مصابيح الزيت نير
مصابيح الزيت نير
لماذا تريث بنو مژاب في قبول دخول الكهرباء إلى قصورهم إبان الإستعمار(1)؟
إن المجتمع المزابي ككل المجتمعات المهيكلة والمتحضرة له حساسية مفرطة في التعامل مع ما يرد إليه من جديد الأفكار والعادات والتكنولوجيات، وتلك الحساسية نابعة من الخوف على سلامة مكتسباته الحضارية التي عمل على صقلها قرونا عديدة، بخلاف انعدام تلك الحساسية عند أشتات المجموعات البشرية التي ليس عندها ما تخاف عليه ولا ما تخسر، تقبل اليوم الكهرباء وغدا سموم السجائر وبعدها لا ندري ما ستحمله الواردات الفكرية والسلعية الملغومة.
والأمر الآخر أن المحتمع المزابي كانت له منظومة كاملة للانارة التقليدية، خاصة وعمومية، وله أوقاف ومتفرغون لإدارتها وصيانتها، فليس عنده ما يستعجله لقبول تقنية تتوغل داخل البيوت والمساجد قبل أن يتعقل جيدا مكامنها ومآلاتها.
والأمر الأخير أن العلاقة المتوترة مع المستعمر زادت من حساسية القضية، فليس من الحكمة أن تسارع في فتح ابواب بيتك ومسجدك ليدخل عدوك أسلاكه إليها دون الخوف من حيله وأغراضه الخفية.
وسيبقى المجتمع ممانعا من كل وافد جديد، فله من المكتسبات ما يشرع له تلك الممانعة، ويعطي له الحق في نصب تلك المصفاة الأخلاقية على عتباته، لتفرز أوساخ العصر عنه، ولما يتأكد من نقاء الوافد يحتضنه ويبدع فيه ويدمجه في منظومته الحضارية.
شهادات بعض الوافدين إلى مزاب
هذه شهادات بعض الوافدين إلى مزاب حول ما عايشوه وشاهدوه بأم أعينهم في قصورها هذه المرة من أغرم ن إقرارن، أين وصل إليها في بداية شهر ماي من عام 1861م فريق من المستكشفين الفرنسيين في رحلة بحث واستكشاف جيولوجي شملت أيضا مزاب و وارجلان والمناطق السهبية لتحديد مواقع المياه الجوفية، فخيموا أمام أحد مداخل المدينة في الجهة الغربية وتجولوا في أرجائها وهذا من بين ما رواه أحد مهندسي الوفد حول ما شاهده بقصر القرارة :
« La nuit, les rues sont éclairées par de petites lampes à huile que les propriétaires des maisons placent dans des niches percées dans les murs ; cela dénote, chez les Mozabites, un certain amour du confortable, qui est prouvé du reste par la propreté de leurs maisons. Les Mozabites sont des gens fort intelligents, fort actifs, et qui s’occupent de commerce, d’agriculture et de travaux hydrauliques avec une très grande habileté… »(1)
" في الليل، الشوارع تضاء بقناديل زيت صغيرة يضعها أصحاب المنازل في كوات على شكل ثقوب في الجدران؛ وهذا يدل على ولع المزابيين بقدر معين من الرفاهية وقد ثبت ذلك من خلال نظافة منازلهم. المزابيون هم أناس أذكياء جدا وناشطون جدا ، يمارسون التجارة والفلاحة وأشغال الري بمهارة كبيرة جدا ..."
المزابيون أناس أقاموا نظام إنارة عمومية قبل أن يتوهج مصباح إيديسون بقرون وحبسوه على أنفسهم كوقف ينيرون به دروب و أزقة ومساجد قراهم؛ ومازالت عادة إنارن ن المولود التي حافظ عليها أبناء آت إزجن شاهدة على ذلك أين يتم نقل وجمع زيت المصابيح بالمسجد في مراسيم احتفالية فريدة.
لم يكتف ذلك المهندس بهذا الإنطباع فقط بل أضاف وقال :
« Les Mozabites étant des hommes énergiques, laborieux, sobres, intelligents, et bien supérieurs, sous tous les rapports, aux nomades qui les entourent , nous pensons qu’après la description géologique du sol ingrat qu’ils ont vaincu par leurs rudes travaux… »(2)
" إن المزابيين رجال حيويون ، مجدون ، رصينون ، أذكياء و متفوقون كثيرا من كل النواحي على البدو الذين يحيطون بهم ، ونعتقد بعد الوصف الجيولوجي للتربة الفقيرة والغير معطاءة أنهم تغلبوا عليها بفضل أعمالهم الشاقة ..."
المصابيح الزيتية
المصباح الزيتي هو أداة تستخدم لتوليد الضوء بإستمرار لفترة زمنية بإستخدام مركب زيتي كوقود. وكانت تستخدم قديما كبديل عن الشموع قبل استخدام الأضواء الكهربائية والمحتمع المزابي كانت له منظومة كاملة للانارة التقليدية، خاصة وعمومية، وله أوقاف ومتفرغون لإدارتها وصيانتها. والمصباح الزيتي نوعان محمول وثابت:
المصباح الزيتي الثابت:
يسمى بالمزابية تبسبوست tbusbust جمع تيبوسبوسين مشتقة من كلمة تّبّس ttebbes بمعنى تلمع، وهو عبارة عن ثقب بيضوي الشكل يكون في الجدار. يوضع فيه الزيت وفتيلة للانارة المنازل والمساجد وكذا الإنارة العمومية للأزقة حتى في الواحات عند نسح الماء من البئر وقت السحر حيث الظلمة يخصص للمصباح الزيتي مكان في سارية البئر.
المصباح الزيتي المحمول:
يسمى بالمزابية نير وهو وعاء نحاسي على شكل مربع بحواف غير مرتفعة نسبيا ويحمل بيد متوسطة الطول يوضع فيه الزيت وفتيلة للانارة ولا يزال قصر بن يزجن يستعمل هذه المصابيح الزيتية في إحياء مناسبة المولد النبوي. موعد الاستعراض يبدأ بعد صلاة المغرب حيث تحمل تلك المصابيح المضاءة بواسطة الزيت من طرف الأطفال المصحوبين بأوليائهم وهم يتجولون عبر مختلف أزقة القصر ويرددون الأناشيد والمدائح الدينية وذلك قبل التوجه إلى بهو أمام المسجد حيث يوضع وعاء كبير تسكب فيه زيت المصابيح المتبقي كوقف لإنارة المسجد خلال السنة. بعد إنقضاء تضاهرت المولد النبوي ترجع المصابيح إلى وظيفتها التزينية في المنازل الى حين حلول ذكرى المولد النبوي للسنة الموالية.
وأسفنا أن هذه الممانعة بدأت تفتر فأصبحنا الآن نعاني من ويلات الاستلاب لكل مستورد، وبدأنا نفقد يقظتنا الحضارية.
---------------------------
(1) مقتطف من مقال الأستاذ شخار أبونصر
(2) Exploration géologique du Beni Mzab, du Sahara et de la région des steppes de la province d’Alger / M. VILLE ingénieur en chef des mines . 1867
Tags: الهوية, تأريخ, حضارة, الإباضية, قيم, سياسة, إجتماع, تراث, سياحة, عادات تقاليد