مژاب في التل تجارة وخدمات

تغرّب بني مژاب إلى التل للتجارة ومختلف الخدمات

Icon 09

 

إن وجود المزابيين بالعاصمة كان منذ اليوم الأول لدخول الأتراك العـثمانيين إلى الجزائر لذلك سنجـد لهم أدوارا بارزة منذ فترة الأخوين بربروس كـدورهم في دحر الحملة الإسبانية وتحرير كـدية الصابون التي احتلها الإسبان سنة 1518م(13)، وكذا المساهمة الفعالة في إبطال حملة شارل الخامس فـيما بعـد، وقـد استفادوا إثر تلك الخدمات الجليلة للوطن وما أظهروه من شجاعة وبطولة وأمانة، إستفادوا من عـدّة إمتيازات تقـديرا لأعمالهم كتولي تسيير وإدارة المطاحن والحمامات والإشراف على القصابات...(14)، والتي بقيت في عهدتهم زمنا طويلا فأدوا وظيفتها أحسن أداء مساهمين بذلك في دفع العجلة الاقـتصادية والاجتماعية في العاصمة لزمن طويل، وإذا كان المزابيون قـد استقـر أكثرهم بالعاصمة نظرا لموقعها وثقلها وحركيتها الاقتصادية فلا نغـفل أن أعـدادا مهمّة أخرى قـد انتـقلت منذ وقت بعيد هي الأخرى نحو مناطق أخرى من الوطن، فأمين المزابيين بالعاصمة كانت تصله ترضيات مالية من مزابيي البليدة وقسنطينة وبسكرة ووهران(15).

وبالعودة إلى الأسباب والظروف التي كانت داعـيا لهم إلى هـذا التغرب سنجد جملة منها ولعـلّ أبرزها كان نتيجة لما أسلفنا ذكره من أن وادي مزاب ذا موقع وطبيعة صحراوية «فـقـلّما وجد على سطح الأرض قـطع أكثر فـقرا من هذه البلاد ... ولا تكون هذه الجهات القليلة العدد صالحة للزراعة إلا بعـد بذل جهود عـظيمة جـدا وبعـد صبر طويل لأن الجفاف مستمر بهاتيك النواحي ... ولكي يستطيع المزابيون الحياة في أرضهم القاحـلة هـذه يهاجر الكثير منهم إلى المدن الساحلية حيث يتعاطون التجارة»(16) فـتغـرّبهم كان اضطراريا بدافع جـدب الرقعة الجغـرافية التي استوطنوها وخلوّها من المؤهلات الصناعـية والفلاحية التي تضمن لهم أمنا وكفاية ذاتية، ومع ميلهم الطبيعي إلى العمل فـقـد كان السبيل الوحـيد أمامهم هـو الانتقال إلى الشمال والاستقرار به للعمل في التجارة وفي مختلف الصنائع والحرف حتى كانوا من المجموعات ذات الحضور المهني والاقتصادي المميّز والقـوي .

إنّ داعي العمل لم تكن له صيغة واحـدة وهي الانتقال نحو العاصمة والاستقرار بها لممارسة التجارة أو إحـدى الحرف والصنائع وإنما تولّدت عنه صيغة أخرى وهي نقل السلع والبضائع بين وادي مزاب والمناطق الجنوبية من جهة وبين العاصمة من جهة أخرى، أو أخذ بعض المنتوجات وعـقـد صفـقة بيعها ثم العـودة إلى مزاب دون البقاء والاستقرار هناك أكثر من مما يقتضيه هذا الغـرض فـقـد «مثّلا لمزابيون الوكلاء المعترف بهم والوسطاء في التجارة مع داخل إفريقيا فينقـلون تبعا لذلك ريش النعام والجمال والتبر والعبيد والتمر وغيرها من السلع»(17)، وإذا عـرفــنا أن الكميات التي كانوا يتولون أخذها كانت معـتبرة(18) فإن ذلك سيعـني تفرغ تجار لهذا الغرض غير أولئك المستقرين بالشمال.

وسنجـد أسبابا أخرى مختلفة لتغرّب المزابيين غير العامل الأساسي والمتمثل في العمل منها الاستقرار فـترة وذلك عـند السفر إلى بعض الوجهات البعيدة كالذهاب أو العـودة من البقاع المقـدّسة خاصة إن كانت الرحلة بحرية وهو ما يحـتّم عليهم التوجّه نحـو المدن الشمالية الساحلية لركوب السفينة والتي ستقلهم نحو وجهتهم، وربما مارسوا أثناء إقامتهم هناك أعمالا تجارية وحرفـية كما كان الحال مثلا مع الشيخين يوسف بن حمو بن عـدون والحاج أحمد بن داود إذ عـمل الأول جزّارا في إحدى القصابات حين عـودته من أداء المناسك وريثما يعـود إلى مزاب، أمّا الثاني فـقد اصطحب معه عروضا تجارية إلى العاصمة خلال توجهه إلى الحج(19).

كما قـد يكون النفي إحدى الأسباب التي أدّت أيضا ببعض المزابيين لكي يتجهوا نحو العاصمة ويستقروا بها لغرض العمل وإمضاء المدة الـمحددة عليهم، وقــد توجد أسباب مختلفة أخرى كانت مساهمة في تغـرب المزابيين نحو العاصمة والمدن المدن الشمالية عـموما كالعلاج وغـيره .

----------

(9) ابن خلدون، العبر، ص: 1863.

(10)MILLIOT, LOUIS: 9/10- Recueil de délibérationsdes djemaa du M' Zab, avec la collaboration deA. GIACOBETTI; revue des études .islamiques, (1930).

(11) عائشة غطاس، الحرف والحرفيون بمدينة الجزائر – مقاربة اجتماعية / اقتصادية- ، منشورات ANEP ، ص 30.

(12)VENTURE de Paradis ,Tunis et Alger au XVII eme siècle ;mémoire et observations rassemblés et présentés par Josephcuoq, La bibliothèque Arabe ;sindbard (S/D).

(13) حمو بن محمد عيسى النوري، دور الميزابيين في تاريخ الجزائر قديما وحديثا، ج 04، ن: دار البعث، ط 01، ص 208.

(14) عبد الله بن محمد شويهد، قانون أسواق مدينة الجزائر، تح: د. ناصر الدين سعيدوني، ن: دار الغرب الإسلامي، 1427هـ / 2006م ، ط 01، ص 26.

(15) محمد وقاد، جماعة بني مزاب وتفاعلاتها الاقتصادیة والاجتماعية بمدینة الجزائر أو اخر العهد العثماني، مذكرة مقدمة لنيل شهادة الماجستير في التاريخ الحديث، جامعة الجزائر – قسم التاريخ -، س ج: 2009 / 2010م، ص 170.

(16) الحاج امحمد عمر بن عيسى، مذكرات ووثائق رسمية عن وادي مزاب، ن: مطبعة النهضة – تونس-، 1951م، ص 61.

(17) وليام شالر، مذكرات وليام شالر، تر: إسماعيل العربي، ن: الشركة الوطنية للنشر والتوزيع – الجزائر-، 1982م، ص 112.

(18)شويهد، قانون، ص 50.

(19)الشيخ أبو اليقظان ابراهيم، ملحق السير،مخ مصور،القسم الأول، ص 81 .

المصدر: أ‌. أحمد بن داود امعيز الحاج أحمد ، بنو مزاب بالعاصمة بين التنوع اللغـوي والانسجام الاجتماعي: 1514-1830م.