتل النفس , واستحلال الزنى , وسائر ما حرم الله من فروج النساء , فهو كافر بريء من الشرك } .
واستمر الأشعري يذكر أمثال هذه الشنائع لهذه الفرقة ثم قال :
{ والفرقة الثانية مهم يسمون باليزيدية , كان إمامهم يزيد بن أنيسة } ثم ذكر آراء هذه الفرقة وشنائعها , ومنها { وزعم أن الله سبحانه سيبعث رسولا في العجم , وينزل عليه كتابا من السماء يكتب في السماء وينزل عليه جملة واحدة } ويقول بعد أسطر : { وتولى ـ أبي يزيد هذا ـ من شهد لمحمد صلى الله عليه وسلم بالنبوة من أهل الكتاب , وإن لم يدخلوا في دينه , ولم يعملوا بشريعته , وزعم أنهم بذلك مؤمنون } .
ثم يقول :
{ والفرقة الثالثة من الإباضية أصحاب حارث الإباضي , قالوا في القدر بقول المعتزلة , وخالفوا فيه سائر الإباضية } .
وبعد أن يذكر لهم جملة من التشنيعات يقول :
{ والفرقة الرابعة منهم , يقولون بطاعة لا يراد الله بها , على مذهب أبي الهذيل , ومعنى ذلك أن الإنسان قد يكون مطيعا لله , إذا فعل شيئا أمره الله به , وإن لم يقصد الله بذلك الفعل , ولا أراده به } .
هكذا بدا أبو الحسن الأشعري حديثه عن الإباضية , فبمجرد ما ذكرهم بدأ في تقسيمهم إلى فرق , وجعل ينسب إلى كل فرقة جملة من الآراء والأقوال .

الرد على ما ذكره الأشعري في كتابه :

(( عند الرجوع إلى كتب الإباضية التي ألفت في عصر أبي الحسن الأشعري , والتي ألفت قبله والتي ألفت بعده , فإن القارئ لن يجد فيها شيئا عن هذه الفرق , ولا عن أسمائها ولا عن آرائها ولا عن أئمتها . وخذ ما شئت من كتب السير والتراجم عند الإباضية , التي تتقصى أخبار أئمتها وعلمائها ومشائخها , فإنك لن تجد ولا إشارة عابرة إلى أولئك الأئمة الذين ذكرهم الأشعري واعتبرهم أئمة لفرق كاملة من الإباضية .
واقرأ ما شئت في كتب العقائد عند الإباضية , فإنك لن تجد ذكرا لهذه الفرق ولا لآرائها , وكل ما نستطيع أن نعتذر به عن إيراد أبي الحسن , لهذه التفاصيل أنه وقع فريسة لبعض المشنعين , فكان يتلقى مقالات الفرق عن ناس يثق بهم , ولكنهم ليسوا في المحل الذي يراه لهم ويضعهم فيه من الثقة والصدق . سواء كان نقله عنهم عن طريق الرواية والسماع , أو عن طريق القراءة والإطلاع في كتب مدونة . فهو يشير إلى أي ذلك على كل حال .
ويكفي فيما أعتقد لنفي أن يكون ما قاله الأشعري عن الإباضية صحيحا جهلهم به , وعدم ذكرهم لأي شئ منه في مراجعهم العامة والخاصة المكتوبة والمتحدثة .
وفي عصر أبي الحسن الأشعري كان الإباضية وعلماؤهم منتشرين في جميع ما يسمى اليوم بالبلاد العربية : كالحجاز والعراق والشام وجنوب الجزيرة ومصر . بل إنهم كادوا يكونون أغلب السكان في المغربين الإسلاميين الأدنى والأوسط , ويوجد لهم عدد من كبار العلماء ـ حينئذ ـ في كل الحواضر الإسلامية كمكة والمدينة والبصرة وعمان وحضرموت واليمن ومصر وبلدان الشمال الأفريقي .
ومع هذا فإن أبا حسن لم يذكر أحدا من أئمة الإباضية كجابر بن زيد وجعفر بن السماك العبدي , وأبي سفيان قنبر , وصحار العبدي وأمثالهم من أئمتهم في النصف الثاني من القرن الأول ولا ذكر شيئا من أقوالهم .
ولم يذكر أحدا من أئمتهم في النصف الأول من القرن الثاني أمثال أبي عبيدة مسلم بن أبي كريمة , وضمام بن السائب , وأبي نوح صالح الدهان , وغيرهم كثر من علماء النصف الثاني من القرن الثاني , وعلماء النصف الأول من القرن الثالث , وعلماء النصف الثاني من القرن الثالث وإلى عصره من علماء المذهب الإباضي .
فهو إما أنه لا يعرفهم ولا يعرف شيئا من مقالاتهم , وإما أنه يعرفهم أو يعرف بعضهم على الأقل ويعرف مقالاتهم , ولكنه لا يجد فيها شيئا يستدعي النقد والتعليق أو حتى مجرد العرض . فلم يتحدث عنهم وعن مقالاتهم لا بخير ولا بشر .
فترك الإباضية الحقيقيين برجالهم ومقالاتهم , وألقيت بين يديه مقالات وأسماء لفرق مجهولة عند الإباضية كل الجهل , وأقوالها تناقض ما عند الإباضية كل المناقضة , فزعمت المصادر التي استقى منها أن هذه الفرق والمقالات للإباضية باعتبارهم إباضية أو منهم , والإباضية منهم براء بعداء ليسوا أقرب إليها من أبي الحسن نفسه .
فكيف وقع أبو الحسن في هذا الخطأ الشنيع , مع أنه من أوائل من انتبه إلى أسباب الزيف عند كتاب المقالات ومن أوائل من شرح الطرق التي يصل منها الخطأ إلى من يكتبون عن الفرق ومقالاتها ومذاهبها , ومن أوائل من حذر من الوقوع فيها ؟!! .

3) الإباضية عند البغدادي :
يقول عبد القهار بن طاهر البغدادي المتوفى سنة 429 هـ في كتابه الفَرق بين الفِرق صفحة 103 ما يلي :
{ أجمعت الإباضية على القول بإمامة عبدالله بن إباض , وافترقت فيما بينها فرقا , يجمعها القول بأن كفار هذه الأمة ـ يعنون مخالفيهم من هذه الأمة ـ براء من الشرك والإيمان . وأنهم ليسوا مؤمنين ولا مشركين ولكنهم كفار , وأجازوا شهادتهم , , وحرموا دماءهم في السر واستحلوها في العلانية , وصححوا مناكحتهم والتوارث منهم , وزعموا أنهم في ذلك محاربون لله ولرسوله لا يدينون دين الحق , وقالوا باستحلال بعض أموالهم دون بعض والذي استحلوه الخيل والسلاح , فأما الذهب والفضة فإنهم يردونها على أصحابها عند الغنيمة .
ثم افترقت الإباضية فيما بينها أربع فرق وهي : الحفصية والحارثية واليزيدية , وأصحاب طاعة لا يراد الله بها } .
وغير ذلك كثير وذهب يورد الفضائح أو الشنائع حينا بدعوى أنها مقالة الإباضية جميعا وحينا آخر بدعوى أنها قول بعضهم أو قوم منهم .


الرد على ما ذكره البغدادي في كتابه :

إن البغدادي كان يعيش في القرنين الرابع والخامس , وفي هذا العصر كان الإباضية قد عرفوا في أغلب البلاد الإسلامية من خراسان إلى الأندلس واشتهرت لهم مؤلفات في أغلب فروع الثقافة الإسلامية ـ لا سيما علم الكلام ـ ودونت تواريخهم وسيرهم وعرف علماؤهم وأئمتهم في طبقات يأخذ بعضها عن بعض , إلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم , كما أن أكثر المذاهب الإسلامية قد تميز بعضها عن بعض في أصولها وفروعها , وآرائها ومقالاتها وأئمتها وعلمائها ,
ومع ذلك فإن أولئك الذين ذكرهم البغدادي هم أولئك الذين ذكرهم الأشعري من قبله حاشرين إياهم في الإباضية والإباضية لا يعرفون عنهم شيئا ولم يذكروهم لا في كتبهم ولا في طبقات علمائهم .

والذين جاؤوا من بعدهم قاموا يستقوا من ماء الأشعري والبغدادي القدماء منهم أو المعاصرين فكلهم أخذوا بقول الأشعري .

ثانيا ) الباحثين مع الإباضية :
1) الأصول التاريخية للفرقة الإباضية بقلم الدكتور عوض محمد خليفات , الجامعة الأردنية , عمَّان ـ الأردن :
بعد أن ذكر الدكتور في بداية حديثه تاريخ الإباضية , ومؤسسي المذهب وأماكن انتشاره ومبادئ المذهب الإباضي ذكر ما يلي :
{ وهكذا فإن جهود مشايخ الأباضية وحملة العلم وتنظيماتهم السرية الدقيقة خلال القرنين الأول والثاني الهجريين , قد أثمرت تأسيس دول إباضية مستقلة في الجزر العربية وبلاد المغرب , كان لها دورا هام ومجيد في التاريخ الإسلامي .
وفي ظل هذه الدول قام الأباضيون بجهود مشكورة في نشر الإسلام في أماكن كثيرة , وكان لهم فضل كبير في هذا الشأن في كل من أفريقية الشرقية وأفريقية السوداء جنوب الصحراء , وبعض مناطق الشرق الأقصى .
كما قام الإباضيون بجهود كبيرة في سبيل إثراء المكتبة الإسلامية بالمؤلفات الكثيرة المتنوعة التي تتناول مختلف جوانب الفكر الإسلامي . ويمكن للباحث المطلع على هذه المؤلفات أن يسجل الملاحظات التالية حول بعض الأمور التي لا تزال محل نقاش وجدل بين الباحثين والمفكرين :
1ـ أن الإباضية ليسوا خوارج كما تزعم بعض كتب المقالات والملل والنحل وكما يدعي بعض الكتاب المحدثين الذين قلدوا هذه المؤلفات دون تدقيق وتمحيص . الواقع أن الإباضية لا يجمعهم بالخوارج سوى إنكار التحكيم .
2ـ أن الإباضية حرموا قتل الموحدين واستحلال دمائهم وحرموا استعراض الناس وامتحانهم كما فعل متطرفو الخوارج مثل الأزارقة والنجدية .
3ـ أن الإباضيين ينظرون إلى الدين نظرة واحدة متكاملة لا فصل فيها بين المظاهر الروحية والمادية ولا طغيان لأحدهما على الأخرى . وتبعا لذلك فقد أنكروا التصوف ورفضوه .

4ـ إن المدقق في المصادر الفقهية الإباضية يجد أصحاب المذهب الإباضي من أكثر المسلمين إتباعا للسنة الشريفة والإقتداء بها . أما ما تلصقه بهم بعض المصادر من تهم فإنما هو ناتج أمرين : الجهل والتعصب .
5ـ إنهم وحدهم الذين طبقوا مبدأ الشورى في الحكم بعد الخليفتين أبي بكر وعمر . }

وختم الدكتور كتابه بنصيحة سأذكرها في آخر بحثي .

2) براءة الاباضية , بقلم الأستاذ فهمي هويدي , كاتب مصري , صحفي , شهير باهتماماته الإسلامية :
ذكر الأستاذ فهمي الكثير من الحقائق التي وقعت على الإباضية من تهم , ثم ذكر مؤتمر الفقه الإسلامي الذي انعقد في سلطنة عمان , ومما قال :
{ هذه عناوين هامة , أرشحها لصدارة أحداث العالم الإسلامي في سنة 1988مـ :
• دعا مؤتمر الفقه في عُمان إلى فض الاشتباك بين مختلف المذاهب الإسلامية .
• طالب ممثلوا فقهاء الأمة بتجميد صراعات القرن الأول وإغلاق ملفات الفتن والأحزان التي شهدتها تلك المرحلة .
• أوصوا بمداومة اللقاء بين فقهاء المذاهب الإسلامية بعيدا عن المنافسات المذهبية العصبية .
• حثوا أهل العلم عن دراسة المسائل المختلف عليها في فقه المذاهب الثمانية وتحقيق أدلتها والترجيح بينها , دون التزام بمذهب معين . }

3) فلسفة الخوارج , بقلم الشهيد سيد قطب , الشهاب ( المصرية ) , غرة جمادي الأولى 1367 ـ مارس 1948 :
بعد أن ذكر سيد قطب نبذة عن الخوارج , ذكر فرق الخوارج ومن ضمنها الإباضية ثم قال:
{ وقد انقرضت هذه الفرق جميعا إلا الإباضية فبقيتهم " بشمال أفريقية بالجزائر وتونس وفي شرقها بجزيرة مسقط وما إليها " ومن علمائهم الأجلاء صديقنا الشيخ إبراهيم إطفيش ولهم كتب متداولة وهم ينكرون على غيرهم أن يطلق عليهم اسم الخوارج , ويقولون نحن فئة من المسلمين لنا أرؤنا وما ذهبنا إليه مع إيماننا بالله ورسوله وكتابه فما بالكم تفردوننا بهذا الوصف وتخصونا به وهو اعتراض له وجاهته , ولئن كان لهذه التسمية ما يبروها في الماضي فما أحوجنا أن نتناساها اليوم والمسلم أخو المسلم } .

4) مسند الإمام الربيع بن حبيب , بقلم الشيخ عز الدين التنوخي , من علماء الحديث البارزين , عضو في المجلس العلمي السوري :
{ وما آثرت تخريج أحاديث المسند والشرح , ولا سيما ما رواه الشيخان إلا لتطمئن قلوب إخواني أبناء السنة بأن مسند الربيع الذي بني عليه المذهب الإباضي هو صحيح الأحاديث , وأكثرها مما جاء في الصحيحين , وجابر بن زيد ممن روى عنهم البخاري وغيره لكيلا يقع فيما وقع فيه خصوم الإباضية أو من لم يعرف حقيقة مذهبهم... } .
حتى قال : { هذا , وما كان أهل عمان أقرب فرق الخوارج إلى أهل السنة إلا لأن مذهبهم كما أطلعت عليه مبني على السنة وتقديم العمل على الحديث لا على الفقه والمذهب , عملا بما جرى عليه إمامهم جابر بن زيد الذي عمل بنصيحة شيخه عبدالله بن عمر الذي روى عنه .
فقد جاء في (( الحجة البالغة )) أن ابن عمر رضي الله عنه قال لجابر بن زيد : (( إنك من فقهاء البصرة فلا تفت إلا بقرآن ناطق أو سنة ماضية , فانك إن فعلت غير ذلك هلكت وأهلكت )) . ولذلك نعتقد ونقول : إن المعقول ومن القلب المقبول أن لا نهتدي إلا بقوله تعالى : (( فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول )) } .

5) الإباضية مذهب وسلوك , بقلم الشيخ السيد عبد الحافظ عبد ربه , من علماء الأزهر المرموقين :
{ والإباضية دائما تهيئ المسلم بأن يكون مع الله في معاملاته وعباداته , في الجامع وفي الشارع , في الحق والمصنع , في المتجر والمعمل , في المعهد والمدرسة والجامعة ـ وحده أو مع الناس ـ في كل حركاته وسكناته... تدعوا إلى مجتمع نظيف شريف , نزيه عفيف يكره الفوضى والديماجوجية , تسوده المحبة ويظله التراحم , يمقت الغش , ويثور على الرشوة , ويجرم المحتكر , ويحاكم المتجر المتحكم في أقوات الناس وفي ضرورياتهم . الإباضية هي كل هذا وأكثر من هذا .. } .
ثم ذكر أسباب عداوة الإباضية قائلا :
{ عادوها لأنها تجهر بكلمة الحق وتنطق بالصواب ولا تحب الجهر يالسوء من القول ..
عادوها لأنها تريد أن تطبق شرع الله وتحقق المفاهيم الإسلامية الصحيحة ..
عادوها لأنها تعالج كل الأمور بموضوعية صادقة بعيدا عن التهرج والهوى ..
عادوها لأنها تعمل جاهدة على تأكيد العدل والتبشير به بقدر ما تحارب الظلم والظالمين... }
وفي آخر كتابه قال :
{ ولقد كانت الإمامة في المذهب ـ على مستوى العالم الإباضي كله من مشرقه إلى مغربه ومن شماله إلى جنوبه ـ تقوم مقام الخلافة في صدر الإسلام والعصور التالية في الإجراءات والمضمون وفي جمع كلمة المسلمين وتوحيد صفوفهم , وتقوية جهاتهم الداخلية والخارجية , يصدرون عنها , ويقيسون عليها , ويعيشون في رحابها , ويمارسون من خلالها شئون الدنيا والدين...
وكان الإمام على الحقيقة هو الخليفة الراشد...
وما زالت هذه الخلافة أو الإمامة تنتقل من عصر إلى عصر بدءا بجابر بن زيد حتى ألقت بمقاليدها اليوم طائعة مختارة ـ عن طريق العلماء الأفاضل والزعماء المصلحين والأمراء النابهين من أهل الحل والربط ـ إلى الإمام الجليل والعالم الفذ , والعبقري النابغة ورجل المواقف والمكرمات غالب بن علي بن هلال الهنائي , الذي حورب واضطهد , وضيق عليه , وامتحن إلا أنه صبر وصابر , ورابط وثابر في سبيل عقيدته , ومن أجل دعوته وإمامته , شد الله أزره وقوى ظهره...


الفصل الخامس : الفرق بين الإباضية والخوارج في العقائد .


الخوارج :
(1) اعتبروا أنفسهم المسلمين المؤمنين المستخلفين في الأرض واعتبروا أعدائهم مشركين .
(2) أباحوا دماء المسلمين في السر والعلانية .

الإباضية :
قال أبو حمزة الشاري : " الناس منا ونحن منهم إلا ثلاثة : مشركا بالله عابد وثن , أو كافرا من أهل الكتاب , أو متسلطا في الأرض يحكم في عباد الله بغير ما أنزل الله "
وقال الإمام نور الدين السالمي :
ونحن لا نطالب العبادا فوق شهادتيهم اعتقادا
فمن أتى بالجملتين قلنا إخواننا وبالحقوق قمنا

الخوارج :
(3) يقولون : ما كف أحد عن القتال منذ أنزل الله البسط إلا هو كافر , يعني يكفرون القاعد عن القتال .

الإباضية :
يعتمدون على الدعوة والإقناع ولا يلجئون إلى العنف , وأدل شيء على ذلك طريقة الكتمان والدعوة السرية مثل ما فعل أبو عبيدة مسلم بن أبي كريمة التميمي وجابر بن زيد الأزدي رغم إنكارهم الشديد على حكام الدولة الأموية لسلوكها المنحرف عن الكتاب والسنة .
وطريقة الكتمان باللحوء إلى الدعوة السرية ليست مخصصة بوقت بل هي طريقه يتبعها الإباضية عندما يظهر أعداء الإسلام ولم يكن لهم القدرة لمقاومتهم حتى يستطيعون ذلك وذلك عندما يكونوا نصف عدوهم .

الخوارج :
(4) إن صاحب الكبيرة مشرك , ويقول بعضهم إن الإصرار على الصغيرة شرك وعدم الإصرار ولو على كبيرة ليس شرك .

الإباضية :
لا يقولون بذلك , لكنهم يسمون العاصي كافر نعمة بمعنى انه استخدم شيئا من نعم الله في معصية الله وهذا يسمى كفر دون كفر وله أدلة كثيرة .


الخوارج :
(5) أوجدوا مبدأ امتحان لكل من يلتحق بهم ليتأكدوا من مطابقة آرئه لآرائهم وعقائدهم .

الإباضية :
لا يوجد لديهم مثل هذا المبدأ ويعتبرون جميع المسلمين متساوين في الحقوق فلا يمتحنوا أحدا لهذا الغرض ولا يتجسسوا عليه لأن التجسس عندهم حرام حتى على الكافر إلا في حالات شرعها الإسلام .

الخوارج :
(6) يعتقدون أنه يجوز أن يبعث الله نبيا يعلم أنه يكفر بعد نبوته وأنه كان كافرا قبل بعثته.

الإباضية :
يقولون بعصمة الأنبياء , يقول الإمام نور الدين السالمي رحمه الله :
وواجب عليك أن تعرف ما يجوز للرسل وما قد لزما
وما استحال عنهم فاللازم في حقهم نعتا هي المكارم
كالصدق والتبليغ والأمانة والعقل والضبط وكالفطانة
والمستحيل ضدها كالكذب وكالجنون وارتكاب الريب

الخوارج :
(7) يستحلون دماء أهل العهد والذمة وأموالهم ويستحلون دماء من يعيشون في كنفهم من المسلمين .

الإباضية :
يقول الإمام السالمي رحمه الله :
ويرفع الحرب لجزية أتت منهم وفي المجوس حكمهم ثبت

الخوارج :
(8) تولوا أصحاب الحدود والجنايات منهم .

الإباضية :
يقول الإمام السالمي رحمه الله :
ولاية المؤمن فرض حققا وهكذا براءة الذ فسقا

الخوارج :
(9) قالوا : لعل الله يعذب المؤمنين بذنوبهم بغير النار ثم يدخلهم الجنة .

الإباضية :
:يقول الشيخ أبي طاهر الجيطالي في كتابه القواعد : مما يجب اعتقاده على كل مكلف أن يعلم إن لله ثوابا لا يشبهه ثواب وثوابه الجنة وهي ثواب الله لأوليائه في الآخرة .
الخوارج :
(10) أجمعت النجدات من الخوارج أن لا حاجة للناس إلى إمام وإنما عليهم أن يتناصفوا فيما بينهم .

الإباضية :
يقول الإمام نور الدين السالمي في غاية المراد :
إن الإمامة فرض حينما وجبت شروطهما لا تكن عن شرطهما غفلا

الخوارج :
(11) يقول بعضهم : الفعل من العبد خلق وإبداع لأن الله تعالى فوضها للعباد .

الإباضية :
يقولون :
ومن يقل إلهنا لم يخلق أفعالنا بعدا له من أحمق
لقوله لكل شيء خالق سبحانه الرب المليك الرازق
لو كان خالق سواه لزما تعدد الإله قطعا حتما
ولو تعدد الإله لظهر فساد هذا العالم الذي بهر
لكن لنا في فعلنا اكتساب به الثواب وبه العقاب
من ثم قد نيل به على الرتب إلا النبوات فليس تكتسب

الخوارج :
(12) يقول بعض الخوارج : القدر خيره وشره من العبد .

الإباضية :
يقول الإمام نور الدين السالمي رحمه الله : " وما يجب الإيمان به قضاء الله وقدره لأنهما أصلان من أصول الدين وركنان من الإيمان " .

الخوارج :
(13) من أقام في دار كفر فهو كافر لا يسعه إلا الخروج .

الإباضية :
يقول الإمام نور الدين السالمي رحمه الله :
وبعد ما فحت أم القرى نسخت ما كان من هجرة مفروضها اتصلا

فلا تجب الهجرة حتى من دار الكفر إلا إذا منع عليه إقامة الدين وتعذر عليه ذلك .


الخوارج :
(14) يقول بعض الخوارج : تجب البراءة من الطفل حتى يدعي إلى الإسلام ويجب دعاؤه إذا بلغ .

الإباضية :
قال القطب : " تجب ولاية غير البالغ لأنه تعالى يمن بالرحمة ولا يظلم بالعذاب , ولأن كل مولود يولد على الفطرة " .

الخوارج :
(15) أباحوا أموال المسلمين واعتبروها حلالا في السر والعلانية .

الإباضية :
فقد أطبقت كتبهم على أنه لا يحل شيء من أموال المسلمين وإن كانوا بغاة ولو في حالة قتال .
وهذا ما يقوله الإمام نور الدين السالمي رحمه الله :
ومال أهل البغي لا يحل وإن يكن قوم له استحلوا

ثم ذكر الذين استحلوا أموال المسلمين بقوله :
خوارج ضلت فصارت مارقة من دينها صفرية أزارقة
فحكموا بحكم المشركينا جهلا على بغاة المسلمينا

الخوارج :
(16) منهم من قال إن التقية جائزة ولو في قتل النفس .

الإباضية :
لم تجز تقية بالفعل كالحرق والغرق ومثل القتل
لكن جواز ما أبيح للضرر كالأكل للميتة والدم اشتهر

الخوارج :
(17) ينكر بعض الخوارج سورة يوسف من القرآن ويقولون أنها قصة من القصص.

الإباضية :
يعرفون القرآن " أنه كلام الله ووحيه وتنزيله نزل به الروح الأمين على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم المبدوء بسورة الفاتحة والمنتهي بسورة الناس " .


الخوارج :
(18) قالت الشيبانية من الثعالبة أن الله لم يعلم حتى خلق لنفسه علما , والأشياء تصير معلومة له عند حدوثها ووجودها .

الإباضية :
يقول الإمام نور الدين السالمي رحمه الله :
فهو عليم لا بعلم جلبا وهو سميع لا بسمع ركبا

الخوارج :
(19) بعض الخوارج أسقط الحدود التي لم ترد في القرآن مثل رجم الزاني وحد قذف المحصنين من الرجال مع وجوبه على المحصنات من النساء .

الإباضية :
يقول الإمام نور الدين السالمي عن الرجم : وهو سنة مجمع عليها وحكي عن الخوارج والنظام وأصحابه من المعتزلة إنكاره , ولا مستند لهم إلا أنه لم يذكر في القرآن وهذا باطل فقد ثبت بالسنة المتواترة .

الخوارج :
(20) يقول بعض الخوارج إن الله علي عزيز عظيم جليل كبير لا لعزة وعظمة وجلال وكبرياء وكذلك سائر الصفا ت التي ليست له ولم يوصف بها لمعان .

الإباضية :
يقول الإمام نور الدين السالمي رحمه الله :
نعبده جل امتثال أمره سبحانه ونهيه وزجره
فإن يشأ يرحمنا بفضله وإن يشأ عذبنا بعدله
فالملك والعزة والسلطان له كذا القدرة والبرهان

الخوارج :
(21) أباحوا قتل الأطفال ممن لم يكونوا في معسكرهم واعتبروهم خالدين في النار .

الإباضية :
يقول الإمام الشاري إبراهيم بن قيس الحضرمي مخاطبا جيشه :
ولا تقتلوا طفلا وشيخا وغادة ومن كان مجروحا من البتر جاثما


الخوارج :
(22) قال البدعية نقطع أن من اعتقد اعتقادنا فهو في الجنة ولا نقول إن شاء الله فإن ذلك شك في الاعتقاد فنحن من أهل الجنة قطعا من غير شك .

الإباضية :
يقول الإمام نور الدين السالمي رحمه الله :
فإن يشأ يرحمنا بفضله وإن يشأ عذبنا بعدله

الخوارج :
(23) الإيمان العلم بالقلب دون القول والعمل .

الإباضية :
يقول الإمام نور الدين السالمي رحمه الله :
إيماننا القول والتصديق مع عمل فالقول مر فصدقه وكن عملا .

الآن عرف القارئ الكريم الفرق بين الإباضية والخوارج في العقائد وما اتفقنا مع الخوارج إلا في قضية التحكيم أما عدا ذلك فنحن معشر الإباضية لا نتبع الهوى وإنما نتبع القرآن والسنة والحمد لله نحن ماضون على سيرتهم .


الفصل السادس : ملخص البحث .

قال سماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي في الحق الدامغ :
{ ولست أبالغ إن قلت إن الإباضية ـ أهل الحق والاستقامة ـ تمتاز عقيدتهم وتتسم طريقتهم في فهم أصول الدين بثلاثة أمور :
1ـ سلامة المنزع , فإنهم جمعوا في الاستدلال على صحة معتقداتهم بين الصحيح النقل وصريح العقل , فلم يضربوا بالنصوص الصحيحة عرض الحائط بمجرد تعارضها مع مقتضيات العقل بادي الرأي كما هو شأن أصحاب المدرسة العقلية الذين جعلوا العقل أسمى وأقدس , وأصح وأثبت مما جاء به النبيون عن الله عز وجل , فعولوا عليه في التحسين والتقبيح , والتعليل والحكم , كما أنهم لم يطفئوا شعلة العقل مستأسرين لظواهر الألفاظ الذين لا يأخذون من النص إلا قشوره , لا يتجاوزون شكله إلى جوهره ,,, .

2ـ عدم التعصب لأئمتهم تعصبا يجعلهم يتصاممون عن النقول الصحيحة , ويتعامون عن العقول الصريحة , كما نجد ذلك عن كثير من المتفقهة والمتكلمين , ومن أبشع ما وجدناه في ذلك قول العلامة الصاوي في حاشيته على تفسير الجلالين : ( ولا يجوز تقليد ما عدا المذاهب الأربعة ولو وافق قول الصحابة والحديث الصحيح والآية , فالخارج عن المذاهب الأربعة ضال مضل , وربما أداه ذلك للكفر , لأن الأخذ بظواهر الكتاب والسنة من أصول الكفر ) .
فقد باين الإباضية هذا المسلك الضيق فقها وعقيدة إلى فسيح النظرة الشمولية للأمة , ولم يسوغ لأنفسهم أن يرفعوا كلام أحد من ائمتهم إلى درجة كلام الله وكلام رسوله عليه أفضل الصلاة والسلام وإن بلغ في العلم والورع ما بلغ ,,, .

3ـ المرونة والتسامح في معاملة سائر فرق الأمة وإن بلغ الخلاف بينهم وبينهم ما بلغ , إذ لم يتجرأوا قط على إخراج أحد من الملة وقطع صلته بهذه الأمة ما دام يدين بالشهادتين ولا ينكر شيئا مما علم من الدين بالضرورة بغير تأويل ,,, . }

(( والمتأمل في منهج الإباضية الفقهي يجد أنهم يجمعون في فقههم بين أهل الحديث والرأي , بل هم إلى أهل الحديث أقرب , فالاستنباط عندهم يؤخذ من الكتاب والسنة والإجماع , فإذا عرض حادثة لم يرد في شأنها نص في هذه الأدلة الثلاثة أجروها على القياس , فإن لم تتوفر العلة أجروها على الاستدلال : وهو الاستحسان والاستصحاب , والإلهام )) .

إذن هذا المذهب ليس مستحدثا وإنما نشأ متأصلا على القواعد الصحيحة مدعما بالأصول الواضحة الثابتة , فبالنظر والتتبع لا يوجد في عقيدته ولا في فقهه ما يخالف الكتاب والسنة ولا عموم الأصول التي اتفق عليها المسلمون جميعا .

الفصل السابع : مصادر الإباضية .

أولا : مصادر الإباضية :
وفي ختام هذا البحث , يمكن أن أشير إلى بعض المصادر الإباضية ذاتها التي عالجت الفكر الإباضي , وبينت عقائده , ووضحت حقيقة آراءه , الدينية , والاجتماعية , والسياسية فمن يريد المزيد , والتثبيت والمقارنة بين المدرسة الإباضية , والمدارس الفكرية الأخرى , ليستخرج الأصول المتفقة والأصول المختلفة , ليتأكد عما قلناه في عن الإباضية :

المصدر صاحبه

1) الموجز , أبو عمار عبدالكافي الإباضي
2) كتاب السير , أبو العباس الشماخي
3) طبقات المشائخ , أبو العباس الدرجيني
4) قواعد الإسلام , أبو طاهر الجيطالي
5) الدليل والبرهان , أبو يعقوب الورجلاني
6) عقيدة التوحيد , عمرو بن جميع
7) شرح صحيح الربيع بن حبيب , نور الدين السالمي
8) طلعة الشمس , نور الدين السالمي
9) مشارق أنوار العقول , نور الدين السالمي
10) تيسير التفسير , قطب الأئمة محمد أطفيش
11) شرح النيل , قطب الأئمة محمد أطفيش
12) شامل الأصل والفرع , قطب الأئمة محمد أطفيش
13) الذهب الخالص , قطب الأئمة محمد أطفيش
14) الإباضية في موكب التاريخ , علي يحي معمر
15) الإباضية بين الفرق , علي يحي معمر


وهدفنا الوحيد منة ذلك هو أننا نريد أن نبدد المفاهيم الخاطئة , ونوضح حقيقة آراء الإباضية كما جاءت في مصادرهم لا زيادة فيها ولا نقصان , وإن الأمانة العلمية تفرض علينا أن نبين الأخطاء التي وقع فيها بعض الكتاب المسلمين والمستشرقين بعيدين عن التحيز والذاتية , ونتقيد بالروح العلمية التي تحاول تمحيص الوقائع وتقتضي نزاهة هي ألزم لوازم روح البحث العلمي كما هو معلوم عند الدارسين جميعا .

الخاتمة :

قيل عن الإباضية :

* " وكل من يتهم الإباضية بالزيغ والضلال , فهو ممن فرقوا دينهم , وكانوا شيعا , ومن الظالمين الجهال , جمع الله ما فرقوا ورتق ما فتقوا , ومزق شمل أعوان المستعمرين , والله محيط بالكافرين " .
خلاصة الرسائل في ترتيب المسائل طبعة 1356هـ
عضو المجمع العلمي العربي
عز الدين التنوخي

* " وإذا كان الأباضيون أصحاب أمجاد في الماضي , فلا زالوا كذاك في عصرنا الحاضر " .
إسلام بلا مذاهب
مصطفى الشكعة

* " ومن كل هذا يتبين . اعتدالهم وإنصافهم لمخالفيهم " .
كتاب المذاهب المذاهب الإسلامية
محمد أحمد أبو زهرة

* " قول ابن أباض أقرب الأقاويل إلى السنة " .
الكامل
المبرد

* " ورجال الإباضية يضرب بهم المثل في التقوى والصلاح والزهد "
تاريخ فلسفة الإسلام في القارة الأفريقية
يحي هويدي

هذا ما وفقني به ربي لأكتبه وكلما كتبت في موضوع رأيت موضوع متعلق به وذو أهمية مثله وما كتبت سوى مقدمة سريعة وبسيطة عن مذهب أتهم في سيرته وأتهم في أصوله وفي تسميته وقد تركت الكثير من المواضيع والكثير من الردود والكثير من القضايا لم أطرحها لأنها بعيدة عن موضوع بحثي هذا .

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الخلق أجمعين محمد بن عبدالله الرسول الأمين وعلى آله وصحبه إلى يوم الدين .


المراجع :

1) الإباضية بين الفرق الإسلامية عند كتاب المقالات في القديم والحديث , علي يحي معمر , دار الحكمة , لندن ـ بريطانيا , الطبعة الرابعة , 1422هـ ـ 2001مـ .
2) الإباضية في ميدان الحق , ناصر بن مطر بن سعيد المسقري , مكتبة وتسجيلات الهلال الإسلامية , الرستاق ـ سلطنة عمان ,الطبعة الأولى , 1420هـ ـ 1999مـ .
3) دراسات إسلامية في الأصول الإباضية , بكير بن سعيد أعوشت , الطبعة الثالثة .
4) مكانة الإباضية في الحضارة الإسلامية , محمد صالح ناصر , الحلقة الأولى , الطبعة الأولى , 1413هـ ـ 1992.
5) مكانة الإباضية في الحضارة الإسلامية , محمد صالح ناصر , الحلقة الثانية , الطبعة الأولى , 1413هـ ـ 1992

الإصرار ومفهوم الإحباط

الإصرار على العمل الفاسد يكون سببا لإحباط العمل الصالح

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله حق حمده سبحانه له الحمد كله وله الأمر كله أحمده بما هو أهل له من الحمد وأثني عليه وأستغفره من جميع الذنوب وأتوب إليه وأومن به وأتوكل عليه من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له و أشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أرسله بالحق بشيرا ونذيرا وداعيا إليه بإذنه وسراجا منيرا فبلغ رسالة ربه وأدى أمانته ونصح هذه الأمة وتركها على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين وعلى تابعيهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد :

فلا ريب أننا نؤمن جميعا أن رحمة الله تعالى واسعة وأنه عز وجل سبقت رحمته غضبه ولكن لمن هذه الرحمة فقد قال سبحانه "ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون" أخبر الله سبحانه وتعالى أن هذه الرحمة إنما هي للمتقين ومن هؤلاء المتقون ؟

المتقون وصفهم القران وصفا دقيقا عجيبا عندما ذكر الله سبحانه وتعالى البر وأركانه الاعتقادية والعملية والخلقية ثم أتبع بعد ذلك قوله أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون فهذا يعني البر إذ أن الله يقول قبل هذه الخاتمة "البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتمى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصبرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون" وقبل هذه الآية في نفس هذه السورة التي جاءت فيها وهي سورة البقرة يصف الله تعالى المتقين بقوله "الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقنهم ينفقون والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون".

كذلك نجد أن الله سبحانه وتعالى يصف المتقين في سورة آل عمران عندما قال "قل أؤنبئكم بخير من ذلك للذين اتقوا عند ربهم جنت تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وأزواج مطهرة ورضوان من الله والله بصير بالعباد الذين يقولون ربنا إننا ءامنا فاغفر لنا ذنوبنا وقنا عذاب النار" فمعنى ذلك أنهم توابون يقولون ربنا اغفر لنا ذنوبنا يعترفون بذنوبهم ويتوبون إلى الله سبحانه وتعالى منها ثم يصفهم بقوله "الصابرين" هذا الوصف يدل على أنهم صابرون على ما يجب أن يصبر عليه وصابرون عما يجب أن يصبر عنه فهم يصيرون على طاعة الله ويصبرون عن معصيته "الصادقين والمنفقين والمستغفرين بالأسحار" فقوله القانتين يدل على عبادتهم والمستغفرين بالأسحار يدل على كثرة مراقبتهم لنفوسهم ومحاسبتها حتى أنهم يقومون في وقت السحر مستغفرين لله سبحانه وتعالى مما ألموا به من الخطايا وكذلك عندما وعد الله سبحانه عباده جنة عرضها السموات والأرض خصها بالمتقين ثم وصف هؤلاء المتقين "الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين * والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون * أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ونعم أجر العاملين" .

ومما وصفهم الله سبحانه وتعالى به أنهم لم يصروا على ما فعلوا فهم لا يصرون على أعمالهم مع إدراكهم بأنهم واقعون في مخالفة الله ويدل على هذا الوصف نفسه للمتقين ما جاء في سورة الأعراف من وصفهم عندما قال الله تعالى "إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون" فهؤلاء عندما يلم بهم شيء من وسوسة الشيطان التي قد تدعوهم إلى مقارفة شيء من مكروهات الله سرعان ما ينتبهون ويدكرون ويرجعون عن ضلالهم إلى هداهم ومن غيهم إلى رشدهم ومن انحرافهم إلى استقامتهم فهم سرعان ما يعودون إلى الطريق القويم الذي يسيرون عليه والذي يؤدي بهم بمشيئة الله إلى رضوان رب العالمين

ونحن نجد أن البشائر في القران الكريم إنما هي للذين اتقوا وليست للفجار "أم نجعل الذي أمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار" لا يكون المتقون والفجرة سواء إذ ليس ذلك من عدل الله سبحانه وتعالى كذلك نجد في سنة الرسول (صلى الله عليه وسلم) ما يدل على وصف هؤلاء المتقين فقد جاء في الحديث الذي أخرجه الإمام أحمد وعبد بن حميد والبخاري في تاريخه والترمذي والحاكم وصححه والبيهقي في شعب الإيمان عن عطية السعدي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لا يبلغ أحد أن يكون من المتقين حتى يدع ما لا بأس به مما به بأس". أي أن من شأن المتقي أن يكون شديد الاحتياط حتى يترك الأشياء التي لا بأس بها حذر الوقوع فيما فيه بأس ومن المعلوم أن الله تبارك وتعالى قال "إنما يتقبل الله من المتقين" .

وهذا يعني أن قبول العمل يكون من المتقين لا يكون من الفجار فالفجار تحبط أعمالهم ذلك لأنه جاءت النصوص القرآنية صريحة في كون العمل الفاسد عندما يصر عليه الإنسان يكون سببا لإحباط العمل الصالح فالله سبحانه وتعالى بين أن المن والأذى يبطلان الصدقات يقول الله تعالى "يايها الذين أمنوا (هذا خطاب للمؤمنين) لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى كالذي ينفق ماله رئاء الناس ولا يؤمن بالله واليوم الآخر فمثله كمثل صفوان عليه تراب فأصابه وابل فتركه صلدا لا يقدرون على شيء مما كسبوا" ومعنى ذلك أن جميع الأعمال التي كسبوها من الخير لا يبقى في أيديهم شيء منها هذه الأعمال تتساقط بسبب المن والأذى وليس المن والأذى أكبر الكبائر كما جاء في القران الكريم الدليل الواضح الذي يدل على أن رفع الصوت على رسول الله صلى الله عليه وسلم محبط للأعمال فالله سبحانه وتعالى خاطب خير القرون وهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم خاطبهم بماذا وهو أصدق القائلين "يأيها الذين أمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون" فجعل رفع الصوت على صوته صلى الله عليه وسلم والجهر له كما يجهر بعض الناس مما يحبط الأعمال "أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون" وهذا خطاب لمن ؟ للذين كانوا في عهد الرسول (صلى الله عليه وسلم) للصحابة رضوان الله عليهم ووصفهم الله بالذين أمنوا ومعنى ذلك انه ليس هذا خطاب للمنافقين الذين كانوا في عهد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وإنما هو للذين أمنوا بشهادة القرآن هؤلاء الذين جاهدوا في الله حق جهاده هم الذين صبروا وصابروا وضحوا بأنفسهم وقدموا أرواحهم في سبيل الله يحذرون أن تحبط هذه الأعمال التي قدموها من جهاد وغيره بسبب رفع الصوت فوق صوت النبي (صلى الله عليه وسلم عليه وآله وسلم).

هذا وقد جاء في السنة على أن عقيدة إسقاط الأعمال بارتكاب المخالفات الشرعية والإصرار عليها أمر كان متداولا في عهد الصحابة رضوان الله عليهم وذلك أنه جاء أن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها عندما بلغها أن زيد بن أرقم رضي الله عنه باع لجاريته بيعها على نحو الذي يسمى عند الناس ببيع الذرائع فوجهت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها خطابا للجارية أخبري زيد أنه أبطل حجه وجهاده مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فالحديث أورده ابن القيم في أعلام الموقعين وحسنه وأما اعتراض ابن حزم في كتابه المحلى انه لا يصح ذلك لأن العمل لا يحبط بهذا التصرف مردود لما ثبت في القرآن نفسه من لخيرة القرون لصحابة الرسول (صلى الله عليه وسلم) الذين كانوا في عهده "لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون" .

فالعقيدة أيضا واضحة من الآيات التي ذكرناها ومن وصف الله تبارك وتعالى لعباده المتقين الذين وعدهم الله الرحمة ووعدهم تقبل أعمالهم ووعدهم جنة عرضها السموات والأرض ووصف الرسول (صلى الله عليه وسلم) لهولأ المتقين وانتشار هذه العقيدة في أوساط الصحابة حتى أن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت ما قالته لجارية زيد وحملتها ما حملته في الرسالة لإبلاغها زيدا حتى يتدارك نفسه وإلا يفسد حجه وجهاده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إما اعتراض من اعترض على ذلك بأن الله تعالى قال "فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم بما كانوا بآياتنا يظلمون" فهو مردود لأن هذه الموازين هي موازين القسط يوم القيامة التي اخبر الله سبحانه وتعالى بها . قبل ذلك بين الوزن ما هو؟ "الوزن يومئذ الحق فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم بما كانوا بآياتنا يظلمون" بين أن الوزن في ذلك اليوم الحق وهو عدل الله بين عباده ومن عدل الله تعالى الذي دل عليه الكتاب انه لا يتقبل الأعمال إلا من المتقين وقول الله تعالى "فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره * ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره" إنما هو مقيد بكون هذا العمل لم يحبط بعمل الشر الذي يعمله أما مع وقوع عمل الشر الذي يحبط عمل الخير كما نص على ذلك القرآن فلا ريب أن هذا الخير وإن يرى إياه صاحبه إلا إنه ليس مما يوفر له أجره يرى إياه حسرة وندامة بحيث يفوته ما عمله من خير بسبب إصراره على معصيته لله .

ومن المعلوم أن هذه العقيدة هي التي تمنع صاحبها من التهور وهي عقيدة أهل الحق والاستقامة وتصونه من الانزلاق في المزالق التي ينزلق فيها أصحاب عقيدة الأرجاء التي تستهين بحرمات الله تعالى وتجرئ صاحبها على عدم المبالاة في الوقوع فيما منع الله الوقوع فيه فإن الله سبحانه وتعالى بين لنا في كتابه بيانا شافيا أن عقيدة الإرجاء عقيدة يهودية وأن تعليق الأمل على الطمع على مغفرة الله بدون توبة ورجوع إلى الله من العقائد التي كانت شائعة عند اليهود وأن هذه العقيدة جرأتهم في الوقوع في مخالفة أمر الله فالله تعالى يقول : "فخلف من بعدهم خلف ورثوا الكتاب يأخذون عرض هذا الأدنى ويقولون سيغفر لنا وأن يأتهم عرض مثله يأخذوه ألم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب أن لا يقولوا على الله إلا الحق"

فترون أن الله سبحانه وتعالى بين أن هؤلاء افتروا بسبب هذه العقيدة عقيدة غفران الخطايا ووقعوا فيما وقعوا فيه من المحاذير وأتوا ما أتوا من محذورات الله تعالى فاجترءوا على اشترائهم العرض الأدنى بما هو خير اشتروا عرض الأدنى بمقابل ما هو خير بسبب طمعهم في المغفرة والله تعالى حذر هذه الأمة من التشبه بهذه الأماني وبين أن هذه الأماني ليست من الحق في شيء فقال سبحانه: "ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتب من يعمل سوءا يجزى به ولا يجد له من دون الله وليا ولا نصيرا ومن يعمل من الصالحات من ذكرا أو أنثى فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيرا" فحذر الله من التعلق بمثل هذه الأماني التي تعلق بها اليهود وظنوا انهم لا يجزون بأعمالهم السيئة فالله تعالى قال "من يعمل سوءا يجزى به" أي سوء كان والله تعالى غفار ولكن لمن هذه الرحمة بين مغفرته لمن تكون وقال تعالى : "وأني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى"

فلابد من الجمع بين هذه الأمور كلها وهي التوبة والإيمان والتوبة لا تنشأ إلا من الإيمان الراسخ والعمل الصالح ثم الاهتداء في جميع الأعمال بحيث يتوقى الإنسان الأعمال السيئة ويسير في طريق الأعمال الصالحة وأن وقعت أية مخالفة بادر بالاستغفار والتوبة منها ويدل على هذا دلالة واضحة على ما جاء من قسم الله تعالى في كتابه بالعصر أن جميع الجنس البشري خاسر إلا من استجمع صفات الإيمان فالله سبحانه يقول "والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين أمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر" فذكر أولا الإيمان فهو الركن الأساسي من أركان النجاة من الخسران الذي كتبه لبني الإنسان والركن الثاني العمل الصالح والركن الثالث التواصي بالحق والتواصي بالصبر وتدرون أن الصبر يشمل الصبر على طاعة الله والصبر عن معصية الله فبعد هذه الدلائل لا يبقى لمن تشبث بالأماني أي متعلق والله تعالى أعلم وهو ولي التوفيق وصلي اللهم وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين . 

اختاره ونقله لكم أبو مجــــــــاهد

التجارة في بريان

قد بلغ العدد الإجمالي للمزابيين العاملين في التجارة خارج مزاب في الخمسينات حوالي ستة آلاف. أمّا عدد الدكاكين فكان 1418 دكانا عام 1953، وكان يملك منها أهل بريان 160 دكانا.

إن وادي مزاب بلد قفر، لايسد كل حاجيات السكان الغذائية وغيرها فعلّمهم المغامرة والهجرة إلى الشمال للتجارة، فخاض أهل بريان ميادينها وبرعوا فيها، وكان فيهم من تأثر بالحضارة المعاصرة ففتحوا متاجر هنا وهناك وعمروها، ونافسوا اليهود والفرنسيين، فتجد في متاجرهم النظام والنظافة والذوق الجميل في رصف البضائع، مع الأمانة التامة في المعاملة والنشاط، فجنوا أموالا استثمروها في بلدهم بريان فبنوا مساكن لهم كما بنواالمساجد والمدارس القرآنية بالتبرعات في الجوانب الأخرى فاستفاد منها المجتمع فائدة كبيرة[1].

 

إحصاء المنازل والنخيل ودكاكين التجارة يوم 03جانفي 1863م([1]):

عدد المنازل

عدد النخيل

عدد الدكاكين

240

18000

05

 

فرضت ضريبة الخراج سنويا على كل منزل 05فرنكات وعلى كل نخلة 0.15فرنك وعلى كل دكان 20فرنك فأصبح الخراج كالآتي:

ضريبة المنازل

ضريبة النخيل

ضريبة الدكاكين

المجموع

1200فرنك

2700فرنك

100فرنك

4000فرنك


)-يوسف بن بكير الحاج سعيد: تاريخ بني مزاب، ص 131.                                                      [1](

[1] بريان تاريخ وحضارة دراسة: تاريخية حضارية سياسية اقتصادية اجتماعية دينية ثقافية تأليف إسماعيل بن محمد لعساكر ص128

 

التّعليم الحر الإسلامي

في سنة 1947، فتح الأستاذ إبراهيم بن باعلي لعساكر منزله ببريان لتعليم البنات بالتلقين، فأصدرت إدارة الحكم العسكري أمرها بإيقافه، يوم 13 أفريل 1953، بدعوى أنّه لا رخصة له. فلم يسمع جمعية الفتح إلاّ أن تتبنّى المشروع. لكن التلميذات انتظرن أربع سنوات بعد ذلك، ليسمح لهنّ بالتعلّم بواسطة الكتابة والقراءة(1).

 

هذا إحصاء التعليم الحر العربي يوم 1 أكتوبر 1956:

عدد الأقسام 5  عدد التلاميذ 200

هذا إحصاء التلاميذ في المدرسة الفتح القرآنية يوم 1 جانفي 1960: 468 تلميذا

إحصاء المحاضر عام 1924 (2)

في بريان بها محضرة واحدة   20 تلميذا

 

 ---------

(1)  راجع كتاب تاريخ بني مژاب يوسف الحاج سعيد

(2) - .60, Le Réformisme Ibadhite:GROSSMANN

التعليم الرسمي في بريان

التعليم العام :

إحصاء يوم 01 أكتوبر 1956:  عدد الأقسام 7 وعدد التلاميذ 395 تلميذا

في 11 جويلية 1959، قرّر الوزير المنتدب لدى الوزير الأوّل أنّه ابتداء من فاتح أكتوبر 1958، أضيفت ثلاثة أقسام لمدرسة البنين ببريان (القسمان التاسع والعاشر للبنين، والقسم الحادي عشر للبنات)،

إحصاء عام 1958: البنون 405 والبنات 45 من بينهنّ عشرون مزابية.

إحصاء عام 1959: البنون  420 والبنات 75 من بينهنّ خمسون مزابية.

 -----------------

راجع كتاب تاريخ بني مژاب يوسف الحاج سعيد

الجانب المعماري المعالم الأثرية بريان

الجانب المعماري( المعالم الأثرية)(1)

يتصف الجانب المعماري لمدينة بريان بمواصفات الهندسة المعمارية لقرى وادي مزاب، وعلى سبيل المثال نذكر بعض المعالم المعمارية في بريان منها:

المساجد- المقابر –الأبراج– الأبواب – السور –الأفران – المنازل.

 

المساجد منها قديمة وأخرى حديثة:

أ-المساجد القديمة :

-كان المسجد الأول العتيق للإباضية في الدار التي يسكنها أوراغ محمد بن عمر بن سليمان وموسلمال باحمد بن إبراهيم لزعل، وقد زال هذا المسجد الذي أسس حوالي 1500ه/1596م.

وانتقل بناؤه إلى المكان الموجود حاليا والذي فيه المنارة "الصومعة" بأعالي البلدة بتاريخ 1101ه/ 1689م بجانبه البئر بناحية بربورة، وبقي هذا المسجد المعروف بالعتيق على شكله القديم إلى غاية سنة 1958م حيث تم هدمه نظرا لضيقه وأعيد بناؤه من جديد ماعدا الصومعة وأضيفت له ثلاثة منازل ومحضرة ودشن سنة 1380ه/1960م، ورممت المئذنة بتاريخ 1941م([1]).

-المسجد العتيق للمالكية تم بناؤه سنة 1299ه/1882م.

ب-المساجد الحديثة:

-مسجد الإمام البخاري: للمالكية دشن سنة 1392ه/1973م.

-المسجد القبلي: للإباضية دشن 1397ه/ 1976م.

-مسجد كاف حمودة([2])*: للإباضية أنشئ سنة 1402ه/ 1981م، وتم الشروع في بناء المئذنة يوم الجمعة 17رجب 1435ه الموافق لـ 16ماي 2014م.

-مسجد الإمام مالك: للمالكية.

-مسجد حي المداغ: للإباضية، تم تدشين المسجد يوم الجمعة 28ربيع الثاني 1419ه الموافق لـ21أوت 1998م.

-مسجد صرعاف: للإباضية، تم تدشين المسجد والمدرسة يوم الخميس 10ربيع الأول 1415ه الموافق لـ 17أوت 1994م.

-مسجد حمزة بالمداغ: للمالكية.

-مسجد الشيخ عامر: للإباضية، تم تدشين المسجد والمدرسة يوم السبت 19جمادى الثانية 1419ه الموافق لـ 10أكتوبر 1998م.

-مسجد بابا السعد: للإباضية، دشن المسجد يوم الجمعة 25شعبان 1428ه الموافق لـ 07سبتمبر 2007م.

-مسجد في حي المنظر الجميل للمالكية.

-مسجد في حي الشيخ عامر(2) للإباضية في قيد البناء.

-مسجد في حي الشيخ عامر (60مسكن) للإباضية في قيد البناء.

-مسجد في حي الكاكة ومسجد في حي عين قرارة للإباضية في قيد البناء.

المسجد العتيق بربورة لمحة تاريخية:

ويعود تاريخ بنائه إلى حوالي340سنة، لوحظ أن فوق الباب الرئيسي للمسجد نقش عليه تاريخ بنائه عام 1101ه الموافق لـ 1689م، فكان بناؤه عن طريق التطوع، وهو يمثل هيبة البلدة ومكان الاجتماع والعبادة وحلقات التعليم، وموقعه على غرار الهندسة العمرانية لمدن مزاب، يشيد في أعلى الجبل لأنه بفضله يتم تسيير كل الميادين سواء الاجتماعية أو السياسية أو الدينية أو الاقتصادية، ويشرف على تسيير الميادين سواء الاجتماعية أو السياسية أو الدينية أو الاقتصادية، ويشرف على تسيير شؤونه هيئة دينية معترف بها وهي هيئة العزابة، فتم بناؤه بوسائل تقليدية من جبس وحجارة وأغصان السدر وجذوع النخيل خاصة جذع نخلة "تزرزايت" نظرا لصلابتها ومقاومتها للظروف الطبيعية من حرارة ورطوبة، وتم اختيار مكان البناء وفق أسس علمية واستراتيجية إذ تحيط به المنازل من كل جهة، فكان المسجد يحتوي على:

 

أ-المئذنة:

هي الجزء المرتفع من المسجد، فتم بناؤها بشكل يثير الدهشة ويبلغ ارتفاعها حوالي 19.50مترا وهي شامخة في السماء ويقال: قد بناها رجل من عرش العفافرة، وبناؤها بالجير والجبس من نوع الذكر مع أغصان السدرة وفيها 86درجة من الأسفل إلى الأعلى ومازالت تحافظ على شكلها وتصميمها فلم تهدم، ولقد تم ترميمها سنة1941من قبل عمي سعيد صالح بن موسى (عداشة) وفوطية داود بن عمر، ويلاحظ أن مئذنة المسجد نقش عليها تاريخ ترميمها، وبقيت على شكلها إلى يوم كتابة هذه الحروف، "وأول من أذن في مئذنة المسجد العتيق بربورة هو الشيخ بالحاج من بني يزقن"([3]).

 

جدول يبين أبعاد المئذنة([4]):

المئذنة

الإرتفاع

أبعادالقاعدة   م

أبعاد النواة المركزيةم

عدد الدرجات

عدد الطوابق

مسجد بريان

19.50

مابين 2.70

2.47

مابين 1.12

و0.66

86

07

ب-المجالس: (المحراب)

تم تصميمها وفق هندسية معمارية ذات طابع رونقي ممتاز، حيث الأقواس الرابطة بين السارية والأخرى، وتشكل أعمدة المسجد وتحتوي هذه المجالس على المحراب وهو مكان يصلي فيه الإمام بالمصلين إلى جانبه محراب مهجور لأنه غير مضبوط لتسديده نحو القبلة وبجانبه بيت صغير يرتدي فيه الإمام الحايك(أحولي)*([5])، وللمسجد محضرة متصلة به لتدريس القرآن، كانت إنارته بالزيت، في هذه الأعمدة يوجد مكان يوضع فيه "ين" الزيت فيوقد الناس القنديل، ومع مرور الزمن أدخل استعمال الكريبل*([6]) والضوء بالبترول قبل هدم المسجد عام 1958م وتم إعادة بنائه سنة 1960م.

هدم المسجد العتيق ماعدا صومعته نظرا لضيقه وصغره مقارنة بعدد المصلين وتم التفكير في توسيعه وإعادة بنائه من جديد وأضيف له ثلاثة منازل متصلة بالمسجد: منزلان لعائلة حجاج وهم حجاج الحاج بكير بن حمو وحجاج صالح بن محمد ومنزل لعائلة بكاي علي بن صالح)، فهدمت تلك المنازل وضمت إلى المسجد، ودشن عام 1960م بحيث تحيط به الشوارع على جهاته الأربعة وعلى شكله الذي عليه اليوم([7]).


ت-البئر:

كان المسجد العتيق ببربورة دون بئر، إلى أن جاء أحد المشايخ من القرارة وهو ضرير البصر يدعى: الحاج إبراهيم شريفي، فقال لأهل البلد كيف لديكم مسجد بدون ماء، وكانوا ينقلون له الماء من الحاسي الوسطاني، فاستغرب ذلك فقال لهم:

أحضروا لي المنقوب، وشرع في العمل فحفر 3أذرع (متر ونصف) فسهل لهم المهمة في حفر بقية البئر وعمقها حوالي 46متر، فكانت تحفر بالتناوب والمنابات بالمقاطع والوسائل التقليدية حيث كان يستعمل الحطب وأخرى تنقله إلى مكان الحفر حتى تسهل عملية الكسر، وهناك جماعة يجمعون الحطب وأخرى تنقله إلى مكان الحفر حتى وصلوا إلى الماء الوفير، وقسمت إلى قسمين: الجزء الداخلي خاص بالمسجد، منه يملأ المرجل(أمناس) في الميضأة لإسباغ الوضوء، والجزء الخارجي خاص لسقي السكان([9]).

 

ث-مخابئ التمور:

توجد بالمسجد خابيات (إبوجا) للتمور، وتوزع هذه التمور لعمار المسجد لاسيما الذين يقرأون القرآن في حلقات ومجالس، وعادة ما يكون ذلك ليلة الجمعة([10]).

المسجد العتيق للمالكية:

يقع هذا المسجد بجانب المقبرة القديمة الثنية وهو للمالكية، فقبل أن يتم بناء هذا المسجد كان الإخوة المالكية أولاد يحي يصلون في حجرة اتخذوها مصلى من ناحية الشمال من الباب الكبير، وتم بناء هذا المسجد في سنة 1299ه/1882م بموافقة شيخ البلاد باسعيد بن موسى الطالب باحمد وبعض من النواب والقايد يحي بن عفاري بعوشي؛ بعدما أن طلبوا منهم أولاد سي يحي أن يمنح لهم هذا المكان أي الباب الكبير الظهراوي لبناء مسجد لهم، وتم بناؤه على الشكل الموجود عليه   حاليا ماعدا الصومعة بنيت فيما بعد، وبجانبه محضرة متصلة بالمسجد لتعليم القرآن الكريم([11]).

 

المنازل:

تتصف المنازل في بريان بمواصفات الهندسة المعمارية لمنازل قرى مزاب، من حيث الشكل والتصميم، فبعد بناء المسجد على قمة الجبل؛ يتم حوله بناء المنازل على شكل حلقات دائرية، وتتخللها أزقة ضيقة متوازية وغير متوازية، وأخرى غير نافذة، بها سقائف وأقواس وبنيت هذه المنازل بالحجارة والجبس، وسقفت بأعمدة من أخشاب النخيل وفق ضوابط دينية واجتماعية واستراتيجية أمنية.

 

ملاحظة:

أوجه نداء إلى سكان القصر القديم بضرورة المحافظة على هذا الإرث الحضاري الهام بعد تهديم المنازل وضرورة ترميمها حتى يتسنى لنا المحافظة على الإرث الحضاري الهام بعدم تهديم المنازل وضرورة ترميمها حتى لنا المحافظة على مابقي من التراث الحضاري المادي لأجدادنا وأسلافنا وهذا لكي تطلع عليه الأجيال الصاعدة في المستقبل.

 

المقابر:

يوجد في بلدة بريان العديد من المقابر نذكرها فيما يلي:

-المقبرة القديمة للبلدة متصلة بالقصر القديم، والتي تسمى بالثنية([12]) وهي مقبرة كان يدفن فيها الميزابيون والعرب معا، وتم الدفن فيها على طبقتين ولم يكونوا يدفنون موتاهم خارج القصر نظرا للظروف الأمنية الغير ملائمة في ذلك الوقت.

-مقبرة بن زعكر (بن عسكر) للإباضية، كانت صغيرة فتم توسيعها بعدما أن تبرع أهل بن عسكر (العساكر) هذه الأرض للمسجد، حيث يوجد فيها مصلى قديم هدم وأعيد بناءه من جديد عام 1953م-1954م والذي حاليا تقام فيه صلاة الجنازة([13]).

-مقبرة سيدي عبد الغني لأولاد ساسي.

-مقبرة أرجال الزرقي للمالكية.

-مقبرة أرجال العرمة، تقع برأس الجبل المحاذي شرقا للطريق الوطني رقم 01.

-مقبرة سيدي أحمد، تقع بوسط سد السودان للمخاليف.

-مقبرة سيدي اسعيد في لمسايبة بواد انسا لأولاد سيدي يحي.

- مقبرة سيدي الحاج في واد انسا لأولاد نوح .

-مقبرة سيدي أمبارك، تقع في انتهاء واد المناخْ ببالوح لأولاد سيدي يحي.

-مقبرة تقع برأس الجبل المتصلة بغابة أرشوم بالسودان للإباضية.

-مقبرة المشيخة، تقع في مذاغ الزّقْ بواد البئر للإباضية.

-مقبرة في كفوس لآل انشاشبة وأولاد يونس.

-مقبرة في واد البير بالزايرات لآل بنورة والعطف.

-مقبرة سيدي عبد القادر للمالكية يوجد فيها مصلى تقام فيه صلاة الجنازة.

-مقبرة الشوف للدبادبة.

-مقبرة شارع المجاهدين.

-مقبرة الشيخ أمي عامر للإباضية.

-مقبرة شهداء الثورة التحريرية بجانب الطريق الوطني رقم 1.

وهذه المقابر منها القديمة والحديثة ومنها ما يقع على رأس تل، ومنها مايقع على السهل([14]).

 

السور:

كان حول البلدة سور لكنه تهدم مثلما تهدمت أغلب أسوار مدن وقرى وادي مزاب.

حاول المسمى كروشي عفاري بن باحمد بن صالح بناء سور للبلدة لكنه لم يتحقق له ذلك.

 

الأبراج:

في بريان كان يوجد عدة أبراج للمراقبة والحراسة لكنها هدمت ولم يبق لها من أثر منها:

-برج في الترعة مقابل للمقبرة الإباضية بن عسكر.

-برج بجانب دار عشيرة آل النشاشبة وأولاد يونس.

-برج في الناحية القبلية للبلدة([15]).

 

الأبواب:

كانت توجد عدة بوابات حول البلدة تستعمل للدفاع والحراسة، تفتح في النهار وتغلق في الليل فاندثرت، ولكن تسميات الأبواب لايزال بعضها موجودا.

 

أهمها:

-الباب الكبير الظهراوي: وهو باب البلاد قد أسس في نشأة البلاد يقع بجانب المقبرة القديمة للبلدة، وهو باب كبير جوفي ذو دفتين له بابان يغلق ويفتح وفوقه طبانة بها غرفتان وفي وسطهما ساريتان ونوافذ للرمي، والباب متسع للخروج والدخول للبلاد، وكان المسافرون في ذهابهم وإيابهم يستعملون ذلك الباب، وكذلك عند وصولهم من السفر يضربون البارود عند الباب قبل دخولهم للبلاد هذه عادتهم، وللباب حارس يفتحه ويغلقه([16]).

-باب بن عسكر بشارع بن عسكر.

-بابان متصلان بمقبرة الثنية.

-باب في الشارع الخالف بجانب المقبرة الإباضية.

-باب كبير متصل بدار عشيرة النشاشبة وأولاد يونس.

- باب كبير في الشارع الرئيسي للدكاكين شمال لالة سهلة.

-باب في الشارع الوسطاني.

-باب في الشارع الفوقاني متصل بالمسجد القبلي.

-ثلاثة أبواب بناحية بوطارة.

-بابان بناحية الخراجة.

-باب متصل بالمدرسة القرآنية الفتح الكائنة ببربورة.

وكانت في البلدة حراسة ليلية لاتزال إلى اليوم([17]).

 

أفران الجير والجبس:

كانت بالبلدة عدة أفران لإنتاج الجير والجبس، تنتقي فيه الحجارة الموصوفة بالأنثى ويتم ترتيبها على شكل حلقات من الأسفل إلى الأعلى بحوالي 7إلى 10أمتار، فتظل الحجارة على النار يوما أو يومين، ثم تترك في مدة ثلاثة أيام لتصبح جيرا يصلح لاستعماله في مختلف البناءات، وبه بنيت المنازلوالمساجد والأبراج والسدود...إلخ، ولكن بخلطه بنوع من الرمل والماء وكانت هذه الأفران تنسب إلى أربابها.

 

أهمها:

-أفران أمحارزية صالح بن حمو (مدرسة أبو اليقظان حاليا).

-أفران بابا وعيسى محمد بن عمر(البريد حاليا).

-أفران بطولة عيسى وحمو ابني باحمد (مدرسة الأمير عبد القادر حاليا).

-أفران أزقاو بكير وأولاده حمو وسليمان (محطة البنزين حاليا).

-أفران بلخير بن أحمد بن عيسى بلعمري (الشيخ صالح الزرقي).

-أفران بابا وعيسى عفاري بن محمد.

-أفران أرشوم الحاج حمو والحاج يحي ابني عيسى (بالزرقي).

-أفران النوي بن السايح لغلام في (بالوح).

لقد انقرضت معظم هذه الأفران من المنطقة ولم يبقى إلا القليل منها([18]).

 

نبذة تاريخية عن منطقة كفوس:

كفوس منطقة تبعد عن بريان حوالي 36كلم، وهذه التسمية نسبة إلى شخصية مزابية وهو الحاج حمو حجاج والملقب كفوس، ولد ببريان ثم ارتحل إلى قسنطينة فعاش فيها ورزقه الله من الملك الكثير، بعد ذلك قرر العودة إلى مسقط رأسه بريان عام 1900م، فباع ملكه هناك.

ثم استقر في المنطقة التي سميت باسمه كفوس لأن أجداده وعشيرته أنشاشبة وأولاد يونس كانوا يسكنون تلك المنطقة قديما ثم هاجروا إلى بريان، وتوجد مقبرة قديمة لهم بتلك المنطقة.

تعرف حمو حجاج على عائلة من البدو الرحل من عرش العوَوْنة من عائلة روان فتزوج منها ليحمي نفسه من العروش الأخرى التي كانت تجول المنطقة، وأنجب معها ولدين الأكبر اسمه علي والأصغر محمد، بدأ الحاج حمو كفوس العمل في تلك المنطقة بحفر منجم صغير لإنتاج الجبس والجير قطره 2.6م وعمقه 3م، وبعد ذلك انتقل لتشييد منزله الخاص والذي يتكون من غرفتين وفناء واسع للمنزل.

تعد كفوس منطقة آمنة واستراتيجية آنذاك وأيضا تمتاز بوفرتها للماء، حيث قديما كان بها ينبوع من الماء يجري فوق الأرض في ملاقات بن سيدهم، وكونها كذلك تقع في منطقة بين واد النسا وواد الكبش، وبذلك واصل عمله فشيد بئرا يبلغ عمقه حوالي 109م، وكان الحفر آنذاك بوسائل تقليدية بسيطة، وقام كذلك بحفر الجب بجانب البئر لتخزين المياه حيث يبلغ استيعابه للماء حوالي 2205متر مكعب، وهذا الجب يتصل به بئر صغير يسمى بالميزابية "أجام" يستعمله لسقي المزروعات والأغنام، ثم شيد سدين للماء، السد الأول على وادي الكبش من الشمال أما الثاني فعلى وادي النساء من الشرق، وحفر مجاري مائية في الحجر الصم يصل عمقها 1م وجعلها كخندق لتوجيه المياه نحو الجب، فاهتم بالزراعة والرعي نظرا لوفرة المنطقة لأراضي خصبة صالحة للزراعة وأخرى للرعي، وكان يستعمل في سقي المزروعات النظام التقليدي، فالمنتوجات والغلات يصدرها إلى بريان وخارجها، وحفر كذلك مغارتين داخل الجبل وكانت على شكل قاعة للضيوف يستعملها للفصل في الخلافات بين العائلات والشركاء ومختلف المشاكل، فاختار المغارة كونها مكانا للهدوء والراحة، المغارة الرئيسية الكبيرة ارتفاعها     3 متر وطولها11 متر وعرضها 4متر،أما المغارة الثانوية فارتفاعها2 متر وطولها9 وعرضها 5متر، وكما أن عشيرته أنشاشبة وأولاد يونس جمعوا الحجارة لبناء سور في أعلى الجبل وحاولوا الاستقرار وبناء قصرهم هناك فاستقدمهم أولاد نوح إلى بريان قديما.

وتوفي الحاج حمو حجاج "كفوس" سنة 1946م ودفن في تلك المنطقة، وآثار القبور موجودة إلى يومنا هذا، وترك ابنه الأكبر علي يبلغ من العمر 18سنة،([19]) وتعد هذه الإنجازات التي قام بها حمو حجاج من أروع الأعمال حيث تحدى الصحراء بطبيعتها القاسية واستطاع أن يشيد معالم حضارية، وآثارها موجودة إلى يومنا هذافيا حبذا لو رممت حتى لا تندثر لتكون معلما أثريا لبريان.

المقامات:

 

مقام لالة سهلة:

هو سحن محوط في وسطه قبة مبنية، يقع في الناحية الجوفية للبلدة في أسفل الشارع الرئيسي، وقديما كانت محطة المسافرين بجانب ذلك المقام، وعندما تقوم مجموعة من الأشخاص تهيئ نفسها للسفر فيخرج الناس لتوديعهم فيقولون لهم: "الله يسهل"، فسميت لذلك بتلك التسمية، وكذلك يعتقد أنها امرأة كانت تنتقل من مكان إلى مكان، وعندما تأتي إلى بريان تجلس في ذلك المكان، وكما أنه يوجد في غرداية مقام يعرف بمقام لالة سهلة.

 

مقام الشيخ أمي عامر:

نسبة إلى أبي ساكن عامر بن علي الشماخي الإباضي النفوسي من علماء جبل نفوسة، يروي القطب الحاج امحمد بن يوسف اطفيش من علماء بني يسجن رأى مناما حينما بدأ في شرح كتاب النيل للشيخ عبد العزيز الثميني ورأى الشيخ عبد العزيز الثميني مسرورا ومبتهجا يعانق الشيخ عامر في أعلى الجبل المحاذي لغابة باسة من أجنة بريان، وعندما كان يزور الشيخ اطفيش بريان يلقي دروس الوعظ والإرشاد في حلقات ذكر وعلم، ويقوم بالفتوى، والتقى الشيخ اطفيش بالقايد يحي بن حمو باحميدة فزاره في بريان وقدم له نصائح؛ فقال له: ارفق بالمساكين واحكم بالعدل، فاستجاب له القايد وأبدى له احتراما وتقديرا بأن جعل له مقاما يزار في الجبل القبلي في ناحية جبل أمي عامر المشهور، ويقال كذلك إن الشيخ اطفيش عندما وجد أن قبلة المسجد العتيق بربورة غير مصوبة نحو القبلة فبنى ذلك المقام ليوجه لهم به القبلة دون أن يؤدي ذلك إلى خلاف بين أبناء المجتمع الواحد، وبعد وفاته قام بعض الناس ببناء قبة بجانب ذلك المقام.

 

مقام الشيخ صالح:

نسبة إلى الشيخ صالح الغرداوي، فهو شيخ مدينة غرداية ورجل فاضل له جهود ومساع حميدة في فض النزاعات وإطفاء الفتن، لاتأخذه في الحق لومة لائم، وكان يزور بريان ويتجه نحو غابة الزرقي، وله مكان خاص به يجلس فيه لقراءة القرآن، وبعد وفاته قام بعض الناس ببناء مقام لهذا الشيخ صالح محاذيا لغابة الزرقي، وهو سحن محوط بجانبه قبة مبنية.

 

مقام بابه والجمة:

نسبة إلى الشيخ بابه والجمة، اسمه إبراهيم بن يوسف أبو الجمة، بالبريرية: صاحب الأجنة العليا (البساتين)، وهو من مشايخ غرداية، وبعد وفاته قام بعض الناس ببناء مقام له في بريان وهو سحن محوط في أعلى الجبل المحاذي لغابة أرشوم بالسودان.

هذا مارواه لي بعض المشايخ.

 

ملاحظة: تزار هذه المقامات في يوم الزيارة من كل سنة من طرف المزابيين الإباضيين، وكما أن المشايخ يروون فيها تاريخ البلدة.

مقام سيدي سلامة:

نسبة إلى سيدي سلامة بن أمحمد بورقبة بن سعيد بن سيدي يحي، وتوجد فيه قبة مبنية ويقع بناحية السودان كان يزوره العرب المالكية من كل سنة.



(1) المرجع : بريان تاريخ وحضارة دراسة: تاريخية حضارية سياسية اقتصادية اجتماعية دينية ثقافية تأليف إسماعيل بن محمد لعساكر ص155-173.

)-مقابلة مع الحاج محمد بن باحمد زيطاني بتاريخ 11ديسمبر1995م.[1](

)(*)-كاف حمودة: نسبة إلى بعوشي حمودة بن بابهون بن سليمان راح ضحية أحداث واقعة الشعانبة 1863م وضريحه موجود في ذلك الكاف أي الجبل وسمي ذلك باسمه.[2](

)-عمر بن الحاج عيسى بلعيد، مرجع سابق، (مخ) ورقة 3.[3](

)-بالحاج بن بانوح معروف: العمارة الاسلامية مساجد مزاب ومصلياته الجنائزية، دار الطبع قرطبة، 2007م.ص142-233.[4](

)(*)-احولي وهو اللباس العرفي للعزابة في وادي مزاب.[5](

)-الكربيل:هو حجارة تغلى إذا أفرغ عليها الماء وتصدر من عملية الغلي غازات قابلة للاشتعال وهي التي تستعمل ضوءا قبل وصول الكهرباء.[6](

)-مقابلة مع الحاج إبراهيم بن باعلي لعساكر بتاريخ 02فيفري 1996م.[7](

)- السيدالذي يتلو القرآن في وسط المسجد العتيق بربورة هو الشيخ الحاج محمد بن باحمد زيطاني.[8](

[9])--مقابلة مع الحاج إبراهيم بن باعلي لعساكر بتاريخ 02فيفري 1996م،ومقابلة أخرى مع الحاج سعيد بن يحي الطالب باحمد بتاريخ 09 ماي 1997م،

)-مقابلة مع الحاج قاسم بن صالح بهدي عام 1996م.[10](

)-عمر بن الحاج عيسى بلعيد: مرجع نفسه، (مخ) ورقة 5.[11](

)-محمد بن الخيذر بن يوسف الملياني :تاريخ أولاد سيدي يحي في الصحراء ودخولهم بير ريان ،( مخطوط) عام 1222ه،ورقة 13.  [12](

)-مقابلة مع الحاج سعيد بن يحي الطالب باحمد، السبت 27ديسمبر 1996م.[13](

 ( [14] مقابلة مع الحاج إبراهيم بن باعلي لعساكر(الزعيم) بتاريخ  11 جانفي 1997م، ومقابلة أخرى مع الحاج محمد بن إبراهيم الحرمة، لثلاثاء 1 جويلية 2000م، والحاج إبراهيم بن صالح مولود، الجمعة   13 جوان 2001م.

)-مقابلة مع الحاج محمد بن باحمد زيطاني بتاريخ 11ديسمبر 1995م.[15](

)-عمر بن الحاج عيسى بلعيد، مرجع نفسه،ورقة03.[16](

)-الحاج إبراهيم بن باعلي لعساكر بتاريخ 02فيفري 1996م.[17](

)-مقابلة مع الحاج علي بن عيسى لطرش، الإثنين 13جانفي 1997م. [18](

)-مقابلة مع الحاج إبراهيم بن باعلي لعساكر بتاريخ 02فيفري 1996م، ورحلة استكشافية للمنطقة مع فريق وسط المدينة يوم الخميس 23ماي 2013م.[19](

الحياة الثقافية في بريان

الحياة الثقافية في بريان

 

حياة التعليم في بريان مع ذكر المشايخ والعلماء(1):

قديما كان التعليم حرا في المحضرة الإباضية، حيث كان شيخ المحضرة يلقن القرآن الكريم للتلاميذ، ويقوم التلميذ بكتابة الحصة، وأدواته هي لوح خشبي وقلم من يراع وسمغ، والمحضرة متصلة بالمسجد العتيق بربورة وكان يدرّس بها مشايخ في أواخر القرن العشرين نذكر منهم:

-الشيخ موسلمال الحاج موسى بن صالح، كان معلما ومديرا للمحضرة.

-الشيخ عباس داود بن أمحمد، كان يقوم بالتدريس في المحضرة.

-الشيخ بوسريح الحاج سالم بن عمر، كان يقوم بالتدريس في المحضرة.

ومعاونوه الشيخ فخار إسماعيل بن عمر وموسلمال الحاج عمارة بن عمر.

ويليهم كوله الحاج أحمد بن سليمان وكروشي سليمان بن بابه.

ويليهم العساكرالحاج إبراهيم بن باعلي(الزعيم).

ويليهم بعد الاستقلال إلى حوالي 1996م فارة الحاج صالح بن محمد بن صالح.

كان يشرف على التعليم بالمحضرة وكيل المسجد وهيئة العزابة، ويتخرج منها طلبة حافظونللقرآن يدعون إروانْ وقد سبق الحديث عنهم.

المحضرة المالكية المتصلة بالمسجد العتيق، كان يعلم فيها القرآن للتلاميذ، وكتابة السور القرآنية في الألواح بقلم الصمغ.

 

أهم مشايخها:

الشيخ سي أمحمد.

الشيخ شطفور الحاج أسماحي.

المحضرة المالكية الأخرى المتصلة بالمسجد الإمام البخاري.

 

أهم مشايخها:

الشيخ أولاد الطاهر بنوة، كان يدرس في دار عشيرة الدبادبة بشارع باصالح، وكان إلى جانب ماذكر كتاتيب يدرّس فيها القرآن.

 

أهم الكتاتيب مع ذكر شيوخها:

1-ابن يامي حمو بن موسى الكائنة في وسط الشارع حمو بن موسى ابن يامي حاليا بربورة([1]).

2-لعروسي جاء من مدينة لحجيرة ليدرس القرآن في بريان بمنزل الحرمة إبراهيم بن أحمد الكائنة بحي الخالف([2]).

التعليم عن طريق تلقين الآية شفويا بالنسبة للبنات وتُحفّظُ بالسمع أشهرهن:

-عيسى وأعمر مامة بنت حمو (مامة نْ عفاري)، وكان التعليم بالدار الكائنة بنهج فوطية عيسى بن باعلي حاليا، وفيها تلقين الآيات القرآنية والأدعية والأذكار لتحفيظ الصلاة للفتيات([3]).

-بهون مريامة بنت بهون، كانت تعلم بالدار الكائنة بزقاق زغموم بربورة.

-بوكراع منة بنت الحاج عمر، كانت تعلم بالدار الكائنة في الشارع العلوي قرب بئر بوكراع، وجميعهن يعلمن الفتيات الإباضية والمالكية.

 

أهم المدارس القرآنية في العهد الحديث والمعاصر:

كان العلم في بادئ الأمر يدرس في المنازل، وبعدها احتضنت مدرسة الفتح القرآنية التعليم القرآني في بريان عام 1927م، وكان يدرس فيها الشيخ صالح لبسيس ثم بعد ذلك تأسست جمعية الفتح عام 1945م تحت رئاسة الشيخ عبد الرحمن بن عمر بكلي ثم جاء بعده الحاج أحمد بن عمر أوراغ وأصبحت هي المشرفة على برامج التعليم الإباضي، وكان مفتوحا لغير الإباضية من المالكية (انظر بعض أسمائهم لاحقا)، فتخرج منها طلبة نجباء كانوا وراء حمل مشعل العلم في بريان والجزائر، ولقد أشرفت هذه الجمعية على إنشاء فروع أخرى للمدرسة في مختلف أحياء البلدة.

عبد الرحمن بن عمر بكلي ثم عبد الله بن صالح الطالب باحمد.

 

أسماء لبعض الطلبة:

-محمد علي دبوز.

-أحمد بن عمر أوراغ.

-سليمان بن حمو باحميدة.

-يوسف بن ناصر زيطاني.

-سعيد بن يحي الطالب باحمد.

-إبراهيم بن باعلي لعساكر.

-محمد بن قاسم بعوشي.

-موسى بكاي.

-إسماعيل بن الحاج سليمان فخار.

-محمد بن سليمان بودي.

-قاسم بن يحي الطالب باحمد.

-صالح بن باعلي قلو.

-محمد بن باحمد زعباطي.

-أمحمد بن محمد بوكراع.

السماحي بن محمد شطفور المتخرج في جامع الزيتونة بتونس، كان من رفقاء الشيخ عبد الحميد بن باديس وامبارك الميلي، كما كان من الحضور في الاجتماع التأسيسي لجمعية العلماء المسلمين بالجزائر، حيث كان مسكنه بحي القصبة قريبا من مقر نادي الترقي بالجزائر العاصمة([4]).

 

زيارة بعض المشائخ والعلماء لبريان:

-الشيخ الحاج محمد اطفيش من مدينة بني يسجن عاش في النصف الثاني من القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين، كان يزور بريان في كل عام مرتين متظاهرا برعاية بستانه ربيعا لتأبير نخله، وخريفا لجداد التمر، فكان يلقي دروس الوعظ والإرشاد في حلقات ذكر وعلم في منازل خاصة ويقوم بالفتوى.

-الشيخ إبراهيم بيوض من زعماء الإصلاح في وادي مزاب والجزائر، كان يزور بريان من حين لآخر، وفي سنة 1944م أقيم له حفل كبير في البلدة.

-الشيخ أحمد بن حمد الخليلي من علماء عمان، كلما وفد إلى الجزائر كان يزور وادي مزاب وبريان.

 

الشعراء في بريان.

 

1.أبرز الشعراء قديما في بريان:

في أواخر القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين نبغ بعض الشعراء في بريان، منهم الشاعر عمر بن الحاج عيسى بلعيد، والشاعر أحمد بن الحرمة، ولهم قصائد عديدة، ولكلٍّ منهما ديوان في الشعر الملحون.

أ-نبذة عن حياة الشاعر عمر بن الحاج عيسى بلعيد(1880م-1947م):ولد عمر بن الحاج عيسى بلعيدفي بريان حوالي سنة 1880م، لما وصل سن التعليم دخل الكُتّاب فختم القرآن الكريم وبرع في القراءة والكتابة، فقرأ كثيرا من الكتب التي فتحت فكره وحببت إليه الفصاحة، ثم رحل إلى آت يسجن في مطلع القرن العشرين، وتتلمذ في معهد قطب الأئمة الشيخ امحمد بن يوسف أطفيش وصار من تلامذته المتفوقين، وكان محبا للعلم ذكي العقل، يتمنى أن يكون من كبار العلماء ليصلح بلده، وشديد الغيرة على الدين متمسكا به، شجاعا لايهاب الظلمة الأقوياء، ينقض عليهم بقصائده فيصف كل مخازيهم، ولقد نظم قصائده الأولى في الشعر الملحون فظهر نبوغه في أول قصيدة، فأقبل الناس والشباب المثقف خاصة على شعره يسمعونه ويتلذذون به ويتغنون به في مجالسهم وأفراحهم، لأنه يعبر عن وجدانهم، وبذلك شاع شعره الجميل في بلده بريان، فكانت أكثر قصائده في الإصلاح والدعوة إليه، وكان شِعره مشرق الديباجة، سلس الأسلوب، حسن المعاني، ثائرا على الفساد والظلم والجمودـ، ويعد شعره مرآة لحياته الخاصة، كما أنه مرآة لمزاب وبلدته بريان والجزائر عامة.

ولقد ناصر الشاعر كل المصلحين الذين حاولوا إنشاء حركة إصلاحية في بريان في العقد الأول والثاني من القرن العشرين ومنهم الشيخ الحاج الناصر إبراهيم كروش(الدغور)، والشيخ محمد الطرابلسي، والشيخ عمارة بن صالح موسلمال وغيرهم كثير، وعند انتقاله إلى الجزائر العاصمة واستقراره بها اكترى محلا صغيرا لعمله حيث صار يصنع القفاف طلبا للرزق، ولم يمنعه ذلك من مناصرة نادي الترقي في الجزائر، ولما ابتدأ الشيخ الطيب العقبي جهاده فيه كان من أكبر مؤيديه، والملازمين له ولدروسه الأسبوعية، وهو يعرفه ويجلس معه جلسات خاصة، ويكن له الشيخ الطيب العقبي ودًّا واحتراما كبيرين، ولما نشأت جمعية العلماء المسلمين الجزائريين استبشر الشاعر خيرا، فرأى فيها حلما من أعظم أحلامه يتحقق، إضافة إلى ذلك كان كثير القراءة للمجلات الوطنية والعربية ومن أكبر أنصار الشيخ أبي اليقظان في جهاده الصحفي في الجزائر، فهو يزور الشيخ في مكتبه ويقرأ عليه قصائد الملحون القوية التي ينشئها في الدعوة إلى الإصلاح والذب عنه، ومحاربة المفسدين والمستعمرين، وكذلك كان متحمسا للروح الثورية لحزب الشعب الجزائري ومناداته بالاستقلال، يقرأ مناشره وصحيفته العربية باهتمام، وكان عميد حزب الشعب الجزائري الثائر إبراهيم غرافة من أصدقائه الكبار ممن كانوا يفضحون تجاوزات الاستعمار، وكانت له نزعة وطنية ونصرة للإسلام واللغة العربية، وللشاعر اتصال بالعديد من الوطنيين الجزائريين ومنهم من كانمن أبناء بلدته بريان محمد بن عمر أولاد عابو وبودي عمر بن سليمان وباسليمان إبراهيم لمنور وأوراغ الحاج أحمد بن عمر....

ومن عناية واهتمام السيد عمر بلعيد بالتاريخ أن ألف كتابا مهما في تاريخ بلدة بريان وهو مخطوط ذكر فيه أهم الأحداث الواقعة في وطنه بريان في العقد التاسع والعاشر من القرن التاسع عشر إلى آخر الثلاثينات منه كما له ديوان يعرف بديوان الغريب مطبوع، وله كذلك دواوين في الشعر ما تزال مخطوطة، وانتقل الشاعر عمر بن الحاج بلعيد البرياني إلى جوار ربه سنة 1947م، وقد عاش ما يقارب 67سنة([5]).

بعض عناوين القصائد من ديوان الغريب:

-قصيدة تاريخية في الويدان القوية1901م.

-قصيدة تاريخية وطنية في رحلة الشيخ بيوض إلى بريان.

-قصيدة في حياة المتزوج وحياة العازب.

-قصيدة في التربية والنصائح.

-قصيدة في شبان اليوم والمدنية.

-قصيدة في رحلة بن جلول واحتفال البعثة العلمية.

بعض عناوين القصائد من دواوين مخطوطة:

-قصيدة: الحجة في معرفة الخالق.

-قصيدة: مدح النبي المختار.                                                     

-قصيدة: الصلاة وما يتعلق بها.

-قصيدة: الحج والمناسك.

-قصيدة: صلاة العيد.

-قصيدة: في المواعظ والنصائح.

-قصيدة: تشريف الشيخ الحاج محمد أطفيش.

قصيدة: حول القائد يحي بن حمو باحميدة.

-قصيدة: حول وفاة القائد سليمان بن باحمد العساكر.

قصيدة: في حرب الطرابلس مع الطليان سليمان بن عبد الله الباروني.

-قصيدة: في نشأة المطبعة العربية المزابية.

قصيدة في زيارة الوطن.

-قصائد في وصف بعض المدن: الجزائر، البليدة، وهران، تيارت، غليزان، مستغانم، تلمسان، بلعباس، سطيف، الجلفة، الأغواط، الأندلس...

 

2.أبرز الشعراء حديثا في بريان:

-الشيخ يوسف بن صالح تربح.

-الدكتور محمد بن عمر العساكر.

-الشيخ بكير بن محمد أرشوم (توفي عام 1997).

-الأستاذ عيسى بن سليمان قرقر.

-الأستاذ باحمد بن إبراهيم موسلمال(لزعل).

-الأستاذ يوسف بن يحي الواهج.

-يوسف بن قاسم لعساكر.

-الحاج صالح بن أحمد بن الحاج سماحي.

-أحمد بن محمد الصغير.


(1) المرجع : بريان تاريخ وحضارة دراسة: تاريخية حضارية سياسية اقتصادية اجتماعية دينية ثقافية تأليف إسماعيل بن محمد لعساكر ص174-182

)-مقابلة مع الحاج إبراهيم لعساكر بتاريخ 02فيفري 1996م.[1](

)-مقابلة مع الحاج أحمد بن عمر أوراغ بتاريخ 10 جانفي 1997م. ومقابلة مع محمد بن إبراهيم الحرمة، الأحد 19نوفمبر 2000م.[2](

)-مقابلة مع الحاج محمد بن باحمد زيطاني بتاريخ 11ديسمبر1995م.[3](

)-قاسمي فاطمة :المنحى الصوفي عند الشاعر أحمد بن الحرمة، مشروع نهاية الدراسة لنيل شهادة الليسانس في اللغة العربية وآدابها، جامعة الأغواط ، دفعة 2000،ص06-08.[4](

)-يحي بن بهون حاج أمحمد: ديوان الغريب عمر بن الحاج عيسى بلعيد البرياني 1880م-1947م شعر ملحون، دراسة وتحقيق، طبع ونشر العالمية للطباعة والخدمات، 2010م،ص03-20بتصرف.[5](

)-قاسمي فاطمة: المنحى الصوفي عند الشاعر أحمد بن الحرمة، مشروع نهاية الدراسة لنيل شهادة الليسانس في اللغة العربية وآدابها ،جامعة الأغواط، دفعة 2000م.ص06-08بتصرف.مقابلة مسجلة مع الشيخ محمد بن إبراهيم الحرمة: الأحد 08رمضان 1421ه/03ديسمبر2000م.[6](

 

الخروج من النار محمد رشيد رضا

مفهوم الخروج من النار عند السيد محمد رشيد رضا

((عقيدة صكوك الغفران والخروج من النار)) [ ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوء يجز به ولا يجد له من دون الله ولياً ولا نصيراً ]

بهذا يتبين أن هذه العقيدة عقيدة يهودية الأصل، وإنما سرت إلى المسلمين بسبب احتكاك كثير منهم باليهود، وتأثرهم بما يقولون من أباطيل ولست وحدي أزعم أن هذه العقيدة عقيدة يهودية الأصل فإن كثيراً من المصنفين قد قالوا ذلك، بل القرآن الكريم صرح بذلك.

ومن المصنفين الذين صرحوا بذلك الإمام العلامة السيد محمد رشيد رضا صاحب تفسير "المنار"، مع أنه ينتمي إلى مذهب يدين بالخروج من النار؛ ولكنه اجتهد ورأى الحق ولم يتعامى عنه، ففي تفسير" المنار" في مقدمة سورة البقرة في الجزء الأول صفحة 112 يقول: (( القاعدة السادسة)): إن الجزاء على الإيمان والعمل معاً، لأن الدين إيمان وعمل، ومن الغرور أن يظن من ينتمي إلى نبي من الأنبياء أن ينجو من الخلود في النار بمجرد الانتماء، والشاهد عليه ما حكاه الله لنا عن بني إسرائيل من غرورهم بدينه وما رد به عليهم حتى لا نتبع سنتهم وهو ] وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة[ آيه 80-82، وما حكاه عن اليهود والنصارى جميعاً من قومهم ] وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هوداً أو نصارى تلك أمانيهم[ إلى آخر الآيتين 111/112.

ثم بعد ذلك يقول :(( ولكننا قد أتبعنا سنتهم شبراً بشبر وذراعاً بذراع مصداقاً لما ورد في الحديث الصحيح، وإنما نمتاز عليهم بأن المتبعين لهم بعض الأمة لا كلها وبحفظ نص كتابنا كله، وضبط سنة نبينا في بيانه، وبأن حجة أهل العلم والهدى منا قائمة إلى يوم القيامة)) انتهى كلامه.

وصرح بأكثر من ذلك في تفسير آية الربا في أواخر سورة البقرة فقد قال في الجزء الثالث من تفسير المنار في الصفحتين 89، 99 ما نصه: (( أباح أكل ما سلف قبل التحريم، وأبهم جزاء أكله شيئاً بعد النهي فقال ] ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون[ ، أي ومن عاد إلى ما كان يأكل من الربا المحرم بعد التحريم فأولئك البعداء من الاتعاظ بموعظة ربهم، الذي لا ينهاهم إلا عما يضر بهم في أفرادهم أو جميعهم، هم أهل النار الذين يلازمونها كما يلازم الصاحب صاحبه فيكونون خالدين فيها)). ثم قال بعد ذلك: (( وقد أول المفسرون الخلود لتتفق الآية مع المقرر في العقائد والفقه من كون المعاصي لا توجب الخلود في النار، فقال أكثرهم إن المراد من عاد إلى أكل الربا واستباحته اعتقاداً، ورده بعضهم بأن الكلام في أكل الربا، وما ذكر عنه من جعله كالبيع، هو بيان لرأيهم فيه قبل التحريم فهو ليس بمعنى استباحة المحرم، فإذا كان الوعيد قاصراً على الاعتماد فحسب فلا يكون هناك وعيد على أكل بالفعل)).

ويتابع السيد محمد رشيد رضا: (( والحق أن القرآن فوق ما كتب المتكلون والفقهاء، يجب إرجاع كل قول في الدين إليه، ولا يجوز تأويل شيء منه ليوافق كلام الناس، وما الوعيد بالخلود هنا إلا كالوعيد بالخلود في قتل العمد، وليست هناك شبة في اللفظ على إرادة الاستحلال،ومن العجب أن يجعل الرازي الآية هنا حجة على القائلين بخلود مرتكب الكبيرة في النار انتصار لأصحابه الأشاعرة )) . ثم قال بعد ذلك: ((وخير من هذا التأويل تأويل بعضهم الخلود بطول المكث)) ، ثم قال: ((أما نحن فنقول ما كل ما يسمى إيماناً يعصم صاحبه من الخلود في النار، الإيمان إيمانان: إيمان لا يعدوا التسليم الإجمالي بالدين الذي نشأ فيه المرء أو نسب إليه ومجاراة أهله ولو بعدم معارضتهم ما هم عليه، وإيمان هو عبارة عن معرفة صحيحة بالدين عن يقين بالإيمان متمكنة في العقل بالبرهان مؤثرة في النفس بمقتضى الإذعان، حاكمة على الإرادة المصرفة الجوارح في الأعمال، بحيث يكون صاحبها خاضعاً لسلطانها في كل حال، إلا ما لا يخلو منه الإنسان متغلبة عليه غفلة أو نسيان، وليس الربا من المعاصي التي تنسى أو تغلب النفس عليها خلسة الجهالة أو الطيش كالحدة وثورة الشهوة، أو يقع صاحبها هنا في غمرة النسيان كالغيبة والنظرة، فهذا هو الإيمان الذي يعصم صاحبه بإذن الله من الخلود في سخط الله، ولكنه لا يجتمع مع الإقدام على ارتكاب الإثم والفواحش عمداً إيثاراً لحب المال واللذة على حب الله.

أما الإيمان الأول فهو الإيمان الصوري فقط فلا قيمة له عند الله تعالى، لأنه سبحانه وتعالى لا ينظر إلى الصور والأقوال، ولكنه ينظر إلى القلوب والأعمال كما ورد في الحديث، والشواهد على هذا الذي قررناه كثيرة جداً، وهو مذهب السلف الصالح وإن جهله كثير ممن يدعون إتباع السنة حتى جرأوا الناس على هدم الدين بناء على أن مدار السعادة الاعتراف بالدين، وإن لم يعمل حتى صار الناس يتبجحون بارتكاب الموبقات مع الاعتراف بأنها من كبائر ما حرم، كما بلغنا عن بعض كبرائنا أنه قال: إنني لا أنكر أني آكل الربا، ولكنني مسلم اعترف بأنه حرام، وقد فاته أن يلزمه بهذا القول الاعتراف بأنه من أهل الوعيد وبأنه يرضى بأن يكون محارباً لله ولرسوله، وظالماً لنفسه وللناس كما سيأتي في آيه أخرى، فهل يعترف بالملزوم أو ينكر الوعيد المنصوص فيؤمن ببعض الكتاب ويكفر ببعض؟!، نعوذ بالله من الخذلان))، هذا كلام السيد محمد رشيد رضا في تفسير آية الربا التي فيها الوعيد على آكله.

والسيد محمد رشيد رضا قد سبقه الأستاذ الكبير العلامة الإمام محمد عبده إلى مثل هذا الرأي، فلنسمع إلى ما يقوله في تفسير قوله تعالى ] فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون[ ، يقول: )) ومن المفسرين من ترك السيئة في الآية على إطلاقها، فلم يأولها بالشرك ولكنهم أولوا جزاءها فقالوا: إن المراد بالخلود طول مدة المكث، لأن المؤمن لا يخلد في النار، وإن استغرقت المعاصي عمره، وأحاطت الخطايا بنفسه فانهمك فيها طول حياته، فهم أولوا هذا التأويل هروباً من قول المعتزلة: إن أصحاب الكبائر يخلدون في النار وتأييدا لمذهبهم أنفسهم المخالف للمعتزلة) ).

ثم قال بعد ذلك: )) والقرآن فوق المذاهب يرشد إلى أن من تحيط به خطيئته لا يكون أو لا يبقى مؤمناً))، وقد علق على هذا الكلام محمد رشيد رضا مما يؤيد ما قاله هناك من الخلود في النار، فمن شاء فليرجع إليه في تفسير المنار الجزء الأول من صفحة 362 إلى 364. 

اختاره ونقله لكم أبو مجاهـــــد

الخلاف في إخراج زكاة الفطر طعاما أو نقدا

الأصل في تحديد زكاة الفطر أنها صاع من الطعام

ووزن ما يوضع في الصاع يكون حسب ثقل ذلك الطعام الذي يوضع فيه

والقيمة ستكون بناء على قيمة ذلك الطعام في السوق وحسب ذلك الوزن

فصاع مثلا من السميد المتوسط (نوعية وسعرا في السوق) سيزن حوالي 2 كيلو و 250 غراما

فانظر سعر ذلك النوع من السميد واضربه في ذلك الوزن لتعرف القيمة بالتقريب

والوزن سيختلف طبعا إن كنت أردت إخراج التمر مثلا

فوزن صاع من السميد لا يساوي نفس وزن صاع من النوعية الفلانية للتمر

وكذلك السعر يختلف

فلذلك تحمل أيها الفرد مسؤوليتك في تحديد القيمة

فأنت إنسان تشتري حاجياتك دائما وتعرف مجريات السوق وبإمكانك التقدير والتحري بنفسك

لا أقول هذا للتشكيك في من يخرج القيمة، فهو قول قال به من قال من أهل العلم جزاهم الله خيرا

فلا يعتب من يخرج القيمة على من يخرج الطعام (السميد والتمر مثلا)

ولا يعتب من يخرج الطعام على من يخرج القيمة

بل لنترفع ولنتقبل الاختلاف ولنتسامح

وعلى الفقهاء في المنابر بعد بيان الراجح لديهم في أي مسألة فقهية أن يبينوا للناس أن تلك المسألة اجتهادية ويسع فيها الاختلاف ولا يجوز فيها أي تعامل يدل وكأن ذلك المختلف قد وقع في إثم وضلالة...

وويل لمن أفتى على المنابر بصورة تجعل الناس يخرجون من عنده ناقمين على من يعمل بفتوى أخرى خلاف الفتوى التي سمعوها منه .. اتقوا الله في أنفسكم وفي من يعمل بخطبكم وفتاواكم...

هذه المسألة نموذج، وغيرها كثير...

لن نقضي على الاختلاف مهما حاولنا

ولن نوقف عجلة الاجتهاد في المسائل الظنية مهما حاولنا

وغبي من يتوهم أن وحدة الأمة إنما هي بوحدتهم في المسائل الاجتهادية التفصيلة .. بل ننصحه أن يقرأ شذرات من سيرة النبي -صلى الله عليه وسلم- وصحابته الكرام رضوان الله تعالى عليهم..

وتأبى حكمة الله تعالى إلا أن تبقى تلك التفاصيل متجددة مع الإنسان والزمان والمكان..

وعذرا..

هيا قم واهتم بزكاتك وزكاة من يلزمك شرعا، ولا تشوش عليك هذه التفاصيل عن الاشتغال بالسعي إلى أداء هذه الشعيرة الطيبة..

لنتسامح فيما بيننا ونتقبل الاختلاف....

فتلك مسائل إجتهادية يسع فيها الإختلاف

فالوحدة ليست في المسائل الفرعية الظنية 

 

‎عبدالله الحكيم‎

الرعي الفلاحة والري في بريان

الإحصاءات المتعلقة بمجال الفلاحة والرّي

من 1299هـ/1882م إلى 1330هـ/1912م

 

أوّل إحصاء بعد الإلحاق [1]

الآبار الحيّة 274 /  النّخيل 27855

معدّل ما كان يملكه كلّ فرد من النّخيل، مباشرة بعد الإلحاق 5.5

 

وهذا إحصاء النّخيل والآبار بشيء من التّفصيل، وقع عام 1902 [2]

عدد الآبار

النّاضبة 10

التي تنضب وقت الجفاف 35

التي لا تنضب 235

النخيل 25775

 

السدود في بريان

في عهد القائدين سليمان بن عمر بودي وابنه عمر، بنيت ثلاثة سدود في واحة بريان، بتبرعات بني مزاب وجهودهم الخاصّة، منها أكبرها، وهو سد بالُّوحْ، الذي انطلقت أشغاله في جوان 1947، طوله من الشرق إلى الغرب نحو أربعمائة متر، وعلوه نحو خمسة أمتار، وسمك أعلاه نحو ثلاثة أمتار. وهو بالإسمنت والجير والحجر وأبواب الحديد الأوتوماتيكية. ومثله سد غابة السودان، طوله نحو ثلاثمائة متر، وعلوه نحو أربعة أمتار [3].

 

المياه في بريان[4].

1-الري: لبريان موارد مالية معتبرة بحكم أنها تقع في منطقة جغرافية هامة حيث الأودية تعتبر عليها، مثل وادي بالوح والسودان والمداغ والزرقي، نتيجة الأمطار التي تتهاطل على بريان وضواحيها ولهذا اهتم الأمناء وأهل المعرفة بهذا الميدان الزراعي والري ببناء الحواجز والسدود والخزانات لخزن المياه السطحية للسيول والأودية التي تنفع البلدة لسقي المنتوجات الفلاحية وهذه الخزانات تستفيد منها الآبار ويستغلها الفلاحون وأهل البلدة، ولهذا وُضع لتصريف المياه قوانين لتقسيم المياه بالتساوي وبطريقة مضبوطة حتى لا تضيع.

 

2-السدود: مرت فترات شحت الطبيعة بمائها، فاستدعى الخبراء في الفلاحة والأمناء، فاقترحوا بناء السدود والخزانات لخزن مياه السيول والأودية، وبذلك تم بناء العديد منها قديما وحديثا ومنها الصغيرة والكبيرة.

 

طريقة بناء السدود أو أحباس باللغة المحلية :

السدود قديما: أو السدود الصغيرة التي تم بناؤها وتشييدها قبل الاحتلال الفرنسي للمنطقة تعد أقدم من السدود الكبيرة "الباراج"barrage وهي الحديثة حيث كان المسجد هو الذي يشرف على مهمة تسيير وتدبير الكيفية للبناء واختيار المكان والتصميم، وهذا بعد أن يستشار أهل الدراية بأمور الفلاحة والري خاصة هيئة الأمناء وهم على أصناف، وهنا دور أمناء الفلاحة والري فهؤلاء كان لهم الفضل في التدبير وبعدها تعلن هيئة العزابة بالمسجد والجماعة في السوق عن التطوع-التويزة أو الندهة- من أجل بناء السدود وكان لأعيان البلدة دور هام في الدعم المادي والمعنوي لمثل هذه المبادرات الهامة التي تخدم المجتمع فبعد أن ينتشر الإعلان بين السكان يخرجون في تطوع ويتهافتون على العمل فيقوم العرش بأكمله بالتعاون والتضامن والتكامل لإنجاز هذا المشروع العظيم، حقا بوسائل بسيطة وجهود كبيرة استطاعوا تحقيق مشروعهم بنية صادقة وأجر محتسب عند الله إنه هو المعين وميسر الأمور لعباده المخلصين.

أهم السدود قديما:

 

1.ناحية السودان:

-سد الكْرمْ: بناحية السودان بين ساقية الكْرمْ وساقية الوسطْ.

-سد لمْلاقى: المكان الذي يلتقي فيه وادي السودان ووادي بالوح.

سد سيدي أحمد بوسط باراج السودان (مغمور بالتراب حاليا).

 

2.ناحية الزرقي:

-سد الزرقي الفوقاني "العلوي" المجاور لغابة أشكال وجنان كفوس.

-سد الزرقي التحتاني "السفلي" الكائن بين غابتي يامي ولعساكر (مغمور بالتراب حاليا)

 

3.تحت القصر –داقودْ أُوغرمْ- :

-سد بن عطلّهْ-عطا الله-المجاور لغابة قتيّ وغابة بن عطلّهْ .

-سد باسّهْ المتصل بغابة باسّهْ وقد اندثر.

 

4.ناحية الحنية:

-سد عفاري بين غابة بجلود من الناحية الشرقية وغابة بغوتي من الناحية الغربية.

-سد الحاج إسماعيل المتصل بغابة لعساكر الحاج إسماعيل وعباس بكير بن باحمد.

-سد الحاج صالح والحاج إسماعيل لعساكر.

 

5.ناحية بالوح: سد الفخارين فوق غابة أدباش.

 

6-ناحية المداغْ: سد المداغ.

 

ملاحظة: إن السدود التي ذكرت آنفا تهدّم بعض منها في عام 1936م وذلك بسبب الفيضانات، ويعرف هذا العام بعام الحجر وعام السخطة([1]) .

طريقة بناء السدود الكبيرة "الباراج":  

 

السدود حديثا: أو السدود الكبيرة: تم بناؤها في عهد القياد والحكام أي في عهد الاحتلال الفرنسي للمنطقة مقارنة بالسدود القديمة، فكان القايد هو المشرف على بناء هذه السدود بعد الاستشارة وتبادل الرأي والأفكار مع من بيده زمام الأمور والخبرة الميدانية (هيئة العزابة-الأمناء)

وتم بناء بعضها بالتطوع الجماعي لأهل البلدة وأخرى عن طريق العمال المأجورين.

أهم السدود حديثا

 

1-ناحية بالوح:

-سد باحمد والحاج متصل بالجبلين من جبل الكاكة إلى جبل كاف حمودة ، تم بناؤه حوالي عام 1954م من قبل العرش في عهد القايد بودي سليمان بن عمر والمشرفين على البناء أرشوم الحاج حمو بن عيسى والزيدي محمد، طوله 300 متر وعرضه 3 أمتار وارتفاعه من 4 إلى 5 متر.

 

2.ناحية الحنية:

-سد الحنية يقع في انتهاء غابة الحنية متصل بالمغارة، تم بناؤه حوالي 1952م في عهد القايد بودي سليمان بن عمر، طوله 300 متر وعرضه 2 متر وارتفاعه من 4 إلى 5 متر.

 

3-ناحية السودان:

-سد السودان عند بداية غابة السودان متصل بين الجبلين جبل أرجال العرمة، محايد للطريق الوطني رقم 1 وجبل سيدي سلامة، تم بناؤه عام 1376ه/1957م من قبل العرش في عهد القايد عمر بن سليمان، طوله 200متر، وعرضه 2متر وارتفاعه من 5إلى 7متر، وتم تدشينه يوم 16أفريل 1957م.

السدود الجديدة بعد الاستقلال:

سد لعْميّد ْ متصل بين الجبلين في نهاية غابة بالوح القديمة تم بناؤه عام 1393ه/1974م، في عهد رئيس البلدية السعودي عيسى بن سليمان، طوله 500متر وعرضه 2متر ارتفاعه من 2إلى 3متر.

-سد أمْكبْ اعْمرْ بن علي تم بناؤه عام 1400ه/1980م.

-سد أمْكبْ لمْناخْ سيدي أمبارك بالوح تم بناؤه حوالي 1410ه-1412ه/1990م-1992م، في عهد رئيس البلدية حجاج باحمد بن قاسم، طوله 150متر وعرضه 3متر وارتفاعه من 3متر وارتفاعه من 3إلى 4متر.

-سد لعْويجهْ بسيدي بوسحابة بالوح تم بناؤه عام 1425ه/ 2005م في عهد رئيس البلدية عمر أيوب باحمد بن عيسى([2]).

 

فائدتها: تعود فائدة بناء السدود لحجز المياه حتى تمتص منه الآبار المياه، في فصل الصيف تكون الحرارة مرتفعة فهذه المياه تصبح خزانا ينتفع منه أهل البلدة، فعندما تسيل الأودية يكون السد حاجزا لهذه المياه وينخفض قوتها حتى لا تحدث كارثة بالنسبة للأراضي والمحاصيل الزراعية، وتكون وسيلة لحجز التراب منها الأتربة الخصبة الصالحة للزراعة والغنية بالمواد العضوية التي يحتاجها النبات لينمو نموا طبيعيا، وعلى هذا الأساس كانت السدود تستغل استغلالا حقيقيا حفاظا على الثروة المائية، فإننا نجد هذه السدود غير مهملة ينزعون منها الأتربة كلما تراكمت ويحولونها إلى بساتينهم للارتفاع بها، هذا من جهة ومن جهة أخرى يفسح المجال للسد أن يحمل أقصى حد للماء (الأمتار المكعبة م3) من المياه.

 

-تقسيم مياه السيل لساقية السيل لأولاد باحمد وساقية باحمد بن الحاج (بالوح القديم).

قسم السيل للساقيتين على أربابه كما سيأتي مفصلا كوة بعد كوة من ساقية أولاد باحمد المذكورة مبتدأ.

 

أولا: غابة بن شيشة كوتها 23سنتم ورصفتها 153سم عرضا.

ثم غابة بنوة كوتها 22سنتم ورصفتها 164سنتم عرضا، وتليها ساقية باحمد بن الحاج.

 

ثانيا: غابة باحمد بن الحاج كوتها 10سنتم ثم كوة أخرى لها عرض 10سنتم.

ثم غابة أعمر بن الناصر كوتها 10سنتم رصفتها 230سنتم.

ثم غابة عفاري بن باحمد البعوش كوتها 10سنتم رصفتها 230سنتم عرضا.

ثم غابة أحليلو كوة عرضها 10سنتم.

ثم غابة المغازي كوتها عرضا 10سنتم ولا رصفة لها.

ثم غابة الزاوي كوة عرضها 13سنتم ورصفتها 354سنتم.

ثم غابة الأخضر بن التومي كوة عرضها 12سنتم ورصفتها 354سنتم.

ثم غابة أغويدر كوة عرضها 13 سنتم رصفتها 270سنتم.

ثم غابة بن عسكر كوة عرضها 44سنتم ولا رصفة لها.

ثم غابة دباسية عرض كوتها 12سنتم رصفتها 331سنتم.

ثم غابة البعوش كوة عرضها 16سنتم رصفتها 338سنتم.

ثم غابة أولاد شعبان كوة عرضها 10سنتم رصفتها 253سنتم.

ثم ساقية فوطية والزروق عرضها 33سنتم ورصفتها 730سنتم.

ثم رصفة ساقية العجرود عرضها 290سنتم.

ثم كوة ساقية إبراهيم بن عيسى عرضها 91سنتم ورصفتها 207سنتم.

ثم غابة الصيقع كوة عرضها 28سنتم ورصفتها 28سنتم.

ثم غابة بهدي كوة عرضها 10سنتم رصفتها 219سنتم.

ثم غابة الشهري كوة عرضها 22سنتم رصفتها 167سنتم.

ثم غابة سي عثمان كوة عرضها 10سنتم رصفتها 110سنتم.

ثم غابة دحو كوة عرضها 23سنتم رصفتها 119سنتم.

ثم غابة الحاج أمحمد بن كاسي كوة عرضها 36سنتم.

ثم غابة بوسريح كوة عرضها32 سنتم رصفتها 72سنتم.

ثم حوزة الحاج مبروك كوة عرضها 14سنتم رصفتها 202سنتم.

ثم غابة العجرود كوة عرضها 09سنتم رصفتها 201سنتم.

ثم غابة يحي بغوتي عرضها 08سنتم.

ثم غابة باحمد بن يوسف كوة عرضها 90سنتم.

ثم حوزة محمد المخلوفي كوة عرضها 30سنتم رصفتها 118سنتم.

ثم غابة يونس محمد بن بوكر كوة عرضها 22سنتم رصفتها 39سنتم.

ثم غابة محمد السايح كوة عرضها 22سنتم.

ثم غابة بالحاج بن صالح كوة عرضها 19سنتم.

ثم غابة الحاج يحي فاره كوة 44سنتم.

ثم حوزة يحي بن يحي كوة عرضها 20سنتم رصفتها 39سنتم.

ثم غابة فوطية كوة عرضها 22سنتم رصفتها 286سنتم.

ثم غابة فرهوط كوة عرضها 24سنتم رصفتها 260سنتم.

ثم غابة زقور كوة عرضها 30سنتم رصفتها 300سنتم.

ثم غابة أبصير كوة عرضها 8سنتم رصفتها 260سنتم.

ثم غابة الحاج يحي كوة عرضها 20سنتم رصفتها 103سنتم.

ثم غابة الجاني كوة عرضها 20سنتم رصفتها 110سنتم.

ثم رصفة غابة ابن علال 78سنتم.

وتليها رصفة ساقية الكروش عرضها 118سنتم.

ثم غابة بلخير عرضها 77سنتم.

ثم رصفة غابة بوربيع كوة عرضها 96سنتم.

ثم غابة بوربيع كوة عرضها 18سنتم رصفة بين الكوة المذكورة وحفرة بنوح عرضها 42سنتم.

ثم غابة قتي كوة عرضها 45سنتم رصفتها 100سنتم.

ثم غابة قراس كوة عرضها 60سنتم.

ثم غابة الكروش كوة عرضها 60سنتم.

رصفة ساقية باحميدة عرضها 63سنتم.

ثم غابة أرويشد كوة عرضها 50سنتم رصفتها 142سنتم([3]).

 

-3الأودية المحيطة ببريان :

 

1.بعض الأودية التي تصب في واد انسا(واد النساء):

 

أ- من الجهة الشرقية:

واد بوسعيدات – الحنايا- رقان – الزرايب العجلة – المورد – زريبة بوخوخة – زريبة الخيل – فيض غانم – زريبة مناد.

 

ب-من الجهة الغربية:

الباقل التبل – الباقل لفطح- الباقل الخُنّش – سمار – شليحة – لعروس – البيض – أزباير- لاروي.

 

 

2-الأودية التي تصب في وادي زقرير :

أمكب أودي الطين- أمكب وادالنساء- واد العجوز – بن جابر – بن عطاش- العجلة – القلتة- خُبّيزي- السّنغ- بوحلابة- العويجة.

 

3-الأودية التي تصب في واد البئر:

بالوح- السودان- الزرقي – لمْوْديغْ- انشاشو.

 

ملاحظة: كل أودية بريان تنتهي في مْلاقة(ملتقى) وادي البئر جنوبا.

 

4-الجباب في بريان

الجباب جمع جب، وقد أنشأت في ضواحي بريان عدة جباب وهي عبارة عن خزانات لمياه تساقط الأمطار وأودية السيول وتتجمع في الجب (الخزان )، وهي مفيدة لسقي الضرع والزرع وهذه الخزانات منها القديمة والحديثة.

 

1-القديمة

جب لمسايبة بوادي النسا.

جب كفوس.

جب مقرونة، أمكب مقرونة.

جب تلغمت.

 

2-الحديثة

جب لاروي، أمكب لارْوي.

جب وادي السودان، أمكب اليحياوي واودي حيزية.

جب وادي نشّو.

جب وادي بسدير([4]).

 

5-الآبار

يوجد العديد من الآبار في بريان، منها داخل القصر وأخرى بالبساتين، وأخرى في الصحراء، وتم حفرها من قبل العرش لاستخراج المياه لسقي العباد والغلات الفلاحية والأغنام.

وأسباب حفر هذه الآبار هي أَمنية ودينية واقتصادية واجتماعية واستراتيجية، وتصلح هذه الآبار لاستغلال المياه الجوفية في بريان، ولقد تم حفر عدة آبار منذ تأسيس مدينة بريان عام 1596م، إلى يومنا هذا، ومن هنا وجدت آبار قديمة وأخرى حديثة.

 

1-آبار داخل القصر.

2-آبار البساتين المحاذية للقصر.

3-آبار البساتين القريبة من البلدة.

4-آبار الصحراء خارج البلدة وفي حدودها.

وتستخرج هذه المياه قديما بوسائل تقليدية كالدلو وهو عبارة عن قربة جلدية ضخمة ذات خرطوم و(إمرْودْ) ، وهو عبارة عن قطعة خشبية أسطوانية الشكل بطرفها قطعتا حديد و(تجرارْتْ)*([5]) البكرة الدائرية.

100

أما حديثا فيستخرج الماء بالمضخات المائية، وهذه الآبار متفاوتة العمق منها القريبة والبعيدة.

 

1-آبار داخل القصر: هذه الآبار حفرت على الصخرة، ويحتاج حفرها إلى خبرة رجال تخصصوا في هذ الفن من العمل، من هنا نجد أن هذه الآبار احتفظ التاريخ بأسماء الرجال الذين حفروها.

 

أ.بئر المسجد العتيق (بربورة): كان وراء حفره الحاج إبراهيم شريفي عدون وأهل البلدة أي العرش، يبلغ عمقها 36ذراعا أي ما يعادل 18مترا.

 

ب.بئر الشارع الوسطاني: قام بحفره العرش، يبلغ عمقه 50ذراع أي ما يعادل 25مترا.

 

ت.بئر الشارع السفلي: الشارع الرئيسي للبلدة آنذاك كان وراء حفره العرش، يبلغ عمقه 50ذراعا أي 25مترا.

 

ث.بئر كاف بوكراع: حفره داود الحاج صالح من بني يسجن ويبلغ عمقه 60ذراعا أي م يعادل 30مترا.

 

ج.بئر الدهماس: حفره عمر أيوب سليمان بن يونس ويبلغ عمقه 50ذراعا أي مايعادل 25مترا.

 

ح.بئر الترعة: حفره أبو الصديق باحمد بن الحاج بكير ويبلغ عمقه40ذراعا.

أي ما يعادل20مترا([6]).

 

ملاحظة: مياه هذه الآبار تستعمل للاستهلاك الذاتي من قبل العرش أي أهل البلدة يستقون منها، كل بحسب حاجته، وهناك أشخاص يقومون بعملية السقي ويحملون الماء في قِربْ متنقلين بها بين المنازل، منهم مولود ابراهيم بن صالح وكاسي موسى باعلي بن يونس وقاجي ابراهيم بن باحمد([7]).

 

2-آبار البساتين المحاذية للقصر:

هذه الآبار تستعمل لسقي البساتين والمحاصيل الزراعية، حيث ساعدت السكان على خدمة الأرض من أجل تحصيل قوتهم اليومي والكسب والعيش، حيث كان نشاط أهل البلدة منحصرا في الفلاحة وتربية المواشي، وتستعمل أيضا للشرب، وهذه الآبار المغمورة والمستغلة إلى يومنا هذا، ومن هذه الآبار المستغلة إلى يومنا ما يلي: بئر صالح والحاج- بئر بكر أملال- بئر أسيَا- بئر فرهوط- بئر مامة أزقاو- بئر آت علي- بئر بوسريح –بئر تربح- بئر بن عسكر- بئر حشاني – بئر باسة- بئر كوله- بئر كروش- بئر قتي- بئر بن علال- بئر بودواية.

 

3-آبار الصحراء الموجودة خارج البلدة:

توجد العديد من الآبار خارج البلدة على مسافات طويلة، وهذه الآبار تابعة لبعض الأشخاص الذين قاموا بحفرها، والأخرى تابعة لبعض العروش قديما وحديثا، منها:

حاسي الكبش- حاسي صطافة – حاسي تلغمت- حاسي كفوس – حاسي قزاح – حاسي الرمل –حاسي سيدي أمبارك.

 

4-الآبار القديمة التي ردمت وغمرت بالتراب:

هناك آبار قديمة موجودة في الصحراء، والتي غمرت بالتراب وزال أثرها اليوم منها: حاسي مذاغ الرّصفة- حْواسي المعْمورة تشيبانْتْ- حاسي أمْكبْ أَوديْ الطين –حاسي أَمْكبْ البَياّ-حاسي لغْشَة([8]).

إحصاء عدد النخيل والآبار بعد الإلحاق سنة 1882م([9]).

عدد السكان

عدد النخيل

الآبار الحية

الآبار الناضبة

عدد النخيل للفرد الواحد

4500ن

27855

274

-

6

5-متوسط عمق الآبار بالنواحي التالية:

الحَنْية 35مترا.

الزّرقي 35مترا.

السودان 25مترا.

بالوح العلوي 20مترا.

بالوح الأوسط 25مترا.

بالوح السفلي 35مترا.

لروي 110مترا.

إحصاء آبار بريان([10]):

إسم المكان

عددالآبار

العمق (متر)

الكمية م3/24ساعة

واحة بريان

201

15م إلى 50م

02م إلى 12م3

واد سطافة

03

49م إلى 55م

03 إلى 07م3

واد الكبش

01

52م

7.3م3

واد بالوح

06

10م إلى 28م

05 إلى 15م3

واد المداغ

01

56م

واد البئر

12

آبار صحراء بريان:

"رسم قديم: ومما وجدته بخط عمناالحاج ابراهيم بن سبقاق، سئل منصور بن الطيب الزنخْري الذي عاش من العمر 118 سنة والمسمى –مول البغلة- عما تحقق من حواسي (آبار) صحراء بريان ولمن تنسب فقال:

أول حاسي في مطلق الحلفاء التحتانية، في واد البئر من الغرب ، فوق مطلق الحليفة مقابل

لقصر العطف من الغرب هو لسيدي أمحمد بن سعيد بورقبة.

وحاسي تحته ماؤه كثير تحت السدرات الكبار في مطلقْ الشعبة الشرقية يبعد عن السدرات بأكثر من ستين ذراعا فوق الحشانة هو لسيد مبارك بن علي بن مبارك بن أمحمد.

وحاسي في واد أنسا فوق مطلق المهراس الجوفي هو لأولاد أحمد من عرش الفراشيش، شرقي لقصر أهل بنورة الذي في الركنة الغربية.

وأربع حواسي في حنية السوق المعمورة هم للأرباع المغامر وبعض من القرط.

وحاسي في مطلق البيض في المداغ الغربي هو لأولاد علي بن أعمر وأولاد عقاب.

وحاسي في مطلق المداغ الجوفي من الجانب الشرقي في جوف الحجرة الكبيرة هو لسيدي علي بن مبارك.

وحاسي في الركنة الجوفية بين الأشعاب جوف المذاغ الجوفي هو لأولاد الحفيان.

وحاسيان في مْلاقات الطاهر بن سيدهم، وآخر تحت القصر وأواخر غرب القصر على الطريق جوف الخنقة فوق البطمة من الجانب الغربي أسفل مطلق أشليحة هي لأولاد سيدي الصالح.

وحاسي في مطلق الفرشة جوف الخنقة في انتهاء الجبل جوف القصر هو للأخضر وعلي ومحمد أبناء الصالح.

وحاسي في لروي قبلة مطلق أودي الطين تحت السدرات الكبار مسقف بالمادون هو لسيدي سعيد بن سعيد اليحياوي.

وحاسي في بالوح جوف مطلق أعمر بن علي هو لسيد أحمد بن عثمان الهلالي.

وحاسي فوقه لسيدي بلقاسم بن سعيد شرقي ضريح سيدي أمبارك بن أمحمد قدر ب100ذراع.

وحاسي فوقه لسيدي أمبارك بن أمحمد بورقبة غرب قبره بين السدرات تحت المقبرة القديمة من القبلة.

وحاسي فوقه في مفرع المناخ أسفل البطمة هو لعلي بن خالد البوزيدي.

وحاسي شرقي المسجد هو لعبد الله بن سعد.

وحاسي في مطلق البيّض في السدرة الكبيرة هو لسيدي أمحمد بوسحابة.

وحاسي في مطلق القزاح لحمزة بن علي المذبوحي المسمى حاسي لاغشا وأربع حواسي في مطلق الخديشة والرواحي هي لأولاد علي اليحياويين، هكذا ذكر لنا منصور بن الطيب ثم بعد ذلك توجهنا للوقوف على تلك الأرسام والمعاهد والحواسي المذكورة هنا فوجدناها صحيحة موجودة وشربنا من مياهها، كلها حلوة خفيفة ومن الناس المتأخرين الذين جعلوا رحلة مدة ستة أيام للتنقيب والتحقيق عليها فمن أناسنا جدي التومي بن سليمان وعمنا عبد الرحمن بن امحمد، ومن أهل بريان علي مبارك، وسعيد بن موسى بن علي، والناصر بن بهون بوكراع، وباعلي بن كاسي، وسعيد بن امحمد، وعمر بن حمو بن الحاج ابراهيم، وباحمد أزقاو، وباسعيد بن رابح وجميع الحواسي المذكورة فهي في حوزة بريان، انتهى بحمد الله يوم 6جمادى الأول سنة 1308ه)[11](".

إحصاء النخيل والآبار عام 1902م)[12](:

النخيل

عدد الآبار

التي لا تنضب

التي تنضب في وقت الجفاف

الناضبة

الوروار

25775

235

35

10

-

الآبار الارتوازية:

حفرت آبار إرتوازية يتراوح عمقها من 400م إلى 500م تحت إشراف المهندس

105

الخبير في مصالح الري M.LAUBIER يوم 21نوفمبر 1950م لتزويد بريان بالماء الصالح للشرب([13]).

 

وقد أنجز:

بئر باسة رقم 01: سنة 1954م، العمق 525م، كمية التدفق 100م3 في الساعة.

بئر باسة رقم02: سنة 1959م ، العمق 530م، كمية التدفق 110م3 في الساعة.

بئر بابا السعد: سنة 1959م.

بئر بالوح رقم 01: سنة 1966م.

بئر بالوح رقم 02.

بئر بوعميد –بئر المداغ.

بئر الشيخ عامر.

بئر المحيط الأول لروي سنة 1987م.

بئر المحيط الثاني لروي سنة 1988م.

بئر العيون لروي سنة 1988م.

بئر العساكر الحاج إبراهيم (الزعيم) لروي سنة 1988م([14]).

 

طبقات البئر:

طبقات البئر مختلفة من بئر لآخر، وهذا الاختلاف يكون في المادة نفسها ومكوناتها الداخلية، حيث تكون بعض الطبقات رسوبية هشة والبعض الآخر طبقات طينية متنوعة الألوان وبعضها صخورا صلبة شديدة المقاومة، وهناك طبقات صلصالية فهي حسب التكوين الجيولوجي للأرض والمنطقة المراد حفرها، ويتم الحفر بوسائل

تقليدية يعرف بالمنقوب أو المقاطع ثم تطور الحفر إلى الوسائل الحديثة مع قدوم الفرنسيين.

 

الطبقات تكون على النحو التالي:

أول طبقة هي طبقة الهَيَامْ (مادة هشة):7أمتار ونصف.

حجرة بيضاء: متر ونصف.

حجرة صفراء: متر ونصف.

وكّالْ لحسان: متر ونصف.

تفقاقين: بداية خروج الماء للتبشير تخرجونين.أأ

تاجرّارت: خروج الماء.         أجباد أغلاد نولم

مادون تْلختْ (طبقة طينية): نصف متر.

مادون أنْواداي (حجرة سفلى): بها سواقي.

حجرة بيضاء.

الطين الأسود: متر ونصف.

مادون الطرطار(حجرة الطرطار): بها سبعة ألوان مختلفة.

حجرة إشلشال.

لوسْ(الجبس): آخر طبقة([15]).

 

الناحية الاقتصادية:

كانت الزراعة لأهل بريان قديما المورد الرئيسي لرزقهم، فمعظم السكان كانوا يشتغلون بالفلاحة، فهي مصدر رزقهم وكانت متمركزة في البراري وفي البساتين.

أما في البراري فتوجد أراضي الحرث المتخصصة في زراعة القمح والشعير.

وهي متمركزة في المناطق التالية:

وادي النساء، لاروي، المذاغ، الكبش، بالوح، السودان واد حيزية إلخ...

أما الزراعة المتمركزة في البساتين فهي فصلية قصد الاكتفاء الذاتي، متمثلة أساسا في النخيل ذات التمور بأنواعها المختلفة وأشجار التين والرمان والعنب والمشماش وكذا الخضر والفواكه وغيرها. وكانت متمركزة في المناطق التالية:

بساتين الحنية، السودان، الزرقي، باسة، والكروش، وفرهوط إلخ...والمحاصيل تنقل إلى سوق البلدة، وكان البيع عن طريق المقايضة أي تبديل سلعة بسلعة بين أهل البلدة وأهل البدو الذين يجلبون إلى السوق الغنم والصوف والسمن والحطب والألبان والكمأة إلخ... فتتم عملية التبادل.

عندما تطورت الأوضاع، فأصبحت المزروعات تباع وتشترى في السوق، كانت الغلات الفلاحية مخصصة للاستهلاك المحلي والباقي يصدر إلى خارج بريان، وتمتاز بالجودة العالية نظرا للتربة الخصبة والمياه الحلوة.

 

أسماء التمور المعروفة:

أُعُشَتْ- أَكربوُشْ- أزرزا – باباتي –أوتقبالة – بوعروس –دقلة عيَّ – دقلة نور- دقلة سباق- الدقول – غرس- إتيم –كاس موسى –تادلة- تافزوين –تمزْاورت نتلات- تاوزليت- تامجوهرت –تواجات- تازرزايت.

 

قائة أسماء النخيل للتمور المتواجدة في بلدية بريان([1]):

رقم

إسم النوع

العدد

النوعية

موعد نضجها

اللون

الاستعمال

01

أوعوشت

300

نصف رطبة

سبتمبر

أصفر

الاستهلاك العائلي

02

أكربوش

50

جافة

آخر سبتمبر

أصفر

الاستهلاك العائلي

03

أزرز

4000

رطبة

آخر سبتمبر

أصفر

الاستهلاك والمتاجرة به

04

باباتي

10

نصف رطبة

أكتوبر

أصفر

الاستهلاك العائلي

05

أتقبالة

1000

رطبة

سبتمبر

أصفر

الاستهلاكالعائلي

06

بوعروس

200

نصف رطبة

أكتوبر

أحمر

الاستهلاك العائلي

07

دقلة عيّ

350

رطبة

سبتمبر

أصفر

الاستهلاك العائلي

08

دقلة نور

8000

نصف رطبة

أكتوبر

أصفر

الاستهلاك والمتاجرة به

09

دقلة سباق

40

رطبة

آخر جويلية

أصفر

الاستهلاك العائلي

10

دقول

1250

جافة

بداية أوت

أصفر

مختلف الاستعمال

11

غرس

4000

رطبة

أوت

أصفر

الاستهلاك والمتاجرة به

12

إتيم

50

نصف رطبة

سبتمبر

أصفر

الاستهلاك العائلي

13

كاسي موسى

150

رطبة

سبتمبر

أصفر

الاستهلاك العائلي

14

كسابة

700

رطبة

أكتوبر

أصفر

الاستهلاك العائلي

15

تادلة

3500

رطبة

آخر أوت

أصفر

الاستهلاك والمتاجرة به

16

تافزوين

3000

نصف رطبة

سبتمبر

أصفر

الاستهلاك والمتاجرة به

17

تمزوارت نتلات

800

جافة

أكتوبر

أصفر

الاستهلاك والمتاجرة به

18

تاوزليت

50

نصف رطبة

سبتمبر

أحمر

الاستهلاك العائلي

19

تازيزاوت

200

نصف رطبة

أكتوبر

أحمر

الاستهلاك العائلي

20

تامجوهرت

7000

نصف رطبة

آخرأوت

أحمر

الاستهلاك والمتاجرة به

21

تواجات

1050

جافة

سبتمبر

أصفر

الاستهلاك والمتاجرة به

 

إحصاء عدد النخيل خلال السنوات التالية([2]):

السنة

1863

1882

1902

1931

النخلة

18000

27855

25775

34688

 

جدول النخيل وإنتاج التمور عام 1931م-1932م([3]):

طبيعة النخيل

عدد النخيل

نخيلen rapport

كمية الإنتاج

تمور جيدة

10818

10568

2642قنطارا

تمور رخوة

20270

19118

4779قنطارا

تمور جافة

3660

3475

695قنطارا

المجموع

34748

33161

8116قنطارا

البيدر وتسمى بالعامية النادر وباللغة المحلية"أرنان":

وهو مكان يتم فيه درس الزرع من القمح والشعير وتصفيته، وتتم العملية باستعمال البغال والحمير، ويكون على شكل دائري، ويوجد هذا المكان عادة بجانب الأجنة وضواحي البلدة.

 

أ.أهم البيادر الموجودة بجانب الأجنة:

1-2 نادر (بيدران) غمرا بالتراب.                           ناحية بن جغاوة.

2-نادر بُكّرْ بن صالح.                                      ناحية بالوح.

3-نادر الشرق نادر أزبار وزرقون.                           ناحية الكاكة.

4-نادر الشوانعية.                                            ناحية جْديات.

5-نادر أرشوم وصالح والحاج باعيسى.                        ناحية الزليجة السودان.

6-نادر أرشوم صالح بن حمو.                                  ناحية الزرقي.

7-نادر آل قلو.                                               ناحية أرجال الزرقي.

8-نادر أولاد داود باحمد بن حمو وكاسي موسى باعلي.       ناحية عين قرارة.

9-نادر باسليمان وصيفية عيسى.                             ناحية لالة عائشة الحنية.

10-نادر بن يامي الحاج صالح.                               ناحية الحنية.

11-نادر عباس بكير بن باحمد.                                ناحية الحنية.

12-نادر الجبل.                                                ناحية المقبرة الإباضية .

13-نادر شعبة أمزاب.                                         ناحية عفاري كروشي.

 

ب.بيادر داخل البلدة:

لم يبق لها من أثر إذ غمرها العمران كلها:

1-نادر الحجرة: النادر الذي أصبح اليوم منزل لعساكر الحاج إبراهيم بن باعلي (الزعيم)، بكاف بوكراع.

2-نادر كبير: لالة سهلة.

3-نادر بجانب منزل أوراغ الحاج أحمد كاف بوكراع.

4-نادر بجانب منزل صالح والحاج عمر بن حمو كاف بوكراع.

5-3نوادر التي أصبحت اليوم منزل لطرش إبراهيم بن حمو كاف بوكراع.

6-نادر بجانب طريق القرارة([4]).

 

جدول المزروعات والأراضي الفلاحية عام 1931م-1932م([5]).

النوع

المساحة المزروعة

الكمية

القمح

41هكتار

110قنطارا

الذرة والشعير

59هكتار

313قنطارا

إلى جانب الفلاحة اهتدى بعض الناس ولا سيما البدو إلى الاعتناء بتربية الحيوانات كالأغنام والماعز والإبل وتربية الدواجن وكذا الأرانب، وتخصص لحومها للاستهلاك المحلي والبيع في الأسواق الداخلية والخارجية.

وكذلك كان بعض الناس في داخل البلدة يمارسون تربية الماعز في منازلهم.

ويوجد راعي يتنقل بين المنازل في الصباح الباكر لجمع هذا الماعز في مكان مخصص لهم ثم يأخذهم خارج البلدة للرعي، وقبيل المغرب يعود بهم إلى منازلهم محملين بالحليب لسد حاجياتهم اليومية.

 

إحصاء الحيوانات: الثروة الحيوانية عام 1931م-1932م([6]):

الغنم

الماعز

الحصان

الجمال

البغال

الحمير

4425

2850

-

115

56

190

 

 


)-جدول يبين أنواع التمور الموجودة في بريان. من إعداد المرشد الفلاحي السيد بهدي الحاج صالح[1](

)-إحصائيات مأخوذة من وثائق فرنسية ومراجع مختلفة .[2](

)إحصائيات مأخوذة من وثيقة فرنسية حول النخيل والتمور في بريان. [3](

)-مقابلة مع الحاج علي بن عيسى لطرش، الاثنين 16 جوان1997م.[4](

)- جدول المزروعات مأخوذ من وثائق فرنسية.[5](

)-وثيقة حول الثروة الحيوانية مأخوذة من وثائق فرنسية.[6](

 مقابلة مع الحاج  علي بن عيسى لطرش، الأربعاء 17جويلية 1996م. -([1])

)-مقابلة مع الحاج صالح بن اسماعيل بهدي، مرشد فلاحي بتاريخ 21جويلية 1996م.[2](

)-وثيقة بحوزتي عن تقسيم مياه السيل لساقية السيل لأولاد باحمد وساقية باحمد والحاج بالوح القديم.  [3](

)-مقابلة مع الحاج علي بن عيسى لطرش، الأربعاء 17جويلية 1996م.[4](

)*-كلمة إمرود وتجرارت: كلمتان بربريتان مزابيتان متداولتان إلى اليوم. [5](

)-مقابلة مع الحاج إبراهيم بن باعلي لعساكر(الزعيم)، بتاريخ 02فيفري 1996م.[6](

)- مقابلة مع الحاج علي بن عيسى لطرش، الإثنين 16جوان 1997م.[7](

)- مقابلة مع الحاج إبراهيم بن باعلي لعساكر(الزعيم)، بتاريخ 23ديسمبر 1996م.[8](

)[9](-le commandanRobin :leM ,Zab et  son Annexion A La France,Alger ,1884 ,P16.

)[10](-cervice de colonisation et del ‘hydraulique au M’Zab, alimentation de berriane, ne 1518 .

-([11])امحمد بن التومي: رسالة مغنية، (مخطوط) ورقة 67-68.

)-يوسف بن بكير الحاج سعيد: تاريخ بني مزاب، ص173.[12](

)[13]( -service de la colonisation de L’hydraulique , projet D’Alimentation en eau de Berriane prèsentè par M.LAUBIER Nè 1494. ALGER. Le 21 Novembre 1950.

-مقابلة مع الحاج صالح بن اسماعيل بهدي بتاريخ 21 جويلية 1996م. ([14])

)-أخذت هذه المعلومات الدقيقة عن طبقات الأرض في حفر الآبار من السيد الحاج علي بن عيسى لطرش وهو أحد الفلاحين القدامى ببريان، وذلك ببستانه ناحية السودان، الأربعاء 17 جويلية 1996م.[15](

 

 

بعض صور بالوح

 

بعض صور أسّودان

 

بعض صور لحنيت

 

بعض صور سد ن لملا ڤا أزرڤي 

 

بعض صور لجب ن واد ن سا

 

 

بعض صور كفوس

 

 

 

--------------

[1]    ROBIN : LE M’Zab et son Annexion à la France, 19.

[2]    E. FELIN : Etude sur la Législation des Eaux dans la Chebka du M’Zab,136

[3] راجع كتاب  تاريخ بني مزاب الحاج سعيد يوسف

[4] بريان تاريخ وحضارة دراسة: تاريخية حضارية سياسية اقتصادية اجتماعية دينية ثقافية تأليف إسماعيل بن محمد لعساكر ص88-113

الشفاعة ليست لأهل الكبائر

فقد كنت كتبت مقالا عن الشفاعة نشر في جريدة "الشرق الأوسط" في العدد 7532 تحت عنوان "الشفاعة لا تكون الا باذن الله ولمن أذن له" توصلت من خلاله الى أن الشفاعة في يوم القيامة ثابتة بنص القرآن الكريم والأحاديث الصحيحة الثابتة وأن هذه الشفاعة لا ينالها كل أحد وانما ينالها المؤمنون الصالحون المتقون فليست هي للكفار ولا لأهل الكبائر وقد سقت عشرات الأدلة من الكتاب والسنة ناصة على صحة ذلك . وبعدها بفترة أطلعت على رد على مقالي المذكور نشر في ساحة المنبر الاسلامي في موقع (سحاب) للأخ/ أبو محمد التميمي تحت عنوان: (رد على منكري الشفاعة لأهل الكبائر) وأقولها بصراحة انه لم يأت بجديد فما زاد على أن ساق الأحاديث المثبتة للشفاعة لأصحاب الكبائر والتي كنت قد أجبت عليها وبينت معارضتها للآيات الكثيرة التي تنفي الشفاعة عن غير المتقين بل ومعارضتها للأحاديث الثابتة والتي رواها من روى أحاديث الشفاعة واليك أخي القاريء بعض ما قلته هناك بعد أن سقت الآيات التي فيها التصريح بنفي الشفاعة عن غير المتقين:

((أما الأحاديث التي فيها ان أهل الكبائر يستحقون شفاعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم فهي مع معارضتها لنصوص القرآن الكريم –كما تقدم- معارضة بأحاديث صحيحة فيها نفي الشفاعة منها ما يلي :

1 –قوله صلى الله عليه وآله وسلم "يا فاطمة بنت محمد يا صفية بنت عبدالمطلب يا بني عبدالمطلب لا أملك لكم من الله شيئا سلوني من مالي ما شئتم" رواه مسلم .

2-عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال قام فينا النبي صلى الله عليه وآله وسلم – فذكر الغلول فعظمه وعظم أمره قال : "لا ألفين أحدكم يوم القيامة على رقبته فرس له حمحمة يقول يا رسول الله أغثني فأقول لا أملك لك شيئا قد أبلغتك وعلى رقبته بعير له رغاء يقول يا رسول الله أغثني فأقول لا أملك لك شيئا قد أبلغتك وعلى رقبته صامت – أي الذهب والفضة- قيقول يا رسول الله أغثني فأقول لا أملك لك شيئا قد أبلغتك أو على رقبته رقاع تخفق فيقول يا رسول الله أغثني فأقول لا أملك لك شيئا قد أبلغتك" متفق عليه.

3 -قوله صلى الله عليه وآله وسلم "ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة ومن كنت خصمه خصمته يوم القيامة رجل أعطى بي ثم غدر ورجل باع حرا فأكل ثمنه ورجل استأجر أجيرا فاستوفى منه ولم يوفه أجره" رواه البخاري وابن ماجة.

فهذه الأحاديث توضح لنا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا يملك يوم القيامة نفعا لأحد حتى لأقرب الناس اليه وهم ابنته وعمته بل هو خصم للعصاة المذنبين .

ومن الجدير بالذكر أن أهل الكتاب قد تعلقوا قبل هذه الأمة بالشفاعة كما حكى عنهم القرآن الكريم وذلك في قوله تعالى "فخلف من بعدهم خلف ورثوا الكتاب يأخذون عرض هذا الأدنى ويقولون سيففر لنا" فحذرهم القران من التعلق بالشفاعة وذلك قوله سبحانه "واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا ولا يقبل منها شفاعة ولا يؤخذ منها عدل ولا هم ينصرون" وحتى لا ينتقل هذا الداء الى الأمة الاسلامية حذرها الله كما حذر من قبلها فقال مخاطبا هذه الأمة "يا أيها الذين آمنوا أنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة والكافرون هم الظالمون"))

وأزيد على ما هنالك ما يلي :

1 –أن الاحاديث المثبتة للشفاعة لأهل الكبائر هي أحاديث آحادية لا يمكن أن يستدل بها في إثبات العقائد لأن الآحاد لا يفيد العلم ، والاعتقاد هو ثمرة اليقين وهذا هو مذهب جمهور الأمة كما حكاه غير واحد من العلماء منهم النووي وإمام الحرمين والغزالي وابن عبد البر وابن الأثير وابن قدامة وغيرهم كثير وينظر في ذلك كتاب السيف الحاد للعلامة المحدث سعيد بن مبروك القنوبي . بل قد نص على ذلك بعض أئمة الوهابية أنفسهم يقول ابن تيمية في منهاج السنة ج2 ص 133 "الثاني أن هذا من أخبار الآحاد فكيف يثبت به أصل الدين الذي لا يصح الايمان الا به".

فلا يمكن الاستدلال بحديث آحادي في القضايا العقدية ولو سلم من المعارض فكيف اذا كان معارضا بكتاب الله وبالثابت من سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم . ولا يعترض علينا بأننا قد استدللنا بأحاديث آحادية – أيضا- لأننا ولله الحمد لم نستدل بها وحدها وإنما استدلالنا بالايات الكثيرة الدالة دلالة واضحة على أن الشفاعة لا تكون الا للمتقين وانما سقنا تلك الأحاديث لنوضح لكم أن الاحاديث التي استدللتم بها معارضة باحاديث اخرى وهذه الاحاديث موافقة للقرآن واحاديثكم معارضة له وما وافق القرآن أولى بالأخذ به مما عارضه.

2 –ان هذه العقيدة تحمل صاحبها على التقاعس عن عمل الصالحات وعلى عدم المبالاة باقتراف الكبائر خاصة عنما تكون النفس مولعة بشيء من الكبائر –والعياذ بالله- فشارب الخمر عندما تكون نفسه قد أشربت حب الخمر ويشق عليه مفارقتها فما الذي يردعه عندما تكون عقيدته أن الرسول صلى الله عليه وسلم سيشفغ له يوم الدين وأن مرده أخيرا الى جنات ونهر في مقعد صدق عند مليك مقتدر بل لو أتيته ناصحا لقال لك أن النبي سيشفع لي فبماذا تجيبه ؟!!!

3-ان الأخذ بعقيدة نفي الشفاعة عن أهل الكبائر فيه السلامة والحيطة فإن كان الأمر كذلك فهو قد اخذ الحزم وإن كان للعصاة شفاعة لم يضره بل سيجد ثواب أعماله الصالحة . على أننا والحمد لله لسنا في شك بل نقطع أن العصاة لا شافع لهم كما قال تعالى :"ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع".

أما ما ذكرته عن قتادة في تفسير قوله تعالى: "ولا يشفعون الا لمن ارتضى " انهم أهل التوحيد . فالله أعلم بثبوته ولإن ثبت عنه فما أحق هذا القول بالهجر إذ كيف يجروء مؤمن عاقل أن يقول أن الله يرضى عن شارب الخمر وآكل الربا والعاق لوالديه والزاني والسارق ان كانوا من أهل التوحيد كلا والله وقد ذكرت في مقالي الأول عشرات الآيات والأحاديث التي فيها لعن الله ولعن رسوله صلى الله عليه وسلم لكثير من اصحاب الكبائر كما ذكرت بعض الأحاديث التي تبرء فيها النبي الكريم عليه أفضل الصلاة والتسليم من أصحاب الكبائر من شاء فليرجع اليه في ذلك المقال . على أنه قد جاء في الحديث ما يدل على فساد هذا التأول فالرسول صلى الله عليه وآله وسلم يقول : ((من قال لا اله الا الله مخلصا دخل الجنة قيل وما اخلاصها يا رسول الله قال أن تحجز قائلها عن محارم الله)) فليس كل من قال لا اله الا الله دخل الجنة ما لم تمنعه هذه الكلمة عن اقتراف ما حرم الله.

كما تعرض لقضية نفي الايمان عن أصحاب الكبائر وجاء ببعض الأدلة الدالة على وصفهم بصفة الايمان وأنكر على من نفى عنهم صفة الايمان وأقول : انه كما جاءت أدلة تثبت لهم الايمان فقد جاءت أدلة كثيرة جدا تنفي عنهم صفة الايمان منها ما يلى:

1 –عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "والله لا يومن والله لا يؤمن والله لا يؤمن قيل من يارسول الله قال الذي لا يأمن جاره بوائقه" . رواه مسلم

2-عن أنس رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه". رواه البخاري ومسلم

3-عن ابن عباس رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا إيمان لمن لا صلاة له ولا صلاة لمن لا وضوء له ولا صوم الا بالكف عن محارم الله ". رواه الامام الربيع

4 –قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن " . رواه البخاري ومسلم

5 –قوله صلى الله عليه وسلم "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب اليه من والده وولده والناس اجمعين". البخاري ومسلم وأحمد

والأدلة على ذلك كثيرة وما قصدت الا التمثيل.

وقد قال العلماء في الجمع بين هذه الأدلة :

ان الادلة التي فيها نفي الايمان عن صاحب الكبيرة تحمل على الايمان الحقيقي الذي ينتفع به صاحبه في الآخرة فهم بهذا المعنى غير مؤمنين والأدلة التي فيها اطلاق صفة الايمان عليهم تحمل على الايمان الشكلي الذي ينتفع به في الدنيا دون الآخرة فنحن لا نحكم بشرك صاحب الكبيرة بل نقول يعامل في الدنيا معاملة المسلمين فهو يناكح ويصلى عليه ويدفن في مقابر المسلمين... الخ. إلا الولاية فهو لا يتولى بل يتبرء منه كما تبرء النبي صلى الله عليه وسلم من أصحاب الكبائر وقد وضحت ذلك في المقال السابق .

وقد أثار الكاتب شبهة وهي إذا كانت الشفاعة للمتقين الذين لا ذنوب لهم فما معنى الشفاعة إذا؟

وقد أجاب على هذه الشبهة شيخنا العلامة أحمد بن حمد الخليلي في كتابه القيم جواهر التفسير ج3 ص 261 حيث قال "وقد يعترض بأن التوبة نفسها مكفرة للذنوب فلا أثر للشفاعة معها والجواب إن التوبة وان كانت مكفرة بفضل الله ورحمته فان مما تقتضيه توبة التائب استحقاق شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم فيشفغ له عليه أفضل الصلاة والسلام فيقبل الله توبته ويكفر سيئته وقد تكون الشفاعة سببا في رفع منازل الصالحين عند الله يوم القيامة وقد جاء في حديث جابر بن زيد عند الربيع رضي الله عنهما ان النبي صلى الله عليه وسلم قال "ما منكم من احد يدخل الجنة الا بعمل صالح وبرحمة الله وبشفاعتي" فكما أن العمل الصالح يتوقف في اسعاد صاحبه على رحمة الله تعلى فهو أيضا يتوقف على حصول الشفاعة من الرسول صلى الله عليه وسلم التي هي من اسباب قبولها " انتهى كلام الشيخ – حفظه الله - .

على أن الكاتب قد جاء في بحثه بما يناقض هذه الشبهة فقد ذكر عن ابن القيم "الشفاعة في دخول من لا حساب عليهم الجنة" وهذا منه اثبات للشفاعة لغير أصحاب الذنوب . فما معنى الشفاعة إذا ؟ وعلى كل حال ما دامت الأدلة القطعية قد نصت على عدم استحقاق أصحاب الكبائر للشفاعة فلا يسع المسلم الا التسليم وليترك امثال هذه الشبه التي تبعده عن الحقيقة.

وقد تعرض الباحث لقضية الخوارج وذكر بعض الأحاديث التي تنسب الى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم انه قالها فيهم ولست هنا بصدد مناقشة هذه القضية ولكن أحيل القارىء الكريم الى رسالة ماجستير صادرة من احدى الجامعات الاردنية للاستاذ ناصر بن سليمان السابعي بعنوان (الخوارج والحقيقة الغائبة) يجد فيها القارىء المنصف ضالته . 

 

الكـاتـب : إبراهيم الصوافي

رد على المقال المنشور في ساحة المنبر الإسلامي في موقع (سحاب)

للأخ/ أبو محمد التميمي تحت عنوان:  (رد على منكري الشفاعة لأهل الكبائر)

 

الشفاعة والخلود عند مصطفى محمود

مفهوم  الشفاعة وعن الخلود في النار عند د. مصطفى محمود

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على سيد الاولين والاخرين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين . في هذه الايام يستعد الدكتور مصطفي محمود لاصدار كتابه الجديد الذي يحمل عنوان ( الشفاعة ). وقد مهد الدكتور مصطفى محمود لكتابه هذا بمقالات في جريدة الاهرام القاهرية عن الشفاعة والخلود في النار, أثارت ضجة وردود فعل عنيفة ضده , حتى وصل النقاش الى منابر الجمعة , متخطيا صفحات الجرائد , وقد وصل الحال بالبعض باتهام الدكتور مصطفى محمود بالكفر... ومن أبرز من تصدى للدكتور مصطفى محمود , الازهر الشريف ويمثله الدكتور أحمد عمر هاشم , رئيس جامعة الازهر الشريف ومعه كل شيوخ هذه المؤسسة العريقة .

فما هو مفهوم الدكتور مصطفى محمود عن الشفاعة وعن الخلود في النار ؟؟؟

يقول الدكتور مصطفى محمود ان اشكالية الشفاعة موضوع قديم تناولته الفرق الاسلامية وخاض فيه المفكرون من كل اتجاه... وسبب الاشكال - كما يقول الدكتور - أن القرآن ينفي الشفاعة في الكثير من آياته المحكمة نفيا مطلقا وفي آيات أخرى يذكرها مقيدة ومشروطة بالاذن الالهي , بينما تروي لنا الاحاديث النبوية بأن سيدنا محمدا صلى الله عليه وسلم يقف شفيعا يوم القيامة للمذنبين ولاهل الكبائر من أمته وأن الله سبحانه وتعالى يقبل شفاعته . وهنا يقف المسلمون أمام الاختيار الصعب بين النفي القرآني وبين ما جاء في السنة , وما ترويه الاحاديث عن أن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم سوف يخرج من النار كل من قال ( لا اله الا الله ) ولو زنا ولو سرق ..؟ هكذا يقول الحديث وهو ما يخالف صريح القرآن.. فالقرآن يقول في محكم آياته (( أن المنافقين في الدرك الاسفل من النار , ولن تجد لهم نصيرا )) النساء :145

والمنافقون هم الذين يقولون ( لا اله الا الله )في كل مناسبة وتنطق ألسنتهم بما يخالف سرائرهم , وهم في الدرك الاسفل من النار ولن يجدوا لهم نصيرا بصريح القرآن الكريم , ولن ينجو من المذنبين الا من تكرم عليه رب العزة وفتح له بابا للتوبة قبل الممات... اذن الوسيلة الوحيدة للنجاة من العقاب هي أن يقي ربنا عباده من الوقوع في السيئات أصلا أو يفتح لهم باب التوبة في حياتهم اذا تورطوا فيها .. وهذه - كما يقول الدكتور مصطفى محمود- هي أبواب الشفاعة الممكنة , وهي دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لمسلمي هذه الامة بأن يختم حياتهم بتوبة... وأما الشفاعة بمعنى هدم الناموس واخراج المذنبين من النار وادخالهم الجنة , فهي فوضى الوسايط التي نعرفها في الدنيا , ولا وجود لها في الاخرة . وكل ما جاء بهذا المعنى في الاحاديث النبوية مشكوك في سنده ومصدره , لانه يخالف صريح القرآن .

ولا يعقل - والكلام للدمتور - ولا يعقل من نبي القرآن أن يطالب بهدم القرآن , ولكن المسلمين الذين عرفوا بالاتكالية قد باتوا يفعلون كل منكر ويرتكبون عظائم الذنوب اتكالا على نبيهم صلى الله عليه وسلم الذي سوف يخرجهم في حفنة واحدة من النار ويلقي بهم في الجنة بفضله وكرمه... ويقول الدكتور مصطفى محمود مع الاسف الشديد أننا نقرأ كتب السيرة والاحاديث بتسليم مطلق , وليس غريبا أن تمتلىء هذه الكتب بالمدسوس من أحالديث الشفاعة فنقرأ في أحدها أن النبي صلى الله عليه وسلم يدخل بشفاعته الى الجنة رجلا لم يفعل في حياته خيرا قط , ويكون هذا الرجل هو آخر الداخلين الى الجنة... وما الهدف من أمثال هذه الاحاديث المدسوسة سوى افساد الدين , والتحريض على التسيب والانحلال وفتح باب الجنة (( سبهللة )) للكل ؟ .. ومرويات كثيرة رواها أصحابها بلا عدد وبلا حصر وأحيانا بحسن نية ظنا منهم أنهم يزيدون بها في تمجيد النبي صلى الله عليه وسلم , ويرفعون مقامه عند ربه , وينسون أنهم بكلامهم يفسدون جلال المشهد ويهدمون جدية اللحظة التي تشيب لها الولدان وتزيغ فيها الابصار وتنعقد الالسن وتتزلزل الاقدام وتذهل كل مرضعة عما أرضعت

ويتساءل الدكتور مصطفى محمود : هل هذه لحظة يساوم فيها النبي ربه لاخراج رجل من النار وادخاله الجنة , وهو لم يفعل خيرا قط في حياته ؟؟؟

ويقول الدكتور : ان لم يكن هذا هو الهزل فماذا يكون ؟ وحاشا لله .. ما كان لرسولنا العظيم أن يفعل هذا .. ان هو الا تخرصات وأكاذيب وأقوال مدسوسة... أما عن الخروج من النار فيرى الدكتور أن القرآن الكريم ينفي امكانية خروج الناس من النار في الكثير والعديد من آياته من الكفار والمسلمين أيضا (( يريدون أن يخرجوا من النار وما هي بخارجين منها , ولهم عذاب مقيم )) المائدة : 37 و وقيلت في الكفار . ويرى الدكتور مصطفى محمود أن هذه الثوابت القرآنية تتناقض مع مرويات الاحاديث النبوية في كتب السيرة عن اخراج الرسول صلى الله عليه وسلم لمن يشاء من أمته من النار , مما يؤكد أن هذه الاحاديث موضوعة ولا أساس لها من الصحة ولا يمكن أن تكون قد صدرت عن النبي صلى الله عليه وسلم .

فكل مجرم قد تحدد مكانته من قبل في النار واختصت به واختص بها , وهذا يؤكد أن كل ما ذكر عن اخراج الرسول صلى الله عليه وسلم بشفاعته للبعض من النار وادخالهم الجنة مشكوك في صحته.... وقد سئل الدكتور مصطفى محمود عن المقام المحمود فقال : أننا لا نعلم موجبات هذا المقام ولا حدوده فهو سر من أسرار الله سبحانه وتعالى, والجدل فيه هو جدل بغير علم ولا نخوض فيه ونرى أن التفويض فيه أسلم.......... هذا هو رأي الدكتور مصطفى محمود عن الشفاعة والخلود في النار

(ماذا قال خصوم الدكتور مصطفى محمود ؟؟؟)

بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين ونصلي ونسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد. في الحلقة الماضية كتبت موضوعا بعنوان ( مفهوم الشفاعة , والخلود في النار , عند الدكتور مصطفى محمود ) وقلت أن آراءه قد أثارت ضجة كبرى في مصر حتى وصل الامر الى منابر الجمعة , ومن الناس الذين أثارهم الموضوع , الدكتور أحمد عمر هاشم , رئيس جامعة الازهر الشريف الذي أجرت معه مجلة المصور مقابلة مطولة قال فيها :

أن القرآن الكريم حسم مسألة الشفاعة , والذين تخبطوا في مقالاتهم وكلامهم , لم يفهموا تفسير بعض الايات القرآنية , هناك آيات تلغي الشفاعة ولو فهموها ما تناقشوا ولاتكلموا , وأراحوا أنفسهم . والحق أقول - الكلام للدكتور أحمد عمر هاشم - أن الايات القائلة ( وما هم بخارجين من النار ) خاصة بالكافرين والايات التي قالت لا شفاعة مثل ( واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا , ولا يقبل منها عدل ولا تنفعها شفاعة ولا هم ينصرون ) ليس المقصود بها نفي الشفاعة مطلقا , لان المطلق يحمل على المقيد , فهناك أيات أخرى تقول ( من ذا الذي يشفع عنده الا بأذنه ) وقال تعالى ( ولا يشفعون الا لمن أرتضى ) اذن الايات المطلقة مقيدة هنا ولذلك نحن ندرس المقيد والمطلق

أن الشفاعة لا تكون الا لمن ارتضى ولا تكون الا بأذن من الله سبحانه وتعالى , بل ثبت في الاحاديث الصحيحة بما لا يدع مجالا للشك أن الشفاعة ثابته ليس للرسول الكريم فقط بل للآنبياء والصالحين والملائكة والشهداء والعلماء , بل للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم أكثر من شفاعة , على رأسها الشفاعة العظمى , وشفاعته لاهل الكبائر , ولشفاعته لابناء المشركين في النار , وشفاعته لتخفيف العذاب في جهنم في بعض الاوقات , والشفاعة لرفع الدرجات في الجنة .

ويقول الدكتور أحمد عمر هاشم رئيس جامعة الازهر : أن الذين يحاولون انكار الشفاعة ينكرون المقام المحمود وهي الشفاعة العظمى للرسول صلى الله عليه وسلم في يوم القيامة , وقالوا ان المراد بالمقام المحمود المقام العظيم وليس المقام الشافع , بينما الذي أنزل عليه القرآن صلى الله عليه وسلم سئل عن المقام المحمود في الحديث الذي أخرجه الترمذي وغيره فقال : ( هو الشفاعة العظمى يوم القيامة )

والثابت في كل الاحاديث أن الله سبحانه وتعالى سيجمع الناس يوم القيامة وتدنوا منهم الشمس ويظلون على هذه الحال الصعبة الى درجة أن بعضهم يتمنى الدخول الى النار للتخلص من هذا الموقف الصعب فيطلبون أن يشفع له أحد , فيلجأون الى سيدنا آدم عليه السلام , فيحيلها الى نبي آخر وتظل تنتقل من نبي الى آخر الى أن تصل الى نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم فيسجد لرب العرش العظيم ويقول له الله سبحانه وتعالى بعد السجود الطويل :(( اشفع تشفع , وسل تعطى , وفل يسمع لك )) . والرسول صلى الله عليه وسلم حين يشفعه رب العزة , بل ويشفع غيره من الانبياء والصالحين والشهداء ليس معنى هذا أنه يعطى انسانا ليس له حق ؟ هناك كافرون وهناك مؤمنون , الكافر في النار ولا شفاعة له والمؤمن من أهل الشفاعة , وكل من مات على التوحيد هو مؤمن ومن أهل الشفاعة حتى وان كان من أصحاب المعاصي ويرتكب الكبائر

وفي حديث أبي ذر الذي ينكره الدكتور مصطفى محمود وهو حديث صحيح عندما قال الرسول صلى الله عليه وسلم :( من قال لا اله الا الله مخلصا من قلبه دخل الجنة ) فقال أبو ذر ( وان زنى وان سرق يا رسول الله ؟) ثلاث مرات وفي كل مرة يقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ( وأن زنى وان سرق ) وفي الاخيرة قال :( وان زنى وان سرق رغم أنف أبي ذر ) . ويقول الدكتور هاشم : ليس معنى هذا أن الرسول صلى الله عليه وسلم يترخص ويفتح الباب لاتكاب المعاصي أبدا , الشفاعة فتح لباب الامل والايمان والرحمة الربانية , ومعنى أن تقول :( لا اله الا الله محمد رسول الله ) من قلبك , أنك مؤمن ولهذه الكلمة حقوق وواجبات وليس سهلا أن تقولها بصدق اذا كنت غير مؤمن . والله سبحانه وتعالى يعطي لرسوله مكانة , وللصالحين والانبياء والملائكة و هذه الشفاعة .درب من الرحمة الربانية ينفحها الله لكل من تمسك بعقيدته فلم يمت الا على الايمان .

ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم ( لكل نبي دعوته المستجابة وقد تعجل كل نبي دعوته لامته في الدنيا وقد اختبأت دعوتي شفاعة لامتي يوم القيامة , فهي نائلة ان شاء الله كل من مات من أمتي لا يشرك بالله شيئا ) هذا حديث صحيح يثبت أن الشفاعة للموحدين وليست للمفرطين والكافرين , وهي بذلك لا تدعو للمحاباة والاتكالية , وهي فتح لطاقة الامل والايمان في النفوس .

الكـاتـب : محمد بن زاهر

 

تعقيب

نحيي شجاعة الدكتور مصطفى محمود ولعلها بداية صحوة فكرية اسلامية تخلصت من ظلمات التقليد الأعمى للأئمة وخطوة أولى مهمة نحو الرجوع إلى كتاب الله والسنة الثابتة عن المصطفى – صلى الله عليه وآله وسلم - في مسائل العقيدة ولا يخفى على أحد ما لهذه الخطوة من أهمية في سبيل إيقاف الزحف نحو الهاوية التي حذرنا من الوقوع فيها سيدنا محمد –صلى الله عليه وآله وسلم – حينما قال في حديث ما معناه :(لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرا بشبر وذراع بذراع ولو دخلوا جحر ضب لدخلتموه قيل : من هم يارسول الله اليهود والنصارى؟ قال : فمن ؟؟

وكذلك الحديث (( ….. حملهم على أن عبدوا أحبارهم ورهبانهم فقال أبي : انهم لم يعبدونهم فقال : أليسوا قد حرموا لهم الحلال وأحلوا لهم الحرام فأطاعوهم قال : بلى قال : فتلك هي عبادتهم إياهم .)) أو كماجاء في الحديث. فالتقليد الأعمى ينشأ عن التعصب أو الثقة الإجمالية بالإمام المقلد أو الثقة بمنهجه أو طريقة اجتهاده . والمقلد للإمام

دون بصيرة في كل خطوة يخطوها يقع في كل الأخطاء التي يقع فيها إمامه تلقائيا . ومن الحق أن التقليد ضرورة اذ لايمكن أن يكون كل إنسان مجتهد بنفسه ولنا في أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أسوة حسنة حيث كان فيهم أئمة يستنبطون ويفتون آخرون يستفتون ويعملون بما يفتيهم به أئمتهم ، لكن من الخطأ أن يدعي المقلد أن إمامه على صواب وما عداه باطلا ، لأن مثل هذا الإدعاء لا يملكه إمامه نفسه لأن الاجتهاد في المسائل الاجتهادية الخلافية لا يقدم أكثر من دليل ترجيحي لا يعطي يقينا بأن ما وصل إليه الاجتهاد هو الحق قطعا وما عداه باطل قطعاوالعصمة للأنبياء فقط . (1) الإباضية في ميدان الحق ص17

الكـاتـب : أبو مجــــاهد

الصناعة الحرفية اليدوية في بريان

الصناعة الحرفية اليدوية في بريان[1]:

كانت تمتاز بريان بالصناعة الحرفية اليدوية، ومن الحرف المشهورة، الفخار بأنواعه والحديد والنحاس والخشب والصياغة، فكانت بعض الحرف من احتكار اليهود الذين جاءوا مع الاستعمار كالصناعة القصديرية: كقصدرة الأواني الحديدية وصياغة الحلي من فضة أو ذهب. وتفنن أهل بريان في الصناعة النسيجية فكانت ذات جودة عالية كالزرابي والحايك والقشابية والجبة والبرنوس إلخ...

 

صناعة :

بتاريخ  12 نوفمبر 1948م تم تزويد بريان بالكهرباء[2].

إكتشاف الغاز والبترول في بريان 6

لقد كان أوّل حفر للتنقيب عن البترول في الصحراء الجزائرية، في منطقة بريان، سنة 1952، قامت به الشركة الوطنية للبحث واستغلال البترول في الجزائر، وأظهرت النتائج الأوّلية مؤشرات نجاح العملية في ماي 1953. 

--------------------

 

[1] بريان تاريخ وحضارة دراسة: تاريخية حضارية سياسية اقتصادية اجتماعية دينية ثقافية تأليف إسماعيل بن محمد لعساكر ص114

[2] راجع كتاب تاريخ بني مزاب الحاج سعيد يوسف

 

 

العقيـــــــــــــدة

  • أثر العقيدة في الأنسان

    Icon 09
    إننا نعتقد بوجود أشياء أكثر من ذوات وصفات مدركة بالحواس وغير مدركة، ونجد قلوبنا مطمئنة مما نعتقد به ليس فيها أدنى شك كاعتقادنا بوجود ذواتنا وصفاتنا.ولو جاءنا الناس كلهم أو جلهم يحاولون تشكيكنا فيما نعتقد به لم يجدوا إلى ذلك سبيلاً.وحتى يستقر فينا العلم هذا الاستقرار الراسخ لابد أن نرى أنه اصبح يوجه كثيراً من تصرفاتنا وأفعالنا، و....

    اقرأ المزيد

    بعض أصول الإباضية التي لها تأثير مباشر على سلوك الفرد في المجتمع وعلى علاقة الإباضية بمخالفيهم:
    - الإيمان يتكوّن من ثلاثة أركان وهي الاعتقاد والإقرار والعمل.
    - الخلود في الجنّة أو النّار أبديّ.
    - الإنسان حرّ في اختياره مكتسب لعمله ليس مجبرا عليه......

    اقرأ المزيد

  • دروس في العقيدة الإسلامية

    Icon 08

    أهمية العقيدة الإسلامية / خصائص العقيدة الإسلامية / معنى الإيمان والإسلام / كلمة التوحيد وفضلها / السؤالات الممتنعة عن الله جل وعلا / الأسماء والصفات / الأنبياء والرسل / الإيمان بسيدنا محمد _ صلى الله عليه وسلم / الإيمان بالكتب المنزلة / الإيمان بالملائكة / علامات الساعة /الموت / حياة البرزخ / الإيمان باليوم الآخر...

    اقرأ المزيد

    الحساب يوم القيامة / الميزان والصراط / الشفاعة / الجنة ونعيمها / النار وجحيمها / الخلود في الجنة أو في النار / القضاء والقدر / الملل الست / الولاية والبراءة الوقوف / مسالك الدين / مكائد الشيطان / التوبة / الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر....

    اقرأ المزيد

  • العقيــدة الحقــة

    Icon 07
    لا ريب أننا نؤمن جميعا أن رحمة الله تعالى واسعة وأنه عز وجل سبقت رحمته غضبه ولكن لمن هذه الرحمة فقد قال سبحانه "ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون" أخبر الله سبحانه وتعالى أن هذه الرحمة إنما هي للمتقين ومن هؤلاء المتقون ؟ المتقون وصفهم القران وصفا دقيقا عجيبا عندما ذكر الله سبحانه وتعالى البر وأركانه الاعتقادية والعملية والخلقية ثم أتبع بعد ذلك قوله أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون فهذا يعني...

    اقرأ المزيد
  • العقيــدة الصحيحة و ما يضادها

    Icon 07
    جاء الإسلام بعقائد عن حقيقة المعاد والجزاء ، بحيث تجعل الإنسان معتقداً أن الجزاء العادل هو المصير الذي ينتظر كل مكلف يوم العرض الأكبر الذي تتميز فيه الخلائق بعضها عن بعض وتتقطع الأواصر ويبقى الإنسان مرهوناً بعمله إن كان خيراً فخير وإن كان شراً فشر. وحول هذا الموضوع أنقل لك أخي القارئ الكريم هذه القراءات من تفسير الأستاذ سيد قطب...

    اقرأ المزيد
  • مقالات في العقيدة

    Icon 07مقالات في العقيدة
    مداخل الشيطان [ جانب العقيدة]


    مقالات قيد الإدراج:
    مختصر أصول العقيدة الإباضية / الأصول التسعة و بعض المسائل الخلافية / إفتراق الأمة و النجات في طلب الحق / الإخـــلاص روح الــعــبــادة / النيـة الخالصـة  / صفات الله سبحانه وتعالى ( الحياة ، السمع والبصر ، الكلام ) / قوائم و أركان الدين / العقيدة الإسلامية في ضوء العقل والنقل / الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر / مميزات الإباضية / المدخـل العــام إلى دراسة العقيدة الإسلامية / حقيقة الفرقــــة الناجية / بــراءة الإباضيــة / الإيمان زيادةً ونقصاناً  / حكم الصغائر / العلم : فرض كفاية و فرض عين /  الورع عن الحرام / الأسماء والصفات / مناهــج التشريع الإسلامـي عند علماء المسلميــن / تأملات في سورة إبراهيم / النونية- السيف والإيمان في العدل والرضوان / القوانين و السنن الكونية / صمود النص أمام الطوفان الجارف / حادثة الإسراء في النص القرآني / الثبات على المبادئ : الشيخ أبو اليقظان...

  • كتاب الحق الدامغ للشيخ أحمد بن حمد الخليلي

    Icon 07
    فهرس الكتاب: رؤية الله / في مدلول الرؤية لغةً / اختلاف الأمة في إمكان رؤية الله ووقوعها / في أدلة المثبتين / أدلة النافين ، وهي قسمان عقلية ونقلية خلق القرآن / التعريف بالخلق وبالقرآن والتفرقة بين القرآن وسائر الكتب المنزلة وبين الكلام النفسي / اختلاف الأمة في قِدم الكلام أو حدوثه / تضارب أقوال القائلين بقِدم القرآن / أدلة النافين لخلق القرآن / أدلة القائلين بخلق القرآن خلود أهل الكبائر في النار / تعريف الخلود والكبائر / اختلاف الناس في خلود الجنة والنار / أدلة القائلين بانقطاع العذاب / أدلة القائلين بخلود جميع مرتكبي الكبائر في النار...

العقيــدة الحقــة (الجزء الأول)

الحمد لله حق حمده سبحانه له الحمد كله وله الأمر كله أحمده بما هو أهل له من الحمد وأثني عليه وأستغفره من جميع الذنوب وأتوب إليه وأومن به وأتوكل عليه من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له و أشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أرسله بالحق بشيرا ونذيرا وداعيا إليه بإذنه وسراجا منيرا فبلغ رسالة ربه وأدى أمانته ونصح هذه الأمة وتركها على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين وعلى تابعيهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد :

فلا ريب أننا نؤمن جميعا أن رحمة الله تعالى واسعة وأنه عز وجل سبقت رحمته غضبه ولكن لمن هذه الرحمة فقد قال سبحانه "ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون" أخبر الله سبحانه وتعالى أن هذه الرحمة إنما هي للمتقين ومن هؤلاء المتقون ؟ المتقون وصفهم القران وصفا دقيقا عجيبا عندما ذكر الله سبحانه وتعالى البر وأركانه الاعتقادية والعملية والخلقية ثم أتبع بعد ذلك قوله أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون فهذا يعني البر إذ أن الله يقول قبل هذه الخاتمة "البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتمى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصبرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون" وقبل هذه الآية في نفس هذه السورة التي جاءت فيها وهي سورة البقرة يصف الله تعالى المتقين بقوله "الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقنهم ينفقون والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون". كذلك نجد أن الله سبحانه وتعالى يصف المتقين في سورة آل عمرانعندما قال "قل أؤنبئكم بخير من ذلك للذين اتقوا عند ربهم جنت تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وأزواج مطهرة ورضوان من الله والله بصير بالعباد الذين يقولون ربنا إننا ءامنا فاغفر لنا ذنوبنا وقنا عذاب النار" فمعنى ذلك أنهم توابون يقولون ربنا اغفر لنا ذنوبنا يعترفون بذنوبهم ويتوبون إلى الله سبحانه وتعالى منها ثم يصفهم بقوله "الصابرين" هذا الوصف يدل على أنهم صابرون على ما يجب أن يصبر عليه وصابرون عما يجب أن يصبر عنه فهم يصيرون على طاعة الله ويصبرون عن معصيته "الصادقين والمنفقين والمستغفرين بالأسحار" فقوله القانتين يدل على عبادتهم والمستغفرين بالأسحار يدل على كثرة مراقبتهم لنفوسهم ومحاسبتها حتى أنهم يقومون في وقت السحر مستغفرين لله سبحانه وتعالى مما ألموا به من الخطايا وكذلك عندما وعد الله سبحانه عباده جنة عرضها السموات والأرض خصها بالمتقين ثم وصف هؤلاء المتقين "الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين * والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون * أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ونعم أجر العاملين" ومما وصفهم الله سبحانه وتعالى به أنهم لم يصروا على ما فعلوا فهم لا يصرون على أعمالهم مع إدراكهم بأنهم واقعون في مخالفة الله ويدل على هذا الوصف نفسه للمتقين ما جاء في سورة الأعراف من وصفهم عندما قال الله تعالى "إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون" فهؤلاء عندما يلم بهم شيء من وسوسة الشيطان التي قد تدعوهم إلى مقارفة شيء من مكروهات الله سرعان ما ينتبهون ويدكرون ويرجعون عن ضلالهم إلى هداهم ومن غيهم إلى رشدهم ومن انحرافهم إلى استقامتهم فهم سرعان ما يعودون إلى الطريق القويم الذي يسيرون عليه والذي يؤدي بهم بمشيئة الله إلى رضوان رب العالمين

ونحن نجد أن البشائر في القران الكريم إنما هي للذين اتقوا وليست للفجار "أم نجعل الذي أمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار" لا يكون المتقون والفجرة سواء إذ ليس ذلك من عدل الله سبحانه وتعالى كذلك نجد في سنة الرسول (صلى الله عليه وسلم) ما يدل على وصف هؤلاء المتقين فقد جاء في الحديث الذي أخرجه الإمام أحمد وعبد بن حميد والبخاري في تاريخه والترمذي والحاكم وصححه والبيهقي في شعب الإيمان عن عطية السعدي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لا يبلغ أحد أن يكون من المتقين حتى يدع ما لا بأس به مما به بأس". أي أن من شأن المتقي أن يكون شديد الاحتياط حتى يترك الأشياء التي لا بأس بها حذر الوقوع فيما فيه بأس ومن المعلوم أن الله تبارك وتعالى قال "إنما يتقبل الله من المتقين" وهذا يعني أن قبول العمل يكون من المتقين لا يكون من الفجار فالفجار تحبط أعمالهم ذلك لأنه جاءت النصوص القرآنية صريحة في كون العمل الفاسد عندما يصر عليه الإنسان يكون سببا لإحباط العمل الصالح فالله سبحانه وتعالى بين أن المن والأذى يبطلان الصدقات يقول الله تعالى "يايها الذين أمنوا (هذا خطاب للمؤمنين) لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى كالذي ينفق ماله رئاء الناس ولا يؤمن بالله واليوم الآخر فمثله كمثل صفوان عليه تراب فأصابه وابل فتركه صلدا لا يقدرون على شيء مما كسبوا" ومعنى ذلك أن جميع الأعمال التي كسبوها من الخير لا يبقى في أيديهم شيء منها هذه الأعمال تتساقط بسبب المن والأذى وليس المن والأذى أكبر الكبائر كما جاء في القران الكريم الدليل الواضح الذي يدل على أن رفع الصوت على رسول الله صلى الله عليه وسلم محبط للأعمال فالله سبحانه وتعالى خاطب خير القرون وهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم خاطبهم بماذا وهو أصدق القائلين "يأيها الذين أمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون" فجعل رفع الصوت على صوته صلى الله عليه وسلم والجهر له كما يجهر بعض الناس مما يحبط الأعمال "أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون" وهذا خطاب لمن ؟ للذين كانوا في عهد الرسول (صلى الله عليه وسلم) للصحابة رضوان الله عليهم ووصفهم الله بالذين أمنوا ومعنى ذلك انه ليس هذا خطاب للمنافقين الذين كانوا في عهد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وإنما هو للذين أمنوا بشهادة القرآن هؤلاء الذين جاهدوا في الله حق جهاده هم الذين صبروا وصابروا وضحوا بأنفسهم وقدموا أرواحهم في سبيل الله يحذرون أن تحبط هذه الأعمال التي قدموها من جهاد وغيره بسبب رفع الصوت فوق صوت النبي (صلى الله عليه وسلم عليه وآله وسلم)

هذا وقد جاء في السنة على أن عقيدة إسقاط الأعمال بارتكاب المخالفات الشرعية والإصرار عليها أمر كان متداولا في عهد الصحابة رضوان الله عليهم وذلك أنه جاء أن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها عندما بلغها أن زيد بن أرقم رضي الله عنه باع لجاريته بيعها على نحو الذي يسمى عند الناس ببيع الذرائع فوجهت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها خطابا للجارية أخبري زيد أنه أبطل حجه وجهاده مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فالحديث أورده ابن القيم في أعلام الموقعين وحسنه وأما اعتراض ابن حزم في كتابه المحلى انه لا يصح ذلك لأن العمل لا يحبط بهذا التصرف مردود لما ثبت في القرآن نفسه من لخيرة القرون لصحابة الرسول (صلى الله عليه وسلم) الذين كانوا في عهده "لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون" فالعقيدة أيضا واضحة من الآيات التي ذكرناها ومن وصف الله تبارك وتعالى لعباده المتقين الذين وعدهم الله الرحمة ووعدهم تقبل أعمالهم ووعدهم جنة عرضها السموات والأرض ووصف الرسول (صلى الله عليه وسلم) لهولأ المتقين وانتشار هذه العقيدة في أوساط الصحابة حتى أن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت ما قالته لجارية زيد وحملتها ما حملته في الرسالة لإبلاغها زيدا حتى يتدارك نفسه وإلا يفسد حجه وجهاده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم

أما اعتراض من اعترض على ذلك بأن الله تعالى قال "فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم بما كانوا بآياتنا يظلمون" فهو مردود لأن هذه الموازين هي موازين القسط يوم القيامة التي اخبر الله سبحانه وتعالى بها . قبل ذلك بين الوزن ما هو؟ "الوزن يومئذ الحق فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم بما كانوا بآياتنا يظلمون" بين أن الوزن في ذلك اليوم الحق وهو عدل الله بين عباده ومن عدل الله تعالى الذي دل عليه الكتاب انه لا يتقبل الأعمال إلا من المتقين وقول الله تعالى "فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره * ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره" إنما هو مقيد بكون هذا العمل لم يحبط بعمل الشر الذي يعمله أما مع وقوع عمل الشر الذي يحبط عمل الخير كما نص على ذلك القرآن فلا ريب أن هذا الخير وإن يرى إياه صاحبه إلا إنه ليس مما يوفر له أجره يرى إياه حسرة وندامة بحيث يفوته ما عمله من خير بسبب إصراره على معصيته لله

ومن المعلوم أن هذه العقيدة هي التي تمنع صاحبها من التهور وهي عقيدة أهل الحق والاستقامة وتصونه من الانزلاق في المزالق التي ينزلق فيها أصحاب عقيدة الأرجاء التي تستهين بحرمات الله تعالى وتجرئ صاحبها على عدم المبالاة في الوقوع فيما منع الله الوقوع فيه فإن الله سبحانه وتعالى بين لنا في كتابه بيانا شافيا أن عقيدة الإرجاء عقيدة يهودية وأن تعليق الأمل على الطمع على مغفرة الله بدون توبة ورجوع إلى الله من العقائد التي كانت شائعة عند اليهود وأن هذه العقيدة جرأتهم في الوقوع في مخالفة أمر الله فالله تعالى يقول : "فخلف من بعدهم خلف ورثوا الكتاب يأخذون عرض هذا الأدنى ويقولون سيغفر لنا وأن يأتهم عرض مثله يأخذوه ألم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب أن لا يقولوا على الله إلا الحق" فترون أن الله سبحانه وتعالى بين أن هؤلاء افتروا بسبب هذه العقيدة عقيدة غفران الخطايا ووقعوا فيما وقعوا فيه من المحاذير وأتوا ما أتوا من محذورات الله تعالى فاجترءوا على اشترائهم العرض الأدنى بما هو خير اشتروا عرض الأدنى بمقابل ما هو خير بسبب طمعهم في المغفرة والله تعالى حذر هذه الأمة من التشبه بهذه الأماني وبين أن هذه الأماني ليست من الحق في شيء فقال سبحانه: "ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتب من يعمل سوءا يجزى به ولا يجد له من دون الله وليا ولا نصيرا ومن يعمل من الصالحات من ذكرا أو أنثى فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيرا" فحذر الله من التعلق بمثل هذه الأماني التي تعلق بها اليهود وظنوا انهم لا يجزون بأعمالهم السيئة فالله تعالى قال "من يعمل سوءا يجزى به" أي سوء كان والله تعالى غفار ولكن لمن هذه الرحمة بين مغفرته لمن تكون وقال تعالى : "وأني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى"

فلابد من الجمع بين هذه الأمور كلها وهي التوبة والإيمان والتوبة لا تنشأ إلا من الإيمان الراسخ والعمل الصالح ثم الاهتداء في جميع الأعمال بحيث يتوقى الإنسان الأعمال السيئة ويسير في طريق الأعمال الصالحة وأن وقعت أية مخالفة بادر بالاستغفار والتوبة منها ويدل على هذا دلالة واضحة على ما جاء من قسم الله تعالى في كتابه بالعصر أن جميع الجنس البشري خاسر إلا من استجمع صفات الإيمان فالله سبحانه يقول "والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين أمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر" فذكر أولا الإيمان فهو الركن الأساسي من أركان النجاة من الخسران الذي كتبه لبني الإنسان والركن الثاني العمل الصالح والركن الثالث التواصي بالحق والتواصي بالصبر وتدرون أن الصبر يشمل الصبر على طاعة الله والصبر عن معصية الله فبعد هذه الدلائل لا يبقى لمن تشبث بالأماني أي متعلق والله تعالى أعلم وهو ولي التوفيق وصلي اللهم وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .

(الجزء الثاني)

هناك من الناس من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني ومن هذه الأماني القول بأن الله سبحانه وتعالى ينجز وعــده ويخلف وعيده وهذا الكلام كلام من لم يتدبر القرآن ولم يصغ إليه بوعي وإدراك مع أنه على الإنسان أن يجعل القرآن نصب عينيه وأمام ناظريه وملء سمعه وبصره وملء قلبه وعقله وأن يجعل القرآن فوق المواريث الفكرية التي ورثها فانه كلام الله الحق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ولا ريب أن حمل كلام جاء في القرآن الكريم على مجرد المبالغة والتخويف من غير أن يكون وراءه واقع إنما هو اجتراء عظيم على الله تعالى فمن أصدق حديثا من الله "ومن أصدق من الله حديثا" "ومن أصدق من الله قيلا" وأي كلام هو أبلغ من كلام الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه

والله تبارك وتعالى حذر الذين تشبثوا بمثل هذه الأماني بقوله "لا تختصموا لدي وقد قدمت إليكم بالوعيد * ما يبدل القول لدي وما أنا بظلام للعبيد * يوم نقول لجهنم هل امتلأت وتقول هل من مزيد" . فالكلمات جمع كلمة لا تبديل لأي كلمة من كلمات الله ولئن كانت كلمات الله لا تبديل لها ومعنى ذلك أنه كل ما أخبر الله سبحانه وتعالى خارجا عن كونه حقا وعن كونه صدقا وعن كونه سيقع ما يتعلق به وما يترتب عليه فلو كان الله سبحانه وتعالى كما قال الكثير من الناس الذين اغترفوا عقيدتهم من مواريث الفكر اليهودي فزعموا أن الله لا يعلم ما يستجد له من الأسباب التي تجعله يخلف الوعيد مع أن هذا القول أيضا فيه نسبة الجهل إلى الله تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا وهذا كله مما لا يصح . على أن الذين قالوا بأن الله يخلف وعيده إنما تشبثوا بكلام قالته العرب وذلك إنهم تشبثوا ببيتين روي عن بعض العرب وهما :

ولا يخش ابن العـم ما عشت صولتــــي ****** ولا أنا أخشى صولة المتمـــــرد

وإني وأن أوعـــــدته لمخلـــــف ****** إيعــادي ومنجز موعــــــدي

من هذا الذي قال ذلك ؟ إنما هو من أهل الجاهلية !!! فهل أحكام الله تحمل على العادات التي كانت عليه أهل الجاهلية ؟ على انه لو كان هذا الإنسان من أبر الناس وأتقى الناس وأورع الناس وأفضل الناس وأقرب الناس إلى الله لما كان أن يقاس أمر الله على أمره لأن هذا لو قدرنا انه أمر محمود فانه ولا ريب انه محمود بالنسبة إلى الإنسان الذي يقع في الانفعالات ويتوعد بدون تروي بسبب دافع الانفعال الذي يدفعه إلى الوعيد أما الله سبحانه وتعالى منـزه عن ذلك فهو لا تؤثر عليه الأحوال وهو سبحانه وتعالى يسبب الأسباب ولا تسبب له الأسباب أمر ، فهو وحده يسبب الأسباب وهو قاهر الأسباب والمسببات وهو الحاكم لكل أمر . فأن يكون هنالك سبب يدفع الله تعالى إلى ذلك كما هو شان المخلوق فالمخلوق عندما يتوعد بدون تروي إنما يريد أن يشفي ما في نفسه من الحقد والانفعال والله سبحانه وتعالى أمره بخلاف ذلك فوعيده لا يكون إلا لحكمة ووعده عز وجل لا يكون إلا لحكمة

على أن من العرب أيضا من عد إنجاز الوعد من مكارم الأمور التي يترتب عليه الوصف الحسن فقد روي عن أحد شعراء العرب أيضا انه قال: أن أبا خالد لمعتدل الرأي كريم الأصل والبيت لايخلف الوعد ولا الوعيد ولا يبيت من فراءه على فوت . فترون أن الوصف الذي وصف به هذا الموصوف أنه لا يخلف الوعد ولا الوعيد بالنسبة إلى حال الإنسان نفسه فان إخلاف الوعيد قد يكون أمرا محمود وقد يكون أمرا مذموما فهو بالنسبة إلى الإنسان يكون أمرا محمودا عندما يكون هذا الوعيد ناشئا عن انفعالا بدون أن يتروى وإخلافه للوعيد راجع عن الباطل لأنه لو نفذ الوعيد لأدى ذلك إلى ارتكاب الحماقات والباطل لأنه يتوعد من لا يستحق الوعيد أو يتوعد بوعيد يتجاوز ما يستحق المتوعد من عقاب وأن الحال الذي يكون فيها انجاز الوعيد من المحامد فهي أن يتوعد الحاكم القادر أهل الفسوق والفساد الذي يعيثون في الأرض الفساد لردعهم عن فسادهم بما ينزله عليهم من العقوبات فهو أن أخلف هذا الوعيد كان ذلك مما يجري أصحاب الفساد على مواصلة ارتكاب فسادهم والعبث في هذه الأرض مما يؤدي على عدم استقرار الأحوال ويؤدي إلى أن يكون الناس غير آمنين على أنفسهم عندما يكون الحكام الذين يتوعدون المفسدين يخلفون وعيدهم فيهم

ومن المعلوم أن حكم الله تعالى لا تبديل له فقد وعد الله الطائعين ما وعدهم وهو منجز وعده وتوعد العاصين ما توعدهم من العقاب وهو منجز لهم وعيدهم كما يدل على ذلك القرآن على أن عندما يكون الإنسان غير خائف من وعيد الله سبحانه وتعالى لا ريب أنه لا يدرك ولو ذكر لا يدكر فالله سبحانه وتعالى يقول :وذكر بالقرآن من يخاف وعيد" وتقول عز من قائل "سيذكر من يخشى ويتجنبها الأشقى الذي يصلى النار الكبرى ثم لا يموت فيها ولا يحيى" ويقول سبحانه وتعالى "لتنذر قوما ما أنذر آبائهم فهم غافلون * لقد حق القول على أكثرهم فهم لا يؤمنون * إنا جعلنا في أعناقهم أغلالا فهي إلى الأذقان فهم مقمحون * وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا يبصرون * وسواء عليهم أنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون * إنما تنذر من اتبع الذكر وخشي الرحمن بالغيب فبشره بمغفرة وأجر كريم" فالذي يخشى الله تبارك وتعالى بالغيب هو الذي يبشر على أن المؤمن يخشى الله تبارك وتعالى في حال استمساكه بطاعة الله ومسارعته إلى أمره ذلك لأن الله تعالى يقول "إن الذين هم من خشية ربهم مشفقون والذين هم بربهم لا يشركون والذين هم بآيات ربهم يؤمنون والذين يؤتون ما أتوا وقلوبهم وجلة إنهم إلى ربهم راجعون" وذلك جاء في الحديث أن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها عندما سئلت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن خشية المؤمن أتكون هذه الخشية عندما يقارف المعصية ؟ أجابها بأنه يخشى الله في حال عمله بالطاعة وتلا هذه الآية "والذين يؤتون ما أتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون" . نسأل الله تعالى العفو والعافية .

اختاره ونقله لكم أبو مجـــــــاهد 

العقيــدة الصحيحة 01

العقيــدة الصحيحة و ما يضادها  الجزء الاول

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الكريم وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين. أما بعد: جاء الإسلام بعقائد عن حقيقة المعاد والجزاء ، بحيث تجعل الإنسان معتقداً أن الجزاء العادل هو المصير الذي ينتظر كل مكلف يوم العرض الأكبر الذي تتميز فيه الخلائق بعضها عن بعض وتتقطع الأواصر ويبقى الإنسان مرهوناً بعمله إن كان خيراً فخير وإن كان شراً فشر. وحول هذا الموضوع أنقل لك أخي القارئ الكريم هذه القراءات من تفسير الأستاذ سيد قطب:

1 - " ومثل أهل الكتاب هؤلاء مثل من يزعمون اليوم أنهم مسلمون. ثم يدعون إلى كتاب الله ليحكم بينهم فيتولون ويعرضون. وفيهم من يتبجحون ويتوقحون، ويزعمون أن حياة الناس دنيا لا دين ! وأن لا ضرورة لإقحام الدين في حياة الناس العملية وارتباطاتهم الاقتصادية والاجتماعية، بل العائلية ، ثم يظلون بعد ذلك يزعمون أنهم مسلمون! ثم يعتقد بعضهم في غرارة بلهاء أن الله لن يعذبهم إلا تطهيراً من المعاصي، ثم يساقون إلى الجنة ! أليسوا مسلمين ؟ إنه نفس الظن الذي كان يظنه أهل الكتاب هؤلاء ، ونفس الغرور بما افتروه ولا أصل له في الدين …. وهؤلاء وأولئك سواء في تنصلهم من أصل الدين، وتمصلهم من حقيقته التي يرضاها الله: الإسلام … الاستسلام والطاعة والإتباع" ( في ظلال القرآن ج1/ص383 )

2 - " وكل ما يقوله أهل الكتاب إذن من أنهم لن يدخلوا النار إلا أياماً معدودات. وكل ما رتبوه على هذا التميع في تصور عدل الله في جزائه من أماني خادعة … باطل باطل لا يقوم على أساس " ( المرجع السابق، ج1/ص404)

3 - ( ألم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب ألا يقولوا على الله إلا الحق ؟ ودرسوا ما فيه ؟ ) ألم يؤخذ عليهم ميثاق الله في الكتاب ألا يتأولوا ولا يحتالوا على النصوص ، وألا يخبروا عن الله إلا بالحق .. فما بالهم يقولون : ( سيغفر لنا ) ويتهافتون على أعراض الحياة الدنيا ؟ ويبررون لأنفسهم هذا بالتقول على الله وتأكيد غفرانه لهم ، وهم يعلمون أن الله إنما يغفر لمن يتوبون حقاً ، ويقلعون عن المعصية فعلاً ؛ وليس هذا حالهم ، فهم يعودون كلما رأوا عرضاً من أعراض الحياة الدنيا ! وهم درسوا هذا الكتاب وعرفوا ما فيه ! بلى ! ولكن الدراسة لا تجدي ما لم تخالط القلوب . وكم من دارسين للدين وقلوبهم عنه بعيد . إنما يدرسونه ليتأولوا ويحتالوا ، ويحرفوا الكلم عن مواضعه ، ويجدوا المخارج للفتاوى المغرضة التي تنيلهم عرض الحياة الدنيا … وهل آفة الدين إلا الذين يدرسونه دراسة ، ولا يأخذونه عقيدة ، ولا يتقون الله ولا يرهبونه ؟! " ( المرجع السابق ، ج3 / ص1387 )

4 – " ولا شفاعة يومئذ إلا لمن قدم عملاً صالحاً فهو عهد له عند الله يستوفيه. وقد وعد الله من آمن وعمل صالحاً أن يجزيه الجزاء الأوفى ، ولن يخلف الله وعداً " ( المرجع السابق، ج4/2320 )

5 – " ولعل أشد الوعود إغراء الوعد بالعفو والمغفرة بعد الذنب والخطيئة ؛ وهي الثغرة التي يدخل منها الشيطان على كثير من القلوب التي يعز عليه غزوها من ناحية المجاهرة بالمعصية والمكابرة. فيتلطف حينئذ إلى تلك النفوس المتحرجة ، ويزين لها الخطيئة وهو يلوح لها بسعة الرحمة الإلهية وشمول العفو والمغفرة " ( المرجع السابق ، ج4/2239 )

6 – " فهو بعباده رحيم حتى وإن ظلموا فترة ، يفتح لهم باب المغفرة ليدخلوه عن طريق التوبة. ولكن يأخذ بعقابه الشديد من يصرون ويلجون ، ولا يلجون من الباب المفتوح " ( المرجع السابق ، ج4/ 2047) أمة الإسلام ما زالت بخير ما دام هناك من أبنائها من يأخذ عقائده من القرآن الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. وأما الذين اتبعوا اليهود في التمني على الله الأماني فلن يضروا أحداً إلا أنفسهم فعليهم الرجوع إلى الحق الذي جاء به المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم. هذا والسلام عليكم ورحمة الله و بركاته.

الكـاتـب : المنصور. 

القيم القرآنية في المجتمع المزابي

القيم القرآنية في المجتمع المزابي العزابة نموذجاد

د.إبراهيم بحاز

عندما نتحدث عن حلقة العزابة في المجتمع الإباضي وفي المجتمع المزابي الجزائري بخاصة، إنما يكون حديثنا عن القرآن تلاوة وترتيلا وتعليما وتلقينا وتحفيظا، وحديثا عن القرآن قيما وعبادة ومجتمعا وثقافة واقتصادا...
في مداخلتي هذه عن القيم القرآنية في المجتمع المزابي بواسطة حلقة العزابة ودورها في التعليم القرآني، سأتناول تعريفا سريعا عن حلقة العزابة ثم أعرج على دور هذه الحلقة في التعليم القرآني وتثبيت قيمه في النفوس.


أولا : حلقة العزابة النشأة والتسمية والمهام


نشأت حلقة العزابة عام 409هـ /1018م ، على يد المفكر المبدع أبي عبد الله محمد بن بكر الفرسُطائي النفوسي (ت 440هـ/1049م)[1] على أرض الجزائر، في بلدة اعمر، دائرة تقرت ولاية وادي سوف التي كانت مع وادي ريغ (منطقة تقرت) آهلة بالإباضية في تلك الأزمنة من القرن الخامس الهجري وما يليه، العاشر للميلاد وما يليه، نشأت بغار تينّسلي ببلدة اعمر الذي بني خصيصا لانطلاق العمل على منهج العزابة الذي وضعه مؤسِسُه أبو عبد الله محمد بن بكر بعد اعتكاف دام أربعة أشهر جَاء المولود بمُسمَّى حلقة العزابة لأن من شروطه وضوابطه العزوبة عن الدنيا دون رهبانية والتفرغ لخدمة كتاب الله وخدمة المجتمع على القيم القرآنية بالتبع.
وفي معجم مصطلحات الإباضية نقرأ « نظام العزابة وحلقة العزابة وهيئة العزابة ومجلس العزابة كلها مصطلحات تستعمل في المراجع مترادفات وهي أصلها تمثل مراحل تطور النظام»[2].
ويضيف المعجم « والحلقة بدأت تربوية علمية محضة، بحيث يجلس التلاميذ إلى شيخهم في شكل حلقة دائرية، ويبدو أن هذا النظام سرعان ما تطور ليصبح بمثابة نظام اجتماعي سياسي للجماعات الإباضية في مناطقها ببلاد المغرب الأدنى والأوسط(في تلك الأزمنة)، أما مصطلح العزابة فأطلق على تلاميذ الحلقة، ثم اقتصر على شيوخ الحلقة بعد ذلك»[3].

إذن فهذا النظام يبدأ نظامًا تعليميًا دينًيا بحتًا، ثم تطور بعد انتقاله من وادي ريغ إلى وادي مزاب، ليصبح نظاما شاملا، يهتم بكل نواحي الحياة الفردية والجماعية، دينًا واجتماعًا واقتصادًا وسياسة[4] شرعية.
أما عن أصل التسمية بالعزابة، فهو من العزوب عن زخارف الدنيا دون رهبانية، فالعزابة كلهم بلا استثناء يتزوجون وينجبون ويربون ويشتغلون بالفلاحة أو بالتجارة أو بالمهن الأخرى، دون أن يكون ذلك همهم الأول أو شغلهم الشاغل، لأن مقصدهم هو خدمة مجتمعهم تعليما وتربية، ويعطون من أنفسهم القدوة للآخرين في التواضع والورع، ومراقبة النفس وحب العمل والتفاني في إتقانه مهما كان تعليما أو فلاحة أو تجارة أو صناعة أو بناء أو مهنًا أخرى.
أما مهام العزابة فمتعددة، فهناك المهام الدينية والاجتماعية والتعليمية التربوية والاقتصادية وغيرها.
يقول الدكتور محمد ناصر: « يصعب على المرء في الواقع عندما يتحدث عن مهام العزابة أن يفصل بين ما هو مهام دينية وبين ما هو مهام اقتصادية مثلا، لأن الدين الإسلامي دين يتغلغل في كل مناحي الحياة في المجتمع الإسلامي الحق»[5]، وبما أن الحلقة نشأت في عصر غاب فيها الحكم الراشد، جاءت لتكون بمثابة القدوة في المجتمع، فبات طبيعيا أن يكون من مهامها وصلاحياتها التشريع والتنفيذ والحكم، فقادت المجتمعات الإباضية في شمال إفريقيا لقرون عديدة ووجَّهَتهم وحَمتهم خاصة في العهد الاستدماري. ولا تزال حلقات العزابة تؤدي دورها الديني والاجتماعي والتربوي إلى اليوم[6]،
? فهي التي حافظت على قيمة تمسك المجتمع بالدين اعتقادا وممارسة،
? وحافظت على قيمة القضاء الإسلامي وقبوله عند التخاصم،
? وحافظت على قيمة الهندام الإسلامي والتمسك به إلى اليوم،

? وحافظت على سمت المرأة المسلمة الطاهرة العفيفة، وأسست لها هيئة تسمى هيئة “تيمسيريدين” وملتقى سنويا هو ملتقى “سيوت لا إله إلا الله” (انظر المصطلحين في معجم مصطلحات الإباضية) لتدَارسِ شؤون المرأة من قبل المرأة نفسها،
? وحافظت على التعليم القرآني وقيمه عند الناشئة، بل أُسّستْ الحلقة لذلك الغرض ابتداء،
? وحافظت على الهيئات المنبثقة عنها مثل “إيروان” وهم حفظة القرآن، و”الكرثي” و”الأعيان” و”العشائر” و”أمناء العرش” الذين يتولون مهمة مراقبة أعراف البناء وضوابط السيل،
? وحافظت على الشباب وجمعيات الأحياء “تيسكريوين” توجيها وإرشادا،
? وحاربت الاستدمار الفرنسي حربا جهادية في سطاوالي وسيدي فرج وفي بقاع الجزائر المختلفة شرقا وغربا، كما حاربته حرب مقاطعة لمدارسه ولباسه ومأكولاته ومياهه وكهربائه حتى تبعده عن ولوج المنازل والاحتكاك بالناس... وهذا سر بقاء المؤسسات العرفية والبُنى القاعدية للمجتمع المزابي إلى اليوم.
? وحافظت على الأوقاف ميراثا من الماضي ـ بما في ذلك مقابرهاـ واستثمرته ولا يزال يؤدي دوره الاجتماعي والتربوي إلى اليوم دون انقطاع.
كل هذا وغيره انطلق من المنظومة التربوية التي أنشأها مؤسس الحلقة واستمر عليها الخلف اقتداء وتطويرا حتى بلغت ما بلغته اليوم، فما هي أسس حلقة العزابة في التربية والتعليم؟


ثانيا: دور حلقة العزابة في التعليم القرآني:

يقول الدكتور محمد ناصر في كتابه حلقة العزابة ودورها في بناء المجتمع المسجدي، متحدثا عن المهام التربوية لحلقة العزابة: « كانت المسؤولية هي أهم ما تقوم به الحلقة في عهود نشأتها الأولى، بل إن تربية النشء والعناية بتحفيظهم القرآن الكريم، وتعليمهم اللغة العربية والشريعة الإسلامية، كانت المهمة الوحيدة التي كانت الحلقة قد أنشئت من أجلها، وهذا إدراك من علماء المذهب وشيوخه أن التربية هي أهم الوسائل التي تنشئ الأجيال المسلمة عقيدة وعملا وهي من الطرق البليغة التي تضمن الاستمرار للمجتمع المحمدي مذهبا وسلوكا، وإن الدارس عندما يعود إلى طبقات الدرجيني (ق7هـ/15م) ليعجب حقًا لهذا النظام الدقيق الذي وضعه مؤسس الحلقة أبو عبد الله محمد بن بكر (في وقت مبكر نسبيا) في القرن الخامس الهجري (11م) في هذا المجال»[7].
يقول الدرجيني تحت عنوان ” ذكر لمع من سير الحلقة وما ينبغي لأهل طريق العزابة أن يلتزموه وأن يَعْلَمُوه... ”
إن أبا عبد الله محمد بن بكر مؤسس الحلقة «جعل للعزابي الذي نظمه هذا الاسم في سلك المتدينين، واعتزل عن دناءة الأجلاف الدنيويين علامات ليُعرفوا بسيماهم ويتميزوا عن سواهم:
فمنها أنه أول ما يتجرد من طريقة أهل الدنيا بحلق شعر رأسه ثم لا يتركه يطول أبدا، فالعزابة من نشأتهم عدم الشعور، ومنها ألا يلبس ثوبا مصبوغا إلا البياض»[8].
ثم فصل في اللباس وهو على الطريقة المتداولة اليوم في وادي مزاب وبعد ذلك فصل الحديث في أهل الحلقة وقال « وأهل الحلقة صنفان:
? آمر ومأمور...
? فالآمر اثنان: شيخ الحلقة أو مستنابه، والعريف.
? فالعريف اثنان: منفرد وغير منفرد،
? فالمنفرد اثنان: عريف أوقات الختمات والنوم، وعريف أوقات الطعام
? وغير المنفرد: العريف أو العرفاء وهم من حملة القرآن يكون منهم من يكتب عليه طلبة القرآن ألواحهم ويصححونها ويحفظونها... فهؤلاء لا يحصيهم عدد،

والعريف على أوقات الدراسة ربما كان واحدا وربما أكثر فهو على قدر الاحتياج إليه ونحو ذلك،
والمأمور ثلاثة:
? طلبة القرآن،
? وطلبة فنون العلم والأدب،
? والعاجزون، ولجميعهم أوقات... »[9].
وبعد أن تطرق لمهام الحلقة وهي عديدة متنوعة[10]، تتجاوز مهام مدير مدرسة ابتدائية أو متوسطة اليوم، تناول مهام العرفاء بمختلف تخصصاتهم، ثم بعد ذلك تطرق إلى أنواع الطلاب أي العزابة في الحلقة[11]، وقد ضبطها الدكتور الأردني المتخصص في الدراسات الإباضية عوض خليفات ضبطًا متميزا وأخرجها إخراجا تربويًّا معاصرًا بحيث رتب مهام الشيخ في ثمانية مهام أساسية، ومهام عريف تعليم القرآن في ثلاث، ومهام عريف أوقات الدراسة في خمس، ومهام عريف الختمات وأوقات النوم في خمس أيضًا، ومهام عريف الطعام في سبع، وصنف الطلبة في الحلقة كما جاءت عند الدرجيني إلى ثلاثة ثم جاء بسير الحياة اليومية في الحلقة وختم بالاختبارات والامتحانات وأنواع العقوبات[12].
? مهام الشيخ عالم وحافظ للقرآن الكريم
1. تعيين العرفاء
2. قبول الطلبة الجدد
3. اعتماد المناهج والخطط الدراسية للطبقات العليا من التلاميذ
4. الجلوس للطلبة من الصفوف العليا
5. الجلوس للطلبة المبتدئين والمتقدمين في الدراسة في أوقات معينة عند الختمات
6. الاجتماع بالطلبة جميعهم مرتين في الأسبوع
7. الفصل في المنازعات والمشاكل
8. الأمر بالصرف من أموال العزابة والأوقاف
? مهام عريف تعليم القرآن:
1. تدريس التلاميذ المبتدئين القرآن الكريم وعددهم لا يزيد عن عشرة ولا يقل عن اثنين
2. الإشراف على تلاميذه من الناحية الخلقية
3. إنزال العقوبات الخفيفة بالتلاميذ عند الضرورة
? مهام عريف أوقات الدراسة:
1. الإشراف على انتظام الطلبة في الصفوف الدراسية
2. المحافظة على النظام والهدوء
3. تعويض عريف تعليم القرآن عند غيابه

4. مراقبة الطلبة عند الاستفتاح أي عند القيام في الثلث أو الربع الأخير من الليل لتلاوة القرآن والدعاء
5. عدم السماح بتناول الطعام اختيارا في غير الأوقات المحددة للأكل
? مهام عريف الختمات وأوقات النوم
1. إعلان انتهاء فترة الدروس الصباحية
2. الدعوة إلى نوم القيلولة إجبارا
3. دعوة الطلاب إلى حضور ختمة المغرب
4. الدعوة إلى الختمة اليومية النهائية بعد صلاة العشاء
5. إعلان ابتداء النوم الليلي
?? مهام عريف الطعام
1. تنظيم جلوس الطلاب عند الأكل
2. التأكد من أن جميع الطلبة قد حضروا إلى الأكل باللباس الرسمي الخاص بهم
3. مراقبة تطبيق آداب الأكل عند الطعام
4. تسجيل الغياب عن الطعام ومعرفة أسبابه
5. إعلان انتهاء الأكل ويكون ذلك بالدعاء والشكر لله على نعمته
6. الإشراف على توزيع الهدايا التي يتصدق بها الأغنياء والمحسنون
7. الإشراف على الوجبات الإضافية وعددها اثنتان في اليوم: وقت الضحى وبعد صلاة العصر
8. الإشراف على الوجبات التي تكون خارج الإقامة كالولائم في بيوت المحسنين.


أما الطلبة في المدرسة فإنهم يُصنفون عادة إلى ثلاث مجموعات:
1. طلبة تعليم القرآن
2. طلبة العلوم والآداب
3. العجزة


والحقيقة أنهم كلهم طلبة القرآن الكريم، فالصنف الأول هم صغار التلاميذ المبتدئين والصنف الثاني هم الذين استظهروا القرآن وانتقلوا إلى تعلم علوم القرآن الأخرى، والصنف الثالث هم العاجزون عن حفظ كتاب الله، هم المتخلفون الذين كبرت أعمارهم وبقوا يراوحون مكانهم في السور القصار أو بعدها بقليل.

أما عن سير الحياة اليومية في الحلقة أي المدرسة، فيبدأ العزابة آمرون ومأمورون يومهم في الثلث الأخير من الليل أو ربعه الأخير لتأدية الاستفتاح، فيتوضؤون ويأخذون في تلاوة القرآن مع الشيخ أو فرادى حتى أذان الفجر، فيسيرون جميعا إلى المسجد لأداء صلاتي الفجر والصبح ويعودون إلى مدرستهم لتناول طعام الفطور ثم يبدؤون دروسهم اليومية المعتادة حسب تصنيفهم وبرنامجهم.
يجلس الطلبة في صفوفهم على هيئة حلقة غير مستندين إلى شيء ولا مكثرين من الحركة والالتفات، وإنما عيونهم على ألواحهم المسندة إلى الأساطين، ويعمل العريف على اختبار تلاميذه فيما حفظوه مما تعلموه وحفظوه في يومهم السابق وبعد ذلك يملي عليهم ما يجب حفظه في اليوم التالي.
وبعد انتهاء الدروس الصباحية يقوم عريف الختمات فيجمع الطلبة لتلاوة دعاء الختمة الصباحية معلنا بذلك انتهاء الدروس الصباحية.
ثم تكون فترة أسئلة يجيب عنها شيخ الحلقة ثم صلاة الضحى ثم تناول الطلبة لوجبة خفيفة من الفواكه أو التمر، وهذه الوجبة مشروطة بالجواب على ثلاثة أسئلة يطرحها العريف ومن لم يجب يُحرم من هذه الوجبة.
بعدها يأمر عريف الختمات والنوم التلاميذ بالذهاب إلى نوم القيلولة ولا يتخلف عن هذا النوم الإجباري إلا أصحاب الأعذار وبموافقة العريف، ومن اكتشف أنه لم ينم أو أزعج من نام فالعقوبة مصيره.

بعد ذلك تأتي صلاة الظهر وتناول الغداء، ثم تبدأ دورة الدراسة المسائية وتستمر حتى العصر ويتخللها تناول وجبة خفيفة كوجبة الضحى، ثم الاستمرار في الدراسة حتى صلاة المغرب، وحينها يعلن عريف الختمات عن الختمة المسائية إيذانا بانتهاء الأعمال اليومية الإلزامية، ثم يصلون صلاة العشاء ويتناولون طعام العَشاء ثم استراحة حرة لمدة قصيرة ثم حضور الختمة النهائية حيث يقوم أحد التلاميذ بتلاوة شيء من القرآن الكريم، ثم يدعو دعاء الختمة المعتاد وبعد ذلك يقوم أحد الطلبة بإلقاء كلمة وعظية إرشادية ثم يستغفرون ويدعون ثانية فينصرفون إلى النوم.


أما أوقات العطل الرسمية فهي يوم الجمعة من كل أسبوع.
وفي وقتنا الحاضر تقوم ما يُعرف بالمحاضر وهي مدارس قرآنية تعد بالعشرات في قصور وادي مزاب وكذا المعاهد العليا مثل معهد الحياة بالقرارة ومعهد عمي سعيد بغرداية ومعهد الإصلاح بغرداية ودار القرآن التابعة لمؤسسة عمي سعيد بغرداية كذلك بمهمة تحفيظ كتاب الله، فضلا عن الدراسات المرتبطة بالقرآن، وقد استظهر في العام الدراسي 2011ـ 2012م، على سبيل التمثيل 128 مستظهرا ومستظهرة منها 53 فتاة([13]) ومثل ذلك في معهد الإصلاح ومعهد عمي سعيد.
هكذا عملت حلقة العزابة بالقرآن الكريم على صياغة الشخصية المزابية وهم جزء من المجتمع الجزائري الكبير وأقصد بالشخصية المزابية كل المتجاورين عربا ومزابيين في منطقة غرداية الذين حظوا بولوج هذه المؤسسات الحديثة والتخرج فيها والانضباط بنظامها، ولا تزال الدراسة مفتوحة للجميع منذ أن فتحت أول مدرسة في وادي مزاب وهي مدرسة الإصلاح بغرداية، ومعهد الحياة بالقرارة عام 1925م.
[1]) انظر ترجمته في معجم أعلام الإباضية، قسم المغرب، تأليف إبراهيم بجاز و آخرون، دار الغرب الإسلامي، بيروت 2000م. العَلَم رقم : 803.
[2]) إبراهيم بحاز وآخرون: معجم مصطلحات الإباضية، نشر وزارة الأوقاف والشؤون الدينية، سلطنة عمان، مسقط 1429هـ/2008م ج2 ص702.
[3]) نفسه: معجم المصطلحات الإباضية ج2 ص 699.
[4]) محمد ناصر : حلقة العزابة ودورها في بناء المجتمع المسجدي، مكتبة الضامري 1410هـ/1983م، ص 17.
[5]) نفسه، ص 17.
[6]) لمزيد من الاطلاع على حلقة العزابة وأدوارها ومهامها، انظر خاصة كتاب صالح بن عمر سماوي: العزابة ودورهم في المجتمع الإباضي بمزاب، جزءان، نشر جمعية التراث، المطبعة العربية – غرداية ط1: 1426هـ/2005م (الكتاب في 1162ص).
[7]) محمد ناصر: المرجع السابق، ص31.
[8]) الدرجيني أبو العباس أحمد: كتاب طبقات المشايخ بالغرب، تح إبراهيم طلاي المطبعة العربية. غرداية. ط2 بلا مكان و تاريخ نشر، ج1 ص 172-173.
[9]) الدرجيني: طبقات، 1/173.
[10]) نفسه 1/173/174.
[11]) نفسه 1/178-184.
[12]) عوض خليفات المرجع السابق، 65 -85.
[13] ) مجلة الحياة عدد 16 رمضان 1433هـ/ أوت 2012م ، المطبعة العربية غرداية 2012م آخر المجلة
د. إبراهيم بحاز
المصدر: موقع أعيان غرداية

المساجد في بريان

الجانب المعماري( المعالم الأثرية)(1)

يتصف الجانب المعماري لمدينة بريان بمواصفات الهندسة المعمارية لقرى وادي مزاب، وعلى سبيل المثال نذكر بعض المعالم المعمارية في بريان منها المساجد منها قديمة وأخرى حديثة:

أ-المساجد القديمة :

-كان المسجد الأول العتيق للإباضية في الدار التي يسكنها أوراغ محمد بن عمر بن سليمان وموسلمال باحمد بن إبراهيم لزعل، وقد زال هذا المسجد الذي أسس حوالي 1500ه/1596م.

وانتقل بناؤه إلى المكان الموجود حاليا والذي فيه المنارة "الصومعة" بأعالي البلدة بتاريخ 1101ه/ 1689م بجانبه البئر بناحية بربورة، وبقي هذا المسجد المعروف بالعتيق على شكله القديم إلى غاية سنة 1958م حيث تم هدمه نظرا لضيقه وأعيد بناؤه من جديد ماعدا الصومعة وأضيفت له ثلاثة منازل ومحضرة ودشن سنة 1380ه/1960م، ورممت المئذنة بتاريخ 1941م([1]).

-المسجد العتيق للمالكية تم بناؤه سنة 1299ه/1882م.

ب-المساجد الحديثة:

-مسجد الإمام البخاري: للمالكية دشن سنة 1392ه/1973م.

-المسجد القبلي: للإباضية دشن 1397ه/ 1976م.

-مسجد كاف حمودة([2])*: للإباضية أنشئ سنة 1402ه/ 1981م، وتم الشروع في بناء المئذنة يوم الجمعة 17رجب 1435ه الموافق لـ 16ماي 2014م.

-مسجد الإمام مالك: للمالكية.

-مسجد حي المداغ: للإباضية، تم تدشين المسجد يوم الجمعة 28ربيع الثاني 1419ه الموافق لـ21أوت 1998م.

-مسجد صرعاف: للإباضية، تم تدشين المسجد والمدرسة يوم الخميس 10ربيع الأول 1415ه الموافق لـ 17أوت 1994م.

-مسجد حمزة بالمداغ: للمالكية.

-مسجد الشيخ عامر: للإباضية، تم تدشين المسجد والمدرسة يوم السبت 19جمادى الثانية 1419ه الموافق لـ 10أكتوبر 1998م.

-مسجد بابا السعد: للإباضية، دشن المسجد يوم الجمعة 25شعبان 1428ه الموافق لـ 07سبتمبر 2007م.

-مسجد في حي المنظر الجميل للمالكية.

-مسجد في حي الشيخ عامر(2) للإباضية في قيد البناء.

-مسجد في حي الشيخ عامر (60مسكن) للإباضية في قيد البناء.

-مسجد في حي الكاكة ومسجد في حي عين قرارة للإباضية في قيد البناء.

المسجد العتيق بربورة لمحة تاريخية:

ويعود تاريخ بنائه إلى حوالي340سنة، لوحظ أن فوق الباب الرئيسي للمسجد نقش عليه تاريخ بنائه عام 1101ه الموافق لـ 1689م، فكان بناؤه عن طريق التطوع، وهو يمثل هيبة البلدة ومكان الاجتماع والعبادة وحلقات التعليم، وموقعه على غرار الهندسة العمرانية لمدن مزاب، يشيد في أعلى الجبل لأنه بفضله يتم تسيير كل الميادين سواء الاجتماعية أو السياسية أو الدينية أو الاقتصادية، ويشرف على تسيير الميادين سواء الاجتماعية أو السياسية أو الدينية أو الاقتصادية، ويشرف على تسيير شؤونه هيئة دينية معترف بها وهي هيئة العزابة، فتم بناؤه بوسائل تقليدية من جبس وحجارة وأغصان السدر وجذوع النخيل خاصة جذع نخلة "تزرزايت" نظرا لصلابتها ومقاومتها للظروف الطبيعية من حرارة ورطوبة، وتم اختيار مكان البناء وفق أسس علمية واستراتيجية إذ تحيط به المنازل من كل جهة، فكان المسجد يحتوي على:

 

أ-المئذنة:

هي الجزء المرتفع من المسجد، فتم بناؤها بشكل يثير الدهشة ويبلغ ارتفاعها حوالي 19.50مترا وهي شامخة في السماء ويقال: قد بناها رجل من عرش العفافرة، وبناؤها بالجير والجبس من نوع الذكر مع أغصان السدرة وفيها 86درجة من الأسفل إلى الأعلى ومازالت تحافظ على شكلها وتصميمها فلم تهدم، ولقد تم ترميمها سنة1941من قبل عمي سعيد صالح بن موسى (عداشة) وفوطية داود بن عمر، ويلاحظ أن مئذنة المسجد نقش عليها تاريخ ترميمها، وبقيت على شكلها إلى يوم كتابة هذه الحروف، "وأول من أذن في مئذنة المسجد العتيق بربورة هو الشيخ بالحاج من بني يزقن"([3]).

 

جدول يبين أبعاد المئذنة([4]):

المئذنة

الإرتفاع

أبعادالقاعدة   م

أبعاد النواة المركزيةم

عدد الدرجات

عدد الطوابق

مسجد بريان

19.50

مابين 2.70

2.47

مابين 1.12

و0.66

86

07

ب-المجالس: (المحراب)

تم تصميمها وفق هندسية معمارية ذات طابع رونقي ممتاز، حيث الأقواس الرابطة بين السارية والأخرى، وتشكل أعمدة المسجد وتحتوي هذه المجالس على المحراب وهو مكان يصلي فيه الإمام بالمصلين إلى جانبه محراب مهجور لأنه غير مضبوط لتسديده نحو القبلة وبجانبه بيت صغير يرتدي فيه الإمام الحايك(أحولي)*([5])، وللمسجد محضرة متصلة به لتدريس القرآن، كانت إنارته بالزيت، في هذه الأعمدة يوجد مكان يوضع فيه "ين" الزيت فيوقد الناس القنديل، ومع مرور الزمن أدخل استعمال الكريبل*([6]) والضوء بالبترول قبل هدم المسجد عام 1958م وتم إعادة بنائه سنة 1960م.

هدم المسجد العتيق ماعدا صومعته نظرا لضيقه وصغره مقارنة بعدد المصلين وتم التفكير في توسيعه وإعادة بنائه من جديد وأضيف له ثلاثة منازل متصلة بالمسجد: منزلان لعائلة حجاج وهم حجاج الحاج بكير بن حمو وحجاج صالح بن محمد ومنزل لعائلة بكاي علي بن صالح)، فهدمت تلك المنازل وضمت إلى المسجد، ودشن عام 1960م بحيث تحيط به الشوارع على جهاته الأربعة وعلى شكله الذي عليه اليوم([7]).


ت-البئر:

كان المسجد العتيق ببربورة دون بئر، إلى أن جاء أحد المشايخ من القرارة وهو ضرير البصر يدعى: الحاج إبراهيم شريفي، فقال لأهل البلد كيف لديكم مسجد بدون ماء، وكانوا ينقلون له الماء من الحاسي الوسطاني، فاستغرب ذلك فقال لهم:

أحضروا لي المنقوب، وشرع في العمل فحفر 3أذرع (متر ونصف) فسهل لهم المهمة في حفر بقية البئر وعمقها حوالي 46متر، فكانت تحفر بالتناوب والمنابات بالمقاطع والوسائل التقليدية حيث كان يستعمل الحطب وأخرى تنقله إلى مكان الحفر حتى تسهل عملية الكسر، وهناك جماعة يجمعون الحطب وأخرى تنقله إلى مكان الحفر حتى وصلوا إلى الماء الوفير، وقسمت إلى قسمين: الجزء الداخلي خاص بالمسجد، منه يملأ المرجل(أمناس) في الميضأة لإسباغ الوضوء، والجزء الخارجي خاص لسقي السكان([9]).

 

ث-مخابئ التمور:

توجد بالمسجد خابيات (إبوجا) للتمور، وتوزع هذه التمور لعمار المسجد لاسيما الذين يقرأون القرآن في حلقات ومجالس، وعادة ما يكون ذلك ليلة الجمعة([10]).

ا

لمسجد العتيق للمالكية:

يقع هذا المسجد بجانب المقبرة القديمة الثنية وهو للمالكية، فقبل أن يتم بناء هذا المسجد كان الإخوة المالكية أولاد يحي يصلون في حجرة اتخذوها مصلى من ناحية الشمال من الباب الكبير، وتم بناء هذا المسجد في سنة 1299ه/1882م بموافقة شيخ البلاد باسعيد بن موسى الطالب باحمد وبعض من النواب والقايد يحي بن عفاري بعوشي؛ بعدما أن طلبوا منهم أولاد سي يحي أن يمنح لهم هذا المكان أي الباب الكبير الظهراوي لبناء مسجد لهم، وتم بناؤه على الشكل الموجود عليه   حاليا ماعدا الصومعة بنيت فيما بعد، وبجانبه محضرة متصلة بالمسجد لتعليم القرآن الكريم([11]).

 



(1) المرجع : بريان تاريخ وحضارة دراسة: تاريخية حضارية سياسية اقتصادية اجتماعية دينية ثقافية تأليف إسماعيل بن محمد لعساكر ص155.

)-مقابلة مع الحاج محمد بن باحمد زيطاني بتاريخ 11ديسمبر1995م.[1](

)(*)-كاف حمودة: نسبة إلى بعوشي حمودة بن بابهون بن سليمان راح ضحية أحداث واقعة الشعانبة 1863م وضريحه موجود في ذلك الكاف أي الجبل وسمي ذلك باسمه.[2](

)-عمر بن الحاج عيسى بلعيد، مرجع سابق، (مخ) ورقة 3.[3](

)-بالحاج بن بانوح معروف: العمارة الاسلامية مساجد مزاب ومصلياته الجنائزية، دار الطبع قرطبة، 2007م.ص142-233.[4](

)(*)-احولي وهو اللباس العرفي للعزابة في وادي مزاب.[5](

)-الكربيل:هو حجارة تغلى إذا أفرغ عليها الماء وتصدر من عملية الغلي غازات قابلة للاشتعال وهي التي تستعمل ضوءا قبل وصول الكهرباء.[6](

)-مقابلة مع الحاج إبراهيم بن باعلي لعساكر بتاريخ 02فيفري 1996م.[7](

)- السيدالذي يتلو القرآن في وسط المسجد العتيق بربورة هو الشيخ الحاج محمد بن باحمد زيطاني.[8](

[9])--مقابلة مع الحاج إبراهيم بن باعلي لعساكر بتاريخ 02فيفري 1996م،ومقابلة أخرى مع الحاج سعيد بن يحي الطالب باحمد بتاريخ 09 ماي 1997م،

)-مقابلة مع الحاج قاسم بن صالح بهدي عام 1996م.[10](

المصطلحات الدينية الأمازيغية في مدونة

المفردات الأمازيغية القديمة

Icon 09دراسة في المصطلحات الدينية الأمازيغية في مدونة ابن غانم

تأليف : أبو زكريا يحيى اليفرني

رابط التحميل :(pdf)

4shared

أو :

mediafire

مصطلحات دينية قديمة بالامازيغية وردت في (كتاب البربرية) لابو زكرياء اليفرني (ليبيا) مابين 1000م و1300م باللهجة الزناتية :

الله : يوش yuc

الاله : ابباي ababay

الالهة : ابباين ibabayen

الشيطان : اديمون adaymoun

الملائكة : اندجلوسن inglousen

الملك : اندجلوس anglous

الجن : امخياض imxyad

الرسول : امازان amazan

النبي : ايسر iser

جهنم : ازرداب azerdab

الجحيم : ارواس arwas

الاسلام : ايكوزن ikouzen

العربية : تسرغينت tasrvint

الصلاة : تزاليت tazallit

صلاة الظهر : تزوارنين tizwarnin

صلاة العصر : توقزين tuqzin

صلاة المغرب : تين ووتشي tin wucci

صلاة العشأء : تين ييضس tin y'ids

صلاة الفجر : تين ازتشا tin uzcca

الوضوع الاسفل : اسيندج assing

الوضوء الاعلى : اسيرد assird

اهل الكتاب : تيفلاس tifelas

اليهود : اوداين oudayen

النصارى : اروميين iromiyen

العرب : اسرغين iservinn

الفقهاء : اموسناون imusnawen

الصالحين : اجرامن igrramen

الخطيئة : تيرمدجوت tirmgut

الذنب : ابكاضو abekkado

اللعنة : اموتل amoutel

التوبة : تادجرزأوت tagrzawt

الاجر : امركيدو amerkidu

الطهارة : تازودجي tazudgi

القران : تيرا tirra

عقوبة الحد : ايمير aymir

السب : تاردجيمت targimt

الحلف بالله : تاجأليت tagallit

الحياة : تودرت toudert

الروح : ايمان imann

القبر : اسنضال asendal

الميت : امتين amttin

الكفارة : تمازيلت tamazilt

الطلاق : الوف oluf

الاعياد : تيفاسكوين tifaskiwin

العيد : tafaska

المسجد : تيمزكيدا timzgida

المواريث : تيوساوين tiyusawin

الوارث : امكاسو amekkasu

ورث : كس ikes

اباح واجأز : اسوردج issourg

حلف : اجولا iggola

دينار شرعي: امنكوش amenkuc

الدرهم الشرعي : ادريم adrim

الوالدين : ادداين idaddayen

يوشYuc  و Ayucأيوش و Akucأكوش و Ababayهو “الله” لدى المسلمين الإباضيين: لدى المسلمين من المذهب الإباضي الموجود لحد الآن في بعض المناطق في ليبيا وتونس والجزائر يوجد تراكم تاريخي مهم من الأدبيات الدينية بالأمازيغية سواء في شكل مخطوطات أمازيغية قديمة أو في شكل أناشيد وقصائد دينية أمازيغية مدونة. وفي مخطوط “كتاب البربرية” الأمازيغي الإباضي الذي يعود تأليف نصوصه إلى ما بين 700 إلى 1000 سنة مضت استعمل الإباضيون هذه الكلمات الأمازيغية للدلالة على الله: Yucيوش = الله. Ayucأيوش = الله. Ababayأباباي

منقول

 

 

المقابر في بريان

الجانب المعماري( المعالم الأثرية)(1)

يتصف الجانب المعماري لمدينة بريان بمواصفات الهندسة المعمارية لقرى وادي مزاب، وعلى سبيل المثال نذكر بعض المعالم المعمارية في بريان منه المقابر

 

المقابر:

يوجد في بلدة بريان العديد من المقابر نذكرها فيما يلي:

c 7المقبرة القديمة للبلدة متصلة بالقصر القديم، والتي تسمى بالثنية([12]) وهي مقبرة كان يدفن فيها الميزابيون والعرب معا، وتم الدفن فيها على طبقتين ولم يكونوا يدفنون موتاهم خارج القصر نظرا للظروف الأمنية الغير ملائمة في ذلك الوقت.

مقبرة بن زعكر (بن عسكر) للإباضية، كانت صغيرة فتم توسيعها بعدما أن تبرع أهل بن عسكر (العساكر) هذه الأرض للمسجد، حيث يوجد فيها مصلى قديم هدم وأعيد بناءه من جديد عام 1953م-1954م والذي حاليا تقام فيه صلاة الجنازة([13]).

مقبرة سيدي عبد الغني.

مقبرة جار زرقي وتسمى أرجال الزرقي .

قبرة أرجال العرمة، تقع برأس الجبل المحاذي شرقا للطريق الوطني رقم 01.

مقبرة سيدي أحمد، تقع بوسط سد السودان للمخاليف.

مقبرة سيدي اسعيد في لمسايبة بواد انسا لأولاد سيدي يحي.

مقبرة سيدي الحاج في واد انسا لأولاد نوح .

مقبرة سيدي أمبارك، تقع في انتهاء واد المناخْ ببالوح لأولاد سيدي يحي.

مقبرة تقع برأس الجبل المتصلة بغابة أرشوم بالسودان للإباضية.

مقبرة المشيخة، تقع في مذاغ الزّقْ بواد البئر للإباضية.

مقبرة في كفوس لآل انشاشبة وأولاد يونس.

مقبرة في واد البير بالزايرات لآل بنورة والعطف.

مقبرة سيدي عبد القادر للمالكية يوجد فيها مصلى تقام فيه صلاة الجنازة.

مقبرة الشوف للدبادبة.

مقبرة شارع المجاهدين.

مقبرة الشيخ أمي عامر للإباضية.

مقبرة شهداء الثورة التحريرية بجانب الطريق الوطني رقم 1.

وهذه المقابر منها القديمة والحديثة ومنها ما يقع على رأس تل، ومنها مايقع على السهل([14]).

--------------------------------------------------

 (1) المرجع : بريان تاريخ وحضارة دراسة: تاريخية حضارية سياسية اقتصادية اجتماعية دينية ثقافية تأليف إسماعيل بن محمد لعساكر ص155-173.

)-محمد بن الخيذر بن يوسف الملياني :تاريخ أولاد سيدي يحي في الصحراء ودخولهم بير ريان ،( مخطوط) عام 1222ه،ورقة 13.  [12](

)-مقابلة مع الحاج سعيد بن يحي الطالب باحمد، السبت 27ديسمبر 1996م.[13](

 ( [14] مقابلة مع الحاج إبراهيم بن باعلي لعساكر(الزعيم) بتاريخ  11 جانفي 1997م، ومقابلة أخرى مع الحاج محمد بن إبراهيم الحرمة، لثلاثاء 1 جويلية 2000م، والحاج إبراهيم بن صالح مولود، الجمعة   13 جوان 2001م.

 

المقامات في بريان

الجانب المعماري( المعالم الأثرية)(1)

يتصف الجانب المعماري لمدينة بريان بمواصفات الهندسة المعمارية لقرى وادي مزاب، وعلى سبيل المثال نذكر بعض المعالم المعمارية في بريان منها المقامات:

 

المقامات:

 

مقام لالة سهلة:

هو سحن محوط في وسطه قبة مبنية، يقع في الناحية الجوفية للبلدة في أسفل الشارع الرئيسي، وقديما كانت محطة المسافرين بجانب ذلك المقام، وعندما تقوم مجموعة من الأشخاص تهيئ نفسها للسفر فيخرج الناس لتوديعهم فيقولون لهم: "الله يسهل"، فسميت لذلك بتلك التسمية، وكذلك يعتقد أنها امرأة كانت تنتقل من مكان إلى مكان، وعندما تأتي إلى بريان تجلس في ذلك المكان، وكما أنه يوجد في غرداية مقام يعرف بمقام لالة سهلة.

 

مقام الشيخ أمي عامر:

نسبة إلى أبي ساكن عامر بن علي الشماخي الإباضي النفوسي من علماء جبل نفوسة، يروي القطب الحاج امحمد بن يوسف اطفيش من علماء بني يسجن رأى مناما حينما بدأ في شرح كتاب النيل للشيخ عبد العزيز الثميني ورأى الشيخ عبد العزيز الثميني مسرورا ومبتهجا يعانق الشيخ عامر في أعلى الجبل المحاذي لغابة باسة من أجنة بريان، وعندما كان يزور الشيخ اطفيش بريان يلقي دروس الوعظ والإرشاد في حلقات ذكر وعلم، ويقوم بالفتوى، والتقى الشيخ اطفيش بالقايد يحي بن حمو باحميدة فزاره في بريان وقدم له نصائح؛ فقال له: ارفق بالمساكين واحكم بالعدل، فاستجاب له القايد وأبدى له احتراما وتقديرا بأن جعل له مقاما يزار في الجبل القبلي في ناحية جبل أمي عامر المشهور، ويقال كذلك إن الشيخ اطفيش عندما وجد أن قبلة المسجد العتيق بربورة غير مصوبة نحو القبلة فبنى ذلك المقام ليوجه لهم به القبلة دون أن يؤدي ذلك إلى خلاف بين أبناء المجتمع الواحد، وبعد وفاته قام بعض الناس ببناء قبة بجانب ذلك المقام.

 

مقام الشيخ صالح:

نسبة إلى الشيخ صالح الغرداوي، فهو شيخ مدينة غرداية ورجل فاضل له جهود ومساع حميدة في فض النزاعات وإطفاء الفتن، لاتأخذه في الحق لومة لائم، وكان يزور بريان ويتجه نحو غابة الزرقي، وله مكان خاص به يجلس فيه لقراءة القرآن، وبعد وفاته قام بعض الناس ببناء مقام لهذا الشيخ صالح محاذيا لغابة الزرقي، وهو سحن محوط بجانبه قبة مبنية.

 

مقام بابه والجمة:

نسبة إلى الشيخ بابه والجمة، اسمه إبراهيم بن يوسف أبو الجمة، بالبريرية: صاحب الأجنة العليا (البساتين)، وهو من مشايخ غرداية، وبعد وفاته قام بعض الناس ببناء مقام له في بريان وهو سحن محوط في أعلى الجبل المحاذي لغابة أرشوم بالسودان.

هذا مارواه لي بعض المشايخ.

 

ملاحظة: تزار هذه المقامات في يوم الزيارة من كل سنة من طرف المزابيين الإباضيين، وكما أن المشايخ يروون فيها تاريخ البلدة.

مقام سيدي سلامة:

نسبة إلى سيدي سلامة بن أمحمد بورقبة بن سعيد بن سيدي يحي، وتوجد فيه قبة مبنية ويقع بناحية السودان كان يزوره العرب المالكية من كل سنة.



(1) المرجع : بريان تاريخ وحضارة دراسة: تاريخية حضارية سياسية اقتصادية اجتماعية دينية ثقافية تأليف إسماعيل بن محمد لعساكر ص155.

 

المواسم، المناسبات وأعيادا وحكمها الشرعي

كلما اقتربت مناسبة مولد النبي عليه السلام ينغِّص علينا البعض المناسبة تحت دعوى البدعة، وكأن احتفالات المجتمعات وفرحتها وتلاقيها تحتاج لدليل شرعي!

جميع المجتمعات تتخذ لنفسها مواسم ومناسبات وأعيادا تفرح فيها وترسخ اللحمة العائلية والاجتماعية، وقد كان في صدر الإسلام مناسبات هي امتداد للمناسبات الاجتماعية في العصر الجاهلي كوليمة الوكيرة والنقيعة والخرس والعقيقة وغيرها، والمجتمع المتدين يميل إلى أن يستلهم من ميراثه الثقافي الديني مناسبات، ثم انضم إلى ذلك في العصر المدني الأعياد الوطنية، وكلها وسائل ليحيى المجتمع ويتماسك وخاصة في الوقت المعاصر الذي طغت فيه المادية التي فككت المجتمعات.

وفي واد امزاب مثلا مناسبات اجتماعية عديدة ، بعضها ذو بعد ديني وأخرى أمازيغي، ومناسبات متعلقة بمواسم فلاحية وموسم التنقل بين الواحات والبلدة، وولائم جوارية (أنفاش) في الأحياء... وغير ذلك.

فللمناسبات فلسفة عميقة في ترصيص المجتمعات والدول، والبعد الديني قد يكون مجرد محفز ثم يأخذ بعده الاجتماعي، وحتى الملاحدة يحتفلون بالأعياد الدينية كالكريسماس لأنها فرصة للتلاقي وتوطيد العلاقات.

فرجاء من كان مصابا بعقدة الحرفية والسطحية فليزم بيته وليترك الخلق تلتقي وتفرح وتستذكر سيرة رسولها العظيم، وتمتع أسماعها بالأناشيد الشجية، ولْتتزين المدن والمساجد بالأضواء وليفرح الناس وليتزاوروا

أما ضوابط الاحتفالات وتوجيها من أن تخرج عن الأخلاق فهو أمر توعوي لا يختلف عن غيره من التوجيه .

لو لم يكن في هذه الليلة إلا فرحة البنات الصغيرات بلباسهن الجميل الأبيض لكفى به دليلا على مشروعية الاحتفال بهذه الليلة الغراء. فكيف وقد تلاحمت العائلات واجتمعت وتزاورت، وفرح الأجداد والجدات بلقاء أبنائهم وأحفادهم.

صلى عليك الله يا مصطفى فأنت الرحمة حيا وميتا.

 

 

المصدر: منشور في الفايسبوك  للأستاد  Abounacer Chekhar 01     02

النازحين الجدد إلى بريان

فبجانب المزابيين الذين أسسوا قصر بريان،  فقد نزحت إليهم قبائل عربية تتمثل في قبائل أولاد يحيى ،كانوا قبل ذلك في العطف، فحلوا منها في وادي ن سا ثم استقدمهم مزاب بريان، وفسحوا لهم المدينة، ومنهم كذلك آل دبادبة، وكانوا في بني يزقن ثم انتقلوا إلى بريان في الأزمنة الأخيرة فسكنوها .

أولاد يحي الذين كان يسكن فريق منهم مدينة العطف. ثمّ انتقل إليها مؤخرا آل دْبَادْبَهْ الذين كانوا ضاربين خيامهم في واحة بني يزقن، بموضع يسمّى أُوجُّوجَنْ. كلّ من أولاد يحي وآل دبادبة مالكية المذهب.

 ---------------------

المصدر :

راجع كتاب تاريخ بني مْزاب للأستاذ يوسف بن بكير الحاج سعيد

النظام الديموقراطي في أعراس مزاب

النظام الديموقراطي في أعراس مزاب(01)

Icon 09  "... من أبرز ما لاحظته في هذا الصدد ونحن بميزاب، أن الديمقراطية بالمفهوم الجزائري كانت ممثلة في نظام الجلوس وفي وجبات الطعام وفي نمط اللباس، فأنت تحس بأن هناك مساواة نشيطة بالمفهوم الإسلامي الأول، الكل يجلس حيث انتهى به المجلس، والكل يأكل من طعام واحد ويتقشف أيضا، والكل يلبس لباسا متشابها في القيمة والزي، وتكاليف الضيوف، بما فيهم بنو ميزاب أنفسهم، على العشيرة، وهكذا كانت وجبة الغداء مثلا بدار "عشيرة آتْ لَمْخَارَج" وهي مبنى يتسع لعدد كبير من الزوار وله وسط واسع لم تنضد فيه الموائد بالطريقة المعروفة ولكن يجلس الناس فيه على شكل حلقات من سبعة إلى عشرة أفراد، ومن لم يجد مكانا في هذا الوسط عليه بالصعود إلى طابق أعلى يخضع لنفس النظام،..."

----------------------------

(01) أبو القاسم سعد الله "حفل في مزاب" الجزائر 31 ماي 1990

المصدر nir-osra.org

الهيئات المشرفة على المسجد والمجتمع

الجانب الديني(1).

في الجانب الديني هيئة مشرفة على المسجد والمجتمع وهي:

1-هيئة العزابة:

هي الهيئة العليا في المجتمع والتي تسير شؤون المسجد والمجتمع وهي عموده الفقري وبها مشايخ وأعضاء بارزون، وهذه الهيئة لها شيخ العزابة وهو أقدمهم وأكبرهم سنا، وله مكانة معتبرة وصفات ومزايا يمتاز بها كالورع والتقوى والصدق والوفاءبالوعد...إلخ

مهمتها: من مهامها ما يأتي:

-إدارة شؤون المسجد والأوقاف والمقابر.

-الإشراف على تنظيم الأعراس الفردية والجماعية.

-الوعظ والإرشاد في المحافل كالأعراس والمآتم.

-تعيين الأئمة والمؤذنين وغيرهم من مسؤوليات المجتمع.

-ولها تمثيل في مجلس عمي سعيد.

وللمسجد رجل يدعى شيخ العزابة؛ مهمته الإرشاد والوعظ، وللمسجد كذلك وكيل يقوم بمهمة الإشراف على الأوقاف "الحبوس" وهي مقسمة إلى ثلاثة أقسام:

وقف أملاك البساتين، وقف أملاك العقارات، وقف تينوباوين الشتوية والصيفية المنقسمة إلى الشارع العلوي والوسط والسفلي.

أهم شيوخ العزابة ورؤساء هذه الهيئة قديما منهم:

-الشيخ صالح بن باسعيد باسعيد.

-الشيخ بابا بن باسعيد باسعيد.

-الشيخ موسى بن باحمد.

-الشيخ يحي بن موسى.

-الشيخ يوسف بن زعكر (العساكر).

-الشيخ يحي بن يوسف.

-الشيخ كاسي بن موسى.

-الشيخ موسى بن إبراهيم.

-الشيخ الحاج إبراهيم البز.

-الشيخ بكير والحاج.

-الشيخ صالح بن عمارة موسلمال.

-الشيخ إبراهيم قراس.

-الشيخ الحاج إسماعيل بن باسعيد العساكر.

-الشيخ كاسي بن بابا.

-الشيخ باسعيد بن موسى الطالب باحمد.

-الشيخ بهون بن عيسى تربح.

الشيخ باحمد بن حمو لعساكر.

-الشيخ سليمان بن صالح كوله.

-الشيخ الحاج قاسم حجاج.

-الشيخأمحمد بن موسى موسلمال.

-الشيخ الحاج موسى بن صالح بن عمارةموسلمال.

أعوان العزابة:

-الشيخ عمر بن موسى الطالب باحمد.

-الشيخ يحي بن يحي الطالب باحمد.

-الشيخ باحمد بن يحي الطالب باحمد.

-الحاج عمر بن علال.

-موسى بن عمر بن علال.

-كاسي بن سليمان.

-إبراهيم بن صالح قرقر .

-موسى بن صالحقرقر.

-الحاج سليمان بن الحاج إبراهيم قلو.

-سالم بن إبراهيم قلو.

-الحاج سالم بوسريح.

-الحاج محمد البز.

-الحاج بكير بن الحاج سعيد أبو الصديق.

-عمر بن بابه.

-داود بن أمحمد عباس.

-الشيخ حمو بن موسى ابن يامي.

-أمحمد ابن يامي.

-الحاج عيسى بن بلعيد.

-الحاج يحي بن باسعيد.

-الحاج سليمان بن الحاج إسماعيل لعساكر.

-الحاج أسعيد بن الحاج إسماعيل لعساكر.

-الحاج محمد بن كاسي أزقاو.

-سليمان بن حمودة بودي.

-صالح بن سليمان بودي.

-الحاج إبراهيم بن سليمان بودي.

-الحاج إبراهيم بن سمان بهون.

-سليمان بن يحي بن عفاري بعوشي.

-حمو بن باعيسى صالح والحاج.

-عيسى بن عمر بهدي.

-كاسي بن أعمر.

-عيسى بن شعبان.

-باحمد بن إبراهيم كوته.

-إبراهيم بن الحاج صالح.

-صالح بن قاسم سالم.

-أمحمد بن كاسي.

-باحمد بن موسى.

-الحاج داود بن موسى بن زايط.

-الحاج أمحمد بن موسى.

-مسعود بن كاسي السعودي.

-الناصر بن عفاري بعوشي.

-صالح بن عيسى بهدي([1]).

أهم شيوخ العزابة ورؤساء هذه الهيئة حديثا ومعاصرا منهم:

-الشيخ صالح بن يحي الطالب باحمد.

-الشيخ عبد الرحمن بن عمر بكلي.

-الشيخ حمودة بن محمد بودي.

- الشيخ محمد بن الحاج سليمان قلو.

-الشيخ الحاج سليمان بن الحاج عيسى شقبقب.

-الشيخ باحمد بن الحاج بكير أبو الصديق.

-الشيخ عمر بن سليمان بودي.

-الشيخ الحاج بكير بن أمحمد.

-الشيخ إسماعيل بن عمر فخار.

-الشيخ عمر بن الحاج محمد البز.

-الشيخ يوسف بن داود عباس.

-الشيخ إبراهيم بن باعلي العساكر(الزعيم).

-الشيخ الحاج أحمد بن موسى قلو.

-الشيخ الحاج قاسم بن صالح بهدي.

-الشيخ الحاج صالح بن محمد فارة.

-الشيخ الحاج أحمد بن عمر أوراغ.

-الشيخ محمد بن أمحمد أولاد داود(البرياني).

-الشيخ الحاج يوسف بن صالح تربح.

-الشيخ بكير بن محمد أرشوم.

-الشيخ الحاج إبراهيم بن باعلي الأطرش.

-الشيخ الحاج الناصر بوكراع.

-الشيخ محمد بن موسى كاسي موسى.

-الشيخ الحاج داود بن حمو موسلمال.

-الشيخ الحاج عمر بن حمو أرشوم.

-الشيخ الحاج عبد الله بن صالح الطالب باحمد.

-الشيخ الحاج إبراهيم بن أحمد كوله.

-الشيخ الحاج إبراهيم بن يوسف دباش.

-الشيخ الحاج صالح بن محمد باسعيد.

-الشيخ محمد بن بالحاج ابن يامي(الدكتور).

-الشيخ حمو بن قاسم أيوب.

-الشيخ الحاج داود بن بهون تمزغين.

-الشيخ الحاج عمار بن قاسم الطالب باحمد.

-الشيخ باعلي بن عمر بعوشي.

-الشيخ الحاج حمو بن الحاج عيسى أشقبقب.

-الشيخ الحاج عمر بن عيسى لعساكر.

-الشيخ الحاج أمحمد بن إبراهيم بن عبد الله.

-الشيخ أيوب بن عمر أبو الصديق.

-الشيخ الحاج يوسف بن حمو بن زايط.

-الشيخ الحاج عيسى بن سليمان السعودي.

-الشيخ باحمد بن صالح الطالب باحمد.

الشيخ محمد بن باحمد ابن يامي.

-الشيخ إبراهيم بن أحمد أوراغ.

-الشيخ إبراهيم بن حمو ابن يامي.

-الشيخ قاسم بن حمو بوكراع.

-الشيخ سليمان بن عمر موسلمال.

-الشيخ سليمان بن محمد موسلمال.

-الشيخ محمد بن بكير أرشوم.

-الشيخ الناصر بن أمحمد حريزي.

-الشيخ بكير بن سليمان أزقاو.

-الشيخ قاسم بن حمو أولاد داود.

-الشيخ يحي بن موسى الطالب باحمد.

-الشيخ عمر بن بالحاج بغوتي.

-الشيخ مصطفى بن باحمد كوتة.

الشيخ إسماعيل بن محمد بوكراع([2]).

مساء يوم الجمعة 28ربيع الثاني 1435ه الموافق له 28فيفري 2014م تم الإعلان الرسمي في المساجد عن أسماء العزابة الجدد الذين التحقوا بحلقة العزابة وهم:

-أوراغ محمد بن سليمان.

-لعساكر صالح بن عمر.

-الأطرش محمد بن إبراهيم.

-الطالب باحمد محمد بن عبد الله.

-كاسي موسى سليمان بن باحمد.

-كاسي وصالح إسماعيل بن عمر.

-تمزغين يوسف بن باعلي.

-أولاد داود عيسى بن سليمان.

-موسلمال يوسف بن باحمد.

-الدبوز بشير بن عيسى.

-الأطرش عيسى بن نور الدين.

-دادي عدون عمر بن عيسى.

-تمزغين محمد بن داود.

-بعوشي عبد الله بن باعلي.

-بطولة باعلي بن عيسى.

-حريزي سليمان بن يوسف.

-بورقيبة داود بن عيسى.

-فخار حمو بن إبراهيم.

-فارة محمد بن صالح.

-أيوب داود بن صالح.

-بلعيد علي بن يوسف.

-الطالب يحي بن باسعيد.

-صالح والحاج عمر بن امحمد.

-أوراغ عبد الرحمن بن سليمان.

 

1.هيئة إروان:

-التعريف اللغوي("إروان" جمع مفرده>إيرو<، وهو لفظ أمازيغي يعني طالب العلم الذي حفظ القرآن الكريم وتفرغ للدراسة غالبا، ويتشكل من مجموع هؤلاء الطلبة هيئة إروان)([4]).

هم الطلبة الذين استظهروا القرآن عن ظهر قلب وهم خلفاء العزابة، ويساهمون في عمارة المسجد والحضور في مجالس الذكر للتفقه في العلوم الشرعية، ويحضرون ختمات القرآن في المسجد والمقبرة ولهم مقر خاص بهم ينظمون فيه شؤونهم، كالتجويد وحفظ القرآن ومراجعته والحديث وأصول الفقه والميراث إلى آخره من العلوم، ويقومون بالإمامة في صلاة التراويح في شهر رمضان، والمشرف عليهم يدعى (عريف) والذي يكون ضمن هيئة العزابة وهو همزة وصل بين حلقة إروان وهيئة العزابة، وعريفهم هو الشيخ ابن زايط الحاج يوسف بن حمو، ونائباه بعوشي باعلي بن عمر وأوراغ إبراهيم بن الحاج أحمد.

 

2.إمسيريدنْ:

-التعريف اللغوي: (أمسيرد) بفتح الهمزة وكسر السين الممدودة وفتح الراء وتسكين الدال، لفظ أمازيغي مزابي مفرد، جمعه (إمسيردنْ) جاءت من الفعل (أسيرد) التي تعني في العربية الغسل)[5].

على أمسيردْ أن يكون ضمن العزابة ويتحلى بحسن السيرة وعمارة المسجد والحزم والورع، فإذا توفرت فيه الشروط يتم قبوله.

وإمسيردن يتكفلون بغسل الميت والصلاة عليه صلاة الجنازة بمسجد المقبرة ثم يقبرونه.

 

3.تمسيريدين:

-التعريف اللغوي: (تمسيريدين) بتاء مكسورة وميم ساكنة وسين مكسورة، وراء مكسورة، ودال مكسورة بمد وآخر اللفظ نون، لفظ أمازيغي مزابي من فعل "تمسيرد" بمعنى غسلت بالعربية، وهو جمع مفرده "تمسيرت".

وتمسردين مجموعة من النساء غالبا ما يكون مقرهن خلف المسجد ولمهمتهن الأساسية علاقة مباشرة بتسميتهن، وهي غسل الموتى من الإناث والأطفال دون البلوغ، والقيام بالإجراءات الضرورية في تجهيزهم، وهذا التنظيم مرتبط بنظام العزابة وعمل تمسردين تطوعي تلقائي، يدل على أن النظام الاجتماعي لإباضية مزاب قد التفت إلى المرأة وأدى حقوقها وخصها بخدمة متميزة منظمة عملا بالسنة النبوية)([6]).

 

4.إمصوردان:

-التعريف اللغوي: (إمصُّورْدانْ بكسر الهمزة فميم مفتوحة فصاد مشددة مضمومة وراء ساكنة، وقد ترد بصيغة "إمسطوردان" وهي جمع لمفرد "أمصوردو" وتطلق بلغة النفوسيين "إمسوردان" بالسين، لفظ أمازيغي مزابي اختلفت المصادر في نطقه، كما اختلفوا في معناه وترجمته إلى العربية، فقد ترجمه بعضهم بجمعية الشباب، والبعض بجماعة الحراسة "العسّت"، وسماها بعضهم بجمعية المكاريس أو "إمكراس" أي الشباب)([7]).

وإمصوردان يقومون بحراسة البلدة، وهي هيئة منظمة لها ارتباط بهيئة العزابة، ويشرف عليهم ضامن يعين من قبل العزابة، ويحفظون الأمن وتجنب السرقات والظلم والتعدي على الأشخاص، ومن بينهم يتم اختيار حارس المسجد وحارس المقبرة.

 

 

 


(1) بريان تاريخ وحضارة دراسة: تاريخية حضارية سياسية اقتصادية اجتماعية دينية ثقافية تأليف إسماعيل بن محمد لعساكر ص143-155

)-عمر بن الحاج عيسى بلعيد: مسألة القياد والقضاة المتولين في بريان من تاريخ 1202ه،ورقة 04-05-09.[1](

)-مقابلة مع الحاج إبراهيم بن باعلي لعساكر(الزعيم)، عام2007م.[2](

)-مقابلة مع الحاج إبراهيم بن باعلي لعساكر،(الزعيم). 2007م.[3](

)-مجموعة من الباحثين: معجم المصطلحات الإباضية، ط1،ج1، سلطنة عمان، 2008،ص86.[4](

)-معجم المصطلحات الإباضية: مرجع نفسه، ص52.[5](

)-معجم مصطلحات الإباضية: مرجع نفسه، ص156.[6](

)-معجم المصطلحات الإباضية :مرجع نفسه ص52[7](

بريان السور الأبواب المنازل

الجانب المعماري( المعالم الأثرية)(1)

يتصف الجانب المعماري لمدينة بريان بمواصفات الهندسة المعمارية لقرى وادي مزاب، وعلى سبيل المثال نذكر بعض المعالم المعمارية في بريان منها الأبواب – السور – المنازل.

 

المنازل:

تتصف المنازل في بريان بمواصفات الهندسة المعمارية لمنازل قرى مزاب، من حيث الشكل والتصميم، فبعد بناء المسجد على قمة الجبل؛ يتم حوله بناء المنازل على شكل حلقات دائرية، وتتخللها أزقة ضيقة متوازية وغير متوازية، وأخرى غير نافذة، بها سقائف وأقواس وبنيت هذه المنازل بالحجارة والجبس، وسقفت بأعمدة من أخشاب النخيل وفق ضوابط دينية واجتماعية واستراتيجية أمنية.

 

ملاحظة:

أوجه نداء إلى سكان القصر القديم بضرورة المحافظة على هذا الإرث الحضاري الهام بعد تهديم المنازل وضرورة ترميمها حتى يتسنى لنا المحافظة على الإرث الحضاري الهام بعدم تهديم المنازل وضرورة ترميمها حتى لنا المحافظة على مابقي من التراث الحضاري المادي لأجدادنا وأسلافنا وهذا لكي تطلع عليه الأجيال الصاعدة في المستقبل.

 

السور:

كان حول البلدة سور لكنه تهدم مثلما تهدمت أغلب أسوار مدن وقرى وادي مزاب.

حاول المسمى كروشي عفاري بن باحمد بن صالح بناء سور للبلدة لكنه لم يتحقق له ذلك.

 

الأبراج:

في بريان كان يوجد عدة أبراج للمراقبة والحراسة لكنها هدمت ولم يبق لها من أثر منها:

-برج في الترعة مقابل للمقبرة الإباضية بن عسكر.

-برج بجانب دار عشيرة آل النشاشبة وأولاد يونس.

-برج في الناحية القبلية للبلدة([15]).

 

الأبواب:

كانت توجد عدة بوابات حول البلدة تستعمل للدفاع والحراسة، تفتح في النهار وتغلق في الليل فاندثرت، ولكن تسميات الأبواب لايزال بعضها موجودا.

 

أهمها:

-الباب الكبير الظهراوي: وهو باب البلاد قد أسس في نشأة البلاد يقع بجانب المقبرة القديمة للبلدة، وهو باب كبير جوفي ذو دفتين له بابان يغلق ويفتح وفوقه طبانة بها غرفتان وفي وسطهما ساريتان ونوافذ للرمي، والباب متسع للخروج والدخول للبلاد، وكان المسافرون في ذهابهم وإيابهم يستعملون ذلك الباب، وكذلك عند وصولهم من السفر يضربون البارود عند الباب قبل دخولهم للبلاد هذه عادتهم، وللباب حارس يفتحه ويغلقه([16]).

-باب بن عسكر بشارع بن عسكر.

-بابان متصلان بمقبرة الثنية.

-باب في الشارع الخالف بجانب المقبرة الإباضية.

-باب كبير متصل بدار عشيرة النشاشبة وأولاد يونس.

- باب كبير في الشارع الرئيسي للدكاكين شمال لالة سهلة.

-باب في الشارع الوسطاني.

-باب في الشارع الفوقاني متصل بالمسجد القبلي.

-ثلاثة أبواب بناحية بوطارة.

-بابان بناحية الخراجة.

-باب متصل بالمدرسة القرآنية الفتح الكائنة ببربورة.

وكانت في البلدة حراسة ليلية لاتزال إلى اليوم([17]).

 



(1) المرجع : بريان تاريخ وحضارة دراسة: تاريخية حضارية سياسية اقتصادية اجتماعية دينية ثقافية تأليف إسماعيل بن محمد لعساكر ص155

)-مقابلة مع الحاج محمد بن باحمد زيطاني بتاريخ 11ديسمبر 1995م.[15](

)-عمر بن الحاج عيسى بلعيد، مرجع نفسه،ورقة03.[16](

)-الحاج إبراهيم بن باعلي لعساكر بتاريخ 02فيفري 1996م.[17](

 

بريان وحياتها الثقافية

محاضرات البكري في العلم والعلماء

إعداد مصطفى باجو

كان بريان في مستهل القرن العشرين حتى الحرب الكبرى (1914-1918م) -بل ما قبل ذلك- يعيش عيشة أقرب ما يكون إلى البادية منها إلى حياة الحضر: جود وشجاعة في بساطة وسذاجة، وسلامة فطرة في أمية عريقة، بحيث لا تكاد تجد من بينهم مثقفا لامعا، خلافًا لمجموعة قرى الوادي، اللهم إلا ما كان من بعض الشيوخ في فترات متقطعة من تاريخها، كالشيخ الطالب بن باحمد بن يحي، والشيخ عيسى بن باحمد بن عفاري، وإلا ما كان من زيارة بعض مشائخ ميزاب البارزين كالفطب اطفيش، والشيخ صالح الغرداوي، فإنهم لما رأوا انعزال بريان عن مجموعة الوادي، ما فتئوا -سيما القطب- يعقدون رحلاتهم إليها بتلاميذهم يقضون في بريان الليالي ذوات العدد، يفقهونهم في الدين ويتخولونهم بالموعظة الحسنة، ويوجهونهم إلى تكوين من يحمل أمانة الله منهم، وكذلك سار تلاميذ القطب النابهين، كالشيخ بكلي سليمان بن حاجو، الذي ظل قاضيا ببريان ما يقرب من عشرين سنة، قام فيها بالوعظ والإرشاد على رأس المسجد، وإن له لتلاميذ لا يزال بعضهم على قيد الحياة. وكالسيد ذواق داود بن إبراهيم الذي كان قاضيا بها كذلك.

ثم ارتحل بعض أبنائها الطلبة إلى ميزاب فلازموا حلقة القطب رحمه الله، تخرج منهم أمثال السادة الداغور الحاج الناصر بن الحاج إبراهيم الذي تولى منصب القضاء فيها، واعمارة بن صالح موسى المال، الذي حسر عن ذراعيه لنشر العلم، لولا أن عاجلته منيته، وقرقر الحاج إبراهيم بن صالح الذي تولى فيها منصب العدالة فالقضاء، وكان على رأس هيئة العزابة واعظًا.

وما قيل في حق هؤلاء يقال في حق الأديب الألمعي الداغور حمو بن الحاج الناصر الذي تلقى دراسته بتونس، وكان يتمتع بقسط وافر من الذكاء والتحصيل والجد، وكان له عزم صادق أن ينهض ببريان علميا،لولا أن عاجله ريب المنون في ريعان شبابه. والأمر لله.

حاول هؤلاء المتخرجون أن يخلقوا في بريان جوا علميا، أو يسايروا مستوى ميزاب على الأقل، لكنهم أخفقوا وما استطاعوا أن يلطفوا من جو الأمية، لأسباب:

1.أقواها فقر البلدة وعراقتها في الأمية.

2.عزوفهم عن الناحية الأدبية عزوفا كليا إلى الناحية المادية الصرفة. فتراهم منغمسين في الفلاحة والغراسة والزراعة وتربية المواشي، بعيدين عن الاغتراب والمساهمة في التجارة والاحتكاك بالعناصر الخارجية، كدأب غيرهم من الميزابيين، اللهم إلا بادرًا في العصور الأخيرة.

على أنني لا أغمط حق الفقيه ابن يامي حمو بن موسى الذي عاد من تونس، وكان يحترف الوراقة، وله خط مغربي جميل، فقد فتح كُتّابا لتحفيظ القرآن وتعليم الرسم، ضم طائفة من أبناء بريان -ميزابيين وعربًا-، فتخرج من هؤلاء وهؤلاء أفراد حفظوا ما تيسر من كتاب الله، وتعلموا القراءة والكتابة، فلطّفوا من جو الأمية، وسدّوا ثغرة المراسلة نوعًا. ولا يزال البعض منهم إلى أيامنا على قيد الحياة معروفين بخطهم الجميل.

كما قام أحد أعيانها وقتئذ، السيد قلو قاسم بن باحمد ففتح كُتّابا لتحفيظ القرآن، وذلك حوالي سنة 1914، وجعل على رأسه الشيخ محمد بن الحاج إبراهيم قرقر، المشهور بالطرابلسي، فلم يلبث طويلا حتى انتقل إلى القرارة للقيام بنفس المهمة، وكان ذلك أنفع للأمة، فقد تخرج عليه أفواج من الحفاظ واصلوا رسالته، واستمر بهم حفظ كتاب الله فكانوا الخميرة -نعمت الخميرة- للأفواج بعدهم، والحمد لله.

ثم انبرى بعض أعيانها، وفي مقدمتهم السيد يحي بن يحي الطال باحمد فارسل ولديه المرحوم عيسى بن يحي، فالشيخ صالح إمام بريان الحالي، إلى معهد الشيخ الحاج عمر بن يحي بالقرارة، وأرسل كذلك السيد قلوا موسى بن باحمد إلى نفس المعهد، وأخاه يونس بن باحمد، وابن أخيه عمر بن قاسم، وأرسل كذلك السيد عبود عيسى بن الحاج إبراهيم ابنه إبراهيم بن عيسى إليه، وغيرهم.

وهكذا انتبه في آل بريان الشعور بالحاجة إلى نهضة علمية صادقة، تلحقهم بركب الثقافة، فاستشاروا الشيخ أبا اليقظان، وكان وقتئذ بالجزائر، فشجعهم ووجههم إلى الشيخ بيوض حفظه الله، فذهب منهم سنة 1924 وفد إلى القرارة يتركب من 14 شخصا تحت رئاسة قائد البلدة يومئذ السيد العساكر سليمان بن باحمد، فمكثوا هناك أكثر من عشرة أيام، درسوا أثناءها مع الشيخ بيوض مسألة التعليم في بريان، والتمسوا منه أن يمدهم بمعلم لائق، يعلم أبناءهم معلما منتجا، فوعدهم بإجابة رغبتهم، فلما عادوا إلى بريان أخذوا يعملون بجد لإبراز المشروع إلى حيز الوجود.

وفي هذه الأثناء جاء الشيخ إبراهيم بن بكير القراري إلى بريان فحث وجهاءها على فتح مدرسة لتعليم أبنائهم وتكفل لهم بإرسال الشيخ أداود عمر بن صالح، يتولى التعليم فيهم، وذلك سنة1926، فقامت الجماعتان: العزابة والضُمّان (1) بدورها، واستنهضوا أعيان البلدة، فهبت حركة مباركة، وفتحوا مدرسة فعلاً، عيّنوا سبعة منهم وهم السادة: سليمان بن الحاج أحمد دبوز، محمد بن عيسى تربح، محمد بن صالح باحميدة، موسى بن بالحاج ابن يامي، محمد بن بسعيد بن بابا بسعيد، حمو بن عبد الله العساكر، باحمد بن يوسف الزيطاني. أسندوا إليهم إدارتها باسم البلدة، وفتحوا اكتتابا عامّا لها، وأضافوا إلى الشيخ أداود عمر كلاًّ من السيدين قرقر الحاج إبراهيم بن صالح، وفخار إسماعيل بن عمر، كمعينين له لأنه ضرير، ولا يمكنه تسيير المشروع بمفرده، ولا مراقبته. فهبّت البلدة هبّة ناشطة، لولا أن انفرط عقدها لسنتها.

__________

---

ويظهر من هذا الانهيار السريع بعد ذلك الإقبال الصادق، أنهم لم يجدوا فيها إجابة لرغبتهم، وأن الجهود أكثر من النتيجة، لذلك صمموا العزم على العودة إلى الخطة الأولى نهائيا، فعقدوا بينهم اتفاقية 18 جوان 1927 أشرك الأعضاء المؤسسون رجالَ البلدة الذين لهم صغار في سن التعليم ليكونوا نواة المشروع الجديد، هناك أرسلوا إلى القرارة وفدا يتركب من السادة: قلوا موسى بن باحمد، حَسني سليمان بن الناصر، دبّوز الناصر بن الحاج عيسى، لإتيان المعلم، وذلك في جويلية 1927، خاطبوا الشيخ بيوض واستنجزوه الموعد، فأرسل معهم الشيخ صالح بن يوسف لبسيس، وكان السيد بكير بن الحاج إبراهيم العنق -أسد الإصلاح- حاضرا وقتئذ، وكان ممن أيد الوفد في مأموريته فقال لهم أخيرا: «اعلموا يا آل بريان أنا كنا نبصر بعينين هما الشيخ لبسيس ورفيقه، فآثرناكم على أنفسنا بالشيخ لبسيس، فأصبحنا لأجلكم نبصر بعين واحدة، فحافظوا على العين التي آثرناكم بها، واستغلوها إلى أقصى حدود الاستغلال، وإلا كانت الخسارة علينا وعليكم عظيمة، ونعيذكم بالله من ذلك...!».

فما كان من الجماعة التي تلهفت إلى حياة العلم إلا أن احتفت بالشيخ لبسيس ووسعت عليه ليهنأ باله، ويتفرغ كل التفرغ لينشئ لهم جيلا جديدا، يكون أساسًا لحياة أدبية زخارة في مستقبلها قريبا إن شاء الله.

ففتحوا له -كمدرسة يعلم فيها طائفة من نابتة البلاد- دارًا هي دار دبوز حمو بن الحاج عيسى الآن، وكان أول المنخرطين فيها الآتية أسماؤهم: قلّو باحمد بن موسى، بودي عمر بن سليمان، دبوز محمد بن الحاج علي، فخار إسماعيل بن الحاج سليمان، ابن يامي صالح بن عيسى، أوراغ باحمد بن عمر، الطالب باحمد قاسم وسعيد أبناء يحي بن يحي، باحميدة سليمان بن حمو، لبسيس محمد بن صالح.

ثم انتقلوا منها إلى دار ورثة قرقر عيسى بن سليمان، ثم إلى علوّ فخار الحاج سليمان بن الحاج إسماعيل الآيل الآن إلى السعودي باحمد بن عمر، ثم إلى دار الزعباطي عيسى بن باحمد على زاوية زقاق زغموم. ثم انتقلوا أخيرا إلى المدرسة الحالية بعد أن تم بناؤها أول السنة الدراسية 1933-34.

ومن المؤسسين لمشروع المدرسة الذين واصلوا رعايتهم له، على تفاوت طبعا: قلو الحاج إبراهيم بن سليمان، العساكر سليمان بن باحمد، الدبوز الحاج علي بن عيسى، بودي سليمان بن عمر، ابن يامي موسى بن بالحاج، قلو موسى بن باحمد، أوراغ عمر بن سليمان، العساكر الحاج حمو بن عبد الله، حسني سليمان بن الناصر.

وكان يطلق عليها اسم "المدرسة القرآنية" ورخصتها كانت على اسم الشيخ صالح بن يوسف لبسيس، إلى أن تأسست سنة 1946 جمعية الفتح، فأصبحت تدعى "مدرسة الفتح".

ظلت تسير بالبرنامج المسطر، إلا ما يستخلصه الأستاذ من دروس وخلاصات، إلى سنة 1945 إذ وُضع لمدارس الإصلاح نظام موحد، فخضعت له كغيرها من مدارس الإصلاح، وكانت ذات قسم واحد بمعلم واحد، ثم زيدت أقسامها بمعلميها تدريجيا، إلى أن بلغت سبعة مكررة.

وهذه الأقسام قد اشتريت بقاعها على اسم بعض أعضائها فحبسوها عليها، ثم بنيت من مال المحسنين، من أبناء الأمة بارك الله لها في أبنائها.

أرسلت أول بعثة منها سنة 1934 إلى المعهد الثانوي، معهد الشيخ بيوض بالقرارة، ثم تواترت بعثاتها إليها حتى سنة 1947، إذ انتخب من بين خريجيها بعثة ذهبت إلى تونس، وعكفوا فيها على تكميل دراستهم، فعادوا إليها -في تفاوت- معلمين مكوّنين، فرحبت بهم، وكان أول المتخرجين في سلك معلميها الأستاذ ابن زايط يوسف بن حمو، سنة 1953.

وهكذا دواليك واحدا بعد واحد، إلى أن كمل نصاب المدرسة فأخذت طريقها في سير مطرد نحو هدفها الأسمى.

ثم لما فتح الأستاذ العساكر إبراهيم بن باعلي منزله لتعليم البنات، سنة 1947، وأخذ اتجاها حسنا، وأقبل الناس ببناتهم إقبالا عاما، غاض ذلك بعضَ الذين أكل الحسد شراسيفهم، فوشى به -بدعوى أنه لا رخصة له- إلى إدارة الحكم العسكري، التي تتربص أمثال هذه الفرص، تنتهزها لسدّ أبواب الحياة في وجه الأمة، فأصدرت أمرها بتاريخ 13 أبريل 1953 بإيقافه، حتى يتخذ الإجراءات اللازمة، ولكن كيفما حاول فك هذا الحصار لم يفلح، أعيته الإدارة بكثرة التواءاتها وبشروطها المرهقة، فلم يسَعْ جمعية الفتح أزاء ذلك إلا أن تتبنى المشروع، وتضم الأستاذ العساكر إلى سلك معلميها، وبذلك سُقط في أيدي إدارة الاستعمار، وخادمي ركابها، ولم تقتصر المدرسة على شكلها الضيق الذي كان يسير عليه العساكر، بل وسعته وأضافته إلى برنامجها العام، في شرح يطول.

سارت المدرسة أول أمرها سيرا سرطانيا للدعاية الفاجرة التي تعصف من حولها، تنفيرا لعموم الأمة عنها داخلا وخارجا، أما من الخارج فبمعاكسة الإدارة الاستعمارية ومكايدها، وأما في الداخل فمن تُحُوت الاستعمار وطرق الجامدين المتعصبين. لكن المشرفين على المشروع ظلوا ثابتين قابضين عليه كما يقبض على الجمر، صامدين أمام العواصف الهوج والعراقيل المقلقة، حتى هدأت العاصفة فواصلت طريقها وعين الله تكلؤها من شر كائد وحاسد. إلى أن خضعت ناشئة البلاد بأسرها، وقطعت الطريق على الأمية في المجتمع البرياني.

هذا وممن أعان على نشر الثقافة في بريان نادي الشباب الرياضي الذي اتخذ مثابة لحركة الإصلاح، فقد قاوم الانحراف الذي انتشر حريقه في أوساط الشباب، إذ قيض الله من شباب النادي ثلة من ذوي الغيرة الوطنية تآزروا على إطفاء ذلك الحريق، وصرف وجهة المنحرفين إلى الوحدة الوطنية الصالحة. نذكر -حفظا للتاريخ- من هذه الثلة، السادة: باسليمان إبراهيم لمنوّر، محرزي حمو بن محمد، موسى المال سليمان بن قاسم لزعل، السوفي حمو بن محمد، قراس قاسم بن باحمد، ابن عبد الله عبد الله بن صالح، إلى غيرهم كثير. تحدُو هذه القافلة جماعة المعلمين، برواياتهم (2) الأدبية، ومحاضراتهم القيمة، وأناشيدهم الحماسية، فانبثق عن هذا النادي جمعية الرياضة، وشعبة الإسعاف الشعبي، والكشافة الوطنية.

وهكذا تجاوبت الأصداء وتلاقحت الأفكار، وانصرف الشباب عن أعشاش القمار وأوكار الخنا، واقتلعت جذور البغاء من وسط البلدة، فأخذت القافلة طريقها نحو الصلاح والفلاح.

ولولا الثورة الجزائرية التي شلت الحركات وأضرت الاستعمار على قمع الروح الوطنية، بل أصابه منها كلها، فأصبح كالذي يتخبطه الشيطان من المس، ولولا الظروف الاستثنائية التي اكتنفتها، فشلّت الحركات في كامل البلاد، لولا ذلك لكان بريان قد خطا خطوات فسيحة في مضمار الثقافة. والأمر لله.

__________

هكذا سارت المدرسة التي كانت ولا تزال مصدر الثقافة العربية في بريان، فبعد أن احتضنتها جمعية الفتح، وبعد أن قررت لها برنامج وحدة التعليم، واستكملت أقسامها المتكررة عددها، وبعد أن أضافت تعليم البنات إلى تعليم البنين، وبعد أن أنشأت مدرسة جديدة واسعة متنفسا للمدرسة الأصلية، وامتدادا لها، وبعد أن قررت التعليم الصيفي للذين فاتهم التعليم وأدركهم سن التكليف، وخصص من معلميها كل سنة من يلقن لتلاميذها المراهقين أداء الصلاة، تنشئة لهم على إقامة شعائر الإسلام، وبعد أن كونت فيها قسما تكميليا لتحفيظ القرآن، وبعد أن ألحقت بها فرعا للصناعة التقليدية خاصا بالبنات تشرف عليه معلمات حاذقات. بعد كل هذا سارت قافلة الثقافة على رجلين، وستبلغ غايتها بحول الله وقوته.

هذا وإن التعليم الفرنسي، وإن لعب دورا في عرقلة الثقافة العربية، لكنه لما وسع نطاقه أخيرا وعدّل برامجه، أعان في الجملة على نشر الثقافة وكان ردءًا للمدرسة على كل حال.

أيها الإخوان الحاضرون

هذه نقطة من بحر مما قاساه بريان لإنعاش حالته الأدبية والالتحاق بركب الثقافة بصفة إجمالية، ولقد قام هذا الكفاح على الأمة غالبا، سقط في ميدانه أبطال، ورُوّعت نفوس، وأُنفقت أموال طائلة، واستُنزفت جهود وأعمار، مما لو فصلنا فيه القول لقرأنا صفحة من تاريخ هذه البلدة في آن واحدة قاتمة من جهة، وناصعة من جهة أخرى، قاتمة بآلامها وأشجانها، ناصعة بعاقبتها ونتائجها. كذلك تكون حياة الكفاح، وتنازع البقاء. وهل تكون عاقبة الثبات والصبر إلا جميلة؟.

فإذا افتخرت مدرسة الفتح أنها الفاعل الأكبر الذي أشاع الثقافة والمعرفة في طبقات الأمة ببريان، أو ادعت أنه لا يوجد من منذ ثلاثين سنة أو تزيد مثقف في بريان إلا وقد صدر من مشرعها، أقر دعواها التاريخ وصدقها الواقع، فأبناء بريان اليوم وشبابها مطالبون بصيانة هذا الميراث الغالي وتنميته، واستغلال هذه المنحة الربانية التي ساقتها الأقدار إليهم لقمة سائغة، لم يوجفوا عليها بخيل ولا ركاب.

وإياهم أن يذهب عنهم رخيصا ما قام على آبائهم غاليا، بل الواجب أن ينشروه للأجيال الصاعدة، ويُفردوه بتأليف يجمع كل شاردة وواردة من تاريخها، ما دامت مصادره موجودة وميسورة.

وإياهم ثم إياهم أن يغفلوا أو يتهاونوا فتضحك الأيام على أذقانهم، ثم يحاسبهم الله على تضييع الأمانة، أمانة التاريخ والأجيال حسابًا عسيرا. وحاشا شباب الأمة وهم الآن يعدون بالمئات ويحمل أعلى الشهادات أن يتهاونوا أو يقصروا.

هذا، ولنسأل الله رب العرش الكريم لآبائنا المجاهدين الذي ذللوا أمامنا العقبات، وهيئوا هذا الوضع الكريم، أن يجازيهم الجزاء الأوفى، وأن لا يخزيهم يوم يُبعثون يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، إنه جواد كريم غفور رحيم.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

بكلي عبد الرحمن بن عمر.

 ---------------------------

(1) الضُّمّان، جامع ضامن، وهو المسؤول الأول عن العشيرة في النظام الاجتماعي بميزاب.

 (2) المقصود بالروايات المسرحيات في عرف الاستعمال المحلي.

بنو مزاب المعتزلة الواصلية

أوّل مذاهب بني مزاب في الإسلام (المعتزلي)

كان وادي مزاب قبل استيطان الاباضية له آهلا بالسكان المعتزلة الواصليين ومن سبقهم يسكنون القرى المندرسة منها مدينة الصوف (أغرم نتلزضيت) في العطف. وكان يسكن بالعطف فريق من المعتزلة ومن أشهر علمائهم بها سليمان بن عبد الجبار وقبره مشهور بها ومقبرة الواصليين مشهورة بها كذلك وهي على حالها إلى يومنا هذا.


وقد ذكر علماء السير إن الإمام محمد بن أبي بكر الريفي المتوفى سنة 440 هـ لما جاء من وارجلان موفدا من الرجال الاباضية بها إلى وادي ميزاب نزل بتلامذته مدينة العطف ووجد فيها السكان الواصليين فبنى مسجده سنة 422 هجرية ولا يزال معروفا قائما في العطف إلى يومنا هذا فباشر فيه مهمته التي جاء من اجلها وهي الدعوة إلى المذهب الاباضي والى سير العزابة ونظمها التي يرجع الفضل إليها في بقاء طهارة البيئة وبقاء الدين الإسلامي بجوهره الخالص في هذه الربوع.

اشتهر ابتداء عمرانه وتمدنه وازدهاره بالنشاط العلمي والفكري منذ القرن الثاني الهجري حيث اصبح مهجرا وملاذا للاباضية في نمو وازدياد كلما نالهم حيف أو اضطهاد في قطر آخر وكانت تجاور وادي ميزاب أقطار حالفة بالآهلين كوادي اريغ ووارجلان وهما أقوى عمرانا وأوفر خيرات واكبر عددا غير انهما لم يقويا على صد الغارات التي كانت الحكومات المتوالية على الأقطار المجاورة لهما والقبائل المحيطة بهما تشنها عليهما في تلك العصور المملوءة ظلما وطغيانا وجهلا فكان مآلهما المهاجر إلى وادي ميزاب حيث يجدون فيه شيئا من الآمن والمنعة فاتخذوه مقرا مع النازحين إليه من تيهرت وما يتبعها من البلدان وقد نص على ما ذكره الشيخ أبو إسحاق إبراهيم اطفيش رحمه الله في مجلته القاهرية المنهاج صفحة 157.


كما هاجر إليه كثير من سجلماسة بعد انقراض دولة بني مدرار من الأقطار الأخرى من المغرب الأقصى ومن جربة وجبل نفوسة وغيرها وجلهم قبائل بربرية وفيهم الكثير من العرب.
حتى صار لمجموع الامة بوادي ميزاب وحدة قومية ووحدة سياسية على رغم قحولته واشتداد المحل فيه إذا كان الأمن والراحة فيه اكثر من سواه وهما أنشودة الإنسان بل مطمح كل حيوان وكانت لهم به مؤاخاة دينية وميزة خاصة نظامية تكاد تكون منفردة عن كل ما كان مرتبطا به من الشعوب منذ أواخر القرن الثالث الهجري عند انقراض إمامة الرستميين بشمال إفريقيا كما كانت لهم وحدة لغوية تواضع عليها بربرهم وعربهم بحكم المصاهرة والمساكنة والعلاقة المذهبية.


فبنوا على غرار القرى والمدن المندرسة المدن السبع الحالية أقدمها العطف سنة 402 هـ ثم مليكة ثم غرداية ثم بني يزقن ثم بنورره وهذه متقاربة النشأة وأما القرارة عمرت سنة 1040 هـ وبريان سنة 1070 هـ.

قد كونوا في هذه المراكز من الوادي حضارة وعمرانا بعدما كانت من قبل قاعا صفصفا لم يقو على إنعاش الحياة فيه ساكنوه واختاروها سكنا ووطنا لهم في قلب الصحراء ليكونوا في حصانة من دينهم آمنين من كل هجوم أو اعتداء يجاهدون جهاد صابرا ثقيلا في سبيل العيش بها قانعين بفقر المادة وبقوة الإيمان والحصانة الدينية والأخلاقية.


وجد في بعض مخطوطات قطب الأئمة الشيخ اطفيش الحاج محمد بن يوسف أن أول من وصل من المشائخ الاباضية بوادي ميزاب هو الشيخ بابعيسى العلواني نازحا إليه من الساقية الحمراء بالمغرب.


-----------------------------------------

"*" راجع كتاب الإباضية في موكب التاريخ الحلقة الرابعة للشيخ على يحيى معمر

"*" راجع كتاب دور الميزابيين في التاريخ الجزائر قديما وحديثا لللأستاذ حمو محمد عيسى النوري
عن وادي ميزاب / قوة العزَّابة

تأصيل ظام العشيرة

التأصيل الشرعي لنظام العشيرة

   إنّ الله تبارك و تعالى يعلن بصريح العبارة : { يَا أّيُّهَا النَّاسُ إنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَ أُنْثَى, وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَ قَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا, إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ, إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ }[1] إنّ أمر الله صريح في الحكمة من جعل أبناء الجنس البشري شعوبا و قبائل لتعافوا, لكنّه نهى و ندّد بدعوى الجاهلية و التعصذب الأعمى للقبيلة, و جعل مقياس التفاضل بين الناس التقوى. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :<< إنّ الله قد أذهب عنكم نخوة الجاهلية و تعاظمها بالآباء, كلّكم لآدم و آدم من تراب >>[2]

نظام العشيرة قديم قدم البشرية, و لمّا جاء الإسلام أقرّه و لم يلغه. أقرّه حين أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم بقوله :{ وَ أَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينْ }[3] . و أقرّه حين أناط بالعشيرة مسؤولية دفع دية المقتول خطأ, و أقره حسب القفه الإباضي حين كلّف العشيرة بتعيين وكيل على مصالح اليتامى الماديّة و الأدبية, إذا لم يتم ذلك من طرف والدهم في وصيته.

   و الرسول صلى الله عليه وسلم يقرّ بانتمائه شخصيا لقبيلة معيّنة في الحديث الآتي : << إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قام عل المنبر فقال : " من أنا ؟" , فقالوا : " أنت رسول الله عيه السلام " , فقال : " أنا محمّد بن عبد الله بن عبد المطّلب, إنّ الله خلق الخلق ثمّ جعلهم فرقتين, فجعلي في خيرهم فرقة, ثمّ جعلهم قبائل فجعلني في خيرهم قبيلة... >>[4] .

   النظام العشائري, إضافة لما سبق, له تأثير واضح في نصرة الإسلام, فقد سجّل التاريخ اتّفاق بني هاشم و بني عبد المطلب, مسلمين و مشركين, على عدم تسليم محمّد صلى الله عليه وسلم لقريش, فحوصروا جميعا في شعاب مكّة مدّة ثلاث سنوات.

 


[1]- سورة الحجرات, الآية : 13 .

[2]- رواه الجماعة إلاّ ابن حبّان .        

[3]- سورة الشعراء, الآية : 214 .

[4]- رواه الترمذي.

تسيير حلقة العزابة للأوقاف بواد مزاب

Icon 09 تسيير حلقة العزابة للأوقاف بواد مزاب

تشكل نظام الأوقاف في قرى بني مزاب تدريجيا، فبدأت معالمه تظهر نتيجة لتزايد الأصول الموقوفة من جهة، وهذا بسبب انتشار الوعي في المجتمع بأهمية الأوقاف، وتأثيرها الفعال في المجال الاجتماعي الخيري من عدة نواحي "تعليم، مرافق عامة، غذاء،…" وقد ساهم في انتشار هذا الوعي التعبئة التي قام بها العلماء والمشائخ في المنطقة، والتي دفعت المجتمع للاستجابة والتسابق في هذا الميدان ابتغاء الأجر وخدمة بعضهم بعضا، فتبنى المجتمع المزابي بقوة فكرة الأوقاف، وحرص أفراده على تفعيلها.

ومن بين هؤلاء المشايخ، الشيخ بلحاج، القطب، وغيرهم. هذا من جهة ومن جهة أخرى تعددت الأصول الموقوفة لتلبية مختلف حاجات المجتمع، ومتطلباته الضرورية الخاصة بتلك المنطقة فكانت الأوقاف على التمور باعتبارها غذاء رئيسا لبني الصحراء، وعلى الماء لندرته في المنطقة، وعلى بناء المساجد لضمان إقامة شعائر الله، ثم على المدارس لنشر العلم، ومحاربة الجهل. لتتوسع إلى مختلف المرافق والمنقولات التي يحتاجها المجتمع في أدق التفاصيل.

عموما هذه بعض من الأصول التي شملها الوقف في مزاب: المساجد، الآبار، المياه (مقدار معين من الماء)، المراحيض، الزيت (لإنارة المسجد)، الكتب، القدور، المكاييل، أدوات الطبخ، الكسكسي، الخبز، النخيل والتمور،...

وربما كان لحلقة العزابة الدور البارز والهام، في تشكل معالم هذا النظام، باعتبارها الهيئة المخوَّل لها مهمة السهر على حفظ وتنفيذ الأوقاف. فجُلُّ أوقاف البلدة مرتبطة بالمسجد، والقائم على شؤون المسجد حلقة العزابة الموقرة، وبالتالي فهي الساهرة على تنفيذ الأوقاف وتسييرها، ولها الفضل في تشكل معالم نظام الأوقاف، الذي يعتبر أصلا جزءا من نظام حلقة العزابة.

ويكفي لتبيان الأهمية الكبيرة التي خصصتها الحلقة لموضوع الوقف بوجه عام، أن يعين عضوان من الحلقة، (الوكيلان) للقيام والسهر على شؤون الأوقاف. ووكيلا المسجد ينفذان الأوقاف عن طريق وظائف قارة، ومهام لحلقة العزابة تقوم بها سنويا، في أماكن وأوقات معينة.

إن عدد وظائف مسجد بني يزقن خمس وأربعون وظيفة، منها أربع عشرة وظيفة تحوي أوقافا للتمور. أما القسم الثاني من الأوقاف، فهي التي تنفذ عن طريق العامة مباشرة، وبالتالي فالوكيل عليها صاحب الوقف نفسه، أو ذريته من بعده، وللإشارة يوجد تقسيم آخر للأوقاف في مزاب من حيث حقيقتها، حيث يقسمها الأستاذ يوسف بن بكير الحاج سعيد في كتابه "تاريخ بني مزاب": "الأوقاف في مزاب نوعان من حيث حقيقتها، النوع الأول وقف مؤبد لوجه الله تعالی، لأصل من الأصول، مثل أرض أو منزل، أو بستان. أو نخلة أو مرحاض، أو جابية، أو بئر، بحيث لا يجوز بيعه أو هبته أو إرثه أو منتقل من المنقولات مثل القدور والمكاييل والكتب. النوع الثاني يسمى تنوبا (جمعها تنوباوين) لا يمنع التصرف في الأصل، بيع أو هبة أو ارث، ولكنه يشترط على المالك أن يدفع إلى جهة معينة، بصفة مؤبدة، كمية من المواد الغذائية. أو مواد الإنارة أو يقوم بخدمات معينة للصالح العام".

وكما أن للحلقة الدور الهام في تنفيذ الأوقاف، وتسييرها، باعتبارها الهيئة الموكلة إليها هذه المهمة، وبما لها من دور فعال في المجال الاجتماعي عموما، أكسبها سلطة روحية متعارف عليها في المجتمع المزابي، ومكانة هيئة عليا في السلم التنظيمي لقرى الوادي. فإنه للعرف كذلك دور بارز في المجال الاجتماعي بالبلدة، وببقية قرى الوادي، باعتباره الإطار القانوني الذي تتهيكل فيه مجموع إرادات الأفراد، (إرادة المجتمع) في شكل قواعد قانونية، غير مكتوبة تنظم المجتمع في جميع المجالات وفي أدق التفاصيل.

------------------------------------ 

(01) كتاب أوقاف التمور في قرى واد مزاب، زرﭬون محمد بن صالح، ص 62-65

المصدر nir-osra.org

تعريف تنوبا

Icon 09

تعريف تنوبا(01)

بتاء ساكنة ونون مضمومة ممدودة وباء مفتوحة مع مد خفيف. لفظ أمازيغي مزابي، مفرد، جمعه "تِـنُوبَاوِينْ"

يبدو أنّ "تْـنُوبَا" أصلها لغة من الكلمة العربية النَّوبة، بمعنى التناوب على إطعام الطعام، وقد اتسع استعماله لدى المزابيين ليشمل منافع عدة، يتعاقب عليها أفراد المجتمع في أزمنة وأماكن محدّدة.

"تْـنُوبَا" صدقة على سبيل الوقف، تدوّن في سجلاّت العزَّابة، كما أوقفها الموقف على عقار أو نخلة أو غير ذلك من الممتلكات. وينسحب أساسا في الاستعمال السائد على الطعام الذي يُتصدّق به لقُراء القرآن في مواسم معيّنة. تعدّه الأسرة في مزاب ووارجلان، وفق مقادير محدّدة.

كما يطلق على هذا النوع من الوقف أحيانا لفظ "ألـمَقَبْرَتْ"، أو بقلب القاف كافا "أَلْمَـكَبْرَتْ" في بعض مدن مزاب ووارجلان.

ويدخل ضمن هذا المفهوم أيضا، بعض الأعمال الخيرية مثل الإنارة العمومية (وبخاصة القائمة على الزيت قديما)، أو الالتزام بخدمات معيّنة للصالح العام، كالسقاية وصيانة آبار البلد وتجهيزها، وسواقي الغدير في الواحة وخدمة المساجد.

أمّا بالنسبة لـ "تْنُوبَا" الخاصة بمجالس تلاوة القرآن، فتتعدّد مواسم تنفيذها حسب أعراف كل مدينة مزابية، وتُعقد هذه المواسم يوم الجمعة، في أحد المصلّيات غير المغطاة، وحديثا في المساجد. إذ تُوزع تلك الأوقاف والصّدقات على متعهّدي هذه المجالس بحضور العزَّابة والطلبة "إِيرْوَانْ" وسائر القراء، من الصباح الباكر إلى وقت الزوال، ومن بعد صلاة العصر إلى وقت صلاة المغرب أو العشاء.

وقد اعتُبرت "تْـنُوبَا" في العرف العام بمثابة وقف أبدي يُخرجه صاحبه أو ورثته مرّة كل عام، وهي معلّقة عادة بالعقارات، بحيث إذا بيعت أو استؤجرت، انتقل الوقف إلى المشتري أو المستأجر باتّفاق الطرفين، وهذا يعني أنّه لا يمنع التصرّف في الأصل ببيع أو هبة أو إرث، ولكنّه يشترط على المالك أن يدفع إلى جهة معيّنة بصفة مؤبدة كميّةً معيّنةً من المواد الغذائية (من طعام –الكسكسي- والسمن واللحم). وكلّ ذلك بمقادير مضبوطة عند الواقف أو الذي أصبح المنزل على عهدته، كما هو مضبوط في سجلات خاصّة لدى هيئة العزَّابة.

ولقد استحدثت "تْـنُوبَا" في ظروف المسغبة والفقر المدقع لينتفع بها الطلبة والفقراء. ومن الدارسين من يرجعها إلى عهد أبي عبد الله محمد بن بكر الفرسطائي، مؤسس حلقة العزَّابة في ق5 ﻫ / 11م، حيث كان ينتقل في رحلات لنشر العلم، فكان طلبته يُكرمون بالإطعام والإيواء في المكان الذي ينزلون فيه، ليتفرّغوا للمهمة التي جاؤوا لأجلها، ثم تحوّل هذا الإطعام إلى أوقاف قارّة لهم. وفي الأمر تشجيع على لزوم طلب العلم وحفظ كتاب الله.

ولقد ظهر سابقا نفع هذا الوقف اجتماعيا ودينيا واقتصاديا، ولكنه حاليا مدار جدل ونقاش بين الفقهاء في مزاب، بين مجيز لها ومحافظ عليها، وبين من يرى فيها تكليفا مكروها أوتحريما.

سبب تعدّد الآراء في مسألة "تْـنُوبَا" راجع إلى أنها شرط علّق بالمبيع فاختُلِف في حكمه؛ ففريق يرى أنّه شرط جائز لأنّ المشتري يعلم مسبقا أنّه سيُنفّذه سنويًّا مدى الحياة، مع علمه باختلاف ثمن مقدار الأداء سنويًّا وعدم تحديد المدّة، بينما يرى الفريق الآخر أن عدم تحديد المدّة والثمن يدرج في الجهالة بدليلين:

1.قول القطب اطفيَّش: «كبيع دار واشتراط سكناها بلا تحديد… أو نحوه مما لا ينضبط».

2.من شروط الموقوف

أن يكون معلوما وقت وقفه علما تاما.

ويعزز إشكال كون "تْـنُوبَا" وقفا أو لا، كونها ليست بأصل لأنّها من المأكولات، وليست بمنفعة لأنّه لا يعلم أصلها، وبالتالي فهي لم تنضبط بتعريف الوقف الذي هو «حبس مال يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه». ولذلك يرى هذا الفريق أنّ "تْـنُوبَا" ليست وقفا، إنّما هي من قبيل الصدقات.

ورغم الاختلاف في المسألة، فإنّ "تْـنُوبَا" لا تزال قائمة إلى يومنا تحت إشراف العزَّابة في أغلب مدن مزاب ووارجلان.

----------------------------------------------------

(01) موقع تادارت مركز الدراسات الإباضية

تنظيم الأوقاف

Icon 09

تعريف تنوبا

نظام " تِنُوبَاوِينْ " في مزاب والحكمة منه

 أنواع الاوقاف في مزاب

 أنواع الصدقات العرفية

Icon 09

 عادة تنوبا ⵜⵏⵓⴱⴰ

تينوباوين المتعلقة بقصر تغردايت

أصل كلمة تنوبا    

موسم مقبرة الشيخ عمي سعيد الصيفي

تسيير حلقة العزابة للأوقاف بواد مزاب

 

 

 

Icon 09

دور الوقف في تطوير المشاريع التربوية وضمان استمراريتها 

تحميل البحث 

 --------------------------

الأوقاف الإباضية  مذكرة لنيل شهادة الماجستير

تحميل البحث

 

كلمة حول الأوقاف الإباضية في الجزائر

 

حماية الوقف بين الفقه الإباضي والقانون الجزائري

 

مركب التوفيق ينظم الملتقى الدولي الاستثمار في الأوقاف

 

 

 الوقف عند المجتمع المزابي

مقطع فيديو من الجلسة العلمية الرابعة المنظمة في الملتقى العلمي الدولي حول "الاستثمار في الأوقاف" المنعقد في الفترة الممتدة من 10 إلى 13 ذو القعدة  1433هـ الموافق لـ  26 إلى 29 سبتمبر 2012م 

من تنظيم مركب التوفيق (بلكور) بالجزائر العاصمة

 

 

تينوباوين المتعلقة بقصر تغردايت

Icon 09

هذه أسماء "تينوباوين" المتعلقة بقصر تغردايت:

تنوبا نوامي سعيد

تنوبا نباعيسى و علوان 17 فيفري

تنوبا نبابا و الجمة

ننفاش 23 ديسمبر

تنوبا نبابا و الجمة نلحبوس

تنوبا نبابا صالح و

تنوبا نمشايخ أتوعيتي في يوم واحد

تنوبا نبا محمد أبي سحابة يوم 20 جانفي

تنوبا نبامحمد خديم أمو

تنوبا نشيخ صالح

تنوبا نبابا السعد أغير نلمنكر على 7 صباحا

تنوبا نشيخ بابا تامر

تنوبا نشيخ بامحمد بوشيخ

تنوبا نمشايخ آت بالناصر

تنوبا نشيخ بالحاج داود

تنوبا نأبي سعيد 24 فيفري

كل ما اسلفت كتابته تعد في الشتاء صباحا و الآن ساذكر التي تعد عشية :

تنوبا نيمحراث

تنوبا نات الخفيان

تنوبا نعبد العالي تاولاولت (نسبة لامرأة صالحة)

تنوبا نشيخ أمي موسى المحضرت

تنوبا نبابا السعد الشرقي

تنوبا نشيخ الحاج مسعود

تنوبا نيوم الزيارة 24 مارس

تنوبا نشيخ أمي موسى و الآن

تينوباوين التي تعد في الصيف:

تنوبا نمحضرة المستجاب

ثم تأتي آخر واحدة يوم 5 ماي و هي تنوبا نشيخ أمي سعيد الخاتمة

ملاحظة: لكل واحدة قصة خلد فيها صاحبها المشهود له بالتقوى و الصلاح و الكرامات لكل واحدة منها أعيار (كمية) معينة. 12 نيعويار نيمندي مع 12 تيحميسين نويسوم (الله الله :) ) تعد بأوشو نيردن و أودي بكمية معينة ( يسمى كيل تنوبا بالنسبة لأودي تاجدويت).

 

 

حرية المذاهب الإسلامية في الدولة الرستمية

حرية كل المذاهب الإسلامية واحترامها في الدولة الرستمية

وكانت الدولة الرستمية دولة الحرية الفكرية، وحرية الاعتقاد، وحرية الكلام في حدود الدين الإسلامي العظيم. إن رؤساءها وجمهور رعيتها كانوا على المذهب الأباضي الجمهوري؛ ولكنهم لا يفرضون على احد رأيهم، ولا يحملونه بالقوة على مذهبهم، بل يتركون كل احد يختار من المذاهب الإسلامية ما يشاء. وكانوا يحترمون كل المذاهب الإسلامية التي لا تخالف الدين. وكانت تعيش في تيهرت كل المذاهب الإسلامية.

كان فيها المالكية، والمعتزلة، والصفرية، ومذهب أهل الكوفة والعراق، وكل المذاهب الإسلامية الموجودة في المشرق. وكانوا يجدون في تيهرت حرية عرض مذاهبهم، والدعوة إليها، والاحتجاج لها، كما كانوا يجدون كل احترام من خاصة تيهرت وعامتها، ولا يحتقرهم احد. ولا يكم فمهم إنسان. وسترى في قصة الشيخ مهدي النفوسي عالم جبل نفوسة الذي استنجد به الإمام عبد الوهاب لمناظرة عالم المعتزلة الذي أفحم علماء تيهرت بذكائه وبراعته في المناظرة، واستطاع لما وجد من حرية الكلام في تيهرت أن يحاجج الإمام عبد الوهاب رئيس الدولة نفسه، وهو عالم تيهرت، فيفحمه، فعجز الإمام عبد الوهاب عن مناظرته، فلم يسكته بالقوة كما يفعل الملوك، بل استنجد بعلماء جبل نفوسة، فاحموه. فأسكته بالحجة، وألزمه الصمت بالأدلة القاطعة.

وكان الشيخ مهدي النفوسي فارس المناظرة الذب أفحم العالم ألمعتزلي يغيب عن صحبه النفوسيين أياما حتى يتحيروا عليه، وهو يجتمع بعلماء كل المذاهب الإسلامية في مساجد تيهرت، ويستضيفونه في منازلهم وفي ضواحي تيهرت التي يسكنونها، فيناظرونه، وتطول المناظرة ويتصل الحجاج، فيبقى الشيخ مهدي أياما في هذا الجو العقلي المتقد الممتع في مساجد تيهرت ونواديها العلمية، ولا يستطيع الرجوع إلى محل الضيافة الذي نزول فيه هو وصحبه. وقد رجع يوم بعد غيبة أيام فسأله صحبه عن سبب غيبته فأجابهم: بأنه كان مع علماء تيهرت في مجامعهم يناظرهم فاستطاع أن يقنع بالحجة الساطعة، والبرهان القوي في ميادين المناظرة الحرة في تيهرت سبعين عالما من الصفرية والمعتزلة وغيرهم من المذاهب الإسلامية الأخرى، وكانوا لا يرون ما يعتقده الإباضية الجمهوريون فأقنعهم فأدركوا صوابهم، فانضموا إليهم، وتركوا أقوالهم الماضية، وصاروا لما أقنعهم الشيخ مهدي على مذهبه الجمهوري المعتدل الذي يوافق الدين في كل الأشياء.

قال احمد بن سعيد الدرجيني: "وبلغنا أن مهدي لما صار بتيهرت كان يغيب عن أصحابه أياما لا يدرون له مستقرا حتى ساءت ظنونهم )وخافوا أن يكون قد حل به سوء.

فلما كان ذات ليلة قدم عليهم فسألوه عن مغيبه فقال لهم: إني قد رددت إلى مذهب الحق سبعين عالما من أهل الخلاف"1.

كانت الدولة الرستمية دولة الحرية الفكرية الكاملة، وكانت كل المذاهب الإسلامية التي لا تشذ عن أصول الدين موجود فيها. كان فيها المالكية وغيرهم من المذاهب الإسلامية المنتشرة في المغرب. وكان أهلها يتمتعون بالاحترام الكامل، ويجدون ما يشاءون من حرية، وكل ما يريدون من إخوة إسلامية. لا تعصب، ولا حقد كما يكون في العواصم الملوكية المستبدة، ولا كبت ولا إرغام على مذهب الدولة كما يفعل الملوك المستبدون.

قال ابن الصغير المالكي وقد عاش في تيهرت أيام الدولة الرستمية. قال وهو يصف الحرية الفكرية الكاملة، والإخوة الإسلامية التامة في عهد الإمام أبي حاتم في آخر أيام الدولة الرستمية وفي شيخوختها، وهو عهد تكون فيه الدولة الهرمة كالإنسان الهرم ضيق العطن، لا يتحمل المخالفة، ولا يستسيغ المناظرة، ومع ذلك كانت الدولة الرستمية الراسخة في الديمقراطية الإسلامية كما وصفها ابن الصغير المالكي قال: "وكانت مساجد [تيهرت] عامرة، وجامعهم يجتمعون فيه، وخطيبهم لا ينكرون عليه شيئا. إلا أن الفقهاء تباحثت فيما بينها، وتناظرت واشتهت كل فرقة أن تعلم ما خافتها فيه صاحبتها. ومن أتى إلى حلق الإباضية من غيرهم قربوه وناظروه ألطف مناظرة، وكذلك من أتى من الإباضية إلى حلق غيرهم كان سبيله كذلك"2. هذه هي حالة أجدادنا العظيمة في الإخوة الإسلامية. كانت قلوبهم متعانقة لصفائها بنور الإيمان، ولطهارتها بالدين الراسخ، وإن تصارعت عقولهم في ميدان الحجة والبرهان. أنهم وإن اختلفوا في الفروع غصون شجرة واحدة لأصل واحدة هو الدين الإسلامي السمح الواسع. وكانت مناظرتهم مناظرة العلماء الفحول، وقوة هادئة متبصرة. وكانت عقولهم تصطدم فيها اصطدام الشفاه بالشفاه في القبلة العطشى، عميقة ولكنها غير مؤذية، ومعها نشوة العقول الناضجة بالبحث والحجاج! أنهم غصون مثقلة بثمارها في الشجرة الواحدة. تهزها العاصفة فتتمايل في اتزان، وتتفارع في رفق، وليسوا كالجهلة المتعصبين الذين يكونون في المناظرة كالذئاب المسعورة المتقاتلة، وتراهم كالغصون الفارغة الضيقة، تهب العاصفة عليها فتتصادم وتورثها الاعوجاج!3

----------------------

1-طبقات الدرجيني ص 26 من نسخة مخطوطة بدار الكتب المصرية تحت رقم 2612 )تاريخ، والخزانة التيمورية(

2-سيرة الأئمة الرستمية لابن الصغير ص 42 ط باريس.

3-إن مزج التاريخ بالأدب الذي يزيده وضوحا ونضارة مما يجب لتحبيبه إلى النفوس. ولا أرى المتزمتين الذين ألفوا افتراش الحصير اليابس البالي ينكرون علينا أن نبسط لأبنائنا الزرابي القيروانية والمغربية الوثيرة الجميلة لنجدهم من التاريخ الأوربي الطلي الجذاب بحسن عرضه وبفلسفته وجمال أسلوبه، فيعيشوا مع أجدادهم في تاريخنا أيضا، فيكونوا أبناءنا، ويكونوا كما نريد، لا تستأثر بهم تلك الكتب الأوروبية التي يجب أن تكون فرعا ونافلة نزداد بها ثقافة. لأصل وفرض هو تاريخنا الإسلامي العظيم!

 

محمد علي دبوز تاريخ المغرب الكبير ج3 ص 296-298

حلقة العزّابة

العهد الثاني

كما مرّ فإنّ السّلطة في المجتمع المصعبي كانت أوّل بين أيدي رؤساء العشائر، ثّم تحوّل مركز السّلطة في القرية إلى الهيئة الدّينية. إلاّ أنّنا لا نعرف بالتّحديد متى رشّح المجتمع هذه الهيئة لتولّي هذه السّلطة متعدّدة الجوانب.

أمّا الذي نتيقّن منه فإنّ الحلقة التي رتّبها الشّيخ أبو عبد الله محمّد بن بكر لم تكن لها أيّة سلطة على المجتمع، ولم يكن هدف الشّيخ إخضاع المجتمع الإباضي لحلقته. إنّ الحلقة التي نظّمها كل من الشّيخ أبي عبد الله وتلميذه أبي الرّبيع سليمان بن يخلف المتوفّي عام 471هـ/1079م وتلميذه أبي الخطّاب عبد السّلام منصور بن وَزْجُون، ليست إلاّ هيئة تربوية تعليمية، بعيدة عن السّلطة والسّياسة، هدفها الوحيد نشر الإسلام والدّعوة إلى المذهب الإباضي، وتطبيق مبادئه ميدانيا. فلم يكن لها مقر دائم، ولم تكن تعقد حلقات التّدريس في مساجد القرى، بل على العكس من ذلك كانت تنظّمها أوّل الأمر بعيدا عن العمران، كتمانا للسّر، وأحيانا في الغيران، مثل ما كان الحال في تِينَسْلِي.

يقول الشّيخ علي يحي معمّر: «اعتنى أبو عبد الله عناية خاصّة بقضّية التّربية والتّعليم. ومّما يتضمّنه ذلك المنهاج توحيد زيّ الطّلبة، وتوحيد زيّ المدرّسين، وتنظيم أوقات الدّراسة، وتخصيص كلّ وقت لما يناسبه من المعارف، وإدخال الآداب الإسلامية، والقيام بالعبادات الدّينية في قلب النّظام...وتخصيص أوقات للتّربية العملية في حلّ المشاكل وحسن التصرّف... كما أنّه أعطى قيمة خاصّة للفروق الفردية بين الطلاّب، وأوجب احترام شخصية الطّالب المتخلّف ذهنيا، ومراعاته ودراسة ظروفه حتّى لا تتكوّن فيه العقد النّفسية»[1].

ويضيف الشّيخ معمّر قائلا: «ولم يبق النّظام (نظام الحلقة) على ما سطّره الإمام أبو عبد الله ولا على ما حرّره تلميذه أبو الرّبيع سليمان بن يخلف، وإنّما تطوّر مع الزّمن فكانت تضاف إلي من حين إلى آخر تنظيمات جديدة وصلاحيات جديدة»[2].

وقد بقيت هذه الحلقات تعقد في الأماكن السرّية، ولم يستعمل المسجد لهذا الغرض إلاّ في النّصف الأوّل من القرن السّادس، ويعتقد بعض الباحثين أنّ أوّل من اتّخذ المسجد مقرا للحلقة هو الشّيخ أبو زيد عبد الرّحمن بن المعلى، الذي نظّم حلقة في تقّرت في النّصف الأوّل من القرن السّادس الهجري[3].

ولا يدلّ ذلك على أنّ حلقة الشيخ أبي زيد عبد الرّحمن تجاوزت مهمّتها التّربوية ونصبت كسلطة للبلدة.

بعد أبي زيد فإنّ أبا عمّار عبد الكافي الوارجلاني[4] ساهم مساهمة كبيرة في الإعداد النّهائي لِسِيَرِ حلقة العزّابة، وذلك في القرن السّادس الهجري. خلاصة القول أنّ بعد مرور زمن يصعب تحديده، على القرى الحالية الأولى لمزاب، تصدّرت أمرها حلقة العزّابة بمفهومها الشّائع لدينا كسلطة عليا مطلقة قائمة مقام الإمامة العظمى. يقول لوفيكي: «يبدو أنّ هذه المؤسّسة(حلقة العزّابة) لم تكن موجودة بعد في مزاب، في عهد الدّرجيني[5]، في النّصف الأوّل من القرن السّابع الهجري، الثّالث عشر الميلادي»[6].

وحلقة العزّابة لها حقّ اختيار أعضائها بدون أدنى مداخلة لمن عداها في ذلك، يختار من كلّ عشيرة في القرية قدر ما ينوبها من الرّجال ويتحرّى في اختيارهم أعلم وأروع وأصلح من في العشيرة، بشرط ان يكون متخرّجا من دار التّلاميذ (إِرْوَانْ)، إلاّ إذا لم يوجد مثله في العشيرة فإنّه يختار من (إِمَصُّورْدَنْ) أي أصحاب المحاضر لا سواهم.

ودفعا للحاجة المادّية فإنّ الذي ينضمّ إلى حلقة العزّابة يتطلّب فيه أن يكون صاحب عمل أو حرفة، فأعضاء العزّابة كلّهم يكسبون قوتهم من كدّ يمينهم، واعتمادهم على أنفسهم في كسب القوت يضفي على مهمّتهم الدّينية صفة النّزاهة والقناعة والتعفّف وإخلاص العمل لله وحده، كما أنّ اشتغالهم يجعلهم أدخل في الحياة الاجتماعية، وأكثر احتكاكا بفئات الشّعب في حياتهم اليومية[7].

نقل عن الشّيخ أبي عمّار عبد الكافي أنّه قال: «لا يدخل أحد الحلقة حتّى تكون فيه أربع خصال: الأولى أن يكون كيّسا أدبيا، الثّانية أن يكون مشمّرا في طلب العلم، الثّالثة لا يكثر دخول الأسواق، الرّابعة يغسل جسده بالماء ويغسل قلبه بماء وسدر. أمّا الجسد فيغسله من الدنّس من النّاس، وأمّا القلب فيغسله من الغشّ والكبر وما أشبه ذلك ممّا يوجب إحباط العمل... وأمّا صفة أهل الحلقة فتنقسم على أربعة أقسام : فالقسم الأوّل يجتهد في طلب العلم والأدب... والثّاني أن يكون حافظا للقرآن، والثالث أن يكون مجتهدا في حقوق الضعفاء والمساكين ومنتصفا من الظّالم للمظلوم، وقائما بحقوق الأسواق والمجازير وحقوق المدينة، وقائما بما ينوب الضّعيف والمنقطع عن أهله... والرّابع أن لا يولوا مال المسجد من كان له مال كثير ولا من كان له أولاد كثير، بل يولونه من كان بين بين».

ثمّ يضيف الشّيخ أبو عمّار قائلا: «وأمّا الشّيخ فتلزمه حقوق كثيرة بينه وبين العزّابة وبينه وببين تلاميذه، ويكون الشّيخ ينصف الحقّ من نفسه لنفسه... ويرتّب اهل الحلقة على ثلاثة أقسام: قسم هو بنفسه، وقسم أربعة رجال، وقسم ما بقي من العزّابة. من الحلقة أربعة رجال من السّابقين في الهجرة، الحل والعقد عليهم... والمشورة كلّها راجعة إلى الشّيخ، والباقون من العزّابة ساكتون، ينظرون بأعينهم ويحفظون ماتقول تلك الأربعة هم وشيخهم».

عدد العزّابة من غير الشّيخ اثنا عشر: الإمام والمؤذّن، وثلاثة لتحفيظ القرآن الصبيان الصغار في المحاضر، وخمسة لغسل الموتى، ووكيلا على مال المسجد.

ولرئيس الحلقة قيادة الجيش وتدبير شؤون الحرب ووسائل الدّفاع، وكذا عقد المعاهدات والأحلاف. ويتولّى العزابّة الفصل بين الخصوم، والتّرافع يقع في صحن المسجد بين صلاتي الظّهر والعصر. وهم الذّين يسهرون على المحافظة على المصالح العامّة وتنظيمها كالأسواق والمسالخ وسواقي المياه والسّدود. والمشورة كلّها إلى الشّيخ، كبيرة كانت أو صغيرة، فلا يتحرّك أحذ من العزابّة حتّى يشاوره.

كان للحلقة في أسواق مدن مزاب مقاعد خاصّة للإشراف على الواردات والسّلع المجلوبة واستقبال القوافل من أطراف الصحراء، وكان رئيس العزابّة هو الذي يعلن بواسطة المنادي بافتتاح السّوق، بعد التّكبير والصّلاة على الرّسول ثّم يشرع البائعون في عرض سلعهم وبضائعهم على الحاضرين.

إنّ أرباب القوافل لا يسمح لهم ببيع شيء من بضائعهم بالجملة للمحتكرين أو البائعين بالتّقسيط، إلاّ بعد أن يوضع تحت متناول العامّة، فيأخذ كلّ محتاج لتلك البضاعة مقدار ما يحتاجه فإنّ فضل شيء بعد ذلك يبيعونه للأرباب البيع بالتّقسيط بالسّوية بين الحاضرين منهم، مع تحديد السّعر بلا غبن مطلقا، كما تشرف حلقات العزابّة على المكاييل في المدينة.

ولضمان مراقبة الذّبح في المجازر على منهاج الشّرع وطهارة الذّابح، فإنّ الحلقة تتولّى تعيين من يتولّى الذبح بها من دون مقابل.

إذن قد تعدّدت مهام حلقة العزابّة فشملت الجوانب الدّينية والتعليمية والاجتماعية والقضائية والدّفاعية والاقتصادية .

وكانت وسيلتها الوحيدة للقيام بهذه المهام كلّها واحترام سلطتها؟، بعد القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، هي التّبرئة. والغرض منها هو إشعار المتبرّأ منه بخطائه ، حتى يعلن توبة الله أمام المسلمين. عندما يثبت بواسطة شهادة عدلين لدى هيئة العزّابة أنّ فلانا اقترف جريمة كمنع حقّ زوجة أو يتيم، أو طعن في الدّين، أو ارتكاب فاحشة، أو خالف قرارا من قرارات الهيئة، فإنّه يعلن به على رؤوس الأشهاد بالمسجد، قبل صلاة الجماعة، أنّه قد ارتكب كذا وكذا، فهو في براءة المسلمين إلى أن يتوب في المسجد عند اجتماع النّاس لصلاة الجماعة. فلا يجالس ولا يشارك في فرح ولا في مأتم ولا تقبل زيادته في الأسواق ولا دلالته إن كان دلاّلا، ولا ذبيحته إذا كان جزّارا. وكلّ من عامله في شيء من ذلك يلحق به.

وإذا ما مات قبل التّوبة فإنّ العزّابة يحيلونه إلى بعض العوام للقيام بغسله وتجهيزه.

وللمهضوم الحقّ أن يقصد المسجد قبل أداء صلاة الجماعة فينادي بنحو« لا أسمح لكم إلّا إذا أخذتم حقّي من فلان»، وهناك يتوقّفون عن الصّلاة حتّى يضمن للطّالب حقّه أحد الحاضرين.

وفي حالة إذا ما تمرّدت العامة على أمر من أوامر الحلقة فإنّ العزّابة يعلنون الإضراب، فيبقون في ديارهم ويتركون المسجد بلا إقامة الشّعائر. أمّا إذا كان المحكوم عليه من أعضاء الحلقة أو من التلاميذ(إِرْوَانْ)، فإنّه يعلن بالبراءة منه عند هيئته فيتوب هناك أو يعزل.

وإذا وقع خلاف بين عزّابة، بلدة من بلدان مزاب يتدخّل لإصلاح ذات بينهم عزّابة المدن الأخرى، سواء طلب الشّيخ الذي وقع الخلاف بين عزّابته تدخّلهم أم لم يطلب.

ولعلّ الهيئة التي ورثت نظام الحلقة التي رتّبها الشّيخ أبو عبد الله محمّد بن بكر هي جماعة(إِرْوَانْ) أي طلبة العلم على شيخ المسجد. فهذه الجماعة يعلّمهم الشّيخ، ويفقّههم في الدّين، واللّغة العربية، ولهم مقر خاص بهم تابع للمسجد.

إذا تتبّعنا ما نقلناه عن الشّيخ أبي عمّار عبد الكافي أدركنا أنّ لشيخ المسجد حلقتين متباينتين، حلقة التّلاميذ التّي رتّبها الشّيخ أبو عبد الله محمّد بن بكر ولم ينشئها، وحلقة العزّابة التي نحن بصدد الكلام عنها. يمكن أن نعتبر الشّيخ همزة بينهما، فهو الذي يدير كلا منهما، وله حقوق بينه وبين تلاميذه من جهة، وحقوق بينه وبين العزّابة من جهة أخرى. ويقول الشيخ أبو عمّار: «وعلى الشّيخ لتلاميذه أن يكون على بصيرة، فلا يدخل أحدا مع العزّابة حتّى يكون تلميذا مع التّلاميذ منذ زمان، يتعلّم الأدب والسِّيَر ليدخل مع العزّابة، وهو فارس في الأدب والسِّير».

إنّ نظام حلقة العزّابة، بعد قيامه، لم يقض على نظام العشائر الذي كان يدبر شؤون القرية. بل كانت الحلقة تتّخذ رؤساء العشائر عونا لها، لتنفيذ قراراتها في مستوى كلّ عشيرة. وقد تستشيرهم في بعض القضايا الاجتماعية المستجدة. لكنّه لا يحق للعامّة أن تتدخّل في أمور حلقة العزّابة الخاصّة بها. كما كانت الحلقة تستعين في القضايا الخاصّة بالمرأة بهيئة دينية نسوية تعرف بجماعة الغسّالات (تِمْسِيرِدِينْ) إنّنا لا نعرف كذلك تاريخا محدّدا لانطلاق هذا المجلس النّسوي ولكنّه حسب الدّكتور عوض خليفات، كان موجودا في القرن التّاسع الهجري، الخامس عشر الميلادي. مهمّات أعضاء هذا المجلس القيام بغسل الأموات من النّساء والصّبيان الصّغار، وتحقيق حكم البلوغ للبنات، وشؤون الولادة والحمل، وبيان أحكام الحيض والنّفاس، ومحاربة البدع والإسراف، وإعلان البراءة من المتمرّدات في مجلس الذّكر الأسبوعي.

ولإنهاء الحديث عن حلقة العزابة، نعطي بسطة عن سير الحلقة التّي رتّبها الشيخ أبو عبد الله محمّد بن بكر، أي نظام مدرسته، نقلا عمّا ورد في كتاب طبقات المشايخ بالمغرب للشيخ أبي العبّاس أحمد بن سعيد الدرجيني المتوفّى حوالي 670هـ.

 

أ‌-               هيئة التربية والتعليم والمراقبة:

يوجد على رأس الحلقة شيخ، يساعده على أداء مهامّه أعوان يسمّون عرفاء: عرفاء تحفيظ القرآن، وعرفاء أوقات الدراسة، وعريف الأكل، وعريف الختمات وأوقات النّوم.

ب‌-         الطلبة:

ينقسم الطلبة إلى ثلاثة أصناف: طلبة القرآن، وطلبة فنون العلم، والعاجزين.

ج- مهام الشيخ أو نائبه:

_                   تولية العرفاء وتفقّد أحوالهم.

_                   دراسة طلب انخراط الطلبة في الحلقة.

_                   الإشراف على الأقوات، والإذن فيما يشرى ويدّخر منها، وفي قسمتها.

_                   الجلوس لطلبة فنون العلم ليأخذوا عنه الدّرس.

_                   الجلوس إثر الختمات للجواب على الأسئلة المختلفة.

_                   درس الوعظ صبيحة يوم الجمعة.

_                   رئاسة مجلس تلاوة القرآن في السّحر.

_                   الاجتماع العامّ يوم الإثنين ويوم الخميس لتفقّد أحوال الطّلبة.

_                   الحكم بين المختصمين من التّلاميذ.

د- الانخراط في الحلقة:

يكشف الشيخ عن أحوال من أراد الدخول في حلقته ، وماكان عليه في بلده، فإن اطلع على صلاح أحواله أذن له في الدخول، وإن اطلع على نقيصة وأحوال ذميمة طرده، وإن تعذر لبعده داره الاطلاع على الأحوال، أو اختلفت فيها الأقوال، توقف حتى يتحرى فيها. وحكمه في مدة التحري حكم عابر سبيل، لا حظ له في المقتسم من المأكول المدخر، ولا يجبر على ملازمة الأوقات[8].

هـ- طلبة القران:

العرفاء من حملة القرآن ترتبط بكل واحد منهم جماعة من أصحاب الألواح طلبة القرآن ترتبط بكل واحد منهم جماعة من أصحاب الألواح، طلبة القرآن، يملي عليهم ويصحح ألواحهم، ويأخذهم بالحفظ عن ظهر قلب. فالجماعة التي ترتبط بكل حافظ يكون أكثرهم عشرة وأقلهم اثنين إلا لضرورة عدم الرجال فلا حد لكثرتهم. فإذا ارتسم طالب بعريف فليس له أن ينتقل عنه إلى غيره إلا بإذنه.

فإذا كان وققت الضحى حفظوا ما كتبوا أمس، فإن حفظوا كلهم استأذنوه في الاستملاء وأملى عليهم، وإن توقف أحدهم دون الحفظ، فإن كان مبتدئا أقيل له خمس عثرات، وإن كان فوقه، إلا أنه في أول قلم، أقيل له ثلاث ، وإن كان في الإعادة فعثرة واحدة[9].

عرفاء أوقت الدراسة يتفقدن أصحاب الألواح بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء، ووقت الاستفتاح حيث الحضور حتما، وبعد العصر استحبابا.

و- طلبت فنون العلم:

يستحسن منهم ولهم أن يجمعوا للبحث و المذاكرة و المناظرة. ولهم وقت معتاد للحضور على الأساتذة، ويأخذ كل منهم درسه، وهي دولته، على أستاذه. ثم كانت ختمة غداة وحضر الشيخ فإن هناك طرقا مختلفة للسؤال: إما أن يتداولوا وضع السؤال ميامنة، وإما أن يسأل أفصحهم لسانا واكثرهم بيانا ، وإمّا أن يسأل أشدّهم احتياجا للسراح في ضرورة دعت. فإن علم الشيخ أنّ في الجمع أكفى منه في تلك المسألة أذن له في الكلام فيها، وإلاّ تكلّم بما عنده[10].

ز- العاجزون أي القاصرون من التلاميذ:

يقول الشيخ أبو العباس أحمد الدرجيني: «وأمّا العاجزون فأنواع...فمنهم الطرش والعميان والزمنى والهارمون وذوو الأفهام القاصرة، ولربّما استعمل مستعمل فألحق نفسه بهؤلاء...فهذه الأنواع شأنهم الإصغاء ة والاستماع ليحصلوا الطرق ولأخلاق...وعليهم حفظ السيارات والمحافظة على الطرق والأوقات...وينبغي أن تكون خدمة الطعام من هؤلاء...لينفعهم الله بخدمة أهل الخير، ويوفيهم أجورهم»[11].

ح- هندام أهل الحلقة:

يجب عليهم حلق شعر الرأس، وأن لا يلبسوا ثوبا مصبوغا، إن اقتصر أحدهم على عباءة أو محلفة لم يشنه ذلك، وإن لبس ذلك على قميص كان أكمل. ولا سبيل على اقتصار على قميص.

ليس لبس العمامة بضربة لازب، فإن اقتصر على العباءة أو اللحاف غطّى رأسه، وألقى الطرف الأعلى من هدب حاشية الجانب الأيمن على العاتق الأيسر[12].

ط- عريف أوقات الأكل:

إذا اعتدل جلوس الطلبة استدعى بماء وغسلوا بعد اشتمالهم الشملة المتعارفة عند حضور الطعام، وهو أن يخرج طرفي ثوبه على صدره بعد أن يدير كلّ طرف فوق العاتق الذي يليه، فتبرز اليدان ولا ينكشف شيء من الجسد، ثّم يأكلون أكلا معتدلا. فإذا طعموا تفقّدهم العريف، فإن وجد منهم من يده في الطعام انتظره حتّى يقضوا حاجتهم منه. فإذا فرغوا أذن بالإنصات إلى الدعاء ثّم يُؤذن أَسَنُّ من حضر فيدعو[13].

ي- عريف الختمات وأوقات النوم:

يتعلّق به ارتصاد حزب الغدو في المجلس الذي تكون فيه المذاكرة، فإذا كمل الحزب أو كاد، دعا جميع من في المجلس و يؤمّنون على دعائهم فيدعو أسنّهم ويدور الدعاء.

فإذا كان الضحى نادى بنوم الهاجرة فينامون. ثّم إذا كان عند غروب الشمس نادى بالختمة فيجتمعون على أكبرهم، فيدور معه من يليه في السنّ والمعرفة. فإن استداروا ذكروا الله وقرأ قارئان آيات من القرآن، ثّم يدور الدعاء كالعادة. ثّم إذا صلوا العشاء وقرؤوا من القرآن ما يسّر الله وحان وقت النوم، ما لم تكن من ليالي الإحياء، نادى بالدعاء، وهي ختمة ليست بأكيدة. فإذا دعوا فالمستحبّ أن يكون أفصحهم بيده كتاب، فيقرأ فيه قليلا بحيث يستمعون، ثّم يدعو وينادى بالنوم[14].

ك- وقت الراحة ومواضعها:

وقت الراحة والتصرّف هو آخر النهار، يتصرّف إلى المواضع التي لا ينكر التصرّف فيها كمواضع المياه ومواضع الأشجار، وأمثالها من الأماكن التي تنفرج فيها النفوس، ما لم تكن هذه الأماكن معروفة بأن يستقرّ فيها مصادف الشبهات. وللإكثار من التصرّف في الطرقات والأسواق يكره، وإن دعت ضرورة ففي طريق نافذ، ووقت لا يظنّ به ريبة[15].

ل- العقوبات:

من عيب شيء من أحواله، فإن كان صغيرا أقيم إلى زاوية معروفة بأن تكون موضعا لتأديب الطلبة، ثّم اجتهد في عدد ما يجلد تأديبا، والكبير إلى الخطّة و الهجران.

موجبات الخطّة:

- الإبطاء أو الغياب أوقات الدراسة.

- التخلّف عن الختمات.

- عدم مراعات آداب الأكل.

- الكلام أو الحركة وقت النوم بحيث يؤذى النائمون.

والهجران معناه متى أجرم واحد من أهل الحلقة، أو ظهرت عليه خزية، أو أتى بنقيصة، فإنّه يهاجر كلّ من معه، فلا يكلم ولا يحضر جماعة، ولا يؤاكل ولا يجالس، وكَأَنَّ خطّة حالت بينه وبينهم. فإن تاب قُبِلَ منه ورجع إلى الجماعة. وبقاؤه في وحشة الهجران بقدر عظم الجرم وصغره، وتوبة المجرم وإصراره[16].

------------------------------------------------------------------

المصادر

[1]_[2] تاريخ بني مْزاب : الأستاذ يوسف بن بكير الحاج سعيد

[3]_الدّكتور عوض خليفات : النّظم الاجتماعية والتربوية عند الإباضية، 32.

[4] _أبو عمّار عبد الكافي بن أبي يعقوب ولد بتناوت إحدى قرى وارجلان وبها نشأ نشاته الأولى، ثّم ارتحل إلى تونس في عهد الموحدّين فجدّ في طلب العلم، واستقرّ بعد ذلك في وارجلان، وتفرّغ للتّدريس والتّأليف والفتوى. وبها توفّي قبل أبي يعقوب الوارجلاني إذ تولّى هذا الاخير الإجابة عن رسائل وردت على أبي عمّار. توفيّ الوارجلاني عام 570ه/1174م. أبرز مؤلّفات أبي عمّار: الموجز في علم الكلام، وشرح كتاب الجهالات، والسّير، واختصار المواريث، وكتاب الاستطاعة.

[5]_أبو العبّاس أحمد بن سعيد الدرجيني ولد في مطلع القرن السابع ودخل حلقة وارجلان عام 616ه. أخذ العلم عن أبي سهل يحي بن إبراهيم أحد علماء وارجلان وكان ذكيّا مقبلا بكليته على التّحصيل. أشهر ما ترك كتاب طبقات المشايخ بالمغرب.

[6]_ .HALKA,Islam' Encyclopédie de l:TADEUSZ LEWICKI

[7]_الدّكتور محمّد ناصر: حلقة العزّابة، 15.

[8] _أبو العباس أحمد الدرجيني: طبقات المشايخ بالمغرب، 173.

[9]_نفس المصدر، 177.

[10]_نفس المصدر، 179.

[11]_نفس المصدر، 180.

[12]_نفس المصدر، 171.

[13]_نفس المصدر، 175.

[14]_نفس المصدر، 174.

[15]_نفس المصدر، 181.

[16]_نفس المصدر، 5، 173.

خلود أهل الكبائر في النار

الأدلة الدامغة لخلود أهل الكبائر في النار

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله عظيم الشان ناصع البرهان ، أهل الحمد والفضل والثناء ، بيده مقاليد كل شيء وهو على كل شيء قدير . والصلاة والسلام على خاتم رسالة السماء محمد خير ولد آدم صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أهل الفضل والثناء ومن سار على دربهم ونهج نهجهم إلى يوم العرض والجزاء. أما بعد :

فإن الكثير من المسلمين اليوم يظن – وبعض الظن إثم - أن أمة الإسلام أصبحت شعب الله المختار فللمسلم أن يفعل ما يشاء ولن تمسه النار من الوقت إلا برهة ثم يخرج إلى الجنان شريطة أن يكون بالله غير مشرك ، وإن تعدى بعد ذلك الحدود وتاه في وديان المعصية كما يشاء من غير توبة ولا ندم ولا استغفار ، أما غيرنا من الأمم فلهم الخلود في النار ، فأبواب النار لا تنفتح إلا عن فسقة المسلمين! وكأن الشريعة الغراء ما جاءت إلا لإقرار التوحيد فلا حدود ولا قيود ولا حلال ولا حرام. وهذا اعتقاد خطير وإن لم يصرح به - فكيف والخطب الرنانة تصدح على أشرف المنابر صباح مساء تنادي بعقيدة الخروج من النار التي تجرئ الناس على ارتكاب الموبقات وانتهاك الحرمات التي جاء القرآن الكريم والسنة المطهرة لبيان خطرها وإزهاق شرها.

إن دعوى فائدة التوحيد منفصلاً عن العمل الصالح ما هي إلا {كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً ووجد الله عنده فوفاه حسابه } وإلا فإن الله سبحانه وتعالى يقول {فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحدا} الكهف. فالتوحيد ليس إلا استهتاراً بالمعبود إن لم يتبع الاعتراف به طاعة مخلصة وتسليم مطلق ، وهو توحيد عرف شأنه مشركو قريش فحاربوا الإسلام بسببه وإلا لما كان هناك عناء من الاعتراف به ثم ارتكاب الموبقات. ألا إن العاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني ؛ وإلا فإن اليهود موحدون وليسوا بأهل شرك وحفظ القرآن لهم ذلك فميزهم عن المشركين ولم ينادهم إلا بقوله (أهل الكتاب) فهل وجبت لهم الجنة بسبب توحيدهم هذا منفردا ؟! والعجب أنا كأن بأسماعنا وقر فلا نسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يحذرنا من اتباع سنن من قبلنا شبراً بشبر وذراعاً بذراع حتى تبعناهم في المعتقدات .

وما وراثة بعضنا لفكرة شعب الله المختار وأن الاختيار قد وقع علينا بعد يهود لنفعل ما نشاء فلا يعذبنا الله إلا قليلاً ثم يغفر لنا فيدخلنا الجنة إلا مثال صارخ على ذلك ، وكأنا لم نسمع لنهيه عليه الصلاة والسلام لنا قائلا : (لا ترتكبوا ما ارتكبت اليهود ، فتستحلوا محارم الله بأدنى الحيل) . ليت شعري أنحن خير الأمم لأنا تسمينا بالإسلام أم لأنا نعمل به ؛ أمراً بمعروف ونهياً عن منكر وإيماناً بالله وعملاً صالحا ؟! ألا تنفعنا الأبصار والبصائر لنرى الفرق بين العمل بالإسلام ومجرد الانتماء إليه !. أولئك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين لم يفرقوا بين القول والعمل انظروا إلى أثرهم في الأرض باق إلى قيام الساعة مع أن كل تشريفهم للدنيا وإشراقها بهم كان في غمضة من الدهر !، فهل يساويه أثر من أتى بعدهم رغم طول الأمد وكثرة العُدد والعَدد ؟‍! فو الله ما ذاك الفرق إلا لأن لسان حال اللاحقين يقول "عملنا أم لم نعمل فمأوانا جنان النعيم ولو بعد حين!!!" فسبحان مقسِّم الأرزاق والعقول !

أيها الناس : ليس بمسلم حقيقي من أقام على سوء العمل وإن دفن في مقابر المسلمين، وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم نردده بكرة وعشياً قائلا : (الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ وَالْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ) متفق عليه. فالمسلم الذي لا يسلم المسلمون من لسانه ويده ليس بمسلم وإن لقلق بلسانه ودوِّن ذلك في جواز سفره. والمهاجر إن لم يترك ما نهى الله عنه فليس بمهاجر وإن كان خارجاً إلى أقصى الأرض بأمر السماء . وأين لنا الفرار من آي الكتاب رابطة{الذين آمنوا وعملوا الصالحات} ربط السبب بالنتيجة ؛ منادية :{والعصر إن الإنسان في خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر} قارنة القول بالعمل ؟! أيها الناس ليرض من يرض وليسخط من يسخط فعقيدة الخروج من النار باطلة كاسدة عارية من الحجة والبرهان يهودية الأصل ، ولا شك في حقيقة أنها دخلت في روايات الحديث من تحت أياديهم الخبيثة ، فتسللت في زمان الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم لتؤخذ من بعد على أنها مسلمات في كتب الحديث وإن خالفت محكم الكتاب – ويكفيك أن أحد رواة هذه الأحاديث الثقاة اسمه (أبو يوسف إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق) فقد تعني لك الأسماء شيئاً ! ، مع أن آي الكتاب تصرح بخلود أهل الكبائر في نار جهنم وتشنع على عقيدة الخروج من النار بأنها أمنية يهودية كاذبة وبرق خُـلَّب ، وإذا تحدثت عن آكل الربا صرحت بخلوده في النار وإن تكلمت عن قاتل النفس صرحت بخلوده في النار وإن تحدثت عن الزاني صرحت بخلوده في النار ، وعدد طويلاً ، حتى ظهرت فينا نابتة من أهل الدين والشرف تدافع عن الزناة بأنهم سيدخلون الجنة ما داموا لم يجمعوا مع زناهم الشرك وقتل النفس ! فالله الله بالشفقة على المومسات وأهل الفجور؟

وهنا سأنقل طائفة من أقوال الرسول الكريم فيها والله كشف للغمة إن كان للحق من سامع وللحكمة من باحث ، أرجو أن ينظر إليها بعين التمحيص والبحث لا عين التحدي والمكابرة والبحث عن طريقة للروغان حول الحديث فكفى عناداً دهوراً طوالا . وهذه الأحاديث تبين حقيقتين:

أولاها : أن المتشدق بالإسلام ما دام لا يعمل عملاً صالحاً فهو ليس من المسلمين حقيقة وإن تستر تحت أعطافهم ودفن في مقابرهم .

وثانيها: مآل المُصر على الكبائر من أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم هو الحرمان من الجنة. وإليك الأحاديث فانصت بقلب سليم :

1. ( لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا وَيَعْرِفْ شَرَفَ كَبِيرِنَا) حديث صحيح رواه أبو داود وأحمد. فهذا بسبب سوء خلقه أخرجه الرسول الكريم من حضيرتنا معاشر المسلمين.

2. (لَيْسَ مِنَّا مَنْ خَبَّبَ امْرَأَةً عَلَى زَوْجِهَا أَوْ عَبْدًا عَلَى سَيِّدِهِ ) رواه أحمد وأبو داود . والتخبيب هو إفساد المرأة بكراهة زوجها .

3. ( لَيْسَ مِنَّا مَنْ حَلَقَ وَمَنْ سَلَقَ وَمَنْ خَرَقَ ) رواه أبو داود والحالق هنا هو من يحلق رأسه ولحيته عند المصيبة والسالق من يرفع صوته عندها.

4. ( لَيْسَ مِنَّا مَنْ غَشَّ ) رواه أحمد وأبو داود وابن ماجة وروايات أخرى عند مسلم وغيره بلفظ (غشنا) .

5. ( لَيْسَ مِنَّا مَنْ تَشَبَّهَ بِالرِّجَالِ مِنَ النِّسَاءِ وَلا مَنْ تَشَبَّهَ بِالنِّسَاءِ مِنَ الرِّجَالِ ) رواه أحمد وهذا اللفظ مما تفرد به وفيه رجل مبهم ولكن ذلك مما لا يضيره فللحديث توثيق بأحاديث أخرى كثيرة بأسانيد متينة تلعن المتشبهين من الرجال بالنساء ومن النساء بالرجال ، وهيهات لمن لعنه الله ورسوله أن يدخل الجنة فهو من الرحمة مطرود.

6. (إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا مَاتَ عُرِضَ عَلَيْهِ مَقْعَدُهُ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ إِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَمِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَمِنْ أَهْلِ النَّارِ فَيُقَالُ هَذَا مَقْعَدُكَ حَتَّى يَبْعَثَكَ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) رواه مالك وأحمد والبخاري ومسلم والنسائي فأين الفرار من هذا الحديث الذي يخاطب أهل الإسلام بأن بعضهم سيكون من أهل النار ؟! والملازمة شرط الأهلية ، فأهل النار ينادون {يا مالك ليقض علينا ربك} فيجيبهم {إنكم ماكثون}.

7. (.. وَإِنَّ أَبْغَضَكُمْ إِلَيَّ وَأَبْعَدَكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ الثَّرْثَارُونَ وَالْمُتَشَدِّقُونَ وَالْمُتَفَيْهِقُونَ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ عَلِمْنَا الثَّرْثَارُونَ وَالْمُتَشَدِّقُونَ فَمَا الْمُتَفَيْهِقُونَ قَالَ الْمُتَكَبِّرُونَ..) رواه الترمذي وأحمد وقال الترمذي حديث حسن ، فمرتكبوا الكبائر هؤلاء بغيضين إلى رسول الله بعيدين عنه يوم القيامة ، وليس بغيضاً إلى رسول الله بعيداً عن الرحمة رجل رضي الله عنه ومآله الجنة بعد حين لو كان الأمر كما زعموا !

8. ( بَشِّرْ هَذِهِ الْأُمَّةَ بِالسَّنَاءِ وَالرِّفْعَةِ وَالنَّصْرِ وَالتَّمْكِينِ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ عَمِلَ عَمَلَ الْآخِرَةِ لِلدُّنْيَا لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي الْآخِرَةِ نَصِيبٌ) رواه أحمد من عدة طرق ، ونصيب عظيم نصيب من يدخل الجنة ولو بعد عذاب أليم طويل ) .

9. (مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ ) رواه أحمد وأبو داود ، وهذا لم يرتكب إلا كبيرة وقد أخرجته من أمة الإسلام أصلاً.

10. (كُلُّ أُمَّتِي يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ إِلا مَنْ أَبَى قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَنْ يَأْبَى قَالَ مَنْ أَطَاعَنِي دَخَلَ الْجَنَّةَ وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ أَبَى) رواه البخاري وأحمد ، ومن أبى فقد ارتكب كبيرة بعصيانه الرسولَ صلى الله عليه وسلم وهو لذا لا يدخل الجنَّة .

11. (لأَعْلَمَنَّ أَقْوَامًا مِنْ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضًا فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَبَاءً مَنْثُورًا قَالَ ثَوْبَانُ يَا رَسُولَ اللَّهِ صِفْهُمْ لَنَا جَلِّهِمْ لَنَا أَنْ لا نَكُونَ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لا نَعْلَمُ قَالَ أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ وَيَأْخُذُونَ مِنَ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا ) رواه ابن ماجة وهو قوي الإسناد ، اخوته للمؤمنين وقيامه لليل لم ينفعه ولكن الله جعل عمله هباء منثوراً لا وزن له ؛ ومن جعل عمله هباء منثوراً كيف له أن يربح سلعة الله الغالية ؟!

12. (لا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَاطِعٌ ) رواه البخاري وعند أبي داود (لا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَاطِعُ رَحِمٍ )فقاطع الرحم لا يدخل الجنة وهو مرتكب كبيرة لا شرك.

13. (لا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَتَّاتٌ )رواه البخاري ومسلم والترمذي ،والقتات هو النمام وفي رواية عند مسلم : (لا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ نَمَّامٌ )

14. (لا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ لا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ ) رواه مسلم وأحمد. فالكبيرة حرمته دخول الجنة.

15. ( لا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ ) رواه مسلم.

16. ( ثَلاثَةٌ لا يَنْظُرُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْعَاقُّ لِوَالِدَيْهِ وَالْمَرْأَةُ الْمُتَرَجِّلَةُ وَالدَّيُّوثُ وَثَلاثَةٌ لا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ الْعَاقُّ لِوَالِدَيْهِ وَالْمُدْمِنُ عَلَى الْخَمْرِ وَالْمَنَّانُ بِمَا أَعْطَى) رواه النسائي بسند قوي، فانظر هداك الله بعين البصيرة لهؤلاء النفر الذين لا يدخلون الجنة ما سبب حرمانهم منها لا شركهم بل الكبائر.

17. (لا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ صَاحِبُ مَكْسٍ ) رواه أبو داود وأحمد والدارمي. وصاحب المكس هو الذي يأخذ الضرائب والعشور بغير حق.

18. ( لا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ الْجَوَّاظُ وَلا الْجَعْظَرِيُّ قَالَ وَالْجَوَّاظُ الْغَلِيظُ الْفَظُّ ) رواه أبو داود بإسناد عالٍ ورواه أحمد ، والجعظري الغليظ المتكبر. فسوء أخلاق هؤلاء حرمهم الجنة لا الشرك.

19. (لا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مُدْمِنُ خَمْرٍ ) رواه أحمد وابن ماجة. فإدمان الخمر لا الشرك حرم هذا الجنة.

20. (لا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ سَيِّئُ الْمَلَكَةِ ) رواه أحمد والترمذي وابن ماجة وطريق عثمان صحيحة ، وسيء الملكة هو من يسيء معاملة خدمه ، وسوء خلقه هذا حرمه الجنة لا الشرك.

21 (مَنِ ادَّعَى إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ وَهُوَ يَعْلَمُ فَالْجَنَّةُ عَلَيْهِ حَرَامٌ ) رواه البخاري ومسلم وأبو داود وابن ماجة وأحمد. فانظر إلى سبب حرمان هذا من الجنة أهو الشرك أم الكبيرة ؟!

22. ( مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ لَمْ يَتُبْ مِنْهَا حُرِمَهَا فِي الْآخِرَةِ ) رواه البخاري وعند مسلم (.. وَمَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فِي الدُّنْيَا فَمَاتَ وَهُوَ يُدْمِنُهَا لَمْ يَتُبْ لَمْ يَشْرَبْهَا فِي الْآخِرَةِ ) وفي رواية (إلا أن يتوب) وروى الحديث مالك والترمذي والنسائي وابن ماجة وأحمد والدارمي وعدد من شئت بعد ، وأسألك أيها القاريء الكريم بالله عليك أن تسائل نفسك : لماذا نصَّ الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام على وجوب التوبة كشرط لدخول الجنة ؟! أهناك تفسير يستسيغه المنطق السليم غير أن الكبيرة تخلد في النار ما لم تكن هناك توبة ؟!.

23. (لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ يَسْتَحِلُّونَ الْحِرَ وَالْحَرِيرَ وَالْخَمْرَ وَالْمَعَازِفَ وَلَيَنْزِلَنَّ أَقْوَامٌ إِلَى جَنْبِ عَلَمٍ يَرُوحُ عَلَيْهِمْ بِسَارِحَةٍ لَهُمْ يَأْتِيهِمْ يَعْنِي الْفَقِيرَ لِحَاجَةٍ فَيَقُولُونَ ارْجِعْ إِلَيْنَا غَدًا فَيُبَيِّتُهُمُ اللَّهُ وَيَضَعُ الْعَلَمَ وَيَمْسَخُ آخَرِينَ قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ) رواه البخاري والدليل في هذا الحديث أن هذه المنكرات هي ذنوب ارتكبها هؤلاء القوم – وهم طائفة من أمة محمد عليه الصلاة والسلام بنص الحديث – أودت بهم هذه الكبائر إلى أن مسخوا قردة وخنازير ! وكيف لخنازير وقردة أن تدخل الجنة من بعد ؟!

24. (مَنْ لَبِسَ الْحَرِيرَ فِي الدُّنْيَا فَلَنْ يَلْبَسَهُ فِي الْآخِرَةِ ) رواه البخاري ومسلم وغيرهما ، وانظر هداك الله فهذا لو كان يفعل ما يفعل من خير فإن الحرير عليه حرام في الآخرة كناية عن حرمة الجنة عليه ؛ فلمن دخل الجنة ما اشتهت نفسه {لهم ما يشاؤون فيها} ق.

25. ( مَنْ أَدْرَكَ وَالِدَيْهِ أَوْ أَحَدَهُمَا ثُمَّ دَخَلَ النَّارَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ وَأَسْحَقَهُ ) رواه أحمد بسند متين ، والشاهد في هذا أن كيف لصاحب الكبيرة هذا أن يدخل الجنة من بعد وهو قد حكم الله عليه بالسحق والبعد ؟! وثانيها أن بر الوالدين يحجب من دخول النار فأين تحلة القسم المزعوم ؟!.

26. (كَانَ بِرَجُلٍ جِرَاحٌ فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَقَالَ اللَّهُ بَدَرَنِي عَبْدِي بِنَفْسِهِ حَرَّمْتُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ)رواه البخاري.

27. (مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا) البخاري والنسائي وأبو داود وابن ماجة وأحمد من طريق ابن عمرو وأبي بكرة وأبي هريرة رضي الله عنهم وإن كانت طريق أبي هريرة ضعيفة فالأخريات يعضدنها.

28. بل ومن الصحابة من يرى خلود بعض أصحاب الكبائر في النار وإن تابوا ، فهذا ابن عباس عند النسائي وغيره بإسناد متين : عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ قُلْتُ لابْنِ عَبَّاسٍ هَلْ لِمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا مِنْ تَوْبَةٍ قَالَ لا وَقَرَأْتُ عَلَيْهِ الآيَةَ الَّتِي فِي الْفُرْقَانِ ( وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ ) قَالَ هَذِهِ آيَةٌ مَكِّيَّةٌ نَسَخَتْهَا آيَةٌ مَدَنِيَّةٌ (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ ) وهو يرى خلود قاتل النفس وإن تاب.

29. (خَطَبَنَا عَلِيٌّ رَضِي اللَّه عَنْه عَلَى مِنْبَرٍ مِنْ آجُرٍّ وَعَلَيْهِ سَيْفٌ فِيهِ صَحِيفَةٌ مُعَلَّقَةٌ فَقَالَ وَاللَّهِ مَا عِنْدَنَا مِنْ كِتَابٍ يُقْرَأُ إِلا كِتَابُ اللَّهِ وَمَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ فَنَشَرَهَا فَإِذَا فِيهَا أَسْنَانُ الإِبِلِ وَإِذَا فِيهَا الْمَدِينَةُ حَرَمٌ مِنْ عَيْرٍ إِلَى كَذَا فَمَنْ أَحْدَثَ فِيهَا حَدَثًا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ لا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُ صَرْفًا وَلا عَدْلًا وَإِذَا فِيهِ ذِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ وَاحِدَةٌ يَسْعَى بِهَا أَدْنَاهُمْ فَمَنْ أَخْفَرَ مُسْلِمًا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ لا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُ صَرْفًا وَلا عَدْلا وَإِذَا فِيهَا مَنْ وَالَى قَوْمًا بِغَيْرِ إِذْنِ مَوَالِيهِ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ لا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُ صَرْفًا وَلا عَدْلاً)رواه البخاري ومسلم والترمذي وأحمد من طريق علي وأنس وعمرو بن خارجة

وهناك أحاديث مستفيضة تذكر الخلود الأبدي في النار لمرتكبي الكبائر كالمنتحر وغيره ، ومراجعتها يسيرة اليوم بل ومعرفة صحيحها من غيره بأجهزة الحاسب وفيها بيان وأي بيان.

ويا أيها الناس تكفينا عن كل قول آية واحدة من كتاب الله سبحانه – لو كنا نسلم لله سبحانه في ما يقول من غير مماحكة –تنادي قائلة {وأما الذين فسقوا فمأواهم النار كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها} السجدة . ونحن نعلم أن كل أهل النار تسول لهم أنفسهم الخروج منها ولكن أنى لهم ذلك {ولهم مقامع من حديد . كلما أرادوا أن يخرجوا منها من غم أعيدوا فيها وذوقوا عذاب الحريق}الأنبياء. فإذا كان (سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ) متفق عليه وفي رواية (فِسْق). أفلا يكون ارتكاب الفواحش فسوقاً يشمل أصحابه الوعيد ؟! ويكفيك منها قوله تعالى : "رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ" آل عمران (92) مع قوله : "إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكَافِرِينَ" النحل (27) وتقريره أن الفاسق يدخل النار للآيات العامة الموعدة ، وكل من يدخل النار فهو مخزي للآية الأولى ، وكل مخزي كافر للآية الثانية وأيضا الْخِزْيَ في الآية مفرد محلى باللام وهو عام فظهر انحصار جميع الخزي في الكافر .

هذا وأسأل الله العفو والعافية والهدى والتقى والعفاف والغنى وأن يجيرنا من النار ومن الوقوع في معصيته وتعدي حدوده فإنه يقول :{ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله ناراً خالداً فيها وله عذاب مهين}النساء. ويقول :{ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم خالدين فيها أبدا} الجن. أسأل الله الستر يوم العرض إنه السميع القريب المجيب سبحانه وتعالى. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

ملاحظات :

(1) لا يلتبس على امرئ ما يجد في حديث جبريل ( مَنْ مَاتَ مِنْ أُمَّتِكَ لا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ أَوْ لَمْ يَدْخُلِ النَّارَ قَالَ وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ قَالَ وَإِنْ ) فهذا الحديث يعني أن الزنى والسرقة والآثام إلا الشرك لا تمنع من دخول الجنة ما سبق الممات توبة ، ولكن العودة للشرك بعد الإسلام لا تغفر وهو معنى الآية {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} والله أعلى وأعلم. أما اقتراف الزنى وعدم التوبة منه فقد توعد الله سبحانه عليه الخلود في النار {...ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما . يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهاناً . إلا من تاب وآمن وعمل عملاً صالحاً فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفوراً رحيماً} الفرقان. ولا عبرة بمن يقول أنه يلزم أن يجتمع الشرك وقتل النفس مع الزنا حتى يكون الخلود في النار فهذا القول بائن العوار ، فالله سبحانه وتعالى قد توعد على جريمة قتل النفس منفردة الخلود في النار {ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها } وتوعد على الشرك منفرداً الخلود فلماذا يحتاجان هنا لجمعٍ مع الزنا حتى يكتب الخلود ؟!

(2) هناك من يقول بأن المسلمين سيدخلون النار تحلة القسم ثم يخرجون ، وهذا كلام باطل مردود ، فالله سبحانه وتعالى يقول عن أهل النعيم {أولئك عنها مبعدون . لا يسمعون حسيسها وهم في ما اشتهت أنفسهم خالدون . لا يحزنهم الفزع الأكبر وتتلقاهم الملائكة} وأي مخلوق هذا الذي لا يحزنه دخول جهنم ولو للحظة ؟!! أما الاعتراض بما في سورة مريم من قوله تعالى {وإن منكم إلا واردها} فهو اعتراضُ مَن قرأ قوله تعالى {فويل للمصلين} مبتورة هكذا . فالسياق هناك سياق تهديد ووعيد للكافرين بداية من قوله تعالى {فوربك لنحشرنّهم والشياطين ثم لنحضرنهم حول جهنم جثيا} وأسلوب الالتفات وتغيير السياق من الغيبة للخطاب أسلوب عربي شهير، وله مقصد بلاغي عظيم فهو قد جاءهنا للمبالغة في التخويف، وقد جاء في مواضع أخرى من القرآن الكريم كقوله تعالى في سورة النساء : {وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم } ثم التفت القرآن الكريم في نفس الآية إلى المؤمنين أنفسهم تكريماً وتربية وتشريفاً فقال لهم بأسلوب الخطاب المباشر لا الغائب{ودَّ الذين كفروا لو تغفلون عن أسلحتكم وأمتعتكم فيميلون عليكم ميلة واحدة ولا جناح عليكم إن كان بكم أذى من مطر أو كنتم مرضى أن تضعوا أسلحتكم وخذوا حذركم ..} 102 واقرأ الآيتين بعدها فهما في نفس السياق.

(2) ولا يغرنك ما رواه البخاري في صحيحه: (أَخْرِجُوا مِنَ النَّارِ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ فَيُخْرَجُونَ مِنْهَا قَدِ اسْوَدُّوا فَيُلْقَوْنَ فِي نَهَرِ الْحَيَا أَوِ الْحَيَاةِ شَكَّ مَالِكٌ فَيَنْبُتُونَ كَمَا تَنْبُتُ الْحِبَّةُ فِي جَانِبِ السَّيْلِ أَلَمْ تَرَ أَنَّهَا تَخْرُجُ صَفْرَاءَ مُلْتَوِيَةً ) ففي إسناده إسماعيل بن عبدالله وهذا يكفي للحكم على هذا الحديث ، لا كما ادعوا صحة إسناده ، فبعضهم كذَّب إسماعيل هذا بل نصَّ ابن عدي : أنه يروي الغرائب عن خاله مالك كما تجده في تهذيب التهذيب ج1 ص157 طبعة مؤسسة الرسالة .

هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فهناك أحاديث صريحة تبين حرمة المسلمين الموفين على النار فلا يدخلوها أبداً كقوله صلى الله عليه وسلم (لا يَشْهَدُ أَحَدٌ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ فَيَدْخُلَ النَّارَ أَوْ تَطْعَمَهُ) رواه مسلم فهذه ولا بد شهادة خامرت القلب فصلح فتحركت الجوارح بما يرضي الله وانتهت عماَّ حرَّم فهي لا تدخل النار أبداً، وإلا فإن أحاديث كثيرة كما رأينا تذكر مسلمين هم من أهل النار لم تنفعهم اللقلقة باللسان من دخول النار. سبحانك اللهم وبحمدك نشهد أن لا إله إلا أنت نستغفرك ونتوب إليك. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

أبو البراء 

دروس في العقيدة الإسلامية

مقدمة

الحمد لله الذي بأنوار حكمته استضأت السماوات والأرض ومن فيهن ، والصلاة والسلام على المبعوث بدعوة التوحيد وآله وصحابته الغر الميامين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين . أما بعد

فلقد كان اهتمام المصطفى _ صلى الله عليه وسلم_ بالدعوة إلى عقيدة التوحيد والحث على تعليمها وتعلمها منطلقا للمسلمين للإهتمام بهذا الجانب ، ولهذا ظهرت لعلماء الإسلام مدونات كثيرة تتناول مواضيع التوحيد ، ومناقشة أصحاب الديانات والفرق المنحرفة عن توحيد الله . ولقد كان لتلك المدونات أثرها في إثراء الفكر الإسلامي ، وقد تنوعت مناهج المؤلفين فيها ، بحسب المواضيع المطروحة وبحسب القضايا التي تناولوها ، فمنها ما كان يعتمد على أسلوب الحوار ، ومنها ما كان يكتفي بعرض القضايا العقدية مباشرة . وقد ظهرت هذه المدونات من حيث مادتها بين المطول ، وبين المختصر .

وقد رغبت في إعداد مختصر يتناول بعض القضايا العقائدية ، ليكون نبراسا للناشئة من طلبة العلم ، يغترفون منه مايحتاجون إليه من فوائد .

وقد اتبعت فيه أسلوب السؤال والجواب لتسهل الإستفادة منه .

فأسأل الله_ جل وعلا_ أن يبارك فيه وأن يوفق للإستفادة والإنتفاع منه ، وأن يجعله خالصا لوجهه الكريم ، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم ، والحمد لله رب العالمين .

عبدالله بن سليمان بن عبدالله الريامي

غرة ربيع الأول/1418هـ

الدرس الأول: أهمية العقيدة الإسلامية

س1/ ما المقصود بكلمة العقيدة ؟

ج1/ العقيدة لغة: نقيض الحل. نقول: عقد الحبل يعقده بمعنى شده . ثم استعمل في التصميم والإعتقاد الجازم .

اصطلاحا: مجموعة من المسلمات والمباديء يعتقدها القلب ويسلم بها يقينا لايخالطه الشك .

س2/ لماذا كانت دراسة العقيدة مهمة ؟

ج2/ العقيدة الإسلامية لها أهمية في حياة المسلم ، فالعقيدة الصحيحة في القلب كالبذرة الحية في الثرى: ينتج الإعتقاد عملا صالحا كما تنتج تلك البذرة ثمرا طيبا . والعقيدة الإسلامية مهمة في حياتنا لأنها تعطينا التصور الصحيح للكون والحياة والإنسان وتوجهنا الوجهة الصحيحة لحمل رسالتنا في هذه الحياة ، وتأتي أهمية العقيدة الإسلامية في حياتنا من حيث ارتباطها بتوحيد الخالق_ جل وعلا_ ، وإفراده بالعبودية ووصفه بالكمال وتنزيهه عن النقائص . كل هذا له أهمية كبيرة ، لأن التوحيد هو الأساس الأول في التصور الإسلامي ، فبدون التوحيد لا يقبل الله_ عز وجل_ من الإنسان عملا ، بل كل عمل يعمله الإنسان بدون توحيده لله _ عز وجل_ يكون هباءا منثورا. قال تعالى?وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباءا منثورا) . ولهذا كان دعوة كل رسول من رسل الله_ عليهم السلام إلى توحيد الخالق - جل وعلا . قال تعالى:(ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت) . وقال تعالى:( وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لاإله إلا أنا فاعبدون) .

س3/ اقرأ الحديث النبوي الآتي . ثم أجب عن الأسئلة التي بعده .

جاء في الحديث النبوي. أبوعبيدة عن جابر بن زيد عن ابن عباس قال: خرج رسول الله _ صلى الله عليه وسلم _ ذات يوم إلى المسجد فوجد أصحابه عِزين يتذاكرون فنون العلم فأول حلقة وقف عليها وجدهم يقرؤن القرآن فجلس إليهم . فقال:( بهذا أرسلني ربي) ثم قام إلى الثانية فوجدهم يتكلمون في الحلال والحرام فجلس إليهم ولم يقل شيئا ، ثم قام إلى الثالثة فوجدهم يذكرون توحيد الله_ عزوجل_ ونفي الأشباه والأمثال عنه فجلس إليهم كثيرا ثم قال: (بهذا أمرني ربي) قال جابر: لأن التوحيد معرفة الله _ عزوجل_ ومن لايعرف توحيد الله فليس بمؤمن .

أ_ استخرج من الحديث النبوي مايدل على حرص الصحابة على طلب العلم ؟

ب_ لماذا جلس الرسول _ صلى الله عليه وسلم كثيرا في الحلقة الثالثة ؟ وعلام يدل ذلك ؟

ج_ اشرح عبارة الإمام جابر بن زيد الآتية: (ومن لايعرف توحيد الله فليس بمؤمن) .

ج3/أ / فوجد أصحابه عِزين يتذاكرون فنون العلم .

ب/ لأنه وجدهم يتذاكرون التوحيد الذي أمره ربه بالدعوة إليه .

ج /أي أن الإيمان يقوم على توحيد الله_ جل وعلا . وهذا الإيمان أساس قبول الأعمال عند الله_ جل وعلا.

الدرس الثاني: خصائص العقيدة الإسلامية

س1/ مامعنى خصائص العقيدة الإسلامية ؟

ج1/ الميزات التي تتميز بها عن غيرها من العقائد . أي التي لاتتوفر في غيرها .

س2/ ماهي خصائص العقيدة الإسلامية ؟

ج2/ أ_ ربانية .

ب_ موافقة للعقل وللفطرة .

ج_ شاملة .

د_ واضحة .

هـ_ متوازنة .

س3/ وضِح معنى: ربانية العقيدة الإسلامية ؟

ج3/ أي ان مصدرها من عند الله_جل وعلا .

س4/ كيف كانت ربانية العقيدة الإسلامية خاصية من خصائصها ؟

ج4/ لأن الإسلام هو التصور الإعتقادي السماوي الوحيد الباقي على أصله الرباني لم يدخله التحريف والتبديل ، وذلك لأن الله_عزوجل تكفل بحفظة.قال تعالى:( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ) . أما التصورات السماوية التي جاءت بها الديانات قبله ، فقد دخلها التحريف والتبديل أما هذا الكتاب فقد وصفه الله_جل وعلا بقوله:(وإنه لكتاب عزيز . لايأتيه الباطل من بين يديه ولامن خلفه تنزيل من حكيم حميد ) .

س5/ ماأهمية ربانية العقيدة الإسلامية ؟

ج5/ أهميتها تأتي من أنها تحمل الكمال ، لأن الله _جل وعلا_ متصف بالكمال وتحقق عمارة الكون لأن الخالق _ جل وعلا_ عالم بما يصلح هذا الكون. قال تعالى:( ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير) . بخلاف غيرها من العقائد الصادرة عن البشر فإنها عاجزة وقاصرة بحسب الأفهام والمدارك المحدودة لأولئك البشر وبحسب أهوائهم . فالإنسان محكوم من حيث طبيعته أنه مخلوق حادث: ليس أزليا ولاأبديا ، كما ان إدراكه يكون محدودا بما تحده به طبيعته البشرية .

س6/ كيف كانت العقيدة الإسلامية موافقة للعقل وللفطرة ؟

ج6/ ان العقيدة الإسلامية تدعو للتوحيد وهذا موافق لعقل الإنسان ويتلائم مع فطرته . فكل ما يخالف عقيدة التوحيد يصطدم مع العقل ويشتته ، لأنه لوكان في الكون إلهين لفسد الكون واختل نظامه . قال تعالى:(لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا) ، وقال تعالى:( وماكان معه من إله إذا لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على سبحان الله عما يصفون) . كما أن هذه العقيدة تحارب الخرافات والتقليد الأعمى وتأمر بإثبات الحقائق وفق البراهين والحجج القاطعة ، وأخذ الأمور عن طريق الإقتناع ، والطاعة عن بصيرة لاعن عماية .

س7/ ماوجه شمولية العقيدة الإسلامية ؟

ج7/ شملت العقيدة الإسلامية في تناولها وبيانها كل مايتعلق بهذا الكون . فتناولت:

أ_ توحيد الخالق _ جل وعلا_ وأسمائه وصفاته الكمالية ، وشمول إرادته وتدبيره وهيمنته لكل شيء .

ب_ الإيمان برسل الله _عليهم السلام _ وبكتبه المنزلة .

ج _ بيان ماهو خارج عن حواس الإنسان الا وهو الإيمان بعالم الغيب كالايمان بالملائكة والإيمان باليوم الآخر .

د_ تناولت حقيقة الكون والحياة والإنسان ، فبينت: أن هذا الكون مخلوق لله_جل وعلا_ مسخر لهذا الإنسان لعمارته وللإستدلال به على مظاهر القدرة الإلهية ، وأن هذه الحياة الدنيا تعقبها حياة أخرى أبدية ينتهي فيها الإنسان إما إلى الجنة وإما إلى النار . وعن حقيقة الإنسان تناولت كل ما يتعلق ببيان أصل الإنسان ونهايته ، وطبيعته ونشأته ، وعلاقة هذا الإنسان بخالقه من إخلاص العبودية لله_ جل وعلا_ في كل شأن من شئونه ، وتوجيه العقل البشري الوجهة الصحيحة للإعتقاد الصحيح من خلالا النظر والتفكر في هذا الكون وفي الأنفس .

س8/ ماسر شمولية العقيدة الإسلامية ؟

ج8/ السر يعود لمصدرها وربانيتها .

س9/ وضح العبارة الآتية: العقيدة الإسلامية عقيدة واضحة .

ج9/ بمعنى أنها عقيدة سهلة لاخفاء فيها ولاغموض ، غايتها توحيد الله _جل وعلا_ وتنزيهه عن العجز والنقائص ونفي الأشباه والشركاء عنه ، كذلك فهي واضحة من حيث التكليف ومسئولية الإنسان: فكل إنسان مسئول عن عمله.قال تعالى:(كل نفس بما كسبت رهينة) .

س10/ مامظاهر التوازن في العقيدة الإسلامية ؟

ج10/ التوازن بين الإيمان بعالم الغيب وكل ما لاتراه الأبصار، والإيمان بعالم المشاهدة ، والتوازن بين طلاقة المشيئة الإلهية وثبات السنن الكونية ، فالمشيئة الإلهية تبدع كل شيء بمجرد توجهها لإبداعه.قال تعالى:(إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون) ، والتوازن في مصادر المعرفة بين الوحي والنص وبين صفحة الكون المشهود عن طريق النظر العقلي( أي التوازن بين الوحي والعقل) . والتوازن بين فاعلية الإنسان وفاعلية الكون ، فالكون والإنسان من إبداع الخالق _ جل وعلا. والإنسان مطالب في هذه الدنيا بأن يعمل لأخرته ، ولاينسى نصيبه من الدنيا . يقول الحق _ جل شآنه:( وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولاتنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك ولاتبغ الفساد في الأرض إن الله لايحب المفسدين) .

 

الدرس الثالث: معنى الإيمان والإسلام

س1/ وضح معنى المصطلحات الآتية:

أ_ الإيمان .

ب_ الإسلام .

ج1/ أ_ الإيمان.لغة: التصديق . واصطلاحا: هو التصديق بالجنان مع الإقرار باللسان وإظهار العمل بالأركان .

ب_ الإسلام: هو الخضوع والإلتزام لأوامر الله وتشريعاته والعمل بأحكامه .

س2/ ماهي طرق الإيمان ؟

ج2/ طرق الإيمان ثلاث هي:

أ_ الإدراك الفطري .

ب_ النظر العقلي .

ج_ الوحي الإلهي .

س3/ ماهي أركان الإيمان ؟ أيد إجابتك بحديث نبوي .

ج3/ أ_ الإيمان بالله . ب_الإيمان بالملائكة . ج_ الإيمان بالكتب المنزلة من عند الله . د_ الإيمان برسل الله . هـ_ الإيمان بالبعث . و_ الإيمان بالقدر كله .

الدليل:عن أبي هريرة قال: سئل رسول الله_ صلى الله عليه وسلم_ عن الإيمان فقال:( أن تؤمن بالله وملائكته وكتابه ولقائه ورسله وتؤمن بالبعث وتؤمن بالقدر كله) .

س4/ اشرح العبارة الآتية: الإيمان كلا لايتجزأ .

ج/4 أي ان الإيمان هو ماوقر في القلب وصدقه العمل الصالح . فلا يصلح الإيمان بدون عمل صالح .

س5/ قال تعال:( قد أفلح المؤمنون . الذين هم في صلاتهم خاشعون . والذين هم عن اللغو معرضون . والذين هم للزكاة فاعلون . والذين هم لفروجهم حافظون . إلاعلى أزواجهم أو ماملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين . فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون . والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون . والذين هم على صلواتهم يحافظون. أولئك هم الوارثون . الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون) .

استخرج من هذه الآيات:

أ_ صفات المؤمنين .

ب_ فضل الإتصاف بصفات المؤمنين .

ج5/ أ_ (1) الإيمان بالله . (2)الخشوع في الصلاة . (3) الإبتعاد عن اللغو . (4) تأدية الزكاة . (5) حفظ الفرج من الزنا. (6)حفظ الأمانة. (7)المحافظة على الصلاة في أوقاتها .

ب_ الفوز بجنة الفردوس .

س6/ ثلاث أمور إن وجدها المسلم وجد حلاوة الإيمان . اذكرها مؤيدا إجابتك بحديث نبوي ؟

ج6/ أ_ أن يكون الله ورسوله أحبّ إليه مما سواهما .

ب_ أن يحب المرء لايحبه إلا لله .

ج_ أن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار .

الدليل: عن أنس بن مالك _ رضي الله عنه_ عن النبي _ صلى الله عليه وسلم_ قال:(ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان أن يكون الله ورسوله أحبّ إليه مما سواهما ، وأن يحب المرء لايحبه إلا لله ، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار ) .

س7/ مالدليل على وجوب اتباع دين الإسلام ؟

ج7/ قال تعالى:( ورضيت لكم الإسلام دينا) . وقال تعالى:(من يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين) .

س8/ عدد الأركان الخمسة التي بني عليها دين الإسلام ؟ . مؤيدا إجابتك بحديث نبوي .

ج8/ أ_ شهادة أن لاإله إلا الله وأن محمدا رسول الله . ب_ إقام الصلاة . ج_ إيتاء الزكاة . د_ صوم رمضان . هـ_ حج البيت لمن استطاع إليه سبيلا .

الدليل: قال صلى الله عليه وسلم:( بني الإسلام على خمس: شهادة أن لاإله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلا) .

س9/ ماالذي نأخذه من الحديث النبوي الآتي . عن أبي موسى _ رضي الله عنه_ قال: قالوا يارسول الله أي الإسلام أفضل . قال:(من سلم المسلمون من لسانه ويده ) ؟

ج9/ أن من خصائص الإسلام كف الأذى وإزالته .

س10/ ماذا كان جواب سيدنا محمد _ صلى الله عليه وسلم لمن سأله: أي الإسلام خير ؟ ؟

ج10/ اطعام الطعام ، وإقراء السلام . فعن عبدالله بن عمر _ رضي الله عنهما_ أن رجلا سأل النبي _ صلى الله عليه وسلم_ أي الإسلام خير ؟ قال:( تطعم الطعام وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف) .

 

الدرس الرابع: كلمة التوحيد وفضلها

س1/ ماأول مايكلف به الإنسان بعد البلوغ ؟

ج1/ الإقرار بالوحدانية لله_عزوجل .

س2/ وضِح المقصود بالتوحيد ؟

ج2/ التوحيد معناه الإفراد . أي الإعتقاد بوحدانية الله_ جل وعلا_ وإفراده بالعبودية والطاعة .

س3/ ماهو نقيض التوحيد ؟

ج3/ نقيض التوحيد هو الإشراك بالله_جل وعلا .

س4/ ما المقصود بكلمة التوحيد ؟

ج4/ يقصد بها: شهادة أن لاإله إلا الله وأن محمدا رسول الله وأن ماجاء به محمد هو الحق من عند الله . وسميت بكلمة التوحيد لدلالتها على التوحيد ونفي الشريك عن الله_ جل وعلا .

س5/لماذا تسمى كلمة التوحيد بكلمة الإخلاص ؟

ج5/ سميت كلمة التوحيد بكلمة الإخلاص لأن الأصل في هذه الكلمة عمل القلب .

س6/ مالذي تستلزمه كلمة التوحيد ؟

ج6/ تستلزم كلمة التوحيد الخضوع لدين الإسلام .

س7/ اذكر آيات قرآنية وأحاديث نبوية تبين فضل كلمة التوحيد ؟

ج7/ لكلمة التوحيد فضل عظيم عند الله_عزوجل_ كما بينت ذلك الآيات الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة . فالحق _جل شآنه_ قد شهد لنفسه بالوحدانية .قال تعالى:(شهد الله أنه لاإله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط لاإله إلا هو العزيز الحكيم ) . وقدم الحق_جل شآنه_ العلم بالوحدانية على الإستغفار . قال تعالى:( فاعلم أنه لاإله إلا الله واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات) . كما أن هذه الكلمة سبب للنجاة كما يتضح ذلك لنا من خلال قصة سيدنا يونس _عليه السلام_ قال تعالى:( فنادى في الظلمات أن لاإله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين . فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين) . وهذه الكلمة هي أفضل الذكر ، كما يبين ذلك قول النبي_ صلى الله عليه وسلم_:(أفضل الذكر لاإله إلا الله ، وأفضل الدعاء الحمد لله) . وقال _ صلى الله عليه وسلم_: ( أفضل كلمة قلتها أنا والنبيين من قبلي لاإله إلا الله ) .

س8/ متى تكون كلمة التوحيد سببا في دخول الجنة ؟

ج8/ إذا قالها صاحبها مخلصا بها لله _عزوجل . قال_صلى الله عليه وسلم_:(من قال لاإله إلا الله مخلصا دخل الجنة ، قيل يارسول الله: وما إخلاصها ؟ قال: أن تحجز عن المحارم ) .

/أعلى الصفحة

الدرس الخامس: السؤالات الممتنعة عن الله جل وعلا

س1/ كيف ينبغي علينا أن نصف الله_جل وعلا ؟

ج1/ ينبغي علينا أن نصفه بالكمال وننزهه عن العجز والنقائص .

س2/ كيف نستدل على وجود الخالق ؟

ج2/ من خلال مظاهر قدرته في الآفاق وفي الأنفس .

س3/ مالألفاظ التسع الممتنع السؤال بها عن الله_جل وعلا ؟

ج3/ متى ، كيف ، كم ، هل ، ما ، من ، أي ، أين ، لم .

س4/ لماذا لايسأل عن الله_ جل وعلا_ بـ(متى) ؟

ج4/ لأن(متى) يستفهم بها عن الزمان الذي كان فيه الشيء أو يكون ، والله تعالى أزلي أبدي لايحويه الزمان ، بل هو خالق الزمان .

س5/لماذا لايسأل عن الله_ جل وعلا_بـ(كيف) ؟

ج5/ لأن كيف يستفهم بها عن الحال التي عليها المسؤول عنه . نقول.مثلا: كيف زيد ؟ فيجاب: صحيح أو سقيم . وتحول الأحوال نقيصة في حقه تعالى ، وبالتالي يستحيل نسبتها إليه عزوجل .

س6/لماذا لايسأل عن الله_ جل وعلا_بـ(كم) ؟

ج6/ السؤال بـ(كم) يفترض التعدد. نقول مثلا: كم كتابا قرأت ؟. فيجاب: ثلاثة _مثلا . والله تعالى واحد أحد فرد صمد ، لايصح الشك في وحدانيته .

س7/ لماذا لايسأل عن الله_ جل وعلا_ بـ(هل) ؟

ج7/ هل: سؤال عن التصديق بالنسبة إلى وجود الشيء أو عدم وجوده . والوجود صفة واجبة في حقه تعالى ، فيستحيل السؤال عنه بـ (هل) .

س8/لماذا لايسأل عن الله_ جل وعلا_ بـ(ما) ؟

ج8/ (ما): يستفهم بها عن حقيقة الشيء . فنقول مثلا: مالجبل ؟ . فيجاب: حجر . والله_عزوجل_ لايسأل عن ذاته ، لأنه يستحيل إدراك ذاته_جل وعلا.

س9/لماذا لايسأل عن الله_ جل وعلا_ بـ (مَن) ؟

ج9/لأن (مَن): يستفهم بها عن جنس الشيء . نقول مثلا: مَن زيد ؟ . فيجاب: العربي أو الأعجمي أو البربري .. وغير ذلك . والله تعالى منزه عن التشبيه وعن الجنسية .

س10/لماذا لايسأل عن الله_ جل وعلا_ بـ(أي) ؟

ج10/ لأن (أي) يستفهم بها عن:الشيئين المشتركين في حكم ، كما يستفهم بها عن أجزاء النفس ، والحق _جل شآنه لاشريك له واحد في ذاته ، لاقسيم له ولا أجزاء .

س11/لماذا لايسأل عن الله_ جل وعلا_ بـ(أين) ؟

ج11/لأن(أين): يستفهم بها عن المكان ، والمكان خلق من خلق الله_ جل وعلا _ والله جلّ وعلا أن يحويه مكان .

س12/لماذا لايسأل عن الله_ جل وعلا_ بـ(لِمَ) ؟

ج12/ تكون(لِمَ): للإستفهام عن العلة التي كان لأجلها المستفهم عنه .والله _عزوجل_ منزه عن العلية: فلا علة لوجوده _ جل وعلا .

أعلى الصفحة

الدرس السادس: الأسماء والصفات

س1/ ما المقصود بأسماء الله تعالى ؟

ج1/ يقصد بها المعاني الدالة عليه _ جل وعلا .

س2/ بماذا نصف الله_جل وعلا ؟

ج2/ نصف الله_ جل وعلا_ بما وصف به نفسه من الصفات الكمالية وننزهه عن كل صفة من صفات النقص .

س3/اشرح قول الرسول_صلى الله عليه وسلم:(إن لله تسعا وتسعين اسما مائة إلا واحدا من أحصاها دخل الجنة ) .

ج3/ معناها: أن من علم هذه الأسماء واستشعر عظمتها من وصف خالقه بها وتنزيهه عن كل نقص .

س4/ قال تعالى:( ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه سيجزون ماكانوا يعملون) . أجب عن الأسئلة الآتية:

أ_ مامعنى قوله تعالى:( فادعوه بها) .

ب_ كيف يكون الإلحاد في اسماء الله_جل وعلا .

ج4/ أ_ أي سموا الله _عزوجل_ ونادوه بهذه الأسماء الحسنى .

ب_ يكون الإلحاد بالاشتقاق منها لغيره إشراكا به . كا:اللات من الله ، والعزى من العزيز ، ومناة من منان . ومن الإلحاد تسمية الله_ جل وعلا بما لايجوز أو وصفه _جل وعلا_ بصفات المخلوقين .

س5/ما المقصود بقولنا: أسماء الله هي عين ذاته ؟

ج5/أي مدلول هذه الأسماء هي الذات العلية .

س6/ ما الذي يستلزم القول بأن: صفات الباريء هي غيره وليست عين ذاته ؟

ج6/ يستنلزم احدى ثلاثة أمور:

أ_ إما أن تكون موجودة قبله . وهو باطل لاستلزامه أن يكون الله حادثا _ تعالى الله عن ذلك .

ب_ إما أن تكون موجودة بعده وهو باطل لاستلزامه أن تكون الذات العلية قبل وجود الصفات غير متصفة بالكمالات ، فيلزم اتصافها بالنقص .

ج_ وإما أن تكون مقارنة له في الوجود وهو باطل لاستلزامه تعدد القدماء .

س7/ ما الصفات الواجبة في حقه تعالى ؟

ج7/أي التي يجب وصف الله_جل وعلا_ بها. وهي الصفات الكمالية في حقه تعالى . كا: الوجود ، والقدم ، والأزلية ، والأبدية ، والحياة ، والعلم .

س8/ ما الصفات المستحيلة في حقه تعالى ؟

ج8/ أي التي لايجوز أن يوصف بها _جل وعلا _ كا: الحدوث ، والعدم ، والفناء ، والجهل ، والعجز ، ومشابهة المخلوقين .

س9/ ما الصفات الجائزة في حقه تعالى ؟

ج9/التي يجوز فعلها أو تركها ، ولايوصف بها الله_ جل وعلا_ إلا إذا فعلها . كا: الإحياء ، والإماتة ، وبعث الرسل ، وإنزال الكتب .

أعلى الصفحة

الدرس السابع: الأنبياء والرسل

س1/ ما الفرق بين النبي والرسول ؟

ج1/ النبي في اللغة. وصف مأخوذ من(النبأ) وهو الخبر ، وقيل: مأخوذ من(النبوة) وهي الرفعة والشرف وقيل: مأخوذة من (النباوة) وهي المكان المرتفع . و اصطلاحا: من أوحي إليه بشرع لم يؤمر بتبليغه . فإن أمر بتبليغه كان رسولا . مثاله: نبيء سيدنا محمد _ صلى الله عليه وسلم _ في سورة (اقرأ) وأمر بقرآتها في نفسه ، ولم يؤمر بالتبليغ . ثم أرسل حين أنزلت عليه سورة (المدثر ) .

والرسول في اللغة: المبعوث بالرسالة والموجه لغيره . واصطلاحا: من أوحي إليه بشرع والزم بتبليغه. قال تعالى: ( ياأيها الرسول بلغ ماأنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته )

س2/ما الدليل القرآني على كل مما يلي:

أ_ النبوة اصطفاء من الله_ جل وعلا .

ب_ كفر منكر الإيمان برسل الله_عليهم السلام .

ج_ تفاضل الرسل بعضهم على بعض .

ج2/ أ_ قال تعالى:( الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس إن الله سميع بصير) . وقال تعالى:(إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين) . وقال تعالى مخبرا عن بعض الرسل_عليهم السلام_ : ( وإنهم عندنا لمن المصطفين الأخيار ) .

ب_ قال تعالى:( إن الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا . أولئك هم الكافرون حقا وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا ) .

ج_ قال تعالى:(تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض) . وقال تعالى:(ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض وآتينا داود زبورا ) .

س3/ ما الحكمة من بعث الرسل_عليهم السلام ؟

ج3/ هداية الناس الى الصراط المستقيم ، وانقاذهم من الضلالات والبدع . قال تعالى:(لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط) . وقال تعالى:( هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين ) .

س4/ بماذا يؤيد الله _ جل وعلا_ رسله_عليهم السلام ؟

ج4/ يؤيدهم بالمعجزات . والمعجزة هي: الأمر الخارق عن عادات البشر والتي لايمكن لأحد من البشر إتيانها إلا بقدرة الله .

س5/ ما الصفات الواجبة في حق الرسل_عليهم السلام ؟

ج5/ هي الصفات الملازمة للرسل والمؤهلة لهم لحمل رسالة ربهم . وهي:

أ_ الصدق . ب_ الأمانة . ج_ التبليغ عن ربهم . د_ رجاحة العقل . هـ_ قوة الحفظ . و_ العصمة .

س6/ مالصفات المستحيلة في حق الرسل_عليهم السلام ؟

ج6/ هي الصفات الممتنع اتصاف الرسل _عليهم السلام _ بها . مثل:

أ_ الكذب . ب_ الخيانة . ج_ الجنون . د_ كثرة النسيان . هـ_الوقوع في الِريب . و_ الغفلة .

س7/ مالصفات الجائزة في حق الرسل_عليهم السلام ؟ أيد إجابتك بدليل قرآني .

ج7/ هي الصفات التي جبل عليها البشر، والتي لاتؤثر في طبيعة الرسالة ، وقد خير الرسل _عليهم السلام _ في فعلها وتركها بحسب ما تتطلبه حياتهم البشرية . مثل:

أ_ الأكل والشرب . ب_ النوم واليقظة . ج_ النكاح والطلاق . د_ مخالطة الناس . هـ_ البيع والشراء . و_ الصحة والمرض . ز_الموت والبعث يوم القيامة .

قال تعالى:( وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى إلا أن قالوا أبعث الله بشرا رسولا . قل لو كان في الأرض ملائكة يمشون مطمئنين لنزلنا عليهم من السماء ملكا رسولا ) . وقال تعالى:( وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا أنهم ليأكلون الطعام ويمشون في الأسواق) .وقال تعالى:( ولقد أرسلنا رسلا من قبلك وجعلنا لهم أزواجا وذرية) . وقال تعالى:(وأيوب إذ نادى ربه أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين . فاستجبنا له فكشفنا مابه من ضر وآتيناه أهله ومثلهم معهم رحمة من عندنا وذكرى للعابدين) . وقال تعالى:(وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفئن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين) .

س8/ لماذا أطلق على سيدنا إبراهيم وموسى وعيسى ونوح _عليهم السلام_ بأولي العزم من الرسل ؟

ج8/ اطلق عليهم ذلك لكثرة مالاقوه من تعنت أقوامهم ومانالوه منهم من إيذاء .

س9/ ماأهمية الإيمان برسل الله_ عليهم السلام ؟

ج9/ الإيمان برسل الله_ عليهم السلام_ يدفع المؤمن لطاعة الله ، كما يدفعه للتأسي والإقتداء برسل الله_ عليهم السلام _ وتخصيص الإيمان بسيدنا محمد_صلى الله عليه وسلم _ له أهميته الخاصة حيث يكون ذلك دافعا له لطاعته _ صلى الله عليه وسلم _ والتحاكم لشرعه والرضا بكل ماجاء به .

أعلى الصفحة

الدرس الثامن: الإيمان بسيدنا محمد_صلى الله عليه وسلم

س1/ ما الدليل على امتنان الله _عزوجل_ لهذه الأمة بمبعث سيدنا محمد_ صلى الله عليه وسلم_ ؟

ج1/ قال تعالى:( لقد منّ الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين ) . وقال تعالى:( واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداءا فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون) .

س2/ لماذا يخص الإيمان بسيدنا محمد _صلى الله عليه وسلم _ من بين الإيمان بجملة الرسل _عليهم السلام ؟

ج 2/ لأن سيدنا محمد _صلى الله عليه وسلم _ هو خاتم الأنبياء والمرسلين ، ولأننا أمرنا بطاعته والإقتداء به واستنان سنته واتباع ماأمر به . قال تعالى:( ياأيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا) . وقال تعالى:( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجوا الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا ) . وحذرنا الحق _جل شآنه_ من مخالفة أمره فقال تعالى:(فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم ) .

س3/ كيف يكون الإيمان بسيدنا محمد_ صلى الله عليه وسلم ؟

ج3/ يكون بالتصديق الذى لايخالجه شك في أنه نبي من عند الله_ عزوجل_ وأن ماجاء به حق من عند الله . ويكون بمحبته _ صلى الله عليه وسلم_ هذه المحبة التي تقتضي طاعته واتباعه فيما ماأمر به ، واجتناب مانهى عنه ، والتخلق بأخلاقه والتأسي به . قال تعالى:( قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم ) .

س4/ ما الدليل القرآني على ختم الرسالات السماوية بمبعث سيدنا محمد_صلى الله عليه وسلم ؟

ج4/ قال تعالى:( ماكان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين) .

س5/ أكمل الحديث النبوي الآتي. قال صلى الله عليه وسلم:(مثلي ومثل الأنبياء قبلي كمثل رجل بنى بيتا فأحسنه وأجمله إلا موضع لبنة من زاوية من زواياه ، فجعل الناس يطوفون ويتعجبون له ويقولون هلا وضعت هذه اللبنة ، فأنا اللبنة ، وأنا...) .

ج5/ التكملة:(... خاتم النبيين ) .

س6/ ما الدليل على عالمية رسالة سيدنا محمد _ صلى الله عليه وسلم ؟

ج6/ قال تعالى:( قل ياأيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا ) . وقال تعالى:( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) . وقال تعالى:(تبارك الذي نزل الفرقان ليكون للعالمين نذيرا ) . وقال تعالى:(وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا ) .

أعلى الصفحة

الدرس التاسع: الإيمان بالكتب المنزلة

س1/ كيف يكون الإيمان بكتب الله _عزوجل ؟

ج1/ يكون الإيمان بها بأن نصدق بأنها من عند الله ، ونخص من بينها بالإيمان القرآن الكريم .

س2/ لماذا نخص القرآن الكريم بالإيمان من بين الكتب المنزلة من عند الله تعالى ؟

ج2/ لأنه آخر كتب الله _عزوجل_ المنزلة ، ولأننا أمرنا باتباعه والتحاكم إليه وتحكيمه .

س3/ ماعاقبة العمل ببعض أحكام القرآن وتنحية البعض الآخر ؟ أيد إجابتك بدليل قرآني .

ج3/ عاقبة ذلك الخسران والخزي في الحياة الدنيا وفي الآخرة ، وقد عاب الله_ عزوجل_ هذا المسلك فقال تعالى: ( أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون . أولئك الذين اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة فلا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينصرون ) .

س4/ ما الدليل القرآني على مايلي:

أ_ إعجاز القرآن الكريم .

ب_ وجوب التحاكم إلى القرآن الكريم .

ج_ هيمنة القرآن الكريم على الكتب السماوية السابقة .

ج4/ أ_ إن الله _ عزوجل _ تحدى أن يؤتى بمثل هذا القرآن أو بعشر سور من مثله أو بسورة واحدة فعجز أرباب الفصاحة والبلاغة . قال تعالى:( قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لايأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا) . وقال تعالى:( فأتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين) . وقال تعالى:(وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهدائكم من دون الله إن كنتم صادقين . فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين ) .

ب_ تعالى:( فلا وربك لايؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لايجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما ) . وقال تعالى:( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) .

ج_ قال تعالى:( وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لمابين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه) .

أعلى الصفحة

الدرس العاشر: الإيمان بالملائكة

س1/ من هم الملائكة ؟

ج1/ الملائكة: اسم جمع تكسير مفرده ملك ، والملك معناه الرسول أو حامل الرسالة . والملائكة: هم عباد الله المكرمون . خلقهم الله_ جل وعلا _ من نور ، لايوصفون بذكورية ولا أنوثية ، لايأكلون ولايشربون ، ولا ينامون ، ولايتناكحون . لايعصون الله ماأمرهم ويفعلون مايؤمرون . قال تعالى في وصفهم:( يسبحون الليل والنهار لايفترون ) . وقال تعالى:(بل عباد مكرمون. لايسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون . يعلم مابين أيديهم وماخلفهم ولايشفعون إلا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون) . وقال تعالى:( لايعصون الله ماأمرهم ويفعلون مايؤمرون ) .

س2/ ما الدليل القرآني على مايلي:

أ_ وجوب الإيمان بالملائكة .

ب_ ضلال منكر الإيمان بالملائكة .

ج_ تحريم عبادة الملائكة .

ج2/ أ_ قال تعالى:( آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لانفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير ) .

ب_ قال تعالى:( ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله فقد ضل ضلالا بعيدا ) .

ج_ قال تعالى:( ولايأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا ) .

س3/ ما الدليل على أسبقية خلق الملائكة على آدم _ عليه السلام ؟

ج3/ قال تعالى:( وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة ) . وقال تعالى:( فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين ) .

س4/ استخرج من خلال الآيات الكريمة الأعمال التي يقوم بها الملائكة فيما يلي:

أ_ قال تعالى:( وإنه تنزيل من رب العالمين . نزل به الروح الأمين . على قلبك لتكون من المنذرين ) .

ب_ قال تعالى:( إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم فثبتوا الذين آمنوا سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان) .

ج_ قال تعالى:(ينزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده أن أنذروا أنه لاإله إلا أنا فاتقون) .

د_ قال تعالى:( وإن عليكم لحافظين . كراما كاتبين ) .

ج4/ أ_ تبليغ الوحي إلى الرسل _ عليهم السلام .

ب_ تثبيت المؤمنين ونصرتهم .

ج_ نقل الوحي الى الرسل عليهم السلام .

د_ تسجيل أعمال بني آدم .

س5/ مالعمل الذي يقوم به عزرائيل ؟ أيد إجابتك بدليل قرآني .

ج5/ عزرائيل ملك الموت وكله الله_ جل وعلا_ بقبض الأرواح . قال تعالى:(قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم ) .

س6/ متى رأى سيدنا محمد _ صلى الله عليه وسلم _ جبريل _ عليه السلام _ على حقيقته ؟

ج6/ رآه مرتين: مرة عند بدء الوحي ، ورآه مرة أخرى عندما أسري به إلى السماوات العلى . قال تعالى:( ولقد رآه نزلة أخرى . عند سدرة المنتهى . عندها جنة المأوى ) .

س7/ من هم الذين يسمون الملائكة تسمية الأنثى ؟ أيد إجابتك بدجليل قرآني .

ج7/ الذين لايؤمنون باليوم الآخر . قال تعالى:( إن الذين لايؤمنون بالآخرة ليسمون الملائكة تسمية الأنثى . ومالهم به من علم إن يتبعون إلا الظن وإن الظن لايغني من الحق شيئا ) .

س8/ ماأهمية الإيمان بعالم الملائكة ؟

ج8/ الإيمان بالملائكة له أثره في حياة المؤمن حيث:

أ_ يستشعرعظمة الخالق في تدبير الكون وتنظيمه ، من خلال علمه بأعمال الملائكة .

ب_يولد لديه الإحساس بالرقابة الإلهية ، فيحذر من الوقوع في المعاصي ويسارع في عمل الصالحات .

ج_ تسبيح الملائكة وتعظيمهم لله ، يدفع المؤمن للإقتداء بهم .

أعلى الصفحة

الدرس الحادي عشر: علامات الساعة

س1/ ما المقصود بعلامات الساعة ؟

ج1/يقصد بها الدلائل والبينات الدالة على وقوعها .

س2/ بماذا يجب من سأل عن قيام الساعة ؟

ج2/ يجاب بأن قيام الساعة لا يعلمه إلا الله _ جل وعلا . قال تعالى:( إنما علمها عند ربي لا يجليها لوقتها إلا هو ) . وقال تعالى:( يسئلونك عن الساعة أيان مرساها . فيم أنت من ذكراها . إلى ربك منتهاها . إنما أنت منذر من يخشاها) .

س3/ ماهي علامات الساعة ؟ أيد إجابتك بحديث نبوي .

ج3/ أولا: العلامات الصغرى وتمثلت في:

أ_ مبعث سيدنا محمد _ صلى الله عليه وسلم . قال صلى الله عليه وسلم : ( بعثت أنا والساعة كهاتين ، كفضل احداهما على الأخرى) وضم السبابة والوسطى .

ب_ ظهور الفساد في الأرض وانتشار الخمر والزنا . عن أنس _ رضي الله عنه_ قال: قال رسول الله_ صلى الله عليه وسلم_ :( إن من أشراط الساعة أن يرفع العلم ويثبت الجهل ، ويشرب الخمر ويظهر الزنا ) .

ثانيا: العلامات الكبرى(عبارة عن فتن كبرى تقع في الدنيا متوالية معلنة عن قيام قربالساعة) ، وتمثلت في:

أ_ طلوع الشمس من مغربها . ب_ وخروج الدابة . ج_ وخروج ياجوج وماجوج . د_ والدجال . هـ_ وعيسى ابن مريم . و_ والدخان . ز_ خسف بالمغرب ح_ خسف بالمشرق ط_ خسف بجزيرة العرب .

ي_ خروج نار من اليمن من قعرعدن تسوق الناس إلى المحشر .

عن حذيفة بن أسيد الغفاري .قال: كنا قعودا نتحدث في ظل غرفة لرسول الله _ صلى الله عليه وسلم _ فذكرنا الساعة فارتفعت أصواتنا فقال رسول الله_ صلى الله عليه وسلم _:( لن تكون أو لن تقوم الساعة حتى يكون قبلها عشر آيات: طلوع الشمس من مغربها . وخروج الدابة . وخروج ياجوج وماجوج . والدجال . وعيسى ابن مريم . والدخان . وثلاثة خسوف خسف بالمغرب وخسف بالمشرق وخسف بجزيرة العرب . وآخر ذلك تخرج نار من اليمن من قعرعدن تسوق الناس إلى المحشر) .

س4/ من هو الدجال ؟

ج4/ الدجال رجل أعور ، يقوم بإضلال الناس وإبعادهم عن طريق الله القويم . عن ابن عمر _ رضي الله عنهما_قال: قام رسول الله _صلى الله عليه وسلم _ في الناس فأثنى على الله بما هو أهله ، ثم ذكر الدجال فقال:( إني لأنذركموه ، وما من نبي إلا وقد أنذر قومه ، ولكن سأقول لكم فيه قولا لم يقله نبي لقومه ، إنه أعور ، وإن الله ليس بأعور ) . ويسمى الدجال بـ(المسيح) بالحاء المهملة: لأنه يمسح الأرض ويقطعها في أربعين يوما ، وسمي مسيحا أيضا لأنه ممسوح العين اليمنى فهي عوراء لايرى بها . كما يسمى بـ(المسيخ) بالخاء المعجمة: إما لأنه ممسوخ العينين ، فإحدى عينيه لاضوء فيها والأخرى طافية أي بارزة ، وهذا مسخ في خلقته ، وإما لأنه يمسخ الحقائق ويقلبها لأنه يدعي الألوهية وهو عبد لا يملك لنفسه نفعا ولا ضراء .

س5/ كيف يحفظ المسلم نفسه من فتنة الدجال ؟

ج5/ لقد وجه المصطفى _ صلى عليه وسلم _ أمته للوقاية من فتنة الدجال بقرآة فواتح سورة الكهف . ففي الحديث الذي رواه الإمام مسلم عن النواس بن سمعان أن الرسول _ صلى عليه وسلم _ قال:( فمن أدركه منكم فليقرأ عليه فواتح سورة الكهف ) .

س6/ عن أبي هريرة _ رضي الله عنه_ عن النبي_صلى الله عليه وسلم _ قال:( والذي نفسي بيده ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكما عدلا ، فيكسر الصليب ، ويقتل الخنزير ، ويفيض المال حتى لايقبله أحد ، حتى تكون السجدة الواحدة خيرا من الدنيا وما فيها ) . أجب عما يلي:

أ_ اذكر من خلال هذا الحديث . حكمة واحدة من حكم نزول سيدنا عيسى عليه السلام .

ب_ مالذي نأخذه من قول الرسول_صلى الله عليه وسلم_ :( ويفيض المال حتى لايقبله أحد) .

ج6/ أ_ ليكون حكما عدلا . يقضي على جميع الديانات المحرفة وخاصة النصرانية الذين يدّعون اتباعه .

ب_ كثرة المال من علامات الساعة .

س7/ اذكر آية كريمة تبين كذب قول النصارى أنهم قتلوا المسيح عيسى ابن مريم _عليه السلام ؟

ج7/ قال تعالى:(وبكفرهم وقولهم على مريم بهتانا عظيما .وقولهم إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وماقتلوه وماصلبوه ولكن شبه لهم) .

س8/ متى تخرج أمة ياجوج وماجوج ؟ أيد إجابتك بدليل قرآني .

ج8/ تخرج عند اقتراب الساعة . قال تعالى:(حتى إذا فتحت ياجوج وماجوج وهم من كل حدب ينسلون واقترب الوعد الحق فإذا هي شاخصة أبصار الذين كفروا ياويلنا قد كنا في غفلة من هذا بل كنا ظالمين) .

س9/ اذكر آية كريمة تبين خروج الدابة كعلامة من علامات الساعة ؟

ج9/ قال تعالى:(وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم أن الناس كانوا بآياتنا لايوقنون) .

س10/ ماواجب الناس حينما يعرفوا بتحقق هذه العلامات ؟

ج10/ عليهم الإستعداد للقاء الله_ جل وعلا_ بقلوب مخلصة لله_ الواحد الأحد_ وبأعمال صالحة ، وبتوبة نصوح .

أعلى الصفحة

الدرس الثاني عشر: الموت

س1/ ماهو الموت ؟

ج1/ الموت هو مفارقة الروح للجسد .

س2/ كيف يكون اعتقاد الإنسان في الموت ؟

ج2/ يكون اعتقاده في الموت بأن يؤمن بأن الموت حق . لاينجو منه أحد ، وأنه لكل أجل كتاب . قال تعالى:(أينما تكونوا يدركم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة ) . وقال تعالى:( ولن يؤخر الله نفسا إذا جاء أجلها) . ، وأن الله هو الذي يحي ويميت . قال تعالى:(تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير. الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا وهو العزيز الغفور) .

س3/ ما الفرق بين قبض الملائكة لأرواح المؤمنين وقبضها لأرواح الكافرين ؟ أيد إجابتك بدليل قرآني .

ج3/ يترفق ملك الموت بروح المؤمن ، بينما ينتزع الملك روح الكافر بشدة وقوة ويضربه على وجهه ودبره . قال تعالى:( الذين تتوفاهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون ) . وقال تعالى:( ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم وذوقوا عذاب الحريق ) .

س4/ ماذا يلقن المسلم عند الإحتضار ؟

ج4/ يلقن كلمة التوحيد: لاإله إلا الله . لقوله صلى الله عليه وسلم:(لقنوا موتاكم لاإله إلا الله) .

س5/ ماواجب المسلم تجاه أخيه المسلم إذا مات ؟ أيد إجابتك بدليل نبوي .

ج5/ أن يتبع جنازته . قال رسول الله_صلى الله عليه وسلم_:( حق المسلم على المسلم خمس: رد السلام ، وعيادة المريض ، واتباع الجنائز ، وإجابة الدعوة ، وتشميت العاطس) .

س6/ ماهو فضل اتباع الجنازة ؟ أيد إجابتك بحديث نبوي .

ج6/ من تبع الجنازة وشهدها حتى تدفن فله قيراطان من الحسنات . قال رسول الله_ صلى الله عليه وسلم_:(من اتبع جنازة مسلم إيمانا واحتسابا حتى يصلى عليها فله قيراط ، ومن شهدها حتى تدفن فله قيراطان (من الأجر) ، قيل: يارسول الله ومالقيراطان ؟ قال: مثل الجبلين العظيمين ) .

س7/ كيف تعلم الإنسان دفن أخيه الإنسان بعد موته ؟

ج7/ تعلمه من عند الغراب ، وذلك لما قتل قابيل أخوه هابيل احتار في أمره وماذا يفعل به ، فأرسل الله الغراب يبحث في الأرض ليريه كيف يواري سوءة أخيه . قال تعالى:( فبعث الله غرابا يبحث في الأرض ليريه كيف يواري سوءة أخيه قال ياويلتاي أعجزت أن أكون مثل هذا الغرب فأوارى سوءة أخي فأصبح من النادمين) .

أعلى الصفحة

الدرس الثالث عشر: حياة البرزخ

س1/ ما المقصود بحياة البرزخ ؟

ج1/ حياة البرزخ هي الحياة الواقعة بعد الموت وقبل البعث يوم القيامة . قال تعالى:( ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون) .

س2/ كيف يدخل الميت في قبره ؟

ج2/ يدخل الميت في قبره من قبل موضع رجليه ، لأنه لكل شيء باب وباب القبر من ناحية الرجلين . فعن عبدالله بن يزيد( أنه أدخل الميت من قبل رجلي القبر ، وقال: هذا من السنة) .

س3/ ماذا كان يفعل المصطفى_صلى الله عليه وسلم _ بعد فراغه من دفن الميت ؟

ج3/ كان يقف عند القبر ، ويقول:( استغفروا لأخيكم وسلوا له التثبيت فإن الآن يسأل ) .

س4/ ما الأسئلة الثلاث التي يسأل عنها الإنسان في قبره ؟

ج4/ يسأل عن ربه ، وعن دينه وعن نبيه .

س5/ ما الدليل على وقوع عذاب القبر ؟

ج5/ أولا: الدليل القرآني: قال تعالى ، مبينا حال آل فرعون:( النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة ادخلوا آل فرعون أشد العذاب) .

ثانيا: الدليل النبوي: كان الرسول _ صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه هذا الدعاء ، كما يعلمهم السورة من القرآن ، وهي قوله:( اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم وأعوذ بك من عذاب القبر ) . وجاء في الحديث النبوي . أبوعبيدة عن جابر بن زيد عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله_ صلى الله عليه وسلم _ قال:( إن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والغشي . إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة وإن كان من أهل النار فمن أهل النار . فيقال هذا مقعدك حتى يبعثك الله ) .

س6/ اقرأ الحديث النبوي الآتي . ثم أجب عن الأسئلة التي بعده . أبوعبيدة عن جابر قال: بلغنا عن رسول الله _ صلى الله عليه وسلم_أنه مر برجلين يعذبان في القبر فقال:( يعذبان ومايعذبان بكبيرة أما أحدهما فقد كان لايستبريء من البول وأما الآخر فقد كان يمشي بين الناس بالنميمة) .

أ_ مامعنى:(يعذبان ومايعذبان بكبيرة)

ب_ بماذا استحق الرجلين الذين مر عليهما سيدنا محمد _ صلى الله عليه وسلم_ العذاب في القبر ؟

ج_ لماذا يقع تارك الإستبراء في كبيرة ؟

ج6/ أ_ أي لايعذبان بسبب كبيرة من الذنوب في ظنهما واعتقادهما .

ب_ استحقا العذاب بوقع كل واحد منهما في كبيرة من الكبائر فكان أحدهما لايستبريء من البول ( أي لا يتنزه من البول بعصر ذكره من طرفه بعد التبول) ، وكان الآخر يمشي بين الناس بالنميمة .

ج_ لأن من لم يستبريء من البول يعرض نفسه لفساد وضوئه وصلاته ، فلا صلاة إلا بطهور .

أعلى الصفحة

الدرس الرابع عشر: الإيمان باليوم الآخر

س1/ ما المقصود باليوم الآخر ؟

ج1/ يقصد باليوم الآخر اليوم الذي يبعث الله_جل وعلا_ الخلائق للحساب والجزاء .

س2/ كيف يكون إيمان الإنسان باليوم الآخر ؟

ج2/ يكون الإيمان باليوم الآخر بأن يعتقد المكلف بأن هذا اليوم آت لامحالة ، وأن ماأخبر به الله _ جل وعلا_ على لسان رسله واقع لامحالة ، وأن الله_ جل جلاله _ صادق في وعده ووعيده .

س3/ ما أهمية الإيمان باليوم الآخر ؟

ج3/ لهذا الإيمان أهمية عظيمة لأنه:

أ_ ركن من أركان االعقيدة الإسلامية . ففي الحديث النبوي. بينما رسول الله _صلى الله عليه وسلم_جالس مع أصحابه إذ أتاه آت حسن الوجه طيب الرائحة فقال: أأدنوا منك يارسول الله ؟ قال:(نعم) . فدنا . فقال له: ما الإيمان ؟ فقال له _ عليه الصلاة والسلام:(أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره أنه من الله ) .

ب_ من أعمال البر . قال تعالى:(ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في الأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون ) .

س4/ ماحكم منكر وقوع اليوم الآخر ؟

ج4/ حكم منكر الإيمان بوقوع اليوم الآخر هو الكفر بالله وبرسله ، لأنه أنكر معلوما بدهيا لا يحتاج إلى دليل ولا إلى برهان ، كما أنه أنكر ركنا من أركان العقيدة الإسلامية .

س5/ ما الحكمة من وقوع اليوم الآخر ؟

ج5/ لمحاسبة كل إنسان على ما كان منه قول وعمل ، فإن كان قد قدم العمل الصالح كان جزاؤه الجنة وإن كان عمله سيئا كان عقابه النار _ والعياذ بالله .

س6/ قال تعالى:( ياأيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة لنبين لكم ونقر في الأرحام مانشاء إلى أجل مسمى ثم نخرجكم طفلا ثم لتبلغوا أشدكم ومنكم من يتوفى ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكيلا يعلم من بعد علم شيئا وترى الأرض هامدة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج ) . استخرج من الآيات الكريمة ثلاث دلائل لثبوت اليوم الآخر .

ج6/أ_ خلق الإنسان من تراب . ب_ تطور نمو الإنسان من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة. ج_ حياة الأرض الميتة التي لانبات فيها بالنبات بعد نزول الماء عليها.

س7/ من خلال قوله تعالى:( وإلى مدين أخاهم شعيبا قال ياقوم اعبدوا الله وارجوا اليوم الآخر ولا تعثوا في الأرض مفسدين ) . وضح كيف يرجوا الإنسان اليوم الآخر ؟

ج7/ يرجوا الإنسان اليوم الآخر بعمل الصالحات واجتناب المنهيات ، ومعنى ارجوا اليوم: أي ارجوا ثواب اليوم الآخر .

س8/ جاءت في القرآن الكريم اسماء عديدة لليوم الآخر . فما الآية الدالة على الاسماء الآتية: البعث ، الخروج ، القيامة ، الدين ، الفصل .

_يوم البعث.قال تعالى:(فهذا يوم البعث ولكنكم كنتم لا تعلمون ) .

_يوم الخروج.قال تعالى:(يسمعون الصيحة بالحق ذلك يوم الخروج) .

_يوم القيامة.قال تعالى:( لاأقسم بيوم القيامة ) .

_يوم الدين.قال تعالى:(مالك يوم الدين ) .

_يوم الفصل.قال تعالى:( فإذا النجوم طمست . وإذا السماء فرجت . وإلى الجبال نسفت . وإذا الرسل أقتت . لأي يوم أجلت . ليوم الفصل . وما أدراك ما يوم الفصل . ويل يومئذ للمكذبين ) .

س9/ مامدلول تسمية اليوم الآخر بالمسميات الآتية:الحشر ، الجمع والتغابن ، الحساب ، الوعيد ، الحسرة ، الخلود.

_يوم الحشر. لأن فيه حشر الخلائق في موقف الحساب .

_يوم الجمع والتغابن. لأن فيه جمع الخلائق أمام الله رب العالمين في صعيد واحد . وفيه يغبن أهل النار بدخولهم النار .

_يوم الحساب. لأن في هذا اليوم يحاسب الحق_جل شآنه_ الناس على أعمالهم التي عملوها في الدنيا .

_يوم الوعيد. لأن فيه تحقيق وعيد الله لمن خرج على منهجه في الدنيا

_يوم الحسرة. لأن في هذا اليوم يتحسر أعداء على ما فرطوا في دين الله .

_يوم الخلود. لأنها حياة أبدية باقية ، فالمطيع يخلد في النعيم ، والعاصي يقيم في العذاب الأليم .

س10/ وضح مدلول التسميات الآتية لليوم الآخر:الآزفة ، الواقعة ، القارعة ، الغاشية ، الصاخة ، الطامة ، الحاقة .

ج10/ _ معنى الآزفة أي القريبة ، وسميت بذلك دلالة على قرب وقوعها .

_الواقعة: أي الحاصلة بدون شك .

_القارعة: القرع . هو الضرب الذي فيه صوت شديد .

_الغاشية: سميت بذلك بما يجري فيها من غشيان عام للإنس والجن .

_الصاخة: لأنها تصخ الأذان أي تصمها لشدة أهوالها .

_الطامة: لأن أهوالها تطم وتفوق كل أمر هائل مفضع سواها . .

_الحاقة: لأن وقوعها متحقق لا محالة .

س11/ ما أثر الإيمان باليوم الآخر ؟

ج11/ الإيمان باليوم الآخر له أثر عظيم في حياة المؤمن حيث أن هؤلاء المؤمنون:

ب_ هم عمار بيوت الله . قال تعالى:( إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين ) .

ج_ لايوادون من عادى الله وروسوله . قال تعالى:( لاتجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آبائهم أو أبنائهم أو إخوانهم أو عشيرتهم ) .

أعلى الصفحة

دروس في العقيدة الإسلامية 2

الدرس الخامس عشر: البعث والحشر

س1/ ما المقصود بالبعث ؟

ج1/ البعث يقصد به: رد الخالق _ جل وعلا_ لروح الإنسان إلى جسده يوم القيامة . قال تعالى:( قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم ) .

س2/ ما الرد القرآني على منكري البعث ؟

ج2/ قال تعالى:(أو كالذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها قال أني يحي هذه الله بعد موتها فأماته الله مائة عام ثم بعثه قال كم لبثت قال لبثت يوما أو بعض يوم قال بل لبثت مائة عام فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه وانظر إلى حمارك ولنجعلك آية للناس وانظر إلى العظام كيف ننشزها ثم نكسوها لحما فلما تبين له قال أعلم أن الله على كل شيء قدير ) . قال تعالى:(وهو الذي يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته حتى إذا أقلت سحابا ثقالا سقناه لبلد ميت فأنزلنا به الماء فأخرجنا به من كل الثمرات كذلك نخرج الموتى لعلكم تذكرون) . قال تعالى:( وأقسموا بالله جهد أيمانهم لايبعث الله من يموت بلى وعدا عليه حقا ولكن أكثر الناس لايعلمون) . وقال تعالى:( ماخلقكم ولابعثكم إلا كنفس واحدة ) .

س3/ ما الذي يحدث في النفختين الأولى والثانية ؟ أيد إجابتك بدليل قرآني .

ج3/ أ_ في النفخة الأولى يتداعى نظام الكون ويختل توازنه . قال تعالى:( فإذا نفخ في الصور نفخة واحدة . وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة . فيومئذ وقعت الواقعة . وانشقت السماء فهي يومئذ واهية) .

ب_ في النفخة الثانية يقوم الناس من قبورهم للحساب . قال تعالى:( ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون ) .

س4/ ما المقصود بالحشر يوم القيامة ؟

ج4/ يقصد به جمع الخلائق للحساب والجزاء . قال تعالى:( ويوم يحشرهم كأن لم يلبثوا إلا ساعة من النهار يتعارفون) .

س5/ عن ابن عباس _ رضي الله عنهما، قال: خطب رسول الله_صلى الله عليه وسلم_ فقال:(ياأيها الناس إنكم محشورون إلى الله حفاة عراة غرلا) . ثم قال:( كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين) . ثم قال:( ألا وإن أول الخلائق يكسى يوم القيامة إبراهيم ) . مامعنى كلمة(غرلا) الواردة في الحديث النبوي ؟

ج5/ معناها: غير مختونين ، كما بدأهم الله في خلقهم أول مرة .

 أعلى الصفحة

الدرس السادس عشر: الحساب يوم القيامة

س1/ ما المقصود بالحساب يوم القيامة ؟

ج1/ يقصد بالحساب يوم القيامة: تمييز الأعمال الحسنة من الأعمال القبيحة ، فيرى الفاعل أعماله الخيرة وأعماله الشرية . قال تعالى:( يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها وتوفى كل نفس ماعملت وهم لايظلمون) .

س2/ ما الدليل القرآني على وقوع الحساب يوم القيامة ؟

ج2/ قال تعالى:( ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين) .

س3/ كيف يكون حساب المؤمنين يوم القيامة ؟

ج3/ يحاسب المؤمن يوم القيامة حسابا يسيرا ثم ينقلب إلى أهله مسرورا فيدخل الجنة بفضل الله_جل وعلا . قال تعالى:( فأما من أوتي كتابه بيمينه . فسوف يحاسب حسابا يسيرا . وينقلب إلى أهله مسرورا ) .

س4/ ما الحكمة من الحساب يوم القيامة ؟

ج4/ يحاسب المؤمن المقصر التائب من ذنوبه ليعلم نعمة الله عليه بغفران ذنوبه وستر عيوبه ، ويحاسب الفاسق ليزداد حسرة وندامة على تفريطه . وهناك حكمة اخرى تتمثل في اظهار انصاف الله_جل وعلا _ لخلقه ، فإنه تعالى لايظلم الناس شيئا ولكن الناس أنفسهم يظلمون .

س5/ قال صلى الله عليه وسلم:( لاتزول قدم عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه ، وعن علمه ماعمل به وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه ، وعن جسمه فيما أبلاه ) .

أ_ مالأربع التي يسأل عنها الإنسان يوم الحساب ؟

ب_ ماواجب الإنسان تجاه هذه الأربع عندما يعرف أنه سيحاسب عليها ؟

ج5/ أ_ 1_ عمره فيما أفناه . 2_ علمه الذي علمه ماعمل به . 3_ ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه . 4_ جسمه فيما أبلاه .

ب_ 1_ أن يفني عمره في طاعة الله . 2_ أن يتعلم العلم النافع الذي يقربه إلى الله ، ويكون طلبه للعلم خالصا لله وتعليمه للناس يبتغي به مرضاة الله . 3_ أن يكتسب المال بالطريق الحلال وينفقه بالطريق المشروع . 4_ أن يخضع جوارحه في كل عمل يقربه إلى الله بالسعي نحو الكسب الحلال والإنفاق على العيال ، وأداء الفرائض ، والجهاد في سبيل الله _ جل وعلا .

س6/ ماذا كان جواب سيدنا علي بن أبي طالب_كرم الله وجهه_ لمن سأله كيف يحاسب الله العباد يوم القيامة على كثرة عددهم ؟

ج6/ قال: يحاسبهم على كثرة عددهم ، كما يرزقهم على كثرة عددهم .

س7/ من الذي يشهد على الإنسان يوم القيامة ؟

ج7/ تشهد عليه جوارحه . قال تعالى:( حتى إذا ماجاءوها شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون . وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء وهو خلقكم أول مرة وإليه ترجعون ) . وقال تعالى:( اليوم نختم على أفواهم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم ) .

 أعلى الصفحة

الدرس السابع عشر: الميزان والصراط

س1/ ما المقصود بالميزان يوم القيامة ؟

ج1/الميزان في اللغة تعني: العدل والإنصاف ، ووزن الأعمال: أي تمييزها وتفصيلها . ويقصد بالميزان اصطلاحا: تمييز أعمال بني آدم وتفصيلها .

س2/ اشرح قوله تعالى:( والوزن يومئذ الحق ) .

ج2/ معناها أن المجازاة يوم القيامة على الأعمال بالعدل والإنصاف .

س3/ وضح المقصود بثقل الميزان وخفته الوارد في قوله تعالى:(فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون. ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم بما كانوا بآياتنا يظلمون) .

ج3/ الموازين المذكورة في هذه الآية الكريمة عبارة عن معنى السعادة والشقاوة ، فثقل الميزان كناية عن السعادة وخفته كناية عن الشقاوة . والعرب كانت تعبر بثقل الميزان عن علو الشأن ، وبخفته عن عكس ذلك . قال الشاعر:

لو يضعوا آباي في ميزانهم رجحوا وشال أبوك بالميزان***

س4/ ما الذي يثقل ميزان المؤمن يوم القيامة ؟

ج4/ ذكر الله _عزوجل_ والعمل الصالح .

س5/ أكمل الحديث النبوي . عن أبي هريرة عن النبي _صلى الله عليه وسلم_ قال:(كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى الرحمن:......... ) .

ج5/(....... سبحان الله العظيم سبحان الله وبحمده ) .

س6/ ما المقصود بالصراط في قوله تعالى:(اهدنا الصراط المستقيم ) ؟

ج6/ يقصد بالصراط في هذه الآية الكريمة الطريق القويم الذي دعا إليه سيدنا محمد_ صلى الله عليه وسلم ، وهو دقيق لعدم موافقته للهوى والشهوات. ويؤيد ذلك قوله تعالى:(فاستمسك بالذي أوحي إليك إنك على صراط مستقيم ) . وقوله تعالى:(وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولاتتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون) . وقوله تعالى:( قل إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم دينا قيما ملة إبراهيم حنيفا ) .

وجاء في الحديث النبوي الذي يرويه سيدنا علي بن أبي طالب_كرم الله وجهه_ قال: سمعت رسول الله_صلى الله عليه وسلم_ يقول:(ستكون فتن . قلت ومالمخرج منها. قال:(كتاب الله فيه نبأ ماقبلكم وخبر مابعدكم وحكم مابينكم هو الفصل ليس بالهزل هو الذي من تركه من جبار قصمه الله ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله فهو حبل الله المتين وهو الذكر الحكيم وهو الصراط المستقيم وهو الذي لاتزيغ به الأهواء ولاتلتبس به الألسنة ولايشبع منه العلماء ولايخلق عن كثرة الرد ولاتنقضي عجائبه وهو الذي لم ينته الجن إذ سمعته أن قالوا: ( إنا سمعنا قرآنا عجبا) هو الذي من قال به صدق ومن حكم به عدل ومن عمل به أجر ومن دعا إليه هدي إلى صراط مستقيم ) .

 أعلى الصفحة

الدرس الثامن عشر: الشفاعة

س1/ ما المقصود بالشفاعة يوم القيامة ؟

ج1/ الشفاعة لغة: الوسيلة والطلب . وعرفا: سؤال الخير من الغير للغير . مثاله: كلام الشفيع للملك في حاجة يسألها لغيره ، والشافع: الطالب لغيره . وشرعا: طلب تعجيل دخول المؤمنين إلى الجنة وتخفيف الموقف عليهم ، وكذلك يمكن أن تكون لرفع درجاتهم في الجنة .

س2/ماحكم الإيمان بالشفاعة الأخروية بعد قيام الحجة ؟

ج2/ حكم الإيمان بالشفاعة بعد قيام الحجة هو الوجوب .

س3/ ما الحكمة من الشفاعة يوم القيامة ؟

ج3/ الحكمة من الشفاعة يوم القيامة تكون لتكريم الأنبياء والصالحين ممن يحق لهم التشفع فيهم . كما أن من حكمتها تكريم سيدنا محمد_ صلى الله عليه وسلم _ بين الخلائق فهو أول شافع ومشفع . وهو المقام المحمود الوارد في قوله تعالى:( عسى ربك أن يبعثك مقاما محمودا ) . أي يحمدك فيه الأولون والآخرون حيث لم يجدوا قبلك شفيعا .

س4/ لمن تكون الشفاعة يوم القيامة ؟ أيد إجابتك بالأدلة .

ج4/ الشفاعة يوم القيامة تكون للمؤمنين الذين رضي الله عنهم وأرضاهم وذلك لتعجيل دخول الجنة ، أولرفع درجاتهم يوم القيامة . ولاينالها من استوجب العذاب . قال تعالى :(ولا يشفعون إلا لمن ارتضى) . وقال تعالى:( وما للظالمين من أنصار) . وقال تعالى: (فما تنفعهم شفاعة الشافعين)

س5/ لماذا كانت الشفاعة مهمة ؟

ج5/ تأتي أهمية الشفاعة من حيث أنه لايدخل أحد الجنة إلا بعمل صالح وبرحمة الله وبشفاعته _ صلى الله عليه وسلم . عن جابر بن زيد عن النبي _صلى الله عليه وسلم_قال:( ماأحد يدخل الجنة إلا بعمل صالح وبرحمة الله وشفاعتي ) .

س6/ ناقش القائلين: بأن الشفاعة ينالها أهل الكبائر من أمة سيدنا محمد_ صلى الله عليه وسلم ؟

ج6/ لو كانت الشفاعة لأهل الكبائر كما يعتقد البعض ممن أضلهم الشيطان وأغواهم عن الحق إلى طريق الهوى والضلال ، من اليهود والنصارى وممن تأثر بفكرهم الفاسد ، كما حكاه القرآن الكريم عنهم . قال تعالى:( وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة قل أتخذتم عند الله عهدا فلن يخلف الله عهده أم تقولون على الله ما لاتعلمون . بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ) ، وقال تعالى:( وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى تلك أمانيهم قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين) ، ولو سلمنا بهذا القول لما كان للأوامر الإلهية وللنواهي فائدة ، لأنهم بهذا الفكر الفاسد قد ضمنوا لأصحاب المعاصي جنة الخلد ، ولكن آنى لهم ذلك ، وقد قال الحق_جل جلاله:( فما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع ) . وقال تعالى:( قد أفلح من زكاها . وقد خاب من دساها ) . وقال:( ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا ) . كما قال_ صلى الله عليه وسلم:(ليست شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي ) . فالقائلون بهذا القول خالفوا نصا صريحا في كتاب الله _عزوجل _ كما خالفوا حديثا صحيحا يبين بطلان هذا القول وفساده .

س7/ لماذا يحتاج المؤمنون للشفاعة وقد وعدهم الله بدخول الجنة ؟

ج7/ الشفاعة في حقيقتها زيادة في الثواب كما أنها تشريف في المنازل ، وأيضا فإن المؤمنين عليهم الذنوب والتبعات من قبل الأرحام والقرابات ومن حقوق الجيران والأولاد والزوجات وما أشبه ذلك ، وهم بحاجة إلا غفران ذلك كما أنهم بحاجة إلى أن يتم الله_جل وعلا _ عليهم النور ، مصداقا لقوله تعالى:( ياأيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها يوم لايخزي الله النبي والذين آمنوا معه نورهم يسعي بين أيديهم وبأيمانهم يقولون ربنا أتمم لنا نورنا واغفر لنا إنك على كل شيء قدير ) .

س8/لماذا استحق السلطان الغشوم الحرمان من شفاعة الرسول _ صلى الله عليه وسلم _ كما يفهم ذلك من قوله صلى الله عليه وسلم:(لاتنال شفاعتي سلطانا غشوما للناس ورجلا لايراقب الله في اليتيم) .

ج8/ لأن السلطان الغشوم استرعاه الله في الرعية فظلمها ولم يرعها حق الرعاية ، وهو ليس ممن رضي الله عنهم وأرضاهم ، وإنما هو ممن وقع في سخط الله وعقابه .

س9/وضح المقصود بالجافي عن الدين . الوارد في قوله_ صلى الله عليه وسلم:( لاتنال شفاعتي الغالي في الدين ولا الجافي عنه ) .

ج9/ الجافي عن الدين هو: المضيع له والناقص منه كالمرجئة والحشوية ومن قال بقولهم الزاعمين أن الإيمان قول بلا عمل . بعكس الغالي فيه وهو الزائد فيه كالصفرية الزاعمين أن طاعة الله كلها توحيد ومعصيته كلها شرك .

  أعلى الصفحة

الدرس التاسع عشر: الجنة ونعيمها

س1/ ماذا أعد الله _جل وعلا_ لعباده المتقين يوم القيامة ؟

ج1/ أعد الله_ جل وعلا_الجنة لعباده المتقين . قال تعالى:( وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين ) . وقال تعالى:( مثل الجنة التي وعد المتقون فيها أنهار من من ماء غير آسن وأنهار من لبن لم يتغير طعمه وأنهار من خمر لذة للشاربين وأنهار من عسل مصفى ولهم فيها من كل الثمرات ومغفرة من ربهم ) .

س2/ ما الدليل القرآني على مايلي:

أ_ خيرية مستقر أصحاب الجنة .

ب_ التائب من الذنب جزاؤه الجنة .

ج2/ أ_ قال تعالى:( أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا وأحسن مقيلا ) .

ب_ قال تعالى:( والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون . أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ونعم أجر العاملين) .

س3/اذكر الآية الكريمة الدالة على اسماء الجنة الآتية:

أ_ جنة المأوى . ب_ جنات عدن . ج_ دار السلام . د_ دار المقامة . هـ_ جنة الفردوس .

ج3/ أ_ جنة المأوى . قال تعالى:( عندها جنة المأوى ) .

ب_ جنات عدن . قال تعالى:( إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية . جزاؤهم عند ربهم جنات عدن تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك لمن خشي ربه) .

ج_ دار السلام . قال تعالى:( لهم دار السلام عند ربهم وهو وليهم بما كانوا يعملون) .

د_ دار المقامة. قال تعالى:(الذي أحلنا دار المقامة من فضله لايمسنا فيها نصب ولا يمسنا فيها لغوب ) .

هـ_ الفردوس . قال تعالى:( الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون ) .

 أعلى الصفحة

الدرس العشرون: النار وجحيمها

س1/ لمن أعد الحق _ جل شآنه_ النار يوم القيامة ؟

ج1/ أعدت النار لأعداء الله الذين ماتوا على كفرهم: كفر نعمة أو كفر شرك وجحود . قال تعالى:( فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين ) . وقال تعالى:( ذلك جزاء أعداء الله النار لهم فيها دار الخلد جزاءا بما كانوا يجحدون ) .

س2/ ما المقصود بدركات النار ؟

ج2/ يقصد بها مكان العذاب في النار ، ويقابل هذه الدركات درجات النعيم في الجنة .

س3/ مالفرق بين كلمة (حميم) الواردة في قوله تعالى:( فليس له اليوم ها هنا حميم . ولا طعام إلا من غسلين ) . والحميم الواردة في قوله تعالى:( والذين كفروا لهم شراب من حميم وعذاب أليم بما كانوا يكفرون )

ج3/ الحميم في الآية الأولى بمعنى الصديق والصاحب . والحميم في الآية الثانية هو: ماء صديد مقطع للأمعاء من شدة حرارته . وهو شراب أهل النار ، وقد وصفه الحق _ جل شآنه _ بقوله تعالى:( ويسقى من ماء صديد . يتجرعه ولا يكاد يسيغه ) .

س4/ ما الدليل القرآني على مايلي:

أ_ وجوب الوقاية من النار .

ب_ مصير المنافقين يوم القيامة .

ج4/ أ_ قال تعالى:( ياأيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نار وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين ) .

ب_ قال تعالى:( إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ) .

س5/اذكر الآية الكريمة الدالة على اسماء النار الآتية: أ_ جهنم . ب_ سقر . ج_ الحطمة . د_ السعير . هـ_ لظى .

ج5/ أ_ جهنم . قال تعالى:( وإن جهنم لموعدهم أجمعين . لها سبعة أبواب لكل باب منهم جزء مقسوم ) .

وقال تعالى:( إنه من يأت ربه مجرما فإن له جهنم لايموت فيها ولايحي ) .

ب_ سقر . قال تعالى:( سأصليه سقر . وما أدراك ما سقر . لاتبقي ولا تذر ) .

ج_ الحطمة . قال تعالى:( كلا لينبذن في الحطمة . وما أدراك ما الحطمة . نار الله الموقدة ) .

د_ السعير . قال تعالى:(وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير ) .

هـ_ لظى . قال تعالى: ( كلا إنها لظى . نزاعة للشوى . تدعوا من أدبر وتولى ) .

 أعلى الصفحة

الدرس الحادي والعشرون: الخلود في الجنة أو في النار

س1/ما معنى الخلود ؟

ج1/ معنى الخلود: أي البقاء الأبدي . ويقصد به في الاصطلاح العقائدي: البقاء الأبدي إما في الجنة وإما في النار . فالداخل في الجنة خالد مخلد فيها ، والداخل في النار يخلد في العذاب لايخرج منه .

س2/ اذكر ثلاثة أدلة على الخلود في الجنة ؟

ج2/ ثلاثة أدلة على الخلود في الجنة_ نسأل الله_جل وعلا_ أن يجعلنا من ورثتها:

1_قال تعالى:( سندخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا لهم فيها أزواج مطهرة ) .

2_قال تعالى:( ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا على سرر متقابلين . لايمسهم فيها نصب وما هم منها بمخرجين) .

3_قال تعالى:( قل أذلك خير أم جنة الخلد التي وعد المتقون كانت لهم جزاءا ومصيرا ) .

س3/ اذكر ثلاثة أدلة على الخلود في النار ؟

ج3/ ثلاثة أدلة على الخلود في النار _ أعاذنا الله منها:

1_قال تعالى:(أولئك الذين كفروا بربهم وأولئك الأغلال في أعناقهم وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون) .

2_قال تعالى:( بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون) .

3_قال تعالى:( ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها وله عذاب مهين ) .

س4/ مامعنى كلمة(يشرئبون ) الواردة في قوله _صلى الله عليه وسلم:(يؤتى بالموت كهيئة كبش أملح فينادى به مناديا أهل الجنة فيشرئبون وينظرون . فيقول: هل تعرفون هذا ؟ ، فيقولون: نعم هذا الموت . وكلهم قد رآه ، ثم ينادى مناديا أهل النار فيشرئبون وينظرون . فيقول: هل تعرفون هذا ؟ ، فيقولون: نعم هذا الموت . وكلهم قد رآه فيذبح بين الجنة والنار ، ثم يقول: ياأهل الجنة خلود فلا موت وياأهل النار خلود فلا موت ، ثم قرأ:(وأنذرهم يوم الحسرة اذ قضي الأمر وهم في غفلة وهم لا يؤمنون ) ، وأشار بيده إلى الدنيا) .

ج4/ معنى يشرئبون: أي يمدون أعناقهم بالنظر .

 أعلى الصفحة

الدرس الثاني والعشرون: القضاء والقدر

س1/ جمع الإمام نور الدين عبدالله بن حميد السالمي_ رحمه الله_ ، معاني القضاء في قوله: قضاء خلق وحكم ثم أمر و اخبار و افراغ وصنع وقد وردت هذه المعاني في القرآن الكريم . فمالدليل القرآني عليها ؟

ج1/ الآيات الدالة على معاني القضاء ، هي:

_بمعنى الخلق.قال تعالى:(فقضاهن سبع سماوات في يومين) .

_بمعنى الحكم. قال تعالى:(إن ربك يقضي بينهم يوم القيامة) .

_بمعنى الأمر. قال تعالى:(وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه) .

_بمعنى الإخبار والإعلام. قال تعالى:(وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتب) .

_بمعنى الفراغ من الشيء. قال تعالى:( فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون ) .

_بمعنى الصنع . قال تعالى:(قالوا لن نؤثرك على ماجاءنا من البينات والذي فطرنا فاقض ما أنت قاض إنما تقضي هذه الحياة الدنيا ) .

س2/ لكلمة القدر في اللغة معان متعددة . جمعها الإمام نور الدين عبدالله بن حميد السالمي_ رحمه الله_ في قوله:

معاني القدر سبع هاك نظما حواها وهي خلق ثم يحلو وتـقـديــر وتـصويـر وجـود قـضـاء ثـم تـضييق ومثل

وقد وردت هذه المعاني في القرآن الكريم . فمالدليل القرآني على معاني القدر الآتية: الخلق ، التقدير ، التصوير ، الوجود ، القضاء ، التضييق ، التسوية ؟

ج2/ الآيات الدالة على معاني القدر الواردة ، هي:

_بمعنى الخلق.قال تعالى:(والذي قدر فهدى ) . _ بمعنى التقدير.قال تعالى:(وأنزلنا من السماء ماءا بقدر ) . _ بمعنى التصوير . قال تعالى:(فقدرنا فنعم القادرون ) . _ بمعنى الوجود . قال تعالى:(إلا امرأته قدرنا إنها من الغابرين) . _ بمعنى القضاء . قال تعالى:( فالتقى الماء على أمر قد قدر) . _ بمعنى التضييق . قال تعالى:(واما إذا ماابتلاه فقدر عليه رزقه فيقول ربي أهانن) . _ بمعنى التسوية . قال تعالى:(نحن قدرنا بينكم الموت ) .

س3/ كيف يكون الإيمان بالقضاء والقدر ؟

ج3/ صورة الإيمان بالقضاء والقدر تكون بأن يعلم المؤمن بأن ماأخطأه لم يكن ليصيبه وما أصابه لم يكن ليخطئه . قال الربيع _ رحمه الله_ بلغني عن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله_صلى الله عليه وسلم_:( إنك لن تجد ولن تؤمن وتبلغ حقيقة الإيمان حتى تؤمن بالقدر خيره وشره أنه من الله) . قال: قلت يارسول الله كيف لي أن أعلم خير القدر وشره ؟! قال: (تعلم أن ماأخطأك لم يكن ليصيبك ، وما أصابك لم يكن ليخطئك فإن مت على غير ذلك دخلت النار) .

س4/ ماحكم منكر الإيمان بالقضاء والقدر ؟ أيد إجابتك بحديث نبوي .

ج4/ منكر الإيمان بالقضاء والقدر حكمه الكفر ، لأنه أنكر ركنا من أركان الإيمان . جاء في حديث جبريل _عليه السلام_ الذي يرويه سيدنا عمر بن الخطاب_ رضي الله عنه: ثم قال: ماالإيمان ؟ قال: (أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وأن تؤمن بالقدر ) .

س5/ ناقش القدرية في قولهم: إن الله لم يخلق أفعال العباد . مدعما نقاشك بالأدلة ؟

ج5/ قالت هذه الفرقة من القدرية: بأن الله لم يخلق أفعال العباد ، وإنما ذلك من خلق أنفسهم . واستدلوا بآيات منها ، قوله تعالى:( وتخلقون افكا ) . وقوله تعالى:(ويجعلون لله مايكرهون ) . وقوله تعالى:( ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ) . وكل هذه الإستدلالات في غير موضعها ، فمعنى (تخلقون) في الآية الأولى: أي تفترون . ومعنى (الجعل) في الآية الثانية أي الوصف لا الخلق . ومعنى (الجعل) في الآية الثالثة نفي تشريع البحيرة والسائبة من قبل الله_جل وعلا . والحق _جل شآنه_ قد بين أنه خالق كل شيء . قال تعالى:( الله خالق كل شيء وهو على كل شيء وكيل) ، وقال تعالى:(إنا كل شيء خلقناه بقدر) ، وقال تعالى:(ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها ) .

كما قالوا: بأن أفعال العباد لا تخلوا من أحد ثلاثة أمور: إما أن تنسب إليه تعالى وحده . أو تنسب إليه وإلى العبد معا . أو تنسب إلى العبد فقط . فبطل الأول لاستلزامه الجبر . وبطل الثاني لاستلزامه مشاركة الله في أفعاله . فببطلان الوجهين ثبت الثالث . ولكننا في الوجه الثاني لانسلم استلزام مشاركة الله في أفعاله وهو تعالى منزه عن ذلك .لأن لفعل العبد جهتين: جهة إيجاد( وهي الجهة التي يخرج بها فعل العبد من العدم إلى الوجود وبهذه الجهة تتعلق قدرة الباريء_جل وعلا ) . وجهة اكتساب ( وهي إضافة ذلك الفعل إلى العبد مع اختيار العبد لذلك ، وبهذه الجهة تتعلق قدرة العبد) . فالله تعالى إنما يخلق الفعل للعبد حال اختيار العبد له ، وتوجيه القدرة إليه لاكتسابه . فالله تعالى موجد والعبد مكتسب .

ويستدل عليهم بأنه: لو كان العبد خالقا لأفعاله للزم عليه تعدد الخالقين ، ولكان كل من خلق شيئا كان إله ذلك الشيء ، فيلزم عليه تعدد الآلهة ، وتعددها باطل ، لما ثبت من البراهين على وجوب الوحدانية ، ومن هذه البراهين أنه لو تعددت الآلهة للزم عليه فساد هذا العالم . لقوله جل وعلا:( لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا ) .

س6/ ماأثر الإيمان بالقضاء والقدر ؟

ج6/ يولد الإيمان بالقضاء والقدر لدى المؤمن باعث الخير وقوة العزيمة ، لأن هذا الإيمان يدفعه للأخذ بالأسباب ، كما يدفع هذا الإيمان نحو الإستعداد للقاء الله _جل وعلا_ المحي والمميت ، كما يحي في نفس المؤمن التفويض لله في طلب الرزق فالله هو الرازق . كما يحي قلب المؤمن نحو الإستغفار والتوبة ومحاسبة النفس لتكتسب التهذيب الإيماني الحق ، لأن الله _جلت قدرته واسع المغفر ويقبل التوبة من عباده . وبهذا تسموا نفسه لطلب ما قضاه الله في الأزل وقدره لمن أطاعه وهو الجنة ، وتحرص على ترك كل ما من شآنه غضب الله وسخطه .

 أعلى الصفحة

الدرس الثالث والعشرون: الملل الست

س1/ ما المقصود بالملل ؟

ج1/ يقصد بالملل: كل شريعة أو طريقة اتخذها قوم دينا ومنهجا لهم . وقد ذكر القرآن الكريم ست ملل ، وهي: الإسلام ، واليهودية ، والنصرانية ، والصابئة ، والمجوس ، والمشركون قال تعالى:(إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا إن الله يفصل بينهم يوم القيامة) .

س2/ ماهي أحكام بغاة المسلمين ؟

ج2/ على إمام المسلمين أن يدعوهم إلى ترك ما به ضلوا ، فإن أجابوا فلهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين ، وإن أبوا الطاعة وباينوا المسلمين ناصبهم إمام المسلمين الحرب حتى يفيئوا إلى أمر الله ولايحل منهم غير دمائهم فلا تحل غنائمهم ولا تسبى ذراريهم ولا يجهز على جريحهم ولا يتبع مدبرهم ، وتحرم ولا يتهم ما داموا مخالفين ومبتدعين .

س3/ ما موقف إمام المسلمين إن امتنع أهل الكتاب عن الدخول في دين الإسلام ؟

ج3/ يدعوهم إلى أخذ الجزية منهم عن يد وهم صاغرون ، فإن أجابوا حلت ذبائحهم ، ونكاح الحرائر من نسائهم ، وحرم سفك دمائهم ، وغنم أموالهم ، وسبي ذراريهم . فإن امتنعوا حاربهم إمام المسلمين حتى يدخلوا في الإسلام أو يدفعوا الجزية .

س4/ من هم الصابئة ؟

ج4/ الصابئة قيل:إنهم قوم بين اليهود والنصارى اختاروا مطائب التوراة ومطائب الانجيل فقالوا: أصبنا دينا . وقيل: قوم بين اليهود والمجوس . وأحكامهم أحكام أهل الكتاب .

س5/ ما حكم ذبائح المجوس ؟

ج5/ المجوس هم عبدة النار ، لاتحل ذبائحهم ولا نكاح الحرائر منهم ، حتى مع إعطائهم للجزية .

س6/ مالفرق بين شرك الجحود وشرك المساواة ؟

ج6/ شرك الجحود: هو إنكار الله وجحود وجوده ، كما هو حال الدهريين قديما ، والماديين حديثا . قال تعالى:(وقالوا ماهي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر) . شرك المساواة: هو المساواة بين الله والخلق في ذاته أو صفاته أو أفعاله ، كاتخاذ عبادة الأصنام والأجرام والكواكب وسائر المخلوقات آلهة من دون الله_ جل وعلا. قال تعالى:( والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى ) .

س7/ كيف يكون موقف إمام المسلمين من الذين اشركوا ؟

ج7/ يحاربهم إمام المسلمين ، حتى يسلموا طوعا أو كرها ولا تقبل منهم جزية ، ويحل سبيهم وغنيمة أموالهم وسفك دمائهم ما داموا على شركهم .

س8/ وضح حكم زواج المسلم من المشركة . مؤيدا إجابتك بدليل قرآني .

ج8/ لايجوز تزوج المسلم من المشركة . قال تعالى:( ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم )

 أعلى الصفحة

الدرس الرابع والعشرون: الولاية والبراءة الوقوف

س1/ وضح المقصود بـ(الولاية والبراءة والوقوف) ؟

ج1/ الولاية هي: المحبة بالقلب والثناء باللسان والنصر والتأييد بالجوارح عند القدرة على ذلك .

والبراءة هي: البغض بالقلب والشتم باللسان والردع بالجوارح .

والوقوف هو: الإمساك عن الدخول في ولاية أحد بعينه ، وعن الدخول في البراءة منه .

س2/ ما حكم الولاية والبراءة ؟ أيد إجابتك بالأدلة .

ج2/ المحبة القلبية فرض أما الثناء باللسان والإعانة بالجوارح فبحسب الأحوال الداعية لذلك . وهكذا البغض بالقلب فرض وما عدا ذلك من الشتم باللسان والردع بالجوارح فالحكم فيها بحسب الأحوال الداعية . والأدلة على وجوب الولاية والبراءة كثيرة منها: قوله تعالى:( والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض ) . وقال تعالى:(واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات) . وقوله تعالى:(لايتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء ) . وقوله تعالى:(يا أيها الذين آمنوا لاتتولوا قوما غضب الله عليهم ) . وقوله عليه الصلاة والسلام لابن مسعود:( أي عرى الإسلام أوثق ؟ ) قال: الله ورسوله أعلم . قال:(الولاية في الله والبغض في الله) . وقال:( من أحب لله وأبغض لله وأعطى لله ومنع لله فقد استكمل الإيمان) .

س3/ من خلال قوله تعالى:( الله ولي الذين آمنوا ) . وضح كيف تكون ولاية الله للمؤمنين ؟

ج3/ معنى الآية: أن الله_جل وعلا_ متولى أمورالمؤمنين وحافظهم وموجب لهم التأييد والثواب .

س4/ ماهي أقسام الولاية والبراءة ؟

ج4/ أولا: أقسام الولاية:

1_ولاية الجملة: وهي اعتقاد المؤمن ولاية جميع المؤمنين من الأولين والآخرين إلى يوم الدين .

2_ولاية الحقيقة: أي المنصوص على ولايتهم في القرآن الكريم أو في السنة النبوية من الأنبياء والرسل والملائكة والصالحين .

3_ولاية الظاهر: يقصد بها موالاة ومناصرة الأفراد الموافقين للحق بالقول والعمل من خلال ظاهر أعمالهم .

ثانيا: أقسام البراءة

1_براءة الجملة: وهي اعتقاد المؤمن بغض ومعاداة أعداء الله من الأولين والآخرين إلى يوم الدين .

2_براءة الحقيقة: وهم الذين توعدهم الله_جل وعلا_ في كتابه أو على لسان نبي من أنبيائه .

3_براءة الظاهر: ويقصد بها البراءة من كل شخص اشتهر بارتكاب الكبائر أو أصر على الصغائر .

س5/ كيف تثبت براءة الأشخاص ؟

ج5/ تثبت براءة الأشخاص بعدة أمور هي:

1_اقراره بفعل المعصية أو اصراره على فعل المعصية . 2_ بمشاهدته على كبيرة من الآثام . 3_ بشهادة عدلين . 4_ بإشتهار أمره على فعل المعصية.

س6/ ما المقصود بولاية البيضة؟

ج6/ يقصد بولاية البيضة: ولاية الإمام العادل ومن اتبعه على طاعة الله تعالى وتنفيذ أوامر الله ، إلا من ظهر على خلاف الحق فيبرأ منه .

س7/ عدد أقسام الوقوف ؟

ج7/ أقسام الوقوف خمسة هي:

1_الدِين: وهو الكف عن ولاية معين وعن البراءة عنه ، لأنه لم يعلم منه من أعمال الخير ما يوجب الولاية أو ولا من أفعال الشر ما يوجب البراءة منه .

2_الرأي: وهو الوقوف عن الذي تقدمت ولايته بسبب ركوبه أمرا أشكل حكمه واستتر علمه ، فلا يدرى أهو حق فيوالى عليه أو باطل فيعادى عليه ، فيتوقف عنه حتى يعلم حكم حدثه .

3_السؤال: وهو أن يعتقد الواقف وقوف الرأي السؤال في حدث وليه حتى يخرج من حيز الإشكال ، وبهذا يسمى وقوف السؤال .

4_الإشكال: وهو الوقوف عن الوليين إذا فعلا فعلا يوجب كفر أحدهما ، وذلك إذا لعن أحدهما الآخر أو برأ بعضهما من بعض ولم يعلم المبطل منهما ، وهنا ينبغى على الواقف اعتقاد السؤال ليخرج من الحال الذي وقع فيه .

5_الشك: وهو ترك ولاية من لايشك مثل شكك ، أي أن يترك الواقف ولاية من دخل فيه بشرط أن يكون ذلك الشيء لايوجب بطلان الداخل فيه . وهذا الوقوف حكمه الحرمة لما فيه منترك ولاية المحق لأجل حق دخل فيه .

س8/ كيف تتحقق ولاية الحقيقة وبراءة الحقيقة ؟

ج8/ تتحقق ولاية الحقيقة من طريقين هما:

1_أن يرد كتاب من كتب الله بسعادة امريء أو بشقاوته .

2_أن يقول رسول من رسل الله_عليهم السلام _ أن فلانا من أهل الجنة ، أو من أهل النار .

س9/ وضح أساليب القرآن الكريم في ذكره لبعض السعداء والأشقياء ؟

ج9/ تنوعت أساليب القرآن الكريم في ذكر السعداء على أنواع ، وهي:

1_التصريح باسمه . مثاله في جانب الولاية: التصريح باسماء الأنبياء: آدم ، نوح ، إبراهيم ، موسى ، عيسى ، محمد _ صلى الله عليه وسلم . مثاله في جانب الأشقياء ذكر: ابليس وفرعون وهامان وقارون .

2_من كنى عنهم دون التصريح باسمائهم . مثاله في الولاية: أم موسى_عليه السلام . مثاله في البراءة: أبو لهب .

3_ما جيء به منكرا . مثاله في الولاية: مؤمن آل فرعون . وكالذي في قوله تعالى:(وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى قال ياقوم اتبعوا المرسلين) . مثاله في البراءة: الرهط التسعة . الوارد ذكرهم في قوله تعالى:( وكان في المدينة تسعة رهط يفسدون في الأرض ولا يصلحون ) .

س10/ كيف تتحقق ولاية الظاهر ؟

ج10/ تتحقق ولاية الظاهر من خلال:

1_المشاهدة بالعيان . 2_ شهادة العدلين . 3_ الشهرة القاضية المحقة التي لاتدفع .

س11/ لماذا كانت ولاية المؤمنين لبعضهم البعض مهمة ؟

ج11/ ولاية المؤمنين لبعضهم البعض مهمة لأنها تحقق:

أ_ العزة والنصر . قال تعالى:( ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون) .

ب_ عدم الخذلان . قال عليه الصلاة والسلام:(المسلم أخو المسلم لايظلمه ولايخذله ولا يسلمه ) .

  أعلى الصفحة

الدرس الخامس والعشرون: مسالك الدين

س1/ ما المقصود بمسالك الدين ؟

ج1/ يقصد بمسالك الدين: الطرق التي يتوصل بها لإقامة دين الله_جل وعلا _ وتحكيم شرعه . وهي أربعة: الظهور ، والدفاع ، والشراء ، والكتمان .

س2/ ما الدليل القرآني أو النبوي على كل مسلك من المسالك الأربعة ؟

ج2/ أولا: الظهور: لما كان من الواجب تطبيق أحكام الله_ جل وعلا _ وأنه لايتم هذا الواجب إلا بوجود إمام عدل يطبق أحكام الدين ، عندها دل على وجوب الظهور واستقلالية المسلمين في إدارة شئونهم وتطبيق أحكام دينهم . وكان أواخر حياة الرسول _صلى الله عليه وسلم على الظهور ، وهكذا كانت خلافة الخلفاء الأربعة .

ثانيا: الدفاع: أن الرسول _صلى الله عليه وسلم أراد أن يدفع جيوش الأحزاب بثلث ثمار المدينة المنورة .

ثالثا: الشراء: المبايعة تحت الشجرة يوم الحديبية ، والتي سميت ببيعة الرضوان .

رابعا: الكتمان: بداية الدعوة الإسلامية وخاصة السنوات الثلاث الأولى من بدء نزول الوحي .

س3/ متى يكون مسلك الظهور ؟

ج3/ يكون مسلك الظهور عندما يكون المسلمون قادرون على تطبيق شرع الله_ جل وعلا_ ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر علنا وذلك عندما يكونوا نصف عدد عدوهم في العدد والعدة يقومون بمبايعة إمام عدل يقيم فيهم حدود الله_ جل وعلا، ويطبق الأحكام من قطع يد السارق ، ورجم الزاني المحصن ، وجلد شارب الخمر ، وأخذ الجزية من أهل الذمة .. وغيرها من الحدود والأحكام . أي إن الظهور يكون في حالة الإستقلال التام وقيام أحكام الدين ظاهرة .

س4/ لماذا كان الظهور أعلى مراتب المسالك ؟

ج4/ لأنه الأصل المأمور به ، وعليه توفي رسول الله_ صلى الله عليه وسلم _ وفيه تقام حدود الله ، ويحكم كتابه علنا .

س5/ ما المقصود بالتقية الدينية ؟ مع ذكر الدليل على جوازها ؟

ج5/ التقية: معناه دفع الضرر واتقاء الشر باللسان . قال تعالى:( إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ) ، وقوله تعالى:( إلا أن تتقوا منهم تقاة ) ، وجاء في الحديث النبوي عنه عليه الصلاة والسلام:(عفي عن أمتي الخطأ والنسيان ، وما حدثوا به أنفسهم وما أكرهوا عليه ) . ومن ذلك ما جرى لعمار بن ياسر _ رضي الله عنه_ حين أخذه المشركون فلم يدعوه حتى سب رسول الله_صلى الله عليه وسلم _ وذكر آلهتهم بخير ، فلما جاء إلى النبي _ صلى الله عليه وسلم _ قال: يارسول الله ما أراني إلا هلكت ، فأخبره الخبر ، قال: كيف تجد قلبك ؟ ، قال: مطمئن بالإيمان ، قال: فإن عادوا فعد .

س6/ لماذا لاتجوز التقية الدينية في مرحلة الظهور ؟

ج6/ لأن مرحلة الظهور ، مرحلة القوة والقدرة على تطبيق أحكام الله _ جل وعلا _ ، ولهذا فلا تصح التقية الدينية في هذه المرحلة ، وإنما يجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر جهار وعلنا .

س7/ لماذا كان الكتمان أضعف مسالك الدين ؟

ج7/ لأن المسلمين في حالة الكتمان لايستطيعون تطبيق شرع الله وتنفيذ أحكامه ، لأنهم مغلوبون على أمرهم .

س8/ ما حكم التقية التي تؤدى إلى ضرر الآخرين ؟

ج8/ لا تجوز تنجية النفس بإلحاق الضرر بالآخرين .

 أعلى الصفحة

الدرس السادس والعشرون: مكائد الشيطان

س1/ من هو الشيطان ؟

ج1/ الشيطان هو: إبليس اللعين . فهما اسمان لمسمى واحد . وهو مخلوق من عالم الجن ، فسق عن أمر ربه ، فاختار لنفسه طريق الضلال والإضلال .

س2/ ماسبب طرد إبليس _ لعنه الله وأخزاه _من رحمة الله ؟

ج2/ تمرده وتكبره على أمر الله_ جل وعلا_ بالسجود لآدم _عليه السلام . قال تعالى:( وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين ) .

س3/ مالعلة التي تعلل بها الشقي إبليس _لعنه الله_ من عدم السجود لآدم _عليه السلام ؟

ج3/ أن خِلقته أفضل من خلقة آدم _عليه السلام . قال تعالى ( إذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من طين . فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين . فسجد الملائكة كلهم أجمعون . إلا إبليس استكبر وكان من الكافرين . قال ياإبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي استكبرت أم كنت من العالين . قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين ) .

س4/ ماذا كان طلب إبليس _ اللعين _ بعد طرده من رحمة الله_جل وعلا ؟

ج4/ طلب من الله_جل وعلا _ أن يبقيه إلى يوم البعث. قال تعالى:( قال فاخرج منها فإنك رجيم . وإن عليك لعنتي إلى يوم الدين . قال ربي فأنظرني إلى يوم يبعثون . قال فإنك من المنظرين . إلى يوم الوقت المعلوم ) .

س5/ بماذا أقسم إبليس _ لعنه الله_ على الله _ جل وعلا ؟

ج5/ أقسم بعزة الله ليغوين بني آدم . قال تعالى على لسان إبليس:( قال فبعزتك لأغوينهم أجمعين . إلا عبادك منهم المخلصين) .

س6/ مامعنى إضلال الشيطان للعباد ؟

ج6/ معناه دعاؤه لهم إلى الضلال ، وتزيينه لهم الكفر .

س7/ قال تعالى:( إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون ) . استخرج من خلال هذه الآية الكريمة مكائد الشيطان .

ج7/ 1_ يوقع في العداوة والبغضاء . 2_ يصد عن ذكر الله . 3_ يصد عن الصلاة .

س8/ ماذا يفعل الشيطان_ لعنه الله_ إذا نام ابن آدم ؟ أيد إجابتك بدليل نبوي .

ج8/ يعقد عليه ثلاث عقدات تثقله عن القيام . جاء في الحديث النبوي. أبوعبيدة عن جابر بن زيد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله _ صلى الله عليه وسلم:( يعقد الشيطان على قافية أحدكم إذا هو نام ثلاث عقدات يضرب مكان كل عقدة عليك ليلا طويلا فارقد فإذا استيقظ وذكر الله انحلت عقدة فإذا توضأ انحلت عقدة فإذا صلى انحلت عقدة فيصبح نشيطا طيب النفس وإلا أصبح خبيث النفس كسلان).

  أعلى الصفحة

الدرس السابع والعشرون: التوبة

س1/ ما المقصود بالتوبة ؟

ج1/ التوبة لغة: الرجوع ، واصطلاحا يقصد بها: الرجوع إلى الله والإنابة إليه بالعبادة والإستغفار والإكثار من الصدقة . وقد قال عليه الصلاة والسلام:( التوبة من الذنب الندم والإستغفار) ، وقال:( التوبة من الذنب ألا تعود إليه أبدا) .

س2/ ماهي أركان التوبة النصوح ؟

ج2/ جمع العلامة نور الدين عبدالله بن حميد السالمي_ رحمه الله_ أركان التوبة في أنوار العقول فقال:

أركانها ندم مع استغفار***والعزم والرجوع بانكسار

فأركان التوبة هي:

أ_ الندم .

ب_ الإكثار من الإستغفار والتذلل لله _جل وعلا .

ج_ الإقلاع من الذنب .

د_ معاهدة الله على عدم العودة للمعصية .

ه_ رد الحقوق إلى أصحابها إذا كانت المعصية متعلقة بحقوق العباد .

س3/ متى لاتقبل توبة العبد ؟ أيد إجابتك بآية قرآنية أو حديث نبوي .

ج3/ أ_ عند الغرغرة . قال تعالى:( وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن ) .

ب_ عند نزول العذاب . قال تعالى:( فلما رأوا بأسنا قالوا آمنا بالله وكفرنا بما كنا به مشركين . فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا سنت الله التي قد خلت في عباده وخسر هنالك الكافرون ) .

ج_ عند طلوع الشمس من مغربها .قال صلى الله عليه وسلم:( لاتقوم الساعة حتى حتى تطلع الشمس من مغربها ، فإذا طلعت ورآها الناس آمنوا أجمعون،فذلك حين لاينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا). وجاء في الحديث النبوي عن عبدالله بن عمر وغيره أن النبي _ صلى الله عليه وسلم_ قال:(لا تزال التوبة مقبولة حتى تطلع الشمس من مغربها فإذا طلعت طبع الله على كل قلب بما فيه وكفى الناس العمل) .

س4/ كيف يتوب: مضيع فريضة الصلاة أو الصوم ؟

ج4/ قيل: عليه التوبة والكفارة ، مع إبدال ما ضيع . وقيل: لاشيء عليه سوى التوبة .

س5/ ماأهمية فتح الإسلام باب التوبة ؟

ج5/ يجعل الإنسان لايصر على المعصية ، عندما يجد باب التوبة مفتوحا . وذلك أن الإنسان قد يقع في المعصية بسبب من الأسباب فإذا وجد أن باب التوبة مغلقا في وجهه فإنه بالتالي لايبالي من الوقوع فيما هو أشد من ذلك ، ولكنه عندما يدرك أن باب التوبة مفتوح ، وأن سياته ستمحى إن كانت توبته صادقه بل تبدل إلى حسنات عندها سيكون لديه باعث للرجوع من من معصية الله إلى طاعته وعما يكرهه الله إلى مايرضيه .قال تعالى:( قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ماقد سلف) .وقال تعالى:( إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات).

 أعلى الصفحة

الدرس الثامن والعشرون: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

س1/ ما المقصود بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ؟

ج1/ يقصد بالأمر بالمعروف: الدعوة لكل خير ، ولكل فضل وجه إليه الإسلام . ويقصد بالنهي عن المنكر: التحذير من كل أمر نهى عنه الإسلام وأنكره الشرع الحنيف .

س2/ لماذا كان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مهما وضروريا ؟

ج2/ لأن القيام بهذا الواجب معناه حياة المجتمع واستقراره ، وتضييع هذا الواجب معناه دمار المجتمع وفساده ، فتنطلق الشهوات عندما لاتجد زاجرا ولامذكرا لها ، وتستباح المحرمات ، وتضيع الواجبات .

س3/ لماذا لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى بن مريم ؟

ج3/ لعنوا بسبب تضييعهم لواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فكانوا لايتناهون عن منكر فعلوا . قال تعالى :( لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصو وكانوا يعتدون . كانوا لايتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون ) .

س4/ اشرح قوله تعالى:( ياأيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم ) .

ج4/ في هذه الآية خطاب للمؤمنين بأن يلزموا أنفسهم بالطاعة والتمسك بأوامر الله ، والدعوة إلى منهج الله ، ولايلتفتوا لضلال من ضل بعد أن يقيموا عليه الحجة ويأمرونه بالمعروف وينهونه عن المنكر ، فلا يضرهم ضلاله بعد إقامتهم الحجة عليه ، واهتدائهم وتمسكهم بدين الله .

س5/ عن أبي رقية تميم بن أوس الداري أن النبي _صلى الله عليه وسلم قال:( الدين النصيحة (ثلاثا) قلنا لمن يارسول الله ؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم ) . أجب عن الأسئلة الآتية:

أ_ ما معنى قول الرسول _صلى الله عليه وسلم: (الدين النصيحة) ؟

ب_ كيف تكون النصيحة لكل من: لله ، لكتابه ، لرسوله ، لأئمة المسلمين ، لعامتهم ؟

ج5/أ_ معنى كلمة الدين النصيحة: أي قوام الدين النصيحة . والنصيحة معناها: إرادة الخير للمنصوح .

ب_ تكون النصيحة لله _جل وعلا _ بتوحيده ووصفه بالكمالات وتنزيهه عن العجز والسهو والغفلة وسائرالنقائص وتنزيهه عن الإتصاف بصفات المخلوقين .

تكون النصيحة لكتابه: بالحرص على تعلمه وتعليمه ، والعمل بأوامره ، واجتناب ما نهى عنه ، وتطبيق أحكامه ، وذب المبطلين عنه .

تكون النصيحة لرسوله: بالإقتداء به ، والعمل بسنته ، والتزام ما وجه إليه واجتناب ما نهى عنه ، وتعظيمه ، ودفع شبهات المبطلين عنه .

تكون النصيحة لأئمة المسلمين: أئمة المسلمين هم حكامهم العدول العاملون بأحكام الله ، وتكون النصيحة لهم بتقديم المشورة لهم ونصرتهم في الدفاع عن بيضة المسلمين ، وإعانتهم في تدبير شئون المسلمين ، وتذكيرهم بالله _ الواحد القهار . فإن عدم الحكام العدول وتغلب أهل الباطل وجب على الناس نصرة العلماء الورعين العاملين بمنهج الله _جل وعلا_ الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر .

تكون النصيحة لعامتهم: بالسعي لكل ما يعود لهم بالنفع ، وتعليم جاهلهم ، ودفع الأذى عنهم ، وأن يحب لهم ما يحب لنفسه ، ويكره لهم مايكره لنفسه .

 أعلى الصفحة

الخاتمة

الحمد لله الواحد الأحد الذي بنعمته تتم الصالحات وتكتمل وبتوفيقه وإعانته يتحقق النجاح والفلاح وبالإخلاص في التوجه إليه تقبل الأعمال وبطاعته والتزام منهجه تطمئن الأفئدة وبالدعاء تتوجه إليه الألسنة وإليه تصعد الأعمال وبطلب المعالي يتوجه العارفون فتزكوا نفوسهم وترتقي .

والصلاة والسلام على المبعوث بشيرا ونذيرا وهداية للعالمين سيدنا محمد _ صلى الله عليه وسلم _ وآله وصحابته الغر الميامين المتمسكون بالدين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين وبعد

فقد اكتملت هذه الثمرات الجنية المتناولة لتسعة وعشرين درسا من الدروس العقدية والتي أسأل الله_ جل وعلا _ أن يوفق للانتفاع مما فيها والحمد لله رب العالمين

 أعلى الصفحة

رفع الأيدي في الصلاة

لماذا لا يرفع الإباضية أيديهم في الصلاة

 

مقدمة

الاختلاف في مسألة الرفع

أدلة الإباضية في ترك الرفع

مسالة القبض

الرد على شبهة مخالفة السنة

ملاحظات وتعليقات

الخلاصة

 

لماذا لا يرفع الإباضية أيديهم في الصلاة

 

مقدمة

رفع الأيدي في الصلاة لم يقل به أحد من علماء الإباضية، بل إن منهم من كرهه لاعتباره من الحركات المنافية للخشوع في الصلاة. ولهذا فقد تميز الإباضية منذ القرن الأول الهجري بعدم رفع أيديهم في الصلاة، أما المذاهب الأخرى فرغم ثبوت الرفع عندهم إلا أنهم مختلفون في حكمه فمنهم من أوجبه ومنهم من قال باستحبابه ومنهم من أجازه، كما اختلفوا أيضا في عدد مراته وتوقيته، هل هو قبل التكبير أو معه أو بعده،كما هو مفصل في كتب الفقه والحديث عندهم.

ومسألة الرفع هي من المسائل الجزئية في الفقه الإسلامي، وطرحها في هذا الوقت قد لا يأتي بجديد، كما أن الخلاف فيها قديم وهي من الخلافات الفرعية التي لا تمس العقيدة بشيء، ولا ينبغي أن تكون مثار خلاف ونزاع وجدال بين المسلمين؛ في وقت هم أحوج فيه إلى الوحدة والاجتماع والبعد عن الفرقة والاختلاف. لكن الدافع من طرحها الآن عدة أسباب منها:

أولا:- الإجابة على سؤال فقهي يتردد على ألسنة كثير من المسلمين من الإباضية وغيرهم. هذا السؤال هو: لماذا لا يرفع الإباضية أيديهم ولا يقبضونها في الصلاة؟ وما هي أدلتهم في ترك الرفع؟ ولماذا هم يختلفون عن بقية المذاهب في بعض جزئيات الصلاة، كالرفع عند التكبير، وترك التأمين والضم (وضع اليمنى على اليسرى)، وغيرها رغم وجود روايات في كتب الحديث استند عليها القائلون لهذه الجزئيات؟

ثانيا : إن بعض المعاصرين استغلوا كثرة الروايات الواردة في الرفع فوصفوا الإباضية بمخالفة السنة وإنكار الأحاديث المروية عن النبي صلى الله عليه وسلم. فهل حقا يخالف الإباضية سنة النبي صلى الله عليه وسلم؟ وهل هم ينكرون أحاديث الرفع؟ هذا ما سوف يتم طرحه ومناقشته والإجابة عليه في هذا البحث.

ثالثا: انتشار تيارات في الأمة الإسلامية، تتعصب لرأيها وترفض الرأي المخالف، وتتبنى مبدأ التبديع والتفسيق لكل من يخالفهم. كما أنها تملك من الإمكانيات المادية والإعلامية ما مكنها من أن تؤثر في أفكار كثير من المسلمين الذين لم تتح لهم الفرصة للاطلاع على الفقه المقارن. ونظرا للآلة الإعلامية القوية التي يملكها بعض أصحاب هذا الفكر، والتي تتمثل في الكم الهائل من الأشرطة والكتب ومواقع الانترنت والفضائيات، فقد أدّى هذا إلى تهميش الفكر الإباضي ، بل تعدى إلى وصف أتباعه بأوصاف متعددة منها مخالفة السنة والابتداع.

رابعا: العزلة التي عاشها الإباضية على مدى التاريخ وجهل كثير من المسلمين بحقيقتهم وتاريخهم، بالإضافة إلى نسبتهم إلى أهل البدع والأهواء والخوارج من قبل المؤرخين وأهل الحديث قد أوجد فجوة فكرية بينهم وبين إخوانهم من بقية المذاهب، كان لهذا أثر كبير في عدم ذكر آراء الإباضية وأدلتهم حتى ولو كانت مستمدة من الكتاب والسنة، أو وافقت إحدى المذاهب الأخرى.

لقد أصاب الفكر الإباضي قدر كبير من التشويه من قبل المؤرخين القدامى وأصحاب المقالات ومن بعض علماء الحديث، نتيجة للفتن التي تعرضت لها الأمة الإسلامية في القرن الأول الهجري وللظروف التاريخية التي مرت على الإباضية، ولعل من أهم أسباب ذلك أن الإباضية الأوائل لم يكونوا على وفاق مع الأمويين بعد أن ألصقت بهم تهمة الخوارج والابتداع، ولعل هذا ما جعل أهل الحديث وفقهاء المدارس الأخرى يعرضون عن الروايات والآراء الإباضية إعراضا شبه تام.

فمن يقرأ في كتب الفقه عند غير الإباضية لا يجد ذكرا للرأي الإباضي إلا فيما ندر، ومن يطالع في كتب الحديث لا يجد إشارة إلى أي محدثين إباضية إلا قليلا. وهكذا تعاقبت الأجيال على جهل كامل بالفكر الإباضي نتيجة الاعتماد على ما كتبه المؤرخون وأصحاب المقالات من معلومات خاطئة عن الإباضية، قد لا يكون مقصودا لكنه موجود.

ومن أمثلة ذلك أن مسند الإمام الربيع وهو حجة الإباضية في الحديث والفقه لا زال مجهولا عند كثير من المهتمين بالحديث، ورغم أن أغلب الأحاديث الواردة في مسند الربيع مروية في كتب السنة، إلا أنه يوجد قديما وحديثا من ينكر وجود الكتاب، ومنهم من ينكر حتى وجود مؤلفه، وقد سئل أستاذ معاصر يحمل شهادة الدكتوراه في علوم الحديث عن مسند الربيع بن حبيب فكان رده: سمعت عنه ولم أره. وسئل آخر وهو يشغل منصب رئيس قسم التفسير والحديث في إحدى الجامعات المعتبرة عن الربيع ومسنده فأجاب باستهزاء: من الربيع وما مسند الربيع؟.

وهذا أمر يدعو إلى الاستغراب في هذا الزمان الذي سهلت فيه الاتصالات ولم يعد العلم مكتوما أو مجهولا أو خافيا على أحد، فعن طريق البحث في الانترنت أو الاتصال عن طريق الهاتف أو السفر يستطيع أي شخص أن يتأكد من أي معلومة في أي مكان على وجه الأرض في وقت قصير لا يتجاوز عدة ساعات. ولذلك فإنه لا يعذر عند الله من لا يتحرى الصدق والإخلاص في البحث أو في نقل أي معلومة، ولا يعد منصفا من يتجاهل أقوال وآراء من يخالفه في الفكر وهو يعلم أنها موجودة وقريبة.

وبقدر ما نتأسف عند سماع ردود كهذه من رجال كرسوا حياتهم ودراستهم لعلم الحديث، إلا أنه قد نلتمس العذر لبعضهم، لأنه ربما لم تتيسر لهم الظروف للاطلاع على فكر الإباضية. ثم إن التعتيم السياسي والتاريخي على مدى أكثر من ألف عام كان له بالغ الأثر في صد المثقفين والباحثين عن الاطلاع على فكر الإباضية عموما.

كما أنه لا بد أن نسجل هنا أن الإباضية أنفسهم يتحملون نصيبا من جهل الناس لهم بسبب تقصيرهم في نشر فكرهم والتعريف بمذهبهم فيما سبق من الزمان. ورغم الجهود التي قام بها أمثال العلامة السالمي، والشيخ سليمان باشا الباروني، والشيخ أبو اسحق اطفيش، وما تقوم به وزارة التراث القومي والثقافة في سلطنة عمان وجمعية التراث في وادي ميزاب بالجزائر وغيرهما؛ إلا أن الكثير من الكتب الإباضية لا تزال مخطوطة، تنتظر من ينفض عنها غبار النسيان ويريها نور المطابع.

ومن جهة أخرى نذكر بكل أسف أنه يوجد من الباحثين والمفكرين والفقهاء المعاصرين من يعرف عن الإباضية تاريخا وفكرا وعقيدة ومع ذلك يحاول - عن قصد أو غير قصد - تهميش الفكر الإباضي والتعتيم عليه والرد عليه بطريقة غير موضوعية ولا علمية. ولا ندري سبب ذلك في هذا العصر الذي نتوقع فيه توفر الأمانة العلمية، والنقاش العلمي المتزن، والتفتح الفكري والعقلي.

ولعل سائلا يسأل: لماذا لم تنتشر آراء الإباضية قديما كما انتشرت غيرها من الآراء؟ والجواب أنه – بالإضافة إلى بعض ما تقدم - هناك أسباب كثيرة ليس هذا مجال التفصيل فيها، وإنما أذكر أهمها باختصار. ونأمل أن يقوم أحد الباحثين بدراسة تحليلية لهذه الأسباب التي من أجلها أُبعد الفكر الإباضي عن أمة المسلمين منذ زمن بعيد.

من هذه الأسباب :

1-اهتمام أهل الحديث بكتابي البخاري ومسلم وشروحهما وجعلهما كأساس للسنة.

2-اعتبار الإباضية من الفرق المبتدعة الضالة، مما أدى إلى تجنب كثير من المحدثين الرواية عنهم لأنهم اشترطوا فيمن يؤخذ عنه الحديث ألا يكون مبتدعا[1]. وكما تركوا الرواية عنهم تركوا ذكر كثير من رجالهم والقلة المذكورة لم تسلم في الغالب من الجرح[2] بسب انتمائها للفرق الضالة في زعم هولاء. وهذا بدوره جعل بقية المسلمين يعرضون عن الفكر الإباضي ويرفضونه.

3-قلة مصادر تاريخ الإباضية بذهاب كثير منها نتيجة التعصب والظلم والحسد وحرق المكتبات

4-تبني دولا إسلامية لمذاهب معينة تنقل آراءها وتنشرها.

5-منع كتب الإباضية من دخول بعض الدول الإسلامية.

6-ثقة بعض الكتاب المعاصرين العمياء بما كتبه الأقدمون حول الفرق ومن بينها الإباضية

7-انحسار الإباضية في مناطق بعيدة عن مراكز السياسية

8-ضعف العلاقة الاجتماعية بين المجتمعات الإباضية وبقية المجتمعات الإسلامية.

يأتي هذا البحث ليغطي جانبا مجهولا من الفقه اللاابضي وهو يتناول مسألة الرفع والقبض من منظور إباضي، وما هو محاولة لعرض بعض ما توصلتُ إليه من أدلة الإباضية في هذه المسألة، وليس قصدي من ذلك الرد على أحاديث الرفع والضم بقدر ما هو إثبات أن ترك الرفع والضم هو أحد الآراء الموجودة منذ القرن الهجري الأول.

يتكون البحث من أربعة فصول: الفصل الأول يتناول الاختلاف بين العلماء في مسألة الرفع. من حيث مشروعيته وعدد مراته ووقته. الفصل الثاني يبين أدلة الإباضية في ترك الرفع. والفصل الثالث عن الضم أو القبض في الصلاة وما قيل فيه. ثم فصل عن شبهة مخالفة السنة تليه خاتمة وملاحظات.

أرجو أن يكون هذا البحث مدخلا للتعرف على أدلة الإباضية في المسائل الخلافية عموما وفي رفع الأيدي وقبضها بصفة خاصة، وأنا أعلم يقينا أني لم أعط الموضوع حقه من البحث والدراسة ولكن أرجو أن يكون حافزا لغيري من المشتغلين بعلوم الفقه والحديث للتوسع فيه.

وأطمح أن يكون نشر آثار الإباضية دافعا لعلماء ومفكري الأمة الإسلامية للتعرف على فقه المذهب الإباضي ووضعه في مكانه الصحيح، من أجل توحيد صفوف المسلمين ولمّ شعثهم في عصرٍ هُم أحوج ما يكونون فيه للوقوف صفا واحدا لصد الغزو الفكري المتربص بهم في الداخل والخارج.

أسأل الله أن يلهمنا الرشد والتوفيق والهداية لأقوم طريق وأن يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه ويرينا الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه إنه ولي ذلك والقادر عليه.

المبحث الأول - الاختـلاف في مسألـة الرفـع

تمهيد

اختلف أهل العلم من المذاهب الأربعة في رفع الأيدي في الصلاة على عدة أوجه: أولا من ناحية مشروعيته، وثانيا في عدد مراته وثالثا في وقته. فمن ناحية مشروعيته منهم من قال باستحبابه، ومنهم من أجازه، ومنهم من نهى عنه، وقد تناولت العديد من كتب الفقه والحديث عند أهل السنة مسألة رفع الأيدي ولا يتسع المجال في هذا البحث الصغير للتوسع في ذكر ما قيل في الرفع في مختلف الكتب لكني اقتصر على بعض الأحاديث الواردة في الموضوع وعلى ما ذكره ابن حجر العسقلاني في" فتح الباري" لأنه اختصر أقوال من سبقوه من العلماء .

1-الاختلاف في حكم الرفع

نقل ابن حجر عدة أقوال في حكم الرفع منها قول النووي :أجمعت الأمة على استحباب رفع الأيدي في تكبيرة الإحرام ، ثم قال بعد أسطر: أجمعوا أنه لا يجب شيء من الرفع. كما نقل قول ابن عبد البر: "أجمع العلماء على جواز رفع اليدين عند افتتاح الصلاة". ونقل أيضا عن صاحب التبصرة عن مالك أنه لا يستحب. ونقل عن ابن المنذر عن الزيدية أنه لا يجوز رفع اليدين عند تكبيرة الإحرام ولا عند غيرها. ونقل عن القفال عن أحمد بن يسار أنه أوجبه، وإذا لم يرفع لم تصح صلاته[1].

فهذه بعض أقوال العلماء في حكم الرفع، وهي تتراوح بين الاستحباب والجواز وعدم الجواز والوجوب. وهذا الاختلاف يدل على أنه أمر زائد عن الصلاة، وليس سنة دائمة للرسول e.ولو كانت كذلك لما تباين الحكم فيها إلى هذه الدرجة.

2-الاختلاف في عدد مرات الرفع

أما عدد مرات الرفع فقد اختلفوا فيها على عدة أقوال، ودليل كل منهم يستند على أحد الأحاديث المروية في كتب السنة. ومن هذه الأقوال:

أ- الرفع عند تكبيرة الإحرام فقط. وقد رُوي من عدة طرق أشهرها رواية عبد الله بن مسعود ورواية البراء بن عازب رضي الله عنهما. فعن عبد الله بن مسعود عند أبي داود والترمذي وأحمد بن حنبل قال: «ألا أصلي بكم صلاة رسول الله (ص) ، فصلى ولم يرفع يديه إلا مرة واحدة.»[2] ورواه أيضا الإمام مالك في المدونة الكبرى كمارواه الدارقطني[3] والبيهقي[4] بلفظ «وصليت مع النبي (ص) وأبي بكر وعمر فلم يرفعوا أيديهم إلا عند الاستفتاح». ورُوي من طريق البراء بن عازب «أن رسول الله (ص) كان إذا افتتح الصلاة رفع يديه إلى قريب من أذنيه ثم لا يعود». وروى مثله أبوهريرة.

والرفع عند تكبيرة الاحرام هو مذهب الإمام مالك وأتباعه. ففي المدونة الكبرى قال الإمام مالك: (لا أعرف رفع اليدين في شيء من تكبير الصلاة، لا في خفض ولا في رفع إلا في افتتاح الصلاة، يرفع يديه شيئا خفيفا، والمرأة في ذلك بمنزلة الرجل)، قال ابن القاسم[5] : (كان رفع اليدين ضعيفا إلا في تكبيرة الإحرام )[6]، وذكر القرطبي في تفسيره لسورة الكوثر بعد ذكر الخلاف في رفع اليدين قول ابن القاسم: (لم أر مالكا يرفع يديه عند الإحرام. قال: (وأَحب إلي ترك رفع اليدين عند الإحرام )[7].

وهذا القول هو نفسه قول الإباضية. ويفهم من هذا أن الإباضية لم ينفردوا بترك الرفع وإنما هو أحد أقوال متقدمي المالكية.

ب - الرفع عند تكبيرة الإحرام وقبل الركوع وعند الرفع من الركوع ودليلهم الحديث الذي رواه البخاري عن عبد الله بن عمر، وكذلك مسلم عن مالك ابن الحويرث، ونصه عند البخاري «رأيت رسول الله إذا قام إلى الصلاة رفع يديه حذو منكبيه إذا افتتح الصلاة، وإذا كبر للركوع، وإذا رفع رأسه من الركوع رفعهما كذلك أيضا وقال سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد وكان لا يفعل ذلك في السجود»[8].

ج - الرفع عند تكبيرة الإحرام وقبل الركوع وعند الرفع من الركوع وعند القيام من السجدتين لحديث علي بن أبي طالب عند أبي داود والترمذي وأحمد ونصه: «عن علي بن أبي طالب عن رسول الله (ص) أنه كان إذا قام إلى الصلاة المكتوبة كبّر ورفع يديه حذو منكبيه، ويصنع مثل ذلك إذا قضى قراءته وأراد أن يركع، ويصنعه إذا رفع رأسه من الركوع، ولا يرفع يديه في شيء من صلاته وهو قاعد، وإذا قام من السجدتين رفع يديه كذلك وكبر. »[9]

د - الرفع عند المواضع السابقة وعند كل رفع وخفض وقيام وسجود وقعود كما ذكر ابن حجر نقلا عن الطحاوي في المشكل من طريق نصر بن علي عن عبد الأعلى بلفظ «كان يرفع يديه في كل خفض ورفع وركوع وسجود وقيام وقعود وبين السجدتين ويذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك»"[10]. ورغم أن ابن حجر علق على هذه الرواية بأنها شاذة إلا أنه ذكر بعد التعليق أن الحديث رُوي بطرق أخرى فقال: رواه الإسماعيلي عن جماعة من مشايخه الحفاظ عن نصر بن المذكور، وكذا رواه هو وأبو نعيم من طرق أخرى عن عبد الأعلى كذلك.

إذن لدينا خمس روايات مختلفة في عدد مرات الرفع تتراوح بين الرفع مرة واحدة والرفع في كل تكبيرة من تكبيرات الصلاة يصل فيها عدد مرات الرفع إلى ست وعشرين مرة في الصلاة الرباعية. فأي من هذه الروايات هي السنة التي كان عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته رضوان الله عليهم؟

3-الاختلاف في وقت الرفع

اختلف القائلون بالرفع في توقيت الرفع. هل هو مع التكبير؟ أو أن التكبير يسبق الرفع؟ أو العكس. ففي حديث ابن عمر رفع يديه ثم كبر، وفي حديث مالك بن الحويرث كبر ثم رفع يديه وعن وائل بن حجر رفع يديه مع التكبير. وقد ذكر ابن حجر الرفع عند التكبير في رواية وائل بن حجر، وذكر تقديم الرفع عن التكبير وعكسه في حديثين أخرجهما مسلم الأول عن ابن شهاب الزهري والثاني عن مالك ابن الحويرث ثم قال وفي المقارنة وتقديم الرفع على التكبير خلاف بين العلماء.

مما سبق يتضح أن عدد روايات الرفع كثيرة وغير متفقة، فإذا أضفنا إليها روايات وضع اليد اليمنى على اليسرى والخلاف في موضع اليدين؛ هل توضع فوق السرة أو تحتها أو على الصدر؟ اجتمع لدينا عدد كبير من الروايات في هيئة الصلاة التي تتكرر عدة مرات في اليوم والليلة.

ومن خلال الروايات السابقة، لو تصورنا عمل الرسول (ص) في الصلاة لوجدنا أنه كان يصلي بإحدى الحالات الآتية:

·      كان يرفع يديه عند تكبيرة الإحرام مرة واحدة ثم يرسل يديه. وهم المشهور عند المالكية

·      كان يرفع يديه عند تكبيرة الإحرام مرة واحدة ثم يضع اليمنى على اليسرى. وهو رأي أبي حنيفة وأتباعه.

·      كان يرفع يديه عند التكبير ثم يضع اليمنى على اليسرى. ثم يرفع يديه عند الركوع وعند الرفع من الركوع ولايرفع عند السجود. وهو رأي الحنابلة.

·      كان يرفع يديه عند التكبير ثم يضع اليمنى على اليسرى. ثم يرفع يديه عند الركوع وعند الرفع من الركوع وعند السجود. وهو رأي بعض الوهابية[11]

·      كان لا يرفع يديه لا عند التكبير ولا في غيره ولا يضع اليمنى على اليسرى. وهو رأي الإباضية.

والسؤال الذي يفرض نفسه هنا هو : أي من هذه الروايات هي السنة؟ ولماذا اختلفت الأمة الإسلامية في مسألة مثل هذه تكررت آلاف المرات في عهد رسول الله (ص) وفي زمن الخلفاء الراشدين ومن جاء بعدهم من التابعين؟

فمن المعلوم أن الصلاة فُرضت على المسلمين بمكة قبل الهجرة، عاش بعدها النبي (ص) في المدينة عشر سنوات صلى فيها إماما بالصحابة رضي الله عنهم ما لا يقل عن خمسة عشر ألف صلاة غير السنن والنوافل، ثم حج النبي (ص) حجة الوداع في السنة العاشرة للهجرة، وحضر معه أكثر من مائة ألف صحابي من مختلف البقاع فصلى بهم في أيام الحج ثم خطب فيهم خطبته المشهورة، وبعدها بقليل إنتقل صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى وترك لنا الحديث المتواتر الذي يقول (صلوا كما رأيتموني أصلي)[12] ورغم ذلك، اختلف المسلمون في هيئة الصلاة وهي أكثر عبادة كررها النبي (ص) في حياته.

ويحق لكل مسلم أن يتساءل ما هي الهيئة الصحيحة التي كان يصلي بها الرسول ومن بعده من الصحابة والتابعين؟ هل هي هيئة واحدة أم أنه صلى بهيئات مختلفة؟ فكل مسلم يريد أن يحرص على السنة لينال أجر الاقتداء بالنبي (صلى الله عليه وسلم). فهل كان النبي يرفع يديه في أول أمره ثم نهى عن الرفع بعد ذلك؟ أم أنه كان لا يرفع في البداية ثم رُوي عنه الرفع، وإذا كان يرفع فهل كان يرفع مرة واحدة عند التكبيرة الأولى فقط، أو كان يرفع كلما كبر؟

الحقيقة المطلقة في علم الله، لكن بما أن جميع هذه الروايات وردت وتناقلتها الألسن في مجالس العلم، فلا يجوز لأحد إنكار ما صح منها، لكن لكل مسلم الحق في الأخذ بما اقتنع به من رأي، أو أن يقلد أحد المذاهب المعروفة دون أن يصف غيره بإنكار حديث أو مخالفة سنة النبي صلى الله عليه وسلم.

 

 

المبحث الثاني - أدلة الإباضية في ترك رفع الأيدي في الصلاة

نظرا لعدم اتفاق العلماء على هيئة واحدة في الرفع، ووجود أحاديث في النهي عنه، فإن جميع علماء الإباضية – متقدميهم ومتأخريهم - يرون أن رفع الأيدي في الصلاة ليس من سنة النبي صلى الله عليه وسلم وإنما هو عمل زائد عن الصلاة، نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث صحيحة وردت في مسند الإمام الربيع كما وردت في صحيح مسلم وغيره، كما سيأتي بيانه.

ولأن هذه المسألة من فروع الفقه وليست من أركان الصلاة، فإن أهم كتب الفقه عند الإباضيةلم تتعرض لهذه المسألة بالتفصيل فكتاب الايضاح للشماخي وقواعد الاسلام للجيطالي وهما من علماء الإباضية في المغرب لم يتعرضا إلى الخلاف في هذه المسألة رغم أن منهم من ذكر الخلاف الوارد في المسائل الأخرى كالخلاف في البسملة والقنوت وقراءة السورة في الركعتيتن الأوليين من صلاتي الظهر والعصر والتأمين.[1]

يقول الشيخ محمد بن يوسف اطفيش: "ولا قائلا برفع اليدين منا معشر المغاربة الإباضية عند الإحرام فمن رفعهما أو إحداهما قبل الشروع فيها صحت صلاته أو قبل الفراغ فسدت بناء على أن الإحرام منها وصحت بناء على أنه ليس منها أو بعد الفراغ فسدت". وقال الشيخ خميس من مشارقة أصحابنا رحمه الله: ويكره الإحرام قبل التوجه عندنا ورفع اليدين عنده ووضعهما على السرة والإشارة بالإصبع والتورك على اليسرى ولا بأس قيل على من فعل ذلك. وغيرنا يراها سنة.[2]

وبعد أن ذكر الشيخ اطفيش أقوال العلماء من المذاهب الأخرى المستندة على بعض الأحاديث، قال: وهذه الأحاديث كلها لم يصح سندها عندنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهذا جابر بن زيد رحمه الله روى عن سبعين من الصحابة وأكثر الأخذ عنهم؛ منهم أبو هريرة وابن مسعود وعمار وأنس وغيرهم كابن عباس، بل قال حويت ما عندهم من العلم إلا البحر الزاخر ابن عباس فإني لم أرو جميع ما عنده. ولم يثبت رفع اليدين عنده في الإحرام ولا في خفض ولا في رفع ولو صح عنه صلى الله عليه وسلم لرواه عنهم ولرآهم يفعلونه. وجابر بن زيد ثقة عند قومنا كما هو عندنا وإذا كان الأمر هكذا ولم يصح السند في رفع اليدين كان رفعهما إلى المنع أقرب لأنه زيادة عمل في الصلاة ومناف للسكون في الصلاة[3]

أما علماء المشرق فإن الشيخ نور الدين السالمي أورد الرفع من ضمن مكروها ت الصلاة. قال: "رفع اليدين عند الإحرام مكروه ناقض للصلاة عندنا لأنه زيادة عمل في الصلاة، وهو ينافي الخشوع المأمور به أو ينقصه".[4]

ويقول العلامة سلمة بن مسلم العوتبي " أجمع أصحابنا على ترك رفع اليدين في الصلاة لأشياء صحت عندهم في ذلك."[5] ونقل قول أبي الحسن البسيوي:" ولم نر أسلافنا يعملون ذلك ولم نرهم يفسدون صلاة من فعله، ومن فعله لم نره يفسد صلاة من لم يفعله" ونقل أيضا قوله " عندي أن العمل في الصلاة بغير معنى الصلاة لا يجوز، ورأيت رفع اليدين في الصلاة عمدا ليس هو من الصلاة، وقد جاء النهي عنه"[6] .

هذاوقد أجاز الإباضية الصلاة خلف من يرفع، قال الشيخ أحمد بن عبد الله الكندي: "أجاز المسلمون الصلاة خلف من يفرد الاقامة، ومن يسر ببسم الله الرحمن الرحيم، وخلف من يرفع يديه في الصلاة للتكبير، وخلف من يسلم مرتين، ولم يروا في ذلك زيادة ولا نقصان فيها"[7] .

وللاباضية أدلة اعتمدوا عليها في ترك الرفع وهي تنقسم الى قسمين: أدلة شرعية وأدلة عقلية.

1-وجود روايات تنهى عن الرفع:

جاء النهي عن الرفع في عدة أحاديث رواها أئمة الحديث منهم الإمام مسلم والنسائي وأبو داود، كما رواه الإمام الربيع بن حبيب ونكتفي براوية الإمام الربيع في الجامع الصحيح ورواية الإمام مسلم في صحيحه.

أ - رواية الإمام الربيع :أبو عبيدة عن جابر بن زيد عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «كأني بقوم يأتون من بعدي يرفعون أيديهم في الصلاة كأنها أذناب خيل شمس. »[8]

ب- : رواية الإمام مسلم: « حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ قَالَا حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنِ الْمُسَيَّبِ بْنِ رَافِعٍ عَنْ تَمِيمِ بْنِ طَرَفَةَ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ مَا لِي أَرَاكُمْ رَافِعِي أَيْدِيكُمْ كَأَنَّهَا أَذْنَابُ خَيْلٍ شُمْسٍ اسْكُنُوا فِي الصَّلَاةِ، قَالَ ثُمَّ خَرَجَ عَلَيْنَا فَرَآنَا حَلَقًا فَقَالَ مَالِي أَرَاكُمْ عِزِينَ، قَالَ ثُمَّ خَرَجَ عَلَيْنَا فَقَالَ أَلَا تَصُفُّونَ كَمَا تَصُفُّ الْمَلَائِكَةُ عِنْدَ رَبِّهَا فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَكَيْفَ تَصُفُّ الْمَلَائِكَةُ عِنْدَ رَبِّهَا قَالَ يُتِمُّونَ الصُّفُوفَ الْأُوَلَ وَيَتَرَاصُّونَ فِي الصَّفِّ. وحَدَّثَنِي أَبُو سَعِيدٍ الْأَشَجُّ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ و حَدَّثَنَا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، قَالَا جَمِيعًا حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ بِهَذَا الْإِسْنَادِ نَحْوَهُ. »[9]

فهذا الحديث الذي ينهى عن الرفع ثابت عند الإباضية وغيرهم، ورغم وضوح معناه، إلا أن القائلين بالرفع اعترضوا بأن النهي عن الرفع مقيد بحالة الرفع عند السلام وقد رواه حديثا غير واحد من المحدثين منهم البخاري في جزء رفع اليدين ومسلم في صحيحه[10]، لكن المتأمل فيما اعترضوا به يجد أن كلمة السلام لم ترد إطلاقا في هذا الحديث بل وردت في حديث آخر وأنه لا يمكن أن يكون الحديثان حديثا واحدا، فلا يثبت التقييد لأن ظاهر هذا الحديث ينهي عن مطلق الرفع في الصلاة بما فيه الرفع عند السلام.

2-وجود روايات تذكر التكبير في الصلاة بدون ذكر الرفع

وردت أحاديث في الصحاح عمن رُوي عنهم الرفع في البخاري ومسلم وغيرهما ولاذكر فيها للرفع، منها:

أ- الحديث المشهور باسم " المسيء في صلاته" الذي رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة وغيره« أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل المسجد، فدخل رجل فصلّى فسلّم على النبي صلى الله عليه وسلم فرد وقال: "ارجع فصل فإنك لم تصل"، فرجع يصلي كما كان صلّى، ثم جاء فسلّم على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "ارجع فصل فإنك لم تصل" (ثلاثا) فقال: والذي بعثك بالحق ما أحسن غيره فعلمني. فقال: إذا قمت إلى الصلاة فكبر، ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن ثم اركع حتى تطمئن راكعا، ثم ارفع حتى تعتدل قائما، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا، ثم ارفع حتى تطمئن جالسا، وافعل ذلك في صلاتك كلها»[11].

وهذا الحديث هو الأصل الذي بنيت عليه صحة الصلاة ولذلك قال بعض العلماء إن ما ذكر في هذا الحديث فهو واجب وما سواه فهو غير واجب. والرفع لم يذكر في هذا الحديث وكذلك وضع اليد اليمنى علي اليسرى. فلو كان الرفع والقبض من أعمال الصلاة لبينهما الرسول صلى الله عليه وسلم لهذا الرجل.

ب - وفي صحيح مسلم أيضا من أكثر من طريق حديث عن أبي هريرة يتحدث عن التكبير ولا ذكر فيها للرفع. وهذا نص إحدى الروايات:

«حدثنا محمد بن رافع حدثنا عبد الرزاق أخبرنا بن جريج أخبرني بن شهاب عن أبي بكربن عبد الرحمن أنه سمع أبو هريرة يقول: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام الى الصلاة يكبر حين يقوم. ثم يكبر حين يركع ثم يقول "سمع الله لمن حمده" حين يرفع صلبه من الركوع ثم يقول وهو قائم "ربنا ولك الحمد" ثم يكبر حين يهوي ساجدا. ثم يكبر حين يرفع رأسه. ثم يكبر حين يسجد. ثم يكبر حين يرفع رأسه ثم يفعل مثل ذلك في الصلاة كلها حتى يقضيها ويكبر حين يقوم من المثنى بعد الجلوس". ثم يقول أبو هريرة إني لأشبهكم صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم»[12]. وهذا الحديث رواه أيضا النسائي

وفي رواية أخرى في صحيح مسلم عن يحي بن يحي قال: « قرأت على مالك عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أن أبا هريرة كان يصلي لهم فيكبر كلما خفض ورفع فلما انصرف قال: والله إني لأشبهكم صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم»[13] .

فالروايتان السابقتان عن أبي هريرة خاليتان من الرفع عند التكبير رغم أن الأولي مروية عن ابن شهاب الزهري الذي روى حديث الرفع عند التكبير في الإحرام والركوع والرفع من الركوع، كما أن أبا هريرة (رضي الله عنه) الذي رُوي عنه الرفع عند التكبير الأول والركوع والرفع منه رُوي عنه أيضا الرفع مرة واحدة.

ج - روى أبو داود في باب من لم يذكر الرفع عند الركوع[14] عن مسدد « أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل الصلاة رفع يديه مدا. ومسدد هو نفسه روى حديثا في سنن أبي داوود عن وائل بن حجر في الرفع في أكثر من موضع. »[15]

د – روى أبو داود أيضا عن سالم البراد قال: « أتينا عقبة بن عمرو الأنصاري أبا مسعود فقلنا له حدثنا عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم فقام   بين أيدينا في المسجد فكبر فلما ركع وضع يديه على ركبتيه وجعل أصابعه أسفل من ذلك وجافى بين مرفقيه حتى استقر كل شيء منه ثم قال سمع الله لمن حمده فقام حتى استقر كل شيء منه ثم كبر وسجد ووضع كفيه على الأرض ثم جافى بين مرفقيه حتى استقر كل شيء منه ثم رفع رأسه حتى استقر كل شيء منه ففعل مثل ذلك أيضا ثم صلى أربع ركعات مثل هذه الركعة فصلى صلاته". ثم قال هكذا رأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي. »[16]

والروايات السابقة تتوافق مع ما رواه أبوغانم الخراساني عن الربيع بن حبيب قال (حدثني أبو عبيدة عن جابر بن زيد عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قام الى الصلاة كبر حين يقوم فيها، وإذا ركع كبر، وإذا طأطأ راسه في السجود كبر وإذا رفع رأسه من السجود كبر، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل هذا كله )[17]

يُفهم من هذه الأحاديث أن الرفع ليس من الأعمال الأساسية في الصلاة، وأن الذي لا يرفع يديه مع التكبير ليس مخالفا لسنة أو منكرا لحديث كما يقول البعض، بل إن الذي يرفع يديه هو الذي يخشى عليه أنه خالف الأصل لورود النهي عن الرفع كما تقدم.

3-الاختلاف في مفهوم السنة

يرى الإباضية أن اصطلاح السنة يقصد به كل قول أو عمل أو تقرير صدر عن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يثبت خلاف فيها. أما الروايات المختلف فيها أو في نسبتها الى الرسول صلى الله عليه وسلم فلا تدخل تحت إطار السنة الواجب العمل بها .

يقول الشيخ علي يحيى معمر رحمه الله: (إن الأعمال التي صدرت عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم ) في بعض العبادات لسبب عارض، أو فعلها ولم يعد إليها، أو لم يثبت أنه داوم عليها، لا يعتبروها سنة، وإنما يرونها واقعة حال يمكن الإتيان بها في ظروف مشابهة فقط ، ومنها:القنوت في الصلاة، ورفع الأيدي عند التكبير والجهر بكلمة آمين بعد الفاتحة في الصلاة، وزيادة (الصلاة خير من النوم في أذان الفجر).[18].

يُفهم من قول الشيخ علي يحي معمر أن سنن الصلاة هي الأعمال التي داوم عليها النبي صلى الله عليه وسلم ولم يثبت الاختلاف فيها، ومن أمثلة ذلك: المضمضة والاستنشاق وأوقات الصلوات وعدد الصلوات في اليوم، وعدد ركعات الصلاة. كل ذلك من المتواتر العملي من سنة النبي صلى الله عليه وسلم ولم يعرف خلاف فيها. أما الرفع فإن الاختلاف فيه يدل على أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يداوم عليه دواما يجعله يصل إلى مرتبة السنن المؤكدة.

4-القول مقدم على الفعل و النهي مقدم على الأمر

من القواعد الفقهية المقررة عند الفقهاء أن قول النبي صلى الله عليه وسلم مقدم على فعله. يقول الشيخ علي يحي معمر "إذا تعارض قول الرسول صلى الله عليه وسلم وعمله، ولا يمكن الجمع بينهما، فالقول أقوى لأنه أساسا موجه إلينا أما عمله فيحتمل الخصوصية"[19]. ومن أمثلة ذلك ما رواه النسائي وابن ماجة عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ) قال" من أدركه الصبح وهوجنب فلا يصوم "[20] والذي يعارضه الحديث الذي رواه البخاري عن عائشة وأم سلمة أن رسول الله ص كان يدركه الفجر وهو جنب "[21]. فالإباضية يعملون بحديث أبي هريرة بناء على قول النبي صلى الله عليه وسلم. أما غيرهم فأغلبهم يأخذون بحديث عائشة رغم أنه قد يحتمل الخصوصية. كما أن الأخذ بالقول هو نوع من الاحتياط.

وكذلك الرفع، فإذا ثبت أن النبي رفع يديه في الصلاة ، وثبت أيضا أنه نهى عن الرفع، فالأخذ بالنهي أولى. لأن النهي مقدم على الأمر وهو أيضا من القواعد الفقهية لقوله صلى الله عليه وسلم"إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم وإذا نهيتكم عن شيء فانتهوا"[22]

فحديث النهي عن الرفع واضح وصريح بينما الأحاديث المروية في الرفع ليست صريحة، فكل روايات الرفع ، إما هي من أقوال أو أفعال الصحابة، أو قول الصحابي: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو كان الرسول صلى الله عليه وسلم يرفع يديه أو ما شابه ذلك. فلم يثبت حديثا صريحا يأمر بالرفع كما ورد في النهي عنه.

5-الأخذ بمبدأ الاحتياط – الاكتفاء بالأصل خروجا من الخلاف

الاحتياط من المبادئ التي التزم بها الإباضية في العبادات والمعاملات منذ القرون الأولى. فهم يحتاطون في أمور الصلاة عامة وفيما يتعلق بالطهارة التي هي أساس الصلاة خاصة. ومن أجل هذا المبدأ فقد وصفهم بعض مخالفيهم بالتشدد في الدين وخصوصا فيما يتعلق بالطهارة للصلاة والشواهد على هذا كثيرة في الفقه الإباضي. ومن أمثلة ذلك القنوت في الصلاة، فبعض العلماء يرى أن القنوت في الفجر بينما يرى غيرهم أن القنوت في الوتر، أما الإباضية فلا يرون القنوت. كما يعتبرون الدم ناقضا للوضوء، ويقولون بإعادة الصلاة إذا تأكد المسلم أنه صلى في ثوب نجس، بينما من غيرهم من يرى أن الدم لا ينقض الوضوء، ولا إعادة على من صلّى بثوب نجس، إلى غير ذلك من الاحتياطات. كل ذلك خوفا من الوقوع في الشبهة أو مخالفة السنة.

يقول الشيخ أحمد الخليلي: "واعلم أن مسلك أصحابنا في الصلاة الاحتياط بعدم الأخذ إلا بالروايات التي لا يحوم حولها أي ريب في المسائل المختلف فيها لأن الصلاة هي الركن الثاني من أركان الإسلام الذي يلي العقيدة مباشرة، والمحققون من العلماء على اختلاف مذاهبهم لا يقبلون الحديث الآحادي كحجة في المسائل الاعتقادية، لعدم إفادته القطع، فكانت الصلاة المجاورة للعقيدة في الترتيب حرية بالحيطة، على أن من العلماء من قال في صلاة أصحابنا إنها ثابتة بالإجماع، لأن ما يتركونه من الأعمال فيها مختلف فيه عند غيرهم."[23]

فترك الرفع هو الأصل كما ورد في الأحاديث السابقة، وهو لا ينقص من أعمال الصلاة ولا يبطلها، كما أن الرفع قد يدخل المسلم في مخالفة أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالنهي عن الرفع للحديث المتقدم ذكره، ويخشى منه عدم قبول الصلاة. وهذا من الاحتياط.

6-إجماع العلماء على صحة الصلاة بدون الرفع

مع كثرة الأحاديث الواردة في الرفع، فإن الفقهاء قالوا أن الرفع ليس شرطا في صحة الصلاة. قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري[24] نقلا عن ابن عبد البر: "أجمع العلماء على جواز رفع اليدين عند افتتاح الصلاة". والإمام أبو داود رغم ميله إلى الرفع في أكثر من موضع كغيره من أهل الحديث إلا أنه أفرد بابا خاصا بعنوان "الرخصة في ترك ذلك".

وهذا يدل على أنه ليس شرطا في صحة الصلاة، ولا يعتبر ركنا من أركانها، وليس من السنن المؤكدة، بل إن العديد من الفقهاء يذكرونه في المستحبات. يقول ابن عبد البر "رفع اليدين أو إرسالهما كل ذلك من سنن الصلاة"

فابن عبد البر ما كان ليقول هذا لو كان يعلم أن ترك الرفع مخالفةٌ للسنة، ولكنه وجدكثرة الجدال في هذه المسألة فأصدر هذا الحكم، رغم أن القول الذي قاله يحتاج أيضا إلى نظر فلا يمكن أن تكون السنة شيئين متناقضين.

7-تحفظ الإباضية على بعض أحاديث الرفع

كثير من الأحاديث المروية في الرفع فيها اضطراب في متنها أوسندها وقد قام الشيخ أحمد بن سعود السيابي بمناقشة بعض من هذه الأحاديث في رسالة "الرفع والضم في الصلاة" كما أن بعض علماء الإباضية، تحفظوا على الأحاديث المروية عن ابن شهاب الزهري ومنها الحديث الذي رواه عن ابن عمر في الرفع. وسبب التحفظ يرجع الى ارتباطه بحكام بني أمية. وقد أنكر كثير من العلماء حتى من غير الإباضية اتصال ابن شهاب الزهري بالأمويين وكتبوا له يلومونه على ذلك. قال الإمام أبو يعقوب الوارجلاني في كتابه الدليل والبرهان "فكتب إليه عشرون ومائة من الفقهاء يؤنبونه ويعيرونه بما فعل، منهم جابر بن زيد، ووهب بن منبه، وأبو حازم الفقيه، فقيه المدينة وأمثالهم وقد وقفت على كتب هؤلاء الثلاثة إليه"[25]

7-اشتهار الإباضية بالصدق

شهد المخالفون للاباضية بأنه لم يعرف عنهم الكذب في الحديث عن رسول الله (ص). وقد روى عن بعض العلماء - منهم ابن تيميه - أن الخوارج من أصدق الناس في الحديث[26]. لأنهم يعتبرون الكذب من الكبائر التي يخلد صاحبها في النار إن لم يتب. ويقصدون بالخوارج هنا "الإباضية" لأنه من المعروف أن الخوارج لم يهتموا برواية الحديث أوالفقه لانشغالهم بالحروب عن العلم.

8-الرفع الوارد في الأحاديث قد يكون قبل النهي عنه

نظرا لورود الأحاديث المختلفة في الرفع فيمكن الجمع بين الروايات المختلفة في الرفع بالقول إن الرفع المذكور في الأحاديث كان قبل النهي عنه، وأن الرسول كان في أول أمره يرفع يديه في الصلاة، إما مرة واحدة في تكبيرة الإحرام ، أو عدة مرات في مواضع أخرى، ونقل عنه الصحابة هذه الأحاديث، ولكنه في آخر الأمر نهى عن الرفع لحديث جابر بن سمرة الذي تقدم ذكره.

9-الإباضية من أول المذاهب الإسلامية تَكَوّنا:

فالإمام الأول للإباضية هو جابر بن زيد، ولد في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وعاش في البصرة التي كانت مركز الإشعاع العلمي في ذلك الوقت، كما عاصر كثيرا من الصحابة والتابعين و أخذ العلم على كثير منهم، كأم المؤمنين عائشة وعبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر وأنس بن مالك وأبي هريرة وغيرهم.

رُوي عنه أنه قال: "أدركت سبعين بدريا فحويت ما عندهم إلا البحر". ولم يثبت عند الإباضية أن جابر بن زيد أو تلاميذه رفعوا أيديهم في الصلاة أو أمروا بالرفع. فلو كان رفع اليدين أو وضع اليمنى على اليسرى في الصلاة من السنن المؤكدة التي أجمع عليها الصحابة رضوان الله عليهم لكان أول من عمل بهما جابر بن زيد، ولو عمل بهما لنقلهما عنه تلاميذه وأشهرهم أبو عبيدة مسلم بن أبي كريمة، الذي تتلمذ عليه حملة العلم إلى المشرق وحملة العلم إلى المغرب وخراسان، الذين انتشروا في الأمصار منذ بداية القرن الثاني الهجري. فترك الرفع انتقل بالتواتر العملي منذ القرن الأول الهجري جيلا عن جيل حتى وقتنا هذا.

 

المبحث الثالث - مسألة القبض أو الضم أو وضع اليد اليمنى على اليسرى في الصلاة

1-تمهيد

وضع اليد اليمنى على اليسرى في الصلاة أو ما يسمى بالقبض أو الضم أو الكفت هي من الأعمال التي اعتبرتها بعض المذاهب من السنة، لكن الإباضية والمالكية خالفوهم في ذلك لعدم ثبوت الروايات لديهم فيها.

وقد كتب في هذا الموضوع أكثر من واحد من علماء المالكية منهم:

1-الشيخ محمد عابد مفتي المالكية بمكة في "القول الفصل في أدلة السدل"

2-مختار بن امحيمدات الداودي الباسكني الشنقيطي في "مشروعية السدل في الفرض"

3-الشيخ محمد بن الخضر الشنقيطي في "إبرام النقض لما قيل من أرجحية القبض"

2-الخلاف في وضع اليمنى على اليسرى

اختلف أهل العلم في وضع اليد اليمني على اليسرى في الصلاة كما اختلفوا في الرفع. فقد رَوَى وضع اليمنى على اليسرى طائفة من أهل العلم، وبهذا الرأي أخذ أتباع أبي حنيفة والشافعي وابن حنبل، وقد روي إرسال اليدين عن الحسن البصري وإبراهيم النخعي، ويقول ابن عبد البر إن إرسال اليدين ووضع اليمنى على اليسرى كل ذلك من سنن الصلاة.[1]

أما المالكية فلهم في وضع اليمنى على اليسرى ثلاثة أقوال: أولا: توضع في النفل فقط. ثانيا : توضع في الفرض والنفل. ثالثا: لا توضع في الفرض ولا في النفل[2] وهو المعمول به عند متقدمي المالكية، لكن الملاحظ أن كثيرا من متأخري المالكية قد تأثروا بالمذهب الوهابي وبدؤوا يقبضون أيديهم في الصلاة.

واختلف القائلون بالقبض في الموضع الذي توضع فيه اليد. فقد رُوي وضع اليمنى علي اليسرى فوق الصدر عن علي بن أبي طالب. ورُوي وضعها فوق السرة عن سعيد بن جبير وأحمد بن حنبل. ورُوي وضعها تحت السرة عن أبي هريرة وسفيان الثوري وإسحاق.[3]

أما الإباضية فإنهم منذ عهد الإمام جابر بن زيد في القرن الأول الهجري، لا يقبضون أيديهم في الصلاة، فقد ثبت لديهم أن الأحاديث الواردة في القبض ليست من القوة والصراحة بأن تكون سنة من سنن الصلاة الواجب العمل بها، وقد ناقش هذه الروايات الشيخ أحد بن سعود السيابي في "الرفع والضم في الصلاة".[4]

3-أدلة القائلين بالقبض

استند القائلون بالقبض على عدة أحاديث. قيل: إن القبض رُوي عن ثمانية عشر صحابيا واثنين من التابعين، لكن المعترضين على هذه الأحاديث قالوا: إن كل الأحاديث الواردة في القبض لا تخلو من مقال. قال مختار الداودي:( وقد يحتج باستحباب القبض أنه رُوي عن ثمانية عشر صحابيا واثنين من التابعين. وسأخصهم لك بالتفصيل والتبيين، وذلك بما قال في طرقهم أئمة السلف – إن شاء الله تعالى – ليتبين لكل منصف أن السنة لا تثبت بمثل هذه الأدلة).[5] وقد تتبع الداودي هذه الأحاديث، واحدا واحدا مبينا العلة في كل منها.

ويقول الشيخ محمد عابد" وبالجملة فأحاديث القبض ليس أكثرها صحاحا ولا حسانا ولا سالما من الضعف، بل كلها بين موقوف ومضطرب وضعيف[6].

ومن أقوى الأحاديث التي رويت، والتي استند عليها القائلون بالقبض، ثلاثة أحاديث، نذكرها مع ما قيل فيها.

هذه الأحاديث هي:

1-حديث سهل بن سعد

«حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن أبي حازم عن سهل بن سعد قال كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل اليد اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة. قال أبو حازم لا أعلمه إلا ينمي ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم». رواه البخاري و أحمد[7]،

قال الشيخ محمد عابد" إن القبض لم يرو من طريق صحيح ليس فيه مقال إلا من طريق سهل بن سعد المروي في الموطأ[8] والبخاري ومسلم[9]، وليس في البخاري غيره."[10]

ويقول عن هذا الحديث " وهو مع كونه لا غبار عليه في صحة إسناده لا أوّلا ولا آخرا إلا أن الداني قال في أطراف الموطأ هذا الحديث معلول لأنه ظن من أبي حازم لقوله لا أعلمه، ورده ابن حجر بأن أبا حازم لو لم يقل لا أعلمه لكان في حكم المرفوع.[11]

ويقول مختار الداودي معلقا على الحديث" ففي هذا الحديث ثلاث جمل: جملة للصحابي سهل (رضي الله عنه) ,وجملتان للتابعي أبي حازم. فأما جملة سهل(رضي الله عنه) وهي: "كان الناس يؤمرون .." فإن سهلا لم يسند الأمر إلى النبي صلى الله عليه وسلم وإنما بناه للمجهول، وقد اختلف أئمة السلف في حكم بناء الصحابي الأمر للمجهول على قولين: الأول في حكم المرفوع والثاني على أنه موقوف. ثم فصّل الداودي في من قال بالرفع والوقف. ثم تطرق الى قول أبي حازم وذكر الاختلاف فيه[12].

أما الشيخ محمد الخضر فيقول: "ما ذكروه من الأحاديث ليس فيه حديث صحيح سالم من الطعن."[13]، ثم بين العلة في حديث سهل بن سعد، وذكر الاختلاف في رفع الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم ووقفه على الصحابي سهل بن سعد رضي الله عنه.

2-حديث وائل بن حجر

«عن علقمة بن وائل ومولى لهم أنهما حدثاه عن أبيه وائل بن حجر أنه قال رأيت النبي صلى الله عليه وسلم حين افتتح الصلاة رفع يديه حيال أذنيه ثم وضع يده اليمنى على كفه اليسرى والرسغ والساعد ثم أتيتهم بعد ذلك في زمان فيه برد شديد فرأيت الناس عليه جل الثياب تحرك أيديهم تحث الثياب» أخرجه مسلم[14].

وقد تكلم في هذا الحديث كثير من العلماء كما هو مفصل في الكتب المذكورة وخصوصا في سماع علقمة من أبيه. قال الترمذي: سألت البخاري: هل سمع علقمة من أبيه وائل؟ فقال: "إن علقمة ولد بعد موت أبيه بستة أشهر"، قال النووي في تهذيب الأسماء إن رواية علقمة عن أبيه مرسلة وأما المولى الذي مع علقمة فمجهول لا يعرف.[15]

3-حديث عبد الله بن مسعود

«عن عبد الله بن مسعود أنه كان يصلي فوضع يده اليسرى على اليمنى، فرآه النبي صلى الله عليه وسلم فوضع يده اليمنى على اليسرى». أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجة[16] وأخرجه الدارقطني من طريق أحمد بن شعيب قال أنبأنا عمر بن علي أنبأنا عبد الرحمن أنبأنا هشيم عن الحجاج بن أبي زينب قال سمعت أبا عثمان يحدث عن عبد الله بن مسعود[17].

يقول الشيخ محمد عابد : "مدار رواياتهم كلها عن الحجاج بن أبي زينب وقد نقل في الميزان عن ابن المديني أنه ضعيف. وقال النسائي ليس بالقوي وقال الدارقطني ليس هو بقوي ولا حافظ وقال أحمد أخشى أن يكون ضعيفا. نعم قال يحي بن معين: لا بأس به وفي سنده أيضا عبد الرحمن بن إسحق الكوفي وهو ضعيف. قال البخاري فيه نظر، واتفقوا أنه لا يقول هذه الكلمة إلا فيمن كان ضعيفا باتفاق كما ذكر ابن خلدون وغيره. [18]

يقول الشنقيطي معلقا على الحديث: ( رواه أبو داود من طريق محمد بن بكار عن هشيم بن بشير عن الحجاج بن أبي زينب عن أبي عثمان عن ابن مسعود رضي الله عنه من طريق هشيم ومن بعده. وقد اقتصر الذهبي في الميزان (4|412) على أن محمد بن بكار مجهول وأما هشيم بن بشير ففي الميزان (5|431) وتقريب التهذيب (2|296) كثير التدليس الخفي وأما الحجاج بن أبي زينب فقد ضعفه المديني والنسائي وأحمد والدارقطني كما في الميزان (1|462) .   ومع ضعف سند حديث ابن مسعود فإن متنه لا يصح لأن ابن مسعود من كبار المهاجرين، فلا يصح أن يجهل هيئة فعل من أفعال الصلاة التي يتكرر اقتداؤه فيها بالنبي ص خمس مرات كل يوم أن لو كان الفعل من هيئاتها فلا ينبغي لأحد أن يتهمه بهذه الغباوة.[19] ) انتهى

الأحاديث الثلاثة السابقة هي من أصح وأقوى الأحاديث في موضوع القبض، وقد ذكرنا اختصار ما قال فيها أهل العلم. أما بقية الأحاديث فهي كما قال الشيخ عابد ما بين موقوف ومضطرب وضعيف.

4-أدلة الإباضية في السدل

أما الإباضية فلا يعرفون القبض منذ الإمام جابر بن زيد في القرن الأول الهجري، ولم يرد ذكره في أي كتاب من كتب الفقه عندهم، ورغم معرفتهم بالروايات المتعددة إلا أنهم رأوا أن الأحاديث الواردة فيه ليست من القوة والصراحة بأن تكون سنة من سنن الصلاة الواجبة.وقد ناقش روايات الرفع الشيخ أحد بن سعود السيابي في رسالة سماها الرفع والضم في الصلاة طبعتها وزارة الأوقاف والشؤون الدينية بوزارة الأوقاف،كما علمت أن أحد الباحثين يقوم الآن بتحقيق أحاديث الرفع والضم تحقيقا علميا في كتاب نأمل أن سيصدر قريبا إن شاء الله.

ولا يقتصر القول بالسدل على المالكية والإباضية وإنما رُوي عن كثير من كبار التابعين منهم سعيد بن المسيب،وسعيد بن جبير ومجاهد، والحسن البصري، والنخعي ،وابن سيرين مما يدل أن القبض لم يكن معروفا لديهم[20]، كما روي عن الصحابي الجليل عبد الله بن الزبير[21] بأنه كان يسدل يديه في الصلاة.

و يمكننا أن نستنتج آراء الإباضية من خلال ما سبق ومن أدلة الإباضية في ترك الرفع. ونلخصها فيما يلي:

أ- الأصل في الصلاة هو السدل، والقبض شيء زائد عنها، ونظرا لاختلاف العلماء فيه فقد أخذ الإباضية بالأصل وتركوا ما عداه.

ب- الاختلاف يدل على الجواز، ولعل أصوب ما قيل في هذا الأمر قول ابن عبد البر" إرسال اليدين أو ضمهما كل ذلك من سنن الصلاة"

ج-روى الإمام مالك أحاديث القبض في الموطأ، ومع ذلك لم يعمل بها هو ولا أغلب أتباعه، فقد اختلف علماء المالكية الأوائل في القبض على ثلاثة أقوال حسب ما ذكر القرطبي[22]، لكن الذي استقر عندهم أنهم لم يعملوا به. وهذا يدل أن جميع الأقوال كانت موجودة ولكن لم ينكر أحد من السلف على غيره مخالفته للسنة، لدرجة أن الإمام مالكا نفسه رفض طلب أبي جعفر المنصور أن يلزم المسلمين بأحاديث الموطأ، فقد روى ابن عساكر بالسند إلى مالك بن أنس قال: (لما حج أبو جعفر المنصور دعاني فدخلت عليه، فحادثني وسألني فأجبته فقال إني قد عزمت أن آمر بكتبك هذه التي وضعتها - يعني الموطأ - فتنسخ نسخا، ثم أبعث إلى كل مصر من أمصار المسلمين منها بنسخة، وآمرهم أن يعملوا بما فيها لا يتعدونه إلى غيره، ويدعوا ما سوى ذلك من هذا العلم المحدَث، فإني رأيت أصل العلم رواية أهل المدينة وعلمهم، قال: فقلت يا أمير المؤمنين، لا تفعل هذا فإن الناس قد سبقت لهم أقاويل، وسمعوا أحاديث، ورووا روايات، وأخذ كل قوم منهم بما سبق إليهم، وعملوا به، وإن ردهم عما اعتقدوه تشديد، فدع الناس وما هم عليه، وما اختار أهل كل بلد لأنفسهم، فقال لعمري لو طاوعتني على ذلك لأمرت به).

إنّ الذي يفهم من كلام الإمام مالك أنه رُويت روايات مختلفة في فروع الفقه يعارض بعضها بعضا، فلم ينكرها أو يضعفها أو يرجح عليها ما رواه في الموطأ، ولكن ترك الناس يعملون بما وصل إليهم من رواية وعلم مما يعتقدون أنه الحق. ولو كان الإمام مالك ممن يحب الدنيا أو الشهرة لطار قلبه فرحا بهذا العرض الذي جاءه من أمير المؤمنين.

وهذا الخُلُق الذي كان عند الإمام مالك هو نفسه الذي كان عند الصحابة ومن بعدهم من التابعين، وأمثاله من السلف الصالح وهو الذي نرجو أن يتخلق به علماء المسلمين ومفكروهم ومثقفوهم في هذا العصر، ولا يتعصبوا لآرائهم دون اعتبار لبقية العلماء المخالفين لهم في الرأي.

لقد كان من نتيجة هذا الخلق الكريم الذي تحلى به الإمام مالك أنه لم يصل إلينا خلاف بين المسلمين الأوائل إلا شيئا يسيرا، بينما نجد الخلاف شديدا فيما تلا ذلك من أجيال عندما دُوّن الحديث وبدأ من يرجح بعض الأحاديث على غيرها، وفقا لما اقتنع به من مفاهيم وقواعد.

د – إن الدارس للتأريخ ليدرك أن القبض لم يكن مشهورا في القرون السابقة كشهرته الآن، فلم يكن مشهورا في الأندلس، وكذلك في بلدان المغرب العربي:ليبيا، وتونس، والجزائر، والمغرب الأقصى، وموريتانيا. وكذلك مصر والسودان، حيث كان المذهب المالكي هو الغالب. ولا يزال معظم سكان هذه البلدان إلى وقت قريب، لا يرفعون أيديهم إلا مرة واحدة ولا يضعون اليد اليمنى على اليسرى في الصلاة. لكن بعد انتشار المذهب الوهابي نظرا للإمكانيات المادية والقوة الإعلامية التي يملكها، دفع كثيرا من المنتسبين إلى المالكية والإباضية إلى الاقتناع بالقبض وذلك لجهلهم بأدلة مذاهبهم.

وقد كان للسياسة دور كبير في تسيير الفقه. فقد تبنّت الدول المتعاقبة على حكم بلاد الإسلام مذاهب معينة وحكمت بمقتضاها. فقد كان مذهب أبي حنيفة في المشرق، ومذهب مالك في المغرب من أوسع المذاهب انتشارا، لأنه أتيحت لكل من المذهبين دولة تتبناه وتنشره. وقد تبنت الدولة العباسية مذهب أبي حنيفة ومكنت له. فعندما تولى أبو يوسف رئاسة القضاء في عهد هارون الرشيد كان يولي القضاء لأتباع مذهبه، فاضطرت العامة إلى أحكامهم وفتاويهم. وانتشر المذهب الحنفي في مصر في زمن العباسيين، إلى أن استولى عليها الفاطميون، فنشروا المذهب الإسماعيلي، ومنعوا التفقه على مذهب أبي حنيفة، لأنه مذهب الدولة العباسية، وسمحوا بالتفقه على المذهب المالكي والشافعي والحنبلي، وقد عمل الأمويون في الأندلس على نشر المذهب المالكي، والأيوبيون على نشر المذهب الشافعي والسعوديون علي نشر المذهب الحنبلي. ورغم أن مذهب أبي حنيفة ومذهب مالك كانا من أوسع المذاهب انتشارا في السابق، إلا أنه في السنوات الأخيرة نتيجة لسهولة الاتصالات والإمكانيات المادية والإعلامية لبعض الدول والمؤسسات فقد انتشر المذهب الوهابي في كثير من بلاد المسلمين .

المبحث الرابع - شبهة مخالفة السنة

رغم أن أدلة الإباضية في ترك الرفع مستمدة من سنة النبي صلى الله عليه وسلم ومن أدلة تاريخية وعقلية كما ذكرنا. ومع ذلك نقرأ ونسمع من يقول إن الإباضية لعدم أخذهم بأحاديث الرفع هم مخالفون لسنة النبي صلى الله عليه وسلم وينكرون الأحاديث الصحيحة التي رويت في البخاري ومسلم.

ولا أظن أنه يوجد مسلم في هذا الكون، من الإباضية أو من غيرهم يتعمد أن يخالف قول النبي صلى الله عليه وسلم أو عمله أو سنته لمجرد المخالفة، وإنما كل مسلم يعمل بما اقتنع به من رأي أو دليل أو يتبع مذهبا من المذاهب المعروفة.

وقد أنكر بعض الفقهاء والكتاب على الإباضية تركهم الأخذ بالأحاديث الواردة في البخاري ومسلم في مسألة الرفع وغيرها من المسائل الخلافية، وهم يدركون جيدا أن ترك الأخذ بالحديث ليس إنكارا للحديث ولا مخالفة للسنة، والفقيه الذي يرجح عملا على عمل أو حديثا على حديث إنما يفعل ذلك بناء على ما تواتر لديه من قول أو عمل، وما اعتمد عليه من أصول التشريع والاجتهاد الذي قد يختلف من فقيه إلى آخر، وينطبق هذا على كل مسألة اختلف فيها الأولون.

ولو تتبعنا أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم لوجدنا عدة أحاديث رواها الإمام البخاري أو الإمام مسلم أو غيرهم وقد جرى العمل على خلافها عند أهل السنة. ومن أمثلة ذلك ما يلي:

صلاة السفر : فقد روى البخاري عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: أقام النبي صلى الله عليه وسلم بمكة تسعة عشر يقصر .وفي رواية (يصلي ركعتين) فنحن إذا سافرنا تسعة عشر قصرنا، وإن زدنا أتممنا. وفي البخاري أيضا عن أنس بن مالك (رض) قال: خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى مكة فكان يصلي ركعتين ركعتين حتى رجعنا إلى المدينة. قلت: أقمتم بمكة شيئا. قال: عشرا. وعنه أيضا قال: (صليت الظهر مع النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة أربعا، والعصر بذي الحليفة ركعتين) [1]. وذو الحليفة هو المكان الذي يحرم منه الحجاج من المدينة المنورة وهو يبعد عن المدينة مسافة قصيرة ومع هذه الأحاديث الصحيحة والصريحة نجد أن الذي جرى العمل به عند أغلب أهل السنة أن مسافة السفر أربعة وثمانون كيلومترا وأن السفر إذا زاد عن أربعة أيام جاز للمسافر أن يتم الصلاة. وهذا العمل يخالف ظاهر الحديث الصحيح المذكور ، ومع ذلك فلا نقول إنهم يخالفون السنة، لكن نقول أنهم بنوا حكمهم على روايات أو اجتهادات أخري.

صلاة التراويح : كانت إلى وقت قريب تصلي في المسجد الحرام وفي مسجد النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة عشرين رغم تضعيف العلماء[2] للحديث المروي عند ابن أبي شيبة عن ابن عباس. أما الآن فهي تصلى ست عشرة وفي كلا الحالتين فإن هذا العمل يعتبر مخالفة واضحة لحديث صريح في البخاري ومسلم عن عائشة (رضي الله عنها) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة.[3]

صلاة الضحى: ففي مسلم عن عائشة(رض) أنها سئلت: أكان النبي صلى الله عليه وسلم   يصلي الضحى. قالت: لا إلا أن يجيء من مغيبه[4]. وفي حديث آخر قالت: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي سبحة الضحى قط وإني لأسبحها. وفي حديث ثالث سُئلت كم كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي صلاة الضحى؟ قالت: أربع ركعات ويزيد ما شاء.[5]

فهذه الأحاديث مروية في صحيح مسلم وهي في موضوع واحد وهو صلاة الضحى ويبدو كأنها متعارضه، والمسلمون اليوم منهم من يصلي الضحى ومنهم من لا يصليها بناء على إحدى الروايات، ولم ينكر أحد على آخر فعله أو اتهمه بمخالفة السنة.

الشرب قائما: روى أهل الحديث أن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن الشرب قائما كما رووا عنه أنه شرب قائما. ففي صحيح مسلم عدة أحاديث تنهى عن الشرب قائما منها حديث قتادة عن أنس (رض) عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى أن يشرب الرجل قائما. قال قتادة فقلنا لأنس فالأكل؟ قال: ذلك أشر وأخبث.[6] كما روي أيضا عن أبي هريرة (رض) قال: قال رسول الله : (لا يشربن أحد منكم قائما فمن نسي فليستقىء)، أي يتقيأ، وفي مقابل هذا رُويت أحاديث تقول بجواز الشرب قائما. ففي البخاري ومسلم عن ابن عباس (رض) قال: (سقيت النبي من زمزم فشرب وهو قائم). وفي الترمذي عن ابن عمر قال: (كنا نأكل على عهد رسول الله ونحن نمشي ونشرب ونحن قيام). فمن الذي يخالف السنة هل الذي يشرب قائما أو جالسا؟ ولم نسمع أن مسلما اتهم آخر بمخالفة السنة لكونه شرب قائما.

هذه بعض الأمثلة العملية التي مما اختلف فيها الناس. ومسألة الرفع يجب ألا تخرج عن هذا الإطار وهو جواز الرفع لمن شاء أن يرفع وعدم الرفع لمن رأى أن عدم الرفع أولى. كما أنه إن شاء صلى الضحى أو تركها وله الخيار أن يصلى التراويح ثماني ركعات أو ست عشرة ركعة، أو عشرين أو أربعة وعشرين ، ولا يجب أن يوصف من فعل هذا أو ذاك بمخالفة السنة.

وينسحب هذا الحكم على كل مسألة خلافية لم يتفق فيها المسلمون في الصلاة كالجهر بالبسملة والقنوت وقراءة السورة في الركعتين الأوليين من الظهر والعصر والتسليم وغيرها من المسائل الفرعية التي اختلف فيها الأولون.

وفي ظني أن اتهام الإباضية بمخالفة السنة لم يأت لتركهم الرفع أو عدم العمل بحديث معين وإنما هو أولا نظرا للجهل بأصول الفقه الإباضي ونتيجة لظروف تاريخية و سياسية قديمة تركت بصماتها في كتب عند أهل السنة.

 

 

ملاحـظـات وتعـليـقـات

مسألة الرفع كمسألة خلق القرآن شغلت علماء المسلمين الأوائل سنوات عديدة كل يحاول إثبات صحة رأيه. ومن أكثر المسائل التي كثر فيها الخلاف مسألة هل الرفع مرة واحدة أم عدة مرات؟ وقد علق أحد محققي سنن الترمذي على هذه المسألة بقوله" وقد جعل الحفاظ المتقدمون هذه المسألة – مسألة رفع اليدين عند الركوع وعند الرفع - من مسائل البحث الخلاف العويصة، وألف فيها بعضهم أجزاء مستقلة، ثم تبعهم من بعدهم في خلافهم، وتعصب كل فريق لقوله، حتى خرجوا بها عن البحث إلى حد العصبية، والتراشق بالكلام، وذهبوا يصححون بعض الأسانيد أو يضعفون، انتصارا لمذهبهم، وتركوا – أو كثير منهم سبيل الإنصاف والتحقيق."[1]

وتأكيدا لما سبق، فبينما كنت أجمع المعلومات لهذا البحث قرأت بعض الأشياء الغريبة التي تتعلق بالخلاف في مسألة الرفع، فأحببت أن أذكرها هنا وأعلق عليها وأترك للقارئ أن يفهمها كما يشاء.

1-حرص كثير من المحدثين على إثبات أن الرفع أكثر من مرة أنه هو السنة التي يجب إتباعها، بناء على الحديث المروي عن ابن عمر (رضي الله عنه) الذي يذكر الرفع عند الركوع وبعد الركوع، لكنهم اصطدموا بحديث عبد الله بن مسعود الذي يقتصر على الرفع في التكبيرة الأولى فقط، وقد نال حديث عبد الله من النقد الرفع ما تجاوز النقد العلمي الموضوعي إلى اتهام عبد الله بن مسعود(رضي الله عنه) بالنسيان ، واستدل بعض العلماء بدليل النسيان ليثبت أن حديث ابن عمر الذي رواه البخاري أقوى من حديث ابن مسعود الذي رواه الترمذي، قال الزيلعي[2] في نصب الراية نقلا عن صاحب التنقيح: (ليس في نسيان ابن مسعود ما يستغرب، فقد نسي ابن مسعود من القرآن ما لم يختلف فيه المسلمون بعد، وهما المعوذتان، ونسي ما اتفق العلماء على نسخه مثل التطبيق، ونسي كيف قيام الاثنين خلف الإمام، ونسي ما لا يختلف العلماء فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الصبح يوم النحر في وقتها، ونسي ما لم تختلف العلماء فيه من وضع المرفق على الساعد على الأرض في السجود، ونسي كيف يقرأ النبي صلى الله عليه وسلم" وما خلق الذكر والأنثى" وإذا جاز على ابن مسعود أن ينسى مثل هذا، كيف لا يجوز أن ينسى مثله في رفع اليدين)[3].

الحقيقة أن ما سبق من وصف عبد الله بن مسعود بالنسيان لأمر غريب وعجيب. وإذا صح هذا فهو يدل على مدى التعصب الذي بلغ إليه بعض العلماء في مسألة فرعية مثل مسألة الرفع. وإذا كان هذا قد قيل في عبد الله بن مسعود رضي الله عنه فلا يستغرب أن ترد أقوال الإباضية أو غيرهم في أي مسألة من المسائل الخلافية.

إن الذي بلغنا عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه كان من السابقين الأولين إلى الإسلام، وهو أول من جهر بالقرآن بمكة وهاجر إلى الحبشة ثم إلى المدينة وشهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بدرا وبيعة الرضوان والمشاهد كلها. كما شهد معركة اليرموك بعد النبي صلى الله عليه وسلم وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يحبه ويكرمه وهو خادمه وصاحب سره ورفيقه في حله وترحاله، وهو من كبار علماء الصحابة وحفاظ القرآن، فهو الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: (مُلىء من رأسه إلى أخمص قدميه علما)، وقال فيه عمر بن الخطاب (رض) (وعاء مُلىء علما) وهو الذي يقول عن نفسه: (ما من آية في كتاب الله إلا وأنا اعلم متى نزلت وكيف نزلت وفيمن نزلت) فكيف يوصف بعد ذلك بنسيان عدة أمور منها المعوذتان وكذلك الرفع في كل تكبيرة في الصلاة. وهو أمر عملي يتكرر يوميا خمس مرات.

2-مما روى من أدلة الرفع ما نقله ابن حجر في فتح الباري عن الحاكم وأبي القاسم بن منده أن ممن روى الرفع العشرة المبشرون بالجنة كما قال أن شيخنا أبو الفضل (لعله يقصد شيخ بن حجر) تتبع من رواه من الصحابة فبلغوا خمسين صحابيا. ولكنه لم يذكر أسماءهم كما أنه لم يبين هل المقصود الرفع مرة واحدة أم عند المواضع الأخرى، وقال أيضا: وقد ذكر أيضا قول البخاري إن الرفع رواه سبعة عشر صحابيا. ولكن الإمام البخاري لم يذكر في صحيحه إلا رواية عبد الله بن عمر ومالك بن الحويرث رضي الله عنهم.

لكن الإمام البخاري صنف كتابا آخر بعنوان "رفع اليدين في الصلاة"[4]. ومع تشدد البخاري في نقل الأحاديث لدرجة أن صحيحه يعتبر من أصح الكتب، إلا أنه لم يلتزم في هذا الكتاب المنهج الذي التزم به في صحيحه من حيث صحة الأحاديث، فنقل فيه كل ما وصل إليه فيما يتعلق بموضوع الرفع، فاختلط فيه الصحيح والضعيف والمرفوع والمقطوع من الحديث. والسبب من تأليف الكتاب - فيما يبدو لمن يقرأ الكتاب - هو الرد على الحنفية الذين يقولون بأن الرفع مرة واحدة فقط.

وقد قام بديع الدين الراشدي بتحقيق هذا الكتاب، ونقل فيه قول البيهقي عن العراقي : أن الذين رووا الرفع من الصحابة بلغوا خمسين صحابيا. ثم جاء من تكلم في الرفع من بعد ذلك واستدل بأن الرفع رواه خمسين صحابيا منهم العشرة المبشرين بالجنة، فظن كثير من العوام أن هذه الروايات في صحيح البخاري.

والحقيقة أن دعوى الخمسين صحابيا الذي رووا الرفع تحتاج إلى إثبات، لأن الذي يرجع إلى كتب الحديث يجد أن مجموع أحاديث الرفع كلها في الكتب التسعة بلغت أكثر من مائة وخمسة وثلاثين حديثا منها الصحيح والضعيف والمكرر والزيادات والروايات المتشابهة. أما الأحاديث المشهورة في الرفع فرواتها من الصحابة – حسب ما وجدت - إثنا عشر صحابيا [5] , ليس فيهم ممن عُدّ من المبشرين بالجنة إلا علي بن أبي طالب كرم الله وجهه. وهذا ما جعلنا نتساءل عن صحة قول من يقول إن أحاديث الرفع رواها أكثر من خمسين صحابيا منهم العشرة المبشرين بالجنة. فلم أجد في كتب السنة المشهورة – على حد علمي - أي حديث من أحاديث الرفع رُوي عن أبي بكر الصديق، أو طلحة بن عبيد الله، أو الزبير بن العوام، أو سعيد بن زيد، أو سعد بن أبي وقاص.

أتمنى أن يقوم أحد الباحثين بتحقيق أحاديث الرفع المذكورة في كتاب رفع اليدين للبخاري، ويبين حقيقة هذه الدعوى من عدمها.

 

 

خـلاصة البـحـث

أرجو أن أكون قد وفقت في إبراز بعض من أدلة الإباضية في مسألة الرفع الضم، وبناء على ما تقدم، يمكن أن نخلص إلى ما يلي:

1-إن ترك رفع اليدين في الصلاة وإرسالهما هو الرأي الذي استقر عليه فقهاء الإباضية والذي جرى العمل به منذ القرن الأول الهجري حتى وقتنا الحاضر، ولم ينقل عن علمائهم الأوائل الاختلاف فيه. وهذا الرأي ليس جديدا ، فقد كان من قبل ظهور المذاهب الأربعة، ومن قبل البداية في تدوين الحديث أو تصنيفه ومن قبل أن يختلف المسلمون في هذه المسألة أو غيرها كما أن الصلاة بدون رفع اليدين صحيحة بإجماع الأمة.

2-إن الإباضية عندما لا يرفعون أيديهم في الصلاة، لا يقصدون مخالفة السنة، كما يظن البعض وإنما هو إتباع للسنة بناء على ما صح عندهم من أحاديث واقتداء بأئمتهم المتقدمين ، وعلى أدلة عقلية وتاريخية، وأخذا بمبدأ الاحتياط والخروج من الخلاف دون الإخلال بأركان الصلاة المجمع عليها.

3-الإباضية لا ينكرون على من يرفع، أو يقبض، ولا يعتبرونه مبتدعا ولا مخالفا للسنة ولا يمنعون الصلاة خلف من يرفع، ولو ثبت لديهم أن الرفع من السنن المؤكدة التي داوم عليها النبي صلى الله عليه وسلم لكانوا أحرص الناس على العمل به. فمن رأى ترك الرفع والضم فصلاته صحيحة بالإجماع، ومن اطمأن إلى الرفع فرفع يده في التكبيرة الأولى أو غيرها أخذا بإحدى الروايات، فصلاته صحيحة كذلك. وكلاهما مأجور إن شاء الله تعالى.

4-التعامل مع المسائل الخلافية كمسألة الرفع أو الضم أو غيرهما من المسائل الأخرى يجب أن يكون من منطلق البحث العلمي الموضوعي الهادف والنية الخالصة من أجل الوصول إلى الحق بعيدا عن الاتهامات بمخالفة السنة أو الابتداع في الدين.

وأخيرا، أسأل الله تعالى أن يجمع شمل المسلمين على الخير، و يعينهم على مجاهدة أنفسهم والشيطان، وأن يبعد عنهم الخلاف وأهله والشر وأهله إنه ولي ذلك والقادر عليه.

اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه وارنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه، وصل اللهم وسلم وبارك على رسولك الأمين وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين.

 المصدر:ـistiqama

رفع اليدين وقبضهما في الصلاة

جواب حول مسألة رفع اليدين وقبضهما في الصلاة

كتب أحد الفضلاء:

جوابي لأحد الإخوة حول رأي الإباضية حول مسألة رفع اليدين في الصلاة، وشكواه من مضايقات في صلاته من بعض المتعصبين،
هو مجرد جواب مقتضب لمن أراد الاستفادة،
ومن أراد التفصيل فعليه بالكتب

""وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته أخي الكريم الفاضل...

أخي الكريم لقد اختلف المسلمون في مسألة رفع اليدين في الصلاة على عدة أقوال ووضعيات؛ فمنهم القائل برفعها عند كل تكبيرة في الصلاة، ومنهم القائل بقصر ذلك على تكبيرة الإحرام والركوع والرفع منه، وقائل يقتصر على الرفع في تكبيرة الإحرام فقط، وقائل لا يرى مشروعية رفع اليدين كليا وفي جميع المواضع، وذهب إلى القول الأخير الإباضية وبعض الزيدية ورواية عن الإمام مالك.

ولا ريب أن هذه الأمور من الفرعيات الخلافية التي لا ترقى حتى إلى واجبات الصلاة، فضلا عن أركانها، وقد نقل الإمام النووي الإجماع على عدم وجوب الرفع في أي موضع في الصلاة (شرح النووي على مسلم، 4/ 95)، كما نقل اتفاق جمهور المذاهب الأربعة السنية على أن رفع اليدين من المستحبات في الصلاة (نفس المرجع)، ولا ريب في ذلك فلو كان الرفع من أساسات عمود الدين التي لا يتم إلا بها، لما تم حصول اختلاف النقل العملي حول تلك الوضعيات، تماما كعدم اختلاف النقل العملي على وجوب الركوع والسجود وعدد الصلوات وركعاتها، ولكن هذه الفرعيات ثبتت بروايات آحادية قد تكون حجة لمدرسة فقهية ولا تكون حجة على أخرى، وهي روايات تم تدوينها في عصر لاحق، فأقوى رواية آحادية تحكي مشاهدة ابن عمر لرفع النبي عليه الصلاة والسلام ليديه في الصلاة كانت بسند خماسي ودونت في القرن الثالث بعد قرون من صلوات المسلمين.

واتفاق النقل العملي على أهم أركان الصلاة وأعدادها ومواقيتها يشكل الأرضية المشتركة القطعية بين المسلمين في هيئة الصلاة، ولذلك اعتبر بعض العلماء أن حديث "المسيء صلاته" (وميزته أنها رواية فيها تعليم مباشر من النبي للصلاة ولا تحكي مشاهدات) – اعتبروه الأساس لبيان واجبات الصلاة وأن غيرها سنن، إلا الواجبات المجمع عليها ولم تذكر في الرواية (النية والقعود الأخير والترتيب)، وخلاف ذلك كله فرعي مختلف في وجوبه حتى التشهد والقعود بين السجدتين والتسبيح في الركوع والسجود فضلا عن الرفع والضم والاستعاذة. (راجع مثلا تحقيق الإمام النووي في هذه المسألة في شرحه لحديث المسيء صلاته في شرحه على صحيح مسلم 4/107)، فالتفريق بين الواجبات التي اتفقت عليها الأمة والسنن المختلف فيها مهم للوقوف على روح الصلاة الحقيقية، وهو مطلق الخضوع المتمثل في الركوع والسجود والطمأنينة والخشوع والتبتل، ثم يأتي الشكل النهائي للصلاة أمر خلافي تؤصله المذاهب حسب مناهجها في التعامل مع الأثر والرواية والعمل الفقهي، ولا يؤثر ذلك على جوهر الصلاة وحكمتها وروحها.

وبما أن هذه المسألة خلافية لم يرد فيها نص قاطع ولا متواتر متفق على تواتره ولم يتفق النقل العملي على صورة واحدة فيه؛ فإن لكل مدرسة منهجها في بناء منظومتها الفقهية، ومنهجها مع التعامل مع الآثار والروايات الواردة عن النبيء صلى الله عليه وسلم، ورغم اشتهار منهج أهل الحديث إلا أنه ليس منهجا فقهيا يحاكَم إليه جميع المدارس الإسلامية، وإنما هو مجرد آلية لترتيب درجة صحة الأخبار وفقا فرضيات فنية وضعها المحدثون وجميعها ظنية ترجيحية، أما مناهج الفقهاء في الاستنباط فلم تكن جميعها على شاكلة واحدة في التعامل مع الرواية وحتى عند المذاهب السنية نفسها، فالتعامل المنهجي للإمام مالك وأبي حنيفة مع الرواية يختلف عن تعامل ابن حنبل والشافعي، فالمشهور مثلا عن الإمام مالك تقديم القياس وعمل أهل المدينة على الرواية الآحادية، وهو منهج يشبه منهج المدرسة الإباضية في تقديم الأثر المتفق عليه المنقول عبر حلقات علماء المذهب على الرواية الآحادية، لدرجة الموثوقية في نقل العلماء وحلقاتهم العلمية، وخاصة فيما من شأنه الاشتهار كمسائل الصلاة، لهذا ليس غريبا أن يكون رأي الإمام مالك أقرب الآراء في مسائل الصلاة إلى الإباضية. ومن قبيل هذا المنهج عند الإباضية في التعامل مع هذه المسائل المشتهرة نجد مثلا في مدونة أبي غانم حوارا منهجيا ظريفا بين الإمام أبي عبيدة وإمام المذهب جابر ابن زيد حيث إن أبا عبيدة سأل الإمام جابر بن زيد عن مشروعية القنوت فأجابه الإمام: الصلاة كلها قنوت، فقد قال الله تبارك وتعالى: "أمن هو قانت آناء الليل ساجداً وقائماً" فالصلاة كلها قنوت. فقال أبوعبيدة: يا أبا الشعثاء؛ ليس عن هذا أسألك، ولكن إنما أسألك عن الذي يفعل هؤلاء بعد الركوع، يدعون ويهللون وهم قيام. فقال الإمام: هذا أمر محدث لا نعرفه ولا نؤثره عمن مضى من هذه الأمة" اهـ فكان الدليل والمنهج أن لم يسأل عن الرواية التي يعتمدونها، وإنما كان واثقا من أن من احتك به من السلف لا يفعلونه رغم كونه أمر في الصلاة وهي عبادة يومية مشتهرة.

فقد كان تأسيس حلقات العلم عند الإباضية منذ القرن الأول وكانت الطريق التي ينتقل عبره العلم ويسمى هذا عند الإباضية بنسب الدين، وأسبقية استقرار تلك الحلقات الفقهية على عصر التدوين يجعل الثقة بنقل العلماء للفقه أكبر عندهم من الرواية ، اللهم إلا ما كان فروعا لم يشتهر فيه نقل فقهي متفق عليه عن حلقات الأوائل، هنا لا يجد الإباضية حرجا من الاستئناس بمختلف الروايات ويعتبرون ذلك من قبيل الاجتهاد والنظر، وهم على اختلاف في ذلك على الخلاف المعروف في قرب العلماء وبعدهم من الرواية أو الرأي.

كما نجد أن بعض علماء الإباضية الأقدمين اجتهدوا في تخريج هذه المسألة على التخريج الروائي؛ فاعتبر الإمام ابن بركة مثلا أن ما أخرجه الإمام الربيع (وورد عند مسلم وغيره) عن جابر بن سمرة قال: «خرج علينا رسول الله فقال: مَا لِي أراكم رافعي أيدِيكم كأنها أذنابُ خَيْلٍ شُمسٍ؟ اسْكُنُوا في الصلاة" أنها رواية محورية وتُحمل على النهي من رفع الأيدي في كامل مواضع الصلاة لعموم السبب وهو السكون في الصلاة، أما القائلون بالرفع فيقصروها على التسليم ربطا برواية أخرى في التسليم، وللمتأخرين كتابات في البحث الروائي لهذه المسألة على منهج التصحيح والتضعيف ولست أرى لها داعيا، أرى أن التركيز على بيان المنهج أولى وأوفق.

وعلى كل حال هي مسألة من الفروع الفقهية الكثيرة التي اختلفت حولها المنظومات الفقهية، ولا تأثر في ركن من أركان العقيدة ولا أركان العمل ولا أركان الأخلاق، فالصلاة لم تشرع إلا للتقرب لله تعالى وذكره للمداومة على طهارة النفس، فتكون تلك الصلاة وقاية عن الغفلة وأهواء النفس "إن الصلاة تنهى عن الفحشاء و المنكر".

أما مشاكسة بعض المتمسلفين للمختلفين معهم في هذه المسائل فهو أمر ليس بالجديد ولا بالمحصور في هذه المسألة، ولا بالمحصور بالإباضية، فالتاريخ طافح بتعصبهم وتشويشهم على الخلق ولم يأمن من سوء فعالهم مذهب، ولم يسلم من مضايقاتهم عالم ولا عامي إلا من رحم الله، فديدنهم التمسك بالصغائر والفروع ولو هدموا العظائم من حسن الأخلاق وحكمة الموعظة ووحدة الصف، وأنا لا أستبعد هذا الصنيع منهم في هذه المسألة بالضبط، فقد كانت ولا تزال شعارا لهم، فلقد أشار الإمام الذهبي في سيره إلى مسألة الشعار هذه: “كَانَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ يَسْكُنُ سِكَّةَ الدَّهْقَانِ، وَكَانَ جَمَاعَةٌ يَخْتَلِفونَ إِلَيْهِ، يُظْهِرُونَ شِعَارَ أَهْلِ الحَدِيْثِ مِنْ إِفرَادِ الإِقَامَةِ، وَرَفْعِ الأَيدِي فِي الصَّلاَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ"، ومن طبيعة الشعار محاولة إظهاره والمبالغة في ذلك، حتى إن الواحد منهم ليتطرف في الرفع والضم وكأنك تصلي ضمن كتيبة من المقاتلين لا صفا من المخبتين الخاضعين المتذللين لرب العزة، ولا أعرف كيف يتذوقون الخشوع مع ذلك الانقباض المبالغ فيه.

نسأل الله تعالى حسن الخشوع والقرب منه، ونعوذ به من التطرف والتعصب والتنطع والتشويش على عبادة الناس وصلواتهم.

هذا ما تيسر لي في هذه العجالة، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. ""

زرارة المقبرة: تحيزَّا

c 7زرارة المقبرة:

تحيزَّا ⵜⵃⵉⵣⵣⴰ

تحيزا هي مِن عاداتنا الجَميلة  ومن بين مراسيم  حفل الزواج في قصور وادي مزاب، في الصباح الباكر من اليوم الأول من عقد القران يذهب العريس رفقة وزرائه وأفراد العائلة وكل من أصدقائه ومرافقيه وبعض أعضاء العزابة لزيارة المقبرة التي دفن فيها بعض أفراد عائلة العريس، مثل مقبرة باعيسى وعلوان أو مقبرة بابا والجمة أو مقبرة الشيخ عمي سعيد، كما تستغل هذه الفرصة للتعريف بأول معمر للبلدة " الشيخ  باباولجما.

أهل العريس يحضرون  معهم خبز وتمر "أغروم نوفا د تيني" ليوزع على الحاضرين، قبل ذلك يطلب أحد أعضاء العزابة من العريس "تارضونت نوفاڤ" خبز الطاجين  إلى أربع قطع باستعمال يدا واحدة فقط، و وراء هذا الأمر الكثير من الحكم،

حيث يذكر العريس ما ينتظره من مسؤوليات بانتقاله من مرحلة العزوبة إلى مرحلة الزواج فيكون على عاتقه  الأبناء، الزوجة، الوالدين، لتعزيز قيمة تحمل المسؤولية بما تقتضيه المرحلة الجديدة من حياته في تكوين الأسرة، وكذلك تعمل على ترسيخ قيمة العدالة والمساواة واعطاء كل ذي حق حقه و كذلك الاعتماد على النفس بعيدا عن الاتكلية.

بعدها يلقي العزاب كلمة مقتضبة  ليتذكَّر أن الدنيا فانية زائلة، وأن بهجته وسُروره سُرعان ما سينقضيان ليرحَل إلى ربِّه، ويُغيَّب في التُّراب ويُوارى الثَّرى؛ فلا ينفعهُ إلا عملُه الصَّالِح حينئذ!!

بأن هذه الدنيا بجمالها ومتاعها وملذاتها تنتهي وتزول طالت أعماره أم قصرت فمآله القبر وما عند الله خير وأبقى

والحكمة من اختيار أخد العريس في  أيام  زفافه الأولى إلى المقبرة ليدرك أن الحياة تتقلب بين أفراح  و أقراح ولا وجود لحال دائمة، ولا ينسى الدار الباقية، في زحمة الفرحة الغامرة.

 

c 7زيارة القبور في العيد:

من السير الحميدة بمزاب في الأعياد -بالإضافة إلى التزاور بين الأقارب- هو زيارة الآباء والأجداد والمشايخ في قبورهم، ففيها من العبرة والموعظة الكثير، كما أنها تغرس في قلب الابن قيمة الاحترام والتقدير لآبائه وأجداده، وتغذي في نفسه الحاجة إلى الانتماء، وتقوي ارتباطه بهذه الأرض، وتزيد من ولائه لهذا النموذج الاجتماعي.

الراجح أن صورة القبر  للشيخ باعيسى وعلوان هو متواجد بمقبرة الشيخ عمي سعيد.

زهد عبد الرحمن بن رستم في المادة وتقشفه في عيشه

وكان عبد الرحمن متقشفا في عيشه، زاهدا في الدنيا، على طموحه، وجده واجتهاده في بناء دولته، والبلوغ بها أقصى درجات الحضارة والعمران. لقد كان يتمنى أن يرى رعيته كلهم يسكنون القصور الجميلة، ويبلغون النهاية في الغنى، ويصلون كل ما يشتهون في دنياهم، مما يزيدهم سعادة وللدولة قوة، وينيلهم رضا الله؛ وتكون عاصمته وجه الإسلام الجميل، ومظهر الجمهورية الرائع، وعنوان المغرب المعتد بنفسه، الذب لا يرضى أن يبزه احد، وان يخمله سواه. وقد بلغت بفضله عاصمته الذروة في الحضارة، ونالت رعيته كل ما تتمناه لنفسها من يسر وغنى، ورفاهية ورخاء، فسكنوا القصور، وتقلبوا راقية، وحياة رخية كريمة. أما هو فكان زاهدا في مباهج الحياة، متقشفا في العيش، لا يفكر في نفسه و لا يعمل لها. وكانت داره في تيهرت المتحضرة ابسط دورها، ليس فيها زخرف ولا رياش، ولا ما تزخر به دور رعيته، والسراة من أهل دولته، من فنون الحضارة والنعيم.وسترى في قصة الوفد الذي جاءه من البصرة صفة داره، ومبلغه في التقشف في عيشه، ونكرانه لذاته، وإيثاره لرعيته بكل المباهج والملذات.

زهده في المال مع إقباله عليه

وكان عبد الرحمن بن رستم زاهدا في المال، لا ينظر إليه نظرة الملوك والأمراء الذين يتكالبون عليه، ويظلمون الرعية من اجله، وينبهونه من أيديهم بكل الوسائل. بل كان ينظر إليه نظرة الشبعان المكتظ إلى الطعام الذي سبع منه، يؤثر به سواه، ويفيضه على غيره. وقد رد عشرين غرارة من الذهب الرنان تشتمل على ملايين عديدة من الذهب الوهاج، جاءته من إخوانه الجمهوريين بالبصرة، لما وجد أنهم أحوج إليها منه. وذلك لزهده في المادة، ولزهد خاصته فيها أيضا. ومن يزهد في المادة لا يشح بها. وإذا جاد بها على سواه، وجعلها وسيلة لنيل رضا ربه، فتح الله له كل خزائنه، فتقبل عليه الدنيا بكل متاعها، وتكون دنياه دنيا السحاب الذي ينهل فلا يمسك ماءه، خضراء ترفل في النضارة والجمال، غنية بكل أنواع الثمار والخيرات، باسقة الأشجار، ملتفة الجبال بالغابات الكثيفة التي تجدده!

محمد علي دبوز تاريخ المغرب الكبير ج3 ص 281-282

عادة تنوبا ⵜⵏⵓⴱⴰ

Icon 09

ففي كل دار من بني مزاب تقريبا وقف، حسب صغرها و كبرها من ستة أمداد إلى خمسة عشر مدا، من بر يصنع طعاما يلثث بالسمن على مقادير معينة حسب الأمداد بمكاييل خاصة تصنع من فخار، تسمى " نقاصة ".

وتختلف مقاديرها باختلاف القصور وادي مزاب من 2 كلغ إلى 900 غ ،ومقدار الأمداد لحمات وهي مقادير من لحم تقسم عليها الشاة 300 غ تقديرا ،وهي معلقة بالأملاك تنفد في مقابر معينة ،حسب ما نص عليها الواقف،و الغالب يوقفها في المقبرة التي يدفن فيها .

كما أن هذه الأوقاف هي رغبة كل موصي إذ كان عنده من الأملاك ما يمكن أن يعلقها فيه رجاء حفظها عملا بقوله (ص)" ينقطع عمل ابن آدم إلا من ثلاث علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له أو صدقة جارية " رواه الجماعة.

وحسب نشأتها كان في زمن" الشيخ عيسى أو عيسى المليكي " من القرن 5 الهجري و ذلك أن بعض الفلاحين نظرا لما كانت تصيب محاصيلهم من آفات طبيعية، ارتأى أن يتصدق بمقدار منها رجاء أن الله تعالى يحفظها، فجمع بعض القراء فصنع لهم طعاما أكلوه بعد تلاوة ما تيسر من القرآن و الدعاء لحفظ الله ثمارهم من الهلاك .

فأصبحت عادة حميدة منذ ذلك الحقبة التاريخية إلى يوم الناس هذا ,وما روعي في تنفيذ

هذه الأوقاف ، أنها تنفد في الشتاء كما أن الجائع أشد إحساسا بالجوع و نظرا الشتاء

مظنة التعطيل عن العمل، فيجد الفقير في كل جمعة طعاما طيبا لا يتيسر له في بيته ،ربما يكفيه للأسبوع حيث أن الأوقاف كثيرة ،و الطعام مصنوع بكيفية يمكن حفظه للأيام و لا يفسد .

فقد أعطت تمارها قديما ،حيث أن أهل ميزاب لم يكونوا يعرفون حياة الرفاهية ،و لا السفر إلى التلول ، لجلب الخيرات فهم في ضعف ،يجعلهم يغتبطون بذلك فيشجعون أبنائهم على حفظ القرآن .

 

 

قالوا عن الإباضية

  • الأستاذ الفاضل الشيخ محمد شحاته أبو الحسن

    أنا لا أحابي أحداً في موقفي هذا، ولكني أقول إن أصحاب هذا المذهب الذي تجنَّى عليه البعض، أكثر منَّا تسامحاً واستجابة لأمر الله سبحانه بالتآلف،  فقد عشت بين أظهرهم، أقوم بتدريس مادة التفسير في معهد القضاء الشرعي ما يزيد على اثني عشر عاماً لم أجد ما يكدِّر الصفو، ولا ما يحملني على قولٍ بعينه دون دليل، رغم الاختلاف في بعض المسائل، وكنا أنا وطلابي والعلماء الأجلاء في المذهب نتبع الدليل الأقوى فممن اعترف لهم قديماً عالم المدينة مالك بن أنس، فإنه قال خطبنا أبو حمزة خطبة حيرت المبصر وردت المرتاب، وأبو حمزة هو..  .

    اقرأ المزيد

  • السيد مصطفى بن إسماعيل المصري

    إن مذهب الاباضية نسبة إلى الإمام عبد الله بن اباض هو أقدم المذاهب تاريخاَ وأوثقها مصدراَ وأصحها تأويلا وأحفظها للباب طهارة الدين الحنيف ونقاوته وسماحته وزكاوته وعلى ذلك فليس ثمت مراء في انه هو الطريق الحق الذي كان يمضي عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة معه و....

    اقرأ المزيد
  • الكاتب المنصف العالم الزيتوني الأستاذ عبد العزيز المجذوب

    أبرز ما يتصف به الإباضيون تمسكهم الشديد بالدين ، بأداء فروضه وتجنب نواهيه - إلى حد الغلو - وبُغظهم المفرط لأصحاب الظلم والفساد ، وبفضل هاتين الصفتين استطاعوا أن يحققوا لأنفسهم عزًّا دينيا، ومجداً سياسيًّا ، خلَّد ذكرهم في التاريخ الصراع المذهبي بإفريقية إلى...

    اقرأ المزيد

  • العلاّمة الكبير السيد عبد الحافظ عبد ربّه، من علماء الأزهر الشريف

    لقد استنبطوا مذهبهم من القرآن الكريم ، واقتبسوه من السنة المطهرة ، وسلكوا في مسيرتهم إلى عبادة الله نفس الطريق التي سلكها الصحابة ، وارتضاها الإجماع ، وحرصوا كل الحرص على أن تكون خطواتهم على ذات الدرب ، وفي نفس الطريق ، وفوق " إفريز " الشارع ، ومع السبيل التي قطعها الرسول صلوات الله وسلامه عليه في مشواره الطويل و...

    اقرأ المزيد

  • الشيخ عمر محمد صالح با من السنغال مالكي المذهب

    يقول في مؤلفه عن الاباضية : غير أن المبرر الذي نعتبره أكثر إلحاحا لتعريف الناس بالمذهب لأباضي، هو السعي لإزالة فهم تاريخي خاطئ عن هذا المذهب تداوله الكتاب، وأصبح سائدا في الأوساط العلمية وغير العلمية "التقليدية" وهذا المفهوم يتحمل تبعته كتاب غير دقيقين في كتاباتهم ولا مقدرين مسئولية نحو المادة العلمية التي يقدمونها إلى الجمهور كشيء...


    اقرأ المزيد

  • العلامة الجليل عز الدين التنوخي عضو المجمع العلمي بدمشق سابقاً

    كل من يتهم الإباضي بالزيغ والضلال فهو ممن فرَّقوا دينهم وكانوا شيعاً ، ومن الظالمين الجهَّال"خلاصة الوسائل في ترتيب المسائل " ص ح ، ط1 . المطبعة العمومية بدمشق.

 

فيديوهات

  • إنصاف د. محمود هرموش للإباضية

    Icon 07مقاطع مِن محاضرة " الإجتهاد الفقهي عند الإباضية وغيرهم " للدكتور/ محمود مصطفى عبود هرموش ألقاها بمسجد الغفران  غرداية - وادي مزاب - جنوب الجزائر)  4 محرم 1432هـ  يوافقه الجمعة 10 / 12 / 2010....

    شاهد الفيديو
  • الأستاذ الدكتور علي جمعة

    Icon 07الإباضية بعيون مصرية ـ برنامج مجالس الطيبين للأستاذ الدكتور علي جمعة كلام من ذهب في أدب الإختلاف و دعوه للتقريب بين المذاهب

    شاهد الفيديو

كتاب الحق الدامغ

c 7

تحميل كتاب الحق الدامغ للشيخ أحمد بن حمد الخليلي PDF

فهرس الكتاب

المبحث الأول : في رؤية الله
" مقدمة وثلاثة فصول وخاتمة "
ـ المقدمة : في مدلول الرؤية لغةً
ـ الفصل الأول : في اختلاف الأمة في إمكان رؤية الله ووقوعها
ـ الفصل الثاني : في أدلة المثبتين
ـ الفصل الثالث : في أدلة النافين ، وهي قسمان عقلية ونقلية
ـ خاتمــــة : في نتيجة البحث


المبحث الثاني : في خلق القرآن
مقدمة وأربعة فصول وخاتمة
ـ المقدمة : في التعريف بالخلق وبالقرآن والتفرقة بين القرآن وسائر الكتب المنزلة وبين الكلام النفسي
ـ الفصل الأول : في اختلاف الأمة في قِدم الكلام أو حدوثه
ـ الفصل الثاني : في تضارب أقوال القائلين بقِدم القرآن
الفصل الثالث : في أدلة النافين لخلق القرآن
الفصل الرابع : في أدلة القائلين بخلق القرآن
ـ خاتمة : في نتيجة ما تقدم


المبحث الثالث : في خلود أهل الكبائر في النار

" مقدمة وثلاثة فصول وخاتمة
ـ المقدمة : في تعريف الخلود والكبائر
ـ الفصل الأول : في اختلاف الناس في خلود الجنة والنار
ـ الفصل الثاني : في أدلة القائلين بانقطاع العذاب
الفصل الثالث : في أدلة القائلين بخلود جميع مرتكبي الكبائر في النار
ـ خاتمة : في نتيجة البحث
خاتمة الكتاب
شكر وعرفان




المقدمة

الحمد لله الذي اصطفى لعباده الدين فوحَّد به بين فئات المؤمنين ، وألَّف بنظامه بين قلوب المخلصين ، سبحانه هو الواحد في ذاته المتقدس في صفاته المتعالي في كبريائه ، الخالق لما في أرضه وسمائه ( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ) سورة الشورى 11 ، ( لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير ) الأنعام 103 ، الصادق في الوعد والوعيد ، يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد ، لا معقِّب لحكمه ولا تبديل لكلماته ، ولا إخلاف في ميعاده ، أحمده حمد من آمن بجلاله واعترف بكماله ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ( له الحمد في الأولى والآخرة ، وله الحكم وإليه ترجعون ) القصص 88 ، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله وخيرته من خلقه وصفوته من رسله ، أرسله بأصدق البينات وأظهر الآيات وأبهر المعجزات فأكمل به الدين وأتم به النعمة على عباده المؤمنين ، صلى الله وسلم تسليماً عليه ، وعلى آله وصحبه أجمعين ، وعلى تابعيهم بإحسان إلى يوم الدين ، أما بعد

فإن التباين في أحوال الناس سمة من سمات البشر المعهودة ، فلذلك تجدهم متفاوتين في المدارك ، مختلفين في المشارب ، متعاكسين في الأحاسيس ، وإلى ذلك يرجع تعدد مذاهبهم في الأمر الواحد ، وتباين تصوراتهم في القضية الواحدة ( ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ، ولذلك خلقهم ) هود 118 / 119 ، وكثيراً ما تتأصل الحمية في نفوسهم فلا تلبث مع استمرار الوقت وعوامل الزمن أن تتحول إلى عقيدة راسخة مستحكمة ، في العقل والوجدان ، مستعصية على الحجة والبرهان ، لا تتزعزع لمحرك ، ولا تنقاد لداع

ولذلك كانت دعوات المرسلين عليهم السلام تستفرغ منهم الجهد الجهيد ، وتستغرق منهم الوقت الطويل ، وتظل مع ذلك أفكار أكثر الناس سادرة في غيِّها ، غارقة في عماها ، لا تصغي إلى الحجج الصادعة ، ولا تتفتح على المعجزات الساطعة ، بل كلما ازدادت الحجة بياناً ، والمعجزة ظهوراً ، كانوا أشد تصامماً وتعامياً ، وأوغل في العناد والشقاق

وقد ابتليت كل أمة بالافتراق فيما بينها والانشقاق على نفسها ، ولم تسلم من ذلك أمة حتى أمة محمد صلى الله عليه وسلم التي اختصت بمبعث أعظم رسول إليها ، وإنزال أجلّ كتاب عليها ، وحذرت أيما تحذير من الافتراق ودواعيه ، وبينت لها عاقبته السيئة في محكم آيات الكتاب الذي اختصت به ،قال تعالى: (واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا ) آل عمران : 103 ، وقال سبحانه : ( ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم ) آل عمران 105 ، وقال : ( ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم ) الأنفال 46 ، وقال لنبيه عليه أفضل الصلاة والسلام : ( إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً لست منهم في شيء ) الأنعام 159 ، فإنها مع ذلك كله لم تسلم من هذا الداء العضال الذي أصاب غيرها من الأمم ، غير أن الله سبحانه اختصها بأن حفظ لها كتابها المنزل عليها من تحريف العابثين وتبديل المناوئين تحقيقاً لوعده الصادق ( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ) الحجر 9 ، ومكن لها من معرفة الصحيح الثابت من سنة رسوله عليه الصلاة والسلام ، وجعل لها مخلصاً من الشقاق والنزاع بالاحتكام إلى الله ورسوله حيث قال : ( فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا ) النساء 59

ولا يكون الاحتكام إلى الله إلا بالرجوع إلى كتابه فتستلهم منه الحقيقة ويستبان به الحق ، وكذلك الاحتكام إلى رسوله صلى الله عليه وسلم لا يعني إلا بالرجوع إلى سنته الثابتة الصحيحة

ومع وجود هذا المَخْلص الذي أُمرنا بأن نفزع إليه من كوارث الاختلاف فإن الخلاف لم يزل ، والشقاق لم يُستأصل ، فقد تُؤُوِّل الكتاب تأولات شتى لم تستمد إلا من الوهم ، ولم تُستلهم إلا من الهوى ، كما أن للناس مواقف متعددة في معرفة الصحيح من غيره من سنته عليه أفضل الصلاة والسلام ، وفي معرفة نفس مقاصد السنة الثابتة باتفاق الجميع ، ومن هنا نشأ ما نراه بين الأمة من خلاف ونزاع في أصول الدين وفروعه

وإن أعظمه ضرراً ، وأفدحه خطراً ، وأعمقه أثراً ، وأسوأه عاقبة ما كان في أصول الدين ، فإنها قواعد الإسلام ؛ بها تقوم أركانه ، وعليها يشاد بنيانه ، وبقدر ما تكون قوتها تكون متانة الدين نفسه ، ولأجل ذلك فإن الأمة كثيراً ما تتسامح في الخلاف الذي يكون بين فئاتها في فروع الشريعة ، ولكن يشتد شقاقها ، ويتعمق نزاعها عندما تختلف في الأصول ، وبقدر ما يكون من التقارب أو التباعد فيها بين طائفة وأخرى بقدر ما بينهما من التلاقي أو الافتراق ، وما مصدر ما حدث ويحدث بين طوائف الأمة من التراشق بالتهم والتنابز بالألقاب ، والترامي بالأحكام القاسية إلا الاختلاف في أصول دينها ، والتباين في منازع استنادها في معتقداتها بين الإفراط والتفريط في التعويل على النقل أو العقل

وليس هذا النزاع في أصول الدين مع وحدة المصدر الذي تنهل منه العقول المتنازعة إلا نتيجة لتباين المدارك واختلاف التصورات عند أئمة الفرق ، ثم يؤصله تعصب الجماهير لأقوال أئمتهم بحيث تجعل كل طائفة قول إمامها أصلاً تُطوِّع له الأدلة المخالفة له بكل ما تخترعه من التأويلات المتكلفة ، فتوزعت الأمة شيعاً وأحزاباً ( كل حزب بما لديهم فرحون ) المؤمنون 53

ولست أبالغ إن قلت إن الإباضية - أهل الحق والاستقامة - تمتاز عقيدتهم وتتسم طريقتهم في فهم أصول الدين بثلاثة أمور

أولاً: سلامة المنزع، فإنهم جمعوا في الاستدلال على صحة معتقداتهم بين صحيح النقل وصريح العقل ، فلم يضربوا بالنصوص الصحيحة عرض الحائط بمجرد تعارضها مع مقتضيات العقل بادي الرأي كما هو شأن أصحاب المدرسة العقلية الذين جعلوا العقل أسمى وأقدس ، وأصح وأثبت مما جاء به النبييون عن الله عز وجل ، فعولوا عليه في التحسين والتقبيح ، والتعليل والحكم ، كما أنهم لم يطفئوا شعلة العقل مستأسرين لظواهر الألفاظ غير مسترشدين به في استكشاف أبعاد معانيها ، والغوص على حقائق مراميها ، كما هو شأن عَبَدَة الألفاظ الذين لا يأخذون من النص إلا قشوره ، لا يتجاوزون شكله إلى جوهره ، ولا يتعدون ظاهره إلى مضمونه ، بل استمسكوا بالعرى الوثقى من النصوص ، واتخذوا من العقل السليم دليلاً على فهم مقاصدها ، ومن الأساليب اللغوية شراكاً لاقتناص شواردها ، ولا غرو فَهُم منطلقون في ذلك من مراشد القرآن نفسه ، فكم تجد فيه ( لآيات لقوم يعقلون ) و ( لقوم يتفكرون ) و ( لقوم يعلمون ) و ( لأولي الألباب ) كما تجد فيه ( إنا أنزلناه قرآناً عربياً لعلكم تعقلون ) يوسف 2 ، فهو وإن سما فوق بلاغة بلغاء العرب والعجم لم يخرج عن كونه عربي اللسان والأسلوب ، وقد يسره الله للذكر بتفهم آياته واستجلاء مقاصده ، واستلهام مراشده .

ثانياً: عدم التعصبلأئمتهم تعصباً يجعلهم يتصاممون عن النقول الصحيحة ، ويتعامون عن العقول الصريحة ، كما نجد ذلك عند كثير من المتفقهة والمتكلمين ، ومن أبشع ما وجدناه في ذلك قول العلامة الصاوي في حاشيته على تفسير الجلالين : ( ولا يجوز تقليد ماعدا المذاهب الأربعة ولو وافق قول الصحابة والحديث الصحيح والآية ، فالخارج عن المذاهب الأربعة ضال مضل ، وربما أداه ذلك للكفر ، لأن الأخذ بظواهر الكتاب والسنة من أصول الكفر

فقد باين الإباضية هذا المسلك الضيق فقهاً وعقيدة إلى فسيح النظرة الشمولية للأمة ، ولم يسوغوا لأنفسهم أن يرفعوا كلام أحد من أئمتهم إلى درجة كلام الله أو كلام رسوله عليه أفضل الصلاة والسلام وإن بلغ في العلم والورع ما بلغ ، فهذا الإمام نور الدين السالمي رحمه الله يقول في كتاب أصول الدين من جوهر نظامه



وهي أمــور تبتنى عليها

صحــــة ديننا فمِل إليها

لا دين للمرء إذا لم يعرف

ما كان مـنه لازماً فلتعرف

واعتمدن ذلك بالدليـــل

في حالة الإجمال والتفصيل


إلى أن قال



ولا تناظــر بكتاب الله

ولا كلام المصطفى الأواه

معناه لا تجعل له نظيرا

ولو يكون عالماً خبـيرا

ويقول أيضاً



نقدِّم الحديث مهما جاءَ

على قياسنا ولا مراء

ونرجعن في بيان الحكم

عنه إلى إجماع أهل العلم


وستجد أخي القارئ الكريم فيما أقدمه إليك ، وفيما دوَّنه غيري من الإباضية ، ما يدلك دلالة قاطعة على صحة ما ذكرته لك ، من أن أهل الاستقامة ( والحمد لله ) بريئون من هذا الأصل الذي رضيَه الصاوي بأن يكون القاعدة التي يقوم عليها صرح الإسلام ، كما ستجد إن شاء الله أن الصاوي ليس وحيداً في هذا الميدان ، فهناك من مشى على نفس هذا المنهج كما يدل على ذلك مسلكه في النقاش ، وستجد ذلك إن شاء الله أثناء مطالعتك لهذه الدراسة التي أقدمها إليك ، ولا يعني ذلك أن جميع المذاهب الأربعة منغمسون فيما انغمس فيه الصاوي وغيره من حمأة التقليد البغيض ، ورفع أقوال الأئمة إلى مستوى أرفع من مستوى كلام الله ، وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأقوال الصحابة رضوان الله عليهم ، كلا فإن كثيراً منهم تحرروا من ربقة هذا التقليد الأعمى وأنصفوا مخالفيهم في الحكم ، كما ستجد ذلك أيضاً إن شاء الله في هذه الدراسة

ثالثاً: المرونة والتسامحفي معاملة سائر فرق الأمة وإن بلغ الخلاف بينهم وبينهم ما بلغ ، إذ لم يتجرءوا قط على إخراج أحد من الملة وقطع صلته بهذه الأمة ما دام يدين بالشهادتين ولا ينكر شيئاً مما علم من الدين بالضرورة بغير تأويل ، أما من أسند إلى التأويل - وإن كان أوهى من نسج العنكبوت - فحسبه تأويله واقِيَاً لَهُ من الحكم عليه عندهم بالخروج عن حظيرة الأمة ، وخلع ربقة الملة عن عنقه ، ومن هذا المنطلق صدر ذلك الإعلان المنصف - الذي رسم مبدأ الإباضية في نظرتهم إلى الأمة - من أشهر قائد إباضي وهو / أبو حمزة المختار بن عوف السليمي ، في خطبته التي ألقاها على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأصاخ لها الدهر ، وسجلها الزمن ، وخلدها التاريخ ، إذ قال فيها رحمه الله : ( الناس منا ونحن منهم إلا ثلاثة : مشركاً بالله عابد وثن ، أو كافراً من أهل الكتاب ، أو إماماً جائراً ) وقد مشى الإباضية في هذا النهج السليم ، والتزموا هذا المبدأ القويم في معاملتهم لسائر طوائف الأمة كما يشهد بذلك التاريخ ، ونجد هذه النبرة المنصفة تتردد في أصوات قادة الفكر منهم في الخلف كما كانت من قبل عند السلف ، فهذا الإمام نور الدين السالمي رحمه الله تعالى يحدد لنا موقف الإباضية من سائر الأمة بقــــوله



ونحن لا نطالـب العبادا

فوق شهادتيهــم اعتقادا

فمن أتى بالجملتـين قلنا

إخواننا وبالحقــوق قمنا

إلا إذا ما نقضـوا المقالا

واعتقدوا في دينهم ضلالا

قمنا نبين الصواب لهـم

ونحسبن ذلك من حقهـم

فما رأيته مـن التحـرير

في كتب التوحيد والتقرير

رد مسائل وحـل شـبه

جاء بها من ضـل للمنتبه

قمنا نردهـا ونبدي الحقا

بجهدنا كي لا يضل الخلقا

لو سكتوا عنا سكتنا عنهم

ونكتفي منهم بأن يسلـموا

وعلى هذه القاعدة بنى الإباضية حكمهم على طوائف الأمة التي زاغت عن الحق وجانبت الحقيقة في معتقداتها ، فكانوا أشد احتياطاً من إخراج أحد منهم من الملة بسبب معتقده مادام مبنياً على تأول نص شرعي ، وإن لم يكن لتأويله أساس من الصحة ولا حظ من الصواب ، ومن هنا اشتد إنكار الإمام الكبير محبوب بن الرحيل - رحمه الله تعالى - على هارون اليماني الذي حكم بشرك المشبهة وخروجهم من الملة ، وأنشأ محبوب في ذلك رسالتين جامعتين ضمنهما حججه الداحضة لرأي هارون ، وجَّه إحداهما إلى إباضية عمان ، وثانيهما إلى إباضية حضرموت

وسُئِل المحقق الخليلي رضوان الله عليه عن حكم هؤلاء المشبهة هل هم مشركون ؟ فكان جوابه لسائله : إياك ثم إياك أن تعجل بالحكم على أهل القبلة بالإشراك من قبل معرفة بأصوله ، فإنه موضع الهلاك والإهلاك

هذا في حين تجد أتباع الأئمة الأربعة - الذين جعلهم الصاوي مقياساً لمعرفة الحق من الباطل دون الكتاب والسنة - يكفر بعضهم بعضاً في هذه المسألة ، وناهيك بما في ( السيف الصقيل في الرد على ابن زفِّيل ) للعلامة السبكي الشافعي ، و ( تبديد الظلام المخيم من نونية ابن القيم ) للعلامة الكوثري الحنفي ، و ( البراهين الساطعة في رد بعض البدع الشائعة ) للعلامة القضاعي الشافعي ، وأمثالها من الحكم بإخراج هؤلاء المشبهة عن حظيرة الإسلام ، كما أن أحكام المشبهة على الآخرين لا تقل صرامة وشدة ، وناهيك بقول العلامة ابن القيم في نونيته



إن المعطل بالعداوة معلن

والمشركون أخف في الكفران


وما مراده بالتعطيل إلا رد متشابه الآي والأحاديث إلى محكمها ، حرصاً على التنزيه ، وحملاً لكلام الله ورسوله صلى الله عليه وسلم على ما تقتضيه أساليب البلاغة في كلام العرب ، ودفعاً لما عسى أن يُتوهم منه من التناقض والاختلاف

ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل تجد المتفقهين على مذهب إمام واحد من هؤلاء الأئمة الأربعة يشرِّك بعضهم بعضاً في هذه المسألة أو في غيرها ، فهذا الفخر الرازي يسمي كتاب محمد بن إسحاق بن خزيمة - الذي أسماه كتاب التوحيد - كتاب الشرك (3)، وهما شافعيان فقهاً ، وسوف تقف إن شاء الله في المبحث الثالث من هذا الكتاب على نقول حرفية من كلام ابن تيمية في اختلاف الحنابلة في ألفاظ القرآن وحروفه وأصواته ، وتكفير بعضهم بعضاً في ذلك ، ولا أريد أن أطيل في ضرب الأمثلة وتعديد الشواهد في هذا ، فإنني لم أرد بما ذكرته التشهير بأحد ، وإنما هو أمر اقتضته المقارنة بين احتياط الإباضية في الحكم وحذرهم من الاندفاع ، وبين تسرع بعض علماء الأمة الآخرين في إصدار مثل هذه الأحكام التي لا تؤول إلا إلى صدع جدار الأمة وتمزيق شملها ، وهو أمر يستدعي أسف اللبيب وحسرته ، كيف تنزل هذه الأمة إلى ميدان الشقاق والنزاع بينها ، متجاهلة ما فرض الله عليها من الوحدة والوئام ، والألفة والانسجام ، ألم يأمرها الله بذلك في محكم كتابه بقوله : ( واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداءً فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها ) " آل عمران 103 " ؟! ألم يحذرها من عاقبة التفرق بقوله : ( ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم ) " الأنفال 46 " ؟! ألم يبعث فيها نبياًّ كريماً ، ورسولاً أميناً يدعو إلى الوحدة دعوته إلى التوحيد فضرب فيها أروع الأمثال بصهر كل ما كان من قبل بين قومه من خلاف ونزاع في بوتقة الإيمان ، فآخى بالإيمان بين الفئات المتناحرة ، وألَّف بالإسلام بين القلوب المتنافرة ، وبيَّن أن هذه الوحدة هي وحدة عقيدة وعمل ، ومبدأ وغاية ، وأمل وألم ، وصوَّر ذلك أبدع تصوير عندما قال : ( المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا ) وقال : ( مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر ) .

أليست هذه الوحدة الإيمانية التي نادى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ورفع لوائها بين أصحابه رضي الله عنهم وهي التي رفعت من شأن هذه الأمة فأبدلها الله بذلها عزا ، وبضعفها قوة ، وبضعتها رفعة ، فتمكنت من فتح الدنيا مع قلة عددها وعدتها ، وكثرة خصومها ، ووفرة العُدَدِ عندهم ؟

أو ليس ما بليت به من الشقاق هو الذي عكس عليها ما نشهده من آثار سلبية في أوضاعها ، فتشتتت بعد الوحدة ، وذلت بعد العزة ، وضعفت بعد القوة ، فازدرتها الأعين التي كانت تكبرها ، وطمعت فيها الأمم التي كانت لا تصطلي بنارها ؟ ليت شعري ! ألا صحوة بعد هذه السكرة ، ويقظة بعد هذه النومة التي غرقت فيها عقول هذه الأمة وفي مقدمتها علماؤها الذين ائتمنهم الله دينه وأخذ عليهم العهد أن يأخذوا بأيدي أمتهم إلى سبيل الرشد



يا ساسة الدين عـلام وهنكـم

وأنتـم في عـدة وعـــدِّ ؟

تختلفـون الرأي فيما بينكــم

والحال إخفاق ونقض عهــد

وخَلفكــم من يستغل خُلفكـم

في وثبة السمع وسمـع الخلد

يخالكــم كالشاء في مسرحها

فإن دعــاها رئمت لولــد

هلم في صدق العــزوم إنها

سلاح كل أمة وفرد

يا للضلال أن نضل قصدنا

كالسادة النادي وشيخ نجد

نرتع في غيبوبة من أمل

ونرتضي من العلى بالوهد

نحس بالآلام في أنفسنا

لكنها مني عليّ وحدي

ونغمد السيف عن الخصم ولا

نقره عن دمنا في غمد

أهكذا قالت لنا عقولنا؟

أم أنها قد أخطأت عن قصد؟

أم أنها ليست لها بصيرة؟

أم أنها بصيرة لا تجدي؟

يا حالة قد أفقدتني عصبي

رميت فيمن كنته بالفقد

مولاي عبد تاه في مرامه

عن نهجه وأنت مولى العبد

فخذ بضبعه وأمة هوت

تحت الخلافات وبثق السد

مستفتحين بأياديك الغنى

والعز والنصر وكل جدّ

فاجمع شتاتنا وأصلح شأننا

واقض لنا على ظلوم ند


ولعله مما يفاجئ كثيراً من القراء أن يطلعوا لأول مرة على عناية قادة الفكر من الإباضية بلمِّ شعث هذه الأمة وجمع شتاتها بعدما أثخنتها الخلافات المذهبية ، ومزقتها النزعات العصبية ، وكم تمنوا أن يحس سائر أعلام الأمة بمثل أحاسيسهم ، ويشاركوهم في هذه الهموم التي تنوء بها صدورهم ، وتؤرق ليلهم ، وتقض مضجعهم ، وقد كانت منهم محاولات ، للخطو في هذا الطريق والاستعداد لهذه المهمة بنفقات مالية يرصدونها من جيوبهم وجيوب المخلصين من سائر أبناء الأمة ، وأصدق مثال على ذلك ما يجده القارئ في هذا السؤال الذي صدر من عالم مفكر وقائد محنك ، ذلكم هو الشيخ سليمان بن عبدالله بن يحيى الباروني ، عضو مجلس المبعوثان بالدولة العثمانية ، المشهور بسليمان باشا الباروني ، وهو من إباضية جبل نفوسة بالقطر الليبي ، وقد توجه بسؤاله هذا إلى عالم الإباضية بالمشرق ، ومرجعهم في أمور الدين ، الإمام عبدالله بن حميد السالمي ، ونص السؤال

(هل توافقون على أن من أقوى أسباب اختلاف المسلمين تعدد المذاهب وتباينها؟ على فرض عدم الموافقة على ذلك فما هو الأمر الآخر الموجب للتفرق؟ على فرض الموافقة فهل يمكن توحيدها بالجمع بين أقوالها المتباينة وإلغاء التعدد في هذا الزمن الذي نحن فيه أحوج إلى الاتحاد من كل شيء ؟ وعلى فرض عدم إمكان التوحيد فما الأمر القوي المانع منه في نظركم ، وهل لإزالته من وجه ؟ على فرض إمكان التوحيد فأي طريق يسهل الحصول على النتيجة المطلوبة ؟ وأي بلد يليق فيه إبراز هذا الأمر؟ وفي كم سنة ينتج ؟ وكم يلزم من المال تقريباً ؟ وكيف يكون ترتيب العمل فيه؟ وعلى كل حال فما الحكم في الساعي في هذا الأمر شرعاً وسياسة ؟ مصلح أم مفسد؟).. وكان هذا السؤال في عام 1326هـ .

فكان من جواب ذلك الإمام له : ( نعم نوافق أن منشأ التشتيت اختلاف المذاهب وتشعب الآراء ، وهو السبب الأعظم في افتراق الأمة على حسب ما اقتضاه نظركم الواسع .

وللتفرق أسباب أخرى منها ، التحاسد والتباغض ، والتكالب على الحظوظ العاجلة ، ومنها طلب الرئاسة . وجمع الأمة على الفطرة الإسلامية بعد تشعب الخلاف ممكن عقلاً مستحيل عادة ، وإذا أراد الله أمراً كـان ( لو أنفقت ما في الأرض جميعاً ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم إنه عزيز حكيم ) الأنفال 63.

والساعي في الجمع مصلح لا محالة ، وأقرب الطرق له أن يدعو الناس إلى ترك الألقاب المذهبية ويحضهم على التسمي بالإسلام ( إن الدين عند الله الإسلام ) آل عمران 19 ، فإذا أجاب الناس إلى هذه الخصلة العظيمة ذهبت عنهم العصبية المذهبية ولو بعد حين ، فيبقى المرء يلتمس الحق لنفسه ويكون الحق أولاً عند آحاد من الرجال ثم يفشو شيئاً فشيئاً حتى يرجع إلى الفطرة .

وهي دعاية الإسلام التي بعث بها محمد عليه الصلاة والسلام ، وتضمحل البدع شيئاً فشيئاً ، فيصير الناس إخواناً ( ومن ضل فإنما يضل عليها ) يونس 108 ، الإسراء 15 ، الزمر 41 ، ولو أجاب الملوك والأمراء إلى ذلك لأسرع الناس في قبوله ، وكفيتم مؤونة المغرم ، وإن تعذر هذا من الملوك فالأمر عسير والمغرم كثير .

وأوفق البلاد لهذه الدعوة مهبط الوحي ومتردد الملائكة ، ومقصد الخاص والعام ، حرم الله الآمن ، لأنه مرجع الكل . وليس لنا مذهب إلا الإسلام ، فمن ثم تجدنا نقبل الحق ممن جاء به وإن كان بغيضاً ، ونرد الباطل على من جاء به وإن كان حبيباً ، ونعرف الرجال بالحق ، فالكبير عندنا من وافقه والصغير من خالفه ، ولم يشرع لنا ابن إباض مذهباً ، وإنما نسبنا إليه لضرورة التمييز حين ذهب كل فريق إلى طريق

وهذا كلام غني عن التعليق بشيء فإنه إن لم يكن شاهداً عادلاً ومعلماً واضحاً على نبل قصد السائل والمجيب وسمو فكرهما ، وحسن أنشودتهما ، فليس يصح في الأذهان شيء.

وإذا كان الأدب مرآة تعكس ما في نفس الأديب من كوامن الأحاسيس فإن الأدب الإباضي قديمه وحديثه طافح بعصارات مشاعر الألم الذي يحسون به بسبب تشتت الأمة وانحلال عقد نظامها ، وإذا كنت أخي القارئ شاهدت صورة من ذلك فيما نقلته لك من قول أديب معاصر فإليك صورة أخرى تعكس مشاعر أديب بارع وعالم جامع من أدباء هذه الطائفة وعلماءها الغابرين ، وهو العلامة الكبير شاعر الإسلام والمسلمين أبو مسلم ناصر بن سالم البهلاني الرواحي الذي طالما انساب يراعه الموهوب ليصور لنا بعبارته الإيمانية همومه وأحاسيسه تجاه أمته ودينه ودونك هذا المقطع من قصيدة له بعنوان ( أفيقوا بني القرآن ) :

وقد كان من بشائر الخير التي لاحت للأمة مع تباشير إشراقة الصحوة الإسلامية المعاصرة ما كان - بادئ ذي بدء - من التعاطف والتواد والتراحم بين الشباب المسلم الذي أشرقت عليه أنوار هذه الصحوة ، فقد كانوا في بادئ أمرهم لا يلتفتون إلى الخلافات المذهبية ، ولا يشتغلون بالنعرات الطائفية إلا قليلاً منهم ، وهم الذين لم تصقل آثار تلك الصحوة ما تراكم على قلوبهم من الصدأ ، وهؤلاء كانوا مغمورين بالكثرة الكاثرة التي ينصب همها في محيط الإسلام الواسع الذي يجمع ولا يفرق ، ويُوَحِّد ولا يشتت ، وكادت القضايا الخلافية تُلقى في زوايا الإهمال لتصبح في خبر كان ، حتى إذا نضرت هذه الألفة وكادت تؤتي ثمارها الطيبة هاجت عليها أعاصير العصبية العمياء - بعدما حركتها أحقاد غصت بها نفوس ساءتها وحد الأمة - فلفحتها بسمومها التي أذبلت نضارتها ، وقضت على رونقها ، فإذا بالتواد تباغض ، وبالتعاطف تباعد ، وبالترابط تقاطع ، وبالرحمة عذاب .

وكان أول ضحية لهذا التآمر البغيض هو الإسلام الحنيف ثم الشبيبة المسلمة التي كادت تقلب مجرى التأريخ ، وتعيد إلى حاضر الأمة المشرق ماضيها العريق بضربها أروع الأمثال في الوحدة الإسلامية والترابط الديني ، فقد انتزعت انتزاعاً من حظيرة الوفاق الإسلامي ليدفع بها إلى متاهات من الخلاف والشقاق كان لها بد وأي بد من الدخول فيها والهيام في أرجائها .

وليت الأمر وقف عند حدود الجدل والمناظرات ، ولم يصل إلى التكفير وإصدار الأحكام التعسفية الجائرة على كثير من المسلمين ، بإخراجهم من الملة ، وتعريتهم من لباس الإسلام .

وقد لُزَّ الإباضية فيمن لُزَّ إلى مضائق هذه الفتنة على كره منهم ، فقد كانوا في مقدمة المستبشرين بطلائع الوحدة الإيمانية بين الأمة ، المرتاحين إلى روح الإخاء التي كانت تسود الشباب المسلم على اختلاف فئاته ، فما شعروا إلا ويُكفأ على رؤوسهم وقود هذه الفتنة وتضرم عليهم نيرانها بما صدر فيهم من أحكام التضليل والتبديع والتكفير ، واعتبارهم داءً عضالاً في جسم الأمة يجب استئصاله ولو ببتر الأعضاء التي أصيبت به ( وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد ) البروج 8 ، إذ لم ينقموا منهم إلا تنزيههم الخالق تبارك وتعالى ، وتصديقهم بما نزل في كتابه الكريم وما ثبت من سنة نبيه عليه أفضل الصلاة والتسليم .

وكثيراً ما تعرض طلبتهم في بلاد الإسلام وغيرها لأنواع المضايقات من قبل إخوانهم وزملائهم - مع ملاحظة ما يكنونه لهم من الود ويضمرونه لهم من الصفاء والخير - حتى بلغ الأمر ببعض سفهاء الأحلام أنهم كانوا يدعون الطلبة الإباضيين إلى إعلان الشهادتين ليكونوا في عداد المسلمين ، كأنهم - في نظر أولئك - من الملاحدة والمشركين .

وهو أمر يستدعي أسف كل ذي لب ، وحسرة كل من كان له قلب ، كيف ينزل الإباضية أهل الحق والاستقامة هذه المنزلة مع رسوخ قدمهم في التوحيد ، وصفاء مصدرهم في العقيدة ، وما عُرِفوا به بين الخاص والعام من الورع في الدين والخشية من بأس الله ، وما الذي ارتكبه الإباضية حتى ينزل بهم هذا الحكم ، ويُعاملوا بهذه الطريقة ؟؟

إن أهم ما تذرع به أولئك الذين أصدروا فيهم تلك الأحكام الرهيبة ، وعاملوهم بهاتيك المعاملة النكراء ثلاث قضايا كان للإباضية فيها موقف لم يتفق مع رغبات أولئك الحاقدين ، فعدوا كل قضية منها مبررة للحكم عليهم بالكفر وقطع حبال الصلة بينهم وبين سائر الأمة مع أن الإباضية لم ينفردوا بموقفهم دون سائر طوائف الأمة ، فثم الكثير من الذين رأوا في هذه القضايا رأيهم وأيدوا موقفهم كما سيتضح ذلك من خلال هذه الدراسة إن شاء الله ، على أنهم في كل قضية منها أخذوا بحجز النصوص القرآنية والسنة الثابتة عن الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام ..

والقضايا الثلاث هي
أ ـ إنكار رؤية الله تعالى
ب ـ القول بخلق القرآن
ج ـ اعتقاد تخليد الفسَّاق في النار

وقد انهالت عليَّ أسئلة الطلبة من هنا وهناك عن موقف أصحابنا في هذه القضايا الثلاث ، وما يستندون إليه من دليل ، ونظرتهم إلى أدلة من يقولون بخلاف قولهم ، ولم يكن لطلبتنا من قبل أي اهتمام بالقضايا الخلافية وبحثها ماعدا المتخصصين منهم في دراستها ، وإنما دعاهم إلى هذا الإلحاح في طلب كشف النقاب عن وجه الحقيقة فيها ما يلقونه من عنت ويواجهونه من إحراج من قوم لا يهمهم إلا إثارة شحناء كانت نائمة ، وتسعير فتنة كانت خامدة ، فدعاني ذلك إلى تحرير هذه العجالة التي سوف يجد فيها القارئ الكريم إن شاء الله دراسة وافية لكل قضية من هذه القضايا بتلخيص أدلة كل فريق وبحثها على ضوء قول الله عز وجل وقول رسوله عليه أفضل الصلاة والسلام ، مع استلهام فهم مقاصدهما بالرجوع إلى قواعد اللسان العربي المبين ، الذي شرّفه الله بأن جعله وعاءً للقرآن الكريم وطبع عليه لسان نبيه الخاتم عليه أفضل الصلاة والتسليم ، وستدرك أخي القارئ - إن شاء الله - من خلال دراستك لما أقدمه إليك ، أن الإباضية لم يستمدوا عقيدتهم من فلسفة اليونان وغيرها من أساطير الأولين كما يحلو زعم ذلك للذين يهرفون بما لا يعرفون ، وإنما استمدوه من أصفى ينابيع الحق ، وأمور أشعة الحقيقة ، فقد احتكموا إلى الكتاب العزيز والسنة المطهرة على صاحبها أفضل الصلاة والسلام ، عملاً بقوله تعالى : ( فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا ) النساء 59 ،

وإذا خفيت عن الغبي فعاذر

أن لا تراني مقلة عمياء

وقد كنت حريصاً من قبل على عدم الخوض في مثل هذه القضايا الجانبية وعدم اتخاذ موقف من هذه المهاترات إلا الصمت ، فالحق أصفى وأبين من أن تكدر الشُّبَهُ صَفْوَه أو تحجب نوره.



وفي تعب من يحسد الشمس ضوءها

ويجهد أن يأتي لها بضريب

ولن يضر هجر المقال إلا قائله دون من قيل فيه ، فما الذي ضر المرسلين وأتباعهم مما قيل فيهم من الإفك ، ورموا به من التهم ، وهذه هي سنة الله في خلقه ( إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون ، وإذا مروا بهم يتغامزون ، وإذا انقلبوا إلى أهلهم انقلبوا فكهين ، وإذا رأوهم قالوا إن هؤلاء لضالون وما أرسلوا عليهم حافظين ) المطففين 29/33 .



وإنا وما تلقى لنا من هجاءنا

لكالبحر مهما يلق في البحر يغرق

ولكني رجَّحت جانب الرد على الصمت تبياناً للحث ودفاعاً عن الحقيقة ، ووقوفاً في وجوه الذين يضرمون الفتن ويؤججون الأحقاد بهذه المحاولات ، لتمزيق شمل الأمة وتفتيت وحدتها ، إذ لا يعلم إلا الله عاقبة هذه الفتنة إذا اضطرمت نارها وحَمِيَ أوارها والعياذ بالله .

ولعمر الحق إن ما تعانيه اليوم أمة الإسلام من محن وفتن وتشتت وضياع لجدير بأن يستدر لها عطف عدوها اللدود ، ويعتصر لها الرحمة من قلوب خصومها القاسية ، فكيف تسمح بمضاعفة بلائها وإنكاء جروحها من جديد ، بأمثال هذه المهاترات من غير أن نتصدى لها بالرد المقنع بالحجة والبرهان ، لذلك قمت ، مع اشتغال البال وتراكم الأعمال - بتحرير هذه العجالة تبياناً لحجة ( الحق الدامغ ) واستئصالاً لشبهة الباطل الزاهق ، والله هو الذي يحق الحق ويبطل الباطل ( بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق ) الأنبياء 18

وقد لخصت هذا الرد في ثلاثة مباحث





المبحث الأول

في رؤيـــــة اللــــه
ويشتمل على مقدمة وثلاثة فصول وخاتمة


أعلى الصفحة

المقدمة

في مدلول الرؤية لغة

جاء في القاموس وشرحه للزبيدي ما نصه : ( الرؤية ) بالضم إدراك المرئي ، وذلك أضرُب بحسب قوى النفس ،

الأول
( النظر بالعين) التي هي الحاسة وما يجري مجراها ، ومن الأخير قوله تعالى : ( وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله ) سورة التوبة 105 ، فإنه مما أُجْرِيَ مجرى الرؤية بالحاسة فإن الحاسة لا تصح على الله ، وعلى ذلك ( يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم ) الأعراف 27.

الثـانيبالوهم والتخيل ، نحو أرى أن زيداً منطلق

الثالثبالتفكير ، نحو ( إني أرى ما لا ترون ) الأنفال 48 .

الرابع( بالقلب ) أي بالعقل وعلى ذلك قوله تعالى : ( ما كذب الفؤاد ما رأى ) النجم 11 ، وعلى ذلك قوله تعالى : ( ولقد رآه نزلة أُخرى ) النجم 13(1) . وقال ابن سيده : الرؤية النظر بالعين والقلب(2) وهو تفسير للأخص بالأعم فقد تنظر العين مع عدم تحقق الرؤية مثال ذلك : نظرت الهلال فلم أره ، فإن النظر هنا هو محاولة للرؤية وليس إياها .

والخلاصة : أن الرؤية تكون بصرية وغير بصرية ، والبصرية تكون بحاسة الإبصار المعهودة وهي العين فيما كانت فيه عين ، وفسرها الإمام السالمي رحمه الله بقوله: (وهي اتصال شعاع الباصرة بالمرئي أو انطباع صورة المرئي في الحدقة ) (3)، وإلى هذا المعنى ذهب أكثر القائلين برؤية الله تعالى ، سواء الذين أثبتوا رؤيته في الدنيا والآخرة أو الذين أثبتوها في الآخرة دون الدنيا ، كما قال الشيباني



ومن قال في الدنيا يراه بعينه

فذلك زنديق طغى وتمردا

ولكن يراه في الجنان عباده

كما جاء في الأخبار نروبه مسندا

وقال آخر



ولله أبصار ترى الله جهرة

فلا الضيم يغشاها ولا هي تسأم




الفصل الأول

في اختلاف الأمة

في إمكان رؤية الله ووقوعها

اشتد النزاع بين طوائف الأمة في إمكان رؤيته تعالى ووقوعها ، فذهبت الطوائف المنتسبة إلى السنة من السلفية والأشعرية والماتريدية والظاهرية وغيرهم إلى أنها ممكنة في الدنيا والآخرة ، غير أن جمهورهم يثبت وقوعها في الآخرة لا في الدنيا.

وذهبت طائفة إلى أنها واقعة في الدنيا والآخرة ، وهم مختلفون كذلك ، هل هي خاصة في الدنيا برسول الله صلى الله عليه وسلم ، أو هي عامة له وللمؤمنين ؟ فأكثرهم على أنها خاصة به ، وهو قول الأشعري وغالب أتباعه ، نقله عنهم الحافظ ابن حجر(1) وبه قال النووي ولم يقل بوقوعها لغيره صلى الله عليه وسلم في الدنيا إلا غلاة الصوفية ، وظاهر كلام الألوسي يدل على جنوحه إليه ، وقد غالى حتى أجاز له الكيفية تعالى الله عن ذلك ، ونص كلامه : " نقل المناوي أن الكمال بن الهمام سئل عما رواه الدارقطني وغيره عن أنس من قوله صلى الله عليه وسلم : (رأيت ربي في أحسن صورة) بناءً على حمل الرؤية على الرؤية في اليقظة " فأجاب بأن هذا حجاب الصورة. انتهى ، قال : وهو التجلي الصوري الشائع عند الصوفية ، ومنه عندهم تجلى الله تعالى في الشجرة لموسى عليه السلام وتجليه جل وعلا للخلق يوم يكشف عن ساق ، وهو سبحانه وإن تجلى بالصورة لكنه غير متقيد بها ( والله من ورائهم محيط).

والرؤية التي طلبها موسى عليه السلام غير هذه الرؤية ، قال : وذكر بعضهم أن موسى كان يرى الله تعالى إلا أنه لم يعلم أن ما رآه هو هـو وعلى هذا الطراز يحمل ما جاء في بعض الروايات المطعون بها (رأيت ربي في صورة شاب - وفي بعضها زيادة - له نعلان من ذهب) ، ومن الناس من حمل الرؤية في رواية الدارقطني على الرؤية المنامية ، وظاهر كلام السيوطي أن الكيفية فيها لا تضر ، وهو الذي سمعته من المشايخ قدس الله تعالى أسرارهم ، والمسألة خلافية.

قال : وإذا صح ما قاله المشايخ وأفهمه كلام السيوطي فأنا ولله تعالى الحمد قد رأيت ربي مناما ثلاث مرات ، وكانت المرة الثالثة في السنة السادسة والأربعين والمائتين والألف بعد الهجرة ، رأيته جل شأنه وله من النور ما له متوجها جهة المشرق فكلمني بكلمات أنسيتها حين استيقظت ، ورأيت مرة في منام طويل كأني في الجنة بين يديه تعالى وبيني وبينه ستر حبيك بلؤلؤ مختلف ألوانه ، فأمر سبحانه أن يذهب بي إلى مقام عيسى عليه السلام ثم إلى مقام محمد صلى الله عليه وسلم فذهب بي إليهما فرأيت ما رأيت ولله تعالى الفضل والمنة

وهذا كلام تقشعر منه الجلود ، وتتصدع به الجبال ، فإن فيه من الجرأة على الله تعالى ما ليس بعده ، كيف وقد أخذت بني إسرائيل الصاعقة بمجرد سؤال الرؤية ، ونال موسى عليه السلام ما ناله من الصعق لا لشيء غير أنه سألها ليكفكف - بما يأتي من الرد الحاسم على سؤاله - غلواءهم ، ويستأصل شافة طمعهم ، ولم يكد يفيق من الصعق حتى قال : ( سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين ) "الأعراف 143" ، ولولا أنى أردت أن أوقفك أيها القارئ على هذا الخلط العجيب الذي جرأ هؤلاء الناس عليه اعتقادهم جواز الرؤية ما نقلتُ من هذا الكلام حرفا

ولم يقف الأمر بالألوسي عند هذا الحد حتى أخذ ينقل من أقوال أقطابهم ما هو صريح في رد قوله تعالى لموسى : (لن تراني ) "الأعراف 143" ، وترجيح هذه الأقوال على هذا النص القرآني الصريح ، وإليك أيها القارئ الكريم بعض ما جاء به قال : "وقال الشيخ الأكبر قدس سره إنه رآه بعد الصعق وذكر قدس سره أنه سأل موسى عن ذلك فأجابه بما ذكر ، والآية عندي غير ظاهرة في ذلك ، وإلى الرؤية بعد الصعق ذهب القطب الرازي في تقرير كلام للزمخشري إلا أن ذلك على احتمال أن تفسر على الانكشاف التام ، الذي لا يحصل إلا إذا كانت النفس فانية مقطوعة النظر عن وجودها فضلا عن وجود الغير ، إلى أن قال : وذهب الشيخ إبراهيم الكوراني إلى أنه عليه السلام رأى ربه سبحانه حقيقة قبل الصعق فصعق لذلك ، كما دُك الجبل للتجلي... الخ كلامه المتناقض الذي آثرت الإعراض عن نقله كله ، لأنه كثير العناء ولا جدوى

والقائلون برؤيته في الآخرة مضطربون كذلك لاختلافهم في من يرونه ومتى يرونه ، فبينما أكثرهم يقولون بأن الرؤية خاصة بالمؤمنين إذ هي نعمة يمن الله بها عليهم يتضاءل معها نعيم الجنة ، نجدُهُم يهرعون إلى الاستدلال عليها بحديث (سترون ربكم) مع أنه يقتضي أن هذه الرؤية ستكون في الموقف ، وأنها غير خاصة بالمؤمنين ، بل المنافقون يشاركونهم فيها لأن من نصوصه ( وتبقى هذه الأمة فيها منافقوها فيأتيهم الله تعالى في صورة غير التي يعرفون ) وأغرب من هذا ما ذكره ابن كثير في تفسير قوله تعالى : ( كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون) "المطففين 15" أنه يكشف الحجاب فينظر إليه المؤمنون والكافرون ، ثم يحجب عنه الكافرون وينظر إليه المؤمنون كل يوم غدوة وعشية ، وعزا إلى ابن جرير أنه رواه عن الحسن (2) ، ولم أجده في تفسير ابن جرير وإنما وجدت فيه رواية عن الحسن أنه قال : "يكشف عنه الحجاب فينظر إليه المؤمنون غدوة وعشية " أو كلاماً هذا معناه

ونقل الحافظ القول باشتراك المؤمنين والكفار في رؤيته يوم القيامة عن طائفة من المتكلمين كالسالمية من أهل البصرة . وإذا قسنا هذا إلى ما نقله ابن القيم في حادي الأرواح من رواية ابن أبي حاتم عن الأوزاعي أنه قال : إني لأرجو أن يحجب الله عز وجل جهماً وأصحابه عن أفضل ثوابه الذي وعده أولياءه (4)، وجدنا تعارُضاً بعيدا بين أقوالهم ، وقد سمعت محاضرة مسجلة في شريط لأحد خطباء الجمعة المشهورين في إحدى دول الجزيرة العربية استدل فيها على ثبوت الرؤية بقوله تعالى : ( كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون ) وكان مما قال في الآية " أن الإباضية هم الذين يحجبون عن ربهم فلا يرونه - عندما يراه المؤمنون - ولكنهم يرون مالكا خازن النار بسبب إنكارهم للرؤية" أعوذ بالله من نزغات أهل الجهل ، ومن عثرات أتباع الهوى.

وقال ابن القيم : فقد دلت الأحاديث الصحيحة على أن المنافقين يرونه تعالى يوم القيامة ، بل والكفار أيضا كما في حديث التجلي يوم القيامة ، ثم قال : وفي هذه المسألة ثلاثة أقوال لأهل السنة :

* أحدهما : أن لا يراه إلاً المؤمنون.
* والثاني : يراه جميع أهـل الموقف مؤمنهم وكافرهم ، ثم يحتجب عن الكفار فلا يرونه بعد ذلك.
* والثالث : يراه المنافقـون دون الكفار ، والأقوال الثلاثة في مذهب أحمد وهي لأصحابه .(1)

هكذا ترى - أيها القارئ الكريم - تضارب أقوال مثبتي الرؤية في هذه القضية حتى أنهم ينسبون إلى إمام واحد من أئمتهم أقوالاً متعارضة ومذاهب متباينة ، وناهيك بذلك شاهداً ودليلاً على ضعف القاعدة التي أسسوا عليها معتقدهم ، وإلاً فإن الحق لا يحتمل هذا الاختلاف لوضوح حجته واستقامة محجته وصدق الله : ( وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ) "سورة الأنعام آية 153".

وليت شِعري إذا كانت الرؤية أعظم ثواب أعده الله للمؤمنين ثم شاركهم فيها الكافرون والمنافقون ، ماذا بقى بعدئذ ؟ وكيف لا يشاركونهم في نعيم الجنة ، مع أن الجنة لا تساوي شيئاً بجانب هذا الثواب العظيم في زعم هؤلاء القائلين حتى أنهم نسبوا إلى أحد الأئمة أنه لو لم يوقن أنه سيرى ربه بوم القيامة لما عبده .(2) وهو يفيد أن قائله يرى أن الله سبحانه لا يستحق من خلقه عبادة - لولا رؤيته التي يرجونها - لا لعظمته ولا لنعمته ولا لثوابه ولا لعقابه ، ولعمري ما أخطر هذا القول ونسبته إلى عالم من عُلماء المسلمين ، فما أشبهه بقول بني إسرائيل : ( لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة ) "البقرة 55".

هذا وقد صرَّح بعض الحنابلة بأن إثبات رؤية الكفار لله يوم القيامة قول باطل مخالف لإجماع الأمة ، فقد حكى ابن تيمية عن القاضي أبي يعلى وغيره من الحنابلة أن مثبتي رؤية الله في الآخرة ومنكريها اتفقوا على أن الكافرين لا يرونه - قالوا : ( فثبت بهذا إجماع الأمة - ممن يقول بجواز الرؤية وممن ينكرها - على منع رؤية الكافرين لله ، وكل قول حادث بعد الإجماع فهو باطل مردود ).

وحكى عنهم أيضاً ما نصه : الأخبار الواردة في رؤية المؤمنين لله إنما هي طريق البشارة ، فلو شاركهم الكفار في ذلك بطلب البشارة ، ولا خلاف بين القائلين بالرؤية في أن رؤيته من أعظم كرامات أهل الجنة.

ثم أتبع ذلك قوله . قال - أي القاضي أبو يعلى - : وقول من قال إنما يرى نفسه عقوبة لهم وتحسيراً على فوات دوام رؤيته ومنعهم من ذلك - بعد علمهم بما فيها من الكرامة والسرور - يوجب أن يدخل الجنة الكفار ويريهم ما فيها من الحور والولدان ، ويطعمهم من ثمارها ويسقيهم من شرابها ، ثم يمنعهم من ذلك ليعرفهم قدر ما منعوا منه ويكثر تحسرهم وتلهفهم على منع ذلك بعد العلم بفضيلته. ثم قال : والعمدة قوله سبحانه : ( كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون ) فإنه يعم حجبهم عن ربهم في جميع ذلك اليوم ، وذلك اليوم ( يوم يقوم الناس لرب العالمين( وهو يوم القيامة ، فلو قيل إنه يحجبهم في حال دون حال لكان تخصيصاً للفظ بغير موجب ، ولكان فيه تسوية بينهم وبين المؤمنين ، فإن الرؤية لا تكون دائمة للمؤمنين والكلام خرج مخرج بيان عقوبتهم بالحجب وجزائهم به فلا يجوز أن يساويهم المؤمنون في عقاب ولا جزاء سواه … الخ (1) وكفى بهذا الكلام دحضاً لما قالوه ونقضاً لما شيدوه.

وذهب إلى استحالتها في الدنيا والآخرة أصحابنا - الإباضية - وهو قول المعتزلة والجهمية والزيدية والإمامية من الشيعة ، وبه قال جماعة من المتكلمين المتحررين من أسر التقليد كالإمام الجصاص في "أحكام القرآن" ، وجنح إليه الإمام الغزالي في بعض كتبه ، بل صرح به في بعضها ، وهو الثابت عندنا عن سلف هذه الأمة ، فقد رواه الإمام الربيع رحمه الله عن أفلح ابن محمد عن أبى معمر السعدي عن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ، ورواه عن جبير عن الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما ، ورواه عنه من طريق أبي نعيم عن العباس أبي إسحاق عن سعيد بن جبير عن نافع بن الأزرق ، ورواه أيضا عن عائشة رضي الله عنها ومجاهد ، وإبراهيم النخعي ، ومكحول الدمشقي ، وعطاء بن يسار وسعيد بن المسيب وسعيد بن جبير والضحاك بن مزاحم ، وأبي صالح صاحب التفسير، وعكرمة ومحمد بن كعب ، وابن شهاب الزهري ومحمد بن المنكدر ، وهو مقتضى ما رواه ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال في قول موسى عليه السلام : ( وأنا أول المؤمنين ) أنه لا يراك أحد ، وما رواه عن السدي أنه قال في قوله تعالى : ( لا تدركه الأبصار) لا يراه شيء وهو يرى الخلائق ، وستأتيك إن شاء الله رواية عبد بن حميد وابن جرير له عن مجاهد ، ورواية ابن مردويه له عن ابن عمر رضي الله عنهما وعن عكرمة ، ورواية ابن جرير وعبد بن حميد أيضا له عن أبى صالح ، ونسبه ابن حزم أيضا إلى مجاهد - وتعذر له في ذلك بأن الخبر لم يبلغ إليه - وعزاه أيضاً إلى الحسن البصري وعكرمة ثم قال وقد روى عن عكرمة والحسن إيجاب الرؤية له تعالى . (2)

وما رواه عن الحسن وعكرمة مما ظنوه إثباتاً لرؤية الله تعالى لا ينافي ما ثبت من إنكارها عند فهم مقاصدهما ، وسيأتي بيان ذلك إن شاء الله .




الفصل الثاني

في أدلـة المثبتين

وهي تنقسم إلى قسمين ، أدلة جوازها ، وأدلة وقوعها.

فأما القسم الأول فمنه عقلي ومنه نقلي:

أما العقلي فيتلخص في قياس وجود الحق على وجود الخلق ، وذلك أنهم قالوا إن سائر الموجودات مشتركة في جواز الرؤية عليها ، وبما أن الله موجود أيضاً فإن رؤيته ممكنة .

وأجيب عن ذلك بما ملخصه أن الوجود إن كان هو العلة في رؤية الموجودات المرئية ، فلا مانع من أن يعتبر علة في خلقها ، فيترتب عليه أن يكون الله سبحانه ممكناً أن يشاركها في الخلق كمشاركته لها في الوجود ، أما إذا اعتبرنا علة خلقها الحدوث فيجب علينا أيضاً أن نعتبره علة في إمكان رؤيتها ، وأن ننزه الخالق عن قياسه عليها في الرؤية كما ننزهه عن قياسه عليها في الخلق ، على أن دعوى أن كل موجود تجوز رؤيته منتقضة بكثير من الموجودات غير المرئية ، كالروح والعقل والوجدان والإدراك ، ومثلها الأصوات والروائح ، والأثير والكهرباء ، وفتح باب القياس بين الخالق والخلق يؤدي إلى وصفه سبحانه بكثير ممَّا تواترت الرسالات واتفق العقلاء على استحالته في حقه تعالى ، فإن المخلوق لا يمكن تصور وجوده إلا بوجود الزمان والمكان ، وقد كان الخالق ولا زمان ولا مكان وهو الآن على ما عليه كان ، لا يتصف بالعوارض ، ولا يدرك بالحواس ، ولا يجوز في حقه الاتصال بشيء من المخلوقات ولا الانفصال عنها ، والعقول كيفما تطاولت فمنتهاها أن تقف على عتبة ( العجز عن الإدراك هو الإدراك ) و ( ما عرف الله من شبهه بشيء من خلقه ) وإنما محط رحال الأفكار إدراكها أنه ( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ) سورة الشورى : 11 ، وقد صرَّح السيد السند في شرح المواقف بانقطاع المسلك العقلي عن الوصول إلى حجية إمكان رؤيته تعالى.(1)

وأما النقلي فبعضه من الكتاب وبعضه من السنة ، أما من الكتاب فدليلان:

(1) سؤال موسى الكليم عليه السلام الرؤية بقوله: ( ربّ أرني أنظر إليك ) الأعراف 143 ، ووجه استدلالهم به أنه إما أن يكون ناشئا عن جهل وهو مستحيل لاستحالة أن يجهل الأنبياء ما يستحيل عليه تعالى وهم أعرف بالله وبكبريائه ، وما يجب له وما يستحيل عليه ، وإما أن يكون مقترنا بعلمه - عليه السلام - أنها مستحيلة وهو باطل أيضا ، لأن طلب المحال عمدا ليس من شأن الأبرار فضلا عن جوازه على النبيين ، وإنما هو من شأن أهل العتو والشقاق ، فنتج عن ذلك أنها جائزة عليه تعالى وأن موسى عليه السلام عالم بجوازها ، فلذلك اجترأ على سؤالها.

وأجيب بأنه عليه السلام كان عارفا باستحالتها ولم يرد بسؤالها نيل المستحيل ، وإنما أراد ردع قومه الذين لجوا في طلبها وعلقوا عليها إيمانهم برسالته ، فلعلهم عندما يقرعون بالرد الحاسم باستحالتها يرعوون عن غيهم ويتراجعون عن جرأتهم ، خصوصا عندما يقترن الرد بآية بينة تزجرهم عن مثل هذا التعنت.

واعترض بأن أولئك القوم إن كانوا مؤمنين فبحسبهم جواب موسى لهم باستحالتها ، فإنه الرسول الأمين المقرونة دعوته بآيات بينات لا تدع مجالا للشك في صدق قوله وصحة دعوته ، وإن كانوا كفارا فلن يجديهم جوابهم باستحالتها في هذا الموقف شيئا.

ورُد هذا الاعتراض بأن القوم لم يكونوا على شيء من الإيمان ، وكيف ينطبق وصف الإيمان على الذين قالوا : ( لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة ) البقرة 55. وإنما أراد عليه السلام أن يقطع دابر شقاقهم ويستأصل شبهة عنادهم بجواب حاسم ،يأتيهم من قبل الله العزيز الحكيم مخالف لوصف خطابه عليه السلام لهم ، يتجلى فيه من الآيات ما يحسم كل شبهة ، ويقضي على كل طمع في مطلبهم المستحيل.

ومما يؤكد أن موسى عليه السلام لم يسألها لنفسه وإنما سألها لقومه ، ما تكرر في القرآن من توبيخ الله لهم على هذا السؤال وعدّه من أعظم جرائرهم وأبلغ كفرهم ، كما في قوله سبحانه : ( فقد سألوا موسى أكبر من ذلك فقالوا أرنا الله جهرة ) النساء 153 ، وقوله : ( وإذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتكم الصاعقة وأنتم تنظرون ) البقرة 55 ، واعتذار موسى إلى ربه بعد الرجفة مما حصل ، عازياً إياه إلى السفهاء حيث قال عليه السلام : ( رب لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي أتهلكنا بما فعل السفهاء منا إن هي إلا فتنتك تضل بها من تشاء وتهدي من تشاء أنت ولينا فأغفر لنا وارحمنا وأنت خـير الغافرين ) الأعراف 155 .

واعترض على ذلك بأمرين:

أ . أنه عليه السلام لو لم يسألها لنفسه لما تاب من سؤاله.

ب. أنه لو سألها لغيره لم يضفها إلى نفسه ، ولقال رب أرهم ينظروا إليك ولم يقل رب أرني أنظر إليك.

وجواب الأول أنه عليه السلام سارع إلى التوبة لشعوره بالتورط بما سأل ، وإن كانت له نية حسنة يعلمها الله تعالى ، وإنما المقام يقتضي الاستئذان من الله قبل الإقدام على مثل هذا السؤال.

وعن الثاني بأن إضافتها إلى نفسه دونهم أبلغ في اقتناعهم باستحالتها عندما يعلمون أنه - مع علو مرتبته وصفاء سريرته مما يعلمون أنهم متلوثون به - لا تمكن له الرؤية التي هم ملحون في طلبها ، وإذا تعذرت عليه فهي عليهم أشد تعذرا.

والخلاصة أن موسى عليه السلام ما سأل الرؤية طامعا في حصولها ، وإنما سألها ليكون سؤاله وسيلة من وسائل الإقناع الذي يحرص عليه ، وأسلوبا من أساليب الدعوة التي يقوم بها ، ومثله في ذلك مثل إبراهيم عليه السلام الذي قال عندما رأى الكوكب والقمر والشمس ( هذا ربي ) الأنعام 76 ، 77 ، 78 ، فإنه بالقطع لم يرد تأليهها ، فإن العقل السليم لا يستسيغ بحال تأليه المخلوقات ، فكيف بعقول النبيين الذين صنعوا على عين الله ، واصطفاهم الله عز وجل لأن يكونوا وعاءً لهدايته وتجسيدا للحق الذي أرسلهم به ، بل كيف بعقل الخليل إبراهيم الذي أكرمه الله بخلته ، واجتباه لأن يكون أبا للنبيين وإماما للحنيفيين ؟ وإنما أراد صلوات الله وسلامه عليه بما قاله - مما ظاهره كفر وحقيقته إيمان وتوحيد - إقامة الحجة على من حوله من الذين يعبدون الأجرام السماوية ، بأن هذه الأجرام ما هي إلا كائنات متنقلة ، تعتريها الأحوال ويطرأ عليها الأفول ، وما كان كذلك فهو ليس من الربوبية أو الألوهية في شيء ، ويدل عليه قوله تعالى عقب حكاية قصته : ( وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه) الأنعام 83.

وإذا كان هذا هو محمل كلام إبراهيم عليه السلام مع عدم وجود نص في القرآن يدل على أن قومه كانوا يعبدون هذه الأجرام ، فلأن يحمل سؤال موسى عليه السلام للرؤية على قصد تبكيت قومه أولى ، لكثرة النصوص الدالة على أنهم هم الذين سألوها ، وهل يعقل أن يسأل موسى عين ما سألوه ، وهم الذين أصابهم ما أصابهم من التقريع على ما سألوا ، تا لله ما القول بذلك إلا تنظير لموسى بأنذال بنى إسرائيل وإنزالٌ له عليه السلام من علياء النبوة التي رفعه الله إليها ، واصطفاه من أجلها ، إلى دركات الجهل التي انحط إليها أسلاف اليهود ، الذين سألوا رؤية الله فحقت عليهم كلمة الله باستحقاق هوان الدنيا وعذاب الآخرة.

وبعد ما حررته هنا اطلعت على ما يسند حجته ويجلو وجهه من تحرير للمقام ، بقلم شيخ الإسلام المحقق الخليلي رحمة الله عليه ، فرأيت أن انقله بنصه ليزدان جيد كلامي بسمط كلامه الدرِّي ، قال - بعد تبيانه مقصود موسى من سؤاله : "وشاهد هذا قوله تعالى حكاية عن إبراهيم عليه السلام : ( فلما جن عليه الليل رأى كوكبا قال هذا ربي فلما أفل قال لا أحب الآفلين فلما رأى القمر بازغا قال هذا ربي فلما أفل قال لئن لم يهدني ربي لأكو نن من القوم الضالين فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربي هذا أكبر فلما أفلت قال يا قوم إني بريءٌ مما تشركون ) فانظر كيف جاز لإبراهيم عليه السلام أن يتكلم بلفظة الشرك ثلاث مرات مخبرا بها عن نفسه من غير مندوحة ، ولا في موضع تقية على نفس ولا دين ولا مال ، وليس هو مجبراً على ذلك ولا مأخوذا به ، وقد كان له في الاحتجاج بغير هذا مجال رحب وسعة ، وقد احتج عليهم بغيره في غير مرة ، كما صرح به في كتاب الله تعالى ، ولكن رأى خطابهم على هذا الأسلوب والجري معهم على هذه الطريقة أقطع لحجتهم ، وأدمغ لكلمتهم ، وأبلغ لتبكيتهم ، وأوضح لإعجازهم ، فأثنى الله عليه بذلك وحكى ما قاله هنالك ، وقال تأييدا له : ( وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه ) الأنعام 83.

وإذا كانت كلمة إبراهيم عليه السلام بالشرك الصريح - لما كانت مسوقة لهدم قواعد الشرك ومقولة لإيضاح الحق - لم تسّم شركا لفظا ولا معنى ، ولا عقلا ولا حكما ، فكيف يصح في مقالة موسى عليه السلام إذا كان مقصوده بها تبكيت قومه وإقامة الحجة عليهم بسماع المنع من الله تعالى أن تكون باطلة ، وهي نفس الحق المبين.

فموسى الكليم وإبراهيم الخليل في أحكام الحق سواء ، وكلمتاهما في أحكام الظاهر ممنوعتان سواء ، ولكنهما كانتا مسوقتين لإزهاق الباطل وإثبات الحق ، فهما في معنى الجواز سواء أم يجوز الفرق بينهما ؟ ولا فرق عند من عرف الحق ، فهما نفس الصواب وحقيقة الهدى ، ولا يكاد يصدر مثلهما إلا عن منصب النبوة ، ولكن ربما يخفى ضياء النهار على بعض الأبصار ، ولله در من قال :



وإذا كنت بالمدارج غرًّا

ثم أبصرت حاذقا لا تمار

وإذا لم تر الهلال فسلـم

لأناس رأوه بالأبصــار

فإن قلت كيف يسوغ التشبيه والاحتجاج بقصة إبراهيم عليه السلام في هذه الآية الشريفة ، وقد اختلف المفسرون في تأويلها ؟
قلنا إن الوجه الحق فيها ما قلناه وهو عمدة المحققين وقول المنصفين ، ولكن القوم لما لم يقتدروا على استخراج زبدها قال قائل منهم إن إبراهيم عليه السلام قال ذلك في صباه وهذا باطل ، لأن حكاية الشرك لا معنى لها عن صبي ولا بالغ لغير فائدة ، وأي فائدة في تجهيل الخليل عليه السلام ، وحكاية الشرك عنه في صباه.

وقال آخرون إنه قالها على معنى الاستفهام إيهاما لقومه وليس بالقوي . وقال بعض تقديره قال هذا ربي بزعمكُمْ ، وليس بشيءٍ لعدم الدلالة.

وقال بعضهم تقديره يقولون هذا ربى ، ولا دليل عليه أيضا ، فليس الوجه إلا الأول. (1) (2) قول الله سبحانه ( ولكن انظر إلى الجبل فان استقر مكانه فسوف تراني) "الأعراف 143" ، ووجه الاستدلال بالآية ، أنه تعالى علق الرؤية على استقرار الجبل ، وهو في ذاته ممكن ، والمعلق على الممكن ممكن مثله .

وأجيب بأنه لا إمكان بعدما حصل من اندكاك الجبل ، وانكشف من قضاء الله فيه الذي لا يمكن أن يكون المقضي بخلافه ، فإنه تعالى لا تبديل لكلماته ، وقد كان في علمه تعالى أنه لن يستقر ، ولن يتبدل شيء عما كان في علمه ، وإنما كان استقراره ممكنا بحسب علم المخلوقين القاصر المحدود ، قبل أن ينكشف لهم باندكاكه ما في علمه تعالى وقضائه ، وفي هذا يقول الإمام ابن عاشور " ولما كان استقرار الجبل في مكانه معلوما لله انتفاؤه ، صح تعليق الأمر المراد تعذر وقوعه عليه بقطع النظر عن دليل الانتفاء ، فلذلك لم يكن في هذا التعليق حجة لأهل السنة على المعتزلة تقتضي أن رؤية الله تعالى ، جائزة عليه تعالى خلافا لما أعتاد كثير من علمائنا من الاحتجاج بذلك.

وقوله : ( فسوف تراني) ليس بوعد بالرؤية على الفرض ، لأن سبق قوله : ( لن تراني) أزال طماعية السائل الرؤية ، ولكنه إيذان بأن المقصود من نظره إلى الجبل أن يرى رأي اليقين عجز القوة البشرية عن رؤية الله تعالى بالأحرى مع عدم ثبات قوة الجبل ، فصارت قوة الكلام أن الجبل لا يستقر مكانه من التجلي الذي يحصل عليه ، فلست أنت بالذي تراني لأنك لا تستطيع ذلك ، فمنزلة الشرط هنا منزلة الشرط الإمتناعي الحاصل بحرف " لو" بدليل قرينة السابق

وأما من السنة : فما روي عن جماعة من الصحابة رضوان الله تعالى عليهم من إثبات رؤيته صلى الله عليه وسلم لربه ليلة الإسراء والمعراج ، ووجه استدلالهم بذلك على إمكان الرؤية أنها لو لم تكن ممكنة لما قال بوقوعها أحد من الصحابة ، وهم أوفر عقلاً ، وأغزر علماً ، وأنور بصيرة ممن جاء بعدهم ، ووجه اعتبار هذا الدليل من السنة أنهم رضي الله عنهم لا يقولون شيئاً من نحو هذا اعتباطاً ، ولكن استناداً إلى ما علموه من رسول الله صلى الله عليه وسلم

وجوابه أن ما روي عنهم من إثبات رؤيته صلى الله عليه وسلم لربه لا يخلو إما أن يكون من كذب الرواة عنهم ، وإما أن يكون من سوء فهمهم لما رووه ، وكيف يمكن أن يقول أحد منهم بأن النبي صلى الله عليه وسلم رأى ربه تعالى ، وأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها تقطع عذر من قال ذلك باعتباره قد أعظم على الله الفرية ، كما جاء ذلك عنها بأصح الأسانيد وأضبطها في مسند الإمام الربيع بن حبيب ، وفي صحيحي البخاري ومسلم من طريق مسروق ، وإعظام الفرية على الله أكبر الكبائر التي يجب تنزيه المسلمين عنها ؛ فضلاً عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، الذين هم خير القرون ، وفي رواية أخرجها البخاري عن مسروق قال : قلت لعائشة رضي الله عنها : يا أمتاه هل رأى محمد صلى الله عليه وسلم ربه ؟ فقالت : " لقد قفَّ شعري مما قلت " وما هو إلا كناية عن هول ما سَمِعَتْ ، وضيق صدرها منه لاستحالة ذلك على الله سبحانه .

وأشهر من رُوِيَ عنه القول بخلافها ابن عباس رضي الله عنهما ، ومن أمعن نظره في نص كلامه المروي ، يدرك أنه لم يقصد بالرؤية إلا مزيد المعرفة بالله تعالى الذي حصل لرسول الله صلى الله عليه وسلم في تلك الليلة المباركة بما تجلى له من آيات الله ، وانكشف له من أسراره في الملكوت الأعلى .

ففي صحيح الإمام مسلم ، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، وأبو بكر الأشج ، جميعاً عن وكيع ، قال الأشج حدثنا وكيع حدثنا الأعمش عن زياد الحصين أبي جهمة عن أبي العالية عن ابن عباس قال : ( ما كذب الفؤاد ما رأى ولقد رآه نزلة أخرى ) قال : رآه بفؤاده مرتين ، وفيه من طريق عطاء عنه رضي الله تعالى عنه ، قال : رآه بقلبه ، وهو من الوضوح بمكان في كون الرؤية قلبيه لا بصرية ، وأصرح من ذلك في نفي الإبصار ما أخرجه ابن مردويه عن عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال : لم يره رسول الله صلى الله عليه وسلم بعينه إنما رآه بقلبه ، وقد حكى عثمان بن مندة الدارمي اتفاق الصحابة على أنه لم يره ) فإن قيل : إن النبي صلى الله عليه وسلم أكمل الناس معرفة منذ أكرمه الله بالنبوة وشرَّفه بالرسالة الخاتمة ، فكيف يقال إنه عرفه مرتين إن فسرت الرؤية بالمعرفة . فجوابه أن العارف بالله تعرض له أحوال من تجليات الحق ، فيستغرق في حالة من شهود جلاله وكبريائه كأنما يراه سبحانه وتعالى ، ولا ريب أنه عليه أفضل الصلاة والسلام - وهو أوفر الناس عقلاً وأتمهم معرفة - قد أكرمه الله بما هو أبلغ وأعظم مما وصل إليه غيره في طُروِّ مثل هذه الحالات النفسية ، خصوصاً في تلك الرحلة الكريمة التي أزيحت عنه فيها الأستار ، فتجلى له من أسرار الملكوت الأعلى ما لم يتجلى لغيره ، ولعل هاتين المرتين اللتين قصدهما البحر ابن عباس كانت التجليات فيهما أكمل وأشمل ، فعبر عن ذلك ابن عباس رضى الله تعالى عنه برؤية الفؤاد أو القلب ، على أنا نرجِّح في تفسير الرؤية في آية النجم بما ثبت رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم من طريق عائشة رضي الله تعالى عنها في مسند الإمام الربيع وصحيحي البخاري ومسلم ، فقد قالت : أنا أول هذه الأمة سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال : ( إنما هو جبريل لم أره في صورته التي خُلِق عليها غير هاتين المرتين ، رأيته منهبطاً من السماء ساداً عظم خلقه ما بين السماء والأرض ) فإنه صلى الله عليه وسلم أدرى بمعاني القرآن ومقاصده ، ومع ثبوت المرفوع لا يلتفت إلى الموقوف .

وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم نفي رؤيته لله تعالى نفياً صريحاً لا يدع للشك مجالاً . فقد أخرج الإمام مسلم في صحيحه عن أبي ذر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل : هل رأيت ربَّك ؟ فقال : نورٌ أنَّى أراه ؟ وفي قوله : أنَّى أراه استبعاداً لأن يتمكن عليه أفضل الصلاة والسلام من رؤيته تعالى ، وأخرج ابن مردويه عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : أنا أول من سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذا ، فقلت : يا رسول الله هل رأيت ربك ؟ قال : لا ، إنما رأيت جبريل منهبطاً ، وكيف يظن بابن عباس رضي الله عنه أن يقول : إن النبي صلى الله عليه وسلم رآه رؤية بصرية مع ما روي عنه من نفي الرؤية في الدنيا والآخرة ، كما ستقف عليه إن شاء الله .

وقد نص كثير من مثبتي الرؤية في الآخرة على أنها لم تقع لأحد في الدنيا حتى للنبي صلى الله عليه وسلم ، ولعل هذا هو قول الكثيرين منهم .

وأما القسم الثاني وهو : أدلة وقوعها في الآخرة ، فهو نقولٌ بعضها من الكتاب وبعضها من السنة ، فمن الكتاب :

1 ـ قوله تعالى : ( وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة ) القيامة 22 / 23 ، وهو أقوى ما استندوا إليه في هذا الباب ، واعتُرِضوا بأن النظر أعم من الرؤية ، فإنه يكون بمعنى محاولتها ولو لم تتحقق ، لجواز أن يقول قائل : نظرت إلى كذا فلم أره ، مع عدم جواز أن يقول : رأيته فلم أره ، ففي القاموس ما نصَّه : ( نظره كنصره وسمعه ، وإليه نظرا ومنظراً ونظراناً ومنظرة ، وتَنْظَاراً تأمله بعينه ) وفي شرحه للإمام الزبيدي نقلاً عن البصائر ، والنظر أيضاً تقليب البصيرة لإدراك الشيء ورؤيته ، وقد يراد به التأمل والفحص ، وقد يراد به المعرفة الحاصلة بعد الفحص ، ثم قال الشارح : ويقال نظرت إلى كذا إذا مددت طرفك إليه رأيته أو لم تره .(1) وقد شاع النظر بمعنى الانتظار ، كقوله تعالى : ( هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة ) البقرة 210 ، وقوله : ( ما ينظرون إلا صيحة واحدة ) وقوله : ( يوم يقول المنافقون والمنافقات للذين آمنوا انظرونا نقتبس من نوركم ) الحديد 13 ، وعليه يتعين حمل النظر في هذه الآية لوجوه :

أ ـ إبعاد تأويل القرآن عن تعارض بعضه مع بعض ، فإن حمل النظر في الآية على الرؤية يتعارض مع أدلة نفيها القطعية ، وستأتي إن شاء الله .

ب ـ الانسجام المعهود في آي القرآن وارتباط بعضها مع بعض ، وهو لا يكون إلا بتفسير النظر بالانتظار ، فإن الآيات قسّمت الناس يومئذ إلى طائفتين ، إحداهما وجوهها ناضرة ـ أي مبتهجة مشرقة بما ترجوه من ثواب الله ـ إلى ربها ناظرة أي منتظرة لرحمته ودخول جنته ، والأخرى مباينة لها في أحوالها ، فوجوهها باسرة - أي كالحة مكفهرّة لما تتوقعه من العذاب - تظن أن بفعل بها فاقرة أي تتوقع أن ينزل بها ما يقطع فقار ظهورها ، فَنَضَارَة هذه الوجوه مقَابَل ببسور تلك ، وانتظاره هذه لرحمة الله ودخول جنته مقابَل بتوقع تلك للعذاب ، ولو فسر النظر هنا بالرؤية لتقطع هذا الوصل بين الآيات ، وتفكك رباطها ، وذهب انسجامها ، إذ لا تقابل بين الرؤية وما وصفت به تلك من ظنها أمراً يقطع فقارها ، ومثل هذه النكت البلاغية لا تفوت البلغاء في كلامهم ، منثوره ومنظومه ، فما بالكم بكلام الله تعالى الذي هو أدق في التعبير ، وأبلغ في التصوير ، وأكثر انسجاماً ، وأشد ترابطاً من كل كلام ( وكيف لا وهو كلام الله جل ؟ ) .

ج ـ أن هذا التأويل هو الذي يتفق مع ما في خاتمة عبس ، وهو قوله سبحانه : ( وجوه يومئذ مسفرة ضاحكة مستبشرة ووجوه يومئذ عليها غـبرة ترهقها قترة ) عبس 38 / 41 ، إذ لا فارق بين ما وصفت به وجوه المؤمنين هنا من الاستبشار ، ووصفت به في آي القيامة من النظر بمعنى الانتظار ، فإن المنتظر للرحمة مستبشر بها والمستبشر منتظر لما استبشر به .

د ـ أن تقديم المعمول على عامله يؤذن بقصره عليه ، فتقديم ( إلى ربها ) على (ناظرة ) يؤذن أنها لا تنظر إلا إليه وهو لا يتفق إلا مع تفسير النظر بالانتظار ، فلو كان المراد به الرؤية لاقتضى أنهم لا يرون شيئاً غيره تعالى مع ما هو معروف عقلاً ونقلاً من رؤية بعضهم لبعض ، ورؤيتهـم لما أعد الله لهم من النعيم .

وأنكر المثبتون تفسير النظر بالانتظار من ثلاثة أوجه :

أولها:
أن في الانتظار تنغيصاً يتنافى مع إكرام الله لعباده الأوفياء يوم القيامة .

ثانيها:أن انتظار رحمة الله من قبل عباده المؤمنين أمر حاصل في الدنيا ، فكيف يوعدون به في الآخرة .

ثالثهما:أن تعدية النظر بإلى تمنع من حمله على الانتظار ، خصوصاً إذا أسند إلى الوجوه

وكل ذلك مردود : أما الأول فلأن الآيات تصور لنا الموقف يوم القيامة قبل أن ينتقل الأبرار إلى دار الثواب ، والفجار إلى دار العقاب ، بدليل السياق في الآيات السابقة ، وقوله سبحانه في الأشقياء ( تظن أن يفعل بها فاقرة ) يؤكده فإن ذلك قبل دخول النار قطعاً إذ لا معنى لظنهم ذلك بعد الدخول وقد لقوا ما لقوه وحلت بهم الفاقرة التي كانوا يتوقعونها ، ولا ريب أن الناس في الموقف متباينة أحوالهم ، فالأبرار ناضرة وجوههم بانتظارهم رحمة الله التي وُعِدوها ، والفجار على خلاف ذلك ، ولا يجوز إنكار هذا الموقف الذي يقفه الأبرار والفجار قبل انتقالهم إلى مقر الجزاء الدائم لأنه ثابت بالكتاب والسنة .

وأما الثاني فلبعد ما بين الانتظارين ، فشتان بين حال من كان في دار الشهوات والنزغات غير عارف بخاتمته ، ولا متيقن بمصيره ، ومن طوى المراحل وتجاوز العقبات حتى تلقته الملائكة في زمرة السعداء ( ألاَّ تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون ) فصلت 30 ، .

وأما الثالث فلثبوت مجيء النظر بمعنى الانتظار حال تعديته بإلى بالنقول الثابتة والشواهد البينة ولا عبرة بمن أنكر ذلك :

قد تنكر العين ضوء الشمس من رمد

وينكر الفم طعم الماء من سقم

فمن النقول المصححة له قول صاحب اللسان : ( ويقول القائل للمؤمَّل يرجوه إنما ننظر إلى الله ثم إليك ، أي إنما أتوقع فضل الله ثم فضلك ) . (1)

ومن شواهده ما رواه الإمام الربيع رحمه الله عن سفيان بن عيينة عن الأعمش عن أبي راشد أن مولاة لعتبة بن عمير قالت : إنما أنظر إلى الله وإليك ، فقال لها : لا تقولي كذلك ، ولكن قولي : إنما أنظر إلى الله ثم إليك .(2) وقول جميل بن معمر :



وإذا نظرت إليك من ملك

والبحر دونك زدتني نعما

وقول آخر

إني إليك لما وعدت لناظر

نظر الفقير إلى الغني الموسر

وقول غيره

كل الخلائق ينظرون سجاله

نظر الحجيج إلى طلوع هلال

ولا وجه للتفرقة بين كونه مسنداً إلى الوجوه أو إلى غيرها ، فإنه تحكم لا دليل عليه ، على أنه جاء بهذا المعنى مع إسناده إلى الوجوه في كلام العرب ، ومنه قول حسان:



وجوه يوم بدرٍ ناظرات

إلى الرحمن يأتي بالفلاح

وقول البعيث

وجوه بها ليل الحجاز على الهوى

إلى ملك كهف الخلائق ناظرة

فإن قيل إن الانتظار محله القلوب لا الوجوه ؛ فلذلك تعين حمل النظر في الآية على الرؤية لا على الانتظار ؛ لأن الوجوه محل للأبصار التي هي آلة الرؤية ؟

فجوابه : أن الرؤية أيضاً لا تكون بالوجوه وإنما تكون بالعيون فإسنادها إلى الوجوه غير وارد إذ لم يعهد قول أحد رأيته بوجهي ، ويتعذر جواز ذلك قطعاً على رأي الذي ينكر المجاز مطلقاً أو في القرآن خاصة كما هو شأن كثير من مثبتي الرؤية ، أما نحن فنحمل الوجوه على أصحابها لأن ذلك معهود عند العرب كقولهم : ( قصدت وجهك ) بمعنى قصدتك ، فالانتظار وإن أسند إلى الوجوه لفظاً فهو لأصحابها معنىً ، ولذلك جاز إسناد الظن إليها في قوله : ( تظن أن يفعل بها فاقرة ) القيامة 25 ، كما جاز إسناد الخشوع والعمـل والنصب إليها في قوله تعالى : ( وجوه يومئذ خاشعة ، عاملة ناصبة ) الغاشية 2-3 ،ويؤكده قوله من بعد : ( تصلى ناراً حامية ، تسقى من عين آنية ، ليس لهم طعام إلا مـن ضريع ) الغاشية 4-6 ، فإن الصلى غير خاص بالوجوه ، والسقي والطعام لأصحاب الوجوه قطعاً ، ومثله إسناد النعمة والسعي والرضى إلى الوجوه في قوله تعالى : ( وجوه يومئذ ناعمة لسعيها راضية ) الغاشية 8-9 .

وبجانب كل ما ذكرته فإن تفسير النظر في الآية بالانتظار مروي عن السلف من الصحابة والتابعين ومن بعدهم ، فقد أخرجه الإمام الربيع بن حبيب في مسنده الصحيح عن الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه من طريق أبي معمر السعدي كما أخرجه أيضاً عم ابن عباس رضي الله عنهما من طريق الضحاك بن قيس ، وطريق سعيد بن جبير ، وعزاه إلى مجاهد ومكحول وإبراهيم والزهري وسعيد بن جبير ، وسعيد بن المسيب . (1)

ورواه ابن مردويه عن ابن عمر رضي الله عنهما من الصحابة ، وعكرمة من التابعين ، ورواه عن عكرمة عبد بن حميد كما رواه عن مجاهد وأبي صالح بإسناد صححه الحافظ ابن حجر .(2) وأخرجه الإمام ابن جرير عن مجاهد بخمسة أسانيد وفي كلامه إنكار صريح للرؤية ، فقد جاء في رواية منصور عنه أنه قال : لا يراه من خلقه شيء ، وفي أخرى مـن طريقه أيضاً قال : كان الناس يقولون في حديث ( فيرون ربهم) فقلت لمجاهد : إن أناساً يقولون إنه يُرى ، فقال : يَرى ولا يراه شيء .

وفي تفسير الميزان للعلامة الطباطبائي - وهو أحد علماء الشيعة الإمامية المعاصرين - ما نصه : وفي العيون في باب ما جاء عن الرضى عليه السلام من أخبار التوحيد بإسناده إلى إبراهيم بن أبي محمود قال : قال علي بن موسى الرضى عليه السلام في قوله تعالى : ( وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة ) يعني مشرقة تنتظر ثواب ربها - قال : أقول ورواه في التوحيد والاحتجاج والمجمع عن علي عليه السلام . (1)

ومن أقطع الأدلة وأبين الشواهد على مجيء النظر معدَّى بإلى ، وهو ليس بمعنى الرؤية قوله تعالى : ( إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمناً قليلاً أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ) آل عمران 77 ، فإنه لو حمل النظر في الآية على الرؤية لأدى إلى أن الله سبحانه وتعالى لا يرى هؤلاء يوم القيامة ، وهذا عين المحال ، واعتقاده رأس الضلال ، فإنه كفر بالله تعالى ، ولا وجه لحمل النظر هنا إلا على الرحمة والإحسان ، ومن هنا نتبين أن نظر القوي إلى الضعيف هو عطفه ورحمته ، وأن نظر الضعيف إلى القوي هو انتظار ذلك منه .

هذا وقد اتضح لك مما سبق أن الآية الكريمة تصور لنا حال الناس في الموقف قبل نقل السعداء إلى دار النعيم والأشقياء إلى نار الجحيم ، ولئِن كان النظر فيها بمعنى الرؤية وكان الراؤون له تعالى تنضر وجوههم بهذه الرؤية ، لزم أن تشمل هذه الحالة منافقي هذه الأمة لأنهم يشتركون مع مؤمنيها في الرؤية حسبما يقتضيه حديث أبي سعيد وأبي هريرة عند الشيخـين الذي يستند إليه مثبتو الرؤية كما سيأتي بيانه إن شاء الله . وقد أشكل على المثبتين للرؤية إسناد النظر في آية القيامة إلى الوجوه ، فترددوا بين القول بأن الرؤية بالبصر أو بالوجوه أو بالجسم كله أو بحاسة سادسة ، وما هذا الاضطراب إلا دليل بيِّن على أنهم غير مستندين إلى أصلٍ فيما قالوه ، ولو أنهم فهموا الآية الكريمة فهماً صحيحاً ، وحملوها على ما يقتضيه السياق واللغة لسلموا من هذا الاضطراب ، وبعدوا عن هذا التيه . وقد أدرك المحققون المنصفون من معتقدي الرؤية ضعف الاستدلال على ثبوت الرؤية بهذه الحجة فصرحوا بذلك ، فالسيد محمد رشيد رضا يقول في " المنار" : ( وأما رؤية الرب تعالى فربما قيل بادئ الرأي إن آيات النفي فيها أصرح من آيات الإثبات كقوله تعالى : ( لن تراني ) الأعراف 143 ، وقوله تعالى : ( لا تدركه الأبصار ) الأنعام 103 ، فهما أصرح دلالة على النفي من دلالة قوله تعالى : ( وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة ) على الإثبات ، فإن استعمال النظر بمعنى الانتظار كثير في القرآن وكلام العرب ، كقوله : ( ما ينظرون إلا صيحة واحدة ) يس 49 ، ( هل ينظرون إلا تأويله ) الأعراف 53 ، ( هل ينظرون أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة ) البقرة 210 ، وثبت أنه استعمل بهذا المعنى متعدياً بإلى ، ولذلك جعل بعضهم وجه الدلالة فيه على المعنى الآخر - وهو توجيه الباصرة إلى ما تراد رؤيته - أنه أسند إلى الوجوه ، وليس فيها ما يصحح إسناد النظر إليها إلا العيون الباصرة ، وهو في الدقة كما ترى). (1) وقد سبق بيان ما أشار إليه أخيراً من استدلال حاملي النظر على الرؤية بإسناده إلى الوجوه والرد عليه .

وقال الإمام المحقق ابن عاشور في تفسير الآية : ( فدلالة الآية على أن المؤمنين يرون بأبصارهم رؤية متعلقة بذات الله على الإجمال دلالة ظنية ، لاحتمالها تأويلات تأولها المعتزلة بأن المقصود رؤية جلاله وبهجة قدسه التي لا تخول رؤيتها لغير أهل السعادة ) . (2)

( 2 ) ـ قوله تعالى : ( للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ) يونس 26 ، فقد فسروا الحسنى بالجنة والزيادة بالرؤية ، مستدلين بحديث صهيب عند الشيخين مرفوعاً : ( إذا دخل أهل الجنةِ الجنـةَ نادى منادٍ إن لكم عند الله موعداً يريد أن ينجزكموه ، قالوا : ألم تبيضْ وجوهنا ، وتنجنا من النار ، وتدخلنا الجنة ، قال : فيكشف الحجاب، قال: فوالله ما أعطاهم الله شيئاً أحب إليهم من النظر إليه ) .

وأنتم ترون أن لفظة الزيادة مبهمة غير دالة على الرؤية وضعاً ولا استعمالاً ؛ من قريب ولا من بعيد ؛ أما الحديث الذي عوَّلوا عليه في تفسيرها فدلالته على ما قالوه ضعيفة جداً

أما أولاً :فلأن النظر لا يلزم أن يكون بمعنى الرؤية كما سبق بيانه في آية القيامة ، وكشف الحجاب يجوز أن يكون كناية عن مزيد الإكرام ورفع الدرجات ، وفتح أبواب العطاء غير المحدود ، وهذا الذي يتعين أن يحمل عليه كشف الحجاب والنظر إلى الله في الحديث ؛ لدفع التعارض بين آيات الله وأحاديث رسوله عليه أفضل الصلاة والسلام.

وأما ثانياً :فلأن حمل الزيادة على هذا المفهوم يتعارض مع ما استندوا إليه من المفهوم الذي عولوا عليه في تفسير آية القيامة ، التي استندوا إليها في إثبات الرؤية ، فإنه يلزمهم بموجب ذلك المفهوم أن تكون الرؤية حاصلة في الموقف قبل دخول الجنة ، مع أنها حسب تفسيرهم لآية يونس وحديث صهيب لا تكون إلا بعد دخول الجنة .

وأما ثالثاً :فلأن ذلك يتعارض مع حديث أبي هريرة وأبي سعيد رضي الله عنهما الذي استندوا إليه في إثبات الرؤية في الموقف . ولو أن الحديث كان نصاً صريحاً في تفسير النظر بالرؤية لما قامت به حجة لأحاديثه ، ومعارضته لما هو أقوى منه متناً ودلالة من أدلة نفيها ، فكيف وهو يعتريه الاحتمال ، وقد قيل : إن الدليل إذا اعتراه الاحتمال سقط به الاستدلال ، والقضية قضية عقيدة ، فلا يستدل فيها إلا بما كان قطعياً مَتْناً ودلالة .

وأما رابعاً :فقد روي عن السلف تفسيرهم الزيادة في الآية بغير الرؤية ، فلو كان الحديث نصاً صريحاً صحيحاً على تفسيرها بالرؤية لما كان لهم أن يعدلوا عنه إلى غيره ، ومن أمثلة ذلك ما رواه الإمامان الربيع وابن جرير (1)عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه فسَّرها بغرفة من لؤلؤة واحدة لها أربعة أبواب ، وروى الإمام الربيع عن ابن عباس مرفوعاً : ( إن أهل الجنة لا يزالون متعجبين مما هم فيه حتى يفتح الله لهم باب المزيد فإذا فتح لهم كان لا يأتيهم منه شيء إلا وهو أفضل مما في جنتهم ) ، وروى ابن جرير عنه وعن علقمة بن قيس أن الزيادة مضاعفة الحسنة إلى عشر أمثالها ، وهذا رواه الإمام الربيع عنه وعن الحسن .

وروى الإمام الربيع بإسناده إلى الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه أنه فسر الزيادة بغرفة من لؤلؤة واحدة لها أربعة أبواب - كما سبق عن ابن عباس - وروى ابن جرير عن الحسن أنه فسرها بمغفرة من الله ورضوان ، وهو مروي عن مجاهد عند الربيع ، وروى الربيع عـن أبي حازم ، وابن جرير عن ابن زيد أنها عدم محاسبتهم على ما أعطاهم في الدنيا . وروى الربيع عن الشعبي أن الزيادة دخول الجنة ، وعن محمد بن كعب ما يزيدهم الله من الكرامة والثواب . (2)

وهذه الأقوال بعضها متباين وبعضها متداخل أو متقارب ، وأظهرها أن الزيادة هي ما يمد الله به عباده في الجنة من فيوض عطائه الحِسِّيِّ والمعنوي بغير حدود لأنه يدل عليه حديث ابن عباس المرفوع عند الربيع ، ويقتضيه حديث صهيب المرفوع عند الشيخين حسب مفهومه الصحيح .

( 3 ) قوله تعالى : ( ولدينا مزيد ) ق 35 ، بناء على ما روي عن بعضهم أن المزيد هو رؤية الله تعالى .

وبسقوط احتجاجهم عليها بالزيادة ، يسقط احتجاجهم بالمزيد .

( 4 ) قوله تعالى : ( كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون ) المطففين 15 ، ووجه استدلالهم به أنه كما دل منطوقه على حجب الكفار عن ربهم ، فمفهومه دال على أن المؤمنين يرونه . لأن حجب الكفار عقاب توعدوا به فلا يليق بالمؤمنين إلا خلافه .

وهو استدلال ساقط من عدة أوجه
أولها :أن الحجاب في الآية كناية عن الحرمان من رحمته ، والإبعاد عن دار كرامته ، كما أن التقرب منه سبحانه لا يكون حسياً وإنما يفسر بامتثال ما أمر به من الطاعات ، واجتناب ما نهى عنه من المعاصي ، وكذلك تقرب الله من العبد لا يعني إلا إحاطته برعايته الرحمانية ، وغمره بألطافه الربانية ، وقد وردا معاً في الحديث القدسي الذي أخرجه مسلم من طريق أبي هريرة رضي الله عنه ( من تقرَّب مني شبراً تقربت منه ذراعاً ، ومن تقرَّب مني ذراعاً تقربت منه باعاً ) وبهذا المعنى الذي ذكرته فسَّر قتادة وابن أبي مليكة الحجاب في هذه الآية ، رواه عنهما ابن جرير . (1)

ثانيهما :أنه استدلال بمفهوم المخالفة ، وهو حجة ظنية اختلف العلماء في الأخذ بها في الأمور العملية الفرعية ، فكيف بالقضايا الاعتقادية الأصلية مع أن الاعتقاد ثمرة القين ، على أن المفهوم هنـا أقرب أن يكون مفهوم لقب ، وهو أضعف المفاهيم بإجماع الأصوليين والفقهاء ، وسائر أصحاب فنـون العلم ، حتى أنهم عدوا من أخذ به من الفقهاء في الفروع شاذاً .

ثالثهما:أنه لو جاز الاستناد إلى هذا المفهوم في إثبات رؤية المؤمنين لله يوم القيامة ، لكان أحرى أن يستند إلى مفهوم يفيده التقيد بـ ( يومئذ ) في إثبات رؤية الكفار له تعالى قبل ذلك اليوم ، فإن الظروف لها حكم الصفات في تقييد النسبة ، ومفهوم الوصف من أقوى المفاهيم كما حرره الأصوليون ، قال الإمام نور الدين السالمي رضي الله عنه في شمس الأصول:



فالوصف والغاية والشرط معا

أقوى مفاهيم وأجلى موقعا

ومن النوادر التي ينبغي أن تُدَّخر لتسلية الثكالى ، ما حكاه ابن القيم في حادي الأرواح عن ابن المبارك أن الضمير في قوله تعالى : (هذا الذي كنتم به تكذبون) "المطففين 17" عائد إلى الرؤية (2) ليتسنى حمله على وعيد المنكرين لها ، وقد رقص على أنغام هذه الرواية كثير من الذين يقولون ما لا يعلمون ويجترُّون ( كل ) ما يلقى إليهم ، من بينهم صاحب المحاضرة فيما سمعته من محاضرته المسجلة بصوته في الشريط كما أشرت إليه من قبل ، فقد جاء فيها أن هذا الوعيد واقع بالإباضية الذين أنكروا الرؤية وأنهم المقصودون به ، وليت شعري هل هذا القول ناشئٌ عن هوى أصمَّ صاحبه وأعماه ، أو عن جهله باللغة وأساليب الكلام ، فإن مما يدركه كل من له معرفة بلغات الناس ، أن الإشارة لا تكون إلا إلى مشار إليه سواء كان حاضرا أو في حكم الحاضر لتقـدم ذكره ، والضمير في الآية عائد إلى اسم الإشارة الذي قصد به ما تقدم ذكره من صلى الجحيم ، ونحـو هذا قوله تعالى : ( انطلقوا إلى ما كنتم به تكذبون ، انطلقوا إلى ظل ذي ثلاث شعب لا ظليل ولا يغني من اللهب ) "المرسلات 29/31" ولو كان الأمر كما ادعوا لكان ذلك قاضيا بأنهـم يرونه سبحانه ، فإنك عندما تقول لأحد تبكيتا وتقريعا : هذا الذي كنت لا تصدق به ، لا يمكن إلا أن تكون مشيرا إلى شيء أوضحته له بعد الخفاء ، فقامت بوضوحه الحجة عليه به ، ولولا تفاهة قولهم هذا الذي حملوا عليه كتاب الله تعالى غير مبالين بتحريف الكلم عـن مواضعه ، لسقت نصوصَ أقوال المفسرين في قوله : ( هـذا الذي كنتم به تكذبون ) لا سيما الذين يعتقدون الرؤية منهم ، ليتضح خطأ هذا التأويل الفاسد ، غير أن فساده أبين من أن يحتاج إلى بيان.



وليس يصح في الأذهان شيء

إذا احتاج النهار إلى دليل

(5) قوله تعالى : ( على الأرائك ينظرون ) "المطففين 23/25" وهو استدلال بما لا دليل فيه ، فإن غاية ما في الآية وصفهم بالنظر من غير ذكر للمنظور إليه ، ومن المعلوم قطعا أنهم يتمتعون بالنظر إلى أصناف النعم ، وأنواع الغرائب التي تبهج نفوسهم ، وتقر عيونهم ، ولم يقل أحد من السلف أن المراد بالنظر في الآية رؤية الله ، بل روى ابن جرير وغيره عن ابن عباس وقتادة وآخرين أنهم ينظرون إلى أعدائهم في النار ساخرين منهم ، وهذا الذي يقتضيه السياق ، وعوَّل عليه المفسرون إلا من شذ منهم.

(6) الآيات المصرحة بلقاء الله ، وذلك أنهم فسروا اللقاء بالرؤية ، وهو خطأ فإن اللقاء أعم منها ، فقد يكون فيما لا يرى ، كما في قوله تعالى : ( ولقد كنتم تمنون الموت من قبل أن تلقوه ) "آل عمران 143" ، ولا يختلف في جواز قول الأعمى : لقيت فلانا ، ومن الكلام المعهود عند العرب أن يقول قائلهم: لقيت من هذا الأمر شدة، أو فرجا ومخرجا ، أو عُسرا ، أو يسرا ، أو خيرا أو شرا ، وقد جاء في القرآن وعد غير المؤمنين باللقاء ، كقوله تعالى : ( فأعقبهم نفاقا في قلوبهم إلى يوم يلقونه ) "التوبة 77" ، وقوله : ( يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه ) "الانشقاق 6" ، فإن قيل بأن الضمير في الأول عائد إلى النفاق ، وفي الثاني إلى الكدح لا إلى الله ، قلنا وفي هذا أيضا حجة لنا على أن اللقاء أعم من أن يكون بمعنى الرؤية ، فإن النفاق والكدح لا يريان لأنهما من الأعراض.

وقد فسر لقاء الله بالانتقال إلى الدار الآخرة ، لما يتحقق به من وعد الله سبحانه ، ويتجلى من أسرار غيبه ، وقد أطلق على الموت مراعاة لهذا المعنى ، ويقال فيمن مات لقي الله ، وفي اللسان نقلا عن ابن الأثير في شرح حديث ( من أحب لقاء الله احب الله لقاءه ) المراد بلقاء الله المصير إلى الدار الآخرة وطلب ما عند الله ، (1) ويكون اللقاء وعيدا كما يكون وعدا كما في الآيتين ، وفي حديث ( لقي الله وهو عليه غضبان).

(7) قوله تعالى : ( وإذا رأيت ثم رأيت نعيما وملكا كبيرا ) "الإنسان 20" ، استدل به الفخر الرازي في تفسيره لسورة الأنعام ، مدعيا أن إحدى قراءاتها " مَلِكاً " بفتح الميم وكسر اللام ، وقال : أجمع المسلمون على أن ذلك الملك ليس إلا الله تعالى ، وعندي أن التمسك بهذه الآية أقوى من التمسك بغيرها(2).

وناهيك بقوله بأن التمسك بهذه الآية أقوى من التمسك بغيرها برهانا على ضعف الأدلة التي يتمسكون بها ، فإن هذا الاستدلال لا يعدو أن يكون كملاحقة ( سراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا ) "النور 39" ، فإن القراءة التي ادعاها لم تثبت ، فقد راجعت كتب القراءات ، وكتب التفسير المعنية بنقل القراءات فلم أجد لها ذكرا ، بل لم يذكرها الفخر الرازي نفسه في تفسيره لهذه الآية ، وعندما ذكرها في تفسير سورة الأنعام لم يعزها إلى أحد ، ولو سلمنا أنها قراءة واردة فهي من القراءات الشاذة التي قال جمهرة من المحققين بأنها لا تكون حجة في المسائل الفقهية الفرعية ، فكيف تكون حجة في الاعتقاد ؟

وأما من السنة فقد أكثروا من الأحاديث التي حشروها للاستدلال بها ، وأشهر وأقوى ما اعتمدوا عليه حديث ( سترون ربكم عيانا كما ترون القمر ليلة البدر ) ، وقد رووه من طريق أبي هريرة وأبي سعيد الخدري وجرير بألفاظ متعددة ، وكثيرا ما يقتصرون في كتب العقيدة على هذا القدر من نصه ، وقبل أي تعقيب على الاستدلال أرى أن أنقل بعض ألفاظه وأسانيده.

روى الشيخان - واللفظ للبخاري - في كتاب التوحيد ، قال حدثنا عبد العزيز بن عبد الله ، حدثنا إبراهيم بن سعد ، عن أبن شهاب ، عن عطاء بن يزيد الليثي ، عن أبي هريرة أن الناس قالوا : يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هل تضارون في القمر ليلة البدر؟ قالوا : لا يا رسول الله ، قال : فهل تضارون في الشمس ليس دونها حجاب ؟ قالوا : لا يا رسول الله ، قال : فإنكم ترونه كذلك ، يجمع الله الناس يوم القيامة ، فيقول من كان يعبد شيئا فليتبعه ، فيتبع من كان يعبد الشمس الشمـس ، ويتبع من كان يعبد القمر القمـر ، ويتبع من كان يعبد الطواغيت الطواغـيت ، وتبقى هذه الأمة فيها شافعوها أو منافقوها - شك إبراهيم - فيأتيهم الله فيقول : أنا ربكم ، فيقولون هذا مكاننا حتى يأتينا ربنا ، فإذا جاء ربنا عرفناه ، فيأتيهم الله في صورته التي يعرفون ، فيقول لهم : أنا ربكم ، فيقولون : أنت ربنا ، فيتبعونه... الخ ، ورواه مسلم في كتاب الإيمان عن زهير بن حرب عن يعقوب بن إبراهيم بالإسناد المذكور ، وفي روايته جزم بقوله : ( فيها منافقوها ) من غير تردد ، وزيادة ( فيأتيهم الله تبارك وتعالى في صورة غير صورته التي يعرفون فيقول أنا ربكم. فيقولون نعوذ بالله منك هذا مكاننا حتى يأتينا ربنا .. الحديث ).

وجاء بألفاظ مختلفة عند الشيخين وغيرهما ، ومثله في ذلك حديث أبي سعيد عند الشيخين كذلك . وأنت أيها القارئ الكريم تدرك ببصيرتك أن الأخذ بظواهر هذه النصوص يفضي إلى ما يرده العقل ويكذبه البرهان كما هو واضح فيما يلي

أنه يترتب عليه تغير ذاته تعالى من صورة إلى غيرها ، والتغير سمة من سمات الحدوث فيلزم منه حدوثه تعالى

كونه سبحانه مرئيا لهذه الأمة مؤمنها ومنافقها في الدنيا رؤية جلية تترك صورته منطبعة في أذهان الرائين ، حتى إذا جاءهم في صورة أخرى أنكروا أن يكون ربهم واستعاذوا بالله منه ، وإلا فبم عرفوا صورته حتى أنكروه عندما جاءهم في غيرها ، وعرفوه إذا انقلب إليها ، مع أن ذلك هو أول موقف من مواقف يوم القيامة

وقد حَصَلَتْ مناظرات بيني وبين بعض العلماء في ذلك ، ولمَّا ألزمتهم هذه الحجة أجابوا بأن هذه المعرفة بصورته ليست نتيجة رؤية سابقة ، ولكنها بسبب ما عرفوه من وصفه لنفسه في كتابه ووصف النبي صلى الله عليه وسلم له في سنته ، فألزمتهم أن يكون كل من قرأ كتاب الله ودرس سنة رسوله صلى الله عليه وسلم عارفاً بالصورة الحقيقية التي يرى بها ربه سبحانه وتعالى ، حتى إذا رآه في غيرها أنكره ، فهلمَّ إلى وصف هذه الصورة وتحديدها لنا مما عرفتموه من قراءتكم للقرآن ، ومطالعتكم لأحاديث الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام ، فأحجموا ودحضت حجتهم والحمد لله .

وإن مما يبطل تأويلهم الذي لجأوا إليه - فراراً من هذا الإلزام - مخالفته لصريح ما نص عليه حديث أبي سعيد عند الشيخين ، ففي البخاري عنه بلفظ ( فيأتيهم الجبار في صورة غير الصورة التي رأوه فيها أول مرَّةٍ ) وأما لفظ مسلم فهو ( حتى إذا لم يبق إلا من كان يعبد الله من برٍّ وفاجر أتاهم رب العالمين سبحانه وتعالى في أدنى صورة من التي رأوه فيها ) واللفظان صريحان في أن معرفتهم بصورته ما كانت إلا عن رؤية سابقة ، ولا محيص - لمن أخذ بهذا الظاهر - عن القول بأنه مرئي في الدنيا - وقد أنكره أكثرهم ، ومن قال به حصر رؤيته في مخصوصين ، ولم يقل بشمولها الأبرار والفجار من هذه الأمة - أو القول برؤيته في البرزخ ، وهو ما لم يقله قائل من قبل ، فضلاً عن وجود مستند له .

وبعد هذا الذي قررته ، رأيت في فتح الباري ما نصه ( وقال غيره - أي غير الخطابي - في قوله : ( في الصورة التي يعرفونها ) يحتمل أن يشير بذلك إلى ما عرفوه حين أخرج ذرية آدم من صلبه ثم أنساهم ذلك في الدنيا ، ثم يذكرهم بها في الآخرة ! )(1) وهذا القول يحتمل أمرين إما أن يريد به قائله أنهم عندما أخرجوا من صلب آدم رأوا ذات الحق تعالى ، وإما أن يريد أنهم حصلت لهم معرفة ما كانت لهم من بعد ، والأول باطل لأمرين :

أ ـ أنه لم يقل به قائل ، ولم يشر إليه نصّ .

ب ـ أنه مخالف لما قالوه من علة عدم رؤية الناس لربهم في الدنيا ، وهي أنهم لم يخرجوا عن طور الفناء ، والفاني لا يقوى على رؤية الباقي ، وهل من المعقول أن يكونوا وهم في صلب آدم كأمثال الذر أقوى على الرؤية وأجدر بها من موسى الكليم بعد اصطفائه بالرسالة والكلام ، وإدنائه في مقام الزلفى .

والثاني غير معقول إذ لا يُتصور أن يكونوا في تلك اللحظة العابرة أعرف بالله منهم بعد نشأتهم في الدنيا ، وما من الله به عليهم من العلم والعقل ، على أن التصريح بأنهم رأوه في حديث أبي سعيد يسقط هذا الاحتمال ، اللهم إلا أن تفسر الرؤية بالعلم ، ويلزم منه أن تكون رؤيته تعالى المقصودة في الحديث هي زيادة المعرفة به .

( 3 ) كون رؤيته تعالى شاملة للبر والفاجر والمؤمن والمنافق ، وهو مخالف لما نص عليه أكثرهم ، من كونها ثواباُ خاصاً بأهل الإيمان .

(4) معارضته لحديث صهيب الذي استدلوا به كذلك على الرؤية - بناء على حملهم النظر فيه عليها - فإنه ناصٌّ على أن حصول ذلك بعد دخول الجنة ، وأنه زيادة على ما حصل لهم من النعيم كما سبق بيانه .

( 5 ) أن غالب معتقدي الرؤية يقولون أنها تحصل بلا كيف ، وتشبيهها برؤية القمر في الحديث في قوله : ( كذلك ترونه ) ينافي هذا القول ، وكذلك ما فيه من ذكر الصورة وإنكارهم لها عندما تتغير عما عهدوها .

ولأجل هذا الإشكال في الحديث ، هام القائلون بثبوت الرؤية في فهمه ، حتى أن ابن بطَّال نقل عن المهلب قوله : ( إن الله يبعث لهم ملكاً ليختبرهم في اعتقاد صفات ربهم الذي ليس كمثله شيء ، فإذا قال لهم : أنا ربكم ، ردّوا عليه لما رأوا عليه من صفات المخلوقين بقولهم : فإذا جاء ربنا عرفناه ؛ أي إذا ظهر لنا في ملك لا ينبغي لغيره ، وعظمة لا تشبه شيئاً من مخلوقاته ، فحينئذ يقولون : أنت ربنا ) .(1) وهذا كلام إن دل على شيء فإنما يدل على الحيرة مع الإصرار على تأييد فكرة معينة ثبتت أو لم تثبت
ويرده أمران :

أولهما :أن الكذب بغيض إلى الله قبيح عنده ، فلم يكن الله ليأمر به ، فإن الله لا يأمر بالفحشاء والمنكر ولكنه ينهى عنهما ، وإن أعظم الكذب وأفحشه أن يزعم عبد من عباد الله أنه هو الله ، ولم يكن لأحد من ملائكة الله الذين هم أعرف الخلق بحقه ، وأخوفهم من عقابه ، أن يجترئ على القول بذلك .

ثانيهما :أن تلك الدار دار جزاء وليست دار ابتلاء في اعتقاد ولا غيره ، وجزاء الناس إنما هو بحسب ما كانوا عليه في الحياة الدنيا من اعتقاد أو عمل ، لا بحسب ما يكون منهم في الدار الآخرة .

وإذا حُملت الرؤية في الحديث على المعرفة انحلّ الإشكال ، وانجلى اللبس ، وزال التعارض ، اللهم إلا ما يكون من الإشكال في قولهم : ( نعوذ بالله منك ) فإن العياذ من الله لا يتصور أن يكون من مؤمن في أي موقف ، ولذلك كانت هذه الزيادة بحاجة إلى مزيد من التأمل ، ولعله من باب التمثيل لدهشتهم من هول ما يرونه في الموقف العظيم ، كما جاء في حديث التوبة ( اللهـم أنت عبدي وأنا ربك ) ، وتجدد معرفة العبد بربه بما يترآى له من الآيات التي لم يكن على بال منها من قبل أمر لا ينكر ، فغير بعيد أن يكون الحديث تمثيلاً لما يتفاعل في نفوسهم من الخواطر وهم يشاهدون مشاهد لم يألفوها ، وتنجلي لهم حقائق لم يعرفوها ، فلا غرو إذا طرأ عليهم من الاضطراب ما يطير ألبابهم ، حتى تحط على دوخة الحقيقة ، وتقر في قرار اليقين ، وما المشاهد التي يرونها والتجليات التي يعاينوها إلا من قبله سبحانه ، فهو يقلب الأحوال كما يشاء ، وفي كل حال منها تجليات لجلاله ، ومشاهد لكبريائه ، عبر عنها بالصور مضافة إليه سبحانه لأنها منه وإليه .

وقد قارب هذا التفسير جماعة من مثبتي الرؤية ، ومن ذلك ما نقله الحافظ ابن حجر بقوله : ( واختلف من أثبت الرؤية في معناها ، فقال قوم : يحصل للرائي العلم بالله تعالى برؤية العين كما في غيره من المرئيات ) وهو على وفق قوله في حديث الباب ( كما ترون القمر ) إلا أنه منزه عن الجهة والكيفية ، وذلك أمر زائد على العلم .

وقال بعضهم : إن المراد بالرؤية العلم ، وعبر عنها بعضهم بأنه حصول حالة في الإنسان نسبتها إلى ذاته المخصوصة نسبة الأبصار إلى المرئيات .

وقال بعضهم : رؤية المؤمن لله نوع كشف وعلم إلا أنه أتم وأوضح من العلم ، وهذا أقرب إلى الصواب من الأول .. (1)

وقريب من هذا تفسير الإمام الغزالي للرؤية في بعض كتبه :
ومجيء الرؤية بمعنى العلم معهود لغة كما سبق نقله عن صاحب القاموس وشارحه ، ومن شواهده قوله تعالى : ( ألم تر إلى ربك كيف مدَّ الظل ) الفرقان 45 ، وقوله : ( ألم تر كيف فعل ربك بعاد ) الفجر 6 ، وقوله : ( ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل ) الفيل 1 ، وقوله : ( ألم تر أن الله يعلم ما في السموات وما في الأرض ) المجادلة 7 ، وقوله : ( ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم من قرن ) الأنعام 6 ، وقول الشاعر بـ ( رأيت الله أكبر كل شيء ) ، وقول غيره : ( رأيت الله أهلك قوم عاد ) .

ودعوى أن الرؤية لا تكون بمعنى العلم إلا إذا تعدت إلى مفعولين ، مردودة بقوله تعالى : ( فقد رأيتموه وأنتم تنظرون ) آل عمران 143 ، وقوله : ( ألم يرو كم أهلكنا من قبلهم من قرن ) .

ولا ريب أن في الجنة من التجليات الربانية لأصحاب السعادة ما يفوق ما يكون في مواقف القيامة ، فلا غرو إذا عبر عنها أصدق الإنس والجن ، وأبلغ العرب والعجم بالرؤية ، أو نحوها من العبارات تقريباً للأفهام ، وقد كان صلى الله عليه وسلم يخاطب العرب باللسان العربي المبين الذي نشأوا عليه ، فعرفوا معانيه ، وأدركوا مراميه ، فلا تعجبوا إذا لم يشكل عليهم هذا الخطاب .

وإذا كان العبد إذا أخلص لله تعالى في هذه الدار الدنيا - مع كثافة حجب طبائعها المادية المظلمة - تتراأى له في ذكره ودعائه مشاهد العظمة ، ويتكشف له من آيات الجلال ما يجعله يغيب عن وجوده ، غارقاً في عالم شهوده ، مشغولاً عن نفسه بما يمده به الحق تعالى من ألطاف الإنس ، المتراسلة من حظائر القدس ، خصوصاً في بعض الأحوال كخلوات العبادة ، وفي بعض الأزمان ، كليالي رمضان ، وفي بعض البقاع كالحرمين الشريفين ، فما بالكم بالدار الآخرة التي أعدت للمتقين ، حيث ترقى نفوسهم إلى أوج الكمال الإنساني .

ولا ينكر هذه المشاهد الإنسية في هذه الدار الدنيا إلا من حُرِم شفافية الروح ، ورقة الشعور والوجدان التي يشعر بها العبد وهو ماثل بين يدي الله تعالى ، داعيا أو ذاكرا ، حتى يكون كأنه من أنسه بربه يرى ذاته تعالى بأم عينيه ، من غير أن يتحول تعالى عن صفته الذاتية ، وهي عدم إدراكه بالأبصار ، وقد سمى رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه المرتبة بالإحسان ، وذلك في قوله (الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك) فأي عجب إذا حصل للمؤمنين الصادقين في إيمانهم ، المخلصين في عملهم ، ما هو أبلغ في الدار الآخرة من ذلك من التجليات الجلالية لعقولهم وقلوبهم ؟ وأي بدع إن عبر عن ذلك بالرؤية مع ورود مثله في اللسان العربي ؟

وبهذا يتضح المراد بالرؤية في الأحاديث ، وبه يمكن الجمع بينها وبين آيات التنزيه الناصة على منعها ، ومهما يكن فإن هذه الأحاديث آحادية ، والآحادي لا تنهض به حجة في الأمور الاعتقادية لأن الاعتقاد ثمرة اليقين ، واليقين لا يقوم إلا على الأدلة القطعية المتواترة نقلا ، النصية دلالة بحيث لا تحتمل تأويلا آخر ، والحديث الآحادي لا يتجاوز ثبوت متنه الظن ، فلذلك قال المحققون إنه يوجب العمل ولا يفيد العلم ، وإذا كانت هذه درجة الآحادي في الحجية فكيف إذا عُورض بالنصوص القطعية من القرآن ، ولذلك نحكم بسقوط الروايات الصريحة في تشبيه الخالق بالخلق إذا لم تحتمل التأويل ، لاستحالة أن يصدر ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى ، وذلك كحديث (إذا كان يوم الجمعة نزل على كرسيه ثم حف الكرسي بمنابر من نور ، فيجئ النبيون حتى يجلسوا عليها .. الخ) فإنه مصادم للعقل والنقل ، بل هو مصادم لما يقوله معتقدو الرؤية أنفسهم من أنه يرى بدون إحاطة ، فإنه يلزم أن يكون محاطا به قطعا إذا كان النبيون تحف منابرهم بكرسيه الذي يستوي عليه.

وإذا كان الصحابة رضوان الله تعالى عليهم لم يقبل بعضهم ما رواه بعض منهم مما رآه مخالفا لما فهمه من مدلول الكتاب العزيز ، كما كان من عمر في رواية فاطمة بنت قيس ، وما كان من عائشة فيما رواه ابن عمر رضي الله عنهم أجمعين - مع كونهم في خير القرون وأفضل العصور - فما بالكم بمن بعدهم ، وقد اختلط الحابل بالنابل ، وفشا اللبس ، وكثر التدليس ، وانتشرت البدع ، وتعددت الدسائس ، وتباعدت العصور عن العصر الكريم.

هذا وقد سمعت فيما سمعت من المحاضرة المسجلة في الشريط ، التي أشرت إليها من قبل ، سخرية من المحاضر بالإباضية لعدم اعتمادهم على الأحاديث المروية في الرؤية لآحاديتها ، كأنه لم يقل بعدم الأخذ بالأحاديث الآحادية في الاعتقاد غيرهم ، وما هذه إلا سخرية من نفسه ، فإنه قد أثبت بذلك عدم معرفته بما قاله المحققون من علمائه ، ولا أريد إلا أن أنقل هنا بعض نصوصهم في ذلك ، من غير أن أشرك نصا لأحد من علماء الإباضية:

قال الإمامان ابن السبكي في جمع الجوامع والمحلي في شرحه (خير الواحد لا يفيد العلم إلا بقرينة) كما في إخبار الرجل بموت ولده المشرف على الموت ، مع قرينة البكاء ، وإحضار الكفن والنعش (و) قال (الأكثر لا) يفيده (مطلقا). (1)
وفي تنقيح ابن الحاجب وشرحه (التوضيح) ما نصه : (والثالث - ويعنى به الخبر الآحادي - يوجب عليه الظن إذا اجتمع الشرائط التي نذكرها إن شاء الله تعالى ، وهي كافية لوجوب العمل لأنه لا يوجب العلم ؛ ولا عمل إلا عن علم - إلى أن قال - والعقل يشهد أنه لا يوجب اليقين). (2)
وفي حاشية السعد التفتازانى عليهما أن هذا هو قول الجمهور( المرجع : التلويح للسع التفتازاني ص431 ) ثم قال : "بل العقل شاهد بأن خبر الواحد العدل لا يوجب اليقين ، وأن احتمال الكذب قائم وإن كان مرجوحا ، والإلزام القطع بالنقيضين عند إخبار العدلين بهما".(3)
وقال حجة الإسلام أبو حامد الغزالي "اعلم أنا نريد بخبر الواحد في هذا المقام ما لا ينتهي من الأخبار إلى حد التواتر المفيد للعلم ، فما نقله جماعة من خمسة أو ستة مثلا فهو خبر الواحد - إلى أن قال - وإذا عرفت هذا فنقول خبر الواحد لا يفيد العلم ، وهو معلوم بالضرورة فإنا لا نصدق بكل ما نسمع ، ولو صدقنا وقدرنا تعارض خبرين فكيف نصدق بالضدين ؟ وما حكي عن المحدثين من أن ذلك يوجب العلم فلعلهم أرادوا أنه يفيد العلم بوجوب العمل إذ يسمى الظن علما ، ولهذا قال بعضهم يورث العلم الظاهر ، والعلم ليس له ظاهر وباطن وإنما هو الظن".(4)
وفي فواتح الرحموت بشرح مسلم الثبوت لابن عبد الشكور ما نصه : "الأكثر من أهل الأصول ومنهم الأئمة الثلاثة على أن خبر الواحد ، إن لم يكن هذا الواحد المخبر معصوما نبيا ، لا يفيد العلم مطلقا ، سواء احتف بالقرائن أو لا - إلى أن قال - لو أفاد خبر الواحد العلم لأدى إلى التناقض إذا أخبر عدلان بمتناقضين - ثم قال - وذلك أي إخبار العدلين بمتناقضين جائز بل واقع ، كما لا يخفى على المستقرئ في الصحاح والسنن والمسانيد). (5)
وقال الإمام محمد عبده في إحدى فتاواه "ولو أراد مبتدع أن يدعو إلى هذه العقيدة ، فعليه أن يقيم عليها الدليل الموصل إلى اليقين إما بالمقدمات العقلية البرهانية ، أو بالأدلة السمعية المتواترة ، ولا يمكنه أن يتخذ حديثا من حديث الآحاد دليلا على العقيدة ، مهما قوي سنده ، فإن المعروف عند الأئمة قاطبة أن أحاديث الآحاد لا تفيد إلا الظن (وإن الظن لا يغني من الحق شيئا) (النجم 28). (1)

وقال العلامة السيد محمد رشيد رضا "إن بعض أحاديث الآحاد تكون حجة عند من ثبتت عنده واطمأن قلبه بها ، ولا تكون حجة على غيره يلزم العمل بها ، ولذلك لم يكن الصحابة رضي الله عنهم يكتبون جميع ما سمعوه من الأحاديث ويدعون إليها ، مع دعوتهم إلى اتباع القرآن والعمل به ، وبالسنة العملية المتبعة المبينة له إلا قليلا من بيان السنة ، كصحيفة عليّ كرم الله وجهه المشتملة على بعض الأحكام كالدية ، وفكاك الأسير ، وتحريم المدينة كمكة ، ولم يرض الإمام مالك من الخليفتين المنصور والرشيد أن يحملا الناس على العمل بكتبه حتى الموطأ ، وإنما يجب العمل بأحاديث الآحاد على من وثق بها رواية ودلالة".(2)

وإذا كان هذا موقف حجية الآحادي في الأمور الفرعية العملية فكيف بالاعتقاد ، بل كيف تكون حجيته مع معارضته للقطعي المتواتر ، وقد قال هذا الإمام نفسه "وإذا كان من علل الحديث المانعة من وصفه بالصحة مخالفة راويه لغيره من الثقات فمخالفة القطعي من القرآن المتواتر أولى بسلب وصف الصحة عنه".(3)

وما قاله هنا هو الذي يقتضيه كلام علماء المصطلح في الاستدلال على وضع الحديث ، بل هو الذي يستفاد من صنيع الصحابة رضوان الله عليهم في قبول الروايات أو رفضها كما تقدم ، ومع مبالغة أهل الحديث في التعويل على أخبار الآحاد في أمور الدين وإنكارهم على من لم يأخذ بها ، نجد البخاري يقيد ذلك بالفروع حيث يقول : "باب ما جاء في إجازة خبر الواحد الصدوق في الأذان والصلاة والصوم والفرائض والأحكام".(4)



الفصل الثالث

في أدلة النافين

وهي قسمان ، عقلية ونقلية


أما العقلية:فتتلخص في أن الله سبحانه كان قبل خلق الوجود كله ، ولم تتحول ذاته ، أو تتبدل صفاته بعد الخلق عما كانت عليه قبله ، فلا تتصل ذاته سبحانه بشيء من مخلوقاته كما أنها لا تنفصل عنها ، لأن كل ذلك من صفات الحوادث ، ومن ثم كان إدراك كنهها مستحيلا عقلاً ونقلاً ، وإنما غاية المعرفة بها الشعور بالعجز عن إدراك كنهها ، كما قيل "العجز عن الإدراك هو الإدراك".

والرؤية البصرية المعهودة هي انطباع صورة المرئي في حدقة الرائي بقوة الذبذبات الضوئية الملتقطة للصور ، ولها شروط :

- أولها : سلامة الحاسة.
- ثانيها : أن يكـون المرئي جائز الرؤية فيخرج بذلك ما كان ممتنعها كالروح والعقل والروائح والأصوات.
- ثالثها : مقابلته للباصرة في جهة من الجهات أو انعكاس صورته في شيء مقابل للرائي ، وتدخل في ذلك الصور المرئية في المرايا أو الشاشات.
- رابعها : أن لا يكون دقيقا جدا كالميكروبات التي تعجز الأبصار عن التقاط صورها وإدراك حقيقتها ، وذلك يختلف باختلاف حالة البصر قوةً وضعفاً.
- خامسها : أن لا يكون في منتهى اللطافة كالنسيم.
- سادسها : أن لا يكون قريبا جداً فان الالتصاق بالأبصار يحجبها عن الرؤية ، ولذلك تحجب الأجفان الأحداق عن رؤيتها.
- سابعها : عدم غاية البعد ، فإن البعيد جدا يضعف البصر عن رؤيته ، ولذلك تخفى عن أبصارنا الأجرام السماوية الضخمة لإيغالها في البعد . وتختلف الحالة في هذا الشرط باختلاف الأبصار قوة وضعفا واختلاف المبصرات صغرا وكبرا.
- ثامنها : عدم الحجاب الحائل وهو الجسم الكثيف أو ما في حكمه كالضباب المتراكم.
- تاسعها : أن يكون مضيئا بنفسه أو واقعا عليه ضوء غيره. (1) وقد اعترض على هذا الاستدلال بأن هذه الشروط إنما هي في رؤية الشاهد ، ولا يجوز أن تحمل عليها رؤية الغائب.

وأجيب بأن الرؤية المعهودة عند الناس هي هذه ، ولا فرق في ذلك بين الشاهد والغائب ، على أن مثبتي الرؤية أنفسهم قاسوا الغائب على الشاهد في باب الصفات ، فما بالهم يفرُّون هنا مما لجأوا إليه هنالك.

ولا يرد على هذا أن الله يرى مخلوقاته من غير أن تكون رؤيته مقيدة بشيء مما ذكر ، لأنه سبحانه مخالف لمخلوقاته في كل شيء فهو يرى لا كما يرون . كما أنه يسمع لا كما يسمعون ، ويعلم لا كما يعلمون ، ويقدر لا كما يقدرون ، ويفعل لا كما يفعلون ، والمخلوقون وإن اختلفت أحوالهم لا يتجاوزون حدود المخلوقية ، ولا يتصفون بشيء من صفات الخالق دنيا ولا أخرى.

وأما النقلية :فبعضها من الكتاب ، وبعضها من السنة.
أما من الكتاب فهي كما يلي :

(1). قوله تعالى (لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير) "الأنعام 103" ، ووجه الاستدلال بالآية أنه تعالى مدح نفسه فيها بأن الأبصار لا تدركه ، وإدراكها الرؤية ، فتبين منها أن عدم رؤيته بالأبصار صفة ذاتية لازمة له تعالى ، فإنه لو رؤى للزم زوال مدحه وإذا زال انقلب إلى ضده ، وهو الذم تعالى الله عنـه ، ومن ناحية أخرى فإنه إخبار من الله سبحانه بوصف من أوصافه ، وأخبار الله لا تتبدل ، لأنها لو تبدلت كان التبدل تكذيبا لها (ومن أصدق من الله قيلا).

واعترض على هذا الاستدلال من خمسة أوجه :
- أولها :أن الآية نفت الإدراك ولم تنف الرؤية ، وبينهما فرق ، فإن الإدراك هو الإحاطة بالمدرك من جميع جوانبه وهو مستحيل عليه تعالى ، والرؤية لا تستلزمه فهي أعم منه ، ونفي الأخص ليس نفيا للأعم كما أن قوله تعالى : (ولا يحيطون به علما) "طه 110" لا ينفى مطلق العلم ، فإن للعباد معرفة به تعالى يخشونه بها ويرجونه ، ويطيعونه ويعبدونه ، وإنما هو ناف للإحاطة بكنه ذاته سبحانه ، وهذا أشهر ما عولوا عليه في دفع هذه الحجة ، ولذلك سرعان ما تجدهم يهرعون إليه للتخلص منها.

- ثانيها :أن الآية ليس فيها أكثر من نفي كون جميع الأبصار تراه (وهو الذي يُعبر عنه بسلب العموم) وليست نافية أن يكون كل فرد من أفراد جنس الأبصار رائيا له (وهو ما يُعبر عنه بعموم السلب) والكل متفقون على أنه تعالى لا تراه جميع الأبصار وإنما يراه بعضها ، وأقل ما يقال بأن الآية محتملة لهذا المعنى ، والدليل إذا طرقه الاحتمال سقط به الاستدلال ، وقد بالغ بعض غلاتهم المتعصبين فقلب مدلول الآية رأسا على عقب ، زاعما أنها أدل على ثبوت الرؤية منها على نفيها ، بانيا قولـه هذا على أن جملة (لا تدركه الأبصار) نافية غير مقيدة بعموم أو خصوص ، فتحمل على عدم إدراك بعض الأبصار دون جميعها ، وتخصيص البعض بالنفي دال بمفهومه على إثبات المنفي للبعض الآخر.

- ثالثها :أنهـا وإن عمَّت في الأشخاص فإنها لا تعم في الأزمان ، لأن نفيها مطلق وليس مقيدا بدوام.

- رابعها :أن الآية تدل على عدم رؤية الأبصار له، لكنها لا تدل على عدم رؤية المبصرين إياه ، لجواز أن تكون نافية للرؤية بالجارحة مواجهة وانطباعاً كما هو العادة ، فلا يلزم منه نفي مطلق الرؤية ، وخلاصة ذلك أن ما في الآية من امتداح إنما هو بنفي المبْصَرِية لا بنفي الرؤية. (1)

- خامسها :أن عمومها مخصص بأدلة إثبات الرؤية. (2)

وهذه الاعتراضات كلها مردودة :
أما الأولفهو مخالف لما دل عليه الاستعمال العربي لكلمة الإدراك ومشتقاتها ، فإنه لا يفهم منه أنه بمعنى الإحاطة ، فأقوال أساطين العربية المهرة وشواهدها الصريحة الثابتة دالة على أن الإدراك ليس بمعنى الإحاطة بل لكل منهما معنى مستقل عن الآخر. قال ماتن القاموس وشارحه (الدركُ محركة اللحاق) وقد (أدركه) إذا لحقه ، وهو اسم مـن الإدراك ، وفي الصحاح : الإدراك اللحوق ، يقال : مشيت حتى أدركته ، وعشت حتى أدركت زمانه. (1)

ونص كلام الجوهري في الصحاح "الإدراك اللحوق ، يقال : مشيت حتى أدركته ، وعشت حتى أدركت زمانه ، وأدركته ببصري ، رأيته".(2) وفي اللسان "الدّرك اللحاق - إلى أن قال - وتدارك القوم تلاحقوا ، وفي التنزيل (حتى إذا ادَّاركوا فيها). (3)

هذه نصوص أساطين اللغة الذين نقلوها إلينا بأمانة ، وليس فيها ما يدل على تفسير الإدراك بالإحاطة ، ولا يمكن حمل اللحوق أو اللحاق عليها ، لأن قول القائل : لحقت الجدار بيدي لا يدل إلا على مماسته له ، وهو قول فصيح مقبول وضعاً وعرفـاً ، مع تعذر إحاطة اليد بالجدار ، ومثل ذلك قولك ، أنزلت الحبل في البئر حتى لحق الماء ، وأمثلة ذلك لا تُحْصى ، ولم أجد مرجعا لغويا فسَّر الإدراك بالإحاطـة ، وناهيك دليلا على خطأ هذا التفسير عدم تقبل العرف والذوق لقول القائل في الحائط المحيط بالزرع إنه مدرك له ، ومثله قول القائل بأن البيت مدرك لمن كان وما كان داخله ، مع العلم بأنه لا يماري أحد في إحاطته بما اشتمل عليه.

وإذا كان معنى (لا تدركه الأبصار) لا تلحقه فإن مؤداه قطعا أن القوى البصرية لا تصل إليه حتى يكون مرئيا لها ، فإن البصر يطلق على الحاسة كما يطلق علـى آلة الإبصار وهي العين ، وتمثيل صاحب الصحاح بقوله : "عشت حتى أدركت زمانه" شاهد على صحة ما قلته من التباين بين لفظتي الإدراك والإحاطة ، فإنه مما يدركه كل أحد أن قائل ذلك لم يرد أنه عاش حتى أحاط بزمان من أضيف إلى ضميره الزمان من أوله إلى آخره ، إذ لو كان ذلك هو المراد لما جاز لأحد أن يقول في أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه أدرك زمانه عليه الصلاة والسلام إلا إذا كان ذلك الصحابي قد أحاط بزمنه صلى الله عليه وسلم منذ الولادة إلى الوفاة.

ومن الشواهد الدالة على خطأ تفسير الإدراك بالإحاطة أنه لا يختلف في صحة قول القائل - فيمن وقع عليه سهم - أدركه السهم ، ولو قال أحد أحاط به السهم لما عد قوله عاقل إلا هذيانا.

وأصرح من هذه النصوص ما تقدم نقله عن شارح القاموس بأنه فسر الرؤية بإدراك المرئي ، وفي اللسان أيضا "والإدراك اللحوق ، يقال مشيت حتى أدركته ، وعشت حتى أدركت زمانه ، وأدركته ببصري رأيته ".(1)

وتصاريف لفظة الإدراك دالة على هذا ، فقوله تعالى : (حتى إذا اداركوا فيها) لا يقصد به أن كل فريق منهم أحاط بغيره وإنما هو أن كل فريق لحق سابقه.

واستشهاد الصحابة رضوان الله تعالى عليهم على نفى الرؤية بهذه الآية الكريمة من أوضح الأدلة وأبينها ، وأقوى الشواهد وأقطعها بأن الإدراك إذا أسند إلى الأبصار لا يكون إلا بمعنى الرؤية ، فإنهم رضي الله تعالى عنهم عرب أقحاح طبعوا على فصيح الكلام العربي بتربيتهم العربية الأصيلة ، وزادهم القرآن الكريم الذي كان ينزل بين ظهرانيهم علماً بمعانيها ، وخبرة باستعمالها ، فأنَّى لهم أن يجهلوا الفرق بين رؤية البصر وإدراكه لو كان بينهما فرق ؟

ومما روي عنهم في ذلك ما أخرجه الإمام الربيع في مسنده ، والشيخان في صحيحيهما عن مسروق قال : "كنت متكئا عند عائشة فقالت : يا أبا عائشة ثلاث من تكلم بواحدة منهن فقد أعظم على الله الفرية ، من زعم أن محمدا صلى الله عليه وسلم رأى ربه فقد أعظم على الله الفرية ، قال : وكنت متكئا فجلست وقلت : يا أم المؤمنين أنظريني ولا تعجليني ، ألم يقل الله عز وجل : (ولقد رآه بالأفق المبين) ، (ولقد رآه نزلة أخرى) فقالت : أنا أول هذه الأمة سأل عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : إنما هو جبريل لم أره في صورته التي خلق عليها غير هاتين المرتين ، رأيته منهبطاَ من السماء ساداً عظم خلقه ما بين السماء والأرض . فقالت : أو لم تسمع أن الله يقول : (لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير) .. الخ.

وقد أخرج الإمام الربيع رحمه الله عن علي وابن عباس رضي الله عنهما أنهما استدلا على نفي رؤية الله تعالى بهذه الآية الكريمة . (2) وقد حاول الفخر الرازي دفع كون استدلال عائشة رضي الله تعالى عنها بالآية على نفي الرؤية ، شاهدا على أن الإدراك لا يتقيد بالإحاطة حيث قال : "معرفة مفردات اللغة إنما تكتسب من علماء اللغة ، فأما كيفية الاستدلال بالدليل فلا يرجع فيه إلى التقليد ".(3)

وهي محاولة فاشلة مردودة من ثلاثة أوجه :
- أولها :أن العرب الأقحاح - عندما كانوا لا يعتمدون إلا على سليقتهم العربية في نطقهم وفهمهم لمقاصد الكلام - هم أقوى حجة ممن جاء بعدهم من علماء العربية الذين دونوا مفرداتها ، وشرحوا معانيها ، فإن هؤلاء كانوا يستندون إلى أولئك في فهم مقاصدها ، ولم يكن أولئك يرجعون إلى هؤلاء في ذلك .

- ثانيها :أن ما نقله أئمة العربية عن العرب من معاني الإدراك متفق كل الاتفاق مع ما ذهبت إليه عائشة رضي الله تعالى عنها في هذا الاستدلال .

- ثالثهما :أن الاستشهاد باستدلالها هذا ليس هو من التقليد في شيء ، وإنما من باب الأخذ بوسائل الفهم للمعاني اللغوية .

واعتمد ابن جرير الطبري في التفريق بين الرؤية والإدراك على قوله تعالى : (فلما ترآى الجمعان قال أصحاب موسى إنا لمدركون . قال كلا إن معي ربي سيهدين) "الشعراء 61/62" ، حيث نفى موسى ما توقعوه من إدراك عدوهم مع أن الترائي حصل بين الجانبين ، وتابعه ابن حزم (1)،(ونقل ذلك الحافظ بن حجر عن القرطبي صاحب المفهم ، وتعقبه الحافظ بقوله : "وهو استدلال عجيب لأن متعلق الإدراك في آية الأنعام البصر ، فلما نفي كان ظاهره نفى الرؤية بخلاف الإدراك الذي في قصة موسى ، ولولا وجود الأخبار بثبوت الرؤية ما ساغ العدول عن هذا الظاهر . (2)

وأضيف إلى ما قاله الحافظ بأن الإدراك يتفاوت معناه بحسب تفاوت أنواع المدركات - بالكسر - فإدراك العين رؤيتها للشيء ، وإدراك الأذن سماعها للصوت ، وإدراك اليد مسيسها للجسم ، وإدراك السيف وقعه على المضروب ، وإدراك السهم إصابته للمرمى ، وإدراك الرمح إصابته للمطعون ، وإدراك العدو لعدوه تمكنه منه وقدرته على إنزال السوء به ، فأصحاب موسى عليه السلام ما كانوا يتوقون مجرد رؤية عدوهم لهم ، وإنما كانوا يحذرون من تمكنه منهم .

وكلام ابن حجر يفيد أنه يرى رأينا في تفسير الآية ، غير أنه يستند في معارضته هذا المفهوم بالأخبار المثبتة للرؤية ، وقد علمت أخي القارئ ما في تلك الأخبار المشار إليها من عدم إفادتها ثبوت رؤيته تعالى ، كما سبق بيانه فثبتت والحمد لله قطعية حجتنا .

وإن من أحسن ما قرأته في تفسير هذه الآية الكريمة قول الإمام أبي بكر أحمد بن علي الرازي الحنفي المشهور بالجصاص في كتابه (أحكام القرآن) ونصه : "يقال إن الإدراك أصله اللحوق ، نحو قولك : أدرك زمان المنصور ، وأدرك أبا حنيفة ، وأدرك الطعام أي لحق حال النضج ، وأدرك الزرع والثمرة ، وأدرك الغلام إذا لحق حال الرجال"

"وإدراك البصر للشيء لحوقه له برؤيته إياه ، لأنه لا خلاف بين أهل اللغة أن قول القائل أدركت ببصري شخصا معناه رأيته ببصري ، ولا يجوز أن يكون الإدراك الإحاطة لأن البيت محيط بما فيه وليس مدركا له ، فقوله تعالى : (لا تدركه الأبصار) معناه لا تراه الأبصار ، وهذا تمدح بنفي رؤية الأبصار ، كقوله : ( لا تأخذه سنة ولا نوم ) ، وما تمدَّح الله بنفيه عن نفسه إثبات ضده ذم ونقص ، فغير جائز إثبات نقيضه بحال ، كما لو بطل استحقاق الصفة بـ (لا تأخذه سنة ولا نوم) لم يبطل إلا إلى صفة نقص"

ولا يجوز أن يكون مخصوصا بقوله : (وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة) لأن النظر محتمل لمعان منه انتظار الثواب كما روي عن جماعة من السلف ، فلما كان ذلك محتملا للتأويل لم يجز الاعتراض عليه بما لا مساغ للتأويل فيه".

"والأخبار المروية في الرؤية إنما المراد بها العلم ، لو صحت ، وهو علم الضرورة الذي لا تشوبه شبهة ، ولا تعرض فيه الشكوك لأن الرؤية بمعنى العلم مشهورة في اللغة".(1)

أما الإعتراض الثانيفهو مناقض لتمدحه تعالى في الآية بعدم إدراك الأبصار له ، فإنه إن حمل على سلب العمـوم - كما قالوا - لم يبق معنى للامتداح ، لأن المخلوقات المرئية كلها مشاركة لله تعالى في هذه الصفة ، إذ ما من مخلوق رأته أو تراه جميع الأبصار حتى الشمس - التي هي أكثر انكشافا لمن على ظهر الكوكب الأرضي جميعا ، فإن أصحاب العوالم الأخرى لا يرونها لبعدهم عنها ، كما أننا لا نرى ما هو أكبر وأنور منها من الأجرام النائية السابحة في المجرات السحيقة - فضلا عن البشر وأمثالهم ، فإن أي إنسان منا لا يمكن أن تراه جميع الأبصار المعاصرة له في هذه الأرض نفسها فضلا عمن مات قبله ، أو يأتي بعده ، أو كان في عوالم أخرى من المبصرين ، ومن ناحية أخرى فإن تجويز هذا التأويل في الآية يقتضي جوازه في أمثالها ، نحو (إن الله لا يحب المعتدين) "البقرة 190 ، المائدة 87" ، (إنه لا يحب المسرفين ) "الأنعام 141 ، الأعراف 31" ، (والله لا يحب الظالمين) "آل عمران 57 ، 140" (إن الله لا يحب كل مختال فخور) "لقمان 18" ، إذ لا فارق بينها فإنها جميعا سيقت مساق المدح له تعالى وهو كاف في إسقاط الاحتمال الذي ذكروه.

وأما جعل الآية دليلا على جواز الرؤية لأنها نافية غير مقيدة بعموم أو خصوص ، فتحمل على عدم إدراك بعض الأبصار دون جميعها بناءً على أن تخصيص البعض بالنفي دال بمفهومه على إثبات المنفي للبعض الآخر ، فهو أضعف من أن يحتاج إلى إضعاف ، لأن كل من صحا عقله من سكرة الهوى ، وسلم ذوقه من فساد الفطرة يدرك بطلانه ، فإن النفي في قوله تعالى : (لا تدركه الأبصار) لم يخص ببعض الأبصار دون بعض ، وإنما يعمها بلفظه الصريح الذي تؤيده القرائن ، وذلك أن التعريف في الأبصار قاض بعمومها ، سواء حملناه على الجنس أو الاستغراق ، فإن حملناه على الاستغراق فهو أظهر من أن يحتاج إلى بيان ، إذ لا معنى للاستغراق إلا شمول أفراد مدلول اللفظ ، وإن حملناه على الجنس فمن حيث أن أي فرد من أفراد جنس ما يوجد مدلول ذلك الجنس ضمنه إثباتا أو نفيا ، ولو كان هذا القول صحيحا لما حكم بالحنث على من يقسم بالله الأيمان المغلظة أنه لم يزر القبور مع أنه يتردد على زيارتها في كل أوقاته ، إذ لا يعقل أن يزور جميع القبور في الأرض ، كما أنه يترتب عليه أن يكون من أقسم بأنه لم يزن بالنساء - وقد زنى بألوف النساء - صادقا في قوله غير حانث في يمينه ، لتعذر أن يزني زان بجميع نساء الأرض ، وكذلك يلزم عدم حنث من حلف بأنه لم يسرق التمر وقد سرق من التمور ما لا يدخل تحت إحصائه ولا إحصاء غيره ، بل يلزم على هذه الدعوى أن يكون قول القائل لم أزر القبور منبِّئا أنه قد زار بعضها وكذا في أمثاله.

فإن قيل لعل تعريف الأبصار عند هذا القائل عهدي ليس للجنس ولا للاستغراق ، فجوابه أن حمله على العهد مناف لما تدل عليه الآية من التمدح الذي يقتضيه سياق ما قبلها وما بعدها ، والعهد لا بد له من معهود ولا معهود ، ولو فرضنا أن ثم معهودا فهل يمكن أن يكون نفي شيء عن معهود قاضيا بإثباته لغيره ؟ وهل هذا إلا من باب الاحتجاج بمفهوم اللقب ، الذي لا يعول عليه في الظنيات فكيف بالقطعيات ؟

وأما الإعتراض الثالثوهو أن النفي المطلق لا يدل على الدوام - فهو مرفوض لغة وعرفا وشرعا ، فإن كل أحد يدرك أن قول القائل : لا أشرب اللبن دال على نفي الشرب في أي وقت من الأوقات ، ولولا ذلك لما حنث من حلف أنه لا يزني ولا يسرق ولا يشرب الخمر ولا يقتل النفس المحرمة بغير حق ، إذا أتى أي شيء من ذلك في مستقبل الزمان ، بناء على أن النفي المطلق غير شامل للأزمنة.

ومما لا خلاف فيه أن للنهي حكم النفي ولئن ساغ هذا القول لم يبق أمر محجور فيسوغ للناس أن يأكلوا الربا الذي حرمه الله في كتابه ، وأن يقتلوا النفس المحرمة بغير حق ، وأن يرتكبوا كل فساد في الأرض ، ويأتوا كل منهي في الإسلام ، متذرعين إلى ذلك كله بدعوى أن النهى غير شامل لعموم الأزمنة.

وما تقد تقريره من أن هذه الآية - كسائر الآيات التي انتظمت في سلكها ، سيقت مساق مدحه تعالى مبطل لهذه الدعوى ، إذ لو حمل النفي فيها على الدار الدنيا دون الآخرة لجاز مثله في نظائرها نحو قوله تعالى : (لا تأخذه سنة ولا نوم) "البقرة 255" ، وقوله : (ما اتخذ صاحبة ولا ولدا) "الجن 3" ، وقوله : (لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد) "الإخلاص 3/5" ، وقوله : (ولا يظلم ربك أحدا) "الكهف 49" ، ولجاز عليه تعالى في الآخرة ، ما كان ممتعا عليه في الدنيا من السنة والنوم ، والصاحبة والولد ، والكفء والند ، والجور والظلم ، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا .

على أن الواجب على كل مسلم أن يعتقد أن الدنيا والآخرة لا تأثير لهما في ذات الحق تعالى ، فإنه سبحانه يستحيل عليه مرور الزمان ، كما يستحيل عليه اكتناف المكان ، فهو تعالى خالق الزمان والمكان ، لا تتغير ذاته ، ولا تتبدل صفاته أزلا وأبدا ، وإنما تحول الأحوال بين الدنيا والآخرة لا يتجاوز المخلوقين.

هذا وذكر الإمام ضياء الدين عبد العزيز الثميني رضي الله عنه في معالمه بأن القول بأن الدال على عموم الأفراد في الإطلاق لا يدل على عموم الأزمان هو قول لبعض أئمة الأصول كالآمدي والقرافي ، والأصفهاني ، وهو بمعزل عن التحقيق ، والتحقيق في ذلك ما عليه المحققون منهم كالفخر وابن دقيق العيد ، والسبكي وابنه ، وكثير من المتأخرين ، وهو لازم لمدلول الدال على استغراق الأفراد. (1)

وأما الإعتراض الرابعوهو أن الآية نفت إدراك الأبصار ولم تنف إدراك المبصرين - فيدحضه أن البصر في الأًصل هو الطاقة التي تتوصل بها العين إلى الإبصار ، وإطلاقه على العين تجوُّز ، كإطلاق السمع على الأذن ، فلو فرضنا أن أحدا أبصر برأسه أو بأذنيه أو بمنخريه أو بيديه أو برجليه ، أو بجميع وجهه أو بجميع جسمه لكانت الطاقة البصرية موجودة فيما أبصر به ، وإذا كان المنفي في الآية إدراك البصر فإن كل ذلك داخل في النفي.

وأما الإعتراض الخامس : -وهو أن الآية مخصصة بغيرها -فهو مردود بأمرين :
1 - أحدهما :عدم وجود المخصص ، وهو واضح فيما قررناه من إبطال تعلق معتقدي الرؤية بما يتشبثون به مما ظنوه حجة ودليلا.

2 - ثانيهما :أن سياق الآيـة مساق المدح له سبحانه بنفي إدراك الأبصار مانع من التخصيص.

فإن قيل إن انتفاء الرؤية عن الله تعالى لا يعد مدحا له سبحانه لمشاركة غيره له في ذلك ، كالرياح والأرواح والذرة والكهرباء.

فجوابه أن انتفاءها عنه سبحانه لجلاله وكبريائه ، وانتفاءها عن غيره مما لا يرى لإخفائه سبحانه عن الأبصار ، على أنه يترتب على هذا الاعتراض أن يكون قوله تعالى : (لا تأخذه سنة ولا نوم) وقوله : (لم يتخذ صاحبة ولا ولدا) لا يعد مدحا لوجود ما لا ينام ولا ينكح ولا يلد من مخلوقاته ، فالملائكة متصفون بذلك كله ، والشمس والقمر والأرض وسائر الأجرام الفلكية هي أيضا لا تنام .

وقسَّم المحقق الخليلي رضوان الله تعالى عليه الأشياء في هذا على أربعة أقسام فقال :
- أحدهما :ما يرى - بفتح الياء - ولا يُرى - بضمها - وهو نهاية الشرف وغاية الكمال لاتصافه بالقدرة على رؤية ما سواه وتعاليه عن إدراك غيره إياه ، وليس شيئا كذلك إلا سبحانه وتعالى ، فهو المنفرد بمطلق الكمال والمتوحد بصفة العز والجلال (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير) "الشورى 11".

- وثانيهما :قسم يُرى ويَرى - بضم الياء وفتحها - وهو أشرف ما بعده من الأقسام وهو الحيوانات من الملائكة والجنة والناس والطير وسائر الدواب من الأنعام والبهائم والسباع وأكثر الحشرات.

- وثالثهما :يُرى ولا يَرى - بضم الياء الأولى وفتح الثانية - كالأجساد الكثيفة من الأرض والجبال ، والمعادن والنبات ، وما يشاركها في ذلك من الجواهر والأعراض.

- ورابعها :لا يُرى ولا يَرى مما يدرك بالحواس كالشم والذوق ، والصوت المدرك بالسمع أو مما لا يدرك بها كالإيمان والكفر ، والعقل والعلم ، والغضب والحلم ، وغيرها من الصفات والأخلاق التي كلف الشرع بها ، وأثاب وعاقب عليها. (1)

هذا وقد أتى كل من ابن تيمية والفخر الرازي بما يأباه العقل الصحيح ويرفضه الذوق السليم في تأويل قوله تعالى : (لا تدركه الأبصار) حيث اتخذا من هذه الآية تكأة لما يدعيانه مما ينافي في مدلولها الصريح ، فقد عداها من حجج المثبتين للرؤية قلبا لمفهومها وعكساً لمدلولها .

أما ابن تيمية فقد قال : "هي على جواز الرؤية أدل منها على امتناعها ، فإن الله سبحانه إنما ذكرها في سياق التمدح ، ومعلوم أن المدح إنما يكون بالأوصاف الثبوتية ، وأما العدم المحض فليس بكمال ، ولا يمدح به ، وإنما يمدح الرب تبارك وتعالى بالعدم إذا تضمن أمرا وجوديا كتمدحه بنفي السنة والنوم المتضمن كمال القيومية ، ونفي الموت المتضمن كمال الحياة ، ونفى اللغوب والإعياء المتضمن كمال القدرة ، ونفى الشريك والصاحبة والولد والظهير المتضمن كمال ربوبيته وإلاهيته وقهره ، ونفي الأكل والشرب المتضمن كمال الصمدية وغناه ، ونفي الشفاعة عنده بدون إذنه المتضمن كمال توحيده وغناه عن خلقه ، ونفي الظلم المتضمن كمال عدله وعلمه وغناه ، ونفي النسيان وعزوب شيء عن علمه المتضمن كمال علمه وإحاطته ، ونفي المثل المتضمن لكمال ذاته وصفاته ، ولهذا لم يمتدح بعدم محض لا يتضمن أمرا ثبوتيا ، فإن المعدوم يشارك الموصوف في ذلك العدم ولا يوصف الكامل بأمر يشترك وهو المعدوم فيه فلو كان المراد بقوله : (لا تدركه الأبصار) أنه لا يُرى بحال لم يكن في ذلك مدح ولا كمال ، لمشاركة المعدوم له في ذلك ، فإن العدم الصرف لا يرى ولا تُدركه الأبصار ، والرب جـل جلاله يتعالى أن يمدح بما يشاركه فيه العدم المحض ، فإذا المعنى أنه يرى ولا يدرك ولا يحاط به" . (2)

وهو كلام يُشْدُه منه كل من كان يتمتع بشيء من العقل الذي لم يتكدر بتأثير الهوى ، فإنه ظاهر البطلان ، بيّن التناقض ، وناهيك أنه أثبت في صدره أن الآية ذكرت في سياق التمدح ، ثم أتبع ذلك أن الله لا يمتدح بعدم محض ، وانتهى به التطواف إلى القول بأن العدم الصرف لا يرى ولا تدركه الأبصار ، ثم أتى بنتيجة ذلك كله وهي أن الله يُرى ولا يدرك ، وعليه فيلزمه من ذلك أن لا يكون نفي إدراك الأبصار لذاته تعالى مدحا له ، وأن تكون ذات الله العلية ممكنة الإحاطة بها بناءً على ما فسر به الإدراك - لأن العدم الصرف لا يدرك أيضا كما نص عليه بنفسه .

وبالجملة فإن أعجب ما جاء به ابن تيمية في كلامه هذا ، عرضه النصوص القطعية على قاعدة مصطنعة من الخيال والوهم ، ليس لها أسس من العقل ، ولا دعائـم من النقل ، مع أن الواجب علينا - معاشر العباد - أن نثبت لله ما أثبته لنفسه ، وأن ننفي عنه ما نفاه بنفسه ، فإنه سبحانه أعلم بذاته وصفاته ، وليس لنا أن نعترض عليه في نفيه أو إثباته .

وإن من أعجب العجاب أن يشتد إنكار الحنابلة - ومن بينهم ابن تيمية وابن القيم - على المتكلمين من الأشاعرة والمعتزلة وغيرهم فيما هو أولى بالصواب ، وأجدر بالحق ، وأدنى إلى الحقيقية من أسس علم الكلام الجامع بين براهين بالعقل ونصوص النقل ، بينما تجدهم يطلقون لخيالهم العنان في استنتاج أمثال هذه الأوهام ، لا لغرض غير التهرب من قهر النصوص وقبضة البراهين.

ولو سلمنا جدلا لهذا المنطق المتداعي لقلنا إن في نفي الرؤية عن الله سبحانه إثباتا لصفة كمال له عز وجل وهي الكبرياء ، ففي الحديث الصحيح نص صريح بأن كبرياء الله سبحانه مانعة من رؤيته ، وذلك فيما أخرجه الشيخان عن أبي موسى الأشعري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (جنتان من فضة آنيتهما وما فيهما ، وجنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما ، وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلا رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن) فأي إشكال مع هذا في نفي الله سبحانه أن ترى الأبصار ذاته العلية.

ومع التسليم المفترض - وهو غير واقع - بأن بين الرؤية والإدراك فرقا في المعنى ، فإن ابن تيمية ملزم - حسب هذه القاعدة التي اصطنعها من خياله - بأن يكون مثبتا لله تعالى ما نفاه من إدراك الأبصار لذاته .

وإن من أخطر الخطر على الدين أن تعصف أعاصير الهوى بعقول العلماء المتبحرين حتى يتلاعبوا بالنصوص كما شاءوا ، فيجعلوا من النص حجة على خلاف معناه.

وأما الفخر الرازي فقد قال : "لو لم يكن تعالى جائز الرؤية لما حصل التمدح بقوله : (لا تدركه الأبصار) ألا ترى أن المعدوم لا تصح رؤيته ، والعلوم ، والقدرة ، والإرادة ، والروائح ، والطعوم لا يصح رؤية شيء منها ، ولا مدح لشيء منها في كونها بحيث لا تصح رؤيتها ، فثبت أن قوله : (لا تدركه الأبصار) يفيد المدح ، وثبت أن ذلك إنما يفيد المدح لو كان صحيح الرؤية ، وهذا يدل على أن قوله تعالى : (لا تدركه الأبصار) يفيد كونه تعالى جائز الرؤية ، وتمام التحقيق فيه أن الشيء إذا كان في نفسه بحيث يمتنع رؤيته فحينئذ لا يلزم من عدم رؤيته مدح وتعظيم للشيء ، أما إذا كان في نفسه جائز الرؤية ثم إنه قدر على حجب الأبصار عن رؤيته وعن إدراكه كانت هذه القدرة الكاملة دالة على المدح والعظمة ، فثبت أن هذه الآية دالة على أنه تعالى جائز الرؤية بحسب ذاته.

وإذا ثبت هذا وجب القطع بأن المؤمنين يرونه يوم القيامة ، والدليل عليه أن القائل قائلان ، قائل قال بجواز الرؤية مع أن المؤمنين يرونه ، وقائل قال لا يرونه ولا تجوز رؤيته ، فأما القول بأنه تعالى تجوز رؤيته مع أنه لا يراه أحد من المؤمنين فهو قول لم يقل به أحد من الأمة فكان باطلا ، فثبت بما ذكرنا أن هذه الآية تدل على أنه تعالى جائز الرؤية في ذاته ، وثبت أنه متى كان الأمر كذلك وجب القطع بأن المؤمنين يرونه ، فثبت بما ذكرنا دلالة هذه الآية على حصول الرؤية ، وهذا استدلال لطيف من هذه الآية. (1)

وليس بعد هذا القول الذي قاله الفخر الرازي تعليق لأحد ، إلا السؤال عن عقيدته في وحدانية الله ونفي الولد والشريك عنه ، مادام يجعل من نفي الشيء دليلا على إثباته ، وبموجب هذا القول فإن للنصارى والمشركين أن ينتزعوا من قوله تعالى : (وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك) "الإسراء 111" ، دليلا قاطعا بأن له سبحانه ولدا وشريكا وأن يضيفوا إلى ذلك إثبات الصاحبة له تعالى ، بل وإثبات كل ما نفاه عنه من السنة والنوم ، والغفلـة واللغوب ، والظلم والجور ، مادام النفي دليلا قاطعا على الإمكان وبالتالي على الإثبات .

وإن تعجب فعجب أن يكون الفخر الذي اتخذ من قوله تعالى : (لا تدركه الأبصار) سُلَّماً إلى القطع بثبوت الرؤية قلباً للحقيقة وعكسا للحجة ، هو الذي يقول في تأصيلاته بأن دلائل الألفاظ على المعاني لا تتجاوز الظن كما هو صريح في قوله : "دلالة الألفاظ على معانيها ظنية لأنها موقوفة على نقل اللغات ونقل الإعرابات والتصريفات مع أن أول أحوال تلك الناقلين أنهم كانوا آحاداً ، ورواية الآحاد لا تفيد إلا الظن ، وأيضا فتلك الدلائل موقوفة على عدم الاشتراك وعدم المجاز وعدم النقل ، وعدم الإجمال ، وعدم التخصيص ، وعدم المعارض العقلي ، فإن بتقدير حصوله يجب صرف اللفظ إلى المجاز ، ولا شك أن اعتقاد هذه المقدمات ظن محض ، والموقوف على الظن أولى أن يكون ظنا". (2)

فانظر كيف يجعل الفخر دلالة الألفاظ على المعاني الموضوعة لها ظنية ، مع جعله دلالتها على ضد تلك المعاني قطعية.

والخلاصةمن كل ما تقدم أن دلالة الآية الكريمة على انتفاء رؤيته تعالى في الدنيا والآخرة دلالة قاطعة ، وكل ما تعلق به القائلون بخلاف ذلك لا يتجاوز أن يكون ضبابا من الوهم ، لا يلبث أن يتلاشى بإشراق مس الحقيقة ، ويؤيد نصيتها على ذلك تذييلها بقوله تعالى : (وهو اللطيف الخبير) فإن قوله : (اللطيف) كالتعليل لقوله : (لا تدركه الأبصار) وقوله : (الخبير) كالتعليل لقوله : (وهو يدرك الأبصار) والصفتان المذكورتان من صفات ذاته تعالى لا تتبدلان أزلاً وأبداً ؛ أما الخبير فكونه من صفات الذات ظاهر لأنه كالعليم ، وأما اللطيف فلأنه - كما يقول الإمـام ابن عاشور : "صفة مشبهة تدل على صفة من صفات ذات الله تعالى ، وهي صفة تنزيهه تعالى عن إحاطة العقول بماهيته ، أو إحاطة الحواس بذاته وصفاته فيكون اختيارها للتعبير عن هذا الوصف في جانب الله تعالى هو منتهى الصراحة والرشاقة في الكلمة ، لأنها أقرب مادة في اللغة العربية تقرب معنى وصف ذاته تعالى بحسب ما وضعت له اللغة من متعارف الناس" . (1)

(2). قوله تعالى لموسى عليه السلام : (لن تراني) "الأعراف 143" ، فإنه نفي مطلق غير مقيد بزمان ولا تبديل لكلمات الله ، فلو حصلت الرؤية في أي وقت من أزمان الدنيا أو الآخرة لكان ذلك منافيا لصدق هذا الخبر ، وتتأكد دلالة هذا النص على هذا المعنى باندكاك الجبل الذي علقت الرؤية على استقراره اندكاكاً هائلاً ليكون آيةً بينةً تستأصل أطماع المتطاولين على الله بطلب أو تمني ما يستحيل عليه ويتنافى مع كبريائه ، وقد وضح لكل ذي عينين صبح الحق بعدم استقرار الجبل فلا مطمع في حصولها لأنها إحدى المستحيلات.

وما ألطف وأدق وأروع قول موسى عليه السلام إثر إفاقته مما حصل له من الصعق بعـد هذا الحدث : (سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمين) "الأعراف 143" ، فقد بادر عليه السلام أولا إلى تنزيه الله سبحانه إعلانا بحق ربوبيته واعترافاً بالخطأ إعظاماً لحق الله ، وإن كان قلبه عليه السلام بريئاً من قصد ما دل عليه ظاهر قوله بادي الرأي لأنه لم يسأل ما سأل إلا لتبكيت قومه كما تقدم ، ثم أتبع ذلك التوبة النصوح مما وقع فيه تعرضا منه لمغفرته تعالى ، وختم كلامه بأنه عليه السلام أول المؤمنين بأن الله تعالى لا يُرى - وهو الذي أخرجه ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما - وفي هذا من تقرير عقيدة الحق المنزهة لله عن درك الأبصار ما لا يخفى على ذي بصر ، فإنه عليه السلام ما قصد بقوله : (وأنا أول المؤمنين) إلا الاعتذار والتنصل مما يوحي به ظاهر قوله ، وإن كان الله عز وجل عالما بسريرته ، فإن مثل ذلك مثل الاستغفار باللسان ، والإخبار بالقول عن عقد العزم على عدم العودة إلى المعصية ، مع أن الله عليم بالسرائر لا يخفى عليه شيء مما اشتملت عليه حنايا الضمائر .

و " لن " تفيد تأكيد النفي أو تأييده ، أو هما معاً ، فتحصّل من جميع ذلك أن رؤيته تعالى مستحيلة ، لأن امتناعها لأمر يتعلق بذاته تعالى وهو كونها غير قابلة لأن ترى ، وإلى ذلك الإشارة بالتنزيه الذي صُدر به الاعتذار في قوله موسى عليه السلام ، ولو كان لأحد مطمع في حصول الرؤية لما آيس الله منها عبده موسى الذي اصطفاه على الناس برسالته وبكلامه.

واعترض هذا الاستدلال بأن هذا النفي مقيد بالحياة الدنيوية ، لأن الإنسان فيها مفطور على الفناء ، فلذلك لم يكن أهلا لرؤية الباقي تعالى ، كما اعترض بأن الجواب لم يكن بصيغة تفيد أن الله لا يرى ، لأن الرؤية المنفية في صيغته أسندت إلى موسى عليه السلام فهي لا تفيد عموم النفي بخلاف ما لو كان الجواب لا أُرى.

قال الألوسي : "ومن المحققين من استند في دلالة الآية على إمكانها بغير ما تقدم أيضا ، وهو أنه تعالى أحال انتفاء الرؤية على عجز الرائي وضعفه عنها حيث قال له : (لن تراني) ولو كانت رؤيته تعالى غير جائزة لكان الجواب لست بمرئي ، ألا ترى لو قال : أرني أنظر إلى صورتك ومكانك ، لم يحسن في الجواب أن يقال : لن ترى صورتي ولا مكاني ، بل الحسن لست بذي صورة ولا مكان" . (1)

وعوَّل كثير من مثبتي الرؤية على إنكار تأبيد النفي بلن ، ومما أستقر في ذاكرتي من ذلك ما نقله السيوطي في شرحه لعقود الجمان عند قوله :



ثم للتأكيـد لـن

ونفي ما كان حصوله يظن

قيل وللتأبيد لكن تركـا

وخصه لا ابن خطيب زملكا

عن ابن الخطيب الزملكاني أنه فرق بين (لن) و (لا) النافيتين فقال بانقطاع النفي بأولاهما ودوام النفي بأخراهما أخذاً من أداء الحرفين في النطق لأن (لن) منقطعة في النطق و (لا) ممدودة ومثل لذلك بقوله تعالى في النفي بلن : (لن تراني) وبقوله سبحانه في النفي بلا : (لا تدركه الأبصار) بناءً على تفرقتهم بين الرؤية والإدراك كما تقدم ، وأخذ من ذلك أن نفي الرؤية منقطع لأنه ينتهي بانتهاء الدنيا بخلاف نفي الإدراك ، وأقوى ما عولوا عليه في نفي تأييد النفي بلن قوله تعالى في اليهود : (ولن يتمنوه أبدا) "البقرة 95" ، مع قوله سبحانه في أهل النار عموما : (ونادوا يا مالك ليقْض علينا ربك) "الزخرف 77" .

والجواب أن كون هذا النفي مقيداً بالحياة الدنيا دون الآخرة ، دعوى لم يقم عليها دليل ، فإن صفات الله لا تتبدل ، وكبرياءه لا تتحول ، وما سبق من الأدلة على أن رؤيته تعالى منافية لكبريائه كافٍ في دحض هذا الزعم.

وأما دعوى أن صيغة الجواب لا تفيد عموم النفي فهي مردودة بأن الجواب لم يكون إلا مطابقا للسؤال ، ومما تدركه العقول أن نفي حصول الرؤية لموسى عليه السلام قاض بنفي حصولها لغيره ، لأنها لو كانت ممكنة لكان أحق بها لما اختصه الله تعالى به من مزايا وآتاه من مواهب من بينها اصطفاؤه بالرسالة والتكليم ، فهو جواب واضح لا غبار عليه بخلاف لن ترى صورتي أو لن ترى مكاني فـي جواب أرني صورتك أو أرني مكانك ، لما يتضمنه من إثبات الصورة والمكان.

وأما التأبيد فهو يختلف بحسب اختلاف الأحوال وتفاوت مقامات الخطاب ، فبما أن اليهود شغفوا بالحياة الدنيا ، وأخلدوا إليها ، وكانوا مشفقين من الموت لما يعلمون وراءه من العذاب ، فضلا عن حرصهم على ما يقضونه من شهواتهم في هذه الحياة ، كان تأبيد عدم تمنيهم الموت محصورا في الحياة الدنيا ، وبما أن الله سبحانه وتعالى لا تجري على ذاته الأحوال ، ولا يجوز على صفاته التبدل والانتقال كان نفي الرؤية المنافية لكبريائه أزليا أبديا سواء نفي بلن أو بغيرها.

وأما تفرقه ابن الخطيب الزملكاني بين (لن) و (لا) النافيتين فهي لا تتعدى أن تكون تحكيما لذوقه ، واللغات لا تستفاد معانيها من الأذواق وإنما تحكم فيها النقول الثابتة عن ألسنة أصحابها التي هي منابع بيانها ، والشواهد الثابتة من ذلك تدل على خلاف ما قال ، وكفى بما جاء في القرآن الكريم من ترادف (لن) و (لا) على منفي واحد كقوله تعالى : (ولن يتمنوه) "البقره 95" ، مع قوله : (ولا يتمنونه) "الجمعة 7" ، وانتفاء إتيان المشركين بمثل سورة من القرآن وخلق آلهتهم للذباب بلن في قوله تعالى : (ولن تفعلوا) "البقرة 24" ، وقوله : (إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا) "الحج 73" ، مع أنه معلوم قطعا أن هذا النفي أبدى.

(3) قوله تعالى : (وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب) "الشورى 51" ، وقد استدلت به عائشة رضي الله تعالى عنها على امتناع الرؤية كما سبق ، ووجه الاستدلال أن الله عز وجل نفى أن يكون لبشر تكليم من الله إلا بما ذكره من الطرق ، وقد أكد هذا النفي بإدخاله على كان لتأكيد تعذّر وقوع المنفي ، ولا يتقيّد هذا النفي بزمن دون زمن كما سبق بيانه في قوله : (لا تدركه الأبصار) لأن ذلك هو اللائق بجلال الله ولو كانت رؤيته تعالى جائزة لكان تكليمه جائزا بغير هذه الطرق.

(4) ما جاء في آيات الكتاب من الإنكار البالغ والتقريع الشديد للذين سألوا الرؤية من اليهود والمشركين ، مع تحذير المسلمين من أن يقعوا فيما وقعوا فيه ، ومن ذلك قوله تعالى بـ : (يسألك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتابا من السماء فقد سألوا موسى أكبر من ذلك فقالوا أرنا الله جهرة فأخذتهم الصاعقة) "النساء 153" ، وقوله تعالى : (وقال الذين لا يرجون لقاءنا لولا أنزل علينا الملائكة أو نرى ربنا لقد استكبروا في أنفسهم وعتوا عتوا كبيرا) "الفرقان 21" ، ثم أتبع ذلك بيان حالهم عندما يرون الملائكة : (يوم يرون الملائكة لا بشرى يومئذ للمجرمين ويقولون حجرا محجورا) "الفرقان 22" ، وسكت عن رؤية الله تعالى لما في سؤالها من التعنت البالغ والكفر العظيم ، وقوله : (أم تريدون أن تسألوا رسولكم كما سئل موسى من قبل ومن يتبدل الكفر بالإيمان فقد ضل سواء السبيل) "البقرة 108" ، ووجه الاستدلال بذلك ما في هذا الإنكار من الدلالة الواضحة على أن الذين سألوها تخطوا جميع الحواجز ، واقتحموا كل السدود حتى داسوا حمىً محجوراً وحاولوا أمراً مستحيلاً ، ولذلك عوقت بنو إسرائيل بالصاعقة على هذا السؤال ، مع أنهم لم يعاقبوا بمثلها على جميع ما كانوا يأتونه من الفظائع ، حتى عبادتهم للعجل . فإن قيل إن الإنكار ليس هو على السؤال ذاته وإنما هو على التعنت . فجوابه نعم أنكر عليهم التعنت في كل شيء ، ولكنه جعل سؤال الرؤية أكبر من ذلك كله ، كما في قوله : (فقد سألوا موسى أكبر من ذلك) وكم تطاولت الأمم على أنبيائها متحدية لهم بطلب الآيات - كما هو ثابت بالتواتر - ولم تكن عقوبتهم على هذا الطلب كعقوبة بني إسرائيل على طلبهم الرؤية ، وحسبكم أن موسى سلام الله عليه صعق بمجرد سؤالها ، مع أنه لم يقصد به إلا صرفهم عن الباطل وإقناعهم بالحق ، وما كاد يفيق من صعقته حتى بادر إلى التنزيه والتوبة والاعتذار وإعلان عقيدة التنزيه التي كان منطويا عليها.

وبنو إسرائيل أنفسهم - مع تتابع عنتهم وإصرارهم على الشقاق والتحدي - لم يعاقبوا بمثل هذا العقاب الرهيب إلا على هذا السؤال ..

وأما من السنة فيما يلي :
(1) ما رواه الإمامان البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي موسى الأشعري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (جنتان من فضة آنيتهما وما فيهما ، وجنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما ، وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلا رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن) ، ووجه الاستدلال به صراحته في عدم رؤيتهم لله لحيلولة رداء الكبرياء بينهم وبين ذلك ، والكبرياء صفة ذاتية لله عز وجل لا يمكن أن يتخلى عنها كما لا يتخلى عن القدرة ، أو العلم ، أو الإرادة ، أو الحياة أو السمع ، أو البصر ، إذ لو تخلى عنها في أي لحظة لكان منقلبا عنها إلى ضدها وهو الصغار المنافي لربوبيته تعالى ، فمن ادَّعى مع هذا النفي رؤيته سبحانه لزمه سلب الكبرياء عن الذات العلية.

وإضافة الرداء إلى الكبرياء في الحديث من باب إضافة المشبه به إلى المشبه ، كذهب الأصيل ولجين الماء في قول الشاعر:



والريح تعبث بالغصون وقد جرى

ذهب الأصيل على لجين الماء

وفيها إشارة إلى تشبيه الكبرياء بالرداء بأسلوب التشبيه البليغ حسبما جاء في الحديث القدسي وهو قوله سبحانه "الكبرياء ردائي والعظمة إزاري" ، وما معناه إلا أنه تعالى مختص بهما كاختصاص أحدنا بردائه وإزاره ، فليس لأحد أن يتطاول فينازعه فيهما ، وقد صرح بذلك آخر الحديث وهو قوله : (فمن نازعني فيهما أدخلته النار ولا أبالي).

فإن قيل ما بالكم حملتم النظر في مقام النفي على الرؤية مع حملكم إياه في مقام الإثبات على الانتظار كما قلتم في آية القيامة وحديث صهيب ؟ . فالجواب أن حمله على الانتظار هناك لأن هذا المعنى هو الذي يتفق مع القرائن العقلية ، ويتساوق مع السياق في الآية والحديث ، ونحن لا نمنع أن يفسر النظر بالرؤية عندما تكون مرادة به ، فإنه من باب اللفظ المشترك الذي يصلح لأكثر من معنى ، وإنما القرائن هي التي تعين المراد ، والمقام هنا يقتضي تفسير النظر بالرؤية ، فإن الحديث يفيد أن الأولياء وصلوا في دار كرامة الله من تكريمه إياهم وتقريبه لهم ، ورفعه لدرجاتهم إلى حيث لم يبق شيء مما ألف من أنواع التكريم إلا وقد نالوه ، ماعدا الرؤية فإنهم لم يمنعوا منها حرمانا ، ولكن لكونها منافية لصفة الكبرياء الخاصة بجلال الله ، وبهذا يمكن الجمع بين نصوص النفي والإثبات ، والوجه هنا بمعنى الذات عند المحققين حتى من مثبتي الرؤية.

وقد أشكل الحديث على معتقدي الرؤية فتكلفوا من أجل الدفاع عن معتقدهم تأويله بما تأباه سلامة الفطرة وينكره الذوق غير المؤف ، كقول الحافظ ابن حجر في توجيه جواب الكرماني عن هذا الإشكال "إن في الكلام حذفا تقديره بعد قوله إلا رداء الكبرياء .. فإنه يمن عليهم برفعه فيحصل لهم الفوز بالنظر إليه".(1)

ولعمر الحق إن اتباع مثل هذه التأويلات البعيدة يفضي إلى عدم الاستقرار على معنى نص من النصوص لاحتمال تقدير ما يحور نفيه إلى الإثبات وإثباته إلى النفي.

وقد أجاد السيد العلامة صاحب المنار ، حيث قال بعد أن نقل هذا التأويل : "وفيه من التكلف ما لا ينبغي لحفاظ السنة الاعتداد به ، وهم ينكرون على الجهمية والمعتزلة مثله ، وما هو أمثل منه من تأويلاتهم". (2)

وحمل الحافظ الرداء في هذا الحديث على الحجاب المذكور في حديث صهيب المتقدم ، وبعد أخذ ورد قال : "ومقتضى حديث الباب أن مقتضى عزة الله واستغنائه أن لا يراه أحد لكن رحمته للمؤمنين اقتضت أن يريهم وجهه كمالاً للنعمة ، فإذا زال المانع فعل معهم خلاف مقتضى الكبرياء ، فكأنه رفع عنهم حجابا كان يمنعهم".(3) وقد نقل كلامه هذا صاحب المنار ، ولم يتعقبه بشيء ، مع أنه لا يقل تكلفاً عما قبله ، فإن الحديث لا يفيد أن امتناع الرؤية عن الله لشيء في نفوس عباده كالهيبة التي تخشع لها أبصارهم وتوجل منها قلوبهم ، وإنما يفيد أن امتناعها لأمر خاص بالذات الإلهية ، وهو اتصافه تعالى بالكبرياء وصفات الله تعالى لا تتناقض ، ولا تناقضها أفعاله ، فقول الحافظ : ( فعل معهم خلاف مقتضى الكبرياء ) قول تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ، فحاشى لله سبحانه أن يفعل ما لا تقتضيه صفاته الذاتية ، كيف وهي أجل المحامد المقتضية لأعظم المدائح ، وقد مر بكم من القول في حديث صهيب ما يُغني عن إعادته هنا .

( 2 ) ما أخرجه مسلم عن أبي موسى الأشعري قال : قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمس كلمات فقال :
أ ـ إن الله عز وجل لا ينام ولا ينبغي له أن ينام .
ب ـ يخفض القسط ويرفعه .
ج ـ يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار وعمل النهار قبل عمل الليل .
د ـ حجابه النور - وفي رواية النار -
هـ ـ لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه .

ووجه الاستدلال به على امتناع الرؤية ما يقتضيه من تعذر أن ينتهي إليه سبحانه بصر أحد من العباد ، والحديث ما أراد به صلوات الله وسلامه عليه إلا تمثيل تعذر وصول عقول البشر إلى كنه الحقيقة الذاتية المقدسة ، أو امتداد أبصارهم إليها ، فإن الرؤية وسيلة من وسائل الاكتناه عادة ، وقد فات هذا المعنى صاحب المنار - مع غزارة علمه وثاقب فهمه - ففسَّر الحديث تفسيراً ماديا لا يليق بتنزيه الحق تعالى . وخلاصة قوله : أنه بما ثبت أخيراً من أن الكهرباء التي رأى البشر كثيراً من عجائبها هي الأصل في تكوين مادة الكون كله وأطوارها ، وهي نور أو مصدر النور ، والحركة التي يحدثها النور أو تحدثه ، وإذا كان الخالق البارئ المنزه عن نقص المخلوقات التي لا يكمل شيء منها إلا به قد حجب عنها بالنور فلك أن تفهم أن الكهرباء وما جعلها الله أصلا له من تكوين العالم المادي هي الحجاب المانع من رؤية الرب تعالى فيه ، وأن انكشاف هذا الحجاب لا يكون إلا في الجنة ، وأن انكشافه هو الذي يوصل أهلها إلى أعلى وأكمل درجات المعرفة به تعالى ، وهي الرؤية بغير كيف ولا إدراك. (1)

وهذا التفسير وإن قال صاحبه إنه المتفق مع طريقة السلف ودلائل العلم الحديث فإنه مدفوع بأمرين:

-أولهما :أنه يقتضي أن الذات العلية مكتنفة بمخلوقاته تعالى،فإن الكهرباء من جنس مخلوقاته الخفية وهي موجودة في هذا العالم الأرضي مع أن طائفة من مثبتي الرؤية - ومن بينهم صاحب المنار حسب المعتقد الذي صار إليه يحصرون ذات الحق تعالى في الجهة العلوية ويثبتون ، استقراره على العرش.

-ثانيهما :أن كون الكهرباء منشأ للكون ليس حقيقة ثابتة،وإنما هي نظرية، والنظريات لا تبنى إلا على التخمين والحدس،فلا يجوز أن تفسر بها النصوص الثابتة، وكفى بما في ذلك من خطورة تعريض النصوص للتحول مع تحول هذه النظريات وتناسخها.

والقول الفصلأن الحديث الشريف ما هو إلا كناية عن عدم إمكان وصول المخلوق إلى حقيقة ذات الخالق بحاسة ولا فكر ، وأمثال هذه الكنايات معروفة في كلام الرسول صلى الله عليه وسلم ، بل وفي كلام الله تعالى ، ففي الحديث القدسي (فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ، ورجله التي يمشي بها) فلو تقيدنا بقيود الظواهر وانحبسنا في مضيق الألفاظ من غير أن نسرح أبصارنا وأفكارنا في رحاب المقاصد وأبعاد الغايات ، لزمنا أن نثبت أن الله سبحانه هو نفس سمع العابد المتنفل المحبوب إلى الله ، ونفس بصره ويده ورجله ، وهذا ما تأباه عقيدة كل من يؤمن بالله ، وإذا أدركت ذلك علمت أن النور أو النار في حديث أبي موسى ليسا حسيين ، وإنما هما كناية عما يتجلى للعارفين به تعالى من صفات جلاله وعظمته التي تجعلهم مبهورين بجمال الجلال ، وتجلي الكمال ، وما يعترض السالكين إليه من مخاطر الانحراف والضلال والعياذ بالله ، ولو جاز مثل هذا التفسير الذي انتهجه صاحب المنار لساغ للقائلين بوحدة الوجود أن يفسروا قوله تعالى : (الله نور السماوات والأرض) "النور 35" ، بأن المراد به أن ذاته تعالى هي ما يترآى لنا من أنوار في العالم العلوي أو السفلي كالشمس والقمر وسائر الأجرام الفلكية ، فيجعلوا من الآية سندا لضلالهم وحجة لكفرهم ، تعالى الله عما يقول الأفاكون علوا كبيرا.

(3) ما أخرجه مسلم عن أبي ذر رضي الله عنه أنه عليه أفضل الصلاة والسلام قال عندما سئل عن رؤيته لربه : (نور أنَّى أراه) . ووجه الاستدلال به أن النبي صلى الله عليه وسلم استبعد فيه حصول الرؤية بقوله : (أنَّى أراه) فإن أنَّى بمعنى كيف ، وهو شاهد على استحالة رؤيته تعالى.








خاتمة
في نتيجة البحث


بعد هذا العرض لموضوع رؤية الله تعالى في الدنيا والآخرة ، واستعراض أدلة النافين والمثبتين ، وما يتوجه إليها من اعتراض ، وما يعقبه من جواب ، لا أظنك أيها القارئ الكريم تشك في أن نفاتها لم يأخذوا إلا بالأقوى والأسلم والأحزم،فإن ذلك واضح بوضوح حججهم ، وسلامة قولهم من التأثر بالذين سألوا الرؤية من اليهود والمشركين ، وناهيك أن ذلك أسعد بمقتضى القاعدة الأصيلة في صفات الله تعالى ، وهي عدم مشابهته لمخلوقاته ( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ) وإن كنت لم تقتنع بما ذكرته ، فلا أقل من تقتنع بأن أصحاب هذا القول متمسكون بأصل من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، فلا وجه لتكفيرهم أو تضليلهم وقطع الحبال الواصلة بينهم وبين الأمة الإسلامية ،وقبل أن أغادر هذا الموضوع أود أن أضع بين يديك أمرين اثنين لعلهما يحظيان بتفكيرك وتأملك
ـ أولهما :
أنك تجد في كتاب الله ما وعد به المؤمنين في الدار الآخرة من النعيم مذكوراً بأصرح العبارات ، ومكرراً في مواضع شتى لأجل التشويق إليه ، بينما لا تجد للرؤية ذكراً إلا ما يتأوله مثبتوها من لفظ الزيادة وأمثالها ، وهو لم يذكر إلا مجملاً ، فهل ترى من المعقول - أن لو كانت الرؤية ثابتة وهي أجلّ من كلِّ نعيم الجنة - أن يكتفى بمثل هذه الإشارة الطفيفة إليها بينما تذكر المآكل والمشارب ، والمساكن والمناكح ، والحدائق والأنهار ، وسائر المباهج والملذات الفينة بعد الفينة بعبارات واضحة لا تحتمل التأويل ؟
- ثانيهما :
ما ذكره الله في كتابه من قصة عبده وخليله إبراهيم عليه السلام ، وهو يقيم الحجة على قومه الذين كانوا يعبدون الأجرام السماوية ، بما ينتزعه من الأدلة على بطلان ألوهيتها من واقع حالها ، إذ كانت تتحول من حال إلى حال تظهر تارة وتختفي أخرى ، ومن المعلوم أنها لم تكن باختفائها تنعدم أصلاً وإنما يواريها الأفق عن الأبصار ، أليس في هذا شاهد بأن من يظهر للأبصار ثم يختفي عنها لا يمكن أن يكون حقيقاً بالربوبية والألوهية لأن الحقيق بهما لا تجري عليه الأحوال ، فلا ينتقل من حال إلى حال ؟ فكيف لنا أن نثبت بعد ذلك لله هذه الصفة التي أنكرها إبراهيم عليه السلام في النيرات المؤلهة محتجاً بها على قومه ، فنزعم أنه ينكشف لأهل الجنة فيرونه ، ثم يحتجب عنهم إلى أن يحين ميقات رؤيته مرة أخرى ؟

لا أظنك أخي القارئ إذا تأملت هذين الأمرين ، مع ما سبق تحريره في هذا البحث ، تشك في استحالة رؤيته تعالى وسلامة معتقد منكريها ، ولا أريد أن أطيل عليك فوق هذا ، فإن اللبيب يستجلي الحقائق من ومضاتها ( ومن لم ينفعه قليل الحكمة ضره كثيرها ) ..









المبحث الثاني
في خلق القـــــرآن
ويشتمل على مقدمة وأربعة فصول وخاتمة

أعلىالصفحة

المقدمة

في التعريف بالخلق وبالقرآن
والتفرقة بين القرآن وسائر الكتب المنزلة وبين الكلام النفسي

الخلق هو الإبداع على غير سبق مثال ، وفي اصطلاح أصحاب الديانات هو إخراج الشيء من العدم إلى الوجود ، وبهذا المفهوم هو فعل من أفعال الله تعالى الخاصة به التي لا يجوز أن تصدر عن غيره ، وما ورد في القرآن الكريم من نحو ( وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير ) المائدة: 110 ، فهو حكاية لقصة طرأت قبل تخصيص العرف الشرعي معنى الخالقية بالله عز وجل .

والقرآن هو الكلام المنزل بحروفه وكلماته على النبي محمد صلى الله عليه وسلم المعجز بتراكيبه ومعانيه المنقول عنه بالتواتر القطعي .

فالكلام جنس وما عداه فصل مخرج لغير المقصود ، فخرج ( بالمنزل ) كلام البشر المعتاد منثوراً كان أو منظوماً ، فإن الله يخلقه في أدمغتهم ويجريه على ألسنتهم ، وخرج بقيد ( بحروفه وكلماته ) ما كان من الأحاديث النبوية فإن صوغه من الحروف والكلمات راجع إلى الأنبياء الناطقين بتلك الأحاديث ، إذ لم تنزل عليهم ألفاظها وإنما أُنزلت عليهم معانيها ، وخرج بقيد تنزيله على النبي محمد صلى الله عليه وسلم سائر الكتب السماوية التي أُنزلت على غيره من النبيين ، كصحف إبراهيم وصحف موسى والتوراة والإنجيل والزبور ، وخرج بقيد الإعجاز الأحاديث القدسية الربانية على فرض نقلها بالتواتر فإنها لم تنزل للإعجاز كالقرآن ، وخرج بقيد النقل التواتري القراءات الشاذة فإنها لا تعطى أحكام القرآن .

وأما الفرق بين الكلام النفسي وبين القرآن وسائر الكتب المنزلة فهو أن الكلام النفسي صفة ذاتية لله تعالى يثبت بها كماله عز وجل ، وينفي بها عنه النقص ، ذلك لأن إثبات الكلام نفي لضده وهو الخرس ، كما أن إثبات العلم نفي للجهل وإثبات القدرة نفي للعجز ، وإثبات السمع نفي للصمم ، وإثبات البصر نفي للعمى ، وإثبات الحياة نفي للموت .

وذهبت المعتزلة إلى عدم الضرورة إلى إثبات صفة أزلية لله تسمى كلاماً اكتفاء منهم في نفي الخرس عنه سبحانه بصفة القدرة ، ولعل بعض أصحابنا يرون هذا الرأي ، وأصحابنا الذين أثبتوا الكلام النفسي اتفقوا مع الأشعرية في كونه يختلف عن سائر الكلام فهو ليس حروفاً ولا أصواتاً ، ولا جملاً ولا كلمات تقوم بذاته عز وجل ، إذ ليس المراد به إلا انتفاء صفة الخرس عنه سبحانه .

والمعتزلة الذين اكتفوا بإثبات صفة القدرة له تعالى عن إثبات الكلام الأزلي راعوا أن الصفات الذاتية لا يراد بها إلا نفي أضدادها ، وليس الكلام ضداًّ للخرس حتى ينتفي الخرس بإثباته ، وإنما ضده السكوت فقد يكون غير المتكلم غير أخرس ولا يكون غير ساكت .

وقد أجاد الإمام ابن أبي نبهان رحمهما الله في تقرير معنى الكلام العاري عن الأصوات والحروف بما تستسيغه الأفهام وتستمرئه الأفكار ، حيث قال ما حاصله : إذا أردت أن تدرك حقيقة هذا الكلام فانظر إلى سلطان جوارحك وحاكم جسدك ، وهو الجهاز العصبي الذي هو مركز العقل والتدبير - تجده يأمر وينهي في مملكته - وهي سائر جسدك - بكلام تؤديه الوسائط التي جعلها الله بينه وبين أعضاء الجسم وغُدده وخلاياه . ولا تكاد حجيرة في الجسم يصل إليها شيء من الأوامر والنواهي إلا وتبادر فوراً إلى الامتثال ، وذلك لما أودع الله في هذا السلطان من قوة غيبية وسرٍّ خفي ، فإذا كانت هذه الآية تتجلى في مخلوقات الله سبحانه فما بالك بالخلاق العليم الذي لا ينفلت شيء في الكون من قبضته ، ولا تخرج صغيرة ولا كبيرة عن قهره وتدبيره ، وذلك هو المراد بقوله سبحانه : (إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون) "النحل 40" (1)

وإطلاق الكلام على مثله مما لم يكن مسموعا ولا مقروءا معهود عند العرب ، ومنه قول الأخطل



لا يعجبنك من خطيب خطبة

حتى يكون مع الكلام أصيلا

إن الكلام لفي الفؤاد وإنمـا

جعل اللسان على الفؤاد دليلا

وأما الكتب المنزلة فهي كلام منتظم من الحروف الهجائية ، مقروء بالألسن ، مكتوب في الألواح ، محفوظ في الصدور ، مسموع بالآذان ، أوحاه الله بواسطة الملك إلى من اصطفاه من عباده ، ويتميز عن سائر الكلام بكونه لم ينشأ عن ملكات البشر ، وإن كان متألفاً من نفس الحروف التي يتألف منها كلامهم ، ومتركباً من نفس الكلمات التي يتناولونها في خطابهم ، لكل جزء منه بداية ونهاية ، وقد أودع الله فيهم القدرة على تلاوته وسماعه وكتابته وحفظه ، غير أنه لا يجوز مع ذلك كله أن يضاف إليهم أو إلى أحد منهم ، لأن الله وحده أخرجه بقدرته من العدم إلى الوجود ، ثم أنزله بعلمه من اللوح المحفوظ إلى قلوب أنبيائه وأذهان الذين أكرمهم بحفظه من عباده.

وقد اختص الله بعضه - وهو القرآن - بما نفخ فيه من روح غيبية ، فحارت فيه الألباب ، بما تجلى لها فيه من سر ربوبيته تعالى ، كما هو شأن الله تعالى في خلقه الإنسان من تراب ، وجعل صحته تحار منها الألباب ، بما أودعه الله من ملكات حسية ومعنوية ترجع إلى هذا السر الغيبي وهو نفخ الله فيه من روحه.

وقد أجاد الإمام ابن أبي نبهان -رحمهما الله- ببيانه وجه إضافة هذا الكلام إليه تعالى ، حيث قال ما معناه : "أرأيتم لو أن الله تعالى أراد أن يخاطب عباده بأبلغ الكلام وأصدقه ، من غير هذا الذي أنزله عليهم ، أليس بقادر على أن يخلقه مكتوبا بقلم قدرته في اللوح المحفوظ ، ويأمر أحد ملائكته في السماء أن ينزل به على قلب أحد عباده في الأرض ، ليبلغه إلى الناس ويأمرهم بتلاوته وكتابته والعمل بمحتواه ، لا ريب أن كل من آمن بالله لا يشك في قدرته على ذلك ، وإذ تبين لكم إمكان هذا ، أرأيتم إلى من يضاف هذا الكلام ؟ أيقال هو كلام الناس الذين يتلونه أم كلام الرسول الذي بلغه إليهم أم كلام الملك الذي نزل به ، أم كلام اللوح الذي سطر فيه ، أم كلام القلم الذي كتبه ، أم كلام الخالق العظيم الذي أخرجه من العدم إلى الوجود ؟ إنه لمما يتبادر لكل عاقل أنه لا يجوز أن يضاف حقيقة إلا إليه تعالى" (2) وجاء شيخ الإسلام المحقق الخليلي رحمه الله تعالى بنحو هذا البيان ، وقال في آخره : وأما نسبته إلى الله تعالى مع كونه متلوًّا لنا من نطق ألسنتنا ، بأصوات وألحان ونغمات ، بأحرف وكلمات من ألفاظنا ، فالأصل فيه أن كل قول ينسب إلى من قاله لا إلى من قرأه ولحن به ، وبيانه لو أن أحدا قال في معلقة امرئ القيس أو قصائد أبي تمام أو البحتري أو غيرهم إنها من كلامه ، ونسبها إلى نفسه إذ قرأها ، لكان ذلك منه خطاً فاحشا . أو كما تجد الآثار المنسوبة إلى أهل العلم فتنسبها لقائلها منهم ، ولو لم تسمع نطقه بها ، ويحتمل في كاتبها أنه لم يلفظ بها أصلا ، أو كما يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لرجل : (أنشدني أبياتك التي قلتها البارحة ولم ينطق بها لسانك ولا سمعتها أذناك) فقال الرجل : أنا أشهد أنك رسول الله ، ولقد قلتها ولم ينطق بها لساني ولا سمعتها أذناي ثم أنشده إياها ، فالقرآن على أي وجه كان قد أنشأه الله إنشاءاً تحدىّ به البلغاء وأعجز به المصاقع الخطباء فلا ينسب إلا إليه" . (1)

ونحن عندما نتحدث عن خلق القرآن ، فإنما نتحدث عن هذا القرآن المتلو بالألسن المكتوب في المصاحف السابق تعريفه ، ولسنا نتحدث عن الكلام النفسي ، إذا لم يقم شاهد من الكتاب نفسه ولا من السنة على تسميته قرآنا ، وإنما اصطلحت الأشاعرة على تسميته بذلك ، ولا مشاحة في الاصطلاح ، غير أنهم لم يستندوا في اصطلاحهم هذا على شيء ثابت سماعه ، فلذلك لم نعول عليه ، ونحن نثبت لله صفة الكلام كما قال الإمام ضياء الدين عبد العزيز الثميني رحمه الله في معالمه : "اعلم أن الكلام يضاف تارة إلى الله تعالى على معنى نفي الخرس فيكون صفة ذات على ما أمر في الصفات ، وتارة يضاف إليه على معنى أنه فعل له ، فيكون فعلاً من أفعاله سبحانه ، فمعنى كونه متكلما على الأول أنه ليس بأخرس ، وعلى الثاني أنه خالق الكلام " . (2)

ومما يجب أن يستقر في الأذهان عند الحديث عن خلق القرآن ، أنه لا يقصد بالقرآن علم الله بما أنزله من كتبه على رسله ، فإنه لا يماري أحد في قِدم علمه تعالى بهذه الكتب ، إلا الذين قالوا بحدوث صفاته سبحانه ، ولا يعبأ بهم ، غير أن قِدم العلم لا يقتضي قِدم المعلوم ، فالله سبحانه عليم بكلام البشر علما أزليا ، كما أنه عليم بكلامه ، وعليم بكل مخلوقاته ، فهو عليم بما كان وما يكون وما لم يكن أن لو كان كيف يكون ، ولكن لا يستلزم ذلك قِدم شيء من هذه المعلومات بحال ، ولذلك قال بعض السلف القرآن حادث ، وعلم الله به قديم ، وفي هذا يقول المحقق الخليلي رحمه الله : "وقد كان علم الله الذي هو من صفات ذاته ولا توراة معه ولا إنجيل ، ولا زبور ولا صحف ولا قرآن ، وهو الآن على ما هو عليه كان ، لأن الصفات الذاتية لا يجوز عليها التكثر ولا التبديل ، ولا التغير أصلا ، وإنما تختلف آثارها ومدلولاتها وتكثر أو تقل بحسب التجدد والحدوث معلوماتها ، والآثار كلها مخلوقة ، قال الله تعالى بـ (فانظر إلى آثار رحمة الله كيف يحيى الأرض بعد موتها) "الروم 50" . (3)

فالكتب المنزلة إنما هي في الحقيقة مدلولات علمه الذي هو من صفات ذاته سبحانه وتعالى ، لا هي نفس صفة العلم الذي هو صفة لذاته القديمة وإلا لكان التوراة والإنجيل والزبور وصحف إبراهيم وموسى والقرآن وجميع الوحي كله قديما موجودا في الأزل مع الله تعالى بهذه الألفاظ المخلوقة المحدثة على كثرتها ، فيكون كثير من المخلوقات قديما موجودا في الأزل مع الله القديم الأزلي ، وهذا باطل إذ لا قديم سواه ، وكل شيء غيره حادث ولا يمكن أن يكون القرآن مثلا قديما معه بلا وجدان صورته مكتوبا أو متلواً بألفاظه وكلماته ، لأنه من القول بوجدان حقيقة لم توجد ، وهو محال ، فعلم ضرورة أن القديم الذاتي علمه بالقرآن والتوراة والإنجيل ، كما أن علمه بغيرهن من الكائنات قديم أيضا ، لأنه صفة ذاتية للقديم الأزلي الواجب الوجود سبحانه وتعالى ، وهذا ما لا يجوز الاختلاف فيه أبدا" (4)

ومما تقدم يتضح للقارئ الكريم الفرق بين الكلام النفسي والكلام الموحى به إلى العباد ، كما يتضح الفرق بين الوحي وعلم الله به ، ويتضح كذلك وجه إضافة هذا الكلام الموحى إلى الله تعالى وحده ، وعدم جواز إضافته ، إلى غيره تعالى ، اللهم إلا أن يكون ذلك تجوزا كما أضافه سبحانه إلى جبريل في قوله : (إنه لقول رسول كريم) "الحاقة 40 ، التكوير 19) .









الفصل الأول

في اختلاف الأمة في
قِدَمِ الكلامِ أو حدوثه



من القضايا التي شغلت بال الأمة وأحدثت بينها شقاقاً كبيرا ، ووزعت طوائفها عزين ، قضية كلام الله تعالى المنزل ، هل هو حادث أو قديم ؟ وقد جرَّهم هذا الخلاف إلى الحديث عن الكلام النفسي والخوض فيه ، والتنازع بين إثباته ونفيه ، ولست أريد في هذه العجالة أن أحشر أقوال المختلفين ، وأسرد ما لكل قول أو عليه من حجة وبرهان ، اللهم إلا ما يضطرني إليه التمهيد لشرح ما نقمه الناقمون على الإباضية من القول بخلق القرآن المنزل على سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام.

وقد مر بك أيها القارئ الكريم في مقدمة هذا المبحث ، أن من طوائف هذه الأمة من ينكر الكلام النفسي رأسا - وهم المعتزلة - اكتفاءً في نفي الخرس عن الله بإثبات صفة القدرة ، كما مر بك أن أصحابنا و الأشعرية وجمهور الأمة متفقون على إثباته ، ولعلك استوضحت تفرقة أصحابنا بينه وبين القرآن وسائر الكتب المنزلة ، مما نقلته عن صاحب المعالم وعن الإمام ابن أبي نبهان ، كما أرجو أن تكون قد استوضحت الفرق بينه وبين علم الله به ، مما نقلته لك عن المحقق الخليلي.

هذا وقد التبست هذه الفروق على كثير من الناس ، فأدى بهم ذلك إلى النزاع والشقاق في القرآن ، هل هو مخلوق أو غير مخلوق ؟ وقد أشعل نار هذه الفتنة بعض الدخلاء في الأمة الذين تقمَّصوا الإسلام لحاجات في نفوسهم أرادوا قضاءها ، أهمها إذكاء نار الفتنة بين طوائف الأمة ، وتقسيمها إلى شيع وأحزاب (كل حزب بما لديهم فرحون) ولعل على رأس هؤلاء أبا شاكر الديصاني الذي قيل عنه إنه يهودي تظاهر بالإسلام كما كان من سلفه بولس اليهودي الذي مزق أتباع المسيح عليه السلام بما أججه بينهم من نار الخلاف.

وكان الرعيل الأول من السلف الصالح مضى إلى ربه قبل أن تسمع آذانهم طنينا من القول في هذا الموضوع ، وإنما كانوا مجمعين على أن الله خالق كل شيء وأن ما سواه مخلوق ، وأن القرآن - كسائر الكتب المنزلة - كلام الله ووحيه وتنزيله ، وهذا الذي اتفقت عليه كلمة علماء المسلمين بعمان في عهد الإمام المهنا بن جيفر ، بعدما غشيتهم موجة من الخلاف في هذه القضية بعد أن طمي عبابه وهاجت عواصفه بمدينة البصرة الحافلة بمختلف التيارات الفكرية آنذاك وكانت للعُمانيين صلة وثيقة بها بحكم العلاقات الثقافية والاقتصادية التي تربطهم بها ، وليتهم وقفوا عند هذا الحد ، بل ليت المسلمين جميعاً اكتفوا بهذا القدر من الاعتقاد والقول في هذا الموضوع ، ولكن استحكمت في القضية أهواء وحكمت فيها العواطف الهوجاء ، التي أشعلت سعير هذه الفتنة الذي اصطلى المسلمون أواره.

ومرد ذلك كله إلى الغلو ، فإن من شأن المغالاة أن تدعوا إلى ضدها ، وكانت بداية ذلك منابذة أهل الحديث ومن سار في ركبهم لأصحاب المدرسة العقلية من المعتزلة وغيرهم ، واستعداء السلطات عليهم ، وتأليب الناس ضدهم ، وعندما دالت الدولة للمعتزلة في أواخر أيام المأمون ثم المعتصم انتهزوا فرصتهم للتشفي والانتقام من أهل الحديث ، فأسرفوا في التقتيل والتعذيب ، فامتلأت الصدور بالأحقاد ، وأخذت القضية مجرى عاطفيا في البحث ، وأخذ كل فريق يندد بالفريق الآخر ويكيل له التهم ، ويرميه بالبدعة والانحراف.

وبما أن أصحابنا أهل الاستقامة لم يشتركوا في شيء من تلك الفتن ، ولم يلتبسوا بهاتيك الإحن ، لم يقعوا تحت تأثير العواطف ، فكان بحثهم في القضية موضوعيا صرفا لأنهم انطلقوا فيه من قاعدة الحجة والدليل لا من واقع السخائم والأحقاد.

أما أهل المغرب منهم فلبعدهم عن تلك الأحداث لم يترددوا في إعلان القول الصحيح من أول الأمر ، إظهاراً للحق ، واستنادا إلى الحجة ، وأما أهل المشرق فقد حاول إمامهم الأكبر محمد بن محبوب رحمه الله أن يعلن ما أعلنه إخوانه أئمة وأعلام الجناح المغربي غير أن محمد بن هاشم اشتدت معارضته له في ذلك فانثنى عنه واتفقت كلمتهم على ما ذكرته سابقا عندما اجتمعوا في مدينة دما (السيب حاليا) وهو الاكتفاء بما كان عليه سلف الأمة ، وقصر القول عن التصريح بخلق القرآن أو عدمه.

ولا أراهم وقفوا هذا الموقف الصامت إلا سدا للذريعة وتجنبا لمشايعة الظالمين ، فإنهم رحمهم الله من أرسخ مبادئهم وأبرز سماتهم مناهضة الظلم ومصارعة الظالمين ، من غير التفات إلى من صدر منه الظلم أو من وقع عليه ، وكانت الأنباء تترادف إليهم بما يتعرض له أبناء الأمة - من أبشع الظلم وأشنع القسوة - في العاصمة العباسية التي كانوا على مقربة منها ، فكانوا كأنما يحسون بأنينهم وسياط الظالمين تلذع ظهورهم وبشهيقهم وصوارمهم ، تفصل رؤوسهم عن أجسادهم ، فلم يكن لهم - وهم دائماً ثائرون على الظلم ، منابذون للظالمين ، وقد رقق الإيمان قلوبهم وطهر مشاعرهم من الأحقاد - إلا أن يقفوا هذا الموقف لئلا تجد السلطة الظالمة من قولهم ما يبرر صنيعها ، وقد جعلت من الدين جسرا تعبر به إلى ما تهواه من سفك الدماء وإزهاق الأرواح وتعذيب الأجساد ، فلله تلك الأنظار الثاقبة ، والبصائر النيرة ، والسرائر النقية. (1)

وقد خفي هذا البعد في التفكير عن أبصار الذين جاءوا من بعد هؤلاء ، فحسبوا أن امتناعهم عن التصريح بخلق القرآن لأجل قدمه ، فصرحوا بخلافه وتحاملوا على من قال بخلقه ، وأدى بهم ذلك إلى تناقض عجيب ، يظهر لك عندما تقرأ ما كتب في هذا الموضوع في تلك الحقبة من الزمن ، كالجزء الأول من بيان الشرع ، والجزء الأول من الكشف والبيان ، وديوان الإمام ابن النضر .

وكثيراً ما تلمس فيما كتبوه أثر ما كان عقب تلك المحنة من ردة فعل عنيفة تبلورت فيما كتبه الكاتبون عنها ، وإظهارهم للمنكوبين فيها بأنهم أبطال الأمة وشهداء عقيدتها الحقة ، الذين حموها بدمائهم وصانوها بتضحياتهم ، وقد انعكس أثر هذا المنطق العاطفي الجياش على كل ما دونه المؤيدون لهم في تلك الوقفة التي وقفوها . سواء كان هؤلاء المؤيدون من مشارقة الإباضية أو من الأشعرية أو من غيرهم ، وقد استمرت هذه الفكرة في الوسط الإباضي المشرقي حتى برز من علماء عمان المتأخرين من فتحوا بتحريرهم أقفال الأشكال ، وأزاحوا ببيانهم أستار الشبه فإذا بالموقف المشرقي الإباضي يلتحم مع الموقف المغربي ويتحد .

وقد استقريت أسباب اللبس في هذه المسألة ، حتى أشتد نكير طائفة من المسلمين على من قال بخلق القرآن فوجدته يعود إلى أمرين اثنين :
- أولهما : التباس القرآن المنزل في أفهامهم بالكلام النفسي الذي يراد به نفي الخرس .
- ثانيهما : التباسه بعلم الله سبحانه وتعالى به ، مع أن صفتي الكلام والعلم قديمتان.

وما مر بك في المقدمة من التفرقة بين الكلام المنزل والكلام النفسي ، وبينه وبين علم الله سبحانه كاف في رفع هذا اللبس وتبديد هذه الشبهة ، وأضيف إلى ذلك أن التكلم لغة وعرفا لا يكون إلا بمعنى إحداث الكلام ، فإذا قلت تكلم محمد لم يفد قولك هذا إلا أنه أحدث كلاما في زمن مضى ، وإذا قلت يتكلم فلا يدل إلا على إحداثه الكلام في الزمن الحاضر أو المستقبل لأن المضارع صالح لهما ، وإذا قلت : تكلم يا فلان لم يدل إلا على طلب المخاطب بإحداث الكلام .

ولا يعني قولك هذا بأي صيغة من صيغه الثلاث الإخبار عن كون الكلام صفة قائمة بذات المتكلم أو المطلوب منه التكلم ، وإلا فما معنى قولك لغيرك تكلم إن كان الكلام المطلوب قائما به ، وهل هذا إلا تحصيل حاصل ؟ وهذا لا ينافي استحضاره للكلام قبل أن يتكلم به ، لأن مفهوم الكلام النفسي يختلف عن مفهوم الكلام اللفظي ، وبجانب ذلك فإن من الواضح بداهة أنك إن أخبرت عن أحد بأنه تكلم يوم الجمعة أو سيتكلم يوم السبت ، لم يفد ذلك لغة ولا عرفا أنه كان متكلما بذلك الكلام الذي تكلم به أو سيتكلم به قبل ذلك التوقيت ، وقد خاطب الله عباده بلغتهم التي يعرفونها ومفاهيمهم التي يألفونها ، فإذا أخبرهم أنه كلم أحداً من خلقه في وقت ما ، لم يفد إخباره هذا إلا أنه أحدث التكليم في ذلك الوقت ، فلا وجه لجعل ذلك الخطاب الذي سمعه المكلم أو قرأه صفة أزلية قائمة بذات الله تعالى ، نعم هو معلوم لله سبحانه منذ الأزل كعلمه بكلام خلقه حروفه وكلماته ، جُمَلِهِ ومفرداته ، ألفاظه ومعانيه ، مخارجه ومقاطعه ، أصواته وصفاته .

وأما قول ابن القيم "وقد دل القرآن وصريح السنة ، والمعقول وكلام السلف على أن الله سبحانه يتكلم بمشيئته ، كما دل على أن كلامه صفة قائمة بذاته وهي صفة ذات وفعل" . قال تعالى : (إنما قولنا لشيءٍ إذا أردناه أن نقول له كن فيكون) "النحل 40" ، وقوله : (إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون) "يس 82" ، فإذا تخلص الفعل للاستقبال ، وأن كذلك ، و (نقول) فعل دال على الحال والاستقبال ، و(كن) حرفان يسبق أحدهما الآخر ، فالذي اقتضته هذه الآية هو الذي في صريح العقول والفطر ، وكذلك قوله : (وإذا أردنا أن نهلك قريةً .. الآية) "الإسراء 16" ، سواء كان الأمر هاهنا أمر تكوين أو أمر تشريع فهو موجود بعد أن لم يكن ، وكذلك قوله : (ولقد خلقناكم ثم صوَّرناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم) "الأعراف 11" ، وإنما قال لهم (اسجدوا) بعد خلق آدم وتصويره ، وكذلك قوله تعالى : (ولما جاء موسى لميقاتنا وكلَّمه ربه قال رب أرني أنظر إليك قال لن تراني .. الآيات) "الأعراف 143/147" ، فكم من برهان يدل على أن التكلم هو الخطاب وقع في ذلك الوقت ، وكذلك قوله : (فلما أتاها نودي من شاطئ الواد الأيمن) "القصص 30" ، والذي ناداه هو الذي قال له : (إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني) "طه 14" ، وكذلك قوله : ( ويوم يناديهم فيقول ) القصص 62/65/74، وقوله : (ويوم يحشرهم جميعا ثم يقول للملائكة أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون) "سبأ 40" ، وقوله : (يوم نقول لجهنم .. الآية) "ق30 " ، ومحال أن يقول سبحانه لجهنم (هل امتلأت) و (تقول هل من مزيد) قبل خلقها ووجودها ، وتأمل نصوص القرآن من أوله إلى آخره ، ونصوص السنة ، ولاسيما أحاديث الشفاعة وحديث المعراج ، وغيرها كقوله : (أتدرون ماذا قال ربكم الليلة) وقوله : (إن الله يحدث من أمره ما يشاء ، وإن مما أحدث ألا تكلموا في الصلاة) وقوله : (ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان ولا حاجب).

وقد أخبر الصادق المصدوق أنه يكلم ملائكته في الدنيا ، فيسألهم كيف تركتم عبادي ، ويكلمهم يـوم القيامة ، ويكلم أنبياءه ورسله وعباده المؤمنين يومئذ ، ويكلم أهل الجنة في الجنة ، ويسلم عليهم في منازلهم ، وأنه كل ليلة يقول : (من يسألني فأعطيه ، من يستغفرني فأغفر له ، من يقرض غير عديم ولا ظلوم) ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : "إن الله أحيا أباك وكلمه كفاحا" ومعلوم أنه في ذلك الوقت كلمه ، وقال له تمن عليّ إلى أضعاف أضعاف ذلك من نصوص الكتاب والسنة" .. الخ كلامه . (1)

فهو كله حجة لنا على صحة ما قررناه ، من أن المراد بتكليم الله سبحانه إحداثه للكلام في الوقت الذي يكون فيه ، وإلا فما معنى تقييد تكليمه بالليل أو النهار أو الدنيـا أو الآخرة أو غير ذلك من الأزمنة ، لو كان هذا الكلام نفسه أزليا .

والفارق بين إحداث الله لكلامه ، وإحداث العبد لكلامه أمران :
- أولهما :ما يفرق به بين أفعال الله وأفعال العباد من حيث إن العبد لا يستقل بإيجاد فعله استقلالا تاما ، وإنما له منه جانب الكسب والله هو الخالق له ، والثواب والعقاب مترتبان على كسب العبد لا على خلق الخالق ، فكلام المخلوق - كسائر أفعاله - مخلوق لله عز وجل ، وليس للمخلوق منه إلا الاكتساب ، ولا يستنكر أن يخلق الله للعبد كلاما في نفسه ثم يجريه باختياره على لسانه ، كما لا يستنكر أن يخلق الله في العبد حركة من الحركات ثم يجريها باختياره على العضو المتحرك منه ، أما كلام الله فهو كسائر أفعاله - من إيجاد وإعدام ، وعطاء ومنع ، ورفع وخفض ، وبسط وقبض ، وإحياء وإماتة - لا دخل لأحد من خلقه فيه .
- ثانيهما :تفاوت صفتي تكليم الحق وتكليم الخلق ، كما تباين أفعاله تعالى أفعال خلقه ، كتعليمه سبحانه لعباده ، فإنه إما أن يكون إلهاما يقذفه في صدور من اختصهم به ، ومنه (وعلم آدم الأسماء كلها) "البقرة 31" ، و (وعلمك ما لم تكن تعلم) "النساء 113" ، (علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم) "العلق 4/5" ، وإما أن يكون وحيا يوحيه بواسطة رسله ، وهو داخل في تعليم الإنسان ما لم يعلم ؛ وأما تعليم الناس بعضهم لبعض فهو بالتلقين والتدريب .

وكذلك يتفاوت مدلول النصر إذا أسند إلى الله عما إذا أسند إلى العباد ، فإن نصر العباد بعضهم لبعض بالمؤازرة بالنفس أو المال أو الجند ، ونصر الله لعباده هو خلق أسباب انتصارهم وتهيئتها لهم ، ومنه قوله تعالى : (ولقد نصركم الله ببدر) "آل عمران 123" ، وقوله : (ولينصرن الله من ينصره) "الحج 40" ومثله العطاء فإنه يسند إلى الله وإلى العباد ، ويتفاوت مدلوله في الإسنادين .

وبهذا تدرك تفاوت صفتي التكليم باختلاف إسناده ، فإنه إن أسند إلى الخالق كان له مدلول يختلف عما إذا أسند إلى المخلوقين ، فإنه إن أسند إلى المخلوق المعهود - وهو الإنسان - دل على عملية تشترك فيها مشاعره الظاهرة والباطنة ، ودماغه ورئتاه ، وقصبته الهوائية وشعبه ، وحنجرته ، وحلقه ، ولسانه ، وأسنانه وشفتاه مع الطاقة الهوائية المرتفعة من الرئتين ، والدافعة للصوت ، وهو بهذا المفهوم مستحيل على الله سبحانه ، فلا يجوز أن يفسر تكليمه تعالى بهذا المعنى ، وقد بين لنا تعالى صفة تكليمه لعباده حيث قال : (وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب ، أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء) "الشورى 51" ، وناهيك أن سبحانه جعل الوحي تكليما منه ، مع أنه إلهام يختص به تعالى من شاء من عباده ، وهو أمر متعذر كونه بين إنسان وإنسان آخر مثله ، إذ لا مقدرة للبشر على الإلهام ، ولو حصل مثله في الناس لما انطبق عليه معنى التكليم المعهود بينهم لغة ولا عرفا .

وإذا عرفت ذلك اتضح لك جواز أن يكون التكليم من وراء حجاب إذا أسند إلى الله ، بمعنى خلق صوت مسموع لا يصدر عن شيء ، ينبئ عن مراد الله ، ويتلقفه سمع من اختصه الله بالتكليم ، وعلى هذا يحمل تكليم الله لموسى عليه السلام ، وهو أحد الاحتمالين اللذين ذكرهما الإمام الطاهر ابن عاشور - وهو مالكي المذهب أشعري العقيدة - في تكليم الله لملائكته حيث قال :

"وكلام الله للملائكة أطلق على ما يفهمون به إرادته ، وهو المعبر عنه بالكلام النفسي ، فيحتمل أنه كلام سمعوه ، فإطلاق القول عليه حقيقة ، وإسناده إلى الله لأنه خلق ذلك القول بدون وسيلة معتادة ، ويحتمل أنه دال آخر على الإرادة فإطلاق القول عليه مجاز لأنه دلالة للعقلاء ، والمجاز فيه أقوى من المجاز الذي في نحو قول النبي صلى الله عليه وسلم : (اشتكت النار إلى ربها) وقوله تعالى : (فقال لها وللأرض أتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين) "فصلت 11" ، ولا طائل في البحث عن تعين أحد الاحتمالين"(1) ومثله قوله - في تعليم آدم الأسماء "وتعليم الله آدم الأسماء إما بطريقة التلقين بعرض المسمى عليه ، فإذا رآه لقن اسمه بصوت مخلوق يسمعه .. الخ"(2) وقد اتضح لك مما نقلته سابقا من كلام الإمامين ابن أبي نبهان والخليلي- رحمهما الله- وجه كون القرآن الكريم وغيره من الكتب المنزلة كلام الله مع كونه مخلوقا له سبحانه ، وسقوط شبهة القائلين بقدمه المتشبثين بقوله تعالى : (فأجره حتى يسمع كلام الله) "التوبة 6" ، وهذا هو الذي استقر عليه اعتقاد أصحابنا الإباضية ، وقال به كثير من الأشعرية ، حتى أن المحقق الخليلي رحمة الله عليه قال : "قد اتفقنا نحن والأشعرية أنه مخلوق وصرح بذلك الشيخ أبو سعيد ، ومحمد بن محبوب رحمهما الله ، واتفق عليه أصحابنا المغاربة وفاقا للمعتزلة ، ولا منكر لذلك فيما قيل إلا بعض الحنابلة"(3).

وممن صرح بخلقه من الأشعرية الفخر الرازي ، وحكى غير مرة اتفاق العقلاء عليه ، ومن ذلك قوله في مقدمة تفسيره الكبير : "الكلام الذي هو متركب من الحروف والأصوات ، فإنه يمتنع في بديهة العقل كونه قديما لوجهين :

- الأول : أن الكلمة لا تكون كلمة إلا إذا كانت حروفها متوالية ، فالسابق المنقضي محدث لأن ما ثبت عدمه امتنع قدمه ، والآتي الحادث بعد انقضاء الأول لاشك أنه حادث .
- والثاني : أن الحروف التي منها تألفت الكلمة إن حصلت دفعة واحدة لم تحصل الكلمة لأن الكلمة الثلاثية يمكن وقوعها على التقاليب الستة ، فلو حصلت الحروف معا لم يكن وقوعها على بعض تلك الوجوه أولى من وقوعها على سائرها ، ولو حصلت على التعاقب كانت حادثة" (1)

وقال في تفسيره سورة الأعراف : "الناس مختلفون في كلام الله تعالى ، فمنهم من قال كلامه عبارة عن الحروف المؤلفة المنتظمة ، ومنهم من قال كلامه صفة حقيقة مغايرة للحروف والأصوات ، أما القائلون بالقول الأول فالعقلاء المحصلون اتفقوا على أنه يجب كونه حادثا كائنا بعد أن لم يكن ، وزعمت الحنابلة والحشوية أن الكلام المركب من الحروف والأصوات قديم ، وهذا القول أخس من أن يلتفت العاقل إليه"(2) ثم ذكر مناظرة له ستأتي بعد قليل إن شاء الله .

وبالغ الفخر في تفسيره لسورة الشورى النكير على الحنابلة القائلين بقدم الحروف القرآنية حيث قال : "وهؤلاء أخس من أن يُذكروا في زمرة العقلاء ، واتفق أني قلت يوما لبعضهم ، لو تكلم الله بهذه الحروف ، إما أن يتكلم بها دفعة واحدة أو على التعاقب والتوالي ، والأول باطل لأن التكلم بجملة هذه الحروف دفعة واحدة لا يفيد هذا النظم المركب على التعاقب والتوالي فوجب أن لا يكون هذا النظم المركب من هذه الحروف المتوالية كلام الله تعالى ، والثاني باطل لأنه تعالى لو تكلم بها على التوالي والتعاقب كانت محدثة،ولما سمع ذلك الرجل هذا الكلام قال الواجب علينا أن نقر ونمر، يعني نقر بأن القرآن قديم ونمر على هذا الكلام على وفق ما سمعناه ، فتعجبت من سلامة قلب ذلك القائل"

ثم قال الفخر : "قد أطبقوا على أن هذه الحروف والأصوات كائنة بعد أن لم تكن ، حاصلة بعد أن كانت معدومة ، ثم اختلفت عباراتهم في أنها هل هي مخلوقة أو لا يقال ذلك بل يقال إنها حادثة أو يعبر عنها بعبارة أخرى ؟ " (2)

ونجد الإمام ابن عاشور في تفسيره لسورة النساء يقول - بعد حديثه عن كلام الله المنزل بواسطة الملك على الرسل المسمى بالقرآن ، وبالتوراة وبالإنجيل وبالزبور - وهذا لا يمتري في حدوثه من له نصيب من العلم في الدين ، ولكن أمسك بعض أئمة الإسلام عن التصريح بحدوثه أو بكونه مخلوقا في مجالس المناظرة التي غشيتها العامة أو ظلمة المكابرة ، والتحفز إلى النبز والأذى دفعا للإيهام وإبقاء على النسبة إلى الإسلام ، وتنصلا من غوغاء الطغام". (4)

ومن قول هذين الإمامين الأشعريين يتبين لك ثبوت ما قاله المحقق الخليلي من أن موقف الأشعرية من هذا القرآن المنزل على الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام ، المتلو بالألسن ، المحفوظ في الصدور ، المكتوب في الصحف لا يختلف عن موقفنا وموقف المعتزلة وغيرهم القائلين بخلقه ، وهذا الذي يعنيه الإمام نور الدين السالمي رحمة الله عليه حيث جعل الخلاف بيننا وبينهم لفظيا فحسب . (5)

ثم ظهر لي أن هذا الموقف لم تتفق عليه الأشاعرة أو أنهم لم يستقروا عليه ، فإنا نجد في كتبهم وفيما يروى عنهم أن القرآن الذي نقرؤه ، ونسمعه ، ونحفظه ، ونكتبه ليس هو عين كلام الله سبحانه وتعالى وإنما كلامه تعالى صفة قديمة قائمة بذاته عز وجل ، وما هذه الحروف والأصوات إلا عبارة عن ذلك الكلام وهي مخلوقة لأجل إيصال الأفهام بها إلى مقاصد ذلك الكلام الأزلي ، فمثلها كمثل المرآة التي تنعكس فيها صور الأشياء فيراها الناظر منها ، مع أن الذي يراه ليس إلا مجرد صورة للشبح المنعكس ، ونجد الفخر الرازي - وهو من أئمة الأشعرية - يعزو هذا القول إلى الأشعري وأصحابه بعبارة الزعم الدالة على عدم موافقته لهم ، وينص على أن من عداهم مخالفون لهم في ذلك ، ونص كلامه : ( أجمعت الأمة على أن الله تعالى متكلم ، ومن سوى الأشعري وأتباعه أطبقوا على أن كلام الله هو هذه الحروف المسموعة والأصوات المؤلفة ، وأما الأشعري وأتباعه فإنهـم زعموا أن كلام الله تعالى صفة قديمة يعبر عنها بهــذه الحـروف والأصوات ). (1)

والظاهر أن الأشعرية مضطربون في هذه المسألة لأن الفخر الذي يشير إلى تنصله من قولهم في كلامه هذا ، قد قال نفسه في مقدمة تفسيره : ( إذا قلنا لهذه الحروف المتوالية والأصوات المتعاقبة إنها كلام الله تعالى ، كان المراد أنها ألفاظ دالة على الصفة القائمة بذات الله تعالى فأطلق اسم الكلام عليها على سبيل المجاز - إلى أن قال : وإذا قلنا كلام الله قديم لم نعن به إلا تلك الصفة القديمة التي هي مدلول هذه الألفاظ والعبارات ، وإذا قلنا كلام الله معجزة لمحمد صلى الله عليه وسلم عنينا به هذه الحروف وهذه الأصوات التي هي حادثة ، فإن القديم كان موجوداً قبل محمد عليه الصلاة والسلام فكيف يكون معجزة له ، وإذا قلنا كلام الله سور وآيات عنينا به هذه الحروف ، وإذا قلنا كلام الله فصيح عنينا به هذه الألفاظ ، وإذا شرعنا في تفسير كلام الله تعالى عنينا به أيضاً هذه الألفاظ ). (2)

ثم قال : ( زعمت الحشوية أن هذه الأصوات التي نسمعها من هذا الإنسان عين كلام الله تعالى ، وهذا باطل لأنا نعلم بالبديهة أن هذه الحروف والأصوات التي نسمعها من هذا الإنسان صفة قائمة بلسانه وأصواته ، فلو قلنا بأنها عين كلام الله تعالى لزمنا القول بأن الصفة الواحدة بعينها قائمة بذات الله تعالى ، وحالَّة في بدن هذا الإنسان وهذا معلوم الفساد بالضرورة ، وأيضاً فهذا عين ما يقوله النصارى ، من أن أقنوم الكلمة حلت في ناسوت صريح وزعموا أنها حالَّة في ناسوت عيسى عليه السلام ، ومع ذلك فهي صفة لله تعالى وغير زائلة عنه ، وهذا عين ما يقوله الحشوية من أن كلام الله تعالى حالٌّ في لسان هذا الإنسان مع أنه غير زائل عن ذات الله تعالى ، ولا فرق بين القولين ، إلا أن النصارى قالوا بهذا القول في حق عيسى وحده ، وهؤلاء الحمقى قالوا بهذا القول الخبيث في حق كل الناس من المشرق إلى المغرب ).(3)

ويفهم من هذا الكلام ونحوه من نصوص أئمة الأشعرية ، أنهم يطلقون اسم القرآن على الكلام النفسي الذي هو صفة ذاتية لله تعالى ، وهو الذي يقصدونه عندما يقولون إن القرآن غير مخلوق ، وهو الذي عوَّل عليه من قال إن الخلاف بيننا وبينهم لا يعدو أن يكون لفظيا .

غير أن هذا المذهب الأشعري تعرَّض لنقد شديد من قبل الطائفتين المتعارضتين معاً ، وهم القائلون بقدم القرآن المتلو ، والقائلون بحدوثه ، ويتلخص اعتراض الجانبين في كون الله سبحانه قد سمى هذا الكلام الذي نتلوه قرآناً وفرقاناً وكتاباً وهدىً في آيات كثيرة ، منها قوله : ( نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن ) يوسف : 3 ، وقوله : ( إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ) الإسراء : 9 ، وقوله : ( شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدىً للناس وبينات من الهدى والفرقان ) البقرة : 185 ، وقوله : ( إنا أنزلناه قرآناً عربياً ) يوسف : 2 ، وقوله : ( إنا جعلناه قرآناً عربياً ) الزخرف : 3 " وقوله (تبارك الذي نزّل الفرقان على عبده) "الفرقان 1" وقوله : (تلك آيات القرآن وكتاب مبين) "النمل 1" وقوله: (تلك آيات الكتاب وقرآن مبين) "الحجر 1" وقوله : ( ذلك الكتاب لا ريب فيه ) البقرة 2 ، وقد وصفه الله تعالى بالإنزال كما سبق في بعض الآيات ، ونحوه قوله: (إنا أنزلناه في ليلة مباركة) "الدخان 3" وقوله: (كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور) "إبراهيم 1" وقوله: (هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات) "آل عمران 7" وقوله: (إنا أنزلناه في ليلة القدر) "القدر 1" ووصفه بالتفصيل في قوله: (ولقد جئناهم بكتاب فصلناه على علم) "الأعراف 52" ، ووصفه به وبالإحكام في قوله: (كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير) "هود 1" ، وميز بين آياته فوصف بعضها بالإحكام وبعضها بالتشابه في قوله: (هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات) .

ووصفه بأنه مقروء حيث قال : (وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابا مستورا) "الإسراء 45" ، وقال: (فاقرأوا ما تيسر من القرآن) "المزمل 20" ، وقال : (فأقرأوا ما تيسر منه) "المزمل 20" ، وقال: (فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم) "النحل 98" .

ووصفه بأنه محفوظ في الصدور بقوله : (بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم) "العنكبوت 49" ، وبأنه مكتوب في اللوح حيث قال : (بل هو قرآن مجيد في لوح محفوظ) "البروج 22/23"

ومن المعلوم قطعا أنه لم يُرد في شيء من هذه الآيات إلا هذا القرآن المعهود ، (إذ لم يرد سمع بتسميته غيره قرآنا ، وجاء في الأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تسميته بذلك ، كقوله عليه أفضل الصلاة والسلام : (خيركم من تعلم القرآن وعلمه) وقوله : (إن هذا القرآن مأدبة الله) ونهيه صلى الله عليه وسلم أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو ، وهو لا يعني به إلا المصحف.

فتبين من ذلك كله أنه لا يقصد بالقرآن والكتاب والذكر والهدى إلا هذا الكلام المنزل ، وأنه مقروء محفوظ مكتوب منقسم إلى محكم ومتشابه ، ومجمل ومفصل ، وناسخ ومنسوخ ، فإنكار قيام هذه الصفات بالقرآن إنكار لما صرحت به النصوص ودل عليه العقل وصدقه الواقع ..

هذا وحكى ابن تيمية وابن القيم عن الأشعري أن الكلام عنده صفة قديمة ليست بصوت ولا حرف ولا يتجزأ ، فهو عين الأمر والنهي ، والخبر والاستخبار ، وهو عين التوراة والإنجيل والقرآن والزبور ، وكونه أمرا ونهيا وخبرا واستخبارا صفات لذلك المعنى الواحد ، وكونه توراة وإنجيلا وقرآنا وزبورا تقسيم لعباراته فإنه إن عبر عنه بالعربية فهو قرآن وإن عبر عنه بالعبرية فهو توراة ، وإن عبر عنه بالسريانية فهو إنجيل ، والعبارات مخلوقة والحقيقة قديمة. (1)

ولئن صح هذا الذي نقلاه فإن بطلانه أظهر من أن يحتاج إلى إظهار لما فيه من الجمع بين الأضداد كجعل الأمر هو النهي ، والخبر هو الاستخبار ، وليس ذلك جمعا بين الضدين فحسب بل هو جعل الضد عين ضده ، ويترتب عليه أن ترجمة التوراة والإنجيل إلى العربية تجعلهما قرآنا ، وترجمة القرآن إلى العبرية تجعله توراة ، وإلى السريانية تجعله إنجيلا ، وهذا عين البطلان ، وحسبك أن في القرآن من الحكم والأحكام والقصص والأمثال والعلوم والفوائد ما ليس في الكتب السابقة، كما أن تقسيمه يختلف عن تقسيمها.

وأرى أن الأشعرية لم يكن لهم موقف موحد من هذه المسألة ، فهذا ابن رسلان منهم يقول في زبده :



كلامه كوصفه القديــم

لم يحدث المسموع للكليم

يكتب في اللوح وباللسان

يقرأ كما يحفظ بالأذهان

فنجده يثبت صفة القدم للكلام المسموع المكتوب المقروء غير أن شارحه (الفِشَنِي) يحمل قوله هذا على ما يتفق مع المحكي عن الأشعري حيث يقول : "فاتصافه بهذه الأوصاف الأربعة اتصاف له باعتبار وجودات الوجود الأربعة وليس حالا في المصاحف ولا في القلوب ، ولا في الألسنة بل معنى قائم بذات الله تعالى" (1)

وقال قبل ذلك ، "والحق قول أهل الحق أنه تعالى متكلم بكلام قديم قائم بذاته ، فإن عبر عنه بالعربية فالقرآن أو بالعبرانية فالتوراة أو بالسريانية فالإنجيل ، إلى غير ذلك من الاختلاف في التعبير"

وذكر قبيل قوله هذا أن كلامه تعالى ليس بحرف ولا صوت ، لأنهما عرضان حادثان.(2)

واضطراب هذا الكلام أظهر من أن يحتاج إلى بيان وتحليل ، وقد بالغ ابن حزم وابن تيمية فحكما على قائليه بالكفر - ولا ريب أنهما يعنيان الكفر الملي - أما ابن حزم فقال : "وهذا كفر مجرد بلا تأويل ، وذلك أننا نسألهم عن القرآن أهو كلام الله أم لا ؟ فإن قالوا ليس هو كلام الله كفروا بإجماع الأمة ، وإن قالوا بل هو كلام الله سألناهم عن القرآن ، أهو الذي يتلى في المساجد ويكتب في المصاحف ويحفظ في الصدور أم لا ؟ فإن قالوا لا كفروا بإجماع الأمة ، وإن قالوا نعم تركوا قولهم الفاسد ، وأقروا أن كلام الله تعالى في المصاحف ومسموع من القراء ومحفوظ في الصدور كما يقول جميع أهل الإسلام" (3)

وأما ابن تيمية فقد نسب إلى عوامهم أنهم أسقطوا حرمة المصحف ، وربما داسوه ووطئوه ، وربما كتبوه بالعذرة أو غيرها - ثم قال فيهم - وهؤلاء أشد كفراً ونفاقاً ممن يقول : الجلد والورق كلام الله ، فإن أولئك آمنوا بالحق وبزيادة من الباطل ، وهؤلاء كذَّبوا بالكتاب وبما أرسل الله به رسله ( فسوف يعلمون . إذ الأغلال في أعناقهم والسلاسل يسحبون في الحميم ثم في النار يسجرون ) غافر : 70 /72 . (4)

ولست أريد هنا أن أتحدث عن هذا الحكم الذي حكما به على أصحاب هذه المقالة صحة وبطلاناً ، فإن ذلك يستلزم إطالة في البحث ما كنت أودها ، وإنما أريد أن أقول إن ما وقعا فيه من التناقض ليس بأقل شناعة مما عاباه على غيرهما ؛ أما ابن حزم - فمع تقريره أن القرآن الكريم هو كلام الله تعالى - نجده يؤكد أن كلامه سبحانه هو عين ذاته فعندما حكى عن الأشعرية قولهم إذ قال : ( وقالت الأشعرية : كلام الله صفة ذات لم تزل غير مخلوقة وهو غير الله تعالى ، وخلاف الله تعالى ، وهو غير علم الله تعالى ، وأنه ليس لله تعالى إلا كلام واحد - أردفه بقوله : واحتج أهل السنة بحجج منها أن قالوا : إن كلام الله تعالى لو كان غير الله لكان لا يخلو من أن يكون جسماً أو عرضاً … إلى آخره .

وقال أيضاً : ( وأما الأشعرية فيلزمهم في قولهم إن كلام الله غير الله ما ألزمناهم في العلم وفي القدرة سواء بسواء ، مما قد تقصيناه قبل هذا والحمد لله رب العالمين ) . (1) ولا ريب أنه يلزم على هذا أن يكون القرآن الكريم هو عين ذات الله تعالى ، وأن يكون سبحانه بإنزاله إياه وتفصيله له وإحكامه آياته لم ينزل ويفصل ويحكم إلا ذاته سبحانه ، كما يلزمه أن يكون كاتب القرآن وتاليه وحافظه لا يكتب ولا يتلو ولا يحفظ إلا ذاته تعالى ، وأن تكون الذات العلية هي هذه الحروف والأصوات ، فتكون متجزئة بتجزء القرآن إلى سور وآيات وجمل وكلمات وحروف وأصوات ، تعالى الله عن ذلك كله علواًّ كبيراً . وقد أتي ابن حزم في احتجاجه لقدم القرآن بسفسطة عجيبة لا يتصور العقل صدورها من مثله ، مع غزارة علمه وقوة فهمه . (2)

وقد آثرت ضرب الصفح عن إيرادها اكتفاءً بما نقضها به الإمام شمس الدين أبو يعقوب يوسف بن إبراهيم الوارجلاني رحمه الله في آخر كتابه العدل والإنصاف . (3) وإنما يُعجب من عزو الإمام أبي يعقوب ما قاله ابن حزم إلى الإمام أحمد بن حنبل ، ولم أجده في شيء من كتب الحنابلة بل ما رأيته فيها مناقض له . وأما ابن تيمية فسترى إن شاء الله في الفصل الآتي من نصوص كلامه ما يوقفك على تناقضه واضطرابه . هذا ويظهر لون آخر من الخلاف المعنوي بيننا وبين الأشعرية ومن قال بقدم القرآن من مشارقة الإباضية ، وهو أنهم صرَّحوا بأن ما سمعه موسى عليه السلام في مناجاته لربه هو كلام الله النفسي القديم وليس بمخلوق ، كما هو مقتضى قول ابن رسلان في زبده ، وقالوا إنه ليس صوتاً ولا حرفاً ، وقد صرَّح بهذا الإمام ابن عاشور في تفسيره لقوله تعالى: (وكلَّم الله موسى تكليماً ) النساء : 164 .

ونص قوله : ( فالتكليم تعلق لصفة الكلام بالمخاطب على جعل الكلام صفة مستقلة ، أو تعلق العلم بإيصال المعلوم إلى المخاطب ، أو تعلق الإرادة بإبلاغ المراد إلى المخاطب ، فالأشاعرة قالوا : تكليم الله عبده هو أن يخلق للعبد إدراكاً من جهة السمع يتحصل به العلم بكلام الله دون حروف ولا أصوات ، وقد ورد تمثيله بأن موسى سمع مثل الرعد علم منه مدلول الكلام النفسي ) .(4)

وهو كما ترى يتناقض مع ما سبق نقله عنه ، من تفسيره لقول الله للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة ، وتعليمه آدم الأسماء ، فليت شعري كيف يجمع بين ما قاله هنا وما قاله هنالك ؛ على أنه بعد هذا الكلام بما لا يزيد على صحيفة واحدة قال : ( وقوله " تكليماً " مصدر للتوكيد ، والتوكيد بالمصدر يرجع إلى تأكيد النسبة وتحقيقها مثل قد وإن ، ولا يقصد به رفع احتمال المجاز ، ولذلك أكدت العرب بالمصدر أفعالاً لم تستعمل إلا مجازاً ، كقوله تعالى : ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً ) الأحزاب : 33 ، فإنه أراد أن يطهرهم الطهارة المعنوية أي الكمال النفسي ، فلم يفد التأكيد رفع المجاز ، وقالت هند بنت النعمان بن بشير تذم زوجها روح بن زنباع :



بكى الخزّ من روح وأنكر جلده

وعجَّت عجيجاً من جذام المطارف

وليس العجيج إلا مجازاً ، فالمصدر يؤكد أي يحقق حصول الفعل المؤكد على ما هو عليه من المعنى قبل التأكيد . فمعنى قوله: ( تكليماً ) هنا ، أن موسى سمع كلاماً من عند الله بحيث لا يحتمل أن الله أرسل إليه جبريل بكلام ، أو أوحى إليه في نفسه ، وأما كيفية صدور هذا الكلام عن جانب الله فغرض آخر هو مجال للنظر بين الفِرَق ، ولذلك فاحتجاج كثير من الأشاعرة بهذه الآية على كون الكلام الذي سمعه موسى الصفة الذاتية القائمة بالله تعالى احتجاج ضعيف ، وقد حكى ابن عرفة أن المازري قال في شرح التلقين إن هذه الآية حجة على المعتزلة في قولهم أن الله لم يكلم موسى مباشرة بل بواسطة خلق الكلام لأنه أكده بالمصدر ، وأن ابن عبد السلام التونسي شيخ ابن عرفة رده بأن التأكيد بالمصدر لإزالة الشك عن الحديث لا عن المحدث عنه ، وتعقبه ابن عرفة بما يؤول إلى تأييد رد ابن عبد السلام ) .(1)

ولعلنا نستخلص مما قاله هنا وهناك أنه لم يستقر رأيه في هذه المسألة على شيء بعينه ، ولعله يرى جواز صحة كل واحد من الرأيين .

أما نحن - معشر الإباضية القائلين بخلق القرآن ، ومن قال بقولنا من المعتزلة وغيرهم - فقد اتفقنا مع الحنابلة القائلين بقدم النصوص القرآنية ، على أن موسى عليه السلام سمع من تكليم الله كلاماً مركباً من الحروف وأنه كان صوتاً ، إلا أنا اختلفنا في قِدمه وحدوثه ، فقالوا بقدمه وقلنا بحدوثه ، وإنما قلنا إن هذا تكليم حقيقي من الله له ، لأنه لم يكن بواسطة بل خلقه الله له حيث شاء فأسمعه إياه من غير أن ينطق به ملك أو مخلوق آخر ، وقد قال كثير بأنه تعالى خلقه في الشجرة وأسمعه منها ، وهذا الذي نسبه الفخر الرازي إلى الإمام أبي منصور الماتريدي . (2)

ولا يتعين ذلك لعدم ما يدل عليه ، وإنما هو أحد الاحتمالات الواردة . ونستخلص مما تقدم أن الموقف الأشعري في هذه القضية يختلف عن موقف الطائفتين المتباينتين جميعاً ، وهو صريح فيما سبق نقله عن الفخر الرازي مما نسبه إلى الأشعري وأتباعه من مخالفتهم لغيرهم في مسألة الكلام . ونقل عنهم أنهم قالوا : ( وكما لا يبعد أن تُرى ذات الله مع أنه ليس بجسم ولا في حيِّز فأي بعد في أن يسمع كلام الله مع أنه لا يكون حرفاً ولا صوتاً ).(3) وهذا الإلزام خاص بمثبتي الرؤية ، وأما نحن فلا يطرق - والحمد لله - ساحتنا .





الفصل الثاني

في تضارب أقوال القائلين بقِدم القرآن

إن القول بقِدم القرآن - وإن تباينت مفاهيمه وتشعبت مسالكه باختلاف أصحابه فيما بينهم - ينبجس من نبع واحد ،وهو عدم التفرقة بين صفة الكلام الذاتية لله تعالى وبين أثرها ، وهو ما أنزل من كتبه على رسله ، وأصحاب هذا القول كلهم ملزمون بأن يقولوا بقِدم الحوادث كلها فإنها آثار لصفات الله تعالى ، إذ المخلوقات على اختلافها ما هي إلا آثار لقدرته تعالى ولإرادته ولعلمه ، وكل من هذه صفة ذاتية قديمة لاستحالة اتصاف الله بأضدادها . ومع اتحاد مصدر هذا القول ، تجد بين أصحابه من التنازع والتدافع ما يقضي العجب العجاب ، بحيث لا يمكن أن تجتمع أقوالهم في طريق واحد ولا تنتهي إلى غاية واحدة ، ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل تجاوزوه إلى التراشق فيما بينهم بالتجهيل والتبديع ، والتقاذف بالتضليل والتكفير كما مـر بك ما يدلك على ذلك.

وإذا سكتنا عن طوائفهم المتعددة وأصغينا إلى ما تقوله طائفة واحدة فحسب - وهي الحنابلة - وجدنا من ذلك أمراً عجباً ، فقد سلكوا في إثبات وتفسير معتقدهم هذا طرائق قِدداً ، كل أصحاب طريقة منها يدَّعون أنهم أسعد بالحق وأتبع لقول إمامهم أحمد بن حنبل ، ومن أمثلة ما اختلفوا فيه :
أ ـ صوت قارئ القرآن وتلاوته.
ب ـ الحروف الهجائية التي تتركب منها كلمات القرآن وغيره .
ج ـ تكلم الله هل هو بمشيئته أو بدونها .
وبما أن خلافهم في الحروف والأصوات والتلاوة متداخل ، نجمع بينها في عرض أقوالهم فيها ونقدها. ذهب فريق منهم إلى قِدم صوت القارئ واعتقاد أنه قائم بذات الله تعالى ، ومن هؤلاء محمد بن داود البصيصي وابن حامد ، وأبو نصر السجزي ، والقاضي أبو يعلى ، وأنكر عليهم ذلك أبو بكر المروذي وآخرون ، وحكوا عن أحمد قوله : ( من قال لفظي بالقرآن مخلوق فهو جهمي ، ومن قال غير مخلوق فهو مبتدع ) (1)، وفي هذا النص الذي رووه من التناقض ما لا يخفى على عاقل ، فإنه لا توسط بين الخلق وعدمه ، فالشيء إما أن يكون مخلوقاً أو غير مخلوق ، فإن كان مخلوقاً فلماذا يضلل من قال بخلقه ؟ وإن كان غير مخلوق فلماذا يبدع من قال بعدم خلقه ؟ .

وقال ابن تيمية : ( لما تكلموا - أي الحنابلة - في حروف المعجم صاروا بين قولين ، طائفة فرقت بين المتماثلين فقالت الحرف حرفان ، هذا قديم وهذا مخلوق ، كما قال ابن حامد والقاضي أبو يعلى وابن عقيل وغيرهم ، فأنكر ذلك عليهم الأكثرون ، وقالوا : هذا مخالفة للحس والعقل ، فإن حقيقة هذا الحرف هي حقيقة هذا الحرف ، وقالوا الحرف حرف واحد ، وصنَّف في ذلك القاضي يعقوب البرزيني مصنَّفاً خالف به شيخه القاضي أبا يعلى - إلى أن قال - وذكر القاضي يعقوب في مصنَّفه أن ما قاله قول أبي بكر أحمد بن المسيب الطبري ، وحكاه عن جماعة من أفضل أهل طبرستان ، وأنه سمع الفقيه عبد الوهاب بن حلبة قاضي حران يقول : هو مذهب العلوي الحراني وجماعة من أهل حران ، وذكره أبو عبدالله بن حامد عن جماعة من أهل طبرستان ممن ينتمي إلى مذهبنا كأبي محمد الكشفل ، وإسماعيل الكاوذري ، في خلق من أتباعهم أنها قديمة ) .

( قال القاضي أبو يعلى وكذلك حكى لي عن طائفة بالشام أنها تذهب إلى ذلك منهم النابلسي وغيره ، وذكر القاضي حسين أن أباه رجع في آخر عمره إلى هذا ، وذكروه عن الشريف أبي علي بن أبي موسى ، وتبعهم في ذلك الشيخ أبو الفرج المقدسي وابنه عبد الوهاب ، وأبو الحسن بن الزاغوني وأمثاله ) .

( وذكر القاضي يعقوب أن كلام أحمد يحتمل القولين ، وهؤلاء تعلقوا بقوله لما قيل له إن سريا السقطي قال : لما خلق الله الأحرف سجدت له إلا الألف فقالت لا أسجد حتى أؤمر ، فقال أحمد : هذا كفر ، وهؤلاء تعلقوا من قول أحمد : ( كل شيء من المخلوقين على لسان المخلوقين فهو مخلوق ) وبقوله : لو كان كذلك لما تمت صلاته بالقرآن كما لا تتم بغيره من كلام الناس ، وبقول أحمد لأحمد بن حسن الترمذي : ألست مخلوقاً ) قال : بلى ، قال : أليس كل شيء منك مخلوقاً ؟ قال : بلى ، قال : فكلامك منك وهو مخلـوق ) (1)وفي هذه الروايات من التناقض ما ليس بعده - وإن ادعى ابن تيمية عدم تناقضها - فانظر إليها أخي القارئ الكريم بعين الاستقلال الفكري التي تستجلي الحقائق وتكتشف الدقائق ، لا بعين التقليد الأعمى التي تجعل من السراب ماءً ، ومن الخيال حقيقة ، تجد أولاها تدل على منتهى الإنكار على القول بخلق الحروف الهجائية ، التي يتركب منها الكلام ، ويتخاطب بها الناس ، حتى بلغ إلى إلحاقه بالكفر والعياذ بالله ، ومقتضى ذلك أنها في القدم كالذات العلية ، وتجد في أخراها ما يدل على أن كل شيء من المخلوقين على لسان المخلوقين فهو مخلوق ، فأي القولين أحق بالحق وأسعد بالصواب ، فإن كان الأول لزم أن يكون الثاني كفراً ، وإن كان الآخر فكذلك ، لما في حديث أبي ذر رضي الله عنه عند مسلم ( ومن دعا رَجُلاً بالكفر أو قال عدو الله ، وليس كذلك إلا حار عليه ) .

وأما اعتذار ابن تيمية عنه بقوله : ( وأحمد أنكر قول القائل ، إن الله لما خلق الحروف أنه قال : من قال أن حرفاً من حروف المعجم مخلوق فهو جهمي ، لأنه سلك طريقاً إلى البدعة ، ومن قال : إن ذلك مخلوق ، فقد قال إن القرآن مخلوق ) (2)، فهو اعتذار لا يجدي فتيلاً ، فإن إنكار خلق ما علم أنه مخلوق بضرورة العقل وتواتر النقل وإلحاقه بالله تعالى في القدم - مع الإعراض عن النصوص القرآنية القاطعة بأن كل شيء سوى الله مخلوق ، كقوله تعالى : ( خالق كل شيء ) الأنعام 102 / الرعد 16 / الزمر 62/غافر 62 ، وقوله : ( وخلق كل شيء فقدَّره تقديراً ) الفرقان 2 ، لا يسوغ بحال ، فكيف والدافع إليه ليس إلا خشية سطوع شمس الحقيقة وتبخر ضباب الأوهام ، التي أرادوها أن تكون ستاراً بين العقول ودركها الحقائق ، والأشد من ذلك ، عدم الاكتفاء بإنكار الحقيقة فحسب بل تجاوزا ذلك إلى الحكم على من قالها بالجهمية والتبديع والتكفير ، فإنا لله وإنا إليه راجعون ، ما أضيع الإسلام إذا فُسِّر بهذه المفاهيم المتناقضة !! وما أحير أصحابه إن لم يعرفوه إلا بها !! وإن أردت المزيد من تناقضهم فاسمع إلى ما يقوله ابن تيمية أيضاً : ( أما القول بأن المداد المكتوب قديم ، فما علمنا قائلاً معروفاً قال به ، وما رأينا ذلك في كتاب أحد من المصنفين ، لا من أصحاب أبي حنيفة ولا مالك ولا الشافعي ولا أحمد ، بل رأينا في كتب طائفة من المصنفين من أصحاب مالك والشافعي وأحمد إنكار القول بأن المداد قديم وتكذيب من نقل ذلك ، وفي كلام بعضهم ما يدل على أن في المصحف حرفاً قديماً ليس هو المداد ). ( ثم منهم من يقول ، هو ظاهر فيه ليس بحالّ ، ومنهم من يقول هو حالّ ، وفي كلام بعضهم ما يقتضي أن يكون ذلك هو الشكل ، شكل الحرف وصورته ، لا مادته التي هي مداده ، ، وهذا القول أيضاً باطل ، كما أن القول بأن شيئاً من أصوات الآدميين قديم هو قول باطل ، وهو قول قاله طائفة من أصحاب مالك والشافعي وأحمد ، وجمهور هؤلاء ينكرون هذا القول، وكلام أحمد وجمهور أصحابه في إنكار هذا القول مشهور .

ولا ريب أن من قال إن أصوات العباد قديمة فهو مفترٍ مبتدع له حكم أمثاله ، كما أن من قال إن هذا القرآن ليس هو كلام الله فهو مفترٍ مبتدع له حكم أمثاله ) (1)أنظر إلى هذا التضارب في الأقوال والتحزب في الآراء ، من غير دليل يستند إليه إلا تبرير ما يتصوره كل من هؤلاء القائلين أنه الحق، وإلا فما هي الحجة على ذلك من برهان العقل أو صحيح النقل ؟

واضْمُمْ إلى ما تقدم قوله أيضاً - بعد أن ذكر كلام المثبتين لخلق القرآن - ( فقابلهم قوم أرادوا تقويم السنة فوقعوا في البدعة ، وردوا باطلا بباطل ، وقابلوا الفاسد بالفاسد، فقالوا تلاوتنا للقرآن غير مخلوقه، وألفاظنا به غير مخلوقة، لأن هذا هو القرآن ، والقرآن غير مخلوق، ولم يفرقوا بين الاسم المطلق والاسم المقيد في الدلالة، وبين حال المسمى إذا كان مجردا وحاله إذا كان مقرونا مقيدا ، فأنكر الإمام احمد أيضا على من قال إن تلاوة العباد وقراءتهم وألفاظهم وأصواتهم غير مخلوقة ، وأمر بهجران هؤلاء ، كما جهَّم الأولين وبدَّعهم، والنقل عنه بذلك من رواية ابنه عبدالله وصالح والمروذي وفوران وأبي طالب وأبي بكر بن صدقه ، وخلق كثير من أصحابه وأتباعه )

( وقد قام أخص أتباعه أبو بكر المروذي بعد مماته في ذلك ، وجمع كلامه وكلام الأئمة من أصحابه وغيرهم مثل عبد الوهاب الوراق ، والأثرم ، وأبي داود السجستاني ، والفضل بن زياد ، ومثنى بن جامع الأنباري ، ومحمد بن إسحاق الصنعاني ، ومحمد بن سهل بن عسكر ، وغير هؤلاء من علماء الإسلام ، وبيَّن بدعة هؤلاء الذين يقولون إن تلاوة العباد وألفاظهم بالقرآن غير مخلوقة )

( وقد ذكر ذلك الخلاَّل في كتاب السنة وبسط القول في ذلك ، قال الخلاَّل : أخبرني أبو بكر المروذي قال : بلغ أبا عبدالله عن أبي طالب أنه كتب إلى أهل نصيبين : ( إن لفظي بالقرآن غير مخلوق) ، قال أبو بكر : فجاءنا صالح بن أحمد فقال : قوموا إلى أبي فجئنا فدخلنا على أبي عبدالله فإذا هو غضبان شديد الغضب قد تبين الغضب في وجهه ، قال : اذهب فجئني بأبي طالب ، فجئت به فقعد بين يدي أبي عبدالله وهو يرعد ، فقال : كتبت إلى أهل نصيبين تخبرهم عني أني قلت لفظي بالقرآن غير مخلوق ؟ فقال : إنما حكيت عن نفسي، قال فلا يحل هذا عنك ولا عن نفسي ، فما سمعت عالماً قال هذا ، قال أبو عبدالله القرآن كلام الله غير مخلوق كيف تصرف ؟ فقيل لأبي طالب : أخرج وأخبر أن أبا عبدالله قد نهى أن يقال لفظي بالقرآن غير مخلوق ، فخرج أبو طالب فلقي جماعة من المحدثين فأخبرهم أن أبا عبدالله نهاه أن يقول لفظي بالقرآن غير مخلوق )

( ومع هذا فكل واحدة من الطائفتين الذين يقولون لفظنا بالقرآن غير مخلوق ، والذين يقولون لفظنا وتلاوتنا مخلوقة تنتحل أبا عبدالله وتحكي قولها عنه ، وتزعم أنه كان على مقالتها ، لأنه إمام مقبول عند الجميع ، ولأن الحق الذي مع كل طائفة يقوله أحمد ، والباطل الذي تنكره كل طائفة على الأخرى يرده أحمد ، فمحمد بن داود المصيصي - أحد علماء الحديث وأحد شيوخ أبي داود - وجماعة في زمانه كأبي حاتم الرازي وغيره يقولون : لفظنا بالقرآن غير مخلوق ، وتبعهم طائفة على ذلك ، كأبي عبدالله بن حامد وأبي نصر السجزي ، وأبي عبدالله بن منده ، وشيخ الإسلام أبي إسماعيل الأنصاري ، وأبي العلاء الهمداني ، وأبي الفرج المقدسي ، وغير هؤلاء يقولون إن ألفاظنا بالقرآن غير مخلوقة ، ويروون ذلك عن أحمد ، وأنه رجع إلى ذلك كما ذكره أبو نصر في كتابه الإبانة ، وهي روايات ضعيفة بأسانيد مجهولة ، لا تعارض ما تواتر عنه عند خواص أصحابه وأهل بيته والعلماء الثقات ، لاسيما وقد علم أنه في حياته خطأ أبا طالب في النقل عنه حتى رده أحمد عن ذلك ، وغضب عليه غضباً شديداً ) .

وقد رأيت بعض هؤلاء طعن في تلك النقول الثابتة عنه ، ومنهم من حرَّفها لفظاً ، وأما تحريف معانيها فذهب إليه طوائف ، فأما الذين أثبتوا النقل عنه ووافقوه على إنكاره الأمرين ، وهم جمهور أهل السنة ومن انتسب إليهم من أهل الكلام كأبي الحسن الأشعري وأمثاله ، فإنه ذكر في مقالات أهل السنة والحديث أنهم ينكرون على من قال لفظي بالقرآن مخلوق ، ومن قال لفظي به غير مخلوق ، وأنه يقول بذلك )

( لكن من هؤلاء من تأول كلام أحمد وغيره في ذلك ، بأنه منع أن يقال إن القرآن يلفظ به ، وهذا قاله الأشعري وابن الباقلاني ، والقاضي أبو يعلى وأتباعه كأبي الحسن بن الزاغوني وأمثاله )

( ثم هؤلاء الذين تأولوا كلامه على ذلك ، منهم من قال : المعنى الذي أنكره أحمد على من قال لفظي بالقرآن مخلوق كما فعل ذلك الأشعري وأتباعه ، ومنهم من قال : بل المعنى الذي أنكره أحمد على من قال لفظي به غير مخلوق كما فعل ذلك القاضي وابن الزاغوني وأمثالهما ، فإن أحمد وسائر الأئمة ينكرون أن يكون شيء من كلام الله مخلوقاً حروفه أو معانيه ، أو أن يكون معنى التوراة هو معنى القرآن ، وأن كلام الله إذا عبر عنه بالعربية يكون قرآناً ، وإذا عبر عنه بالعبرانية يكون هو التوراة ، وينكرون أن يكون القرآن المنزل ليس هو كلام الله ، أو أن يطلق القول على ما هو كلام الله بأنه مخلوق ، وأحمد والأئمة ينكرون على من يجعل شيئاً من أفعال العباد أو أصواتهم غير مخلوق فضلاً عن أن يكون قديماً ، وكلام أحمد في مسألة التلاوة والإيمان والقرآن من نمط واحد ، منع إطلاق القول بأن ذلك مخلوق ، لأنه يتضمن القول بأن من صفات الله ما هو مخلوق ، ولما فيه من الذريعة ، ومنع أيضاً إطلاق القول بأنه غير مخلوق لما في ذلك من البدعة والضلال ) (1) نقلت لك أخي القارئ الكريم هذه الفقرات بنصها وفصها من كلام ابن تيمية ، لتقف أولاً على ما بينهم من خلاف في هذه المسألة يفضي إلى التبديع ، ثم خلو كلامهم مما يجوز الاستناد إليه من أدلة القرآن أو السنة أو براهين العقل ، ماعدا ما ينقلونه عن الإمام أحمد ويتصرَّفون في تأويله بحسب ما يحلو لكل فريق من المتأولين ، وتجدهم ينزلون كلام الإمام أحمد في الحجية منزلة كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم ، بحيث يجعلونه الأصل الذي يرجع إليه كل فريق منهم ، مع أنهم دائماً يرددون بألسنتهم وأقلامهم دعوى عدم التقليد وإتباع أقوال الأئمة من غير دليل ، وتأمل ما جاء في آخر هذه الفقرات ، من اعتبار التلاوة والإيمان فضلاً عن القرآن من صفات الله تعالى ، وكيف يتقبل عقل أحد آتاه الله نوراً في عقله ، بأن يكون الإيمان الذي في قلوب المؤمنين والتلاوة الجارية على ألسنة التالين من صفاته تعالى الأزلية .

ونجد ابن تيمية ينقل عن أحمد والبخاري وجماعة من أصحاب أحمد كعبد الوهاب الوراق ، والأثرم ، والمروذي ، ومحمد بن بشار ، وأبي الحسين الطوسي ، وغيرهم ، أنهم كانوا ينكرون أشد الإنكار على من قال إن لفظ العبد بالقرآن أو صوته به أو غير ذلك من صفات العباد المتعلقة بالقرآن غير مخلوقة ، ويأمرون بعقوبته بالهجر وغيره ) (2)وأتبع ذلك نقل بعض القصص التي وقعت لأصحاب أحمد عنده ، بسبب نسبتهم إليه أن لفظ العبد بالقرآن غير مخلوق ) (3).

فانظر كيف يمكن جعل التلاوة تارة من صفات العبد فيمتنع القول بقدمها ، وتارة من صفات الله فيمتنع القول بخلقها ، مع أن الكائنات بأسرها أجسامها وأعراضها إما أن تكون محدثة ، وكل محدث مخلوق ، وإما أن تكون قديمة ، وذلك مالا يجوز أن يوصف به غير الله تعالى الأول والآخر ، الذي خلق كل شيء فقدره تقديراً ، والحدوث والقِدم نقيضان لا يمكن ارتفاعهما عن موجود بعينه كما لا يمكن اجتماعهما ، فكيف ينفيان معاً عن شيء بعينه ويضلل من قال فيه بأحدهما .

وقد بلغت بهم الحيرة إلى الوقوف عن القول في المداد بخلقه أو قِدمه ، إن كتب به القرآن (1)، ثم تراجع ابن تيمية عن ذلك إلى التصريح بخلقه حيث قال: ( وكذلك ما يكتب في المصاحف من كلامه فهو كلامه مكتوباً في المصاحف ، وكلامه غير مخلوق ، والمداد يكتب به كلامه وغير كلامه مخلوق )(2)

ثم إن ابن تيمية فرَّق بين الحروف التي يتألف منها القرآن ، والحروف التي يتألف منها سائر الكلام ، حيث قال : ( من قال إن حروف المعجم كلها مخلوقة وأن كلام الله مخلوق فقد قال قولاً مخالفاً للقول المعقول الصريح والمنقول الصحيح ، ومن قال : نفس أصوات العباد أو مدادهم ، أو شيئاً من ذلك قديم فقد خالف أيضاً أقوال السلف وكان فساد قوله ظاهراً لكل أحد ، وكان مبتدعاً قولاً لم يقله أحد من المسلمين ولا قالته طائفة كبيرة من طوائف المسلمين ، بل الأئمة الأربعة وجمهور أصحابهم بريئون من ذلك ، ومن قال : إن الحرف المعين أو الكلمة المعينة قديمة العين فقد ابتدع قولاً باطلاً في الشرع والعقل ، ومن قال إن جنس الحروف التي تكلم الله بها بالقرآن وغيره ليست مخلوقة ، وأن الكلام العربي الذي تكلم به ليس مخلوقاً ، والحروف المنتظمة منه جزء منه ولازمة له ، وقد تكلم الله بها فلا تكون مخلوقة فقد أصاب).(3)

وتجد في هذا الكلام من الغرابة أنك بينما تجد فيه أن من قال إن الحرف المعين أو الكلمة المعينة قديمة العين فقد ابتدع قولاً باطلاً في الشرع والعقل - وهو حق في ذاته - تجد بعده ما ينقضه وهو أن الحروف التي انتظم منها القرآن والكلمات التي تركب منها ليست مخلوقة فكيف يكون الشيء الواحد مخلوقاً وغير مخلوق ، وبجانب ذلك ينقل ابن تيمية نفسه عن الإمام أحمد أن من قال إن حرفاً من حروف المعجم مخلوق فهو جهمي (4) على أن الظاهر من كلامه التفرقة بين الحروف والكلمات إن جاءت في كلام الله أو جاءت في كلام الخلق فهي - بحسب هذا الظاهر - في كلام الله غير مخلوقة وفي كلام خلقه مخلوقة ، فيلزم من ذلك أن تكون أسماء النبيين وغيرهم وسائر الأسماء المذكورة في القرآن إن وردت في القرآن فهي قديمة وإن وردت في غيره فهي حادثة ، ويترتب على ذلك أن يكون لكل منها حكمان متضادان .

وأصرح من كلام ابن تيمية قول تلميذه ابن القيم : ( وإذا قيل إن حروف المعجم مخلوقة أو غير مخلوقة ، فجوابه أن الحرف حرفان ، فالحرف الواقع في كلام المخلوقين مخلوق ، وحروف القرآن غير مخلوقة ) .(5)

ومع ما سبق نقله من كلام ابن تيمية الذي ينص بأن موقف الإمام أحمد وأكثر أصحابه أنهم اشتد إنكارهم على الذين قالوا بأن تلاوة العباد وألفاظهم بالقرآن غير مخلوقة ، وحكموا عليهم بالبدعة ، وأمروا بهجرهم ، نجد ما يخالف ذلك في كلامه بنفسه حيث يقول: (وأما الحروف هل هي مخلوقة أو غير مخلوقة؟ فالخلاف في ذلك بين الخَلَف مشهور ، فأما السلف فلم ينقل عن أحد منهم أن حروف القرآن وألفاظه وتلاوته مخلوقة ، ولا ما يدل على ذلك،بل قد ثبت عن غير واحد منهم الرد على من قال إن ألفاظنا بالقرآن مخلوقة وقالوا هو جهمي ، ومنهم من كفره ، وفي لفظ بعضهم تلاوة القرآن ، ولفظ بعضهم الحروف ، وممن ثبت عنه ذلك أحمد بن حنبل وأبو الوليد الجارودي صاحب الشافعي ، وإسحاق بن راهويه ، والحميدي ، ومحمد ابن أسلم الطوسي ، وهشام بن عمر ، وأحمد بن صالح المصري ) (1) ولا داعي إلى التعليق على هذا الكلام ، فإذا كانت تلاوة التالي للقرآن غير مخلوقة مع أنها فعل من أفعاله ، والتالي نفسه مخلوق ، وكل أفعاله كائنة بعد أن لم تكن فحسبي الله ، آمنت به سبحانه ربا لا شريك له في خلقه ، ولا ند له في ربوبيته ، ولا مشابه له في صفاته .

وقال ابن تيمية أيضاً

وهناك ثلاثة أشياء :
ـ أحدها :حروف القرآن التي هي لفظه قبل أن ينزل بها جبريل ، وبعد ما نزل بها ، فمن قال إن هذه مخلوقة فقد خالف إجماع السلف فإنه لم يكن في زمانهم من يقول هذا إلا الذين قالوا إن القرآن مخلوق ، فإن أولئك قالوا بالخلق للألفاظ ألفاظ القرآن ، وأما ما سوى ذلك فهم لا يقرّون بثبوته لا مخلوقاً ولا غير مخلوق ، وقد اعترف غير واحد من فحول أهل الكلام بهذا ، منهم عبد الكريم الشهرستاني مع خبرته بالملل والنحل ، فإنه ذكر أن السلف مطلقاً ذهبوا إلى أن حروف القرآن غير مخلوقة ، وقال : ظهور القول بحدوث القرآن محدث ، وقرر مذهب السلف في كتابه المسمى بنهاية الكلام .


ـ الثاني :أفعال العباد ، وهي حركاتهم التي تظهر عليها التلاوة ، فلا خلاف بين السلف أن أفعال العباد مخلوقة ، ولهذا قيل أنه بدَّع أكثرهم من قال لفظي بالقرآن مخلوق (2) لأن ذلك قد يدخل فيه فعله .


ـ الثالث :التلاوة الظاهرة من العبد عقيب حركة الآية ، فهذه منهم من يصفها بالخلق ، وأول من قال ذلك - فيما بلغنا - حسين الكرابيسي وتلميذه داود الأصبهاني (3)وطائفة ، فأنكر ذلك عليهم علماء السنة في ذلك الوقت ، وقالوا فيهم كلاماً غليظاً ، وجمهورهم - وهم اللفظية عند السلف - الذين يقولون لفظنا بالقرآن مخلوق ، أو القرآن بألفاظنا مخلوق ، ونحو ذلك .

وعارضهـم طائفة من أهل الحديث والسنة كثيرون ، فقالوا : لفظنا بالقرآن غير مخلوق ، والذي استقرت عليه نصوص الإمام أحمد وطبقته من أهل العلم أن من قال لفظي بالقرآن مخلوق فهو جهمي ، ومن قال غير مخلوق فهو مبتدع ، هذا هو الصواب عند جماهير أهل السنة أن لا يطلق واحد منهما كما عليه الإمام أحمد وجمهور السلف ، لأن كل واحد من الإطلاقين يقتضي إيهاماً لخطأ ، فإن أصوات العباد محدثة بلا شك ، وإن كان بعض من نصر السنة ينفي الخلق عن الصوت المسموع من العبد بالقرآن ، وهو مقدار ما يكون من القرآن المبلغ.

فإن جمهور أهل السنة أنكروا ذلك وعابوه جرياً على منهاج أحمد وغيره من أئمة الهدى ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( زينوا القرآن بأصواتكم ) .

( وأما التلاوة في نفسها التي هي حروف القرآن وألفاظه فهي غير مخلوقة ، والعبد إنما يقرأ كلام الله بصوته ، كما أنه إذا قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إنما الأعمال بالنيات .. ) فهذا الكلام لفظه ومعناه إنما هو كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو قد بلغه بحركته وصوته ، كذلك القرآن لفظه ومعناه كلام الله تعالى ، ليس للمخلوق فيه إلا تبليغه وتأديته وصوته ، وما يخفى على لبيب الفرق بين التلاوة في نفسها قبل أن يتكلم بها الخلق وبعد أن يتكلموا بها ، وبين ما للعبد في تلاوة القرآن من عمل وكسب ، وإنما غلط بعض الموافقين والمخالفين فجعلوا البابين باباً واحداً وأرادوا أن يستدلوا على نفس حدوث حروف القرآن بما دل على حدوث أفعال العباد ، وما تولد عنها ، وهذا أقبح الغلط ، وليس في الحجج العقلية ولا السمعية ما يدل على حدوث نفس حروف القرآن إلا من جنس ما يحتج به على حدوث معانيه ، والجواب عن الحجج مثل الجواب عن هذه لمن استهدى الله فهداه ) (1)وكلامه هذا لا يختلف عن سائر ما سبق نقله عنه ، مما يدل على تضارب أقوالهم وتناقض حججهم ، فهو لا يحتاج إلى تعليق من هذه الحيثية ، وإنما أردت أن أضع بين يدي القارئ الكريم النقاط التالية :

1 ـ أن ابن تيمية حكى في صدر هذا الكلام المنقول أنّ من قال بأن حروف القرآن مخلوقة فهو مخالف للإجماع ، وأي إجماع هذا ؟ فإن السلف الصالح من الصحابة والتابعين لم يثيروا مسألة خلق القرآن ، وإنما اكتفوا باعتقاد أنه تنزيل من حكيم حميد ، وأن الله خالق كل شيء ، وما سواه مخلوق كائناً ما كان ، أما بعد ما أثيرت المسألة ونجم الخلاف فيها بين طوائف الأمة فلا وجه لأن يُعَدَّ قول طائفة منها إجماعاً ، اللهم إلا قول المستندين إلى الأدلة القاطعة من الكتاب أو السنة الصحيحة المتواترة ، أو الأصول المجمع عليها ، وهذا إنما يعرف بتمحيص الأقوال وبحث أدلتها ، وسيأتيك إن شاء الله من ذلك في هذا المبحث ما يثلج صدرك ويشرحه بالحق الذي لا مرية فيه .

2 ـ أنه فرق بين أفعال العباد - وهي حركاتهم التي تظهر عليها التلاوة - فحكى أنه لا خلاف بين السلف أن أفعال العباد مخلوقة ، وبين التلاوة الظاهرة من العبد عقيب حركة الآية ، فحكى عن علماء السنة أنهم أنكروا على من قال بخلقها مع أنه من المعلوم قطعاً أن ما يظهر من العبد عندما يتلو القرآن من الحركة ما هو إلا فعله المعبر عنه بالتلاوة ، وكيف يكون فعل العبد غير مخلوق مع أن نفس الفاعل مخلوق .

3 ـ أنه فرق بين التلاوة في نفسها قبل أن يتكلم بها الخلق وبعد أن يتكلموا بها ، وبين ما للعبد في تلاوة القرآن من عمل وكسب ، وادَّعى أن الفرق بينهما لا يخفى على لبيب ، مع أن التلاوة - كما قلت قبل قليل - ليست إلا نفس فعل التالي ، فكيف يفرق بين فعل العبد وبين ماله فيه من عمل وكسب ؟ وهل مثل هذا إلا كمثل التفرقة بين الضرب الصادر من الضارب ، والصوم الكائن ، من الصائم ، وبين كسب العبد فيهما ؟ وما هو في الحقيقة إلا تفريق بين الشيء ونفسه .

4 ـ أنه ادَّعى أنه ليس في الحجج العقلية ولا السمعية ما يدل على حدوث نفس حروف القرآن ، وليس لهذا جواب إلا أن يقال :



وليس يصح في الأذهان شيءٌ

إذا احتاج النهار إلى دليل

وستوافيك إن شاء الله هذه الحجج في الفصل الأخير المعقود لذلك من هذا المبحث .

وهاك نصًّا آخر عن ابن تيمية في تنازعهم في هذه المسألة قال : ( والقول بأن اللفظ غير مخلوق نُسب إلى محمد بن يحيى الذهلي ، وأبي حاتم الرازي ، بل وبعض الناس ينسبه إلى أبي زرعة أيضاً ويقول إنه هو وأبو حاتم هجرا البخاري ، لما هجره محمد بن يحيى الذهلي ، والقصة في ذلك مشهورة ) .

( وبعد موت أحمد وقع بين بعض أصحابه وبعضهم وبين طوائف من غيرهم بهذا السبب . وكان أهل الثغر مع محمد بن داود والمصيصي شيخ أبي داود يقولون بهذا ، فلما ولي صالح بن أحمد قضاء الثغر طلب منه أبو بكر المروذي أن يظهر لأهل الثغر مسألة أبي طالب فإنه قد شهدها صالح وعبد الله أبنا أحمد ، والمروذي وفوران ، وغيرهم ، وصنف المروذي كتاباً في الإنكار على من قال إن لفظي بالقرآن غير مخلوق ، وأرسل في ذلك إلى العلماء بمكة والمدينة والكوفة والبصرة ، وخراسان وغيرهم ، وقد ذكر ذلك أبو الخلال في كتاب السنة - وبسط القول في ذلك ) .

( ومع هذا فطوائف من المنتسبين إلى السنة وإلى أتباع أحمد كأبي عبدالله بن منده ، وأبي نصر السجزي ، وأبي إسماعيل الأنصاري ، وأبي العلاء الهمداني وغيرهم يقولون لفظنا بالقرآن غير مخلوق ، ويقولون إن هذا قول أحمد ، ويكذبون - أو منهم من يكذب - برواية أبي طالب ويقولون إنها مفتعلة عليه ، أو يقولون رجع عن ذلك ، كما ذكر ذلك أبو نصر السجزي في كتابه " الإبانة " المشهور ) .

( وليس الأمر كما قال هؤلاء ، فإن أعلم الناس بأحمد وأخص الناس وأصدق الناس في النقل عنه هم الذين رووا ذلك عنه ، ولكن أهل خراسان لم يكن لهم من العلم بأقوال أحمد ما لأهل العراق الذين هم أخص به ، وأعظم ما وقعت فتنة اللفظ بخراسان ، وتعصب فيها على البخاري - مع جلالته وإمامته - وإن كان الذين قاموا عليه أيضاً أئمة أجلاء ) (1)وهذا النص يفيد أنهم لم يكتفوا بالاختلاف في الرأي والاعتقاد بل جاوزوه إلى تكذيب بعضهم لبعضِ في الروايات التي يُسْنِدُونَهَا إلى أحمد ويستندون إليها .

وذكر ابن تيمية عقب هذا النص أنه وجد بخط بعض الشيوخ الذين لهم علم ودين يقول : مات البخاري بقرية خرتنك فأرسل أحمد إلى أهل القرية يأمرهم أن لا يصلوا عليه لأجل قوله في مسألة اللفظ .

وتعقبه ابن تيمية بأن هذا من أبين الكذب على أحمد والبخاري ، وأن كاذبه جاهل بحالهما لأن موت أحمد سابق على موت البخاري بخمسة عشر عاماً إذ كانت وفاته سنة إحدى وأربعين بينما وفاة البخاري كانت سنة ست وخمسين ) (2).

وهذه صورة واضحة من صور التعصب المقيت الذي كان بينهم في هذه المسألة ، وناهيك أن ابن تيمية ينسب هذا الكذب إلى من له علم ودين منهم ، فكيف بمن خلا منهما أو من أحدهما ، وأي دين يبقى لمن يسوغ لنفسه أن يكذب في أمور الدين ، ولست أرى هذه الاستساغة للكذب إلا أثراً من آثار اعتقاد العفو عن أهل الكبائر ، أو أنهم يعذبون بمقدارٍ ثم يخرجون من النار .

هذا وذكر ابن تيمية أنه رأى بخط القاضي أبي يعلى قال : ( نقلت من آخر كتاب الرسالة للبخاري في أن القراءة غير المقروء ، وقال وقع عندي عن أحمد بن حنبل على اثنين وعشرين وجها كلها يخالف بعضها بعضاً ، والصحيح عندي أنه قال : ما سمعت عالماً يقول لفظي بالقرآن غير مخلوق ، قال : وافترق أصحاب أحمد بن حنبل على نحو من خمسين ) (3). وهم في هذا التنازع لا يرجعون إلى أصل من كتاب أو سنة ، وإنما كل مستندهم ما يروونه عن الإمام أحمد ويتأولونه من كلامه ، فكأنهم جعلوا كلامه أصلا من أصول الدين المستند إليها ، فأين هم من قوله تعالى : ( فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا ) النساء 59 ، وقد أغمضوا أعينهم عن كل ما جاء عن الله والرسول مما يجلو وجه الحق ويكشف سدول الجهل عن حقيقته في هذه المسألة مما ستقف عليه في الفصل الأخير إن شاء الله ، ومع هذا لا تزال تسمع دعاوي عدم التقليد وعدم التقيد إلا بما ثبت عن الله والرسول فأين الواقع من الدعوى ؟ !!

وقد بلغ الإصرار ببعضهم إلى التزام كل ما يترتب على القول بقِدم القرآن حتى أصر بعضهم على أن كلام المخلوقين غير مخلوق لمشابهته كلام الله في حروفه وكلماته ، كما ذكره القاضي ابن عقيل - من الحنابلة - ونقله عنه ابن تيمية (1)وقال إثره: ( هذا الذي حكى عنه ابن عقيل من بعض الأصحاب المذكورين منهم القاضي يعقوب البرزيني ، ذكره في مصنفه فقال : دليل عاشر وهو أن هذه الحروف بعينها وصفتها ومعناها وفائدتها هي التي في كتاب الله تعالى وفي أسمائه وصفاته ، والكتاب بحروفه قديم وكذلك هاهنا )

قال : ( فإن قيل لا نسلم إن تلك لها حرمة وهذه لا حرمة لها ، قيل لا نسلم بل لها حرمة ، فإن قيل لو كان لها حرمة لوجب أن تمنع الحائض والنفساء من مسها وقراءتها ، قيل قد لا تمنع من مسها وقراءتها ويكون لها حرمة كبعض آية تمنع من قراءتها ولها حرمة وهي قديمة ، وإنما لم تمنع من قراءتها ومسها للحاجة إلى تعليمها ، كما يقال في الصبي يجوز له مس المصحف على غير طهارة للحاجة إلى تعليمه .

فإن قيل : فيجب إذا حلف بها أن تنعقد يمينه ، وإذا خالف يمينه أن يحنث ، قيل له : كما في حروف القرآن مثله نقول هنا .

فإن قيل : أليس إذا وافقها في هذه المعاني دل على أنها هي ؟ ألا ترى أنه إذا تكلم متكلم بكلمة يقصد بها خطاب آدمي فوافق صفتها صفة ما في كتاب الله تعالى ، مثل قوله يا داود ، يا نوح ، يا يحيى ، وغير ذلك فإنه موافق لهذه الأسماء التي في كتاب الله ، وإن كانت في كتاب الله قديمـة ، وفي خطاب الآدمي محدثه ؟

( قيل كل ما كان موافقاً لكتاب الله في لفظه ونظمه وحروفه فهو من كتاب الله وإن قصد به خطاب آدمي ، فإن قيل : فيجب إذا أراد بهذه الأسماء آدميا وهو في الصلاة أن لا تبطل صلاته ، قيل له : كذلك نقول ، وقد ورد مثله عن عليِّ وغيره ، إذ ناداه رجل من الخوارج ( لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين ) الزمر 65 ، قال : أجابه عليٌّ وهو في الصلاة ( فاصبر إن وعد الله حق ولا يستخفَّنك الذين لا يوقنون ) الروم 60 ، وعن ابن مسعود أنه استأذن عليه بعض أصحابه فقال : ( ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين ) يوسف 99 .

قال : فإن قيل : أليس إذا قال : ( يا يحيى خذ الكتاب بقوة ) ونوى به خطاب غلام اسمه يحيى يكون الخطاب مخلوقاً ، وإن نوى به القرآن يكون قديماً ؟! قيل له : في كلا الحالين يكون قديماً ، لأن القديم عبارة عما كان موجوداً فيما لم يزل ، والمحدث عبارة عما حدث بعد أن لم يكن ، والنية لا تجعل المحدث قديماً ، ولا القديم محدثاً . قال : ومن قال هذا فقد بالغ في الجهل والخطأ .

وقال أيضاً كل شيء يشبه بشيء ما فإنما يشبهه في بعض الأشياء دون بعض ولا يشبهه من جميع أحواله ، لأنه إذا كان مثله في جميع أحواله كان هو لا غيره ، وقد بينا أن هذه الحروف تشبه حروف القرآن فهي غيرها )(2).

وبعد ما نقل ابن تيمية كلامه أردفه بقوله : ( هذا كلام القاضي يعقوب وأمثاله مع أنه أجلّ من تكلم في هذه المسألة ، ولما كان جوابه مشتملاً على ما يخالف النص والإجماع والعقل خالفه ابن عقيل وغيره من أئمة المذهب الذين هم أعلم به )(3).

وبعد أن حكى رد ابن عقيل عليه أتبعه بقوله : ( فهذا الذي قاله ابن عقيل أقل خطأ مما قاله البرزيني فإن ذلك مخالف للنص والإجماع والعقل مخالفة ظاهرة ) (1).

فانظر كيف يسجل ابن تيمية كيف يسجل ابن تيمية على أحد كبار أئمتهم - يعدُّه أجل من تكلم في هذه المسألة - مخالفة النص والإجماع والعقل مخالفة ظاهرة ، ولم يبرئ ابن عقيل - الذي يعتبره أعلم منه بالمذهب - من الخطأ ، وإن عد خطأه أقل من خطأ البرزيني ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل نجده ينقل عن أئمتهم تكفير من قال قول البرزيني ، فقد نقل عن حمّاد بن زيد أنه سئل عمن قال كلام الناس ليس بمخلوق . فقال : هذا كلام أهل الكفر . كما نقل عن المعتمر بن سليمان أنه قال : هذا كفر . ولم يعلق عليهما ابن تيمية إلا بما يقتضي تأييدهما .(2) وبما تجده من خلاف حاد بينهم في هذه المسألة بحيث يتعذر الجمع بين أقوالهم وتدرك أنهم لم يتقيدوا فيها بضوابط ، ولذلك أرسل بعضهم فيها عنان القول حتى زعم أن جلد المصحف والوتد الذي يعلق به وما حول الوتد من الحائط ، كل ذلك من كلام الله فهو غير مخلوق في زعمهم ، وهو وإن عزاه ابن تيمية إلى جهلتهم(3) فما أدراك لعل أولئك يعدون معارضيهم هم الجهلة ويزعمون أيضاً مثلهم أنهم أسعد بمذهب الإمام أحمد .

وبهذا تدرك أخي القارئ خطورة هذه العقيدة وما جرَّته على الإسلام من بلاء ، فإن إضفاء صفة القِدم (4) على ما لا يماري عاقل ولا يكابر حسٌّ في حدوثه ، كالجلود ، والأوتاد ، والحوائط ، أمر لا يبقى بعده إلا إثبات قِدم العالم بأسره وإنكار الألوهية رأساً ، وإلا فكيف يمكن إقرار صفات الألوهية والربوبية والوحدانية لله سبحانه مع إثبات صفة القِدم لغيره عز وجل بنفي أن يكون مخلوقاً له تعالى ، على أن تفرّده تعالى بالقِدم كتفرده بالألوهية سواء بسواء ، فإذا جاز لأحد أن يشاركه في إحدى الصفتين جاز ذلك في الأخرى ، وفي هذا ما يكشف لكل ذي عينين أن إثارة بحث هذه القضية في الوسط الإسلامي لم يكن إلا مؤامرة دبرها أعداء الإسلام لصرف المسلمين عن عقيدة التوحيد الخالصة ، وتمزيق شملهم بهذه الأقوال المتباينة والمذاهب المتعارضة .

وقد أدرك ذلك أحد العلماء المتأخرين الذين تأثروا بعقيدة الحنابلة ، تأثراً أفضى به إلى التعصب الذي يجب على الباحث المسلم أن يكون بعيداً عنه ، وهو الإمام الشوكاني الذي ترك عقيدته الزيدية واعتنق ما يسمى بالعقيدة السلفية ، فقد قال في تفسيره المشهور : ( ولقد أصاب أئمة السنة بامتناعهم من الإجابة إلى القول بخلق القرآن وحدوثه وحفظ الله بهم أمة نبيهم عن الابتداع ، ولكنهم رحمهم الله جاوزوا ذلك إلى الجزم بقِدمه ، ولم يقتصروا على ذلك حتى كفَّروا من قال بالحدوث ، بل جاوزوا ذلك إلى تكفير من قال لفظي بالقرآن مخلوق ، بل جاوزوا ذلك إلى تكفير من وقف ، وليتهم لم يجاوزوا حدّ الوقوف وإرجاع العلم إلى علاّم الغيوب ، فإنه لم يسمع من السلف الصالح من الصحابة والتابعين ومن بعدهم إلى وقت قيام المحنة وظهور القول في هذه المسألة شيء من الكلام ، ولا نُقل عنهم كلمة في ذلك ، فكان الامتناع من الإجابة إلى ما دعوا إليه ، والتمسك بأذيال الوقف ، وإرجاع علم ذلك إلى عالمه هو الطريقة المثلى ، وفيه السلامة والخلوص من تكفير طوائف من عباد الله ، والأمـر لله سبحانه )(5) .

ولا يخفى على ذي عقل ما في كلامه هذا من الاعتراف بالحقيقة مع التعصب للذين نُسب إليهم أن الله وقى بهم الأمة شر الابتداع ، بجانب ما ذكره من أنهم أتوا به من غير حجة ولا دليل ، واجترأوا على تكفير طوائف من عباد الله من غير صحة ولا برهان ، وأي ابتداع أخطر على الأمة من ذلك ؟

وأما اختلافهم في تعلق مشيئة الله بكلامه فقد نصَّ عليه ابن تيمية حيث قال: (وأحمد قد صرّح هو وغيره من الأئمة أن الله لم يزل متكلماً إذا شاء ، وصرّح أن الله يتكلم بمشيئته ، ولكن اتباع ابن كلاب كالقاضي وغيره تأولوا كلامه على أنه أراد بذلك إذا شاء الإسماع ، لأنه عندهم لم يتكلم بمشيئته وقدرته .

وصرّح أحمد وغيره من السلف أن القرآن كلام الله غير مخلوق ، ولم يقل أحد من السلف إن الله تكلم بغير مشيئته وقدرته ، ولا قال أحد منهم إن نفس الكلام المعين كالقرآن أو ندائه لموسى أو غير ذلك من كلامه المعين إنه قديم أزلي لم يزل ولا يزال . وأن الله قامت به حروف معينه ، أو حروف وأصوات معينه قديمة أزلية لم تزل ولا تزال ، فإن هذا لم يقله ولا دلّ عليه قول أحمد ولا غيره من أئمة المسلمين ، بل كلام أحمد وغيره من الأئمة صريح في نقيض هذا ، وأن الله يتكلم بمشيئته وقدرته ، وأنه لم يزل يتكلم إذا شاء مع قولهم إن كلام الله غير مخلوق وإنه منه بدأ ليس بمخلوق ابتدأ من غيره ، ونصوصهم بذلك كثيرة معروفة في الكتب الثابتة عنهم ، مثل ما صنفه أبو بكر الخلال في كتاب السنة وغيره ، وما صنفه عبد الرحمن بن أبي حاتم من كلام أحمد وغيره ، وما صنفه أصحابه كابنيه صالح وعبد الله ، وحنبل ، وأبي داود والسجستاني صاحب السنن ، والأثرم ، والمروذي ، وأبي زرعة ، وأبي حاتم ، والبخاري صاحب الصحيح ، وعثمان بن سعيد الدارمي ، وإبراهيم الحربي ، وعبد الوهاب الوراق ، وعباس بن عبد العظيم العنبري ، وحرب بن إسماعيل الكرماني ، ومن لا يحصى عدده من أكابر أهل العلم والدين وأصحاب أصحابه ممن جمع كلامه وأخباره كعبد الرحمن بن أبي حاتم ، وأبي بكر الخلال وأبي الحسن البناني الأصبهاني ، وأمثال هؤلاء ، ومن كان أيضاً يأتم به وبأمثاله من الأئمة في الأصول والفروع كأبي عيسى الترمذي صاحب الجامع ، وأبي عبد الرحمن النسائي ، وأمثالهما ، ومثل أبي محمد ابن قتيبة وأمثاله )(1).

وأنت تدري أن الذين ذهبوا إلى أن كلام الله بغير مشيئته منهم ، بنوا قولهم هذا على ما يستلزمه جعل كلامه الحرفي صفة قديمة قائمة بذاته عز وجل ، فإن القديم بقِدمه لا تسبقه مشيئة كالعلم والقدرة ، والحياة وأمثالها من صفاته تعالى ، فكما لا يقال إن الله قادر بمشيئته ، وحيّ بمشيئته ، وعليم بمشيئته لئلا يسبق إلى الأفهام حدوث هذه الصفات يلزم القائلين بقِدم تكلمه تعالى أن يقولوا إنه غير معلق بمشيئته ، وعندما أحس ابن تيمية بوقوعه في هذا الفخ لجأ إلى هدم كل ما بناه ، ونقض كل ما أصَّله في هذه المسألة ، حيث قال : ( ولا قال أحد منهم - أي السلف - إن نفس الكلام المعين كالقرآن أو نداءه لموسى ، أو غير ذلك من كلامه المعين إنه قديم أزلي لم يزل ولا يزال ، وأن الله قامت به حروف معينة أو حروف وأصوات معينة قديمة أزلية لم تزل ولا تزال ، فإن هذا لم يقله ولا دل عليه قول أحمد ، ولا غيره من أئمة المسلمين ، بل كلام أحمد وغيره من الأئمة صريح في نقيض هذا )(2).

وإذا كان الأمر كما قرره هنا ففيم إذن هذا الضجيج ؟ ولماذا يقال إن القرآن غير مخلوق ؟ مع إنكاره أن يقول أحد من السلف بأزليته .

فإن قيل إن مرادهم بإنكار خلق القرآن ، والإنكار على من قال ذلك لم يريدوا به إلا إنكار كونه ناشئاً عن غيره تعالى ، كما يفيده قول ابن تيمية - فيما سبق نقله عنه - ( مع قولهم أن كلام الله غير مخلوق وأنه منه بدأ ، ليس بمخلوق ابتدأ من غيره )(1).

فالجواب أن وصف شيء بالمخلوقية لا يعني بحال أنه صادر عن غير الله تعالى ، فالسماوات والأرض وما فيهما ومن فيهما لم تنشأ من غيره تعالى ، فهل يسلب شيئاً منها صفة المخلوقية لأجل ذلك ، وكما أن مبدأ القرآن من الله - كما نص عليه ابن تيمية - فإن مبدأ الكون منه تعالى ( أمن يبدأ الخلق ثم يعيده ومن يرزقكم من السماء والأرض أإله مع الله قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين ) النمل 64 .

وما أعجب التناقض والاضطراب في قول ابن تيمية : ( إن كلام الله غير مخلوق وإنه منه بدأ ليس بمخلوق ابتدأ من غيره ) ، حيث نفى الخلق عن الكلام وأثبت له البداية ، وهل البداية إلا خلق ، وقوله في آخره : ( ليس بمخلوق ابتدأ غيره ، إن كان مراده به أن كل مخلوق ابتدأ من غير الله فهو مردود بأدلة العقل والنقل كما هو واضح مما ذكرته قبل قليل ، وإن كان مراده به نفي اجتماع الصفتين في كلامه تعالى - وهما خلقه وابتداؤه من غيره - فلا معنى لذلك إلا أن يحمل ابتداؤه من غيره على أنه وصف مقيد للخلق المنفي ، وهذا - ورب الكعبة - هو عين ما يقوله القائلون بخلق القرآن ، إذ لا قائل منهم بأنه ابتدأ من غيره سبحانه ، فإن الكل مُجمعون على أنه كلامه عز وجل ووحيه وتنزيله .

فإن قيل لعل في هذا النص الذي نقلته عن ابن تيمية خطأ مطبعي أدى إلى هـذا اللبس ؟

فجوابه أن ثمَّ نصوصاً أخرى تدل على نفس المعنى ، فاحتمال الخطأ فيه احتمال بعيد يكاد يكون متعذراً ، ومن هذه النصوص :

أ ـ ( إن السلف قالوا : القرآن كلام الله المنزل غير مخلوق ، وقالوا لم يزل متكلماً إذا شاء ، فبينوا أن كلام الله قديم ، أي جنسه قديم لم يزل ، ولم يقل أحد منهم إن نفس الكلام المعين قديم ، ولا قال أحد منهم القرآن قديم ، بل قالوا إنه كلام الله المنزل غير مخلوق ، وإذا كان الله قد تكلم بالقرآن بمشيئته كان القرآن كلامه وكان منزلاً منه غير مخلوق ، ولم يكن مع ذلك أزليًّا قديماً بقِدم الله ، وإن كان الله لم يزل متكلماً إذا شاء فجنس كلامه قديم(2).

ب ـ وكما لم يقل أحد من السلف إنه مخلوق فلم يقل أحد منهم إنه قديم ، لم يقل واحداً من القولين أحد من الصحابة ولا التابعين لهم بإحسان ، ولا من بعدهم من الأئمة الأربعة ولا غيرهم ، بل الآثار متوترة عنهم أنهم كانوا يقولون القرآن كلام الله ، ولما ظهر من قال إنه مخلوق قالوا رداًّ لكلامه ، إنه غير مخلوق (3).

ج ـ ( والسلف قالوا لم يزل الله تعالى متكلماً إذا شاء فإذا قيل كلام الله قديم ، بمعنى أنه لم يصِر متكلماً بعد أن لم يكن متكلما ولا كلامه مخلوق ، ولا معنى واحد قديم قائم بذاته ، بل لم يزل متكلماً إذا شاء ، ولم يقل أحد من السلف إن نفس الكلام المعين قديم (4)، وكانوا يقولون : كلام الله المنزل غير مخلوق منه بدأ وإليه يعود ، ولم يقل أحد منهم إن القرآن قديم ، ولا قالوا إن كلامه معنى واحد قائم بذاته ، ولا قالوا إن حروف القرآن أو حروفه وأصواته قديمة أزلية قائمة بذات الله ، وإن كان جنس الحروف لم يزل الله متكلماً بها إذا شاء ، بل قالوا إن حروف القرآن غير مخلوقة ، وأنكروا على من قال إن الله خلق الحـروف )(5).

ويستخلص من كلامه هذا ما يلي :

1 ـ تفسير قِدم كلامه تعالى بكونه سبحانه قد كان في الأزل متكلماً - أي غير عاجز عن الكلام وهو كذلك فيما لا يزال - وهذا أمر غير مختلف فيه بيننا وبينهم ، فإنا جميعاً نثبت له سبحانه صفة الكلام أزلاً بهذا المعنى ، وهو مفهوم من كثير من نصوص علمائنا ، وقد تقدم عن صاحب المعالم رحمه الله تعالى أنه نقل الإجماع عليه .

2 ـ أن ابن تيمية وجميع علماء سلفه الذين يعتمد عليهم لا يقولون في القرآن المنزل على نبينا صلى الله عليه وسلم أنه قديم العين ، كما لا يقولون ذلك في شيء من الكتب المنزلة ، ولا أي كلام ينسب إليه تعالى كالذي كلّم به موسى عليه السلام ، ولا يقولون في شيء من ذلك أنه صفة قديمة ، أو أنه قائم بذات الحق تعالى ، وهذا لا خلاف بيننا وبينهم فيه وإنما هو مخالف لما نص عليه كثير من الأشعرية والكلابية (1) أو الحنابلة أنفسهم ؛ من كون القرآن موصوفاً عينه بالقِدم ، وأنه صفة لله قائمة بذاته عز وجل ، وكذلك سائر الكتب المنزلة وكل كلام ينسب إليه تعالى ، وقد سبق نقل بعض هذه النصوص .

3 ـ أنهم مع اعترافهم بعدم قِدم القرآن وسائر الكتب المنزلة ، ينفون عنها صفة المخلوقية ، ويضللون أو يكفِّرون من قال بخلقها ، وهذا محط العجب ، وموضع الاستغراب ، فإن الكائنات بأسرها إما أن تكون قديمة أزلية لم يسبق وجودها عدم ، وإما أن تكون حادثة كانت بعد أن لم تكن ، وهي في هذا الكون بحاجة إلى من أخرجها من العدم إلى الوجود وهذا هو معنى الخلق كما سبق في مقدمة هذا المبحث ، ولا أدل على وجود الخالق سبحانه وتعالى من حدوث مخلوقاته ، ولذلك نجد في القرآن التعجيب من حال أولئك الذين ينكرونه تعالى ، أو يشكون فيه مع قيام هذه الشواهد الدالة عليه من خلقه ، كما تجد ذلك واضحاً في قوله سبحانه : ( أفي الله شك فاطر السماوات والأرض ) إبراهيم 10 ، فإن غير القديم الأزلي يتعذر عليه أن يخرج بنفسه من العدم إلى الوجود ، لتعذر أن تكون للمعدوم قدرة أو إرادة أو غير ذلك من الصفات التي يتوقف عليها هذا الخروج ، ولو جاز ذلك في القرآن أو نحوه من الكلام المؤلف من الحروف ، المنتظم من الكلمات والجمل الدالة على المعاني لأمكن في سائر الأعراض ، ولو أمكن في الأعراض لأمكن في الأجسام لعدم الفارق بينهما .

ولئن فُتح باب تجويز وجود شيء بعد عدمه من غير خلق ، فلن يقف شيء في وجه الملاحدة الذين يدعون أن حدوث الكون ونظامه لم يكن إلا بالصدفة العمياء من غير أن يبدعه خالق أو يدبره مدبر ، وإن أشد ما يدعو إلى الاستغراب أن يعترف أحد بوجود شيء بعد عدمه ثم ينفي مع ذلك أن يكون الله تعالى خلقه ، مع النصوص القرآنية القاطعة بأن الله خلق الأشياء كلها ، كقوله تعالى : ( الله خالق كل شيء ) الرعد 16 ، وقوله : ( وخلق كل شيء فقدره تقديرا ) الفرقان 2 ، فإن هذا النفي يستلزم إما إنكار وجود ما نفى خلقه رأساً ، وهذا عين اعتقاد الذين قالوا : ( ما أنزل الله على بشر من شيء ) الأنعام 91 ، وإما إنكار هذه النصوص كما سيأتي بيانه إن شاء الله في الفصل الرابع من هذا المبحث .

وقد يتبادر أن الخلاف بيننا وبينهم لا يعدو أن يكون لفظيا ، ما داموا يعترفون بحدوثه ، وإنما أمسكوا عن القول بخلقه الذي أقدمنا عليه .

والجواب يمكن أن يكون كذلك لو أنهم اكتفوا بالإمساك ولم يظللوا أو يكفِّروا من أطلق القول بموجب ما أفادته نصوص القرآن المشار إليها ، أما مع ما صدر منهم من تكفير وتبديع وتضليل أُولي البصائر الذين لم يجترئوا على الدخول في هذه المداخل ، ولم يقدموا على سلوك هذه المسالك ، إلا ببينة من نصوص القرآن التي بصَّرتهم بمواطئ الأقدام ، وصانتهم عن مزالق الأفهام ، فلا وجه لاعتبار الخلق لفظيا ، على أن منع ما صرَّح به القرآن لا وجه له ، لأن القرآن حجة في التعبير ، كما أنه حجة في التعبد ، وإن كنا نقنَع في القضية باعتقاد أن القرآن كلام الله ووحيه وتنزيله ، وأن ما عدا الله مخلوق ولو لم يُخص القرآن باعتقاد خلقه لاندراجه في العموم ، وهذا الذي مضى عليه السلف من الصحابة فمن بعدهم قبل نشوب فتنة الخلاف في القضية ، وعليه مضى المتقدمون السَّابقون من علماء عُمَان كما سبق ، وقد صرَّح ابن تيمية نفسه فيما مضى أنه لم يقل أحد من الصحابة ولا التابعين بقِدمه . (1)

وإذا كانوا لم يقولوا بقِدمه فمن أين لهم أنهم قالوا بنفي خلقه ؟ مع أن هذه القضية لم يُثَرْ بحثها إلاّ بعد انطواء عصورهم ؟ ومن المعلوم قطعاً أن الصحابة رضوان الله عليهم ما كانوا لينفوا صفة المخلوقية عن شيء غير الله سبحانه مع هذه النصوص القرآنية القاطعة بأن الله خالق كل شيء ، ومع إجماع العقلاء أن ما لم يكن قديماً فهو حادث ، وأن كل حادث لا بد له من محدث أحدثه ، أي أخرجه من العدم إلى الوجود ، وهذا هو عين الخلق .

وبالجملة فإنك إذا استقريت ما كتبوه في هذه المسألة وجدتهم يقعون على ما منه يحذرون ، ويعذلون على ما فيه يعذرون .

وهذا قليل من كثير من الاضطراب الذي وقع فيه القائلون بقِدم القرآن وغيره من كلام الله المنزل على أنبيائه ورسله . ولم أرد به إلا التنبيه ، ومن أراد استقصاء ذلك فليرجع إلى مؤلفات أصحاب هذا القول كفتاوى ابن تيمية المجلد الثاني عشر ، الذي بلغت صفحاته ستمائة صفحة ، لا تكاد تنتقل منها من موضوع إلى غيره حتى تشاهد من تناقض كلامه ما يكفيك حجة ودليلا على أن القاعدة التي أسسوا عليها هذا المعتقد متداعية من أسسها ، وما كان أغناهم عن الدخول في هذه المتاهات ، لو أنهم اقتصروا على ما درج عليه السلف من القول السليم في القرآن والخلق ، وهو أن القرآن كتاب الله ووحيه وتنزيله ، وأن كل ما سوى الله مخلوق ، وإذا لم يكن بدّ من تجاوز هذا الإجمال إلى التفصيل فالواجب يحتم أن يكون الأصل الذي يرجع إليه ما دل عليه صريح الكتاب العزيز والسنة الصحيحة مما ستقف عليه إن شاء الله في آخر فصل من هذا المبحث ، لا أن يعوَّل على قول أحد بعينه ، ويجعل هو مدار الاحتجاج فإن كلا يخطئ ويصيب ، ولا يجوز اتباع أحد بدون دليل إلا من كان قوله نفسه دليلاً ، وهو المحفوف بالعصمة الذي وصفه العلي الأعلى بقوله : ( وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى ) النجم 3/4 ، أما من عداه فكل منهم - وإن علا قدره وارتفع شأوه - راد ومردود عليه وآخذ ومأخوذ عليه .








الفصل الثالث

في أدلة النافين لخلق القرآن


سبق في صدر هذا المبحث بيان الشبهة التي نشأ عنها القول بعدم خلق القرآن وسائر الكلام المنزل ، وهي التباسه عند قائلي ذلك بصفة الكلام التي يراد بها نفي الخرس ، وبالعلم الذاتي لأن الله محيط به علماً ، وعلمه أزلي غير حادث ، وتقدم جلاء هذا اللبس بما لا يدع مجالاً للشك والحمد لله ، وبجانب ما ذكرته تعلق أصحاب هذا القول بأمور :

ـ أحدها :أن الله تعالى امتن على عباده بتعليمه القرآن لا بخلقه حيث قال : (الرحمن علَّم القرآن ) الرحمن 1/2 .

وهو كما ترى احتجاج سلبي بما لا ينص على عدم الخلق ، ولا يفهم منه ذلك بحال ، فإن الامتنان بالتعليم لو كان دليلاً على عدم الخلق لاقتضى ذلك أن يكون البيان كله غير مخلوق ، لقوله سبحانه إثر ذلك ( خلق الإنسان علَّمه البيان ) الرحمن 3/4 ، ولم يقل خلق له البيان ، وإنما الامتنان في الموضعين كان بالتعليم لا بالخلق لأنه منشأ الانتفاع بهما ، وقد امتن الله على عباده بتسخير المخلوقات لهم حيث قال : ( وسخَّر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعاً منه ) الجاثية 13 ، فهل يقال بأن ذلك حجة على عدم خلق ما في السماوات وما في الأرض مما سخَّره الله للعباد ، بحجة امتنانه تعالى بتسخيره دون خلقه .


ـ الثاني :قوله تعالى بـ ( له الخلق والأمر ) الأعراف 54 ، وموضع استدلالهم به ، عطف الأمر على الخلق ، وذلك أنهم قالوا إن الخلق هو المخلوق والأمر كلامه تعالى الذي هو غير مخلوق ، وهو قوله ( كن ) ( إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون ) يَس 82 ، وفي هذه التفرقة بين الخلق والأمر دليل على فساد قول من قال بخلق القرآن ، إذ لو كان كلامه الذي هو أمر مخلوقاً لكان قد قال ألا له الخلق والخلق وذلك غث من الكلام ، ومستغث ومستهجن ، روى ذلك عن ابن عيينة ، وذكره غير واحد من المفسرين منهم ابن أبي حاتم والقرطبي والقاسمي .

وفساد قولهم هذا أبين من أن يحتاج إلى بيان ، فقد استدلوا بغير دليل ، وتعلقوا بغير متعلق ، وهو إن دل على شيء فلا يدل إلا على الإفلاس من الحجة ، والحيرة عن الحقيقة ، وإنني لفي شك مريب في صحة نسبة هذا الاستدلال إلى ابن عيينة مع رسوخ قدمه في العلم ، وطول باعه في الفهم ، فقد اشتهر بين أقرانه بحسن الرواية وعمق الدراية ، ولئن كان ذلك ثابتاً عنه فهي عثرة لا لعا بعدها ، وكبوة لا ثورة بعدها ، كيف وهو استدلال منتقض بنيانه ، متداعية أركانه من وجوه شتى :

ـ أولها :أن سياق هذا الكلام غير خارج عن القول في انفراد الله تعالى بإيجاد الحادثات وتصريفها وفق مشيئته ، فإن نص الآية كلها ( إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يغشي الليل النهار يطلبه حثيثاً والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين ) الأعراف 54 ، وغاية ما تدل عليه أن الله سبحانه وتعالى كما انفرد بإيجاد الكون من العدم فهو منفرد بتصريفه ، لا مشارك له في خلقه ولا في تدبيره ، إذ ليس لأحد غيره شيء من الخلق أو التدبير ، بل له تعالى وحده الخلق والأمر ، والمراد به هنا التدبير كما هو واضح ، وليس في ذلك ما يشير إلى قِدم القرآن أو حدوثه ولو من بعيد .

ـ الثاني :أن العطف لا يقتضي التغاير من كل وجه ، بل يكفي فيه أن يكون التغاير اعتبارياًّ كتغاير الخصوص والعموم ، والإطلاق والتقييد ، وتغاير الصفات مع وحدة الموصوف ، ومن أمثلة ذلك قوله تعالى : ( حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى ) البقرة 238، فإن الصلاة الوسطى لم تخرج عن كونها من جنس الصلوات التي أمر بالمحافظة عليها ، وقوله تعالى : ( من كان عدو لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال .. الآية ) البقرة 98 ، ولا قائل بخروج جبريل وميكال من جنس الملائكة ، وقوله جل وعلا : ( تلك آيات الكتاب وقرآن مبين ) الحجر1 ، وقوله : ( تلك آيات القرآن وكتاب مبين ) النمل1 ، والكتاب فيهما عين القرآن ، وليس تغايرهما إلا اعتبارياًّ ، وقوله عز من قائل : ( إن الله يأمر بالعدل والإحسان ) النحل 90 ، ولا يماري عاقل في كون العدل إحساناً والإحسان عدلاً .

ـ ثالثها :أن أمر الله تعالى ذكر في القرآن مقروناً بما يدل على خلقه ، فقد قال عز وجل : ( وكان أمر الله مفعولاً ) الأحزاب 37 ، وقال : ( ليقضي الله أمراً كان مفعولا ) الأنفال42 ، والمفعول والمقضي لا يكونان إلا حادثين لتعذر سبقهما على الفعل والقضاء ، وقال تعالى : ( وكان أمر الله قدراً مقدورا ) الأحزاب 38 ، وكيف يكون المقدور أزلياًّ ، وقال سبحانه : ( يدبِّر الأمر من السماء إلى الأرض ) السجدة 5 ، والمدبِّر حادث ، وقال : ( وما أمرنا إلا واحدة كلمحٍ بالبصر ) القمر 50 ، وقال : ( هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي أمر ربك ) النحل 33 ، وهو دليل على أنه لم يقع بعد عند نزول الآية لأنه منتظر وقوعه ، وقال تعالى : ( حتى إذا جاء أمرنا وفار التنور ) هود 40 ، وليس المراد به هنا إلا ما عاقب به قوم نوح من الغرق ، والعقل والنقل قاضيان بحدوث ذلك .

ـ رابعها :أن أمره تعالى قد يراد به في موضع من القرآن غير ما أريد به في موضع آخر ، فهو في قوله تعالى : ( حتى إذا جاء أمرنا وفار التنور ) غير المراد به في قوله عز وجل :( أتى أمر الله فلا تستعجلوه ) النحل 1 ، وقوله : ( هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي أمر ربك ) .

ـ خامسها :أن حمل الأمر في هذه الآيات التي أوردناها على القرآن غير مستساغ ،لأنه من المعلوم قطعاً أنه ليس هو المراد بقوله : ( أو يأتي أمر ربك ) وقوله : ( أتى أمر الله ) وقوله : ( حتى إذا جاء أمرنا ) وقوله : ( ليقضي الله أمراً كان مفعولا ) وقوله : ( وكان أمر الله قدراً مقدوراً ) فكيف يحمل في قوله : ( له الخلق والأمر ) على القرآن ، والسياق دال على خلافه .

وقد تنبه أئمة التفسير الحاذقون لفساد هذا القول ، فرفضوه من أساسه حتى أولئك القائلون منهم بقِدم القرآن ، فمنهم من لم يعرج عليه رأساً بل اكتفى بإيراد القول الحق في تفسير الآية كابن جرير إذ قال في تفسير الأمر فيها(1): " أمرهن الله فأطعن أمره ألا لله الخلق كله ، والأمر الذي لا يخالف ولا يرد أمره دون ما سواه من الأشياء كلها ، ودون ما عبده المشركون من الآلهة والأوثان التي لا تضر ولا تنفع ، ولا تخلق ولا تأمر ، تبارك الله معبودنا الذي له عبادة كل شيء رب العالمين .

حدثني المثنى قال : ثنا إسحاق ، قال : ثني هشام أبو عبد الرحمن ، قال : ثنا بقية بن الوليد ، قال : ثني عبد الغفار بن عبد العزيز الأنصاري عن عبد العزيز الشامي عن أبيه ـ وكانت له صحبة ـ قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من لم يحمد الله على ما عمل من عمل صالح ، وحمد نفسه قلَّ شكره وحبط عمله ، ومن زعم أن الله جعل للعباد من الأمر شيئاً فقد كفر بما أنزل الله على أنبيائه ، لقوله : ( له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين ) "

ومنهم من أشار إليه وأنكره كالألوسي ، فإنه بعدما ذكر ما نسب إلى ابن عيينة أتبعه بقوله : ( وليس بشيء )(1).

وقال الفخر - بعد أن حكى عن أصحابه احتجاجهم بهذه الآية على أن كلام الله قديم وما ردَّ به عليهم - قال القاضي : أطبق المفسرون على أنه ليس المراد بهذا الأمر كلام التنزيل بل المراد به نفاذ إرادة الله تعالى ، لأن الغرض بالآية تعظيم قدرته ، وقال آخرون لا يبعد أن يقال : الأمر وإن كان داخلاً تحت الخلق إلا أن الأمر بخصوص كونه أمراً يدل على نوع آخر من الكمال والجلال ، فقوله : ( له الخلق والأمر ) معناه له الخلق والإيجاد في المرتبة الأولى ، ثم بعد الإيجاد والتكوين فله الأمر والتكليف في المرتبة الثانية ، ألا ترى أنه لو قال له الخلق وله التكليف وله الثواب والعقاب كان ذلك حسناً مفيداً ، مع أن الثواب والعقاب داخلان تحت الخلق ، فكذا هاهنا ، وقال آخرون : معنى قوله : ( ألا له الخلق والأمر ) هو أنه إن شاء خلق وإن شاء لم يخلق ، فكذا قوله : ( والأمر ) يجب أن يكون معناه إنه إن شاء أمر وإن شاء لم يأمر ، وإذا كان حصول الأمر متعلقاً بمشيئته لزم أن يكون ذلك الأمر مخلوقاً ، كما أنه لما كان حصول المخلوق متعلقاً بمشيئته كان مخلوقاً ، أما لو كان أمر الله قديماً لم يكن ذلك الأمر بحسب مشيئته بل كان ذلك من لوازم ذاته ، فحينئذ لا يصدق عليه أنه إن شاء أمر وإن شاء لم يأمر ، وذلك ينفي ظاهر الآية(2). وهو وإن اعترضه بقوله : ( إنه لو كان الأمر داخلاً تحت الخلق كان إفراد الأمر بالذكر تكريراً محضاً ، والأصل عدمه ، أقصى ما في الباب أنا تحملنا ذلك في صور لأجل الضرورة إلا أن الأصل عدم التكرير ) (3). فإن اعتراضه هذا ساقط بما تقدم من كلامه وبما ذكرته في صدر الرد على هذا الاستدلال .

ونسب أبو حيان هذا الاستدلال بالآية إلى النقَّاش وغيره ، وأتبعه بقوله : ( وهذا استدلال ضعيف إذ لا يتعيَّن حمل اللفظ على ما ذكر بل الأظهر خلافه.

(4) وقال ابن كثير في تفسير الآية أي الجميع تحت قهره وتسخيره ومشيئته ، ولهذا قال منبهاً : ( ألا له الخلق والأمر ) أي له الملك والتصرف . (5)

ونقل جمال الدين القاسمي عن العلامة البقاعي أنه قسم الممكنات الموجودة - وهي ما سوى الله - إلى قسمين ، قسم من شأنه أن يدرك بالحواس الظاهرة ، ويسمى في عرف أهل الشرع الشهادة والخلق والملك ، وقسم لا يدرك بالحواس الظاهرة ، ويسمى الغيب والأمر والملكوت ، والأول يدركه عامة الناس ، والثاني يدركه أولو الألباب الذين عقولهم خالصة عن الوهم والوساوس .(6) وفسّر السيد رشيد رضا الأمر بقوله : ( وهو التشريع والتكوين والتصرف والتدبير )(7). وقال الإمام ابن عاشور : ( الخلق إيجاد الموجودات والأمر تسخيرها للعمـل الذي خلقت لأجله ) ، ثم قال : ( والتعريف في الخلق والأمر تعريف الجنس ، فتفيد الجملة قصر جنس الخلق وجنس الأمر على الكون في ملك الله تعالى ، فليس لغيره شيء ومن مثل هذا الجنس ، معناه ليس لآلهتهم شيء من الخلق ولا من الأمر )(1).

ـ ثالثها :قوله تعالى : ( وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق ) الحجر 85 ، ووجه استدلالهم به أن المراد ( بالحق ) الذي خلقها الله به قوله لها ( كن ) ، فلو كان هذا القول مخلوقاً لما صحَّ أن يخلق به المخلوقات لأن الخلق لا يخلق بمخلوق . (2)

وجوابه من أوجه :
أ ـ أنا لا نسلم أن المراد ( بالحق ) هنا ما ذكرتموه فإن أولى ما فسر به القرآن القـرآن نفسه لقطعية حجته ، وقوة بيانه ، واتحاد مصدره ، وقوله تعالى : ( ربنا ما خلقت هذا باطلاً) آل عمران 191 ، دال دلالة قاطعة على أن المراد ( بالحق ) في الآية ضد الباطل ، وأن المقصود باتصاف الله تعالى به في خلق السماوات والأرض وما بينهما انتفاء العبث عن الله تعالى في أفعاله .
وهو رد على ما يظنه الكفار من العبث في أفعاله تعالى كما هو صريح في قوله تعالى : ( وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلاً ذلك ظن الذين كفروا ) ص27 ، وقوله: ( وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما لاعبين لو أردنا أن نتخذ لهواً لاتخذناه من لدنا إن كنا فاعلين ) الأنبياء 16/17 ، وقوله : ( وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما لاعبين ما خلقناهما إلا بالحق ولكن أكثرهم لا يعلمون ) الدخان 38/39 .

ب ـ أن المراد بـ ( كن ) في نحو قوله تعالى : ( إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون ) النحل 40 ، التعلق التنجيزي لإرادته تعالى بأي شيء من الممكنات ، إيجاداً أو إعداماً ، ويبين ذلك قوله تعالى : ( إذا أردناه ) أي إذا تعلقت به إرادتنا تعلقاً تنجيزيًّا فيما لا يزال بعدما تعلقت به تعلقاً تقديريًّا في الأزل ، فإن ( إذا ) من الظروف الزمانية الدالة على الاستقبال ، ، ويؤكده قوله : ( أن نقول له ) بصيغة المضارع المقترنة بأن الدالة على الاستقبال أيضاً ، ومن المعلوم قطعاً أن ما كان أزليًّا لا تتعلق به الإرادة للزومه وعدم تقدم شيء عليه ، كعلمه تعالى وقدرته وحياته ، كما يؤكده أيضاً قوله : (فيكون ) المقترن بالفاء المفيدة للترتيب والتعقيب وبهذا تعلم أن قوله تعالى : ( كن فيكون ) أينما جاء ما هو إلا كناية عن سرعة انفعال الأشياء له سبحانه حسب تعلق إرادته بها ، وإلا فليس هناك نطق بكاف ونون نطقاً حقيقياً .

ج ـ لو سلمنا ذلك فإن كلامنا في الكلام المنزل كالقرآن لا في الكلام غير المنزل .

ـ رابعها :الاستعاذة بكلمات الله التامات كما جاء في حديث ( أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق ) ، ووجه الاستدلال أن كلماته لو كانت مخلوقة لما جازت الاستعاذة بها . وجواب ذلك أن هذه الاستعاذة في حقيقتها هي بالله سبحانه لأنه رب الكلمات ، وإنما أدرجت الكلمات فيها لما جعل الله فيها من البركة والخير ، وهذا من باب المجاز (3)، وقد وردت في الحديث الصحيح : الاستعاذة بأفعاله تعالى كما في دعائه عليه أفضل الصلاة والسلام ( وبمعافاتك من عقوبتك ) والمعافاة فعل من أفعاله تعالى وهي حادثة قطعاً وإنما جازت الاستعاذة بها لأنها لا تصدر إلا عن الله .

ـ خامسها :ـ ما رواه أبو القاسم اللالكائي عن الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه أنه قال - لما قيل له حكَّمت رجلين - ( ما حكَّمت مخلوقاً ، ما حكَّمت إلا القرآن ) . وجوابه أن نفيه لتحكيم المخلوق بتحكيم القرآن لأن القرآن من عند الله تعالى ، فكل ما فيه من أمر ونهي وإباحة وحظر وإقرار وردّ ، هو من عند الله تعالى ، فتحكيمه تحكيم له سبحانه الذي أنزله بعلمه ، وأسند أحكامه إلى نفسه حــيث قال : ( ومن أحسن من الله حكماً ) المائدة 50 .

ـ سادسها :ما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه أنكر على رجل قوله : رب القـرآن . والجواب أن هذه الرواية لو صحت لما كانت فيها حجة ، لأنها موقوفة على صحابي ، فكيف والأدلة ظاهرة على عدم صحتها ، منها أن الله سبحانه أضاف الرب إلى صفة ذاتية وهي ( العزة ) حيث قال : ( سبحان ربك ربّ العزة عما يصفون ) الصافات 180 ، فكيف يمنع ابن عباس رضي الله عنهما إضافته إلى القرآن ولو على تقدير صحة القول الذي ذهبوا إليه ، ومنها أنه ورد في الحديث المرفوع ( اللهم رب طه ويس ) ، ومنها أن العرب تسمي سيد الشيء ومالكه ربًّا له ، كما في قولهم ربّ الأسرة ، ورب البيت ، فكيف يمنع مثله في القرآن إذا أضيف إلى رب العالمين ؟ بهذا كله يتبين عدم صحة هذه الرواية عن ابن عباس رضي الله عنهما ، ومع تقدير صحتها يحتمل أن يكون إنكاره مبنيًّا على أنه يرى أن أسماء الله توقيفية ، فلا يدعى سبحانه إلا بما شرع من الأسماء ، وهو رأي مشهور عند الأمة .







الفصل الرابع

في أدلة القائلين بخلق القرآن

بعدمَا سمعتَ أخي القارئ ما في هذه المسألة من خلاف وتبين لك بالمقارنة الدقيقة ، الاضطراب الواضح في أقوال الذين أثبتوا للقرآن وغيره من كتب الله المنزلة صفة القِدم ، وتبين لك ضعف ما يتشبثون به ، أعرض عليك حجج الفريق الآخر ، وهم القائلون بأنه مخلوق . وهي تنقسم إلى قسمين عقلية ونقلية :

ونبدأ بالعقلية فهي كما يلي :
1 ـ أن تجويز تعدد القدماء منافٍ للوحدانية ، التي هي أخص صفاته تعالى ، لأنه يفضي إلى جواز تعدد الآلهة ، فإن الإله الحق سبحانه وتعالى إنما استحق الألوهية لسبقه على كل شيء في الوجود ، فلو كان له مقارن في الأزلية لجاز لذلك المقارن أن يشاركه في الألوهية ، إذ لا يمنع مانع من كونه خالقاً رازقاً مدبِّراً حكيماً .

فإن قيل : إن الله سبحانه وتعالى تميَّز عن القرآن وغيره من الكلام القديم بصفات استحق بها الانفراد بالألوهية والربوبية غير قِدمه كالعلم والقدرة ، والسمع والبصر .

فجوابه أن اختصاص الله سبحانه بهذه الصفات دون مُقَارِنِه في القِدم ترجيح له عليه ، والترجيح لابد له من مرجِّح .

فإن قيل : إن الكلام نفسه هو إحدى هذه الصفات التي استحق الله بها الانفراد بالخلق والأمر ، قلنا : إن تلك الصفات غير منفصلة عنه سبحانه ، وكلامنا هذا إنما هو في كلام حالٍّ في صدور الذين أوتوا العلم ، مسموع بالآذان ، متلو بالألسن ، مكتوب بالأقلام ، مسطور في الألواح ، فهو مخالف لجميع تلك الصفات .

2 ـ أن كل ما ثبت قِدمه استحال عدمه ، فإن وجود القديم وجود ذاتي ، واجب لا يفتقر إلى مرجِّح ، بخلاف وجود الجائز فيستحيل أن يكون لغيره سلطان عليه ، إثباتاً أو إزالة ، إنزالاً أو رفعاً ، إبقاءً أو إذهاباً ، والله تعالى يقول : ( ولئن شئنا لنذهبنَّ بالذي أوحينا ) الإسراء 86 .

3 ـ أن آثار الصنعة بادية عليه ، فإن كل حرف منه يفتقر إلى غيره لتتألف منها كلماته ، وكل كلمة منه بحاجة إلى أخواتها لتتركب منها جملة ، وهي في ذلك متغايرة غير مستغن بعضها عن بعض ، فالباء غير السين والسين غير الميم ، وبتركيب هذه الثلاثة الأحرف تتولد كلمة ( بسم ) ، والتركيب صنعة دالة على الصانع ، والصانع لابد أن يتقدم المصنوع ، فثبت بهذا المذكور من تباين هذه الحروف واختلافها وأتلافها في التركيب إن أحداً باين بينها وضعاً إذا جعل كلاً منها مخالفاً لسواه ، وركبها بهذه الصنعة التأليفية فوجد منها هذا الكلام البليغ .

4 ـ جواز تعليله كما تُعلل سائر أفعاله تعالى ، فيقال كلَّم الله موسى ليصطفيه على غيره بهذه المزية ، وكلَّم الله عباده بالقرآن ليقيم عليهم حجته ويهديهم سبله ، وجعل القرآن المكي أكثر عناية بقضايا العقيدة منه بالعبادات والأحكام لعتوِّ قريش وجهلها ، وجعل القرآن المدني أكثر عناية بالعبادات والأحكام لتأصل العقيدة بما أنزله من القرآن في مكة ، وذلك غير جائز في سائر صفاته تعالى ، كما لا يجوز تعليل ذاته عز وجل ، فلا يقال قدر الله على كذا لأجل كذا ولا علم كذا من أجل كذا ؛ ولا أبصر كذا بسبب كذا ، وهكذا في سائر الصفات .

5 ـ اقترانه بالزمان نحو قولك كلم الله موسى عندما ذهب إلى الطور وقد تقدم في صدر البحث ما يدل عليه من نصوص القرآن والسنة ، وصفاته عز وجل سابقة على الأزمنة فلا يجوز اقترانها بها .

6 ـ أن حروف القرآن هي نفس الحروف التي ينتظم منها كلام العرب ، نثره ونظمه ، سجعه ومرسله ، رجزه وقصيده ، ويشاركه فيها سائر كلام البشر ، فإن كان القرآن قديماً لزم قِدم كلام الناس لتركب كلامهم من هذه الحروف بعينها ، ويلزم من ذلك كون الكلام سابقاً على المتكلمين به وإلا فكيف يتألف القديم من الحوادث ؟

وإن قيل بقدمها في القرآن وسائر كلام الله دون كلام البشر لزم منه أن تجتمع في كل حرف منها صفتان متناقضتان ، الحدوث والقِدم ، وهل هذا إلا جمع بين النقيضين .(1)

فإن قيل إن هذه الحجة غير ملزمة لأن ابن تيمية وابن القيم فرَّقا بين حروف القرآن وسائر كلام الله تعالى ، وبين حروف كلام البشر ، بأنها وإن اتحدت فالوحدة بينها جنسية وليست عينية .

فجوابه أن قولهما مردود من وجهين :
ـ أولهما : أنا لا نسلم أن هذه الوحدة ليست عينية ، إذ لو كان كذلك للزم تعدد الحرف الواحد بتعدد الناطقين به أو كاتبيه ، وأن تتغاير الأحكام فيه بحسب هذا التعدد .
ـ ثانيهما : أن الجنسية لا تجمع الحادث والقديم .

وأما النقلية فبعضها من القرآن وبعضها من السنة .
أما من القرآن فكثيرة وإنما أقتصر منها على ما يلي :
1 ـ قوله تعالى : ( خالق كل شيء ) الأنعام 102 / الرعد 16 / الزمر62 / غافر 62 ، ووجه الاستدلال به أن القرآن إما أن يكون شيئاً أو لا شيء فإن لم يكن شيئاً فعلامَ الاختلاف إن كان المختلَف عليه معدوماً ؟ وما الذي أنزله الله وفصَّله وأحكمه إن كان ذلك غير واقع على شيء ؟ وإن كان شيئاً فما الذي يخرجه من هذا العموم ؟

فإن قيل : إن إجراء عموم الآية على كل شيء يستلزم أن يكون الله خالقاً لذاته وصفاته ، فجوابه أنه استحال عقلاً ونقلاً دخول الذات العلية في هذا العموم ، وقد عدَّ الأصوليون هذا التخصيص من باب التخصيص العقلي ، وصفاته تعالى كذاته في ذلك ، لاستحالة عدمها لِمَا يترتب عليه من وجود أضدادها تعالى الله عن ذلك . فإن قيل والكلام صفة من هذه صفات فلماذا لم تستثنوه كما استثنيتموها من عمـوم الآية ؟ . أجيب بأن كلامنا ليس في الكلام النفسي الذي هو صفة ذاتية لله عز وجل والذي تثبت بثبوته قدرته تعالى على الكلام ، وإنما كلامنا في كلام منزل متركب من الحروف تتلوه الألسن وتسمعه الآذان وتعيه العقول وتختزنه الأذهان ، ويدون في الصحف وهل لذلك مثيل من صفاته تعالى الذاتية ؟ .

2 ـ قوله تعلى : ( وخلق كل شيء فقدره تقديرا ) الفرقان 2 ، وهذا الوصف ظاهر في القرآن فإنه مقدرة سوره وآياته وجمله وكلماته ، وحروفه وحركاته ، وتلاوته ومعانيه ، وحكمه وأحكامه ، وأخباره ، وأمثاله .

3 ـ قوله تعالى : ( إنا كل شيء خلقناه بقدر ) القمر 49 ، وهذا كالذي قبله .

4 ـ قوله تعالى : ( إنا جعلناه قرآناً عربيًّا لعلكم تعقلون ) الزخرف 3 ، والاستدلال به على خلقه من وجهين :

ـ أولهما : الإخبار عنه أنه مجعول والمجعول هو المُصَيَّر من حال إلى حال ، وهذا لا يكون إلا في المخلوق .

ـ ثانيهما : تعليل جعله عربياًّ بقصد عقل المخاطبين له .

ومثل هذه الآية سائر الآيات الناصة على أنه مجعول كقوله تعالى : ( ولكن جعلناه نوراً نهدي به من نشاء من عبادنا ) الشورى 52 . وقد شرح حجية الجعل على ثبوت الخلق الإمام محمد بن أفلح رضي الله عنه بقوله : ( إن الأمة اجتمعت على أن كل فاعل قبل فعله ، وأن الجاعل قبل المجعول وأن الصانع قبل صنعه ، وأن الجاعل غير المجعول ، فلما ثبت بينهما التغاير والقَبْل صح أنهما شيئان ، وأن الأول المتقدم هو الجاعل القديم ، والثاني المجعول هو الحادث الكائن بعد أن لم يكن )(1).

واستدل على أن الجعل إذا أسند إلى الله كان بمعنى الخلق بكثير من الآيات الدالة عليه كقوله تعالى : ( وجعل الظلمات والنور ) الأنعام 1 ، وقوله : ( وجعل منها زوجها ) الأعراف 189 ، وقوله : ( هو الذي جعل لكم الليل لتسكنوه فيه والنهار مبصرا ) يونس 67 ، وقوله : ( أمَّن جعل الأرض قراراً وجعل خلالها أنهاراً وجعل لها رواسي وجعل بين البحرين حاجزا ) النمل 61 ، وقوله : ( وجعل لكم من الجبال أكناناً ) النحل 81 ، وقوله : ( وجعل لكم من الفلك والأنعام ما تركبون ) الزخرف 12 ، وقوله : ( وجعـل الشمس سراجا ) نوح 16 ، وقوله : ( وجعلنا الليل والنهار آيتين ) الإسراء 12 .(2) ومثلها في ذلك قوله : ( ألم نجعل الأرض كفاتا ) المرسلات 25 ، وقوله : ( ألم نجعل الأرض مهادا والجبال أوتاداً وخلقناكم أزواجاً وجعلنا نومكم سباتاً وجعلنا الليل لباساً وجعلنا النهار معاشاً ) النبأ 6/11 ، إلى غيرها من الآيات .

قال الإمام أبو اليقظان محمد بن أفلح رحمه الله : ( فمعنى جعلنا في هذه المواضع التي ذكرنا ، خلقنا ، وكذلك عند المعارض غير ما ذكرناه في القرآن فإنه زعم أن الجعل فيه غير الخلق ، ولو جاز له وساغ ذلك لجاز لمعارض أن يعارضه ويقول وكذلك قوله في غير القرآن من الجعل الذي اتفقنا وإياكم عليه أنه بمعنى الخلق هو بمعنى آخر غير الخلق ، وإلا فما الفرق بين الجعلين ؟ فيكون الله عز وجل خاطب العرب بما لا يعقلونه من كلامهم ولا يعرفونه من لغتهم ، وبما يجوز لهم فيه الشك ( والطعن والارتياب ، فيكون جعل في موضع خلق وأحدث ودبَّر ، وفي موضع لمعنى آخر لا نفهمه ولا ندريه ، وهـذا لا يوصف الحكيـم به )

فلما اتفقنا وهم على أن الجعل في قوله : ( وجعل الشمس سراجاً ) نوح 16 ، وقوله : ( إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها ) الكهف 7 ، وفي قوله : ( جعل لكم من أنفسكم أزواجاً ) الشورى11، وفي قوله : ( وجعل الظلمات والنور ) بمعنى الخلق . صار الجعل كله إذا كان من الله عز وجل بمعنى الخلق فيدخل في ذلك القرآن وغيره ، وإلا بطلت المناظرة ولم يصح الشاهد .

فإن عارضوا بقول الله عز وجل : ( ما جعل الله من بحيرة .. الآية ) المائدة 103 ، فيقال نعم لم يخلق الله البحيرة بحيرة كما زعمتم ولا السائبة سائبة كما زعمتم ، وإنما نفى عن نفسه ما لم يفعله كما زعم المشركون فذمَّهُم بابتداعهم ، ومعناه ما خلقنا كما وصفتم ، إنما خلقنا على غير ما وصفتم ، فوقع النفي هنا على نفس الوصف لا على نفس الخلق . وكذلك قوله : ( إني جاعلك للناس إماماً ) البقرة 124 ، أي خالق فيك الصفة التي لم تكن فيك والمعنى الذي لم يوجد فيك ، ولم أكن فعلته بك قبل ذلك ، فمعنى جعل أينما وجد ، خلق ودبَّر ، وأحدث وأنشأ ، وفعل وصنع ، وكل ذلك بمعنى واحد ، وإن اختلفت ألفاظه ).(1) هذا كلامه رحمه الله في الجعل ، وأضيف إليه أنني تتبعت الجعل المسند إلى الله في القرآن ، فوجدته لا يخرج عن أمرين ، إما أن يكون تكوينيًّا ، وإما أن يكون تشريعيًّا ، وفي كل منهما إنشاء ، لما لم يكن ، فالجعل التكويني نحو قوله تعالى : ( وجعل منها زوجها ) الأعراف 189 ، وقوله : ( وجعل لكم من الفلك والأنعام ما تركبون ) الزخرف 12 ، وقوله : ( وجعل الشمس سراجا ) نوح 16 ، ومعنى الإحداث فيه ظاهر . والجعل التشريعي نحو قوله : ( إني جاعلك للناس إماماً ) البقرة 124 ، ومنه الجعل المنفي في قوله تعالى : ( ما جعل الله من بحيرة ) أي ما شرع بَحْرَهَا ، ومن الجعل التشريعي قوله تعالى : ( وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممَّن ينقلب على عقبيه ) البقرة 143 .

والفرق بين الجعلين أن أولهما هو إحداث ذات الشيء المجعول أو صفة قائمة به لم تكن موجودة من قبل ، وذلك يقتضي إخراج المجعول من حالة إلى أخرى أو من صفة إلى غيرها ، وهذا حاصل فيما إذا أسند الجعل إلى الإنسان وكان بمعنى التَّصيير ، نحو جعلتُ العجينَ خُبْزاً ، والدقيق عجيناً ، فإنه في كليهما نقل للمجعول من حالة إلى حالة لم يكن عليها من قبل ، فالدقيق قبل أن يجعل عجيناً لم يكن عجيناً ، والعجين قبل أن يجعل خبزاً لم يكن خبزاً ، ولا يفهم منه إلا أن المجعول تحول بعد الجعل عما كان عليه قبله . والثاني إحداث شرع ينقل المجعول من حكم إلى آخر ككون البيت الحرام قبلة للمسلمين بعد ما كان بيت المقدس قبلتهم .

وجعل القرآن عربيا هو الجعل التكويني لأنه إحداث لمعنى قائم بالقرآن ، وهو عربيته ، ولا يخلو ذلك إما أن يكون تحويلاً له من وصف إلى آخر ، وذلك بأن يكون أولاً غير عربي ثم أحدث الله فيه هذه الصفة ، وإما أن يكون إنشاء له على هذه الصفة من أول الأمر ، كما أنشأ الله الشمس متلبسة بوصف كونها سراجاً ، وكما أنشأ الله الليل متلبساً بوصف كونه لباساً ، وأنشأ النهار متلبساً بوصف كونه معاشاً ، وهذا هو المتعين في القرآن ، لعدم ما يدل على أنه كان غير عربي من قبل ثم نقله الله إلى العربية .

أما أن يكون كلاماً عربيا منذ الأزل ويتعدى إليه فعل الجعل فهو غير جائز عقلاً ولا لغة ، لأن الجعل فعل والفعل سابق على المفعول ، فهو سابق على المجعول قطعاً .

ومثل ذلك يقال في قوله سبحانه : ( ولكن جعلناه نوراً نهدي به من نشاء مـن عبادنا ) الشورى 52 .

وهذا يظهر بداهة لمن أمعن نظره في معنى الجعل ، وفكر في صفات الله تعالى الأزلية الواجبة ، وعدم إمكان تعدي الجعل إليها فإنه من المستحيل عقلاً الممتنع شرعاً أن يقول قائل جعل الله علمه محيطاً بكل شيء ، أو قدرته شاملة لكل شيء ، أو جعل الله وجوده أزليا أبديا ، أو جعل سمعه مدركأ لجميع الأصوات ، أو جعل بصره محيطاً بكل المرئيات ، لما في هذه العبارات من اقتضاء أن يكون الله محدثاً لهذه الصفات . واعترض على الاستدلال بجعل القرآن عربيا على خلقه بأن الجعل يكون بمعنى غير الخلق ، كما في قوله عز وجل : ( ويجعلون لله البنات سبحانه ) النحل 57 ، وقوله : ( وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمان إناثا ) الزخرف 19 وقوله : ( وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون ) الواقعة 82 .

وجوابه شتان بين الجعلين وبين الجاعلين ، فالجعل فيما نحن بصدده فعل ثابت مسند إلى الله تعالى من أنكره أو أنكر أثرهُ فقد كفر ، والمجعول - وهو عربية القرآن ونورانيته وهدايته - حقيقة قائمة من أنكرها فقد كفر ، والجعل فيما اعترضوا به هو قول باطل مسند إلى الكفار ، والمجعول - وهو أنوثة الملائكة - ليس بشيء بل يكفر من يثبته ، ولا إشكال في اتحاد حروف الفعل في كلا الإسنادين - وهي الجيم والعين واللام - فإن الفعل يسند إلى الله فيكون له معنى ، ويسند إلى غيره فيكون له معنى آخر مع عدم التفاوت في اللفظ ، ومثل ذلك قوله تعالى : ( الذي خلقكم والذين من قبلكم ) البقرة21 ، وقوله : ( والله خلقكم وما تعملون ) الصافات 96 ، وقوله : ( ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ) المؤمنون 12 ، وقوله : ( لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ) التين 4 ، ونحوها من الآيات المسند فيها الخلق إلى الله عز وجل ، فهو جميعه بمعنى الإخراج من العدم إلى الوجود ، وتجد هذا الفعل بلفظه ونفس حروفه مسنداً إلى الكفار ، وله معنى لا يليق بعباد الله الصالحين فضلاً عن جوازه على الله تعالى رب العالمين ، وذلك في قوله سبحانه : ( وتخلقون إفكاً ) العنكبوت 17 ، فهل من وجهٍ لحمله في أحد الموضعين على معناه في الموضع الآخر ؟ أو أن المقارنة بين الفعلين مستحيلة كاستحالة المقارنة بين الفاعلين ؟ .

5 ـ قوله تعالى : ( ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث إلا استمعوه وهم يلعبون ) الأنبياء 2 ، ومثله قوله : ( وَمَا يأتيهم من ذكر من الرحمان محدث إلا كانوا عنه معرضين ) الشعــراء 5 ، ووجه الاستدلال بالآيتين وصف الذكر فيهما بالإحداث وهو الخلق ، ولا ريب أن الذكر لم يقصد به فيهما غير القرآن بدليل قوله تعالى : ( وما هو إلا ذكر للعالمين ) القلم 52 ، وقوله : ( إن هو إلا ذكر للعالمين ) يوسف 104 و ص 87 ، وقوله : ( إنا نحن نزلنا الذكر ) الحجر 9 ، وقوله : ( وإنه لذكر لك ولقومك ) الزخرف 44 ، وقوله : ( والقرآن ذي الذكر ) ص 1 ، وقوله : ( إن هو إلا ذكر وقرآن مبين ) يس 69 ، وقوله : ( وهذا ذكر مبارك أنزلناه ) الأنبياء 50.

والقائلون بقِدم القرآن سلكوا طريقين في ردهم استدلال القائلين بخلقه بآيتي الأنبياء والشعراء ، فالقائلون منهم بقِدم حروفه وكلماته ذهبوا إلى أن المراد بالإحداث فيهما هو إحداث التنزيل متى شاء الله ذلك كما تقتضيه حكمته ، ومعنى ذلك أن المحدث تنزيل الكتاب لا ذات الكتاب ، وعبر بعضهم عنه بأن المراد بالإحداث تجدده ، والمفرقون منهم بين القرآن وما يتلى ويدون في المصاحف من الأحرف والكلمات قالوا : إن المحدث هو الأحرف والكلمات ، وهي عبارة عن القرآن الذي هو صفة أزلية قائمة بذاته عز وجل وحكاية له ، وكلا القولين مردود .

أما الأول فيبطله أن المحدث هو الذي وقع عليه فعل المحدث - بالكسر - ويشترط فيه أن يكون مسبوقاً بالفاعل والفعل ، والإحداث هو الإيجاد بعد العدم ، وحمل الإحداث على أنه بمعنى الإنزال خروج عن الظاهر لغير داع سوى جعل ما في نفس القائل من الفكرة هو الأصل الذي ترد إليه النصوص وتحمل عليه الأدلة ، وما أعظمها من مصيبة في الدين على أن نقول إن نفس الإنزال إحالة للمنزل من حالة إلى حال ، وهي دالة على الحدوث لأمرين :

ـ أولهما : أن القديم لا يتحول عن أصله ولا تعتريه العوارض .

ـ ثانيهما : أنه لا يكون لأحد عليه سلطان ، لأنه غير معلول بعلة ولا مسبب بسبب .

وأما الثاني فيرده أن إثبات صفة لله تعالى تسمى قرآناً غير ما أنزل على الشارع الأمين عليه أفضل الصلاة والتسليم دعوى لم يقم عليها برهان ، وقد اعترض الإمام أبو اليقظان رحمه الله تعالى دعواهم هذه بقوله : ( لا تخلو الحكاية من أن تكون مخالفة للمحكي أو موافقة له ، فإن كانت موافقة له فكيف يكون شيئان متفقان ، واحد مخلوق والآخر غير وخلوق ، وقد اجتمعت الأمة على أن ما جاز في الشيء جاز في نظيره وإلا بطل ما اجتمعت عليه الأمة إذاً ، وإن قال إن الحكاية غير المحكي وهي خلاف له ، فهذا أغرب وأبعد ما يكون من الصواب ، وذلك خروج من لسان الأمة وجميع الأمم ، لأن الحكاية لا تكون حكاية للشيء إلا وهي مثل المحكي معبرة عنه بما هو به ، ولو أمكن خلاف ما نقول من أن الحكاية غير المحكي لوجب على كل الأخبار الكاذبة أن تكون صادقة ، وعلى الأخبار الصادقة أن تكون كاذبة ، ويكون الشعر أيضاً حكاية القرآن ، والقرآن حكاية الشعر ، والمدح حكاية الذم ، والذم حكاية المدح ، ولا ينبغي أن ننكر خبراً ونكذب مخبراً ، ونرد حكاية أو ننكر مقالة ، وإذا أمكن هذا وجاز فمن أين كان الصدق صدقاً ، والكذب كذباً ؟ ولعمري لئن كانت الحكاية خلاف المحكي لينبغي أن يكون الصدق هو الكذب والكذب هو الصدق ، فكما بطل هذا وفسد ، صح أن الحكاية لا تكون خلاف المحكي ) .

وأيضاً أخبرونا حيث كانت الحكاية غير المحكي فما القرآن أهو الحكاية أم المحكي ؟ فإن كان القرآن الذي أنزله الله على قلب محمد صلى الله عليه وسلم ، ونزل به الروح الأمين إليه هو هذه الحكاية وهو مخالف فإنا لم يقع كلامنا معهم إلا على القرآن الذي نزل به الروح الأمين على قلب محمد وهو الذي قال فيه : ( فإذا قرأناه فاتبع قرآنه . ثم إن علينا بيانه ) القيامة 18/19 ، وإن كان القرآن هو المحكي وهو القائم بذاته عز وجل ، فهو لم ينزل بعد ، ضاهوا بذلك قول ابن صوريا حيث قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم ( ما أنزل الله على بشر من شيء ) فأنكروا نزول القرآن وهذا أعجب من العجب .

وقد وقع الاجتماع منا ومنهم أن ما في الدنيا وما نقرأ من القرآن هو مثال مما قرأه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، هي قراءته وقرأناه على الموافقة له ، ولو كان خلافه كما قالوا من أن الحكاية غير المحكي لكان النبي صلى الله عليه وسلم قد أتى بخلاف ما أتى به جبريل عليه السلام ، وكذلك جبريل فيما أتى به ميكائيل وكذلك ميكائيل عن إسرافيل ، فيكون كل واحد منهم قد أتى بخلاف ما أتى به غيره .

وإذا قلت إن الحكاية خلاف المحكي فما نقول فيما نقله محمد عن جبريل ؟ هذا هو هذا ؟ أم هذا غير هذا ؟ فلا بد من هذا هو هذا ، أو هذا مثل هذا ، فكيف يجوز في الشيء مالا يجوز في مثله ؟ أم لا يجوز في الشيء ما جاز في مثله ، وأي تناقض أعظم وأفحش من هذا ؟ نعوذ بالله من العمى والخذلان ، ونسأله العون والتوفيق ) .(1)

6 ـ قوله تعالى : ( كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لَّدن حكيم خبير ) هود 1 ، ووجه الاستدلال به أن الله وصفه فيه بالإحكام والتفصيل ، وكل منهما أثر صادر عن مؤثر ، ولا يجوز أن يكون الأثر قديماً أزلياًّ لضرورة أن يكون مؤثره سابقاً عليه ، والمسبوق حادث لأنه - بداهة - كائن بعد أن لم يكن .

ولا يخلو هذا القرآن إما أن تكون كينونته مقرونة بالأحكام والتفصيل من أول أمره ، وإما أن يكونا وصفين أوجدهما الله فيه بعد أن كان عارياً منهما ، وكلا الاحتمالين مقتضٍ لخلقه وحدوثه .

أما الأول فلكون وجود الشيء مقترناً بوصف حادث من أول أمره دليلاً على حدوثه ، وبما أن الإحكام والتفصيل فعلان صادران عن الله سبحانه فلا مرية في حدوثهما ، وإلا لما جاز إسنادهما إليه عز وجل . وعليه فليس إحكامُه وتفصيله إلا بمعنى إيجاده محكماً ومفصلاً .

وأما الثاني فاقتضاؤه ذلك من حيث إن الإحكام والتفصيل أثران واقعان عليه ، والأثر ناتج عن المؤثر شاهد على تحول ما وقع عليه من حال إلى حال ، وهو مستحيل على القديم ، لعدم إمكان أن يكون لأحد عليه سلطان ، ولذلك يستحيل أن يقال أحكم الله قدرته أو فصلها ، أو أحكم علمه أو فصله لأن هذه العبارة قاضية بحدوث قدرته تعالى وعلمه ، جل الله عن ذلك ، والأول هو الذي يتعين المصير إليه ، لعدم ما يدل على أن القرآن أحكم بعد أن كان عارياً عن الإحكام ، وفصل بعد أن كان خالياً من التفصيل .

7 ـ قوله تعالى : ( ولقد جئناهم بكتاب فصّلناه على علم ) الأعراف 52 ، ووجه الاستدلال به على حدوث القرآن ثلاثة أمور :

ـ أولها : أن المجيء به نقل له من حال إلى حال ، وهو مستحيل في القديم كما سبق بيانه .
ـ ثانيها : للإخبار عنه أنه مفصل وقد سبق نظيره .
ـ ثالثها : أن تفصيله ناشئ عن علمه سبحانه ؛ والناشئ عن الشيء لابد من أن يكون مسبوقاً به .

8 ـ قوله تعالى : ( ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ) البقرة 106 ، ووجه الاستدلال به أن الله سبحانه أخبر عن نسخ بعض آياته ببعض والنسخ هو المحو والإزالة ، وهو مستحيل على القديم ، واستحالته فيما إذا كان لفظيا أشد ، وقد أثبته جمهور العلماء ، وفيهم القائلون بقِدم القرآن .

9 ـ قوله تعالى : ( شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن ) البقرة 185 ، ووجه الاستدلال به أنه منزل ، والإنزال نقل من مكان إلى آخر ، وهو مستحيل على القديم لتعذر أن يكون لأحد عليه سلطان ، أو أن يكون متغير الأحوال ، ومثله في ذلك قوله تعالى : ( نزَّل عليك الكتاب بالحق مصدقاً لما بين يديه وأنزل التوراة والإنجيل من قبل ) آل عمران 3/4 ، وقوله : ( هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات .. الآية ) آل عمران 7 ، وقوله : ( وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ) النحل 44 ، وقوله : ( إنا أنزلناه في ليلة مباركة ) الدخان 3 ، وفي تنزيله دلالة أخرى على حدوثه ، وهي أنه نزل نجوماً فهو منقسم ، والانقسام مستحيل على القديم .

10 ـ قوله تعالى : ( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ) الحجر 9 ، ووجه الاستدلال به أن الله أخبر عنه بأنه محفوظ له ، ولا يكون المحفوظ إلا مخلوقاً لاستغناء القديم عن حفظ الحافظين ، ولذلك لا يجوز أن يقال حفظ الله حياته ، أو وجوده ، أو قدرته ، أو سمعه ، أو بصره ، أو علمه مع جواز أن يقال حفظ الله كلامه إن قصد به الكـلام المنزل لا الكلام النفسي ، والآية دليل على جوازه ، وأما حديث ( احفظ الله يحفظك .. ) فالمراد به المحافظة على طاعته تعالى أمراً ونهياً ، فلا يرد على ما ذكرته .

11 ـ قوله تعالى : ( منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات ) آل عمران 7 ، ووجه الاستدلال به أنه منقسمة آياته إلى قسمين ، محكمات ومتشابهات ، وأن المحكمات أم - أي أصل - للمتشابهات يرجع بها إليها في التأويل ، وهو مستحيل فيما كان قديماً ، فلا يجوز أن يقال إن وجوده تعالى أم لحياته ، أو إن حياته أم لقدرته ، أو إن قدرته أم لإرادته أو أن نحو ذلك ، لما يقتضيه هذا القول من حدوث الصفات ، تعالى الله عنه .

12 ـ قوله تعالى : ( بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم ) العنكبوت 49 ، ووجه الاستدلال به أن صدور العلماء حادثة ، والحادث لا يكون وعاء للقديم ، فلا يكون أحد من خلق الله محلاً لحياة الله ، أو قدرته ، أو علمه ، أو وجوده ، أو سمعه ، أو بصره ، أو أي صفة من صفاته ، وإنما تكون المخلوقات ، أوعية لمعلومات الله ومقدوراته ، ومرئياته ، لأنها مخلوقات مثلها .

13 ـ قوله تعالى : ( بل هو قرآن مجيد في لوح محفوظ ) البروج 21 ، والاستدلال به من وجهين :
ـ أولهما : أن اللوح مخلوق ، والمخلوق لا يكون وعاء لغير المخلوق ، كما سبق .
ـ ثانيهما : أن هاتين الآيتين سيقتا للتنويه بالقرآن وبيان عظم شأنه وعلو قدرته ، ولا يشك شاك أن ذلك يكون أكثر وضوحاً وأقوى حجة لو أخبر أنه قائم بذاته تعالى ، فلو كان أزليا قائماً به سبحانه لكان الأحرى أن يقال بل هو قرآن مجيد قائم بالعزيز الحميد ، أو نحو ذلك مما يدل على ما ذكرته .

14 ـ قوله تعالى : ( وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقاً لما بين يديه من الكتاب ومهيمناً عليه ) المائدة 48 ، ووجه الاستدلال به أنه أثبت كونه مسبوقاً بغيره ، والمسبوق لا يكون إلا حادثاً ، وأنه مهيمن على سابقه ، والهيمنة دليل على أن المهيمن عليه حادث ، وإذا كان ما قبله حادثاً فهو أحرى بصفة الحدوث .

15 ـ قوله تعالى : ( وقرآناً فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزَّلناه تنزيلاً ) الإسراء 106 ، ووجه الاستدلال به أن الله أخبر عنه بأنه مفروق ، والمفروق مصنوع لا يكون إلا حادثاً ، فهذه نماذج من الأدلة القرآنية على حدوثه .

وأما الأدلة من السنة فكثير من الروايات ، وإنما نقتصر منها على ما يلي :
1 ـ أخرج الإمام أحمد ، والبخاري ، وأبو داود عن أبي سعيد بن المعلى قال : كنت أصلي في المسجد فدعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم أجبه ، فقلت : يا رسول الله إني كنت أصلي ، فقال : ( ألم يقل الله ( استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم ) ؟ ثم قال : ( لأعلمنك سورة هي أعظم السور في القرآن قبل أن تخرج من المسجد ) ثم أخذ بيدي فلما أراد أن يخرج قلت له : ألم تقل لأعلمنك سورة هي أعظم سورة في القرآن ؟ قال : الحمد لله رب العالمين ، هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته ) .

2 ـ روى الإمام الربيع بن حبيب في مسنده عن أبي عبيدة عن جابر بن زيد عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنهم أن رجلاً سمع رجلاً يقرأ ( قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفؤاً أحد ) ويرددها ، فلما أصبح غدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له فكان الرجل يتقللها ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( والذي نفسي بيده لإنها لتعدل ثلث القرآن ) ، وأخرجه الإمام البخاري من طريق أبي سعيد بلفظ ( والذي نفسي بيده إنها تعدل ثلث القرآن ) .

3 ـ روى البخاري عن أبي سعيد أيضاً ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه : ( أيعجز أحدكم أن يقرأ ثلث القرآن في ليلة ) فشق ذلك عليهم ، وقالوا أيُّنا يطيق ذلك يا رسول الله ؟ فقال : ( الله الواحد الصمد ثلث القرآن ) .

4 ـ روى الإمام أحمد عن أبي سعيد كذلك قال بات قتادة بن النعمان يقرأ الليل كله ( قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ) فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : ( وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إنها لَتَعْدِلُ نِصْفَ الْقُرْآن -ِ أَوْ ثُلُثَهُ ) ، وأخرج نحوه مسلم والترمذي من طريق أبي هريرة رضي الله عنه ، ونحوه عند الإمام أحمد والترمذي والنسائي من طريق أبي أيوب الأنصاري ، وقال الترمذي : وفي الباب عن أبي الدرداء ، وأبي سعيد ، وقتادة بن النعمان ، وأبي هريرة ، وأنس ، وابن عمر ، وأبي مسعود ، وروى مثله الإمام أحمد والنسائي من طريق أبي بن كعب ، والإمام أحمد والنسائي كذلك من طريق أبي مسعود ، وأم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط مرفوعاً ، وروياه مع مسلم من حديث أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم .

5 ـ روى أحمد ومحمد بن نصر والطبراني بسند صحيح عن معقل بن يسار رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( البقرة سنام القرآن وذروته نزل مع كل آية منها ثمانون ملكاً ، واستخرجت ( الله لا إله إلا هو الحي القيوم ) من تحت العرش فوصلت بها ) .

6 ـ أخرج أبو يعلى وابن حبان ، والطبراني والبيهقي عن سهل بن سعد الساعدي قال : ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن لكل شيء سناما وسنام القرآن سورة البقرة من قرأها في بيته نهاراً لم يدخله الشيطان ثلاثة أيام ) .

ووجه الاستدلال بهذه الأحاديث على خلقه ، أنها ناصة على أن بعضه أعظم من بعض وأفضل ، وأن بعضه سنام لسائره ، وأن بعضه كان مفصولاً عن غيره ثم وصل به ، وكل ذلك غير جائز على القديم ، ألا ترى أنه لا يجوز تفضيل بعض صفات الله على بعض ، فلا يقال إن علمه أفضل من قدرته أو العكس ، ولا يقال إن حياته أعظم من سمعه ، أو بصره أو قدرته ، أو إرادته ، وإذا امتنع ذلك في مجموع الصفات ، فلأن يمتنع في الصفة الواحدة أحرى ، فلا يبعَّض علم الله فيفضل بعضه على بعض ، ولا تجزأ قدرته فيجعل منها أعظم من غيره ، كما لا يمكن أن يكون جزءاً من صفة منفصلاً عنها ثم يوصل بها .






خاتمة
في نتيجة ما تقدم

لست بمرتاب أخي القارئ أنك بعد اطلاعك على ما احتواه هذا المبحث من أخذ ورد ، واجتذاب ودفع ، في مسألة خلق القرآن ، تدرك أن الصواب والسلامة في اعتقاد أنه كسائر الموجودات ، غير الله عز وجل ، كائن بعد أن لم يكن ، وما كان كذلك فهو مخلوق قطعاً ، كما تدرك أن القول بقِدمه يفتح الباب على مصراعيه لمن يقول بجواز تعدد القدماء حتى يفضي الأمر إلى القول بقِدم العالم ، وقد رأيت أثر ذلك فيما نقلته لك من كلام المنتصرين للقول بقِدمه ، والمتشددين على القائلين بحدوثه ، فقد أفضى الحال ببعضهم إلى القول بقِدم سائر الكلام ، لما بينهما من التشابه في أصول الأحرف والكلمات التي ينتظم منها كل منهما ، وأفضى ببعضهم إلى القول بقِدم الجلد والوتد وما حوله من الجدار ، وما الذي يمنع بعد ذلك من الانجرار وراء هذا التسلسل غير المحدود ، حتى ينتهي إلى القول بقِدم كل شيء ، أو إلى فلسفة وحدة الوجود والعياذ بالله .

وقد أدركتَ ضعف الشبهات التي تعلقوا بها وتناقض كلامهم واضطراب استدلالهم ، فإن أقوى ما استندوا إليه في نفي الخلق عنه أنه كلام مضاف إلى الله تعالى في نحو قوله سبحانه : ( فأجِرْهُ حتى يسمع كلام الله ) التوبة 6 ، وقد غفلوا عن كونهم بهذا الاستدلال يعطون النصارى حجة فيما يعتقدونه من أن المسيح عليه السلام ابن لله أو جزء منه ، لإخباره تعالى عنه أنه ( كلمته ألقاها إلى مريم وروح منه ) النساء 171 .

ومع هذا كله فإنني كنت أود أن لا أتعرض لهذه المسألة بإيجاب ولا سلب ، رغبة مني في الاقتصار على المأثور عن الرعيل الأول من هذه الأمة ، وحرصاً على عدم إثارة أي جدل يزعج أحداً من المسلمين ، ولكني ماذا أصنع والألسنة لم تهدأ ، والأقلام لم تتوقف عن إثارة هذا الموضوع بغير هدى ولا دليل ، ولم يقف الأمر عند هذا الحد ، بل تجاوزه إلى تكفير من قال كلمة الحق أو دعا إليه ، فرأيتني بسبب ذلك ملزماً أن أقول كلمة هادئة هادفة - ليس لي وراءها من قصد إلا رضى الله سبحانه - تكشف بيد الحجة ستار الشبهة عن وجه الحقيقة المشرقة سائلاً الله تعالى توفيقه في القول والعمل .

ومن قرأ ما قلته بإنصاف يجده أبعد ما يكون عن التأثر بالعوامل النفسية والاندفاع وراء العواطف الرعناء ، إذ لم يسلس قيادهُ إلاَّ للحجة ولم يقتنع إلا بالموضوعية المحضة ، والله من وراء القصد وهو حسبي ونعم الوكيل ..









المبحث الثالث

في خلود أهل الكبائر في النار
وهو يشتمل على مقدمة وثلاثة فصول وخاتمة

أعلى الصفحة



المقدمة
في تعريف الخلود والكبائر

أما الخلود فهو البقاء الدائم ، قال صاحب اللسان : ( الخلد دوام البقاء في دار لا يخرج منها ، خَلَدَ / يَخْلُد / خُلْداً/ وخلوداً بقي وأقام ، ودار الخلد الآخرة لبقاء أهلها فيها ، وخلده الله وأخلده تخليداً وقد أخلد الله أهل دار الخلد فيها وخلدهم ) (1). ومنه قوله تعالى : ( وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفإن مِتَّ فهم الخالدون ) الأنبياء 34 .

وكلام صاحب اللسان يدل على أن الخلد موضوع لغة للدوام الأبدي ، وهو مذهب الزمخشري وابن عطية والقرطبي والشوكاني من المفسرين ، وانتصر له أتم الانتصار العلامة البطاشي -رحمة الله تعالى عليه-. واستعمال الخلود في المكث الطويل ، كقول لبيد في معلقته:



صُمًّا خوالد مـا يبين كلامها

وقول الأعشى


لن تزالوا كذالكم ثم لا زلـ

ت لكم خالداً خلود الجبال

محمول عند هؤلاء على التجوز

وذهب الفخر الرازي وأبو حيان وأبو السعود وقطب الأئمة إلى أنه موضوع للمكث الطويل ؛ مع قطع النظر عن دوامه أو انقطاعه ، فهو عند هؤلاء من باب المشترك الذي يتعين ما يراد به بالقرينة الدالة عليه ، وجعل هؤلاء دوام الثواب والعقاب بالدلائل الأخرى من الكتاب والسنة غير لفظة الخلود ، كاقترانه بالأبد في قوله تعالى - في اللذين آمنوا وعملوا الصالحات -: ( جزاؤهم عند ربهم جنات عدن تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ) البينة 8 ، وقوله : ( ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم خالدين فيها أبداً) الجن 23 ، وما يستفاد من الأحاديث الصحيحة الصريحة في خلود أهل الدارين فيهما ، وإجماع الأمة - إلا من لا يعتد به - على عدم فنائهما . وهؤلاء نظروا إلى إطلاق الخلود على المكث المنقطع في كلام العرب كبيتي لبيد والأعشى،وأن الحقيقة هي الأصل في الاستعمال. وتعقبهم العلامة البطاشي بقوله: ( كما أخذت العرب من الخلد قولهم للأحجار ( خوالد ) فقد أخذوا من الأبد قولهم للوحوش ( أوابد )(2) . وقال أيضاً : ( إن العرب كما أخذت أيضاً من الخلد خوالد الأحجار فقد أخذت من الأبد أوابد وحوش القفار ، وهذه الأوابد أقل بقاء من تلك الخوالد في الاعتبار)(3).

وحمل العلامة البطاشي ما جاء في الشعر العربي من إطلاق وصف الخلود على الجمادات ذات العمر المديد ، على عقيدة الجاهلية في اعتقاد عدم فناء الكون ، واستدل له بقول زهير بن أبي سلمى :



ألا لا أرى على الحوادث باقياً

ولا خالداً إلا الجبال الرواسيا

وإلا السمـاء والنجـوم وربنا

وأيامـه معــدودة واللياليا

قال : ( فلو لم يكن مراده من الخلود معنى الدوام لما غالى حتى أشركها في الدوام مع الله سبحانه ، بخلاف القول في التأبيد ؛ فإن انقطاعه بالإضافة إلى الدنيا ليس عنه محيد )(1). وبحسب هذا المفهوم - وهو الدوام الأبدي - كان اختلاف الأمة في خلود المجرمين في النار كما سيأتي بيانه إن شاء الله .

وأما الكبائر فهي جمع كبيرة ، وهي كل ما عظم من المعصية ، فترتب على ارتكابها وعيد في القرآن أو السنة الصحيحة ، سواء شرع لها حد في الدنيا كالزنا والسرقة وقذف المحصنات ، أم لم يشرع كأكل الربا والميتة والدم ولحم الخنزير .







الفصل الأول
في اختلاف الناس في خلود الجنة والنار

 

اقتضت مشيئة الله سبحانه أن تكون الحياة في الدار الدنيا حياة محدودة حتى لا يشارك الخالق في صفة البقاء ، ولم يخالف في ذلك أحد من الناس لأن تناهي الأعمار فيها أمر لا يتفاوت الناس في معرفته ، وقد جعلها الله سبحانه مرحلة من مراحل العبور التي يجتازها الإنسان ، والناس فيها متفاوتون في الراحة والتعب والنعيم والبؤس ، ولا يعود تفاوتهم هذا إلى قدر تفاوتهم في النفع والضر ، والاستقامة والانحراف ، والطاعة والعصيان ، فرُبَّ ذي سريرة طاهرة وخلق مستقيم ، ومسارعة إلى الخير يقضي حياته كلها في نكد وبؤس ، ومعاناة وحرمان ، ورُبَّ ذي سريرة خبيثة ، وشراسة في الأخلاق ، وسوء في المعاملة يتسنَّى له ما يريده ، وتتوفر له أسباب الراحة ، وتجتمع له أنواع الملاذَ ، وفي هذا ما يجعل الإنسان يعتقد اعتقاداً جازماً أن النعمة والبؤس في الدنيا ليسا جزاءً على ما يقدمه العبد من خير أو شر ، مع القطع بأن الناقد بصير ، والحاكم عدل ، فلذلك كانت النفوس تتطلع بفطرتها إلى حياة بعد هذه الحياة يجني فيها كل عبد ما غرس ، ويحصد ما زرع ، ويجد ما قدَّم ، وقد تعاقبت الرسالات الإلهية مبشرة ومنذرة بتلك الحياة ، ولم يختلف المؤمنون بها في كونها تختلف عن الحياة الدنيوية المنصرمة ، فهي حياة خلود ودوام إلا من شذ فزعم أنها متناهية وإن كانت أطول مدة وأوسع أمداً من الحياة الأولى .

وهؤلاء الشاذون طائفتان :
ـ أولاهما : محسوبة على هذه الأمة وهي الجهمية نسبة إلى جهم بن صفوان .
ـ ثانيهما : لا صلة لها بالأمة المحمدية لعدم إيمانها بالكتاب ، وبنائها أفكارها على أسس مادية بحتة.

أما الطائفة الأولى ـ وهي الجهمية ـ فقد استندت إلى شبهتين :

ـ الأولى : أن دوام المخلوقين مناف لاتصاف الله بالآخرية ، فإن من أسماء الله الأول والآخر ، ومعنى أوليته سبقه على كل موجود ، وهكذا يلزم أن يكون معنى آخريته بقاؤه بعد كل موجود .

ـ الثانية : أن أنفاس أهل الدارين لا تخلو إما أن تكون معلومة له تعالى وهو يستلزم حصرها ، وحصرها لا يتفق مع دوامهم ، وإما أن تكون غير معلومة ، وهو لا يتفق مع وصفه أنه بكل شيء عليم .

وأجيب عن الأولى ، بأن دوام حياة المخلوقين في الدار الآخرة لا ينافي آخريته تعالى ، لاختلاف دوامهم عن دوامه ، فإن دوامه ذاتي ودوامهم بإدامته إياهم ، فلذلك كان حقيقاً بصفة الآخرية دونهم .

وعن الثانية ، أن استمرار أنفاسهم لا ينافي أن يكون علمه تعالى محيطاً بها فإن علمه علم ذاتي لا يجوز أن يقاس على علم المخلوقين .

* وأما الطائفة الثانية فقد استدلت لمذهبها بفلسفة مادية ، مبنية على النظر في طبائع الأشياء المحسوسة ، وملخصها أن بقاء الأجسام متعذر لأنها مؤلفة من الأجزاء المتضادة في الكيفية ، فهي معرضة للإستحالات المؤدية إلى الانحلال .

وأجيب بأن اعتقاد قدرة الله تعالى على كل شيء ينفي هذا الإشكال من أصله ، إذ لا يمتنع أن تعاد الأبدان بطبيعة أخرى لا تتحلل معها ، أو أن تكون كلما تحلل منها شيء عُوِّضت عنه بما يخلفه.

وإيقان المؤمنين أن الله تعالى على كل شيء قدير لا يدع لهذه الشبهة أدنى أثر في نفوسهم ، فإن الله سبحانه الذي طبع الأجسام في هذه الدار الدنيا بما طبعها به ، من التضاد بين أجزائها المركبة ، لا يعجزه أن يطبعها يوم القيامة بطبيعة أخرى مغايرة لما هي عليه في الدنيا ، ولعالم الغيب طبائع تكوينية خاصة تختلف كل الاختلاف عن طبائع عالم الشهود ، فلا يجوز قياس أحدهما على الآخر ، كما أن للبقاء المطلق أحوالاً تميزه عن البقاء المحدود .

وإذا أدركت أن الحياة في الدار الآخرة لا تتصرم لأنها حياة مصيرية وليست حياة مرحلية ، وحياة جزاء لا حياة كسب ، فاعلم أن جزاءها جزاء أبدي ، سعادة كان أو شقاء ، إذ لا فرق بين ثوابها وعذابها ، وإن ذهبت طوائف من الناس إلى التفرقة بينهما ، وفي مقدمة هؤلاء اليهود ، الذين حكى الله عنهم هذا القول في سلسلة تعداد مثالبهم ، وأنكره عليهم ، وطالبهم بدليل يستندون إليه فيه ، وبيَّن بأصرح عبارة أن الحق خلاف ما يقولون ، وذلك حيث قال : ( وقالوا لن تمسنا النار إلا أياماً معدودة قل أتخذتم عند الله عهداً فلن يخلف الله عهده أم تقولون على الله مالا تعلمون . بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ) البقرة 80/81 .

وبهذا تعلم أخي القارئ أن القول بتحول الفجار من العذاب إلى الثواب ما هو إلا أثر من آثار الغزو اليهودي للفكر الإسلامي ، وقد تنبه لذلك العلاّمة الجليل السيد محمد رشيد رضا ، فقال في مقدمة تفسيره لسورة البقرة من المنار : " القاعدة السادسة أن الجزاء على الإيمان والعمل معاً لأن الدين إيمان وعمل ، ومن الغرور أن يظن المنتمي إلى دين نبي من الأنبياء أن ينجو من الخلود في النار بمجرد الانتماء ، والشاهد عليه ما حكاه الله لنا عن بني إسرائيل من غرورهم بدينهم ، وما رد به عليهم حتى لا نتبع سننهم فيه ، وهو : ( وقالوا لن تمسنا النار إلا أياماً معدودة ) البقرة 80/81 ، وما حكاه عن اليهود والنصارى جميعاً من قولهم : ( وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هوداً أو نصارى تلك أمانيهم .. ) الخ الآيتين 111/112 ، ولكننا قد اتبعنا سننهم شبراً بشبر وذراعاً بذراع ، مصداقاً لما ورد في الحديث الصحيح ، وإنما نمتاز عليهم بأن المتبعين لهم بعض الأمة لا كلها ، وبحفظ نص كتابنا كله ، وضبط سنة نبينا في بيانه ، وبأن حجة أهل العلم والهدى منا قائمة إلى يوم القيامة "(1).

وإذا كنا نُسَرُّ بإماطة هذا العلامة الكبير لحجاب التقليد عن عينيه حتى أبصر الحقيقة واضحة ، فأرسل لِقَلمه العنان لتسجيلها بهذه العبارة الواضحة هنا ، وتقريرها مرة بعد مرة في تفسيره لآيات من سورة البقرة وآل عمران وهود ، فإنا نأسف على وقوعه نفسه في هذه الأحبولة حتى تردد في هذه المسألة ، فقال تارة بالتمييز بين عصاة الموحدين وغيرهم ، كما في تفسيره لسورة يونس ، وذهب تارة أخرى إلى القول بانقطاع عذاب النار على الإطلاق متأثرأ بقول ابن القيِّم الموافق للجهمية في ذلك كما في تفسيره لسورة الأنعام .. وسأنقل إليك أخي القارئ ما يمكنني نقله من نصوص عباراته موثقة حسب اقتضاء المقام .

ومن خلال هذا الذي ذكرته هنا تعلم أخي القارئ أن ابن القيم قد أخذ في هذه القضية بشطر من مذهب الجهمية كما سيأتي بيانه إن شاء الله .

وذهب الأشعرية ، ومن حذا حذوهم من الطوائف المنتسبة إلى السنة ، إلى خلود الدارين ، وعدم انقطاع ثواب الأبرار ، وعذاب غير الموحدين من الفجار ، أما الموحدون ، فقالوا : إنهم يعذبون إلى أمد ثم يخرجون من النار ويدخلون الجنة فيتنعمون ويخلدون فيها مع الأبرار .

وعقيدتنا معشر الإباضية أن كل من دخل النار من عصاة الموحدين والمشركين مخلدون فيها إلى غير أمد ، كما أن من دخل الجنة من عباد الله الأبرار لا يخرجون منها ، إذ الداران دارا خلود ، ووافقَنَا على ذلك المعتزلة والخوارج على اختلاف طوائفهم ، وإنما خالَفَنا الخوارج من حيث إنهم يحكمون على كل معصية تؤدي إلى العذاب بالشرك المخرج من الملة ، فخالفوا بذلك نصوص الكتاب والسنة وإجماع الأمة .













الفصل الثاني
في أدلة القائلين بانقطاع العذاب

وقد علمتّ أن هؤلاء طائفتان ، طائفة تقول بانقطاع عذاب كل من في النار موحد ومشرك ، وهم جهم وأصحابه ومن سار في ركابهم كابن القيِّم ، وطائفة تقول بانقطاع عذاب الموحدين دون عذاب المشركين .

أما الطائفة الأولى فقد تعلقت بآيات من القرآن ، ورواية عن الرسول - عليه أفضل الصلاة والسلام - وببعض النظريات الفلسفية .

أما الآيات فهي كما يلي :

1 ـ قوله تعالى : ( قال النار مثواكم خالدين فيها إلا ما شاء الله إن ربك حكيم عليم ) الأنعام 128.

2 ـ قوله تعالى : ( فأمَّا الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق . خالدين فيها مادامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك إن ربك فعَّال لما يريد ) هود 106/107.

ووجه الاستدلال بالآيتين ما فيهما من استثناء مشيئة الله تعالى مع ما في آية هود من جعل بقائهم في النار منوطاً بدوام السماوات والأرض مع العلم أن السماوات والأرض فانية ، والمعلق وجوده على وجود الفاني فهو فان .

وأجيب عن الأول بأجوبة متعددة أقواها أن الاستثناء لا يدل على الانقطاع ، لأن الاستثناء بمشيئة الله يرد في كلام الله للتنبيه على أن المخبر عنه كائن بمشيته عز وجل ، فلو شاء خلافه لكان ، وذلك كما في قوله تعالى : ( سنقرئك فلا تنسى إلا ما شاء الله ) الأعلى 6/7 ، مع القطع بعدم نسيانه صلى الله عليه وسلم شيئاً مما أوحاه الله إليه وأقرأه إياه ، ومثل ذلك تعليق وعده تعالى الجازم بمشيئته كما في قوله سبحانه : ( لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين ) الفتح 27 ، مع ما عهد من كون ( إن ) تدخل على الشرط غير المقطوع به وهو هنا لا يجوز قطعاً لمنافاته لتأكيد وعد الدخول بلام القسم ونون التوكيد مع ما سبقه من قوله سبحانه : ( لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق )

وأجيب عن الثاني بأجوبة متعددة بأجوبة متعددة كذلك أوْلاها بالاعتماد عليه أن السماوات والأرض المقصودة في هذه الآيات ليست سماوات الدنيا وأرضها ، وإنما المراد بها ما أظلهم وما أقلهم من سماوات الآخرة وأرضها ، لأن دخول الجنة الذي وُعد به الأبرار ، ودخول النار الذي توعد به الفجار لا يكون مع بقاء السماوات والأرض الدنيوية ، لأن ميقاتهما ينتهي بعدما تتداعَى أجزاء الكون في نشأته الأولى ، ويأتي ما وعد الله به في قوله : ( يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات وبرزوا لله الواحد القهار ) إبراهيم 48.

ولا يخفى على ذي بال أن الاستدلال على انقطاع عذاب أهل النار بالاستثناء الذي في آيتي الأنعام وهود ، والتعليق بدوام السماوات والأرض في آية هو يُلزمهم أن يقولوا مثل ذلك في ثواب المؤمنين في الجنة ، لأن آية هود أُتبِعَت بقول تعالى : ( وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك ) هود 108 ، فالاستثناء كالاستثناء ، والتعليق كالتعليق ، وهذا الإلزام خاص بابن القيم ومن نحا نحوه من المفرقين بين الثواب والعذاب دون الجهمية لأنهم يقولون بانقطاع كل منهما .

ولا مخلص لأولئك بقوله تعالى في خاتمة آية السعداء : ( عطاء غير مجذوذ ) هود 108 ، مع قوله فيما قبلها : ( إن ربك فعال لما يريد ) هود 107 ، لأن القرآن - وإن تباعدت آياته في الترتيب أو النزول - يصدق بعضه بعضاً ، وكما دل قوله : ( عطاء غير مجذوذ ) على استمرار النعيم ، دل قوله : ( وما هم بخارجين من النار ) البقرة 167 ، وقوله : ( لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها ) فاطر 36 ، وقوله : ( كلما أرادوا أن يخرجوا منها أُعيدوا فيها ) السجدة 20 ، وقوله : ( إن عذابها كان غراما . إنها ساءت مستقراً ومقاما ) الفرقان 65/66 ، وقوله : ( يريدون أن يخرجوا من النار وما هم بخارجين منها ولهم عذاب مقيم ) المائدة 37 ، وقوله : ( وما هم عنها بغائبين ) الانفطار 16 ، وقوله : ( ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط ) الأعراف 40 ، على استمرار العذاب وحرمان أهله من نعيم الجنة ، وكفى بهذه النصوص دليلاً على أن الله لم يشأ بهم إلا العذاب .

والمشيئة في هذه الآيات مجملة لم تُبَيَّن ، والآيات المصرحة بدوام العذاب كالتي أوردها صريحة ليس على دلالتها غبار ، والأمور العقائدية تتوقف على النصوص الصريحة فلا تستسقى علومها من الأدلة الإجمالية ، فكيف يلجأ إلى المجملات مع وجود التفصيل ، والتناسخ في أخبار الشارع لا يجوز بحال ، لأنه سبحانه لا تبدو له البدوات ، ولا يجهل شيئاً مما يكون ، ولا يوحي إلا بالصدق ، فلا معنى لما رواه ابن جرير وغيره عن جابر بن عبدالله رضي الله تعالى عنه أنه قال في هذه الآية - أي آية هود - تأتي على القرآن كله إذ لم يكن للقرآن أن يكذب بعضه بعضا ، وما كان لجابر - وهو الصحابي الجليل المتخرج من مدرسة النبوة - أن يَجْرُؤَ على مثل هذا القول ، وإنما هو من افتراءات أهل الأهواء وتلفيقات أصحاب الغرور .

ولصاحب المنار في تفسير آية هود تحرير وضع فيه المقصل على المفصل ، ونصه :

( خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض ، أي ماكثين فيها مكث بقاء وخلود لا يبرحونها مدة دوام السماوات التي تظلهم والأرض التي تقلهم ، وهذا بمعنى قوله في آيات أخرى : ( خالدين فيها أبدا ) ، فإن العرب تستعمل هذا التعبير بمعنى الدوام ، وغلط من قالوا : المراد مدة دوامها في الدنيا ، فإن هذه الأرض تبدل وتزول بقيام الساعة ، وسماء كل من أهل النار وأهل الجنة ما هو فوقهم ، وأرضهم ما هم مستقرون عليه وهو تحتهم ، كما قال ابن عباس لكل جنة أرض وسماء ، وروى مثله السدي والحسن .

( إلا ما شاء ربك ) أي أن هذا الخلود الدائم هو المعد لهم في الآخرة المناسب لصفة أنفسهم الجهول الظالمة التي أحاطت بها ظلمة خطيئاتها وفساد أخلاقها كما فصلناه مراراً ( إلا ما شاء ربك ) من تغيير هذا النظام في طور آخر فهو إنما وضعه بمشيئته وسيبقى في قبضة مشيئته ، وقد عهد مثل هذا الاستثناء في سياق الأحكام القطعية للدلالة على تقييد تأبيدها بمشيئته تعالى فقط لا لإفادة عدم عمومها كقوله تعالى : ( قل لا أملك لنفسي نفعاً ولا ضراً إلا ما شاء الله ) ( 7 : 188 ) أي لا أملك شيئاً من ذلك بقدرتي وإرادتي إلا ما شاء الله أن يملكنيه منه بتسخير أسبابه وتوفيقه ، ومثله في (10:49) مــع تقديم الضّر ، وقوله :( سنقرئك فلا تنسى إلا ما شاء الله ) (87 : 76) على أن الاستثناء لتأكيد النفي أي إنه تعالى ضمن لنبيه حفظ هذا القرآن الذي يقرئه إياه بقدرته ، وعصمه أن لا ينسى منه شيئاً بمقتضى الضعف البشري ، فهو لا يقع إلا أن يكون بمشيئة الله ، فهو وحده القادر عليه .

إن ربك فعال لما يريد ، فهو إن شاء غير ذلك فعله ، ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن ، وإنما تتعلق مشيئته بما سبق به علمه ، واقتضته حكمته ، وما كان كذلك لم يكن إخلافاً لشيء من وعده ولا من وعيده ، كخلود أهل النار فيها ، فإن هذا الوعيد مقيد بمشيئته ، وهي تجري بمقتضى علمه وحكمته )(1) .

3 ـ قوله تعالى : ( لابثين فيها أحقاباً ) النبأ 23 ، ووجه استدلالهم به أن الأحقاب متناهية ، وما دام لبثهم فيها مقدراً بقدرها فهو متناه أيضاً .

وجوابه أنه كما لا تتناهى الأنفاس في الدار الآخرة مع أنها لا نسبة بينها وبين الأحقاب في مقدار ما تستغرقه من الزمن ، فالأحقاب أبعد عن التناهي ، على أن لفظة الأحقاب مأخوذة من أحقب إذا أردف فهي أدل على الترادف المستمر الذي لانقطاع له .

وقد أحسن الفخر الرازي حيث قال في تفسير الآية : فإن قيل : قوله : ( أحقاباً ) وإن طالت إلا أنها متناهية ، وعذاب أهل النار غير متناه ، بل لو قال لابثين فيها الأحقاب لم يكن هذا السؤال وارداً ، ونظير هذا السؤال قوله في أهل القبلة : ( إلا ما شاء ربك ) قلنا الجواب من وجوه :

ـ الأول : أن لفظ الأحقاب لا يدل على مضي حقب له نهاية ، وإنما الحقب الواحد متناه ، والمعنى أنهم يلبثون فيها أحقاباً ، كلما مضى حقب تبعه حقب آخر .

ـ والثاني : قال الزجاج المعنى أنهم يلبثون فيها أحقاباً لا يذوقون في الأحقاب برداً ولا شراباً ، فهذه الأحقاب توقيت لنوع من العذاب ، وهو أن لا يذوقوا برداً ولا شراباً إلا حميماً وغساقاً ، ثم يبدلون بعد الأحقاب عن الحميم والغساق من جنس آخر من العذاب .

ـ وثالثها : هب أن قوله : ( أحقاباً ) يفيد التناهي لكن دلالة هذا على الخروج دلالة المفهـوم ، والمنطوق دل على أنهم لا يخرجون ، قال تعالى : ( يريدون أن يخرجوا من النار وما هم بخارجين منها ولهم عذاب مقيم ) المائدة 37 ، ولاشك أن المنطوق راجح .

وذكر صاحب الكشاف في الآية وجهاً آخر ، وهو أن يكون أحقاباً من حَقِبَ عامُنا إذا قل مطره وخيره ، وحقب فلان إذا أخطأه الرزق فهو حَقِبٌ وجمعه أحقاب ، فينتصب حالاً عنهم بمعنى لابثين فيها حقبين مجدبين ، وقوله : ( لا يذوقون فيها برداً ولا شراباً ) تفسير له(2).

وما نسبه إلى الزجاج قاله كثير من المفسرين ، ووجهـه أن جملة ( لا يذوقون .. الخ ) حال من فاعل ( لابثين ) وفسروا ذلك أنهم يلبثون فيها أحقاباً وهو لا يذوقون فيها بردا ولا شراباً إلا ما ذكر ، ثم ينتقلون إلى لون آخر من العذاب وهو تعذيبهم ببرد الزمهرير ، الذي يتمنون أن ينفكوا عنه بالعودة إلى جهنم والعياذ بالله ، وعلى هذا فلا إشكال ولو باعتبار الأحقاب متناهية ، ومهما يكن فإنهم لم يستدلوا بنص يفيد ما دعوه ، وإنما بتأويلات تقابل بما يبطلها ، والأمور العقائدية - كما قلت - لابد من الاستناد فيها على النصوص القاطعة .

وأما الرواية فحديث عبدالله بن عمرو بن العاص ( ليأتين على جهنم يوم تصفق فيه أبوابها ليس فيها أحد ) ولا يتم به الاستدلال ، لأنه قبل كل شيء حديث آحادي لا تنهض به حجة في القطعيات ، فضلاً عما في متنه وإسناده من نُكاره ، ولو قدرنا صحته لكان الواجب تأويله بما يتفق مع قواطع النصوص ، وهو أن أهلها ينتقلون عنها إلى الزمهرير ، ومع ضعف الحديث لا داعي إلى مثل هذا التأويل .

وأما النظريات الفلسفية فمنها ما تقدم نقله عن الجهمية ، ومنها ما أورده ابن القيم في كتابيه الصواعق المرسلة وحادي الأرواح(1) .

ويتلخص في أن الرحمن الرحيم ، البر الكريم ، العزيز الحكيم ، أجَل من أن يخلق نَشْئاً للشر دون الخير ، وللعذاب دون الرحمة ، وأن فطرة الله في الإنسان هي التوحيد والتقوى والإخلاص غير أنها تتكدر بأكدار من العصيان متفاوتة ، منها ما تصقله الدعوة ، ومنها ما يصقله العذاب الموقوت بأمد أقل ، ومنها ما يحتاج صقله إلى فترة أطول في العذاب ، وأن الغاية من ذلك أن يدرك الإنسان ضعفه بين يدي ربه وافتقاره إلى رحمته ، واضطراره إلى لطفه ، وعدم طاقته على تحمل نقمته مع إدراكه قوة الله وبطشه ، وأنه عظيم المن والإحسان إلى خلقه ، فإذا أدرك العبد ذلك وانجلت فطرته من صدأ العصيان ، وتراجع إيمانه بعدما طار به طائر الكفران لم يبق معنى لتعذيبه ، لأن الله تعالى منزهة أفعاله عن التجرد من الحكمة ، ولا حكمة في العذاب الدائم ، وقد وزع ابن القيم ما استنتجه من هذه الفلسفة وتأوله من القرآن ، واستند إليه من الآثار إلى خمسة وعشرين وجهاً .

وقد أورد صاحب المنار نص كلامه في حادي الأرواح ، وأتبعه من عبارات الإعجاب والثناء ما يدل على أنه منجذب إليه ، وذلك في تفسير آية المشيئة من سورة الأنعام(2) ، وهو مخالف لما سبق نقله عنه في تفسير الاستثناء بالمشيئة في آية هود ، كما أنه مخالف لما نقلناه عنه من كلامه في مقدمة تفسيره لسورة البقرة ، وما سننقله إن شاء الله عنه من النصوص الأخرى .

ويدحض هذه النظريات أن الله تعالى لا تتقيد أفعاله بأنظمة تحكمها عقول البشر ، ولا ترتبط بنواميس تستوحىَ من خيالات الناس ، وإنما يفعل - جل شأنه - ما يشاء ويحكم ما يريد ، ( لا يسأل عما يفعل وهم يسألون ) وعلينا أن نعتقد أن عقولنا المحدودة أكَلَّ وأعجز وأحسر من أن تحيط بحكمه تعالى في أفعاله ، أو تكتنه أسراره في خلقه ( وما أوتيتم من العلم إلا قليلا ) الإسراء 85 ، وما علينا إلا أن نسلم تسليماً لأخبار الله التي لا تتبدل ، ومن بينها أخبار الوعيد لِقَطْعِنا أن الله عز وجل لا يقول إلا الصدق ، كما أنه لا يأمر إلا به ( ومَن أصدق من الله قيلاً ) النساء 122 .

ولو فتحنا هذا الباب ، وأسندنا إلى عقولنا الحكم على أخبار الله ، لما كانت لذلك نتيجة إلا رد كثير من النصوص بل أكثرها ، لأن الشيطان لا يزال يوسع هذه الثغرات ويوالي ، توجيه طعنات التشكيك في النصوص ، لحمل الناس على ردها أو على تأويلها بمختلف التأويلات الباطلة المخالفة لما يراد بتلك النصوص ، على أن نصوص تأبيد عذاب النار كنصوص تأبيد نعيم الجنة ، فإذا جاز تأويل تلك فما الذي يمنع من تأويل هذه ؟ .

ومن دواعي العجب أن يلجأ ابن القيم إلى المدرسة العقلية في تعليل أفعاله تعالى مستنداً إلى ما يوحي به العقل من التحسين والتقبيح ، مع أنه هو الأثري المتعصب الذي يمنع كل المنع تأويل الآيات المتشابهات بما يتفق مع معاني أمهاتها المحكمات ، ويستلزمه تنزيه الله تعالى عن مشابهة خلقه ، وتسوغه اللغات وأعرافها ، وتقتضيه القرائن السمعية والعقلية ، فما أبعد البون ما بين الموقفين .

وقد أعرضت عن سرد كلامه وتتبعه بالنقض ، مكتفياً بإيراد هذا الملخص وإتباعه بما ذكرته ، توفيراً للوقت وإراحة للقارئ من مزيد عناء ، في قضية أصبحت الآن من المسلَّمات عند الأمة ، إذ لم يبق - فيما أحسب - من يذهب مذهب ابن القيم في التفرقة بين بقاء النعيم والعذاب على الإطلاق .

أما الطائفة الثانية ـ وهم الذين يفرقون بين عصاة الموحدين وغيرهم من أهل النار في مدة العذاب - فهم يستدلون كذلك بآيات من الكتاب وروايات من السنة ، واستدلال عقلي لما ذهبوا إليه ، أما الآيات فقد تعلقوا منها بما تعلقت به الطائفة الأولى ، وكفى بما سبق من النقض لاستدلال أولئك رداً على دعوى هؤلاء ، على أن تلك الآيات ليس فيها ما يدل بأي وجه على تفرقة بين عصاة الموحدين وغيرهم ، وإنما هي في وعيد جميع أهل النار والعياذ بالله ، اللهم إلا ما في سورة النبأ ، فإن ما وليه من ذم المتوعدين قاض بأنهم منكرون للبعث ، وذلك قوله تعالى : ( إنهم كانوا لا يرجون حسابا . وكذبوا بآياتنا كذابا ) فلو كان مطمع في خروجهم يلوح من قوله : ( لابثين فيها أحقابا) لكان أولى به المنكرون للبعث المكذبون بالكتاب ، ولكن أنّى ذلك وقد اختتم هذا الوعيد بقوله : ( فذوقوا فلن نزيدكم إلا عذابا ) النبأ 30.

وتعلقوا أيضاً بما لا يشير إلى ذلك من قريب ولا من بعيد ، كقوله تعالى : ( ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين ) الحجر 2 ، ووجه تعلقهم به أن ودهم ذلك يكون عندما يرون عصاة المسلمين يخرجون من النار مع بقائهم فيها .

وهذا تأويل لا يقتضيه لفظ الآية ، ولم يقم عليه شاهد من غيرها ، لأن ودهم ذلك يحتمل أن يكون عندما يرون قوة الإسلام ضاربة في الأرض وسلطانه مهيمناً على الأمم ، وكلمته نافذة بين الناس ، فيودوا لو كانوا سابقين إليه ، ويحتمل أن يكون عندما تنتزع أرواحهم ، ويشهدون من طلائع أهوال الدار الآخرة ما لم يحتسبوه ، ويحتمل أن يكون عندما يبعثون من قبورهم ويواجهون الفزع الأكبر ، ويدركون أنه لا منجاة يومئذ إلا لمن اعتصم بحبل الإسلام وآوى إلى ركنه وأمسك بعروته ، وكل واحد من هؤلاء الوجوه مروي عن جماعة من مفسري السلف والخلف ، فلم يبق مجال للاستدلال بالآية على ما لم تكن نصاً عليه ولا ظاهرة فيه .

وأما الروايات فهي متعددة ولكن تقابلها روايات لا تقل عنها جودة ولا كثرة ، سأذكر بعضها إن شاء الله في آخر الفصل الآتي على أن روايات الخروج من النار معارضة لنصوص القرآن ، وروايات الخلود فيها متفقة معها ، ويتعين المصير في مثل هذه الحالة إلى ما اتفق مع القرآن لا إلى ما خالفه .

وأما الاستدلال العقلي فهو أنه لو تساوى عصاة الموحدين مع المشركين في الخلود لما بقي لكلمة التوحيد أثر ، ولا لأعمال البر فائدة .

وجوابه أنهم وإن تساووا في الخلود فهم غير متساوين في العذاب ، كما أن الأبرار لا يتساوون في الثواب بل يتفاوتون بتفاوت الأعمال ، والنار دركات كما أن الجنة درجات .






الفصل الثالث
في أدلة القائلين بخلود
جميع مرتكبي الكبائر في النار

وهي قسمان ، بعضها من الكتاب وبعضها من السنة :

أما من الكتاب فكثيرة نذكر منها ما يلي :

1 ـ قوله تعالى: ( وقالوا لن تمسنا النار إلا أياماً معدودة قل اتخذتم عند الله عهداً فلن يخلف الله عهده أم تقولون على الله مالا تعلمون ، بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ) البقرة - 80 - 81 .

ودلالته عليه من وجوه :-

ـ أولها : أن هذه العقيدة يهودية المنبت كما هو ظاهر من هذا النص وقد ذُكرت في مساق التنديد بهم والتشهير بضلالهم .

ـ ثانيها : ما فيه من الاستنكار لهذا القول الوارد مورد الاستفهام المقصود به التحدي ، والتقرير بأنهم لم يستندوا في مقالتهم هذه إلى عهد من الله ، وإنما هي من ضمن ما يتقولونه عليه تعالى بغير علم ، وناهيك بذلك ردعاً عن التأسّي بهم فيما يقولون ، والخوض معهم فيما يخوضون .

ـ ثالثها : ما فيه من البيان الصريح بأن مصير كل من ارتكب سيئة وأحاطت به خطيئته لعدم تخلصه منها بالتوبة النصوح أنه خالد في النار مع الخالدين ، وهو رد على هذه الدعوى يستأصل أطماع الطامعين في النجاة مع الإصرار على الإثم .

وما أجدر العاقل بأخذ الحيطة وعدم الاغترار بهذه الأماني التي تشبَّث بها أهل الكتاب ، وحذر الله هذه الأمة من التشبث بها كما تشبثوا حيث قال : ( ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءاً يجز به ولا يجد له من دون الله وليا ولا نصيرا ) النساء 123 .

واعترض على الاستدلال به بأمرين :-

ـ أولهما : أن السيئة هنا هي الشرك كما روي عن طائفة من المفسرين وإذا كان هذا الوعيد للمشركين فهو لا يعم الموحدين .

ـ ثانيهما : أن الخلود لم يرد به التأبيد وإنما أريد به المكث الطويل .

ويرد الاعتراض الأول أن حمل السيئة على الشرك وحده خروج بالآية عما يقتضيه لفظها ، فإن لفظ ( سيئة ) نكرة مطلقة في سياق الشرط ، والنكرات إذا وردت في الشرط فهي محمولة على العموم لأن الشرط كالنفي ، وحكم النكرة في سياق النفي عمومها .

وإن أردت مزيد البيان في ذلك فانظر في قول القائل لعبيده : من جاءني بعُملة فهو حرّ ، فإنه يعتق بقوله هذا من جاءه بأي شيء يصدق عليه أنه عُملة ، سواء كان درهماً أو ديناراً أو ريالاً أو جنيهاً ، أو غيرها ؛ وكذلك لو قال لهم من أتاني بثوب فهو حرّ ، فإن هذا الحكم يصدق على من جاء بما يصدق عليه اسم الثوب ، قميصاً كان أو إزاراً ، أو عمامة ، أو سراويل ، أو أي شيء آخر ، ولو حلف أحد أنه لم يرتكب سيئة وقد زنى ، أو سـرق ، أو شرب الخمر ، أو عقّ والديه ، أو أكل الربا ، أما يُعَدُّ حانثاً بقسمه هذا ؟

ولا متعلق لهم في قوله تعالى : ( وأحاطت به خطيئته ) وإن زعموا أن مرتكب الكبيرة إن كان موحداً لم تحط به خطيئته لأن له حسنات لا يحرم ثوابها ، ذلك لأنا نقول إن عدم التخلص من المعصية بالتوبة النصوح يجعلها محيطة بصاحبها ، مستولية عليه كالآخذ بناصيته الممسك بتلابيبه ، بخلاف ما إذا تخلص منها باللجوء إلى التوبة النصوح ، وهذا معنى ما روي عن السلف ودونكم بعض النصوص المروية في ذلك .

قال الإمام ابن جرير حدثنا أبو كريب قال ثنا ابن يمان عن سفيان عن الأعمش عن أبي روق عن الضحاك ( وأحاطت به خطيئته ) قال : مات بذنبه .

حدثنا أبو كريب قال ثنا جابر بن نوح ، قال ثنا الأعمش عن أبي رزين عن الربيع بن خيثم ( وأحاطت به خطيئته ) قال مات عليها .

حدثنا ابن حميد قال ثنا سلمة ، قال أخبرني ابن إسحاق ، قال حدثني محمد بن أبي محمد عن سعيد بن جبير أو عكرمة عن ابن عباس ( وأحاطت به خطيئته ) قال : يحيط كفره بما له من حسنة - والكفر يعم الكبائر كلها لأنها من كفران النعم .

حدثني محمد بن عمرو قال ثنا أبو عاصم ، قال حدثني عيسى عن ابن أبي نجيح عن مجاهد ( وأحاطت به خطيئته ) قال : ما أوجب الله فيه النار .

حدثنا بشر قال ثنا يزيد قال ثنا سعيد عن قتادة ( وأحاطت به خطيئته ) قال : أما الخطيئة فالكبيرة الموجبة .

حدثنا الحسن قال أخبرنا عبد الرزاق عن قتادة ( وأحاطت به خطيئته ) قال : الخطيئة الكبائر .

حدثني المثنَى قال ثنا إسحاق قال ثنا وكيع ويحيىَ بن آدم عن سلام بن مسكين ، قال سأل رجل الحسن عن قوله : ( وأحاطت به خطيئته ) فقال : ما تدري ما الخطيئة ؟ يا بني أتل القرآن فكل آية وعد الله عليها النار فهي الخطيئة .

حدثنا أحمد بن إسحاق الأهوازي قال ثنا أبو أحمد الزبيري قال ثنا سفيان عن منصور عن مجاهد في قوله : ( بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته ) قال : كل ذنب محيط فهو ما وعد الله عليه النار .

حدثنا أحمد بن إسحاق قال ثنا أبو أحمد الزبيري ، قال ثنا سفيان عن الأعمش عن أبي رزين( وأحاطت به خطيئته ) قال : مات بخطيئته .

حدثني المثنىَ قال ثنا أبو نعيم قال ثنا الأعمش قال ثنا مسعود أبو رزين عن الربيع بن خيثم في قوله : ( وأحاطت به خطيئته ) قال : هو الذي يموت على خطيئته قبل أن يتوب .

حدثنا القاسم قال ثنا الحسين قال : قال وكيع : سمعت الأعمش يقـول في قولـه: ( وأحاطت به خطيئته ) مات بذنوبه .

حدثت عن عمار قال ثنا ابن أبي جعفر عن أبيه عن الربيع : ( أحاطت به خطيئته ) الكبيرة الموجبة.

حدثني موسى قال ثنا عمرو بن حماد قال ثنا أسباط عن السدي : ( أحاطت به خطيئته ) فمات ولم يتب(1) .

وهذا الذي نقله الإمام ابن جرير عن سلف الأمة في معنى الآية الكريمة ، هو الذي ذهب إليه الإمام المحقق محمد عبده بعد دقة إمعانه وتسريح فكره فيما يراد بالسيئة وبإحاطة الخطيئة ، وهذا ما جاء عنه في المنار : للسيئة هنا إطلاقها وخصها مفسرنا - الجلال - وبعض المفسرين بالشرك ، ولو صح هذا لما كان لقوله تعالى : ( وأحاطت به خطيئته ) معنى ؛ فإن الشرك أكبر السيئات ، وهو يستحق هذا الوعيد لذاته كيف ما كان ، ومعنى إحاطة الخطيئة هو حصرها لصاحبها ، وأخذها بجوانب إحساسه ووجدانه ؛ كأنه محبوس فيها ، لا يجد لنفسه مخرجاً منها ، يرى نفسه حرّاً مطلقاً وهو أسير الشهوات وسجين الموبقات ورهين الظلمات ، وإنما تكون الإحاطة بالاسترسال في الذنوب والتمادي على الإصرار ، قال تعالى: ( كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون ) المطففين 14 ، أي من الخطايا والسيئات ، ففي كلمة ( يكسبون ) معنى الاسترسال والاستمرار ، ران عليه غطاه وستره ، أي أن قلوبهم قد أصبحت في غلف من ظلمات المعاصي حتى لم يبق منفذ للنور يدخل إليها منه ، ومن أحدث لكل سيئة يقع فيها توبة نصوحاً وإقلاعاً صحيحاً لا تحيط به الخطايا ، ولا يرين على قلبه السيئات ، روى أحمد والترمذي والحاكم وصححه والنسائي وابن ماجة وابن حبان وغيرهم من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن العبد إذا أذنب ذنباً نكتت في قلبه نكتة سوداء ، فإن تاب ونزع واستغفر صقل قلبه وإن عاد زادت حتى تعلو قلبه فذلك الران الذي ذكره الله تعالى في القـرآن : ( كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون ) " لمثل هذا كان السلف يقولون: (المعاصي بريد الكفر) (2) .

ويراد الاعتراض الثاني أن حمل الخلود هنا على المكث الطويل دون التأبيد يستتبع حمله على ذلك في نظيره ، وهو الخلود الموعود به الذين آمنوا وعملوا الصالحات في الجنة إذ لا دليل على الفرق بينهما .

وقد تحدث عن ذلك الإمام محمد عبده فقال : ومن المفسرين من ترك السيئة في الآية على إطلاقها ، ولم يؤولها بالشرك ولكنهم أولوا جزائها ، فقالوا : إن المراد بالخلود طول مدة المكث ، لأن المؤمن لا يخلد في النار وإن استغرقت المعاصي عمره ، وأحاطت الخطايا بنفسه فانهمك فيها طول حياته ؛ أولوا هذا التأويل هروباً من قول المعتزلة : إن أصحاب الكبائر يخلدون في النار ، وتأييداً لمذهبهم أنفسهم المخالف للمعتزلة ، والقرآن فوق المذهب ، يرشد إلى أن من تحيط به خطيئته لا يكون أو لا يبقى مؤمناً ) . اهـ

وقال عقبه السيد محمد رشيد رضا : ( إن فتح باب تأويل الخلود يجرِّيءُ أصحاب استقلال الفكر في هذا الزمان على الدخول فيه ، والقول بأن معنى خلود الكافرين في العذاب طول مكثهم فيه ، لأن الرحمن الرحيم الذي سبقت رحمته غضبه ما كان ليعذب بعض خلقه عذاباً لا نهاية له ، لأنهم لم يهتدوا بالدين الذي شرعه لمنفعتهم لا لمنفعته ، ولكنهم لم يفقهوا المنفعة ، وإذا كان التقليد مقبولاً عند الله - كما يرى فاتحو الباب - فقد وضح عذر الأكثرين لأنهم مقلدون لعلمائهم - .. الخ ما يتكلم به الناس ولا سيما في هذا العصر ، فإن هذه المسألة قديمة ، وهي أكبر مشكلات الدين ، نعم إن العلماء يحتجون عليهم بالإجماع ولو سكوتياًّ ، ولكن التأويل باب لا يكاد يسده متى فتح شيء.(1)

وكلامه هذا يشير إلى ما ذكرته قبل ، من أن تأويل الخلود بالمكث الطويل دون التأبيد إذا قيل به في وعيد طائفة لزم منه أن يحمل عليه ما جاء من الخلود في وعيد غيرها ، بل يترتب عليه تسويغ مثله في وعد المؤمنين بالخلود في الجنة ، وقد أشار إلى مثل ذلك في تفسير سـورة النساء (3)، وبهذا ينتقض على قول من يحصر الخروج من النار في الموحدين مذهبهم للزوم أن يقولوا مثله في المشركين ، وأن يقولوا بانتهاء نعيم الجنة إلى أمد .

2 ـ قوله تعالى : ( فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ) البقرة 275 ، ووجه الاستدلال بالآية أنها وعيد لأكلة الربا وهم غير مشركين ، لأن الآية في معرض التحذير من أكل الربا بعد تحريمه .

واعترض بأن هذا الوعيد ليس على أكل الربا بل هو على استحلاله ، بدليل ما جاء في صدرها من حكاية قولهم المعارض لحكم الإسلام في الربا ( إنما البيع مثل الربا ) البقرة 275 ، والمُسْتَحِل لما حرم الله بالنص القطعي كالربا مشرك بالإجماع ، فلا يعم حكم الخلود مرتكبي الكبائر دون الشرك.

والجواب أن حمل الوعيد على الاستحلال دون الأكل يهون من وقْع أوامر الله تعالى ونواهيه في نفوس العباد ، ويقلل من أهمية حكم الحرمة في المحظورات ، على أن سياق ما قبل وما بعد هذه الآية إنما هو حظر الربا ، وتغليظ أمره على الناس ، وليس ذكر ما يقوله مستحلوه مخرجاً لهذا الوعيد عما يقتضيه السياق ، وإلا لما كانت فائدة في شيء مما ذكر قبلها أو بعدها .

وقد تفطن لذلك الإمام محمد عبده فأتى في كشف اللثام عن مخدرات معاني الآية للأفهام بما لخصه صاحب المنار حيث قال : ( أي ومن عاد إلى ما كان يأكل من الربا المحرم بعد تحريمه فأولئك البعداء عن الاتعاظ بموعظة ربهم الذي لا ينهاهم إلا عما يضرُّ بهم في أفرادهم أو جميعهم ، هم أهل النار الذين يلازمونها كما يلازم الصاحب صاحبه فيكونون خالدين فيها .

وقد أول الخلود المفسرون لتتفق الآية مع المقرر في العقائد والفقه من كون المعاصي لا توجب الخلود في النار ، فقال أكثرهم إن المراد ومن عاد إلى تحليل الربا واستباحته اعتقاداً ، ورد بعضهم بأن الكلام في أكل الربا ، وما ذكر عنهم من جعله كالبيع هو بيان لرأيهم فيه قبل التحريم ، فهو ليس بمعنى استباحة المحرم ، فإذا كان الوعيد قاصراً على الاعتقاد بحله لا يكون هناك وعيد على أكله بالفعل .

والحق أن القرآن فوق ما كتب المتكلمون والفقهاء ؛ يجب إرجاع كل قول في الدين إليه ، ولا يجوز تأويل شيء منه ليوافق كلام الناس ، وما الوعيد بالخلود هنا إلا كالوعيد بالخلود في آية قتل العمد ، وليس هناك شبهة في اللفظ على إرادة الاستحلال .

ومن العجيب أن يجعل الرازي الآية هنا حجة على القائلين بخلود مرتكب الكبيرة في النار انتصاراً لأصحابه الأشاعرة ، وخير من هذا التأويل تأويل بعضهم للخلود بطول المكث .

أما نحن فنقول : ما كل ما يسمى إيماناً يعصم صاحبه من الخلود في النار ، الإيمان إيمانان ، إيمان لا يعدو التسليم الإجمالي بالدين الذي نشأ فيه المرء أو نُسب إليه ، ومجاراة أهله ، ولو بعدم معارضتهم فيما هم عليه ، وإيمان هو عبارة عن معرفة صحيحة بالدين على يقين بالإيمان متمكنة في العقل بالبرهان ، مؤثرة في النفس بمقتضى الإذعان ، حاكمة على الإرادة المصرفة للجوارح في الأعمال بحيث يكون صاحبها خاضعاً لسلطانها في كل حال إلا ما لا يخلو عنه الإنسان من غلبة جهالة أو نسيان ، وليس الربا من المعاصي التي تُنسى ، أو تغلب النفس عليها خفة الجهالة والطيش كالحدة وثورة الشهوة ، أو يقع صاحبها منها في غمرة النسيان ، كالغيبة والنظرة ، فهذا هو الإيمان الذي يعصم صاحبه بإذن الله من الخلود في سخط الله ، ولكنه لا يجتمع مع الإقدام على كبائر الإثم والفواحش عمداً إيثاراً لحب المال واللذة على دين الله وما فيه من الحكم والمصالح ، وأما الإيمان الأول فهو صوري فقط ، فلا قيمة له عند الله تعالى لأنه تعالى لا ينظر إلى الصور والأقوال ولكن ينظر إلى القلوب والأعمال كما ورد في الحديث ، والشواهد على هذا الذي قررناه في كتاب الله تعالى كثيرة جداً ، وهو مذهب السلف الصالح وإن جهله كثير ممن يدَّعون اتباع السنة ، حتى جرأوا الناس على هدم الدين بناءً على أن مدار السعادة على الاعتراف بالدين ، وإن لم يعمل به ، حتى صار الناس يتبجحون بارتكاب الموبقات مع الاعتراف بأنها من كبائر ما حرم ، كما بلغنا عن بعض كبرائنا أنه قال : إنني لا أنكر أنني آكل الربا ولكنني مسلم أعترف بأنه حرام ، وقد فاته بأنه يلزمه بهذا القول الاعتراف بأنه من أهل هذا الوعيد ، وبأنه يرضى أن يكون محارباً لله ولرسوله ، وظالماً لنفسه وللناس ، كما سيأتي في آية أخرى ، فهل يعترف بالملزوم أم ينكر الوعيد المنصوص فيؤمن ببعض الكتاب ويكفر ببعض ؟ نعوذ بالله من الخذلان . )(1) وكلامه صريح في أن مذهب السلف الصالح هو ما عليه أهل الاستقامة والحمد لله .

3 ـ قوله تعالى : ( ذلك بأنهم قالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودات وغرَّهم في دينهم ما كانوا يفترون ) آل عمران 24 ، ووجه الاستدلال به ما سبق في نظيره من إثبات أن هذه العقيدة من عقائد اليهود ، وأنها جرأتهم على معصية الله ، وقادتهم إلى الإعراض عن كتابه ، وذُكرت في معرض تفنيد ضلالهم وتبكيتهم على عيوبهم ، ولصاحب المنار في تفسيره هذه الآية كلام جاء فيه : ( لعل المراد بعبارة الآية أنهم كانوا يعتقدون أن الإسرائيلي إذا عوقب فإن عقوبته لا تكون إلا قليلة ، كما هو اعتقاد أكثر المسلمين اليوم ، إذ يقولون إن المسلم المرتكب لكبائر الإثم والفواحش إما أن تدركه الشفاعات وإما أن تنجيه الكفارات ، وإما أن يمنح العفو والمغفرة بمحض الفضل والإحسان ، فإن فاته كل ذلك عذب على قدر خطيئته ثم يخرج من النار ويدخل الجنة ، وأما المنتسبون إلى سائر الأديان فهم خالدون في النار كيفما كانت حالهم ، ومهما كانت أعمالهم ، والقرآن لا يقيم للانتساب إلى دين ما وزناً ، وإنما ينوط أمر النجاة من النار والفوز بالنعيم الدائم في دار القرار بالإيمان الذي وصفه وذكر علامات أهله وصفاتهم ، وبالأعمال الصالحة والأخلاق الفاضلة ، مع التقوى وترك الفواحش ما ظهر منها وما بطن .

وأما المغفرة فهي خاصة في حكم القرآن بمن لم تحط به خطيئته ، وأما من أحاطت به حتى استقرت شعوره ورانت على قلبه فصار همه محصوراً في إرضاء شهوته ، ولم يبق للدين سلطان على نفسه ( فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ) لهذا يحكم هذا الكتاب الحكيم بأن من يجعل الدين جنسية وينوط النجاة من النار بالانتساب إليه أو الاتكال على من أقامه من السلف فهو مغتر بالوهم مفتر يقول على الله بغير علم ، كما قال هنا : ( وغرَّهم في دينهم ما كانوا يفترون ) آل عمران 24 ، أي بما زعموا من تحديد مدة العقوبة للأمة في مجموعها ، وهذا من الافتراء الذي كان منشأ غرورهم في دينهم ، ومثله لا يعرف بالرأي ولا بالفكر لأنه من أمر عالم الغيب فلا يعرف إلا بوحي من الله ، وليس في الوحي ما يؤيده ، ولا يوثق به إلا بعهد من الله عز وجل ، ولا عهد بهذا ، وإنما عهد الله هو ما سبق في سورة البقرة (وقالوا لن تمسنا النار إلا أياماً معدودة قل اتخذتم عند الله عهداً فلن يخلف الله عهده أم تقولون على الله مالا تعلمون ، بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ، والذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون ) البقرة 80 - 82(1).

ثم تناول تفسير قوله تعالى : ( فكيف إذا جمعناهم ليوم لا ريب فيه ووفيت كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون ) آل عمران 25 ، وعندما تكلم على جملة ( وهـم لا يظلمون ) قال : ( وقد قال المفسرون في هذه الجملة كلمة أحب التنبيه على ما فيها ، قالوا فيها دليل على أن العبادة لا تحبط ، وأن المؤمن لا يخلد في النار لأن توفية جزاء إيمانه وعمله لا تكون في النار ولا قبل دخولها ، فإذاً هي بعد الخلاص منها ، والعبارة للبيضاوي ، ونقلها أبو السعود كعادته ، وأقول : إن الكسب هنا ليس خاصاً بالعبادة والإيمان ، بل هو عام وشامل لكل ما عمله العبد من خير وشر ، فإذا أرادوا أن الآية تدل على أنه لابد من الجزاء على الكسب كما هو ظاهر الآية ، لزمهم أن الكافر إذا أحسن في بعض الأعمال - ولا يوجد أحد من البشر لا يحسن عملاً قط - وجب أن يجازىَ عليه ، وهم لا يقولون بذلك ، ولذلك خصصوا وأخرجوا الآية عن ظاهرها ، وإذا نحن جمعنا بين هذه الآية التي وردت رداً لقول الذين زعموا أنهم لن تمسهم النار إلا أياما معدودة ، وآية البقرة التي وردت في ذلك أيضاً ، وعلمنا أن مراد الله في الجزاء على كسب الإنسان بحسبه ، وهو أن العبرة بتأثير العمل في النفس فإذا كان أثره السيئ قد أحاط بعلمها وشعورها ، واستغرق وجدانها كانت خالدة في النار ، لأن العمل السيئ لم يدع للإيمان أثراً صالحاً فيها يعدها لدار الكرامة ، بل جعلها من أهل دار الهوان بطبعها ، وإذا لم يصل إلى هذه الدرجة بأن أغلب عليها تأثير العمل الصالح أو استوى الأمران فكانت بين بيـن جوزيت على كل بحسب درجته كما قررنا آنفاً .(1)

هذا كلامه ولا يؤخذ مما سبق أو لحق منه أن غير المؤمن بملة الإسلام ينجّيه شيء من عمله من عذاب النار ، لأنه بفقدانه الإيمان الذي هو أساس العمل يحرم جني ثمرات إحسانه فيما عمل ، لأن الإيمان شرط لصحة الأعمال وقبولها ، قال تعالى : ( فمن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا كفران لسعيه وإنا له كاتبون ) الأنبياء 94 ، وقال : ( ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا يخاف ظلماً ولا هضما ) طه 112 ، فترى أن الإيمان قيد لصحة العمل .

واستدلال القائلين بخروج أهل الكبائر من النار بقوله تعالى : ( وهم لا يظلمون ) ـ بجانب كونه مستلزماً لما قاله العلامة السيد رشيد رضا من اشتراك الكفّار في ذلك مع المؤمنين ـ يقتضي أن اليهود هم أولى بهذا الحكم لأن الآية نزلت فيهم ..

والتحقيق أن العبرة بخواتم الأعمال ، فمن ختم له بالعقيدة الصحيحة والعمل الصالح كان سعيداً عند الله مهما عمل من قبل ، فإن التوبة تمحو الآثام وتطهر صاحبها من الحوب ، ومن ختم له بالإصرار على الآثام لم تُجْدِهِ أعماله السابقة شيئاً لأنها مُحبطة بإصراره ، والله تعالى يقول : ( إنما يتقبل الله من المتقين ) المائدة 27 ، والتقوى لا تجامع الإصرار .

4 ـ قوله تعالى : ( ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله ناراً خالداً فيها وله عذاب مهين ) النساء 14 ، ووجه الاستدلال به أنه جاء بعد تبيان أحكام المواريث ، والنص على أنها من حدود الله، ووعد من يطيع الله ورسوله بالخلد ، في جنات تجري من تحتها الأنهار ، فثبت من ذلك بأن من جاوز حكماً من أحكام الله صدق عليه هذا الوعيد ، وقد تحدث في تفسير هذه الآية كل من الإمام محمد عبده والسيد رشيد رضا بما يؤيد كلامهما السابق (2).

5 ـ قوله تعالى : ( ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذاباً عظيما ) النساء 93 ، ووجه الاستدلال بالآية أن الله تعالى توعد فيها قاتل المؤمن - فيما توعده به - بالخلود في النار مع أن القتل كبيرة دون الشرك .

وقد حاولوا التخلص مما دل عليه هذا النص بضروب من التأويلات التي أنكر فيها بعضهم على بعض ، ولم يتفقوا منها على شيء .

قال الفخر : ( وزعم الواحدي أن الأصحاب سلكوا في الجواب عن هذه الآية طرقاً كثيرة ، قال : وأنا لا أرتضي شيئاً منها ، لأن التي ذكروها إما تخصيص وإما معارضة وإما إضمار ، واللفظ لا يدل على شيء من ذلك - قال - والذي أعتمده وجهان ، ( الأول ) إجماع المفسرين على أن الآية نزلت في كافر قتل مؤمناً ثم ذكر تلك القصة ، ( والثاني ) أن قوله : ( فجزاؤه جهنم ) معناه الاستقبال ، أي أنه سيجزى بجهنم ، وهذا وعيد - قال - وخلف الوعيد كرم ، وعندنا أنه يجوز أن يخلف الله وعيد المؤمنين ، فهذا حاصل كلامه الذي زعم أنه خير مما قاله غيره ) .

وبعدما أورد الفخر هذا الكلام أخذ ينقضه مع ما عرف عنه من التعصب للقول بخروج أهل الكبائر من النار ، وهذا نص كلامه :

( أما الوجه الأول فضعيف ، وذلك أنه ثبت في أصول الفقه أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ، فإذا ثبت أن اللفظ الدال على الاستغراق حاصل فنزوله في حق الكفار لا يقدح في ذلك العموم ، فيسقط هذا بالكلية ، ثم نقول كما أن عموم اللفظ يقتضي كونه عاما في كل قاتل موصوف بالصفة المذكورة فكذا هاهنا وجه آخر يمنع من تخصيص هذه الآية بالكافر ، وبيانه من وجوه :

* الأول : أنه تعالى أمر المؤمنين بالمجاهدة مع الكفار ثم علمهم ما يحتاجون إليه عند اشتغالهم بالجهاد ، فابتدأ بقوله : ( وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمناً إلا خطأً ) النساء 92 ، فذكر في هذه الآية ثلاث كفارات ، كفارة قتل المسلم في دار الإسلام ، وكفارة قتل المسلم عند سكونه مع أهل الحرب ، وكفارة قتل المسلم عند سكونه مع أهل الذمة وأهل العهد ، ثم ذكر عقيبه حكم قتل العمد مقروناً بالوعيد ، فلما كان بيان حكم قتل الخطأ بياناً لحكم اختص بالمسلمين كان بيان حكم قتل العمد الذي هو كالضد لقتل الخطأ وجب أن يكون أيضاً مختصاً بالمؤمنين فإن لم يختص بهم فلا أقل من دخولهم فيه .

* الثاني : أنه تعالى قال بعد هذه الآية : ( يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا ) وأجمع المفسرون على أن هذه الآيات إنما نزلت في حق جماعة من المسلمين لقوا قوماً فأسلموا فقتلوهم ، وزعموا أنهم إنما أسلموا من الخوف ، وعلى هذا التقدير فهذه الآية وردت في نهي المؤمنين عن قتل الذين يظهرون الإيمان ، وهذا أيضاً يقتضي أن يكون قوله : ( ومن يقتل مؤمناً متعمداً ) نازلاً في نهي المؤمنين عن قتل المؤمنين حتى يحصل التناسب ، فثبت بما ذكرنا أن ما قبل هذه الآية وما بعدها يمنع من كونها مخصوصة بالكفار .

* الثالث : أنه ثبت في أصول الفقه أن ترتيب الحكم على الوصف المناسب له يدل على كون ذلك الوصف علة لذلك الحكم ، وبهذا الطريق عرفنا أن قوله : ( والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما ) المائدة 38 ، وقوله : ( والزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما ) النور 2 ، الموجب للقطع هو السرقة والموجب للجلد هو الزنى ، فكذا هاهنا وجب أن يكون الموجب لهذا الوعيد هو القتل العمد ، لأن هذا الوصف مناسب لذلك الحكم ، فلزم كون ذلك الحكم معللاً به ، وإذا كان الأمر كذلك لزم أن يقال أينما ثبت هذا المعنى فإنه يحصل هذا الحكم ، وبهذا الوجه لا يبقى لقوله : الآية مخصوصة بالكافر وجه .

* الوجه الرابع : أن المنشأ لاستحقاق هذا الوعيد إما أن يكون هو الكفر أو هذا القتل المخصوص ، فإن كان منشأ هذا الوعيد هو الكفر كان الكفر حاصلاً قبل هذا القتل ، فحينئذ لا يكون لهذا القتل أثر البتة في هذا الوعيد ، وعلى هذا التقدير تكون هذه الآية جارية مجرى ما يقال إن من يتعمد قتل نفس فجزاؤه جهنم خالداً فيها وغضب الله عليه ، لأن القتل العمد لما لم يكن له تأثير في هذا الوعيد جرى مجرى النفس ، ومجرى سائر الأمور التي لا أثر لها في هذا الوعيد ، ومعلوم أن ذلك باطل ، وإن كان منشأ هذا الوعيد هو كونه قتلاً عمداً فحينئذ يلزم أن يقال أينما حصل القتل يحصل هذا الوعيد ، وحينئذ يسقط هذا السؤال ، فثبت بما ذكرنا أن هذا الوجه الذي ارتضاه الواحدي ليس بشيء .

وأما الوجه الثاني من الوجهين الذين اختارهما فهو في غاية الفساد ، لأن الوعيد قسم من أقسام الخبر ، فإذا جوز على الله الخلف فيه ، فقد جوز الكذب على الله ، وهذا خطأ عظيم ، بل يقرب من أن يكون كفرا ، فإن العقلاء أجمعوا على أنه تعالى منزه عن الكذب ، ولأنه إذا جوز الكذب على الله في الوعيد لأجل ما قال إن الخُلف في الوعيد كرم فلم لا يجوز الخُلف أيضاً في وعيد الكفار ؟ وأيضا فإذا جاز الخُلف في الوعيد لغرض الكرم فلم لا يجوز الخلف في القصص والأخبار لغرض المصلحة ؟ ومعلوم أن فتح هذا الباب يفضي إلى الطعن في القرآن ، وكل الشريعة ، فثبت أن كل واحد من هذين الوجهين ليس بشيء .

وحكى القفال في تفسيره وجهاً آخر هو الجواب ، وقال : الآية تدل على أن جزاء القتل العمد هو ما ذكر ، لكن ليس فيها أنه تعالى يوصل هذا الجزاء إليه أم لا ، وقد يقول الرجل لعبده جزاؤك أن أفعل بك كذا وكذا إلا أني لا أفعله ، وهذا الجواب أيضاً ضعيف لأنه ثبت بهذه الآية أن جزاء القتل العمد هو ما ذكر ، وثبت بسائر الآيات أنه تعالى يوصل الجزاء إلى المستحقين ، قال تعالى : ( من يعمل سوءاً يجز به ) النساء 123 ، وقال : ( اليوم تجزى كل نفس بما كسبت ) غافر 17 ، وقال : ( فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره . ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره ) الزلزلة 7/8 ، بل إنه تعالى ذكر في هذه الآية ما يدل على أنه يوصل إليهم هذا الجزاء ، وهو قوله : ( وأعد له عذابا عظيما ) فإن بيان أن هذا جزاؤه حصل بقوله : ( فجزاؤه جهنم خالدا فيها ) فلو كان قوله : ( وأعد له عذابا عظيما ) إخباراً عن الاستحقاق كان تكرارا ، فلو حملناه على الإخبار عن أنه تعالى سيفعل لم يلزم التكرار ، فكـان ذلك أولى )(1) .

وبعد هذا التقرير الذي قرره الفخر في هذا المقام انثنى من الواضح إلى المشكل ، ومن اليقين إلى الشك حيث قال : " واعلم أنا نقول هذه الآية مخصوصة في موضعين ، أحدهما أن يكون القتل العمد غير عدوان ، كما في القصاص فإنه لا يحصل فيه هذا الوعيد البتة ، والثاني القتل العمد العدوان إذا تاب عنه فإنه لا يحصل فيه هذا الوعيد ، وإذا ما ثبت دخول التخصيص فيه في هاتين الصورتين فنحن نخصص هذا العموم فيما إذا حصل العفو ، بدليل قوله تعالى : ( ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ) النساء 48 ، وأيضاً في هذه الآية إحدى عمومات الوعيد ، وعمومات الوعد آكد من عمومات الوعيد " (2).

ونحن لا ننازع الفخر في كون هذا الوعيد لا يشمل القاتل غير المعتدي كالمقتص ، ولا التائب من قتله مع استيفاء شروط التوبة ، ولكننا ننازعه في تخصيصه بحصول العفو لغير التائب ، وبطلان ذلك ظاهر من وجهين :

ـ أولهما : إن هذا التخصيص إما أن يكون مقتضيا إبطال وعيد قاتل العمد بالخلود في النار رأساً، ويترتب عليه ما ذكره الفخر بنفسه ، وهو دخول الكذب في أخبار الله تعالى ، وقد نقل نفسه أن العقلاء مجمعون على عدم جوازه ، وإما أن يكون يقتضي حصول العفو عن بعض القتلة دون بعض، وعليه فلا بد من أن يخلد في النار بعض الموحدين ، وإقرار ذلك يوقعهم في ما فروا منه ، فإن هذه المحاولات المختلفة في تأويل هذه الآية وأمثالها لم يقصدوا بها إلا التهرب مما تدل عليه من خلود عصاة الموحدين غير التائبين في النار ، على أن العفو عن بعض العصاة دون بعضهم مع اتحاد جريمتهم منافٍ لعدل الله تعالى وحكمته ، كما أنه يستلزم إقرار ما نفاه الفخر من إخلاف الله خبره لأن الوعيد لم يخص بعضاً دون بعض .

ـ ثانيهما : أن قوله تعالى: ( ويغفر مادون ذلك لمن يشاء ) لا يدل بحال على العفو عن أصحاب الكبائر دون الشرك مع الإصرار عليها ، ذلك لأن هذه الآية جاءت في موضعين من سورة النساء في مقام التحضيض على دخول من لم يسلم في الإسلام ، فهي في الموضع الأول مسبوقة بقوله تعالى: (يا أيها الذين أُوتوا الكتاب آمنوا بما نزَّلنا مصدقاً لما معكم من قبل أن نطمس وجوهاً فنردها على أدبارها أو نلعنهم كما لعنَّا أصحاب السبت وكان أمر الله مفعولا ) النساء 47 ، ثم تلا ذلك قوله سبحانه : (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر مادون ذلك لمن يشاء ) فيفهم من هذا السياق أن المراد بالآية أن الله لا يغفر لمن بقي على شِركه غير نازع عنه إلى التوحيد ، ولو تاب من سائر آثامه فإن توبة المشرك لا تكون إلا بالتوحيد الذي هو أساس الصالحات ، ومحور البرّ ، كما أن الشرك أم الفجور ، وقوله : (ويغفر مادون ذلك لمن يشاء ) أي مادون الشرك من معاصي المشركين لمن شاء أن يوفقه للتوبة من شركه منهم ، فإن الإسلام جب لما قبله ، وكل من أسلم مخلصاً لله تعالى خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه ، ولم تلحقه تبعة ، ولا يعلق به إثم مما قارفه في جاهليته من أنواع المعصية ، وهو معنى قوله تعالى : ( قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف ) الأنفال 38 ، ولا خلاف بين الأمة في ذلك ، وتفسير هذه الآية بغير هذا يخرجها عما يقتضيه سياقها .

وأما الموضع الثاني فقد سُبِقَت فيه بقوله تعالى : ( ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نُوَلِّه ما تولَّى ونصله جهنم وساءت مصيرا ) النساء 115 ، فحملها على غير ما ذكرته من تفسيرها مخرج لها عما يدل عليه أيضاً سياق ما قبلها ، فإن قوله تعالى : ( إن الله لا يغفر أن يشرك به ) تقرير فيه معنى التعليل لقوله : ( ومن يشاقق الرسول .. الخ الآية ) وقوله : ( ويغفر مادون ذلك لمن يشاء ) وعد لمن أسلم من المشركين بغفران ما تقدم من خطاياهم بعد ما تقدمه من وعيد لمن أصر على شركه ، وبهذا يتبين وجه إعادة لفظ الآية مرة أخرى مع عدم اختلاف إلا في الفاصلة ، فقد فصلت أولاً بقوله تعالى : بـ ( ومن يشرك بالله فقد افترى إثماً عظيماً ) النساء 48 ، وفصلت ثانيا بقوله : ( ومن يشرك بالله فقد ضل ضلالاً بعيدا ) النساء116 ، وبهذا يمكن الجمع ما بينهما وبين آيات الوعيد القاطعة بإنجازه كالوعد .

وأما ما ذكره الفخر من أن آية قتل العمد هي إحدى عمومات الوعيد وعمومات الوعد أكثر من عمومات الوعيد .

فجوابه أنه لا تنافي بين هذه وتلك حتى يرجح جانب منها على جانب ، لأن عمومات الوعيد في المصرّين ، وعمومات الوعد في التائبين ، والكل من عند الله تعالى الذي لا إخلاف لميعاده ، ولا تبديل لكلماته ، ولا معنى لترجيح بعض أخبار الله على بعض مع استحالة الكذب في جميع أخباره تعالى ، وإنما يجب أن يوضع كل موضعه ، ويؤول بتأويله .

وقال صاحب المنار - بعدما تحدث في تفسير الآية - : ( قد استكبر الجمهور خلود القاتل في النار ، وأوله بعضهم بطول المكث فيها ، وهذا يفتح باب التأويل لخلود الكفار ، فيقال إن المراد به طول المكث أيضاً ، وقال بعضهم إن هذا جزاؤه الذي يستحقه إن جازاه الله تعالى ، وقد يعفو عنه فلا يجازيه ، رواه ابن جرير عن أبي مجلز ، وفيه أن الأصل في كل جزاء أن يقع لاستحالة كذب الوعيد كالوعد ، وأن العفو والتجاوز قد يقع عن بعض الأفراد لأسباب يعلمها الله تعالى ، فليس في هذا التأويل تفص من خلود بعض القاتلين في النار ، والظاهر أنهم يكونون الأكثرين ، لأن الاستثناء إنما يكون في الغالب للأقلين ، وقال بعضهم إن هذا الوعيد مقيد بقيد الاستحلال ، والمعنى ومن يقتل مؤمنا متعمدا لقتله مستحلا ، له فجزاؤه جهنم خالداً فيها .. الخ ، وفيه أن الآية ليس فيها هذا القيد ، ولو أراده الله تعالى لذكره كما ذكر قيد العمد وأن الاستحلال كفر ، فيكون الجزاء متعلقا به لا بالقتل ، والسياق يأبى هذا ، وقال بعضهم إن هذا نزل في رجل بعينه فهو خاص به ، وهذا أضعف التأويلات لا لأن العبرة بعموم اللفظ دون خصوص السبب فقط ، بل لأن نص الآية على مجيئه بصيغة العموم ( من الشرطية ) جاء بفعل الاستقبال فقال : ( ومن يقتل ) ، ولم يقل : ( ومن قتل ) ، وقال آخرون : إن هذا الجزاء حتمٌ إلا من تاب وعمل من الصالحات ما يستحق به العفو عن هذا الجزاء كله أو بعضه ، وفيه أنه اعتراف بخلود غير التائب المقبول التوبة في النار )(1) .

وبعدما قطع شوطاً في الكلام على توبة قاتل العمد : نقل عن الإمام محمد عبده ما يؤكد أن عقيدته في قاتل العمد إذا لم يتب أنه مخلد في النار والعياذ بالله .(2)

6 ـ قوله تعالى : ( للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ولا يرهق وجوههم قتر ولا ذلة أُولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون ، والذين كسبوا السيئاتِ جزاء سيئةٍ بمثلها وترهقهم ذلة مالهم من الله من عاصم كأنما أُغشيت وجوههم قطعاً من الليل مظلما أُولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ) يونس 26/27 ، والاستدلال به من وجوه :

ـ أولها : أن الله وعد بالجنة الذين أحسنوا وحصرها فيهم بقوله : ( أولئك أصحاب الجنة ) فعرَّف المسند والمسند إليه ، ووسَّط بينهما ضمير الفصل لتأكيد الحصر .

ـ ثانيهما : أنه أخبر عنهم أنهم لا يصيبهم قتر ولا ذله ، ولا يعقل أن يصلى أحد النار ولو لمدة ثواني فلا يرهقه فيها قتر ولا ذله .

ـ ثالثهما : أنه توعد الذين عملوا السيئات بالنار مخلدين فيها ، وهذا الحكم يصدق على من أتى أي سيئة ، فإن السيئات جنس غير محصورة أفراده ، وما كان كذلك فحكمه يصدق على كل فرد من أفراده سلباً وإيجاباً ، ألا ترى أن قول القائل تزوجت النساء لا يعني أنه تزوج جميع أفراد النساء ، بل يصدق على ما لو تزوج ولو واحدة منهن ، ولو حلف أنه لم يتزوج النساء ، وقد تزوج واحدة كان في قَسمه حانثاً .

فإن قيل : إن الله وعد المحسنين بالجنة ، وكل من أتى حسنة فقد أحسن ، على أن المفسرين من فسر المحسنين هنا بالموحدين لأن التوحيد أس الحسنات .

فجوابه لو كان الأمر كذلك لم يكن داع إلى أمر أو نهي في كتاب أو سنة ما دام المطلوب هو التوحيد وحده ، ولتساقطت جميع آيات الوعيد على ما دون الشرك من المعصية ، كترك الصلاة ، ومنع الزكاة ، وأكل الربا ، وعقوق الوالدين ، وقطيعة الرحم ، وقتل النفس المحرمة بغير حق ، والزنى ، وسائر أعمال الفجور ، ولاستلزم ذلك أن يكون القتلة ، والزناة ، واللصوص ، وسائر أهل الكبائر في تعداد المحسنين ماداموا يلوكون كلمة التوحيد بألسنتهم ، وإن من أعجب العجب أن يُفسَّر الإحسان بما ذكر ولو مع مقارفة هذه الفواحش وأمثالها ، والنبي صلى الله عليه وسلم يفسر الإحسان بقوله : ( أن تعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك ) .

7 ـ قوله تعالى : ( والذين يقولون ربنا اصرف عنا عذاب جهنم إن عذابها كان غـراما ) الفرقان 65 ، فإن وصفه بالغرام يدل على عدم انقطاعه ، قال في اللسان: ( والغرام : اللازم من العذاب والشر الدائم والبلاء ، والحب والعشق وما لا يستطاع أن يُتفصّى منه ) . وقال الزجاج : هو أشد العذاب في اللغة ، قال الله عز وجل : ( إن عذابها كان غراما) وقال الطرماح :



ويوم النسار ويوم الفجا

ر كان عذابا وكان غراما

وقوله عز وجل : ( إن عذابها كان غراما ) أي ملحا دائما ملازما ، وقال أبـو عبيدة : ( أي هلاكاً ولزاماً لهم ) (1).

وقال شارح القاموس: ( والغرام مالا يستطاع أن يُتفصَّى منه ، وأيضاً المُلِح الدائم المـلازم)(2).

8 ـ قوله تعالى : ( والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما ، يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلـد فيه مهانا ) الفرقان - 68 - 69 ، فقد توعد الله فيه قاتل النفس المحرَّمة بغير الحق ، والزاني بما توعد به من دعا مع الله إلها آخر من الخلود في النار .

واعترض بأن هذا الوعيد خاص بمن جمع بين الكبائر الثلاث دون من أتى واحـدة منها .

وأجيب بأن هذا يعني أن من أشرك مع الله إلها آخر ولم يجمع مع شركه بين الزنا وقتل النفس المحرمة لم يَصْدُق عليه هذا الوعيد ، وهذا لا يقوله أحد منكم ، فإن قيل إن خلود المشرك ثبت بنصوص أخرى دلت على أن شِركه كافٍ في استحقاقه هذا العذاب ، فالجواب أن النصوص لم تفرق بين الشرك وغيره في الخلود ، بل دلت على خلود غير المشرك بالنص على بعض الكبائر كالقتل تارة والتوعد به على مطلق المعصية تارة أخرى كمـا في الآية الآتية .

9 ـ قوله تعالى : ( ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنـم خالدين فيها أبدا ) الجـن 23 ، ولا يماري أحد يؤمن بما أنزل الله أن مقارفة الكبيرة معصية لله ولرسوله ، فإن قيل إن هذا الوعيد خاص بالمعصية الكبرى وهي الإشراك بالله تعالى .

قلنا هذه مخالفة لصريح اللفظ بدون داع .

فإن قيل إن الداعي إلى ذلك حمل هذا الوعيد على ما جاء من وعيد المشركين بهذا الجزاء .

قلنا : إن ورود الحكم العام في بعض أفراد مدلولاته لا يخصص عمومه ، وكما تُوعِّد المشركون بهذا الجزاء توعد سائر أصحاب الكبائر به في نصوص أُخرى كما سبق بيانه .

10 ـ قوله تعالى : ( إن الأبرار لفي نعيم وإن الفجار لفي جحيم يصلونها يوم الدين وما هـم عنها بغائبين ) سورة الانفطار 13/16 ، ووجه الاستدلال به ما فيه من تقسيم الناس إلى طائفتين ، أبرار وفجار ، وتقسيم جزائهم إلى مصيرين ، نعيم وجحيم ، مع النص على عدم غياب أصحاب الجحيم عنها ، وذلك على حد قوله تعالى : ( فريق في الجنة وفريق في السعير ) الشورى 7 .

واعترض بأن المراد بالفجار الكاملون في الفجور الذين وصفهم الله بقـوله : ( أولئك هم الكفرة الفجرة ) عبس 42 ، حتى أن الفخر الرازي قال : ( لا نسلم أن صاحب الكبيرة فاجر )(1)

ويرد هذا الاعتراض أنهم ملزمون على قولهم هذا أن يكون الزناة ، ومن عَمِل عَمَل قوم لوط ، وأكلة الربا ، وقتلة الأنفس بغير حق ، ومانعو الزكاة ، وسائر أهل الكبائر ماعدا الشرك في تعداد الأبرار الموعودين بالنعيم ، ورضوان من الله أكبر ، ولعمر الله ما من وسيلة لهدم قواعد الدين واستئصال الفضائل ، وإشاعة الفحشاء ، ونشر الرذائل ، أبلغ من هذا الاعتقاد ، فإنه يهدم جميع أوامر الله ونواهيه وينسف كل ما جاء في كتابه ، وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم من وعيد لأهل الكبائر ، وناهيك أن يكون الزنى ، واللواط ، وشرب الخمور ، والدياثة ، وسائر المنهيات من أعمال البر لأن مرتكبيها في صفوف الأبرار .

وأما من السنة فكثير من الروايات الصحيحة التي لا يمكنني جمعها إلا بعد جهد جهيد ، وإنما أقتصر منها على ما يأتي :

1 ـ روى البخاري ومسلم وغيرهما من طريق أبن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( يدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار ثم يقوم مؤذن بينهم يا أهل النار لا موت و يا أهل الجنة لا موت كل هو خالد فيما هو فيه ) وروى مثله البخاري من طريق أبي هريرة رضي الله عنه والطبراني والحاكم - وصححه من طريق معاذ رضي الله عنه ، ودلالته على صحة عقيدة القائلين بخلود أهل الكبائر في النار لا غبار عليها ، فإنه يفيد أن ذلك يعقب دخول الطائفتين في الدارين .

2 ـ أخرج الطبراني وأبو نعيم وابن مردويه عن أبن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لو قيل لأهل النار أنكم ماكثون في النار عدد كل حصاة في الدنيا لفرحوا بها ، ولو قيل لأهل الجنة أنكم ماكثون فيها عدد كل حصاة لحزنوا ولكن جعل لهم الأبد ).

3 ـ روى أحمد والبزار والحاكم والنسائي عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا يدخل الجنة عاق ولا مدمن خمر ) وفي رواية : ( ثلاثة قد حرم الله عليهم الجنة ، مدمن الخمر ، والعاق لوالديه والديوث ، وهو الذي يقر السوء في أهله ).

4 ـ روى الشيخان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( من شرب الخمر في الدنيا يحرمها في الآخرة ) وهو كناية عن حرمانه من دخول الجنة ، لأن أهل الجنة لهم فيها ما تشتهيه أنفسهم وتلذ أعينهم فلا يحرمون من شيء .

5 ـ أخرج البخاري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( من استرعاه الله رعية ثم لم يحطها بنصحه إلا حرم الله عليه الجنة ) .

6 ـ روى الإمام الربيع في مسنده الصحيح عن أبي عبيدة عن جابر بن زيد عن أنس بن مالك رضي الله عنهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( من اقتطع حق مسلم بيمينه حرم الله عليه الجنة وأوجب له النار ) فقال رجل : وإن كان قليلاً يسيراً يا رسول الله ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( وإن كان قضيباً من أراك ) ، ورواه الإمام مالك في موطئه ، ومسلم في صحيحه ، والنسائي في سننه من حديث أبي أمامة رضي الله عنه .

7 ـ أخرج الشيخان وغيرهما من طريق أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يتوجأ بها في بطنه في نار جهنم خالداً فيها أبدا ، ومن قتل نفسه بسمٍّ فسمُّه في يده يتحساه في نار جهنم خالداً فيها أبداً ، ومن نزل من جبل فقتل نفسه فهو ينزل في نار جهنم خالدا مُخّلداً فيها أبداً ) .

8 ـ روى مسلم في صحيحه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( صنفان من أهل النار لم أرهما ، قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس ، ونساء كاسيات عاريات مائلات مميلات رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا ) .

9 ـ روى البخاري ومسلم عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا يدخل الجنة نمَّام ـ وفي رواية قتَّات ) .

10 ـ روى الشيخان عن سعد وأبي بكرة رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم: ( من ادعى إلى غير أبيه وهو يعلم أنه غير أبيه فالجنة عليه حرام ) .

والروايات - كما قلت - في ذلك كثيرة ، تارة تدل على الخلود بالنص عليه ، وتارة بالجمع بينه وبين التأبيد ، وأخرى بالتوعد بحرمان الجنة أو حرمان شم ريحها ، ومحصلها واحداً وإن اختلفت ألفاظها ، فإن حرمان الجنة ينافي دخولها في أي وقت من الأوقات ، كما أن نفي دخولها يعم جميع الأزمنة ، وقد تقدم تحرير ذلك في نظيره .







خاتمة
في نتيجة البحث

لا ريب - أخي القارئ الكريم - أنك بعد هذا التطواف بين هذه الأدلة وفحصك إياها بعين البصيرة أدركت أن عقيدة القائلين بخلود أصحاب الكبائر في النار ، التي أنكرها من أنكرها عليهم وحكم عليهم من أجلها بالكفر ، هي العقيدة التي نطق بها القرآن ، ودعمتها الأحاديث الصحيحة الصريحة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فهي العقيدة التي يجب على المسلم أن يعتصم بحبلها وأن يلقى الله عليها ، كيف وقد عزا القرآن الكريم ما يخالفها إلى اليهود ، وأنكره عليهم ، وقرر أنه منشأ انحرافهم عن الحق حيث قال : ( ذلك بأنهم قالوا لن تمسنا النار إلا أياماً معدودات ) آل عمران 24؟

ومن أمعن النظر في أحوال الناس يتبين له أن اعتقاد انتهاء عذاب العصاة إلى أمد ، وانقلابهم بعده إلى النعيم جرّأ هذه الأمة - كما جرّأ اليهود من قبل - على انتهاك حرم الدين ، والتفصِّي عن قيود الفضيلة ، والاسترسال وراء شهوات النفس ، واقتحام لجج أهوائها .

ولا أدل على ذلك من ذلك الأدب الهابط الذي يصور أنواع الفحشاء ، ويجلّيها للقراء والسامعين في أقبح صورها وأبشع مظاهرها ، وقد انتشر هذا الأدب في أوساط القائلين بالعفو عن أهل الكبائر ، أو انتهاء عذابهم إلى أمد ، انتشاراً يزري بقدر أمة القرآن ، وغلب على المؤلفات الأدبية ، مطولاتها ومختصراتها ، كالأغاني ، ومحاضرات الأدباء ، والعقد الفريد ، حتى كاد الأدب يكون عنوانا على سوء الأدب .

وقد صان الله من ذلك أدب أصحاب العقيدة الحقة ، الذين رسخ في نفوسهم ما جاء به القرآن من أبدية عذاب أهل الكبائر المصرّين كأبدية المطيعين المحسنين ، كما صان الله سلوكهم ، وطهر وجدانهم ، وسلّم سرائرهم من الاستهانة بحرمات الله تعالى ، والاستخفاف بأحكامه الزاجرة ، ولو قلّبت صفحات أدبهم لوجدتهم - في شعرهم ونثرهم - كما يقول الأستاذ أحمد أمين : ( لا يعرفون خمراً ولا مجوناً ، فلا تجد في أدبهم خمراً ولا مجوناً )(1) .

واسمح لي أخي القارئ الكريم أن أقول كلمة - والألم يعتصر قلبي والأسف يلهب وجداني - إن مما يضاعف المصيبة ويكثّف البلاء أن توجد صُوَرٌ من الخلاعة المستهترة ، والمجون الساقط مثبتة في تراجم رجال يعدّون قمما في أمة الإسلام ، هم أجدر الناس بتجسيد فضائل الدين والتحلي بمثله والاعتزاز بآدابه ، وقد ضربت صفحا عن الإشارة إلى بعض هؤلاء بالأسماء والكنى حرصاً على السلامة من مزالق القول ، وصوناً لأعراض المسلمين ، وحفاظا على حرماتهم .

وإنني لأبرأ من إقرار ما نسب إليهم ، فإن مبادئنا احترام حرمات جميع المسلمين ، خواصهم وعوامهم ، فضلاً عن علمائهم الذين زادهم الله حرمة العلم مع حرمة الإسلام ، ولكنني أقول إن نفس الاجتراء على نسبة هذه السفاسف إلى أعلام الأمة إجرام لا يستهان به في حقها وحقهم ، لم ينشأ إلا من الاستخفاف بأوامر الله الناتج عن الاستخفاف بوعيده الذي يتمثل في دعوى أن الموحد لا يعذّب ، وإن عُذب لم يخلد في العذاب .

ولست أنسى ما قاله لي الداعية الكبير العلاّمة المنصف الشيخ عبد المعز عبد الستار : ( لو أن الأمة أخذت بعقيدتكم في خلود صاحب الكبيرة في العذاب ، لكان لها شأن في الصلاح والاستقامة والنزاهة والعفاف غير ما نراها عليه )(1) .






خاتمة الكتاب

معذرة أخي القارئ الكريم ، لم يكن في حسباني أن ألتقي بك على هذه الصفحات حول هذه الموضوعات التي شغلت قلمي وأخذت من وقتك ، فإنني أحْرَصُ على أن ألتقي بك وأنا أتحدث إليك من خلال هذه السطور في موضوعات هي أحرى بأن تصرف عناية الكُتَّابِ والقراء ، فإن الوقوف في وجوه الزحوم المتنوعة المجتمعة على صعيد واحد لغزو الإسلام ، وتشتيت أمة الإسلام ، سياسيا وفكريا ، أجدر بكل مسلم داعية من الاشتغال بخلاف عقائدي بين طوائف الأمة الإسلامية الواحدة ، مضت عليه قرون وقرون ، وتناولته بالتحرير والبحث أقلام شتى هي أرسخ علما وأعمق فهما ، وأبلغ بيانا ، وأقوى حجة وبرهانا ، غير أني رأيت سكوتي في هذا الموقف قد يزيده تأزما ، فقد تروق دعيات المغرضين لمن لم يدرس أبعاد ما تتعرض له من القضايا الخلافية التي انطلقت منها في الحكم على جزء من جسم الأمة الإسلامية بفصله عنها ، ولم يطلع على ما عند هذه الفئة من هذه الأمة من أدلة تستنير بها في مواقفها من هذه القضايا ، فإن مما تداولته الألسن وتناقلته الأقلام : الحكمة التي قيلت قديما : ( المرء عدو ما جهل ) وفي معناها الشعر الذي قيل حديثا :



................................

والجهل بالشيء في عين البصير عمى

فمن هذا المنطلق قمت بتحرير هذه الصفحات موضحا فيها الحق بالدليل ، محكما الحجة الثابتة من الكتاب والسنة والبرهان العقلي دون الرجال .

ومن تأمل كلامي متجرداً عن العواطف يجده منصفاً للطوائف المختلفة ، فقد حرصت على إيراد حجة كل طائفة ، ودليل كل قول ، ومناقشة هذه الأدلة نقاشا موضوعيا بعيداً عن كل المؤثرات ، ومن خلال ذلك أرجو أن يدرك اخوتي القراء صدق نيتي ، وسلامة طويتي .

ولا يفوتني - ونحن أمام قضية تتعلق بوحدة الأمة الإسلامية جمعاء - أن أناشد من وصل إليه كتابي هذا من علماء المسلمين بأن يمعن فيه نظره ، مخلصا نيته لله سبحانه ، ثم يعلن كلمة الحق غير هيَّاب من أحد ، ولا مجامل على حساب الحق والحقيقة ، ولست أعني بذلك أنني أطالب الناس بأن يرجعوا عن معتقداتهم ، وأن يوافقوني فيما قلت ، فإن العقائد لا يملك أحد أن يفرضها على العقول فرضا ، وإنما هي نتيجة اقتناع بالفكرة سواء كان ناشئا عن اجتهاد ونظر ، أو عن تقليد واتباع ، وإنما مرادي أن على علماء المسلمين - وهم مسئولون عن هذا الدين الحنيف وعن أمة الإسلام - أن تكون لهم في مثل هذه المواقف التي تهدد بانصداع الأمة - وقفة إيجابية في وجه الذين يحبون إثارة الشغب والمهاترات التي لا تعقبها إلا المصائب والويلات بين أمتنا الإسلامية وأن يرشدوا جمهور الناس إلى ما يفرضه الإسلام من التسامح ، والتعاطف ، والتعاضد بين المسلمين .

وأُعلن للذين لا يرون إلا حسم الخلاف في هذه القضايا حتى تتفق فيها عقيدة الأمة ، بأنني لا أستنكف من الحوار الموضوعي الهادئ الهادف ، الذي لا ينشد به إلا الحق ، ولا يفضي إلا إلى تجلي الحقيقة وظهور برهانها ، ثم لا يؤدي إلا إلى الألفة والمودة بين المسلمين ، وإنما أشترط أن يكون هذا الحوار مدروساً من كل الجوانب لتفادي التشنج والانفعالات التي لا تؤدي إلا إلى عاقبة سيئة ، وليس من شأنها إلا تشويه وجه الحقيقة ، وطمس نور الحق ، ومحاولة تغطية محاسنه ، والحيلولة بينه وبين البصائر .








شكر وعرفان

إن الواجب ليفرض عليَّ والوفاء ليقتضيني أن لا أنسى - في وسط هذه الضجة التي أثارتها تلك الأصوات الصَّاخبة ضد الإباضية - أصواتاً هادئة ارتفعت من ألسنة صادقة ، وانبعثت من نوايا طيبة ، لتسجل ثناءها الصادق على هذه الطائفة التي حافظت على الإسلام الحق ، ودافعت عنه بأعز ما تملك من نفس ومال ، واستقامت على الصراط المستقيم الذي كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وخلفاؤه الراشدون ، وأصحابه المهديون رضي الله تعالى عنهم ، ولم تختلبهم الدنيا بزهرتها الفاتنة عندما كان الجم الغفير من الناس يتهالكون عليها فيتساقطون في أشراكها .

لقد قيض الله هذه الأصوات لتنير درب الحقيقة لطلابها ، وتمزق ما نسجته الأحقاد من الافتراءات التي لم تقم على أساس من الواقع ، ضد هذه الفئة المؤمنة التي اشتهرت في أوساط المؤمنين وغيرهم بلقب الإباضية ، ولست الآن في مقام الإحصاء لهاتيك الأصوات ومصادرها ، فإن الفرصة لا تسمح لي بذلك ، وإنما أكتفي بأن أسجل لأصحابها عموما أجمل الثناء وأطيب الدعاء ، وأود أن أشير إلى بعض هؤلاء المنصفين لأعرض على القارئ الكريم صورا من إنصافهم لهذا المذهب ورجاله ، وإلى القارئ مشاهد من هذه الصور :

1 ـ العلامة الجليل عز الدين التنوخي :
عضو المجمع العلمي بدمشق سابقاً ، الذي سجل بيراعه المنصف صفحات مشرقة بفضائل أهل الاستقامة ، حتى قال في متهميهم بالزيغ : ( كل من يتهم الإباضي بالزيغ والضلال فهو ممن فرَّقوا دينهم وكانوا شيعاً ، ومن الظالمين الجهَّال ) (1).

2 ـ العلاّمة الكبير السيد عبد الحافظ عبد ربّه :
من علماء الأزهر الشريف ، جاء في كلامه عن الإباضية : ( لقد استنبطوا مذهبهم من القرآن الكريم ، واقتبسوه من السنة المطهرة ، وسلكوا في مسيرتهم إلى عبادة الله نفس الطريق التي سلكها الصحابة ، وارتضاها الإجماع ، وحرصوا كل الحرص على أن تكون خطواتهم على ذات الدرب ، وفي نفس الطريق ، وفوق " إفريز " الشارع ، ومع السبيل التي قطعها الرسول صلوات الله وسلامه عليه في مشواره الطويل وشوطه البعيد جيئة وذهابا ، على مدى مسيرته المباركة ، ورسالته الميمونة عبر الثلاثة والعشرين عاماً ، ومع تحريهم الصدق ، وحتمية الحق ، ومجاهدة النفس ، وريادة المعاناة ، والرياضة والترويض على المشقة والمقاساة حتى استبان لهم الأمر ، ووضح أمامهم الطريق ، وتبيَّن للعَالم أجمع - أو المخلصين المنصفين - أن هؤلاء هم ( أهل الاستقامة ) أو هم في الواقع - وعلى الحقيقة ( الفرقة الناجية ) التي أخبر عنها الصادق المعصوم ، والتي أمر الله رسولَه أن يختارها وينتهجها سبيلاً يوصل إلى عبادته ومرضاته في قوله تعالى : ( قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين ) يوسف 108 .

والمذهب الإباضي ليس عجيباً في الدنيا ولا غريباً عن الحياة ، وإنما هو العملة الصحيحة التي يجب تداولها وتناولها ، والتعامل بها في شتى الأنحاء ، وفي جميع المناخات والأجواء ، وهي بعون الله عملة لا ينالها التزييف أو التلبيس ، ولا يطولها الوضع أو التدليس ، ولا يجوز في منطقها العمل بين بين ، ولا التنكر في وجهين ، ولا المشي على الحبلين ، فالحق عندها واحد لا يتجزأ ، وكل لا يتوزع )(1) .

وقال أيضاً : ( وعموماً - وبعد استقصاء واستحصاء ، ودرس وبحث ، وتحليل وتعليل - تبيّن أن الإباضية هي الطريقة المثلى في الأداء الإسلامي ، وفي تعاطي الحياة ، وفي التعامل مع الناس... وأئمتها ودعاتها هم الذين واجهوا مواكب النفاق ، وناهضوا أعاصير الشرك وعواصف الإلحاد ، وتحدوا - بكل صرامة وشدة وبأس - تلك الأفاعيل الهوجاء النكراء التي تتبدّى في سلوك المبطلين أو المستهترين من الحكام والباطشين سواء على المستوى الديني أو التعامل الدنيوي بين أفراد وجماعات الأمم والشعوب تمشيا مع منطق الدين ، واستجابة لدعاءاته ، ونداءاته ، ومتطلباته .

وما أحوج الدنيا اليوم إلى هذا اللون المتميز في الفقه الإسلامي .

وما أحوج الدنيا إلى دعاة الإباضية وأئمتها الذين من مهمتهم - ومن أولى وظائفهم إصلاح المسار الديني ، ومؤاخذة التسيّب والقبض بشدة على خناق الاستهتار والانحراف واللا أخلاقيات ، وإعادة الانضباط في شتى السلوكيات إلى هذه الحياة )(2).

وقال أيضاً : ( فالإباضية أصبحوا في الواقع - وفي نفس الأمر - وعلى الحقيقة هم اللغة الصحيحة - الفصيحة ، والصيغة المشرقة الوضاءة بين الله والناس ، والغُدَّةِ النشطة السليمة التي تُفرز للدنيا ماهيات الدين ، وتُقدم على موائد الإنسانية ما لذ وطاب من طعوم الحق ، وطيّبات اليقين ، فهم الفرقة الناجية التي أخبر عنها النبي صلى الله عليه وسلم في كل أحاديثه ومروياته ، وكان وجود هذا الصِّنف - أو النوع - من البشر ضرورة ملحة أو حتمية مقتضية استقطبت رحمة الله بعباده ، واستوجبت منهم مقابلة هذه الرحمة بألوان شتى من العبادات والقربات ، وأولها الشكر الخاص ، والعبودية الصافية ، والاحتفاء بنعم الله ، والاحتفال بآلائه ، وترجمة ذلك كله إلى السلوك الذي يحبه الله ورسوله ، وكان من مظاهر رحمة الله الفياَضة الحانية إنه لم يترك عباده هكذا - في هذه الدنيا - ضياعاً أوزاعاً ، أو هملاً ، أو كميات هابطة ساقطة تحت ركامات الشك ، وأنقاض الفتنة ، وخرائب التيه ، وأطلال الحيرة والقلق ، والتخبط والاضطراب.

ولما كان من حتمية الوجود الإنساني - لتتأكد فاعليته وينمو وجوده وتستمر معه الحياة - أن يعبر الطريق ، ويجتاز الجسر من الحاضر إلى الماضي ، ويصاحب التاريخ ، ويرافقه في كل خطواته ، ومع أبرز العناصر التي أثرت في الإيجاب والسلب ، والثبوت والنفي ، كان حتما مقضيا أن يصطحب الإنسان مع التاريخ تلك الفئة الهادئة المهدية التي حملت أرواحها على راحاتها ، وحياتها على أسلحتها ، وهبّت وقت الفزع والروع مطالبة بإنسانية الإنسان ، وكينونته البشرية في نطاق ما شرع الله ، وفي الإطار الذي خطته يد القدرة ، وحبك نسيجه الشرع ، وتكفلت به عناية الإسلام ، وعمل على ترجمته وتطبيقه سلوك محمد - عليه الصلاة والسلام - .

وهل هناك من هو أتقى وأنقى ، وأبرّ وأوفى ، في تأدية هذا الدور العظيم ، والقيام بهذه الرسالة الكبيرة الخطيرة غير الإباضيين ؟ . وهل هناك مذهب يتلاحم في هذا الترقي الروحي أو يتلائم مع ذلك السمو التشريعي الفقهي غير المذهب الإباضي ، والإباضية عموماً ؟ . وهل هناك فوق ظهر الأرض وفي جيوب وبين طيَّات وطبقات الحياة من يمكنه أن يستوعب هذه التعاليم الإلهية ، أو يستطيع أن يستقطب تلك المواجيد الكونية السماوية غير الإنسان الإباضي - صادق الإباضية - مصدره من الله ومورده إلى الله ، وحياته بين المصدر والمورد ، ودائما مع الله؟)(1).

3 ـ الكاتب المنصف العالم الزيتوني الأستاذ عبد العزيز المجذوب :
جاء في كلامه عن الإباضية : ( وأبرز ما يتصف به الإباضيون تمسكهم الشديد بالدين ، بأداء فروضه وتجنب نواهيه - إلى حد الغلو - وبُغظهم المفرط لأصحاب الظلم والفساد ، وبفضل هاتين الصفتين استطاعوا أن يحققوا لأنفسهم عزًّا دينيا ، ومجداً سياسيًّا ، خلَّد ذكرهم في التاريخ )(2).
وقال أيضاً : ( حافَظوا على صفاء الرسالة المحمدية في أصول مذهبهم ، ولم ينحرفوا عن النهج القويم الذي كان عليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وصحابته البررة في سلوكهم وأمور معاشهم ، ولا اقترف ولاتهم إثماً ، ولا مارسوا في قيادتهم ظلماً ، ولا أي لون من ألوان العسف التي لم يبرأ منها إلا القليل من الولاة سواهم .
بل إن الظلم في حقهم كان مستحيلاً ، لا لكونهم معصومين ، بل لأن رجل الدين عندهم ورجل السياسة واحد ، والقائم بأمر الناس فيهم هو الإمام نفسه ، وتلك هي قاعدة الإسلام في الحكم التي سار عليها الخلفاء الراشدون ، وعليها حافظوا ودونها نافحوا ، فمن الطبيعي أن ينتشر مذهب هذا شأنه ، وأن يُقبل على أتباعه الناس ببلاد المغرب ليجدوا في أكنافه الأمن والكرامة ، وهم من سئموا حياة الاضطراب والظلم على أيدي الكثير من عمَّال بني أمية وبني العبَّاس )(3).
ثم قال : ( ولعلَّ أولَّ داعية إباضي قدِم هذه البلاد .. هو سلمة بن سعد الذي عَرف كيف ينتقل بالبلاد وأي الشعاب يسلك حتى يأمن ظلم الظالمين ، ويضمن لعمله التوفيق ولرسالته الانتشار، فاختار الطرق الجبلية البعيدة عن الصحراء القاحلة وأهوالها ، وعن المناطق الساحلية الخاضعة لسلطة الولاة ، وبجبال نفوسة ودمّر ، نفزاوة وما والاها من المرتفعات والجبال ، وكلها مناطق آهلة بالسكان كثيرة العمران ، أمكن له أن يستقر ، ويقوم في صفوف البربر بالدعوة ، موضحاً للأذهان الصورة الصحيحة للإسلام في الاعتقاد والعبادة والمعاملة ، وهي غير الصورة التي شاهدها الناس في الحاكمين وأتباعهم في ذلك الوقت ، فالتف من حوله الناس مستجيبين لدعوته ، وراح يتنقَّل من مكان إلى آخر ، وما ارتحل من موضع إلا خلَّف فيه أتباعاً تكاثروا مع مرور الأيام والأعوام ، حتى صار لهم شأن ، وأضحوا يمثلون قوة يقرأ لها ألف حساب .
ومن أفريقية انطلق شابان إباضيان - بعد أن تلقيا المبادئ الأولى للدين والمذهب على يد سلمة بن سعد - انطلقا إلى العراق ضمن بعثة تضم عدداً من الإباضيين سواهما ، فقضيا سنين في طلب العلم على يد إمام المذهب في ذلك الوقت ، أبي عبيدة مسلم بن أبي كريمة ، فالطالب الأول من القيروان وهو عبد الرحمن بن رستم ، أما الثاني فهو أبو داود من الجنوب ، ولما أتما الطلب واكتمل عندهما العلم ، واطمأن لنباهتهما إمامهما أوصاهما خيراً ثم سرَّحهما عائدين إلى موطنهما ، فكان لأبي داود شأن في عالم الإصلاح ، إذ تفرَّغ للجهاد الديني والعلمي فأنشأ بجهة نفزاوة وسواها من جهة الجنوب جيلاً إسلاميًّا فاضلاً في خُلقه ودينه ، كان البذرة الصالحة لما تبعته من أجيال تمسكت بالسنة والفضيلة ، وقاومت البدع والرذيلة )(4) .
وعندما تكلم عن مقاومة الإباضية بقيادة إمامهم أبي الخطاب المعافري لظلم قبيلة ورفجومة الصفرية التي كانت متمكنة في القيروان ، وانتزاعهم مدينة القيروان منها قال: (هذا هو أبو الخطاب عبد الأعلى بن السمح المعافري وجه إليه عبد الرحمن بن رستم من صوَّر له بشاعة ما يجري بالقيروان فهبَّ لأداء الواجب الذي يفرضه عليه التعاطف الأخوي ، ويحتِّمه مبدأ من أهم المبادئ لمذهبه ، ألا وهو مقاومة أولي الأمر بالسيف واستباحة دمائهم إذ تعدُّوا حدود الله ، ومالوا في أحكامهم إلى الهوى ، وقدِم أبو الخطاب في جيش عظيم تطوَّع لإقامة العدل ومحق الفساد والظلم الذي اقترفه عاصم الورفجومي وأتباعه ، فكان له النصر .
ثم بعد أن أمَّن الناس حافظاً أرزاقهم وأعراضهم ، ولَّى على القيروان عبد الرحمن بن رستم ورجع إلى طرابلس ، ودامت ولاية ابن رستم سنتين اثنتين ذاق المسلمون فيهما بالقيروان وبأفريقية كلها طُعم الأمن ، وعرفوا معنى العدل ، وأدركوا لأول مرة تقريباً طعم العيش الكريم في ظل الحكم الإسلامي النظيف )(1) .
ثم تحدَّث عن دور الإباضية عموماً في بلاد المغرب فقال : ( والواقع أن الإباضية قد تمكنت من فرض وجودها التاريخي فحقَّقت عزًّا دينيا ذا بال بقيت آثاره إلى اليوم في أتباعه الذين يعيشون بيننا ، التزموا خدمة الدين ومقاومة البدع والرذيلة ، حازمين في أمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر ، كما حققت مجداً سياسيا كان له شأن في تاريخ الإسلام بالمغرب العربي ) { نفس المصدر ص110 } .


4 ـ الأستاذ الفاضل الشيخ محمد شحاته أبو الحسن الذي يقول :
( أنا لا أحابي أحداً في موقفي هذا ، ولكني أقول إن أصحاب هذا المذهب الذي تجنَّى عليه البعض ، أكثر منَّا تسامحاً واستجابة لأمر الله سبحانه بالتآلف ، فقد عشت بين أظهرهم ، أقوم بتدريس مادة التفسير في معهد القضاء الشرعي ما يزيد على اثني عشر عاماً لم أجد ما يكدِّر الصفو ، ولا ما يحملني على قولٍ بعينه دون دليل ، رغم الاختلاف في بعض المسائل ، وكنا أنا وطلابي والعلماء الأجلاء في المذهب نتبع الدليل الأقوى )(2) .

وبعد هذه الجولة التي قضيتها معي أخي القارئ الكريم - في هذه الصفحات بين أنحاء هذه القضايا - بحكم الظروف التي فرضتها علينا ، وتطوافنا بين هذه المعالم التي أرجو أن تكون الحقيقة طالعتك منها فشاهدتها رأي العين ، أستودعك الله تعالى مبتهلاً إلى الله سبحانه أن يوفقنا للِّقاء مرات ومرات تحت مظلة الإسلام الحنيف ، وقد التأم شمل المسلمين ، وتوحدت كلمتهم ، وتلاشت فقاقيع الخلاف التي تبدو فوق صفاء وحدتهم ، كما أبتهل إليه سبحانه أن يأخذ بأيدينا وأيدي هذه الأمة كلها إلى ما يحبه ويرضاه من صالح العمل وخالصه ، وصادق القول وزاكيه ، وأن ينوّر بصائرنا ، ويطهِّر سرائرنا ، ويكتب لنا السعادة ويباعدنا عن أسباب الشقاء ، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ( سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين ) والسلام عليك أيها القارئ الكريم ورحمة الله وبركاته ؛؛





أخوك في الله
أحمد بن حمد الخليلي


سلطنة عمان ، مسقط ، 29 شعبان 1407 هـ


أعلى الصفحة

مامة نسليمان مواقف بطولية

c 7

مامة بنت سليمان واحدة من 12 امرأة اشتهرن بمواقف بطولية في العالم 

القيادية ماما ن سليمان أفردت لها الكاتبة البلجيكية إيميلي ماري غواشون كتاب الحياة الانثوية(النسوية)في مژاب.

LA VIE FEMININE AU MZAB ÉTUDE DE SOCIOLOGIE MUSULMANE 

Amélie Marie  GOICHON

PRÉFACE DE WILLIAM MARÇAIS 

رابط تحميل الكتاب  Pdf

 الجزء الأول 

 الجزء الثاني

رابط تحميل الكتاب  Text

 الجزء الأول 

 الجزء الثاني

 

c 7زعيمة وعالمة من عشيرة أولاد يونس بغرداية

باباز مامة بنت سليمان بن ابراهيم” - بَبَّاز: ينطق بالتفخيم-ولدت خلال سنة (1208هـ/1863م). أخرجها الله إلى الوجود في مدينة “غرداية”، وأسلم الباري روحها إليه (1350هـ/1931م). نشأت في جو عائلي مؤمن محافظ ومتفتِّح، وتربَّت تربية إسلامية رفيعة شأن اهتمام العائلات الإباضية المتشبِّثة بإيمانها وعقيدتها وعاداتها وتقاليدها الإسلامية الصحيحة. تعلَّمت القراءة والكتابة بإتقان.

حفظت نصف القرءان الكريم عن ظهر القلب، فهي شغوفة بتعلُّم دينها وسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وأمهات المؤمنين والمجاهدات المسلمات العفيفات الطاهرات وعلوم الشريعة ومبادئ اللغة العربية ونحوها وصرفها ومبادئ المذهب الإباضي وعقائده وفقهه. حفظت عقيدة التوحيد وحفظتها وعلمتها.

تأثرت بالمؤلفات الإباضية فدرستها فكانت لها نبراسا تستضيء بها وتنوِّر غيرها في المجامع والحلقات.. فصيحة باللسان العربي المبين واللهجة البربرية والكتابة بها، شيوخها كثيرون منهم: الشيخ “الحاج بابكر مسعود القاضي”، والشيخ “بهون بن موسى” والشيخ “باحماني المليكي” والشيخ “أحمد دادي واعمر” وعن زوجها الشيخ “يعقوب الغرناوت” وابنها “الحاج بكير بن عمر موسى واعلي

 أخذت مبادئ الفقه واللغة عند الحاج بحماني المليكي، وعند بوهون أوموسى، ، أكملت دراستها على يد زوجها الأوَّل يعقوب عرنوث، وكانت تعتمد على مؤلَّفات القطب امحمَّد ابن يوسف اطفيش في الإفتاء.

ومن نشاطاتها العلمية تنظيمها لدروس أسبوعية، وأحياناً تنظِّم درسا إلى ثلاثة في الأسبوع، تفسِّر فيها أحكام الدين ومعاني القرآن الكريم باللغة الميزابية للنساء.

ولها مراسلات عديدة مع الشيوخ العلماء.

c 7يقول عنها الشيخ أبو اليقظان في كتابه «فذات الإباضيات»: «قمر تدور حول فلكه نجوم ثواقب في سماء غرداية، مصدر العلم والنور والمعرفة... قلعة الأمر والنهي، رهيبة ترتعد منها فرائس العصاة والفسَّاق».وقد اعتبرها صاحب كتاب ثورات النساء في الإسلام: واحدة من اثنتي عشرة امرأة اشتهرن بمواقف بطولية في العالم

اهتمت بمناصرة مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أينما حلَّت وارتحلت، وتطبيق مبدأ الولاية والبراءة دون خوف أو وجل ولا تخاف في الله لومة لائم، اهتمت بإصلاح ذات البين، يستشيرها “العزاية” والأعيان ويحاورونها في المسائل الدينية والاجتماعية والثقافية من وراء حجاب، لها أعوان من النساء في غرداية وقرى الوادي يسترشدن بها ويطبقن تعاليمها ويحاربن الفساد والجمود، انتهجت طريقة الكفاح السلمي ضد الاستعمار الفرنسي لما غزا ميزاب بجيوشه (1882) ومقاطعة المنتوجات الفرنسية وتشجيع الصوف ونسج الملابس الصوفية فكانت أسبق من “غاندي” في الكفاح السلبي.

فجهادها في الحقل الاجتماعي والسياسي و الاقتصادي ثري ومتنوع، لم تبخل بما لديها لخدمة الإسلام والمجتمع دفاعا عنهما يتفان وإخلاص، وبكل ما أوتيت من قوة، مستغلة مواهبها وعلمها وأوقاتها من أجل ذلك. متفانية في تعليم المجتمع النسوي وتوعيته وترشيده متحمسة لتبصيره وتثقيفه مخلصة في توجيهه، فتحت منزلها كمدرسة لتعليم القرآن الكريم وأحاديث

 تولَّت رئاسة عزابيات غرداية بعد مامة بنت بلحاج سنة 1905م، وترأَّست مؤتمراً كبيراً من مؤتمرات «لا إله إلاَّ الله». وهو مؤتمر دعويٌّ لنساء بميزاب يعقد سنويا.

قادت مواجهة اقتصادية ضدَّ المستعمر الفرنسي في المنطقة، فحرَّمت على النساء اقتناء بضائعه، وحرَّمت حتَّى الحديث بلغته.

وكانت قراراتها تأخذ صفة القانون، وتطبَّق في جميع قرى وادي ميزاب، خاصَّة القرارات التي تصدرها في المؤتمر.

ماما بنت سليمان تنعزامت نوغلان



المصادر:

أبو اليقظان: فذَّات الإباضيات (مخ) 23

أبو اليقظان: ملحق السير مخ

فخار حمو: رسالة فيها تراجم مشاهير النساء بغرداية (مخ) 2

جوردون بيرون:ثورات النساء في الإسلام

علي معمر: الإباضية في موكب التاريخ، ح4/584

الحاج سعيد: تاريخ بني مزاب، 177

أعوشت وكروم: مسلمات، 100.

راس النعامة عمر: نبذة من حياة مامة بنت سليمان، (مخ)، كلُّه.

العزابة ودورهم في المجتمع الإباضي بمزاب للأستاذ: صالح بن عمر اسماوي صفحات: 488-489

Goichon: La vie feminine au MZAB, 1/221-237 , 2/244-258.

متابعة حلقة العزابة لنظام الأعراس

متابعة حلقة العزابة لنظام الأعراس

Icon 09

"...لذا تجد الحلقة حريصة كل الحرص على متابعة ومراقبة ما يجري في هذه المناسبات الاجتماعية، فتحدد المهر والصداق بكيفية ترضي الله ورسوله، لأنها إن لم تفعل ذلك طغت النزعات الفردية وظهرت المادية والمنافسات المظهرية بين العائلات بطريقة تؤثر حتما على المستوى المادي للفقير في هذا المجال سواء أتعلق الأمر بالمهر والصداق، أم بالحفلات والولائم التي تصحب هذه المناسبات عادة، وتطبيقا لهذا النظام البديع، نجد جماعة كل مدينة –عزابتها ومصلحيها- يتَّفقون على تحديد المهر للبكر والثيب، مهما تكن أسرتها وجمالها أو غنى الزوج أو فقره، فإذا جرت الخطبة، ووقع القبول، لا يبقى أمام الأصهار الجدد شيء يتفقون عليه إلا يوم الزفاف، فكل شيء معين من الحلي الذي يعطى للعروس إلى أقل شيء كجورب تلبسه، أو وشاح تتزين به، وهكذا لا تتراك الأمور لمن لا يحسن التصرف، فيبدد المال في غير محله، ويبقى الفقير أعزب لا يستطيع إحصان نفسه.

ويراعى في تحديد المهر وما يتبعه طاقة غالبية السكان وحالة معاشهم، وإن شاء الغني أن يزيد ويفضل فإلى ما بعد الأشهر الأولى من الزفاف، حتى لا يفسد على الناس هناءهم.

إن المسجد ينبغي أن يكون حاضرا في وقائع حفلات كلها من ألفها إلى ياءها، في إجمالها وتفصيلها، من لحظة إعلان الخطوبة وعقد الزواج إلى آخر محفل ينفض فيه المحتفلون كل إلى حال سبيله..."

 ----------------------------------

(01) كتاب "الإباضية في الغرب الإسلامي" الدكتور: زاهر الحجري - مكتبة الجيل الواعد الطبعة الأولى - ص162

المصدر nir-osra.org

مداخل الشيطان [ جانب العقيدة ]

معروف أن العقيدة الاسلامية تُعنى بالجانب الغيبي كـ ( الإيمان بالله وصفات ـ والملائكة ـ والرسل والأنبياء ـ والحساب والبعث والجنة والنار... الخ ) والعقيدة هي أساس استقامة المسلم على أمر الله تعالى وعليها تقوم صحة استقامته على أمر الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم وآله ، فانسان بلا عقيدة كالبيت بلا أساس .

والشيطان الرجيم يدخل أول ما يدخل من هذا الباب ليغوي بني آدم ، فتراه أحياناً يسأله أسئلة إلحادية فظيعة وتجد بعضهم يستسلم لها والبعض الآخر يحاربها ويجاهد في محاربتها...

ومن هذه الأسئلة : ما حقيقة الله ؟؟ وأين هو الله ؟؟ وهل الله موجود ؟؟ وكيف شكله ؟؟ ولا أظن أن هناك شئ اسمه بعث .. او ملائكة ..وأننا جميعاً في الجنة على ما بدر منا ومسألة تأخير التوبة...إلى آخرها من أمور

حتى أن كثير من الناس ليتأثرون من هذه الوساوس .. فتراه لا يهدأ له بال ولا يهدأ له مضجع فللّه الأمر من قبل ومن بعد ..وبعض الناس يصل به الحال إلى البكاء لأن هذا اللعين يأتيه فيسب المولى تعالى فيظن الرجل أنه مأثوم على كذلك...

والعلاج بسيط وإليك به : [ هذه بعض الحلول من رأسي أنا العبد الضعيف المتعلم منكم فإذا كان هناك ثمت حلول أخرى فلا تبخلوا علينا جزاكم الله خيراً ].... : -

وهو من أهم وسائل العلاج ومن أقواها ، ذلك أن الشيطان لا يستطيع أن يقف أمام شخص متعلم فاهم وفي الحديث " صلاة ألف عابد أهون على الشيطان من صلاة عالم " أو كما قال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ،،، بعكس الجاهل فإن الشيطان يضحك عليه فيفسد عليه إيمانه واستقامته وكل جهده .

1 -العلم : -

فعلى المسلم ان يتفقه في دينه ويتعلم أمور دينه التي تعينه على العبادة ومعرفة الله والسير على منهج الله تعالى . وهناك كتب يمكن الرجوع إليها :ـ

أ ـ الحق الدامغ للعلامة الخليلي ـ حفظه الله ورعاه ـ

ب ـ العقيدة الاسلامية... تسهيل الحق الدامغ .

جـ ـ قصيدة غاية المراد... شرحها الشيخ الخليلي ـ أطال الله في عمره وسلمه من جميع الآفات ـ وشرحها الشيخ الكندي ـ وشرحها الآن الشيخ عبد الله القنوبي بأسلوب بسيط وجميل .

د ـ كتب الأصحاب الفقهية والتي تتطرق إلى العقيدةكتلقين الصبيان والدلائل... إلخ

وهناك كتب أخرى لا نطيل المقام بذكرها ونرجو من الأخوة إفادتنا بالمزيد منها .

2 -الاستعاذة من الشيطان : -

وذلك بقول أعوذ بالله من الشيطان الرجيم أو قراءة المعوذتين بين الحين والآخر أو ترديد قوله تعالى : " وقل رب أعوذ بك من همزات الشياطين وأعوذ بك رب أن يحضرون " وآية الكرسي وأواخر البقرة وأواخر الحشر وكل القرآن خير فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول :( خذ من القرآن ما شئت لما شئت ) .

3 -الأكثار من الأعمال الصالحة :-

كالوضوء فحاول أن تكون على وضوء بين الفترة والأخرى والصلاة والصدقة والصوم والملازمة على الذكر كقول لا إله إلا الله وسبحان الله والحمد لله والله أكبر ولا تنسى الاستغفار " استغفر الله ".... إلخ

4 -حلقات الذكر وملازمة المشائخ والأخوة العارفين والفاهمين :-

الجلوس في حلقات الذكر للاستفادة ، فغير الأجر الذي يناله الجالس ؛ يذهب عنه الوسوسة ويتعلم من أخوته ويسألهم إن بدا له شئ فالمؤمن مرآة أخيه .

5 -شغل أوقات الفراغ :-

لأن الشيطان يأتيك وأنت فارغ وعندما تكون مشغولاً قد لا يستطيع الشيطان أن يكيد بوسوسته عليك .

6 -إذا لم تذهب عنك هذه الوسوسة فاعرض نفسك على بعض الأخوة من الذين تضمن تدينه وصلاحه ومستطيع أن يعالج بالقرآن الكريم فإنه بإذن الله سوف يعطيك الحلول التي تشفيك ولو كان بقراءة عليك أو بقراءة بعض الآيات والسور على ماء ويشربه المريض فإن ذلك نافع والله أعلم....

وكما ذكر آنفاً بأن ما كتبته هنا قاصر ولم يلم بالموضوع فهذا ما جادت به القريحة وإن كان هناك مزيد فإنني أرجو من الأجوة التكرم علينا بالمشاركة حتى أنتفع أنا أولاً والأخوة.......... بارك الله في الجميع .

الكـاتـب : الباسل -شبكة أهل الحق والإستقامة

مما يجوز فيه الخلاف

موسم مقبرة الشيخ عمي سعيد الصيفي

Icon 09

موسم مقبرة الشيخ عمي سعيد الصيفي

بحول الله سيحل علينا موسم مقبرة الشيخ عمي سعيد الجربي رحمه الله، وهذا الموسم بمثابة عيد لأنه نهاية لموسم المقابر وإعلان مباشر لرحلة الناس رحلة الصيف إلى الجنان حيث الراحة والاطمئنان.

فمن الصباح بعد الشروق يلتقي العزابة والطلبة وإروان وإمصوردان فيفتحون تلاوة القرآن جماعيا في ثلاثة مجالس في مكان خاص على حسب الظرف، فمرة في المسجد ومرة في محضرة المقبرة لا في المقبرة يعني فوق القبور كما يحلو للبعض، وأثناء التلاوة يفرقون على الحاضرين الصدقات المختلفة وقد تكلمنا عليها مرارا في هذا الموقع وخاصة في عنوان صدقات من نوع خاص، خاصة ببعض الخواص وتنتهي التلاوة قبل صلاة الجمعة بساعة وتستأنف بعدها، وفي العشية وقبل المغرب تفرق الصدقات الموقوفة والمتمثلة في قصع الكسكس الخاص بالمقبرة باللحم والسمن دون المرق معمول من القمح (إيردن) على مجموعات القارئين للقرآن صدقة لهم بطريقة مدروسة وبعد الأكل منها وهو ما يمسى (بأمنسي) أي العشاء أو (أمُنسوا) أي التعشي، يُنادى بالدعاء فيدعو المتصدر في العزابة ويتفرق الناس إلى ديارهم حاملين معهم ما تبقى من بركة الوقف ويبقى الطلبة ومن معهم من العزابة وغيرهم لاستكمال المشوار وقد يجلس كثير من الناس فتقدم النصائح والإرشادات من العزابة في شأن الاصطياف وعمارة محاضر الغابة في كل الأحياء بين المغرب والعشاء، وتبين التوصيات في شأن غسل الموتى ودفنهم كذلك، إلى غير ذلك من التوجيهات المتعلقة بديار القصر وتركها شاغرة وقائمة التوجيهات تطول وكل عام وكيفتها وكمها، ثم ينفض الجمع وهم يتمنون قضاء صيف ممتع في الجنان إلى أن يأتي موسم النزوح إلى القصر وهي رحلة الخريف بخلاف رحلة قريش الشتوية هذا ما في الأمر كله.

 ----------------------------------------------------

منقول بتصرف: منشور في الفيسبوك للفاضل أبو موسى الشماخي

نشأة بريان 1596م

Icon 07نشأة بريان  1005هـ/1596م.

خرج أولاد نوح والعفافرة من غرداية مع أولاد باخة إثر اصطدام بين الصفين (الشراقة والغرابة) فتوجهوا إلى الأغواط، وكان ذلك حسب موتلنكسي في القرن السادس عشر الميلادي، ولما وصلوا نزل أولاد باخة على فرقة الأحلاف، والعفافرة وأولاد نوح على فرقة السرغين، فاشتغلوا في حفر الآبار والفلاحة والتجارة ثلاثين عاما، ولكن لم يدم مقامهما طويلا في هذه المدينة فأخرجهم أهل البلد فرقة بعد أخرى، ثم انتقلوا إلى موضع بوتركفين([24]) ،ثم التقوا جميعا في منطقة تسمى "مْلاقا بن سيدهم" عند تقاطع وادي الكبش ووادي أنسا وبعدها توجهوا إلى وادي زقرير هروبا من بطش قطاع الطرق فشيدوا قصر المبرتخ الذي أخذ يزدهر وينمو بسرعة فائقة، لم ينعم أهالي قصر المبرتخ بالأمن والاستقرار طويلا فتصارع أولاد نوح والعفافرة مع أولاد باخة، واستقدم أولاد باخة سلطان بن جلاب حاكم تقرت فحاصروا قصر المبرتخ ليتمكن أولاد باخة من تأسيس قرية لهم على كدية العقارب سموها القرارة وبعد رحيل ابن جلاب من المنطقة تصارع الطرفان وتمكن أولاد باخة من هدم قصر المبرتخ وتخريبه، فارتحل أولاد نوح والعفافرة إلى الموقع الحالي لبريان على ملتقى وادي السودان ووادي بالوح، ليشيدوا مدينة جديدة عام 1005ه/1596م([25]).

ثم استقدم أولاد نوح كل من النشاشبة وأولاد يونس وأولاد بونورة والعطف، والتحق بهم أولاد عمي سعيد من غرداية، وبدأ ينمو قصر بريان بازدهار العمران، وعمرت البلاد بغرس النخيل والأشجار،

-------------------------------------------------------------

)-عامر محفوظي: تحفة السائل بباقة من تاريخ سيدي نائل، مطبعة دارأسامة باب الزوار، 2006، ص8. [24](

)-عبد القادر موهوبي السائحي الإدريسي الحسني، نفسه، ص163.[25](

 

المرجع  بريان تاريخ وحضارة دراسة: تاريخية حضارية سياسية اقتصادية اجتماعية دينية ثقافية تأليف إسماعيل بن محمد لعساكر ص 32

نظام " تِنُوبَاوِينْ " في مزاب والحكمة منه

Icon 09

نظام " تِنُوبَاوِينْ " في مزاب والحكمة منه(01)

المراد بهذه الكلمة، ما تركه الموتى من أوقاف معلقة في أملاكهم التي كانوا يملكونها ينفذها من تنتقل إليه تلك الأملاك كل سنة مدى الدهر حسب رغبة المحبس ووصيته ثم ما يتصدق به الناس ترحما على موتاهم عند ما يشرع في تنفيذ تلك الأوقاف الخيرية.

وفيما يلي أقدم لك صورة لهدا العمل الجليل:

في أشهر معينة من شتاء كل سنة يشرع عزابة كل قرية من قرى مزاب ولا سيما القرى العتيقة "الخمس" في تنفيذ هذه الأوقاف ففي الصباح الباكر من كل جمعة –وهو يوم تفرغ وراحة لدى كل المواطنين – يذهب العزابة ومن يحفظ شيئا من القرآن الكريم من الطلبة وحتى تلاميذ المدارس الذين يحفظون أربعة أحزاب فما فوق يخرجون إلى مصلى مقبرة معينة من مقابر البلدة فيجلسون هناك يرتلون القرآن جماعات ويدرسونه وبعد صلاة العصر تتوافد على المصلى بقسة المواطنين من سكان المدينة وغيرهم، فيشرع في تفريق تلك الأوقاف وتوزيعها على الحاضرين وقد كان يؤتى بها إلى مصلى المقبرة منذ الصباح.

وهذه الأوقاف تتكون من طعام مهيئ من نوع خاص روعي في إعداده عدم تسرعه للفساد وإمكان حمله وتفريقه بسهولة وغالبه: كسكس بسمن، ولحم أو تمور وخبز فمنه ما يؤكل هناك بعد أن يتحلق الناس حلقا ومنه ما يفرق عليهم وعند ذاك يكون الطلبة والعزابة قد أنجزوا تلاوة القرآن من الفاتحة إلى الخواتيم التي ترتلها معهم العامة ثم يرفعون أكفهم بالدعاء إلى الله، فيفترقون مع آذان المغرب ويتكرر هذا العمل كل يوم جمعة طيلة شهرين أو ثلاثة أشهر الشتاء.

والأمر يبدو لأول وهلة أنه ليس بالشيء المهم ولكن إذا تأمل الشخص جيدا وتصور البيئة المجذبة وظروف العيش القاسية في البوادي ثم لاحظ ما يتجمع من هذه الصدقات من خير كثير وكيفية توزيعها يتضح له أن واضع هذا المشروع الإنساني بعيد النظر وأنه حكيم إلى أبعد حدود الحكمة.

ففي أشهر الشتاء يقل العمل ويشتد البرد وتنقطع ثمار الفلاحة فتحتاج الأسر إلى مؤونة أوفر وغذاء أكمل وأقوى فإذا فرقت هذه الصدقات على الناس بما فيها من غذاء كاف من سمن ولحم وقمح.

ويتكرر توزيعها في كل أسبوع لمدة طويلة ألا يكفيهم ذلك شطرا من مؤونتهم؟ ثم كيفية توزيعها الاشتراكي العام لا يخصص بها فقير فقط فلا يحوج إلى إراقة ماء وجهه أو جرح كرامته بتقييده في قائمة الفقراء ووقوفه أمام مركز من المراكز ينتظر الصدقة فالكل يقصد المصلى ليحضر في ختمة القرآن، والكل يتقبل الصدقة الموزعة والكافي يمدها لمن بجانبه أو يحملها إلى منزله فيمدها أهل المنزل ان كانوا في غنى عنها إلى أرملة أو فقير بجوارهم....

----------------------------------------------------

(01) كتاب "مزاب بلد كفاح" للشيخ إبراهيم بن محمد طلاي ص73-76

المصدر: nir-osra.org

هل يخلف الله وعيــــده !!!

هناك من الناس من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني ومن هذه الأماني القول بأن الله سبحانه وتعالى ينجز وعــده ويخلف وعيده وهذا الكلام كلام من لم يتدبر القرآن ولم يصغ إليه بوعي وإدراك مع أنه على الإنسان أن يجعل القرآن نصب عينيه وأمام ناظريه وملء سمعه وبصره وملء قلبه وعقله وأن يجعل القرآن فوق المواريث الفكرية التي ورثها فانه كلام الله الحق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ولا ريب أن حمل كلام جاء في القرآن الكريم على مجرد المبالغة والتخويف من غير أن يكون وراءه واقع إنما هو اجتراء عظيم على الله تعالى فمن أصدق حديثا من الله "ومن أصدق من الله حديثا" "ومن أصدق من الله قيلا" وأي كلام هو أبلغ من كلام الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه والله تبارك وتعالى حذر الذين تشبثوا بمثل هذه الأماني بقوله "لا تختصموا لدي وقد قدمت إليكم بالوعيد * ما يبدل القول لدي وما أنا بظلام للعبيد * يوم نقول لجهنم هل امتلأت وتقول هل من مزيد"

فالكلمات جمع كلمة لا تبديل لأي كلمة من كلمات الله ولئن كانت كلمات الله لا تبديل لها ومعنى ذلك أنه كل ما أخبر الله سبحانه وتعالى خارجا عن كونه حقا وعن كونه صدقا وعن كونه سيقع ما يتعلق به وما يترتب عليه فلو كان الله سبحانه وتعالى كما قال الكثير من الناس الذين اغترفوا عقيدتهم من مواريث الفكر اليهودي فزعموا أن الله لا يعلم ما يستجد له من الأسباب التي تجعله يخلف الوعيد مع أن هذا القول أيضا فيه نسبة الجهل إلى الله تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا وهذا كله مما لا يصح

على أن الذين قالوا بأن الله يخلف وعيده إنما تشبثوا بكلام قالته العرب وذلك إنهم تشبثوا ببيتين روي عن بعض العرب وهما :

ولا يخش ابن العم ما عشت صولتي ****** ولا أنا أخشى صولة المتمرد

وإني وأن أوعدته لمخلـــــف ***** إيعــادي ومنجز موعدي

من هذا الذي قال ذلك ؟ إنما هو من أهل الجاهلية !!! فهل أحكام الله تحمل على العادات التي كانت عليه أهل الجاهلية ؟ على انه لو كان هذا الإنسان من أبر الناس وأتقى الناس وأورع الناس وأفضل الناس وأقرب الناس إلى الله لما كان أن يقاس أمر الله على أمره لأن هذا لو قدرنا انه أمر محمود فانه ولا ريب انه محمود بالنسبة إلى الإنسان الذي يقع في الانفعالات ويتوعد بدون تروي بسبب دافع الانفعال الذي يدفعه إلى الوعيد أما الله سبحانه وتعالى منـزه عن ذلك فهو لا تؤثر عليه الأحوال وهو سبحانه وتعالى يسبب الأسباب ولا تسبب له الأسباب أمر ، فهو وحده يسبب الأسباب وهو قاهر الأسباب والمسببات وهو الحاكم لكل أمر . فأن يكون هنالك سبب يدفع الله تعالى إلى ذلك كما هو شان المخلوق فالمخلوق عندما يتوعد بدون تروي إنما يريد أن يشفي ما في نفسه من الحقد والانفعال والله سبحانه وتعالى أمره بخلاف ذلك فوعيده لا يكون إلا لحكمة ووعده عز وجل لا يكون إلا لحكمة على أن من العرب أيضا من عد إنجاز الوعد من مكارم الأمور التي يترتب عليه الوصف الحسن فقد روي عن أحد شعراء العرب أيضا انه قال:

أن أبا خالد لمعتدل الرأي كريم الأصل والبيت

لا يخلف الوعد ولا الوعيد ولا يبيت من فراءه على فوت

فترون أن الوصف الذي وصف به هذا الموصوف أنه لا يخلف الوعد ولا الوعيد بالنسبة إلى حال الإنسان نفسه فان إخلاف الوعيد قد يكون أمرا محمود وقد يكون أمرا مذموما فهو بالنسبة إلى الإنسان يكون أمرا محمودا عندما يكون هذا الوعيد ناشئا عن انفعالا بدون أن يتروى وإخلافه للوعيد راجع عن الباطل لأنه لو نفذ الوعيد لأدى ذلك إلى ارتكاب الحماقات والباطل لأنه يتوعد من لا يستحق الوعيد أو يتوعد بوعيد يتجاوز ما يستحق المتوعد من عقاب وأن الحال الذي يكون فيها انجاز الوعيد من المحامد فهي أن يتوعد الحاكم القادر أهل الفسوق والفساد الذي يعيثون في الأرض الفساد لردعهم عن فسادهم بما ينزله عليهم من العقوبات فهو أن أخلف هذا الوعيد كان ذلك مما يجري أصحاب الفساد على مواصلة ارتكاب فسادهم والعبث في هذه الأرض مما يؤدي على عدم استقرار الأحوال ويؤدي إلى أن يكون الناس غير آمنين على أنفسهم عندما يكون الحكام الذين يتوعدون المفسدين يخلفون وعيدهم فيهم

ومن المعلوم أن حكم الله تعالى لا تبديل له فقد وعد الله الطائعين ما وعدهم وهو منجز وعده وتوعد العاصين ما توعدهم من العقاب وهو منجز لهم وعيدهم كما يدل على ذلك القرآن على أن عندما يكون الإنسان غير خائف من وعيد الله سبحانه وتعالى لا ريب أنه لا يدرك ولو ذكر لا يدكر فالله سبحانه وتعالى يقول :وذكر بالقرآن من يخاف وعيد" وتقول عز من قائل "سيذكر من يخشى ويتجنبها الأشقى الذي يصلى النار الكبرى ثم لا يموت فيها ولا يحيى" ويقول سبحانه وتعالى "لتنذر قوما ما أنذر آبائهم فهم غافلون * لقد حق القول على أكثرهم فهم لا يؤمنون * إنا جعلنا في أعناقهم أغلالا فهي إلى الأذقان فهم مقمحون * وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا يبصرون * وسواء عليهم أنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون * إنما تنذر من اتبع الذكر وخشي الرحمن بالغيب فبشره بمغفرة وأجر كريم"

فالذي يخشى الله تبارك وتعالى بالغيب هو الذي يبشر على أن المؤمن يخشى الله تبارك وتعالى في حال استمساكه بطاعة الله ومسارعته إلى أمره ذلك لأن الله تعالى يقول "إن الذين هم من خشية ربهم مشفقون والذين هم بربهم لا يشركون والذين هم بآيات ربهم يؤمنون والذين يؤتون ما أتوا وقلوبهم وجلة إنهم إلى ربهم راجعون" وذلك جاء في الحديث أن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها عندما سئلت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن خشية المؤمن أتكون هذه الخشية عندما يقارف المعصية ؟ أجابها بأنه يخشى الله في حال عمله بالطاعة وتلا هذه الآية "والذين يؤتون ما أتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون" .

نسأل الله تعالى العفو والعافية .

اختاره ونقله لكم أبو مجـــــــاهد 

هلال شوال العِيد عندما يتّحد في القرية الواحدة هو أكثر ابتهاجا

لا يشك أحد أنّ العِيد عندما يتّحد في القرية الواحدة يكون أكثر ابتهاجا..

لكنّ أمر الثبوت الشرعي لدخول الشهر القمري مسألة قديمة جدا مِن حيث طرحها والاختلاف فيها بين فقهاء المسلمين مِن مختلف المذاهب الإسلامية، بل حتى بيْن فقهاء المذهب الواحد حتى في نفس العصر بل وحتى في نفس البلد...

ومَن يريد الحسْم فيها قولا واحدا إنّما لم يفهم حِكمة الله -تعالى- في أنْ جعل عديد المسائل فيها أدلة مُحتمِلة مِن حيث ثبوتها ومِن حيث دلالتها..

ومَن له أدنى اطّلاع على كتب مختلف الفقهاء سيُدرك ذلك بكلّ جلاء ووضوح إلا عند مَن يُكابِر ويتجاهل...

لذا فلا محيص مِن ترسيخ آداب التعامل في المسائل المُختلَف فيها، مِن تقبّل وجود الاختلاف وعدم التعامل مع يعمل بفتوى تخالف الفتوى التي أعمل بها بصورة وكأنّه شرب الخمر والعياذ بالله تعالى، بل وشارب الخمر -عافانا الله جميعا- مأمورون بالتعامل معه بأدبيات منضبطة حدّدها الشرع العزيز، وليس وفق أهوائنا ونزواتنا وردود أفعالنا...

فبغض النظر عن قناعتي الشخصية في هذه المسألة فإنّي أحترم مَن يعمل بنداء الجهات الرسمية المُخوَّلة بهذا الأمر..

كما أحترم مَن يتحفظ مِن العمل بذلك النداء ويعمل بقناعات فقهية أخرى أفتى بها بعض الفقهاء من مالكية وإباضية وغيرهم

فهنالك مَن يعمل بنظرية اختلاف المطالع.. وقد قال بها مَن قال مِن أهل العِلم جزاهم الله خيرا

وهنالك مَن يعمل بالرؤية بالعين المجردة.. وقد قال بها أيضا مَن قال مِن أهل العِلم جزاهم الله خيرا

وغير ذلك..

فلا يعتب مَن يفطر غدا مثلا على مَن سيكمل العدة ثلاثين..

ولا يعتب مَن يكمل الصيام على مَن يفطر ويبتهد بالعِيد

بل لنترفع ولنتقبل الاختلاف ولنتسامح

وعلى أهل المنابر مسؤولية عظمى في أسلوب خطابهم الفقهي بحيث عليه أنْ لا يرى نفسه الوصي على الأمّة حيث يتحدث لعوام الناس بصورة تجعل الناس يخرجون مِن عنده ناقمين على مَن يعمل بفتوى أخرى خلاف الفتوى التي سمعوها مِنه .. اتّقوا الله في أنفسكم وفي مَن يعمل بخطبكم وفتاواكم...

بل على الفقهاء في المنابر بعد بيان الراجح لديهم في أيّ مسألة فقهية أنْ يُبيّنوا للناس أنّ تلك المسألة اجتهادية ويسع فيها الاختلاف ولا يجوز فيها أيّ تعامل يدل وكأنّ ذلك المختلف قد وقع في إثم وضلالة...

وإلا فأعلونها بصراحة أنّ المسألة الفلانية قطعية، ومِن مسائل الدّين التي لا يجوز فيها الاختلاف حتى بيْن الفقهاء أنفسهم .. عندها سيكون لكلّ حادث حديث..

هذه المسألة نموذج، وغيرها كثير (ومِنها بالمناسبة مسألة الإعلان عن مواقيت الإمساك والإفطار، فالواقع يشهد بعدم التزام معظم مساجد البلدة بالرزنامة الرسمية للوزارة، بل تجد المآذن تعلو بمختلف النداءات والتنبيهات، بحيث يصل الفارق بيْن بعضها إلى عشر دقائق تقريبا)...

وبالمناسبة أحيّي موقف فخامة رئيس الجمهورية (عافاه الله تعالى) الذي كرّس مبدأ الحرية الشخصية في هذه الأمور، بل وعزّز ذلك من خلال التعديلات الدستورية مؤخرا

وأحيّي بالتبع مصالح الوزارة الوصية وكذا مديرية الشؤون الدينية والأوقاف التي تجسد نفس التوجهات الراقية بحمد الله تعالى

إياك يا مَن اقتعنت بالعيد غدا أنْ تسيء ولــــــــــو بإشارة إلى من صادفته غدا صائما

وإياك يا مَن اقتعنت بالصيام غدا أنْ تسيء ولــــــــــو بإشارة إلى مَن صادفته غدا مفطرا مبتهجا بالعيد

بل يا مَن اقتعنت بالعيد غدا حاول أن تراعي مشاعر الصائم واترك زيارته لليوم الموالي إن شاء الله تعالى

ويا مَن اقتعنت بالصيام غدا لا يضرك أنْ تهيء نفسك غدا لإبداء فرحة العيد لمَن زارك غدا مبتهجا بالعيد

علّم الرسول -صلى الله عليه وسلم- صحابته الكرام -رضي الله عنهم- التعامل مع مَن يختلف معهم في الدّين أصلا مِن يهود ونصارى..

فكيف بنا نغلظ في التعامل بيْننا ونحن أبناء دِين واحد بدعوى اختلافنا في اختياراتنا في بعض المسائل الفقهية التفصيلية الظنية الاجتهادية

رجاء لنساهم جميعا في بث هذه الروح حيثما كنّا وذلك بأفعالنا قبل أقوالنا..

رحم الله من علمني هذا ورباني وأدبني عليه .. الأحياء منهم والأموات..

{وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (88)} [سورة هود عليه السلام].

 

‎عبدالله الحكيم‎