تاريخ نظام العشيرة

نبذة تاريخية عن نظام العشيرة في وادي مزاب

   في القديم, لم يكن للعشيرة مكتب, و إنّما كان أعيان العشيرة من مختلف عائلاتها هم الذين يتكفّلون بشؤون عشيرتهم, من جمع الإعانات للفقراء و المعوزين, و من رعاية مصالح اليتامى و الأرامل و العاجزين و المجانين و الغائبين و سائر قصرائها, ومن التحجير و التسفيه و الإرشاد و التعزير.

   و كان هؤلاء الأعيان يختارون من بينهم رئيسا يمثّلهم, و يمثل عشيرتهم في الجماعة التي تتولّى تسيير شؤون البلدة. لكل عشيرة ممثّل واحد في هذه الجماعة يسمّى ضامنا, و الجماعة تسمى جماعة الضمّان,

   و ممّا جرى الاتفاق عليه أنّه لا يحق لأية عشيرة أن تتدخّل في أمور عشرية أخرى, مثلما هو منصوص في اتّفاق لحلقة عزابة بني يزقن مؤرخ في رجب 1198هـ / 1784 م .

   يقوم الضمان بتنظيم إدارة البلد في الحراسة و المراقبة و النظافة العامة و جمع الإعانات و إصلاح ذات البين, داخلا و خارجا.

   و بعد إمضاء معاهدة الحماية المبرمة مع فرنسا عام 1853 م , صار من واجب كل ضامن استخلاص مناب عشيرته من الخارج المفروض على بني مزاب, من أبناء عشيرته الحاضرين منهم الغائبين.

   بعد إلحاق مزاب بفرنسا يوم 30 نوفمبر 1882. واصل مجلس الضمان تسيير شؤون البلدة, تحت رئاسة القائد الذي تعيّنه السلطات الفرنسية من بين ثلاثة أشخاص ترشحهم لها جماعة الضمان.

   الجديد في الفترة الاستعمارية أنّ الضمان أصبحوا يختارون من طرف عشائرهم لمدّة ثلاث سنوات, و يصادق على اختيارهم الوالي العام للجزائر.

   عدد العشائر, و بالتالي عدد الضمان, عرف في هذه الفترة تزايدا, كان سببه الرئيسي المواقف السياسية لبعض العشائر. على سبيل المثال, ارتفع عدد عشائر بني يزقن بين 1890 و 1914 من 15 إلى 26 عشيرة.

   الملاحظ أن لقائد لم يكن حرا في تصرفاته, بل كان عليه إشراك الضمّان في القضايا العامة, و احترام عرف البلد, و الامتثال للقضاء, و عدم التدخل في أمور الشريعة و في تعيين الضمان نجد ذلك واضحا في الاتفاق الذي تمّ يوم 12 أفريل 1890 , بدار عرش بني يزقن, في الاجتماع الذي أشرف عليه حاكم دائرة غرداية.

   بقي الضامن يختاره أعيان العشيرة وخاصتها, إلى أن صدر قانون 20 سبتمبر 1947 القاضي بإزالة الحكم العسكري من أراضي الجنوب. عندئذ, أصبح الضامن ينتخب من طرف عموم أبناء العشيرة, و صارت كلّ عشيرة دائرة انتخابية بالمفهوم الحالي, لكن المرأة لم تشارك في هذه الانتخابات إلاّ في 8 مارس 1959, حيث أصبحت كل مدينة من مدن الوادي بلدية, و المجلس البلدي فيها هو مجلس الضمّان.

   و بعد الاستقلال, تمّ القضاء على المجلس البلدي المكوّن من رؤساء العشائر, و بات مجلس الضمان يعمل مستخفيا فاقدا للشرعية السياسية و القانونية, بل إنّ اتّحادية غرداية للحزب الواحد, حزب جبهة التحرير الوطني, طالبت السلطات العليا عام 1967 بإلغاء نظام العشائر في مزاب, و إلحاق دور العشائر بالأملاك العقارية للحزب, مدعية أنّ نمط الحياة الخاص بالقرى السبع أصبح غير ملائم للتطور الحضاري, معتبرة أن النظام العشائري نظام رجعي.

   إيمان المزابين القوي بأنّ نظام العشيرة احد مقوّمات مجتمعهم أحبط محاولات القضاء عليه, فانبعث من جديد مع هبوب رياح التعدّدية, و استعادت العشيرة دورها الاجتماعي بصورة علنية.

 

المصدر :  الهُويَّةُ المِزَابِيَّةُ - أهمُّ عناصِرها و تشكُّلُها عبر التاريخ - تأليف : يوسف بن بكير الحاج سعيد  - المطبعة العربية  1432 هـ / 2011 م

Tags: حضارة, سياسة, إجتماع, أنساب, أنساب