مزايا البربر

كان الرجل البربري مثالا في الشجاعة والإقدام، ونهاية في الصبر والتحمل، وغاية في حب العمل والنشاط. فجو بلادهم المعتدل جعلهم على النشاط لا على الفتور، وعلى حب العمل لا على حب الراحة، ومع الأمانة التي خلقتها فيهم النفسية العلمية والاعتداد بالنفس، وحب الكمال الذي جبلهم عليه احترامهم لأنفسهم وغرامهم بالعلو والحسن في كل الأشياء.

وكان البربر على الاعتدال في الأجسام، والمتانة في البنيان، لجودة الهواء، وقوة الغذاء، واعتدال الإقليم، ومواصلة الأعمال، وبذل الجهد فيها.

وكانوا على جمال الذوق. إن البيئة الطبيعية الجميلة التي أنشأوا فيها هذبت أذواقهم، وأرهفت نفوسهم، فنشأوا محبين للجمال، ويسبغونه على أشيائهم، ويتطلبونه في كل أمورهم. وكانوا في الذكاء اقل من ذوي المناطق الحارة، وكثير من الأمم الشرقية، ولكنهم كانوا أحسن منها في متانة الأخلاق، وفي حب العمل والنشاط، وفي التمسك بالشخصية والاعتدال بالنفس. والمرء يتفوق في الحياة بأخلاقه العظيمة وبحبه للعمل، وإتقانه له، وبأمانته وطموحه وعفته، ولا بذكائه وحده، ولا بعمله الذي لا يقترن بالأخلاق السامية !

وكان البربر لنشاطهم وحبهم، وطموحهم، ويتقنون أعمالهم، ويبذلون كل الجهد في تحسينها والبلوغ بها إلى أعلى مرتبة يستطيعونها.

وكان البربر متمسكين بشخصيتهم، ثابتين على مبدإهم، يموتون في سبيل عقيدتهم ويضحون بكل شيء في سبيل ما يؤمنون به، لا يتسرعون إلى الأخذ بالجديد حتى يوقنوا انه أحسن من القديم الذي عندهم.

وكان البربر على الاعتدال في المزاج، طبعهم بذلك جوهم المعتدل، لا يغلب عليهم المزاج والعبث، ولا يجمد بهم الوقار البالغ، والتزمت المميت. إنهم إلى الوقار أميل والجد عليهم اغلب، ولكنهم على المرح في النفوس، يحبون الدعابة في مواطنها، ويهوون المزاح في أماكنه، لا يرون الحياة كلها ضحكا ولهوا، ومزاحا وعبثا، بل يجدون في اغلب الأوقات، وإذا ركنوا إلى الراحة للاستجمام امتلأت مجالسهم بالنكتة المضحكة، وتعالت من نواديهم النغمة المطربة، ورأيت المرح والأنس الذي يقصر به الزمن و ما يعمر تلك المجالس، وما يؤثره البربر ولا يرضون غيره في تلك المواطن. لهذه الأوصاف الخلقية الحسنة والخلقية، ورغب فيهم المملوك والأمراء، ليسدوا بهم الثغور، ويستخدمونهم فيما يستدعي متانة في الأخلاق، وأمانة ورزانة، وشجاعة وقوة، واتقانا ونشاطا، وجمالا  في الذوق، وسدادا في التدبير، كالقيادة للجيوش، والحراسة للثغور، والمقارعة في بالحروب، وإدارة القصور، والقيام على المال.

ومما يمتاز به البربري ويفوق فيه الفارسي والرومي الإخلاص وصفاء النفس. إنهم لا يكنون بغضا موروثا للعرب، وعداوة قديمة لبني سام. فهو مستعد لحب كل من يعجب بكماله، ويروعه بحسن سلوكه، ويغمره بإحسانه وفضله. ليست لهم عقد نفسية موروثة تعبدهم عن العرب، بل هم يمتزجون بهم امتزاج الماء بالماء، ويخلصون لهم إخلاص الخل الوفي، والمحب الوامق. لذلك رغب الملوك الأمويون والعباسيون في استخدامهم، والاعتماد عليهم وحيازتهم في جيوشهم وقصورهم وثغورهم الكبيرة.

 

محمد علي دبوز  تاريخ المغرب الكبير ج2  ص147-148

Tags: الهوية, تأريخ, حضارة, الجزائر, قيم, أخلاق, إجتماع, أنساب, سير وتراجم, أنساب