الشّيخ أبو إسحاق إبراهيم طْفَيَّشْ

من شخصيات الفترة الثالثة من العهد الرّابع

من 1330هـ/1912م إلى 1366هـ/1947م

الشّيخ أبو إسحاق إبراهيم طْفَيَّشْ

c 7

ولد ببني يزقن عام 1888م. حفظ كتاب الله وقد جمعه وهو ابن إحدى عشرة سنة على شيخه عمر بن أحمد الزروالي، ثّم اشتغل بدرس العلوم في الفنون المختلفة على الشّيخ الحاج إسماعيل بن الحاج إبراهيم زرقون، ومنه انتقل إلى القطب، ثمّ اشتغل بالتّجارة. وحوالي 1910م، اتّجه إلى الجزائر العاصمة، حيث تتلمذ على يد شيخ الجماعة عبد القادر المجاوي، ثمّ عاد إلى بني يزقن لينقطع إلى الدّراسة والتعلّم على يد عمّه القطب. وفي سنة 1917، توّجه أبو إسحاق إلى تونس، وحضر دروس شيخ الإسلام الحنفي ابن يوسف وشيخ الإسلام المالكي الطّاهر بن عاشور، وتحمّل مع زميليه أبي اليقظان ومحمّد الثّميني مسؤولية الإشراف على أفراد البعثة المزابية بتونس.

دخل معترك النّضال السّياسي تحت لواء الحزب الحر الدّستوري، وكان همزة وصل بين الشّيخ عبد العزيز الثّعالبي بتونس وبين الأمير خالد في الجزائر، وما لبث أن أبلغه المقيم العام بتونس أنّ الحكومة الفرنسية تدعوك إلى الكفّ عن كلّ حركة عدائية، واختر لنفسك أيّ بلد شئت خارج التّراب، فامتطى الباخرة إلى مصر يوم 3 فيفري 1923. في شهر أفريل الموالي، تمّ جمع التبرّعات ببني يسقن، بلغت سبعة آلاف فرنك، أرسلت إلى الشيخ أبي إسحاق للتّخفيف عنه من متاعب الغربة.

تزّعم في القاهرة الحركات الإصلاحية والجمعيات الإسلامية بمعية محب الدين الخطيب، وأحمد تيمور باشا، وأصدر بها مجلّة المنهاج من أوّل محرّم 1344هـ/أوت1925 إلى 1350هـ/1930م، أغلب مقالاتها ومواضيعها إسلامية. وكان يهاجم فيها الاستعمار في العالم الإسلامي عموما، والاستعمار الفرنسي في الجزائر خصوصا. وكان الشّيخ أبو إسحاق طفيش من الثلاثة الأولين القائمين بالدّعاية لتأسيس الجامعة العربية، مع الشّيخ الأمير الحسيني والشّيخ عبد العزيز الثّعالبي.

مثّل الجزائريين في مؤتمر القدس، الذي انعقد في ديسمبر 1930.

يقول الدكتور محمّد ناصر: «ومن أعماله في القاهرة عضويته الفعّالة في جمعية (تعاون جاليات شمال إفريقيا)، هذه الجمعية التي كانت تجمع تحت جناحها آمال وآلام شعوب المغرب الكبير، وتضمّ الموجودين في القاهرة من الزّعماء العاملين لتحرير المغرب الكبير من الاستعمار الفرنسي. وكان من أعزّ أصدقائه في هذه الجمعية الشّيخ محمّد الخضر حسين، ومحيي الدّين القليي، والحبيب بورقيبة، كما كان عضوا في تأسيس جمعية الهداية الإسلامية، إضافة إلى عضويته في اللّجنة المؤسسة لجمعية الإخوان المسلمين، إذ كانت تربطه بزعيمها الشّهيد حسن البنّا (1906-1949) صداقة حميمة، وكان ابنه البكر محمّد طفيش من أعضائها العاملين، وقد ألقى عليه بوليس الملك فاروق القبض لنشاطه السّياسي الإسلامي، ورحل إلى جبل الطور بصحراء سيناء مع جماعة من الإخوان المسلمين في حملة الاعتقالات التي شهدتها سنة 1949».

ويمضي الدكتور محمّد ناصر قائلا: «ومن سمات وطنية أبي إسحاق الحارّة اعتداده القوي بجزائريته. فقد عرضت عليه الجنسية المصرية... في العشرينات... ورفضها اعتزازا وإباء. كما عرضت عليه السّلطة الفرنسية إبّان السّماح له بزيارة الجزائر لأوّل مرّة بعد نفيه سنة 1930، أن يتعهّد الاشتغال بالسيّاسة وتسمح له بالبقاء في وطنه، فرفض»[9].

ثمّ يضيف: «وفي سنة 1953، فتحت حكومة زنجبار معهدا للدّراسات الإسلامية فعرضت عليه أن يتولّى التّدريس به... فما كان منه... إلاّ أن رفض، لا لشيء إلاّ لأنّ الطّلب جاءه عن طريق الأنجليز»[10].

وفي جوان من سنة 1940م، التحق بقسم التّصحيح بدار الكتب المصرية .ومن أجلّ أعماله فيها انكبابه على تصحيح وتحقيق (الجامع لأحكام القرآن) في التّفسير للقرطبي. كما شارك أيضا في تصحيح كتاب محمّد فؤاد عبد الباقي (المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم)، كما شارك في تصحيح الطّبعة الأخيرة من مصحف (الملك). وكان إلى جانب هذا مرجعا للفتوى في الشّريعة الإسلامية. شارك مشاركة فعّالة في تحرير مادة الموسوعة الفقهية، ولاسيما فيما يتعلّق بالمذهب الإباضي. وكان المرجع لكثير من المشاكل اللّغوية والمفردات التي أدمجت في متن اللّغة بواسطة المجمع اللّغوي، الذي أنشئ بمصر.

أهم المؤلّفات التي قام بتحقيقها وبنشرها:

- الأجزاء الثلاثة الأخيرة من شرح النّيل، طبعها عام 1343هـ.

- الذّهب الخالص، علّق عليه وطبعه في نفس السّنة.

- شامل الأصل والفرع، طبعه عام 1348هـ/1930م.

- شرح عقيدة توحيد العزابة.

- كتاب الرّسم.

كما حقّق وطبع لغير القطب عدّة مؤلّفات أخرى، نذكر منها:

- الجامع الصّحيح مسند الإمام الرّبيع بن حبيب.

- الوضع للشّيخ أبي زكرياء يحي الجناوني.

- جوهر النّظام في علمي الأديان والأحكام لعبد الله بن حميد السّالمي[11].

- تحفة الأعيان في سيرة أهل عمان لنفس المؤلّف.

- جامع أركان الإسلام لشيخ سيف بن ناصر الخروصي.

وحقّق متن عقيدة التّوحيد لابي حفص عمرو بن جميع وشرحها لأبي العباس أحمد الشماخي، وطبعهما مع شرح أبي سليمان التلاتي عام 1353هـ/1934م.

استفاد تلميذه سالم بن يعقوب[12] كثيرا من دروسه ومكتبته في القاهرة، بدار الطلبة الإباضية، وهناك أخذ عنه كثير من العمانيين والنفوسيين.

من مؤلّفاته:

- الدّعوة إلى سبيل المؤمنين، طبعه بالقاهرة عام 1923م.

- النّقد الجليل على العتب الجميل، عام 1342هـ/1924م.

- رسالة الصّوم بالتّلفون والتّلغراف، عام 1355هـ.

- تاريخ الإباضية.

- مدونة أبي غانم.

- تأويل المتاشبه.

- صلاة السّفر.

- عصمة الأنبياء والرّسل.

- ذكرى أبي الشّعثاء.

- منهاج السّلامة فيما عليه أهل الاستقامة.

- تفسير سورة الفاتحة.

- الفنون الحربية في الكتاب والسنة.

- شرح الملاحن.

- مختصر الأصول والفقه والمدارس.

- كتاب النّقض.

- مسألة قراءة القرآن بالأجرة.

- رسالة عمان الإمامية.

- ترجمة الشيخ الحاج محمّد طفيش.

- رسالة الفرق بين الإباضية والخوارج.

له فتاوي عديدة، منها فتواه في ترجمة القرآن، وفي التّجنيس، وفي استعمال الكحول في المداواة.

وفي سنة 1952، راح يبذل الجهد الجهيد يطلب من الإمام غالب بن علي لتعترف الجامعة العربية بعمان ضمن أعضائها. وفي سنة 1955م، كلّفته الجامعة العربية للالتقاء بالإمام والسّلطان داخل عُمان، فرُدّ على أعقابه بعد أن وصل إلى صحار. ولقد لاقى في هذه الرحلة التي دامت حوالي ثلاثة أشهر أهوالا وعقبات شديدة، وكان الإنجليز له بالمرصاد، فمنعوه من أن يتّصل بالسلطان أو بالإمام، وأصدر حاكم الخليج قرارا بالقبض عليه حيا أو ميتا. ثمّ إنّ الإمام عينه سفيرا لعمان الإمامية لدى الجامعة العربية. وفي بداية سنة 1961م، كلّفه بعرض قضية عمان على هيئة الأمم المتّحدة، فسافر إلى نيويورك رفقة الامير حِمْيَر بن سليمان، ممثّلا لدولة إمامة عمان، واجتهد في مقابلة الوزراء والسفراء يكشف لهم عن عمان الإمامية واعتداء بريطانيا على الإمامة، منتهكة حرمة استقلال عمان، رغم وجود معاهدة السيب لعام 1920م.

       عرضت القضية في الجلسة الأولى لدى اللّجنة السياسية، ثمّ في الجلسة الثّانية، فحازت القبول بالإجماع.

       عقد الشّيخ أبو إسحاق رحلة إلى زنجبار سنة 1947م واعظا مرشدا، دامت نحو أربعين يوما، ورحلة ثانية إليها في السّتينات، وأخرى إلى نفوسة، وأخرى إلى القدس في رجب 1350هـ/1931م حيث انعقد هناك المؤتمر الإسلامي، ممثلا لإباضية المشرق. رافق الشّيخ حمير بن سليمان أمير الجبل الأخضر بدولة إمامة عمان، في زيارته إلى مزاب عام 1964م.

تزوّج ثانية سبعية بنت قاسم الشماخي، فأنجبت له جميع أبنائه الخمسة وأختا لهم، وتزوّج ثالثة سعاد الزنجبارية ولم تنجب له.

توفّي يوم 20 شعبان 1385هـ/26 ديسمبر 1965م، ودفن بمقبرة آل الشماخي بالقبة في القاهرة. أقيم في مسجد بني يزقن يوم 28 جانفي 1966 حفل تأبين للمرحوم، حضره من القرى السبع جميع الهيئات الدّينية وجمع من الأدباء.

-------------

 [9]- الشيخ إبراهيم اطفيش في جهاده الإسلامي، 22-23.

[10]- الشيخ إبراهيم اطفيش في جهاده الإسلامي ، 31.

[11]- عبد الله بن حميد السالمي: ولد بمدينة الرستاق العمانية عام 1286هـ/1869م وبها حفظ القرآن الكريم ومبادئ العلوم الإسلامية. ثمّ انتقل إلى بلدة المضيـبي ثمّ استقرّ ببلدة القابل، وتفرّغ للتّدريس والتأليف والفتوى. اتّسمت حركيته بالانضباط في الحل والترحال، مع سعة الأفق، والرغبة في المقارنة بين أقوال الإباضية وأقوال غيرهم، ومتانة العلاقة بينه وبين إباضية المغرب، بمراسلاته المستمرة مع امحمد طفيش قطب الأئمة خاصة. إنّ مثل هذا النشاط العلمي مألوف بالنسبة إلى رجل ضرير، إلّا أن، غير المألوف يتمثل في الحركية العلمية التي انتهت بإحياء الإمامة في عمان على يد الإمام سالم ابن راشد.

وقد تخرّج على يديه عدد كبير من التلاميذ، نذكر منهم الإمام محمّد بن عبد الله الخليلي والإمام سالم بن راشد. كما ترك ثمانية وعشرين مؤلفا، نذكر منها:

قصيدة أنوار العقول، في الأصول.

شرحها: مشارق أنوار العقول.

اللّمعة المرضية من أشعة الإباضية.

تحفة الأعيان بسيرة أهل عمان، في التاريخ.

العقد الثمين، في الفتاوي.

جوهر النظام في علمي الأديان والأحكام.

تلقين الصبيان ما يلزم الإنسان، في التوحيد والفقه.

غاية المراد في نظم الاعتقاد.

كشف الحقيقة، في الرد على قادح في المذهب الإباضي.

بذل المجهود في مخالفة النصارى واليهود.

مدراج الكمال في نظم مختصر الخصال، في التوحيد والفقه.

شرح طلعة الشمس على الألفية، في أصول الفقه.

الحجج المقنعة في أحكام صلاة الجمعة.

حاشية على مسند الربيع.

الحق الجلي من سيرة شيخنا صالح بن علي الحارثي.

توفي الشيخ عبد الله السالمي ببلدة تنوف بسفح الجبل الأخضر عام 1331هـ/1914م.

[12]- سالم بن يعقوب: ولد بربة في مطلع القرن العشرين. بقي أمِّيًا إلى التاسعة عشرة من عمره، واستطاع أن يتدارك أمره بسرعة، وأقبل يتلهف على دروس شيخه عمر ابن مزروق، من كبار المصلحين بجربة آنذاك، المتوفّى عام 1381هـ/1961م.

ثّم رحل إلى تونس فعاش في مدرسة الإباضية هناك بالهنتاتي، وحرص على دروس شيخه محمد بن صالح الثميني المشرف على البعثات الإباضية الجزائرية بتونس، وبقي بها خمس سنوات من 1346هـ/1927م إلى 1351هـ/1933م. ثّم انتقل إلى مصر حيث بقي كذلك خمس السنوات التالية، وعاش هناك في مدرسة الإباضية بطولون، وأخذ عن شيخه أبي إسحاق طفيش، وعكف على مكتبة الإباضية، فنسخ من مخطوطاتها، كما نسخ عدّة نصوص من دار الكتب.

ثّم استقرّ في جربة مدرسا وواعظا إلى أن توفي في جانفي 1991م.

 

Tags: تأريخ, سير وتراجم