بوشمجان ذكريات اصطياف وبواكير وعي

كان موسم النزوح إلى الواحة للاصطياف دأب أغلب المزابيين حيث يجدون في بساتين واديهم ملاذا من قيظ الصيف..، وقد كانت العطلة الصيفية آنذاك بالنسبة لطفولتنا موزعة بين سويعات للتعليم القرآني إلى منتصف الصيف وأخرى لحاجيات البيت، كما للمطالعة واللعب والاستجمام..

كانت وجهة اصطيافنا السنوي حي مامة حنة بـ "تاكضيت"، حيث مسكننا التقليدي العتيق وقد كانت الواحة حية أيام الصيف بما تشهده من فعاليات تربوية وتظاهرات ثقافية كثيفة كحفلات نهاية الموسم الدراسي الحر لعمي سعيد والإصلاح، والمهرجان الثقافي السنوي بطبعاته المختلفة الذي دأبت جمعية الإصلاح على تنظيمه كل عام..، فكان من روعة هذه الفترة أنها تركت فينا ولا تزال شيئا من روح حراك ثقافي شكَّل فصًّا من فصوص وعيِنا مذ ذلك الحين.

ومن أجمل ذكرياتي في ذلك الحين ارتيادي لمكتبة الإصلاح التابعة لدار العلم "البعثة" ببوشمجان، فكنت لا أتخلف عنها كل ما سنحت الفرصة.. أنفذ إليها طولاً من البيت مرورا بدكان "ليسير" وقصابة "دقدوق" بـ "بن ساشو" فمنزل "لالة كْ منة"، هنالك أصعد الدرج حيث الطابق الأول لدار العلم..، بهو واسع به خزائن تحوي مجموعات من الكتب يشرف عليها قيِّمٌ عادة ما يكون من الطلبة الباحثين أو المعلمين... والمطلوب المُلِح هنا هو الهدوء ثم الهدوء نظرا لكون أغلب مرتاديها من اليافعين.

هكذا تشكلت بواكير علاقتنا بالكتاب، فكنا نقضي هناك أوقاتا لا تنسى بين سلاسل علمية وقصصية ذات طباعة لبنانية راقية من شاكلة سلسلة المعرفة وكتيبات ليديبرد المتنوعة وكذا المكتبة الخضراء (السلطان المسحور، سندريلا، أليس في بلاد العجائب..) وغيرها كثير..

وإنه لمن الاعتراف بالفضل الوقوف على مثل هذه الصروح على بساطتها وهي كثيرة..، الوقوف تأملا في بساطة وعمق الفعل الحضاري في آن (مكتبات في نواح للاصطياف)، والوقوف إجلالا ودعاء لجنود الخفاء الذين فكروا وأنجزوا في صمت، ولعل أغلبهم قد رحلوا أو شارفوا.. فرحمة الله عليهم جميعا إذ تركوا نهجا وقيما لا مجرد صروح وبنايات.

نقل     Abghour Otchid بتصرف من مقال Salah Abdenour

Tags: الهوية, تأريخ, الإباضية, قيم, أخلاق, إجتماع, تراث, عادات تقاليد