الخروج من النار محمد رشيد رضا

مفهوم الخروج من النار عند السيد محمد رشيد رضا

((عقيدة صكوك الغفران والخروج من النار)) [ ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوء يجز به ولا يجد له من دون الله ولياً ولا نصيراً ]

بهذا يتبين أن هذه العقيدة عقيدة يهودية الأصل، وإنما سرت إلى المسلمين بسبب احتكاك كثير منهم باليهود، وتأثرهم بما يقولون من أباطيل ولست وحدي أزعم أن هذه العقيدة عقيدة يهودية الأصل فإن كثيراً من المصنفين قد قالوا ذلك، بل القرآن الكريم صرح بذلك.

ومن المصنفين الذين صرحوا بذلك الإمام العلامة السيد محمد رشيد رضا صاحب تفسير "المنار"، مع أنه ينتمي إلى مذهب يدين بالخروج من النار؛ ولكنه اجتهد ورأى الحق ولم يتعامى عنه، ففي تفسير" المنار" في مقدمة سورة البقرة في الجزء الأول صفحة 112 يقول: (( القاعدة السادسة)): إن الجزاء على الإيمان والعمل معاً، لأن الدين إيمان وعمل، ومن الغرور أن يظن من ينتمي إلى نبي من الأنبياء أن ينجو من الخلود في النار بمجرد الانتماء، والشاهد عليه ما حكاه الله لنا عن بني إسرائيل من غرورهم بدينه وما رد به عليهم حتى لا نتبع سنتهم وهو ] وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة[ آيه 80-82، وما حكاه عن اليهود والنصارى جميعاً من قومهم ] وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هوداً أو نصارى تلك أمانيهم[ إلى آخر الآيتين 111/112.

ثم بعد ذلك يقول :(( ولكننا قد أتبعنا سنتهم شبراً بشبر وذراعاً بذراع مصداقاً لما ورد في الحديث الصحيح، وإنما نمتاز عليهم بأن المتبعين لهم بعض الأمة لا كلها وبحفظ نص كتابنا كله، وضبط سنة نبينا في بيانه، وبأن حجة أهل العلم والهدى منا قائمة إلى يوم القيامة)) انتهى كلامه.

وصرح بأكثر من ذلك في تفسير آية الربا في أواخر سورة البقرة فقد قال في الجزء الثالث من تفسير المنار في الصفحتين 89، 99 ما نصه: (( أباح أكل ما سلف قبل التحريم، وأبهم جزاء أكله شيئاً بعد النهي فقال ] ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون[ ، أي ومن عاد إلى ما كان يأكل من الربا المحرم بعد التحريم فأولئك البعداء من الاتعاظ بموعظة ربهم، الذي لا ينهاهم إلا عما يضر بهم في أفرادهم أو جميعهم، هم أهل النار الذين يلازمونها كما يلازم الصاحب صاحبه فيكونون خالدين فيها)). ثم قال بعد ذلك: (( وقد أول المفسرون الخلود لتتفق الآية مع المقرر في العقائد والفقه من كون المعاصي لا توجب الخلود في النار، فقال أكثرهم إن المراد من عاد إلى أكل الربا واستباحته اعتقاداً، ورده بعضهم بأن الكلام في أكل الربا، وما ذكر عنه من جعله كالبيع، هو بيان لرأيهم فيه قبل التحريم فهو ليس بمعنى استباحة المحرم، فإذا كان الوعيد قاصراً على الاعتماد فحسب فلا يكون هناك وعيد على أكل بالفعل)).

ويتابع السيد محمد رشيد رضا: (( والحق أن القرآن فوق ما كتب المتكلون والفقهاء، يجب إرجاع كل قول في الدين إليه، ولا يجوز تأويل شيء منه ليوافق كلام الناس، وما الوعيد بالخلود هنا إلا كالوعيد بالخلود في قتل العمد، وليست هناك شبة في اللفظ على إرادة الاستحلال،ومن العجب أن يجعل الرازي الآية هنا حجة على القائلين بخلود مرتكب الكبيرة في النار انتصار لأصحابه الأشاعرة )) . ثم قال بعد ذلك: ((وخير من هذا التأويل تأويل بعضهم الخلود بطول المكث)) ، ثم قال: ((أما نحن فنقول ما كل ما يسمى إيماناً يعصم صاحبه من الخلود في النار، الإيمان إيمانان: إيمان لا يعدوا التسليم الإجمالي بالدين الذي نشأ فيه المرء أو نسب إليه ومجاراة أهله ولو بعدم معارضتهم ما هم عليه، وإيمان هو عبارة عن معرفة صحيحة بالدين عن يقين بالإيمان متمكنة في العقل بالبرهان مؤثرة في النفس بمقتضى الإذعان، حاكمة على الإرادة المصرفة الجوارح في الأعمال، بحيث يكون صاحبها خاضعاً لسلطانها في كل حال، إلا ما لا يخلو منه الإنسان متغلبة عليه غفلة أو نسيان، وليس الربا من المعاصي التي تنسى أو تغلب النفس عليها خلسة الجهالة أو الطيش كالحدة وثورة الشهوة، أو يقع صاحبها هنا في غمرة النسيان كالغيبة والنظرة، فهذا هو الإيمان الذي يعصم صاحبه بإذن الله من الخلود في سخط الله، ولكنه لا يجتمع مع الإقدام على ارتكاب الإثم والفواحش عمداً إيثاراً لحب المال واللذة على حب الله.

أما الإيمان الأول فهو الإيمان الصوري فقط فلا قيمة له عند الله تعالى، لأنه سبحانه وتعالى لا ينظر إلى الصور والأقوال، ولكنه ينظر إلى القلوب والأعمال كما ورد في الحديث، والشواهد على هذا الذي قررناه كثيرة جداً، وهو مذهب السلف الصالح وإن جهله كثير ممن يدعون إتباع السنة حتى جرأوا الناس على هدم الدين بناء على أن مدار السعادة الاعتراف بالدين، وإن لم يعمل حتى صار الناس يتبجحون بارتكاب الموبقات مع الاعتراف بأنها من كبائر ما حرم، كما بلغنا عن بعض كبرائنا أنه قال: إنني لا أنكر أني آكل الربا، ولكنني مسلم اعترف بأنه حرام، وقد فاته أن يلزمه بهذا القول الاعتراف بأنه من أهل الوعيد وبأنه يرضى بأن يكون محارباً لله ولرسوله، وظالماً لنفسه وللناس كما سيأتي في آيه أخرى، فهل يعترف بالملزوم أو ينكر الوعيد المنصوص فيؤمن ببعض الكتاب ويكفر ببعض؟!، نعوذ بالله من الخذلان))، هذا كلام السيد محمد رشيد رضا في تفسير آية الربا التي فيها الوعيد على آكله.

والسيد محمد رشيد رضا قد سبقه الأستاذ الكبير العلامة الإمام محمد عبده إلى مثل هذا الرأي، فلنسمع إلى ما يقوله في تفسير قوله تعالى ] فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون[ ، يقول: )) ومن المفسرين من ترك السيئة في الآية على إطلاقها، فلم يأولها بالشرك ولكنهم أولوا جزاءها فقالوا: إن المراد بالخلود طول مدة المكث، لأن المؤمن لا يخلد في النار، وإن استغرقت المعاصي عمره، وأحاطت الخطايا بنفسه فانهمك فيها طول حياته، فهم أولوا هذا التأويل هروباً من قول المعتزلة: إن أصحاب الكبائر يخلدون في النار وتأييدا لمذهبهم أنفسهم المخالف للمعتزلة) ).

ثم قال بعد ذلك: )) والقرآن فوق المذاهب يرشد إلى أن من تحيط به خطيئته لا يكون أو لا يبقى مؤمناً))، وقد علق على هذا الكلام محمد رشيد رضا مما يؤيد ما قاله هناك من الخلود في النار، فمن شاء فليرجع إليه في تفسير المنار الجزء الأول من صفحة 362 إلى 364. 

اختاره ونقله لكم أبو مجاهـــــد

Tags: الهوية, عقيدة, الإباضية, الدين