إِيوْزَانْ نَ الْحِيجْ
إِيوْزَانْ نَ الْحِيجْ
اهتمام العزابة في مزاب بسُنة توديع المسافر
حرض الإسلام المسافر على وداع الأهل والأقارب والأصحاب والجيران والمؤمنين، واستحب ذلك، فعن أبي هريرة عن رسول الله ﷺ قال: " إذا أراد أحدكم سفرا فليودع إخوانه فإن الله تعالى جاعل في دعائهم خيرا " ويستحب للمسافر أن يسأل من يقوم بتوديعه أن يدعو له، كما يستحب له بدوره أن يدعو لهم، ومن السنة أن يقول له كما قال الرسول ﷺ لابن عمر (رضي الله عنه): " استودع الله دينك وأمانتك، وخواتيم عملك ".
ومن أعمال البر والإحسان وسنن السفر أن يطلب المسافر من مودعه النصيحة والدعاء كما جاء في حديث أنس رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى النبي ﷺ فقال: يا رسول الله إني أريد سفرا فزودني، فقال: " زودك الله التقوى ". قال: زدني، قال: " وغفر ذنبك "، قال: زدني، قال: " ويسر لك الخير حيثما كنت ".
اهتم شيوخ الإباضية والعزابة كغيرهم من المسلمين بإحياء سنن السفر وتطبيق آدابه من ذلك توديع المسافر وتبادل النصائح، وتزويد المسافر بصفة خاصة بالنصائح والإكثار من الأدعية المأثورة والمرغوب فيها لأن الدعاء في السفر مستجاب، وذلك لقول الرسول ﷺ: " ثلاث دعوات مستجابات لا شك فيهن: دعوة المظلوم، ودعوة المسافر، ودعوة الوالد على ولده ". والله تعالى قد جعل في أدعية من يلتمسها منهم في السفر خيرا.
ومن اهتمامات العزابة بالمرأة أن وجهوها وبيّنوا لها فروضها وواجباتها، من ذلك توعيتها بشؤونها، وتربية أبنائها، والاعتناء بهم على ضوء ما تأمر به الشريعة الإسلامية فصارت تزود أبناءها بالنصائح الغالية ولا سيما في اللحظات الأخيرة من وداعهم أثناء أسفارهم، وتدعو لهم بكل دعوات الخير، من ذلك قولها المأثور: " يا بني قم بأداء صلواتك بطهارتها على الوجه المطلوب، وفي أوقاتها بدون تهاون أو تراخ ليحفظك الله ويرعاك، وكن مؤتمنا في الأمانات والودائع والأوقات ليبارك الله سعيك وتكسب ثقة الناس، والمال الحلال، وتزود بالدين في كل علاقاتك فإن خير الزاد التقوى وتجنب الأشرار وقرناء السوء وإلا صرت مثلهم فتفقدك أمك وأمتك " ... لهذه النصائح أثر بالغ في سلوك الإنسان، وكسب ثقة الناس بأمانته وإخلاصه في العمل وأداء واجباته ...الخ
ومما اهتم به العزابة: توصية المسافر بالتطهر وأداء صلاة السفر ركعتين يركعهما المسافر في داره قبل أن يهم بالخروج، وبعدهما يتوجه إلى الله بالدعاء.
جرت العادة بشييع المسافر من طرف أوليائه وذويه وبعض العزابة يتجمعون في رحبة السوق يحضر المركوب وهم متجهون للقبلة، يقوم المسافر بتفريق الصدقة التي تتكون من تمر وخبز على الحاضرين تعقبها الأدعية ثم يودع المسافر، أو المسافرون مشيعيهم، والكل يتبادل النصائح والتوجيهات، ثم يمتطي مركوبه، وقد كان العزابة بالعطف مثلا يرافقون المسافر إلى مقام الشيخ عمي امحمد فيشيع هناك. تقلصت هذه السنة الإسلامية تدريجيا حتى اضمحلت تقريبا بسبب تطور العمران، واكتظاظ المدن، وكثرة مهام الحياة المدنية والأسفار إلى غير ذلك من شؤون الحياة المعاصرة وتطور وسائل النقل، واكتفى توقف المسافرين في مكان بأعلى جبل "بوهراوة" المطل على "غرداية" والمسمى "المستجاب" والتضرع فيه إلى الله بالأدعية، بل صار للبعض -وهم كثرة الآن- لا يتوقفون وإنما يبتهلون بالأدعية بمجرد المرور على المستجاب.
وبقيت التظاهرات بتشييع واستقبال الحجاج في موكب رهيب خاشع مما يحتفل به تحت نظر وتوجيه العزابة
عادة توديع الحجاج واستقبالهم بمنظور السنة النبوية(02)
.. ومن العوائد أو السنن المستحسنة عندنا بمیزاب، مرافقة الحجاج عند خروجهم للحج أو ملاقاتهم عند الرجوع.
وقد كان عندنا يتكرر بتكرر سفر کل مجموعة أو رجوعهم، لكن لما اتسع العمران وكثرت وفود الحجاج أصبح ذلك من الصعب تحقيقه فاقتصرت بعض القرى على الوفد الرسمي أو الأول والأخير، وصورة ذلك أنه عندما يعزم الحاج على السفر للحج يخبرون المسجد فيعلن للناس عن وقت خروجهم لمن رغب في مرافقتهم لمكان الانطلاق في السفر فيجتمع الحجاج ومرافقوهم بالمسجد، فيصلي الحجاج ركعتين عملا بسنة رسول الله ﷺ له في ذلك.
عن رسول الله ﷺ أنه قال: " ما خلف أحد عند أهله خير من ركعتين يركعهما حين يريد سفرا ". وعن ابن مسعود قال: جاء رجل إلى النبيء ﷺ فقال: " إني أريد السفر إلى البحرين فقال صل ركعتين ".
فإذا صلى الحجاج ركعتين دعوا بالدعاء المأثور عن رسول الله ﷺ كان يقوله وهو: " اللهم أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل والمال والولد، اللهم إني أعوذ بك من الضنة في السفر، والكآبة في المنقلب، اللهم أطو لنا الأرض وهون علينا السفر "، ويدعو أيضا هذا الدعاء: " اللهم إنك افترضت الحج وأمرت به فاجعلني من وفدك الذي كتبت ورضيت " ثم يخرجون والعزابة أمامهم يقولون: " يا عظيم الجود يا مولانا بلغ المقصود يالله يالله " إلى مكان الخروج إذ يقف الناس صفا بعد جماعة العزابة فيودعوهم، وربما كانت كلمة توجيهية حول الحج وفضله والترغيب في أدائه.
ومثل ذلك يقع عند الرجوع فعندما يشرع الحجاج في الرجوع فمن أراد استقبالهم أخبر العزابة بوقت وصولهم فيكون الإخبار للناس بالمسجد بوقت الوصول فيستقبلوهم خارج البلد، وبعد السلام والمصافحة ينصرفون في نظام يتقدمهم العزابة وبعدهم الحجاج وهم يقولون: "الحمد لله والشكر لله ما خاب عبد قصد مولاه" يرفع بذلك ثلاثة من العزابة صوتهم، ثم يتبعهم الجميع وهم سائرون حتى يصلوا المسجد، فيصلي فيه الحجاج ركعتين وهو سنة كان يفعلها رسول الله إذا قدم من سفره حسبما رواه مسلم عن كعب بن مالك قال: كان رسول الله ﷺ " لا يقدم من سفر إلا نهارا عند الضحى فإذا قدم بدأ بالمسجد فصلى ركعتين " وبعد صلاة ركعتين تكون كلمة توجيهية تصدرها تهنئة الحجاج وذويهم إشعارا بروح التضامن.
وملاقاة الحجاج والتماس الدعاء منهم من السنة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: " يغفر الله للحاج ولمن استغفر له الحاج " وعن عبد الله ابن عمر قال: قال رسول الله ﷺ: " إذا لقيت الحاج فسلم عليه وصافحه ومره أن يستغفر لك قبل أن يدخل بيته فإنه مغفور له ".
لذلك من عادة الناس أنهم يأتونهم بأوان من عسل وغيره ليسترقوا لهم، ولا يخفى علينا ما نُكرره دائما أن ذلك لمن حجَّ حجّاً صحيحاً وقد تاب من ذنوبه ﴿ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ﴾ المائدة: 27.
وبعد ذلك يرافقوهم إلى ديارهم وهم يكررون الشعار المتقدم، ففي ذلك تشجيع للحاج وترغيب لغيره وتعظيم لشعيرة من شعائر الله والإسلام، وتمتين لروابط المحبة بين المؤمنين والأقارب، وتثبيت الأخوة وأداء لحق واجب بين المسلمين لما روي عن رسول الله ﷺ قال: " للمسلم على أخيه ست بمعروف: يسلم عليه إذا لقيه، يشمته إذا عطس، ويجيبه إذا دعاه، يعوده إذا مرض، ويحضر جنازته إذا مات، يهنيه بمسرة، يعزيه بمساءة ".
---------------------------------
(01): كتاب نظام العزابة للمؤلف: صالح بن عمر اسماوي، ص185-186
(02): كتاب عوائد مزاب سنن لا تقاليد - تأليف: الشهيد بالحاج بن عدون قشار، ص: 98-99-100.
المصدر: https://nir-osra.org
Tags: عادات تقاليد