المسكـــن تادّارت

Icon 07المسكـــن 

ⵜⴰⴷⴷⴰⵔⵜ

تحيط المساكن في قصور وادي ميزاب حول المسجد. أشكالها مختلفة وغير منتظمة. لا تتجاوز أغلبيتها مساحة 100 متر مربع، أما ارتفاعها الخارجي وتوزيع فضاءاتها، فقد اعتمد وفقا لعادات المجتمع، وطبيعة المنطقة، والمبادئ الدينية والاجتماعية والصحية... الخ.

يتكون المسكن من طابق أرضي، طابق أول وسطح

إن هيكلة فضاءات المسكن تتبع نفس الأسلوب في البساطة. إذ يوصل المسكن بالفضاء العام (الشارع أو السكة غير نافدة)، بمدخل متعرج "السقيفة". ويعتبر وسط الدار المركز الحيوي للمسكن حيث يتم من خلالها توزيع الفضاءات المتبقية ووظائفها.

يتم وضع فتحة مركزية في السقف "الشباك"، تسمح بتهوية المكان ودخول الضوء. وفي الطابق الأرضي، تقام غرفة "تيزفري" أو قاعة النساء تستعمل لنشاطات وتجمع النساء، وفي زاوية يهيأ فضاء للمطبخ ومكان لدورة للمياه. وعبر درج يتم الصعود إلى الطابق الأول الذي ينظم بطريقة مماثلة للطابق الأرضي ويوجد به رواق أو رواقين "إكومار" موجهين نحو الجنوب الشرقي والجنوب الغربي.

 

البيت التقليدي في واد مزاب .. هندسة دون مهندس(1)

تعتبر المساكن الخلايا الرئيسية المكونة لنسيج المدن فهي تشترك مهما كان حجمها في عناصر أساسية تختلف اختلافا طفيفا بين مسكن وآخر وتتوزع هذه العناصر بين الطابقين الأرضي والعلوي والسطح ونادرا الطابق السفلي.

تجسد تصاميم المسكن التقليدي انعكاسا لفكر المجتمع وقيمه، فهو بذلك يوفر الراحة النفسية لساكنيه، ويحوي مختلف الفضاءات المعيشية بتوزيع منتظم حسب الاستعمال، وفي تأقلم دائم مع التقلبات المناخية مما يوفر أجواء معتدلة على مدار السنة، إضافة إلى رحلتي الشتاء والصيف بين المدن والواحات بحثا عن المناخ الملائم.

كما يعتمد المسكن التقليدي على المركزية في التوزيع الفضائي انطلاقا من وسط الدار الذي يعتبر الحلقة الرئيسية التي تربط بين مختلف فراغات الطابق الأرضي ومنه يتم التنقل إلى الطابقين العلوي والسفلي.

رغم أن المسكن المزابي يخضع في تخطيطه وهيكلته لأسس المسكن المنتشر في البحر المتوسط وفي شمال إفريقيا على الخصوص، وذلك باعتماده على فراغ أو فضاء يتوسطه ويهيكل مختلف الفضاءات حوله، إلا أن له خصوصيات تميزه عن غيره وذلك ناتج عن تفاعله مع محيطه الطبيعي (الجغرافي والمناخي)، إضافة إلى أنه كان انعكاسا لفكر المجتمع ونمط حياته، إذ نجد أن المساكن كلها (مهما كان حجمها) تعتمد على طابقين أحد هذين الطابقين أرضي لا يتصل عادة بالفضاء الخارجي إلا من خلال المدخل وفتحة الشباك، الذي من خلاله أيضا تنفذ أشعة الشمس ويتم تهوية مختلف مجالات المسكن، بحيث تكون الطوابق الأرضية كأنها مبنية تحت الأرض مما يوفر لها عزلا حراريا جيد، أما الطابق العلوي فالمساحة المبنية فيه غالبا لا تتعدى المساحة الغير مبنية التي تستعمل كسطح وهو ذو أهمية بالغة في فصل الصيف وخاصة في الليل حيث ينزل الهواء البارد الذي يحد من حرارة الشمس خلال النهار، وتشترك المساكن في مزاب باختلاف أحجامها على عناصر أساسية بين الطابقين الأرضي والعلوي:

1. الواجهات:

لقد اتسمت الحياة الاجتماعية في مزاب بالابتعاد عن كل مظاهر التكبر والاستعلاء، حتى أننا لا نكاد نميز بين غني أو فقير في الممارسات كالأعراس مثلا، أو المعمار ومنه واجهات المساكن التي تفتقر إلى أشكال الزخرفة أو النقوش، بل أنها لا تعدو أن تكون حيطانا عادية متساوية في الارتفاع، بها فقط باب خشبي وميزاب بارز مع بعض الفتحات الصغيرة الموزعة على الطابق الأرضي والطابق العلوي على حسب مساحة المسكن.

2. المدخل:

تميزت مساكن مزاب بتواجد المدخل في إحدى الزوايا كما هو الحال في مساكن شمال إفريقيا، محليا يسمى "إِمِينْ نْ تْوُورْتْ"، وعادة ما يكون كبير الحجم نسبيا ارتفاعا وعرضا يعلوه عقد بسيط.

3. الباب:

يطلق عليه محليا "تَوُورْتْ"، يصنع من خشب النخيل، عادة ما يكون كبير الحجم ارتفاعا وعرضا وذلك نتيجة استعماله بصفة متكررة طوال النهار، إلى أنه يمثل مدخل الدابة التي عادة ما تكون محملة بالمحصول الفلاحي أو الحطب أو دلاء الماء مما يستوجب فتحة كبيرة لتسهيل دخولها، ينتمي نوع هذا الباب تحت تسمية ذو الحربة، وهو مكون من القفل والحلقات والمطارق.

4. العتبة:

إن مفهوم العتبة لا يقتصر على حجر صلب أو قطعة من اللوح تحت الباب، بل وإضافة إلى ذلك فإنها تمثل في مزاب الحاجز والخط الفاصل بين الفضاء العام وهو الطريق والفضاء الخاص الذي هو المسكن، كما أن للعتبة التي ترتفع حوالي 20 سم دورا آخر يتمثل في حماية المسكن من تسرب ماء المطر إليه أو الهواء البارد في الشتاء أو الرياح الرملية، كما أنها تعتبر حاجزا مانعا من دخول الحشرات السامة والزواحف التي لا تخلو منها منطقة مزاب.

5. السقيفة:

تأخذ السقيفة في مزاب موقعها في زاوية المسكن كما هو الأمر في المساكن الموجودة في شمال إفريقيا وتسمى محليا "تَسْكِيفْتْ"، وهي تعتبر فضاء فاصلا وعازلا صوتيا بين داخل المسكن وخارجه، فبينما تستحيل رؤية ما في المسكن من الخارج فإن السقيفة تكون مراقبة من الداخل بواسطة فتحة تكون عادة بينها وبين تزفري أو وسط الدار، كما أن السقيفة تعتبر فضاء الانتظار لمن يطلب الإذن بالدخول، وتنتهي السقيفة بفضاء انتقالي يفصل بينها وبين وسط الدار يستغل في العادة للقيام برحي الحبوب كالقمح بواسطة رحی مثبتة في ركن منها يطلق عليه محليا" تَهْجَةْ ".

إن لوجود السقيفة أهمية كبيرة في تهوية المسكن، ذلك أنها بخاصياتها السابقة تعطي إمكانية لأن يبقى الباب مفتوحا كامل النهار، فيحدث تيار هوائي بينه وبين فتحة الشباك يساعد على توفير المناخ الملائم في المسكن وخاصة في فصل الصيف الشديد الحرارة.

6. وسط الدار:

لوسط الدار في مساكن شمال إفريقيا وفي المسكن المزابي خصوصا أهمية كبيرة، ذلك بأنه يسمح باستعمالات أكثر لكونه شبه مغطى كليا ولا يتصل بالفضاء الخارجي إلا من خلال فتحة الشباك التي يمكن أن تغطى بيسر ضد عوارض الطقس المختلفة، فإضافة إلى كونه يمثل مجالا للعب الأطفال، فإنه يعتبر الفضاء الذي تحصل فيه كل النشاطات المنزلية تقريبا، ابتداء من المطبخ حيث يأخذ الموقد زاوية منه، وغسل الأواني والثياب وغيرها، كما أن النسيج الذي يعتبر من أهم نشاطات المرأة فإنه عادة يحتل جانبا معينا ومخصوصا من وسط الدار.

ويكون وسط الدار أيضا مكانا يرقد فيه الأطفال ليلا عندما يكون الطقس معتدلا، كما يستعمل في الأعياد الدينية والأفراح.

فوسط الدار هو الفضاء الرئيسي في المسكن، لا فقط من حيث توزيعه وهيكلته لمختلف الفضاءات فيه، ولكن من حيث أنه يمثل الفضاء الرئيسي الذي تدور فيه مختلف الأنشطة.

وانعكست أهمية هذا الفضاء الحساس والهام في شكله الاستطالي، وتتوسطه دعامات لتدعيم السقف وفي بعض الأحيان تحل محلها أعمدة يتراوح عددها بين اثنين وثلاثة، وقد تكون في بعض الحالات مدمجة في الجدران، ومن حوله مختلف الفضاءات مما جعل شكله متوازنا، وكانعكاس لكثرة النشاطات فيه فإن مقاييسه تكون مرتفعة نسبيا ويكون بذلك أهم فضاء في المسكن.

7. غرفة الاستقبال للرجال (لَعْلِي):

هذه الغرفة تتصل مباشرة بالسقيفة وتختصر وظيفتها على الرجال دون النساء، فإنها أيضا يمكن أن تكون في الطابق الأرضي فتدعى بذلك "حجرة" أو "دويرة" أو في الطابق العلوي حيث تكون معزولة أكثر عن فضاء النشاط اليومي للنساء فيطلق عليها "لعلي"، كما يكون لها فتحات على الطريق أو السطح، ويخصص لها مدرج يكون عادة في السقيفة أو بجانبها.

8. تزفري (غرفة الاستقبال للنساء):

إن من أنشطة المرأة الرئيسية في مزاب النسيج، الذي يوفر لوازم العائلة من اللباس والغطاء والفراش، إضافة إلى كونه يشكل سندها الاقتصادي باعتبار ضعف مورد رزقها المتمثل في الفلاحة التي كانت كثيرا ما كانت تلاقي صعوبات جمة من حيث قلة المياه وصعوبة المناخ.

لذلك نجد المرأة تقضي كامل يومها تقريبا أمام المنسج الذي يتحول معها كامل السنة وحسب الفصول من فضاء إلى آخر ومن المدينة إلى الواحة، ونجده ينتقل في المسكن ذاته من تزفري إلى وسط الدار ومنه إلى الرواق إكومار، كما أن النساء في مزاب كثيرا ما ينتقلن من مسكن إلى آخر للتعاون في النسيج.

وتبعا لما سبق، وباعتبار أن تزفري هو الفضاء الذي تقضي فيه المرأة معظم يومها تقريبا وتستقبل فيه ضيوفها، فقد كان موقعه أساسيا في المسكن، حيث يحتل أفضل مكان فيه من حيث الوجهة فيكون عادة موجها إلى القبلة ليتمتع بأشعة الشمس صباحا خلال الشتاء وذلك عبر فتحة الشباك الأفقية التي تكون قريبة منه، ويتصل هذا الفضاء بوسط الدار مباشرة بواسطة فتحة كبيرة دون باب كما يكون بجانب السقيفة دون أن يفتح عليها، حيث تستطيع المرأة ومن خلال ثقب صغير مراقبة من يريد الدخول إلى المسكن، أما مراقبة وسط الدار فهي تتم من خلال تلك الفتحة الكبيرة وينطلق المدرج عادة من جانب تزفري، ويتم بذلك مراقبته دون أن تتكلف المرأة مشقة عناء التنقل وبالتالي التوقف عن النسيج، كما يحتوي هذا الفضاء أحيانا على رحي حجرية بحيث يمكن لإحدى النساء طحن القمح دون الابتعاد عن رفيقاتها.

إن لتزفري مقاييس لا يمكن تجاهلها عند التصميم، وهي راجعة أساسا لمقياس المنسج المستعمل في مزاب، فلا يمكن بأي حال أن تكون مساحة تزفري أقل من 2-6 م- كما أنه لا يمكن تجاوز المقاييس التي تحددها مواد البناء.

9. الغرف:

تتوزع غرف المسكن بين الطابق الأرضي والطابق العلوي، وهي مخصصة لأسر العائلة حيث تكون التي في الطابق الأرضي للأسر القديمة بينما تخصص التي في الطابق العلوي للأسر الحديثة، وذلك مراعاة للسن حيث أن الجد والأب لا يقدران عادة على الصعود إلى الأعلى بسهولة ويسر، وتوفيرا لنوع من الاستقلالية والراحة النفسية التي يتطلبها الزوجان الجديدان.

إن هذه الغرف تكون صغيرة، لا تحتوي عادة على الأثاث، فالفراش عبارة عن دكانة أو مسطبة والخزانة عبارة عن كوات في الحائط، الذي تثبت فيه أوتاد تستعمل عادة لتعليق الثياب، أما عن عرض هذه الغرفة فهو يتناسب مع عرض الفراش، وتغلف هذه الغرف في الشتاء بالزرابي، والسقف ذاته يغلف بنوع من القماش ذو ألوان طبيعية زاهية توفر للنائم مساحة جميلة ينظر إليها وتمنع عنه تساقط حبات الرمل أو الجير من السقف.

أما عن فتحات الغرف فإننا لا نجد سوى بعض الفتحات الصغيرة نسبيا التي تساهم في عملية التهوية والإضاءة، والباب الذي رغم قصر طوله حيث لا يتجاوز عادة 1.30م، والدخول منه عاديا وسهلا وذلك بعد تجاوز العتبة التي ترتفع حتى 40 سم، لمنع تسرب الرياح والهواء البارد في الشتاء والحشرات والزواحف السامة في فصل الصيف.

10. المطبخ:

في الحقيقة لا وجود للمطبخ في المسكن المزابي قديما كفضاء خاص مستقل بالمفهوم المتداول حاليا ويطلق عليه محليا "إِنَّایَنْ"، ذلك أن الأكل لا يعتبر في التراث المزابي والإسلامي عموما مهمة رئيسية، بل أنه لا يعدو أن يكون تلبية عابرة لحاجة فطرية كما يقول المثل "نأكل لنعيش، لا نعيش لنأكل".

ويقتصر المطبخ في مزاب على موقد يمنع عند إنشائه إسناده إلى حائط الجار إلا برضاه، أما عن موقعه فإنه يكون عادة في زاوية من وسط الدار بشكل تستطيع المرأة من خلاله مراقبة كل ما يحدث في المسكن والمدخل بصفة خاصة، كما تجدر الإشارة إلى وجود موقد في الطابق العلوي فوق الموقد الأرضي مباشرة لاستعماله في فصل الصيف.

11. غرفة التخزين (باجو):

الحياة الصحراوية القاسية وقلة الموارد ومحدودية عطاء وإنتاج الأرض أجبرت الإنسان في مزاب أن يخصص غرفة أو غرفتين للتخزين في كل مسكن، تقي العائلة شر الأزمات الغذائية المتتالية الناتجة عن الجفاف وقساوة الطبيعة، وبفضل هذا الأسلوب استطاع الإنسان البقاء والصمود في هذه المنطقة الصحراوية الجافة طيلة هذه القرون العديدة.

أما عن موقع هذه الغرفة فهي تقع في الطابق الأرضي أو العلوي أو كليهما معا، وبها إناء كبير من الفخار أو من مواد بناء أخرى يبنى على شكل نصف جرة يتخذ لخزن التمر.

12. الكنيف (أَجْمِيرْ):

نجدهما في الطابقين الأرضي والعلوي من مؤخر المسكن وفي مستوى عمودي واحد لتسهيل عملية جمع الفضلات، ويرجع وجودهما في الطابقين إلى الاستعمال المتوازي لهما، ويمتاز هذان الفضاءان بمحدودية مساحتهما ويفتقران عادة إلى الأبواب لأن شكلهما المعماري صيغ بطريقة تحجب النظر من الخارج إلى الداخل.

وتبعا لندرة الماء في هذه المنطقة سابقا فإن استعماله يخضع لعدم الإسراف والتبذير والاكتفاء بالحاجة فقط، ولذلك نجد سابقا أن الرطوبة في الجدران تكاد تكون منعدمة تماما عكس بعض المساكن الموجودة في شمال إفريقيا، وكذلك فقد منع توجيهه إلى جهة القبلة وإسناد المرحاض والمغسل إلى حائط الجيران دفعا للضرر.

13. إِيكُومَارْ (الرواق):

إن وجود إيكومار في كل مسكن هو تعبير عن أهميته، حيث أنه يمثل فضاء انتقالية بين الغرف في الطابق العلوي والطابق الأرضي من جهة والسطح الغير المغطى والغير المحمي تماما من عوارض الطقس المختلفة من جهة أخرى.

إن هذا الفضاء وبتوجيهه نحو القبلة والغرب فإنه يوفر لمن يستعمله خلال النهار شتاء، حد أقصى من الكسب الشمسي وبالتالي التدفئة الطبيعية، زيادة إلى أنه يكون بمعزل عن الرياح الباردة ولذلك نجده غالبا ما يستعمل من طرف العائلة خلال النهار في فصل الشتاء كمكان للجلوس وقضاء الحوائج المنزلية، حيث يكون معرضا للشمس تقريبا من ساعة شروقها إلى ساعة غروبها، كما يحول إليه المنسج في بعض الأحيان للاحتماء من البرد بأشعة الشمس الدافئة هذا عن وظيفته، أما عن شكله فهو عبارة عن رواق بشكل حرف"L"مفتوح نحو السطح بواسطة سلسلة من الأقواس، وفيه نجد مداخل الغرف والمدرج الذي يصعد من الطابق الأرضي.

14. السطح (أَنَّجْ أَمَقْرَانْ):

باعتبار أن وسط الدار في الطابق الأرضي غير مفتوح كلية كبقية المساكن في شمال إفريقيا حيث تقتصر فتحته على شباك أفقي، وباعتبار قلة الفضاءات المسقوفة في الطابق العلوي فإن ذلك يوفر مساحة كبيرة غير مغطاة تستعمل طيلة السنة، نهارا خلال الشتاء وليلا خلال الصيف للنوم، بالإضافة خصص مكان فيه لخزن الحطب، ونلاحظ معماريا اختلاف في مستويات أرضية السطح نظرا للطبيعة الجبلية التي بني عليها المسكن، وجدرانه قصيرة نسبيا بقامة الإنسان أقيمت على أساس العرف المبني على فقه العمران الإسلامي.

مواصفات المسكن التقليدي بواد مزاب(2)

المنزل هو العنصر الثاني في العمارة المزابية بعد المسجد، وهو العنصر الذي يظهر فيه خضوع المعمار المزابي بشكل كامل للتعاليم الإسلامية السّمحة، سنوضح خصائص المسكن المزابي التقليدي بصفة عامة دون تفصيل إذ أن المنازل المزابية التقليدية كثيرة التشابه، مساحتها لا تتجاوز 100 متر مربع عادة، تشتمل على طابقين وسطح، وطابق تحت أرضي. أول ما يُـلاحظ عند مدخل المنزل هو العتبة، وهي درجة صخرية متوضعة عند مدخل المنزل قبل الباب، يبلغ ارتفاعها حوالي عشرة سنتيمترات، هذه العتبة تقي الدار من دخول الأتربة الرملية، ومياه الأمطار، والحشرات الضارة وخروج الهواء البارد أيام الحر الشديد.

يبقى باب المدخل عادة مفتوحا طول النهار، إلا أن المار في الشارع لا يستطيع مع ذلك رؤية ما بداخل الدار، نظرا لتصميم المدخل الذي هو عبارة عن رواق صغير ينتهي بحائط مقابل، ليُـكَوّن المدخل إلى وسط الدار منعرجا.

عند تجاوز المدخل الثاني تجد نفسك في رواق يسمى سقيفة، به مقعد حجري منخفض بني للجلوس أمام المنسج صيفا، ورحى تثبت في أحد زواياه لطحن الحبوب، والجدير بالذكر أن منزل المزابي لا يحتوي على أثاث عادة، حيث يكون أثاث البيت مبنيا.

من هذا الرواق تنقل مباشرة إلى وسط الدار المضاء بواسطة فتحة ( شـبّاك ) تصل الطابق الأرضي بالطابق الأول ( السطحي )، منها تنزل أشعة لشمس ويجدد الهواء، وتعتبر هذه الفتحة بديلا عن النوافذ، إذ أن المسكن المزابي يعتمد على الإضاءة العلوية، ونادرا ما يحتوي على نوافذ، وإن وُجدت ففي الطابق السطحي، وتكون عبارة عن فتحة صغيرة في الحائط. تُصَمـّم فتحات التهوية والإضاءة بطريقة تجعل الساكن يستفيد لأطول وقت ممكن من أشعة الشمس، خاصة شتاءً.

تعتبر غرفة استقبال النساء " تيزفْري " أنسب موقع للجلوس حول وسط الدار، هذه القاعة التي لا تكاد تخلو منها دار مزابية، هي عبارة عن غرفة لها مدخل عريض نوعا ما، لكنه بدون باب، متجه نحو القبلة أو نحو المغرب للاستفادة أكثر من الضوء الطبيعي، غدوا وأصيلا. هذه القاعة لها دوران رئيسيان: أولهما إقامة المنسج الذي تصنع به الفرش والملابس الصوفية، ثانيهما أنها غرفة الأكل وسمر العائلة واستقبال النساء.

المطبخ فضاء صغير مفتوح على أحد جوانب وسط الدار، ولا تكون له غرفة مخصصة عادة، ويتكون من موقد حجري متصل بفتحة تهوية إلى السطح، وتعلوه رفوف وأوتاد وبعض الكوات التي تستعمل لوضع لوازم وأواني الطبخ. ويكون المطبخ ضمن وسط الدار بحيث لا تحس الجالسة أمام الموقد أنها في معزل عن باقي نساء الدار.

في إحدى جوانب وسط الدار، يقع مدخل غرفة النوم الخاصة بربة البيت، وبجانبه تقع عادة طاولة مبنية تحتها أواني الماء العذب وماء الغسل. بجانب مدخل وسط الدار، نجد مطهرة ومرحاضا إلى جانبه مكان لربط المعزة التي تستر ما تبقى من فضلات الطعام، وتجود بما تيسر من الحليب.

هذه المعزة كانت تنطلق كل صباح ( إلى وقت غير بعيد ) إلى حيث تتجمع فيه مع قطيع البلدة، أين ينتظرها الراعي، يخرج به في الشعب القريبة، ليعود به بعد العصر إلى مدخل البلدة، أين يفترق وتتجه كل معزة إلى دارها، معتمدة على ذاكرتها التي لا تخطئ عادة.

هذا فيما يخص الطابق الأرضي، وهو مخصص لاستقبال النساء نهارا عادة، أما الطابق الأول، وهو الطابق السطحي، فيصعد إليه من مدخلين: الأول من أدراج تنطلق من وسط الدار تقع بجانبها عادة غرفة صغيرة لحفظ المؤونة و الأغذية، والثاني عن طريق حجرة صغيرة داخلها أدراج تقود إلى قاعة استقبال الضيوف الخاصة بالرجال في الطابق الأول، هذه الأدراج المستقلة عن وسط الدار تجعل حركة الرجال ممكنة من الطابق الأول إلى الخارج بدون إحراج النساء غير المحارم.

بقاعة الاستقبال المسماة " لَعْلِي " أو " ادْوِيـريتْ " نافذة متوسطة الحجم نلاحظها من الشارع فوق باب الدار

تحيط بالطابق الأول من بعض جوانبه غرف للنوم، علاوة على غرفة الاستقبال الخاصة بالرجال التي لها باب إلى وسط هذا الطابق.

الباقي من هذا الطابق فضاء نصفه مسقف ونصفه مفتوح إلى السماء، يفصل بينهما عدد من الأقواس. النصف المسقف يسمى "إيكومار" النصف المفتوح يحتوي بأحد زواياه على الفتحة المطلة على الطابق الأرضي، وتكون محاطة بعتبة صخرية تتوسطها قضبان معدنية، ولها نفس فوائد عتبة مدخل الدار

الجزء المسقف " إيكومار " يحمل مع الغرف السطح الذي تقضي فيه الأسرة ليالي الصيف، وتخزن في جانب منه الحطب اللازم للطبخ والتدفئة

بالطابق الأول كذلك مرحاض إلى جانبه مغسل، كما أن به مطبخا لمناسبات الأعراس والمآتم وما أشبهها. أما الطابق التحت أرضي المسمى بـ " الدّهليز " فالأدراج المؤدية إليه تكون من مدخل الدار، وهو مكان مكيّف طبيعيا، حيث يكون باردا صيفا، ودافئا شتاءا، ويستعمل كمكان للنوم عادة.

يستعمل المِزابيون في بنائهم الأقواس، وتحتوي الأقواس غالبا على كوات صغيرة، تفيد كحوامل أو رفوف لوضع الآلات المضرة للصبيان وغيرها.

لا تزال معظم المنازل الواقعة خلف سور المدينة المِـزابية محتفظة بنفس الطراز القديم السابق ذكره إلى الآن، سوى بعض التعديلات البسيطة التي أدخلت عليها حديثا، كالبلاط، والكهرباء والغاز، بينما تحتفظ البيوت الحديثة بأساسيات الطراز المعماري التقليدي إلى حد بعيد.

 

----------------------------------------- 

(01): مذكرة تخرج لنيل شهادة دكتوراه بعنوان: "آليات وطرق حفظ وتسيير التراث المبني في وادي مزاب" للدكتور عمر بن محمد زعابة. ص82-89.

(2) https://nir-osra.org

المصدر  nir-osra.org

Tags: Architecture , الفن المعماري