الشفاعة والخلود عند مصطفى محمود

مفهوم  الشفاعة وعن الخلود في النار عند د. مصطفى محمود

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على سيد الاولين والاخرين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين . في هذه الايام يستعد الدكتور مصطفي محمود لاصدار كتابه الجديد الذي يحمل عنوان ( الشفاعة ). وقد مهد الدكتور مصطفى محمود لكتابه هذا بمقالات في جريدة الاهرام القاهرية عن الشفاعة والخلود في النار, أثارت ضجة وردود فعل عنيفة ضده , حتى وصل النقاش الى منابر الجمعة , متخطيا صفحات الجرائد , وقد وصل الحال بالبعض باتهام الدكتور مصطفى محمود بالكفر ... ومن أبرز من تصدى للدكتور مصطفى محمود , الازهر الشريف ويمثله الدكتور أحمد عمر هاشم , رئيس جامعة الازهر الشريف ومعه كل شيوخ هذه المؤسسة العريقة .

فما هو مفهوم الدكتور مصطفى محمود عن الشفاعة وعن الخلود في النار ؟؟؟

يقول الدكتور مصطفى محمود ان اشكالية الشفاعة موضوع قديم تناولته الفرق الاسلامية وخاض فيه المفكرون من كل اتجاه ... وسبب الاشكال - كما يقول الدكتور - أن القرآن ينفي الشفاعة في الكثير من آياته المحكمة نفيا مطلقا وفي آيات أخرى يذكرها مقيدة ومشروطة بالاذن الالهي , بينما تروي لنا الاحاديث النبوية بأن سيدنا محمدا صلى الله عليه وسلم يقف شفيعا يوم القيامة للمذنبين ولاهل الكبائر من أمته وأن الله سبحانه وتعالى يقبل شفاعته . وهنا يقف المسلمون أمام الاختيار الصعب بين النفي القرآني وبين ما جاء في السنة , وما ترويه الاحاديث عن أن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم سوف يخرج من النار كل من قال ( لا اله الا الله ) ولو زنا ولو سرق ..؟ هكذا يقول الحديث وهو ما يخالف صريح القرآن.. فالقرآن يقول في محكم آياته (( أن المنافقين في الدرك الاسفل من النار , ولن تجد لهم نصيرا )) النساء :145

والمنافقون هم الذين يقولون ( لا اله الا الله )في كل مناسبة وتنطق ألسنتهم بما يخالف سرائرهم , وهم في الدرك الاسفل من النار ولن يجدوا لهم نصيرا بصريح القرآن الكريم , ولن ينجو من المذنبين الا من تكرم عليه رب العزة وفتح له بابا للتوبة قبل الممات ... اذن الوسيلة الوحيدة للنجاة من العقاب هي أن يقي ربنا عباده من الوقوع في السيئات أصلا أو يفتح لهم باب التوبة في حياتهم اذا تورطوا فيها .. وهذه - كما يقول الدكتور مصطفى محمود- هي أبواب الشفاعة الممكنة , وهي دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لمسلمي هذه الامة بأن يختم حياتهم بتوبة ... وأما الشفاعة بمعنى هدم الناموس واخراج المذنبين من النار وادخالهم الجنة , فهي فوضى الوسايط التي نعرفها في الدنيا , ولا وجود لها في الاخرة . وكل ما جاء بهذا المعنى في الاحاديث النبوية مشكوك في سنده ومصدره , لانه يخالف صريح القرآن .

ولا يعقل - والكلام للدمتور - ولا يعقل من نبي القرآن أن يطالب بهدم القرآن , ولكن المسلمين الذين عرفوا بالاتكالية قد باتوا يفعلون كل منكر ويرتكبون عظائم الذنوب اتكالا على نبيهم صلى الله عليه وسلم الذي سوف يخرجهم في حفنة واحدة من النار ويلقي بهم في الجنة بفضله وكرمه ... ويقول الدكتور مصطفى محمود مع الاسف الشديد أننا نقرأ كتب السيرة والاحاديث بتسليم مطلق , وليس غريبا أن تمتلىء هذه الكتب بالمدسوس من أحالديث الشفاعة فنقرأ في أحدها أن النبي صلى الله عليه وسلم يدخل بشفاعته الى الجنة رجلا لم يفعل في حياته خيرا قط , ويكون هذا الرجل هو آخر الداخلين الى الجنة ... وما الهدف من أمثال هذه الاحاديث المدسوسة سوى افساد الدين , والتحريض على التسيب والانحلال وفتح باب الجنة (( سبهللة )) للكل ؟ .. ومرويات كثيرة رواها أصحابها بلا عدد وبلا حصر وأحيانا بحسن نية ظنا منهم أنهم يزيدون بها في تمجيد النبي صلى الله عليه وسلم , ويرفعون مقامه عند ربه , وينسون أنهم بكلامهم يفسدون جلال المشهد ويهدمون جدية اللحظة التي تشيب لها الولدان وتزيغ فيها الابصار وتنعقد الالسن وتتزلزل الاقدام وتذهل كل مرضعة عما أرضعت

ويتساءل الدكتور مصطفى محمود : هل هذه لحظة يساوم فيها النبي ربه لاخراج رجل من النار وادخاله الجنة , وهو لم يفعل خيرا قط في حياته ؟؟؟

ويقول الدكتور : ان لم يكن هذا هو الهزل فماذا يكون ؟ وحاشا لله .. ما كان لرسولنا العظيم أن يفعل هذا .. ان هو الا تخرصات وأكاذيب وأقوال مدسوسة ... أما عن الخروج من النار فيرى الدكتور أن القرآن الكريم ينفي امكانية خروج الناس من النار في الكثير والعديد من آياته من الكفار والمسلمين أيضا (( يريدون أن يخرجوا من النار وما هي بخارجين منها , ولهم عذاب مقيم )) المائدة : 37 و وقيلت في الكفار . ويرى الدكتور مصطفى محمود أن هذه الثوابت القرآنية تتناقض مع مرويات الاحاديث النبوية في كتب السيرة عن اخراج الرسول صلى الله عليه وسلم لمن يشاء من أمته من النار , مما يؤكد أن هذه الاحاديث موضوعة ولا أساس لها من الصحة ولا يمكن أن تكون قد صدرت عن النبي صلى الله عليه وسلم .

فكل مجرم قد تحدد مكانته من قبل في النار واختصت به واختص بها , وهذا يؤكد أن كل ما ذكر عن اخراج الرسول صلى الله عليه وسلم بشفاعته للبعض من النار وادخالهم الجنة مشكوك في صحته .... وقد سئل الدكتور مصطفى محمود عن المقام المحمود فقال : أننا لا نعلم موجبات هذا المقام ولا حدوده فهو سر من أسرار الله سبحانه وتعالى, والجدل فيه هو جدل بغير علم ولا نخوض فيه ونرى أن التفويض فيه أسلم .......... هذا هو رأي الدكتور مصطفى محمود عن الشفاعة والخلود في النار

( ماذا قال خصوم الدكتور مصطفى محمود ؟؟؟)

بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين ونصلي ونسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد. في الحلقة الماضية كتبت موضوعا بعنوان ( مفهوم الشفاعة , والخلود في النار , عند الدكتور مصطفى محمود ) وقلت أن آراءه قد أثارت ضجة كبرى في مصر حتى وصل الامر الى منابر الجمعة , ومن الناس الذين أثارهم الموضوع , الدكتور أحمد عمر هاشم , رئيس جامعة الازهر الشريف الذي أجرت معه مجلة المصور مقابلة مطولة قال فيها :

أن القرآن الكريم حسم مسألة الشفاعة , والذين تخبطوا في مقالاتهم وكلامهم , لم يفهموا تفسير بعض الايات القرآنية , هناك آيات تلغي الشفاعة ولو فهموها ما تناقشوا ولاتكلموا , وأراحوا أنفسهم . والحق أقول - الكلام للدكتور أحمد عمر هاشم - أن الايات القائلة ( وما هم بخارجين من النار ) خاصة بالكافرين والايات التي قالت لا شفاعة مثل ( واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا , ولا يقبل منها عدل ولا تنفعها شفاعة ولا هم ينصرون ) ليس المقصود بها نفي الشفاعة مطلقا , لان المطلق يحمل على المقيد , فهناك أيات أخرى تقول ( من ذا الذي يشفع عنده الا بأذنه ) وقال تعالى ( ولا يشفعون الا لمن أرتضى ) اذن الايات المطلقة مقيدة هنا ولذلك نحن ندرس المقيد والمطلق

أن الشفاعة لا تكون الا لمن ارتضى ولا تكون الا بأذن من الله سبحانه وتعالى , بل ثبت في الاحاديث الصحيحة بما لا يدع مجالا للشك أن الشفاعة ثابته ليس للرسول الكريم فقط بل للآنبياء والصالحين والملائكة والشهداء والعلماء , بل للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم أكثر من شفاعة , على رأسها الشفاعة العظمى , وشفاعته لاهل الكبائر , ولشفاعته لابناء المشركين في النار , وشفاعته لتخفيف العذاب في جهنم في بعض الاوقات , والشفاعة لرفع الدرجات في الجنة .

ويقول الدكتور أحمد عمر هاشم رئيس جامعة الازهر : أن الذين يحاولون انكار الشفاعة ينكرون المقام المحمود وهي الشفاعة العظمى للرسول صلى الله عليه وسلم في يوم القيامة , وقالوا ان المراد بالمقام المحمود المقام العظيم وليس المقام الشافع , بينما الذي أنزل عليه القرآن صلى الله عليه وسلم سئل عن المقام المحمود في الحديث الذي أخرجه الترمذي وغيره فقال : ( هو الشفاعة العظمى يوم القيامة )

والثابت في كل الاحاديث أن الله سبحانه وتعالى سيجمع الناس يوم القيامة وتدنوا منهم الشمس ويظلون على هذه الحال الصعبة الى درجة أن بعضهم يتمنى الدخول الى النار للتخلص من هذا الموقف الصعب فيطلبون أن يشفع له أحد , فيلجأون الى سيدنا آدم عليه السلام , فيحيلها الى نبي آخر وتظل تنتقل من نبي الى آخر الى أن تصل الى نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم فيسجد لرب العرش العظيم ويقول له الله سبحانه وتعالى بعد السجود الطويل :(( اشفع تشفع , وسل تعطى , وفل يسمع لك )) . والرسول صلى الله عليه وسلم حين يشفعه رب العزة , بل ويشفع غيره من الانبياء والصالحين والشهداء ليس معنى هذا أنه يعطى انسانا ليس له حق ؟ هناك كافرون وهناك مؤمنون , الكافر في النار ولا شفاعة له والمؤمن من أهل الشفاعة , وكل من مات على التوحيد هو مؤمن ومن أهل الشفاعة حتى وان كان من أصحاب المعاصي ويرتكب الكبائر

وفي حديث أبي ذر الذي ينكره الدكتور مصطفى محمود وهو حديث صحيح عندما قال الرسول صلى الله عليه وسلم :( من قال لا اله الا الله مخلصا من قلبه دخل الجنة ) فقال أبو ذر ( وان زنى وان سرق يا رسول الله ؟) ثلاث مرات وفي كل مرة يقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ( وأن زنى وان سرق ) وفي الاخيرة قال :( وان زنى وان سرق رغم أنف أبي ذر ) . ويقول الدكتور هاشم : ليس معنى هذا أن الرسول صلى الله عليه وسلم يترخص ويفتح الباب لاتكاب المعاصي أبدا , الشفاعة فتح لباب الامل والايمان والرحمة الربانية , ومعنى أن تقول :( لا اله الا الله محمد رسول الله ) من قلبك , أنك مؤمن ولهذه الكلمة حقوق وواجبات وليس سهلا أن تقولها بصدق اذا كنت غير مؤمن . والله سبحانه وتعالى يعطي لرسوله مكانة , وللصالحين والانبياء والملائكة و هذه الشفاعة .درب من الرحمة الربانية ينفحها الله لكل من تمسك بعقيدته فلم يمت الا على الايمان .

ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم ( لكل نبي دعوته المستجابة وقد تعجل كل نبي دعوته لامته في الدنيا وقد اختبأت دعوتي شفاعة لامتي يوم القيامة , فهي نائلة ان شاء الله كل من مات من أمتي لا يشرك بالله شيئا ) هذا حديث صحيح يثبت أن الشفاعة للموحدين وليست للمفرطين والكافرين , وهي بذلك لا تدعو للمحاباة والاتكالية , وهي فتح لطاقة الامل والايمان في النفوس .

الكـاتـب : محمد بن زاهر

 

تعقيب

نحيي شجاعة الدكتور مصطفى محمود ولعلها بداية صحوة فكرية اسلامية تخلصت من ظلمات التقليد الأعمى للأئمة وخطوة أولى مهمة نحو الرجوع إلى كتاب الله والسنة الثابتة عن المصطفى – صلى الله عليه وآله وسلم - في مسائل العقيدة ولا يخفى على أحد ما لهذه الخطوة من أهمية في سبيل إيقاف الزحف نحو الهاوية التي حذرنا من الوقوع فيها سيدنا محمد –صلى الله عليه وآله وسلم – حينما قال في حديث ما معناه :(لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرا بشبر وذراع بذراع ولو دخلوا جحر ضب لدخلتموه قيل : من هم يارسول الله اليهود والنصارى؟ قال : فمن ؟؟

وكذلك الحديث (( ….. حملهم على أن عبدوا أحبارهم ورهبانهم فقال أبي : انهم لم يعبدونهم فقال : أليسوا قد حرموا لهم الحلال وأحلوا لهم الحرام فأطاعوهم قال : بلى قال : فتلك هي عبادتهم إياهم .)) أو كماجاء في الحديث. فالتقليد الأعمى ينشأ عن التعصب أو الثقة الإجمالية بالإمام المقلد أو الثقة بمنهجه أو طريقة اجتهاده . والمقلد للإمام

دون بصيرة في كل خطوة يخطوها يقع في كل الأخطاء التي يقع فيها إمامه تلقائيا . ومن الحق أن التقليد ضرورة اذ لايمكن أن يكون كل إنسان مجتهد بنفسه ولنا في أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أسوة حسنة حيث كان فيهم أئمة يستنبطون ويفتون آخرون يستفتون ويعملون بما يفتيهم به أئمتهم ، لكن من الخطأ أن يدعي المقلد أن إمامه على صواب وما عداه باطلا ، لأن مثل هذا الإدعاء لا يملكه إمامه نفسه لأن الاجتهاد في المسائل الاجتهادية الخلافية لا يقدم أكثر من دليل ترجيحي لا يعطي يقينا بأن ما وصل إليه الاجتهاد هو الحق قطعا وما عداه باطل قطعاوالعصمة للأنبياء فقط . (1) الإباضية في ميدان الحق ص17

الكـاتـب : أبو مجــــاهد

Tags: الهوية, عقيدة, الإباضية, الدين