مزايا المرأة البربرية
والمرأة البربرية تمتاز بكثير من المزايا العظمى التي خلقتها فيها بيئتها الطبيعية والاجتماعية. إنها ابنة مجتمع يحترم المرأة ويبجلها، ويعرف لها مكانتها، ويعطيها كل حقوقها، وسليلة مجتمع يهوى الحياة الاستقلالية فيطبع أبناءه منذ نعومة أظفارهم على الاعتماد على النفس، والثقة بها، لا تفنى المرأة في الرجل متكلة كل الاتكال عليه، ولا الابن في والديه معتمدا كل الاعتماد في كل أشيائه عليهم، فخلق هذا المجتمع المحترم للمرأة، المحب للحياة الاستقلالية، الشخصية الايجابية القوية التي تخلق في الناس إذا كانت في الرجل الإعجاب مشوبا بالإجلال، وتكون في النفوس إذا كانت في المرأة الإعجاب مقرونا بالافتتان ! إن الشخصية القوية في الإنسان هي سبب الجاذبية والعامل الأكبر للاحترام والإعجاب، وللحب المكين، والولاء الثابت. وما فتن المظهر إلا انه مجلي للشخصية تتألق فيه، ويبدو جمالها عليه. والمرأة تفتن فتحب بشخصيتها القوية الجميلة لا بشخصها وحده ! إن الشخص الجميل بدون شخصية عمود منمنم مزركش في مصنع نجار، ولا يداني فرع الشجرة أللفاء المتوجه الأغصان المورقة، والأزهار الأريجة، الذي يملأ عينيك بالجمال الحي، وتشعر بحيويته في نفسك ونضارته في قلبك.
وكانت المرأة البربرية قوية الشخصية، معتدة بنفسها، واثقة بها، شجاعة حيية، صبورا، ورحبة الصدر، لا تكشر لأتفه النوازل، ولا يتغضن وجهها حزنا لأقل الهموم، بل إن البشر والرضى، والتفاؤل بالحياة، هو الذي يشرق به وجهها فيشرق به جو بيتها فيسعد زوجها وكل الأسرة بهذا الجو الضاحي الجميل.
إن روح الرجل لا تستنير فشرق دنياه، لا بالشمس ولا بالقمر ولا بالذهب والجواهر ولكن بالمرأة الصالحة المحبوبة التي تعمر داره !
والمرأة البربرية رزينة، لا تطيش طيش الضعيفات، ولا تجمد جمود البليدات، بل هي خلق فيها جوها الطبيعي وجوها الاجتماعي المعتدلين، كما يريد الرجل الحكيم والإنسان المعتدل.
والمرأة البربرية حيية طبعتها بذلك شخصيتها الايجابية، وشعورها بنفسها؛ والحياء هو ما يخلق في المرأة سحرها فتفتتن بها القلوب، وجمالها الفتان فتسحر بها النفوس، ولطفها ورقتها فيظفر فيها الرجل بالعالم اللطيف، وبالعش الحريري الذي ينسيه خشونة الحياة !
إن حياة المرأة هو الذي يخلق الورد الجميل في محياها، والفتور الساحر في عينيها، فتكون بهما لا بالمساحيق والكحل جذابة تستهوي قلب الرجل وتستأثر به، وتثير احترامه وإعجابه بها !
والمرأة البربرية مدبرة حكيمة، مقتصدة قنوع، تعين الزوج على الحياة، وتكفيه كل المؤونة في إدارة المنزل، عمالة تقوم بكل الشؤون في منزلها، لا تحوج الرجل إلى توابع المرأة الكسول من الخدم الذين يفسدون جو البيت على الرجل، ويعكرون صفو الحياة على الأسرة بغرابتهم وعدم انسحابهم بها.
والمرأة البربرية لحبها للعمل، وللذوق الجميل الذي كونه فيها جوها الطبيعي الجميل، صناع اليد، تستطيع أن تمهر في كل ما تتطلبها القصور الراقية من صناعات في المرأة.
وهي إلى اعتدادها بنفسها، مطيعة لزوجها، تعتقد هي وأسرتها أن هذه الطاعة للزوج فرض عليها، وأنها لا تكون سيدة للرجل إلا إذا كانت عبده، تخضع له، وتملك قلبه بالطاعة والاحترام !
إن هذه الفضائل الخلقية التي صقلها الإسلام وأيدها، وضاعفها في المرأة البربرية، لا زالت موجودة في كثير من أنحاء المغرب التي لم تبتل بأمراض الحضارة، ولم تتسلط عليها أوبئة المدينة الأوروبية القتالة لفضائلها ! فكانت المرأة –والمد لله- في هذه الأنحاء السليمة التي يحضنها الدين بسياجه المتين، سبب سعادة وهناء للرجل، وصارت بفضائلها الموروثة، وبفضائل دينها، حواء التي أتحف الله بها آدم لتعيده بالسعادة الزوجية إلى الجنة التي اخرج منها !
إن ثبات الصفات في الفروع دليل على تسربها من الأصول. والابن مظهر لأجداده يبدئ حقيقتهم، ويبرز شمائله كل خصائصهم. والوراثة الجميلة في النفوس كالمعادن النفيسة في الأرض، لا تتخلق إلا في قرون عديدة، ولا تتكون إلا في دهور طويلة.
قال ابن مقديش في «نزهة الأنظار » في صفحة »: 72 ثم رحل عقبة –رضي الله عنه- إلى السوس الأقصى فاجتمع عليه البربر فهزمهم المسلمون، وغنموا أموالهم، وسبوا نساءهم، وكن في غاية الحسن والأدب ! فبلغ ثمن الجارية منهن بالمشرق ألف دينار ! »
وأورد ابن الحكم في كتابه «فتوح مصر والمغرب » في صفحة 202 يذكر ما اخذ عبد العزيز بن مروان من سبي المغرب الذي أرسله حسان إلى عبد الملك فقال: »....ويقال أن عبد العزيز اخذ كل ما كان مع حسان 1 من السبي، وكان قد قدم ومعه من وصائف البربر شيء لم ير مثله جمالا. فكان نصيب الشاعر يقول: حضرت السبي الذي كان عبد العزيز أخذه من حسان، مائتي جارية، منها ما يقوم بألف دينار ! .»
وكانت المرأة البربرية مع شخصيتها القوية الجميلة على الحسن البارع في الشخص، والجمال الفتان في الجسم. إنها بنت بيئة طبيعية معتدلة، فلم تكن على بياض الثلوج الذي تتسم نساء أوروبا، ولا على سواد الزنوج الذي يوجد في جنوب افريقية، بلا هي ببشرة الورد الفتان، وبياض تشوبه حمرة جميلة، أو بسمرة خفيفة حلوة، ومعتدلة القوام، رشيقة القد، غير مترهلة ولا معجونة، وليست بالسمينة المستفيضة التي تبدو في ثوبها شمعا ذائبا في الشمعدان، بل هي زهراء رشيقة تتألق بوجهها تألق الشمعة الرشيقة في حفلات الأعياد ! !
وهذا ما نجد عليه المثير من نساء المغرب إلى يومنا هذا، وفي كل عرجون حشف لا يليق، وفي كل شجرة ثمر لا يروق. والحكم في هذا الباب على الكثرة لا على الجمع.
إن الإنسان ابن بيئته الطبيعية، تطبعه بما طبعت به أجداده. وتكون في الأحفاد ما كان في الأجداد.
لقد رغب أهل المشرق سيما الملوك والأمراء، والسادة والكبراء، في المرأة البربرية لتلك الشخصية القوية الجميلة التي تزهر بها، ويبدو جمالها على جسمها فيضاعف جماله، ويبلغ به ذروته البهاء والحسن الفتان.
وكانت البربرية إلى هذه الشخصية القوية، ودلك الشخص الجميل، صافية النفس، لا تحمل عداء للعرب كما نجد في الروميات والفارسيات. إنها تنظر بعيون الظباء الصافية السليمة من كل حقد وعداوة. سرعان ما تألف الزوج الذي تعجب بفضائله، ويستميلها بإحسانه، فتحبه وتخلص إليه، وتثبت على حبه ثبات البربر على الحب وعدم التنكر للحبيب، وسرعان ما تألف أسرته، وتنسجم بها، وتصير جزءا منها.
وكانت هذه الفضائل الخلقية هي التي جعلت للمرأة البربرية تلك المكانة العظمى عند الملوك والكبراء، فلولاه لكانت زجاجة مزركشة نبرق في الرمال، وماء مصبوغا سمجا لا مذاق له، ولا نكهة فيه. ولكانت ككل نساء المشرق لا تمتاز عليهن بشيء.
وكان الملوك والكبراء يرغبون في النساء البربريات للتسرى بهن، والزواج منهن، ليسعدوا بهن كزوجات يمتعن الأرواح، وربات بيوت يعمرن الديار، ويريدونهن أيضا لنجابة الأولاد، فان إعجابهم ببطولة البربر وفضائلهم جعلهم يرغبون في الزواج من البربريات، ليرث أبناؤهم فضائل الأخوال التي تضاعف فضائل الأعمام وتكملها. وقد أنجبت البربريات في المشرق كثيرا من العظماء كهارون الرشيد الذي كانت أمه بربرية، وغيره كثيرون كانوا عماد الدولة العباسية، وزينة المشرق وبهاءه.
كان الملوك والأمراء يتطلعون إلى كنوز المغرب من الجمال الباهر، والحسن الزاهر، ويرون المغرب مغربا للشمس غير أنها تختفي في بناته فتطلع في محياهن الفتان، وتودع فيهن عطرا كالذي تخلقه في الورد والرياحين، غير أن بعضه يفغم النفوس نمن فضائلهم لا تحس به إلا القلوب الشاعرة، والعقول المدركة، فاستكثر لهم موسى من السبي، فظلم البربر وجرح أكبادهم، وخلق النقط السود الأولى في صفحة الدولة الأموية عندهم.
--------------------
1- الصحيح أن الذي اخذ من حسان هو عبد الله بن مروان في عهد الوليد. وارى أن ما ذكره ابن عبد الحكم هو ما أرسله حسان إلى عبد الملك في سنة 71 من خمس السبي والغنائم في فتوحه فتعرض له عبد العزيز. إذا كان مائتا جارية هو كل السبي كان ما سباه حسان ألف رأس فقط فأين ألفه من ثلاثمائة ألف التي سباها موسى. إن حسان العظيم هو الذي تقيد بالدين في سببه.
محمد علي دبوز تاريخ المغرب الكبير ج2 ص147-151
Tags: الهوية, تأريخ, حضارة, الجزائر, إجتماع, أنساب, تراث, لغة, كفاح التحرر, سير وتراجم, عادات تقاليد, جغرافيا, الأمازيغية وتيفيناغ