قول الشاعر المزابي مفدي زكرياء حول الأمازيغ

Icon 07

صـمود الأمـازيـغ عبر القـرون * * * غـزا النيرات و راع النجوما

فـكم أزعـجوا نائبـات الليـالي * * * و كـم دوخوا المـستبد الـظلوما

سـلوا طبـرية يـذكر تبـيريـــــوس تيـكفرنـاس يوالي الهـجوما 

ثمـان سنـوات يصـارع رومـا * * * فـدق الـمسامير في نعش روما

و أوحـى له الأطـلس الـوحدوي * * * ، فوحـدنا فانطلـقنا رجـوما

سلـوا بربـروس يجـيبكم فراكـســـن من جـرجرا كيف أجلى الغيوما

و قالوا : أراديـون بالكاف أودى * * * هل الموت عيسى ؟ يداوي الكلوما

و هـذا أغـوستنس بالاعـتـر * * * افات حير - عبر الزمان - الفهوما

و أسـقف بونـة أصبـح قـد * * * يس قـرطاج مـذ بث فيها العلوما

و كان أغـستـنس فـجر البـــــلاد و كـان بـها الفـيلسوف العظيما

أشـرشال !هلاّ تـذكرت يوبا ؟ * * * و من لقبوا عرشك القيصريه ؟

و من مصـروك فنافست روما ؟ * * * و شرفـت أقطارنا المـغربيه

لـمـاذا يُلقـب يـوبا بـثان؟  * * * أما حقق السـبق في المدنيه ؟

و باهى بـشرشال جـنة عدن  * * * و زان حـدائـقها السـندسيه

أمـا كان أول من خطّ رسما * * * لوجه جـزيرتـنا الـعربـيه ؟

أما شـاد يوبا بشـرشال للعلم * * * أوّل جـامـعـة أثـريــه ؟

و هـذا أبـولوس كان طبيبا * * * يدين لـه العـلم بالـعبقـريه

و أبـدع في قـصص الحيوان * * * ، فأثر في القـصص الأمويه

و كان الأفـارق في منتداهم * * * برومـا يخـصونه بالتـحيـة

و كان أبـولوس قاضي روما * * * ليمـناه تـرفـع كـلّ قضـيه

دعـوا ماسـينيسا يـردد صدانا * * * ذروه يـخـلـد زكـيَّ دمـانـا

و خـلوا سـفاكس يحكي لروما * * * مدى الدّهر كيف كسـبنا الـرهانا

و كيـف غـدا ظـافرا ماسينيسا * * * بـزامة لـم يرض فيها الـهوانا

و كـم سـاومـوه فـثار إبـاء * * * و أقـسم ألا يـعيـش جـبـانا

و ألـهمه الحـب نـيل المعالي * * * و قد كان -مثلي- يهوى الحـسانا

و مـن صنعت روحه سوفينيزبا * * * جديـر بأن يتـحدى الـزمـانا

تـغذيه حبـا و فنـا و عـلمـا * * * و تنـبيـه ما قـد يكون و كـانا

فـجاء يغـورطا على هـديـه * * * بحـكم الجـماهير يفـشي الأمانا

و قـال :مـديـنة رومـا تبـاع * * * ، لـمن يـشتريها !فهـزّ الكيانا

و وحّـد سيـرتا بأعطاف كاف * * * و أولى الأمـازيغ عـزاّ و شـأنا

نحن من قمم الاوراس لسنا من نجد او حلب

اجدادنا امازيغ ولم يكونوا يوما من العرب

قالوا الاسلام لبينا النـــــــــــــــــــــــداء

قالوا العروبة قلنا كسيلة اولى

 

 

 

مزايا المرأة البربرية

والمرأة البربرية تمتاز بكثير من المزايا العظمى التي خلقتها فيها بيئتها الطبيعية والاجتماعية. إنها ابنة مجتمع يحترم المرأة ويبجلها، ويعرف لها مكانتها، ويعطيها كل حقوقها، وسليلة مجتمع يهوى الحياة الاستقلالية فيطبع أبناءه منذ نعومة أظفارهم على الاعتماد على النفس، والثقة بها، لا تفنى المرأة في الرجل متكلة كل الاتكال عليه، ولا الابن في والديه معتمدا كل الاعتماد في كل أشيائه عليهم، فخلق هذا المجتمع المحترم للمرأة، المحب للحياة الاستقلالية، الشخصية الايجابية القوية التي تخلق في الناس إذا كانت في الرجل الإعجاب مشوبا بالإجلال، وتكون في النفوس إذا كانت في المرأة الإعجاب مقرونا بالافتتان ! إن الشخصية القوية في الإنسان هي سبب الجاذبية والعامل الأكبر للاحترام والإعجاب، وللحب المكين، والولاء الثابت. وما فتن المظهر إلا انه مجلي للشخصية تتألق فيه، ويبدو جمالها عليه. والمرأة تفتن فتحب بشخصيتها القوية الجميلة لا بشخصها وحده ! إن الشخص الجميل بدون شخصية عمود منمنم مزركش في مصنع نجار، ولا يداني فرع الشجرة أللفاء المتوجه الأغصان المورقة، والأزهار الأريجة، الذي يملأ عينيك بالجمال الحي، وتشعر بحيويته في نفسك ونضارته في قلبك.

وكانت المرأة البربرية قوية الشخصية، معتدة بنفسها، واثقة بها، شجاعة حيية، صبورا، ورحبة الصدر، لا تكشر لأتفه النوازل، ولا يتغضن وجهها حزنا لأقل الهموم، بل إن البشر والرضى، والتفاؤل بالحياة، هو الذي يشرق به وجهها فيشرق به جو بيتها فيسعد زوجها وكل الأسرة بهذا الجو الضاحي الجميل.

إن روح الرجل لا تستنير فشرق دنياه، لا بالشمس ولا بالقمر ولا بالذهب والجواهر ولكن بالمرأة الصالحة المحبوبة التي تعمر داره !

والمرأة البربرية رزينة، لا تطيش طيش الضعيفات، ولا تجمد جمود البليدات، بل هي خلق فيها جوها الطبيعي وجوها الاجتماعي المعتدلين، كما يريد الرجل الحكيم والإنسان المعتدل.

والمرأة البربرية حيية طبعتها بذلك شخصيتها الايجابية، وشعورها بنفسها؛ والحياء هو ما يخلق في المرأة سحرها فتفتتن بها القلوب، وجمالها الفتان فتسحر بها النفوس، ولطفها ورقتها فيظفر فيها الرجل بالعالم اللطيف، وبالعش الحريري الذي ينسيه خشونة الحياة !

إن حياة المرأة هو الذي يخلق الورد الجميل في محياها، والفتور الساحر في عينيها، فتكون بهما لا بالمساحيق والكحل جذابة تستهوي قلب الرجل وتستأثر به، وتثير احترامه وإعجابه بها !

والمرأة البربرية مدبرة حكيمة، مقتصدة قنوع، تعين الزوج على الحياة، وتكفيه كل المؤونة في إدارة المنزل، عمالة تقوم بكل الشؤون في منزلها، لا تحوج الرجل إلى توابع المرأة الكسول من الخدم الذين يفسدون جو البيت على الرجل، ويعكرون صفو الحياة على الأسرة بغرابتهم وعدم انسحابهم بها.

والمرأة البربرية لحبها للعمل، وللذوق الجميل الذي كونه فيها جوها الطبيعي الجميل، صناع اليد، تستطيع أن تمهر في كل ما تتطلبها القصور الراقية من صناعات في المرأة.

وهي إلى اعتدادها بنفسها، مطيعة لزوجها، تعتقد هي وأسرتها أن هذه الطاعة للزوج فرض عليها، وأنها لا تكون سيدة للرجل إلا إذا كانت عبده، تخضع له، وتملك قلبه بالطاعة والاحترام !

إن هذه الفضائل الخلقية التي صقلها الإسلام وأيدها، وضاعفها في المرأة البربرية، لا زالت موجودة في كثير من أنحاء المغرب التي لم تبتل بأمراض الحضارة، ولم تتسلط عليها أوبئة المدينة الأوروبية القتالة لفضائلها ! فكانت المرأة –والمد لله- في هذه الأنحاء السليمة التي يحضنها الدين بسياجه المتين، سبب سعادة وهناء للرجل، وصارت بفضائلها الموروثة، وبفضائل دينها، حواء التي أتحف الله بها آدم لتعيده بالسعادة الزوجية إلى الجنة التي اخرج منها !

إن ثبات الصفات في الفروع دليل على تسربها من الأصول. والابن مظهر لأجداده يبدئ حقيقتهم، ويبرز شمائله كل خصائصهم. والوراثة الجميلة في النفوس كالمعادن النفيسة في الأرض، لا تتخلق إلا في قرون عديدة، ولا تتكون إلا في دهور طويلة.

قال ابن مقديش في «نزهة الأنظار » في صفحة »: 72 ثم رحل عقبة –رضي الله عنه- إلى السوس الأقصى فاجتمع عليه البربر فهزمهم المسلمون، وغنموا أموالهم، وسبوا نساءهم، وكن في غاية الحسن والأدب ! فبلغ ثمن الجارية منهن بالمشرق ألف دينار ! »

وأورد ابن الحكم في كتابه «فتوح مصر والمغرب » في صفحة 202 يذكر ما اخذ عبد العزيز بن مروان من سبي المغرب الذي أرسله حسان إلى عبد الملك فقال: »....ويقال أن عبد العزيز اخذ كل ما كان مع حسان 1 من السبي، وكان قد قدم ومعه من وصائف البربر شيء لم ير مثله جمالا. فكان نصيب الشاعر يقول: حضرت السبي الذي كان عبد العزيز أخذه من حسان، مائتي جارية، منها ما يقوم بألف دينار ! .»

وكانت المرأة البربرية مع شخصيتها القوية الجميلة على الحسن البارع في الشخص، والجمال الفتان في الجسم. إنها بنت بيئة طبيعية معتدلة، فلم تكن على بياض الثلوج الذي تتسم نساء أوروبا، ولا على سواد الزنوج الذي يوجد في جنوب افريقية، بلا هي ببشرة الورد الفتان، وبياض تشوبه حمرة جميلة، أو بسمرة خفيفة حلوة، ومعتدلة القوام، رشيقة القد، غير مترهلة ولا معجونة، وليست بالسمينة المستفيضة التي تبدو في ثوبها شمعا ذائبا في الشمعدان، بل هي زهراء رشيقة تتألق بوجهها تألق الشمعة الرشيقة في حفلات الأعياد ! !

وهذا ما نجد عليه المثير من نساء المغرب إلى يومنا هذا، وفي كل عرجون حشف لا يليق، وفي كل شجرة ثمر لا يروق. والحكم في هذا الباب على الكثرة لا على الجمع.

إن الإنسان ابن بيئته الطبيعية، تطبعه بما طبعت به أجداده. وتكون في الأحفاد ما كان في الأجداد.

لقد رغب أهل المشرق سيما الملوك والأمراء، والسادة والكبراء، في المرأة البربرية لتلك الشخصية القوية الجميلة التي تزهر بها، ويبدو جمالها على جسمها فيضاعف جماله، ويبلغ به ذروته البهاء والحسن الفتان.

وكانت البربرية إلى هذه الشخصية القوية، ودلك الشخص الجميل، صافية النفس، لا تحمل عداء للعرب كما نجد في الروميات والفارسيات. إنها تنظر بعيون الظباء الصافية السليمة من كل حقد وعداوة. سرعان ما تألف الزوج الذي تعجب بفضائله، ويستميلها بإحسانه، فتحبه وتخلص إليه، وتثبت على حبه ثبات البربر على الحب وعدم التنكر للحبيب، وسرعان ما تألف أسرته، وتنسجم بها، وتصير جزءا منها.

وكانت هذه الفضائل الخلقية هي التي جعلت للمرأة البربرية تلك المكانة العظمى عند الملوك والكبراء، فلولاه لكانت زجاجة مزركشة نبرق في الرمال، وماء مصبوغا سمجا لا مذاق له، ولا نكهة فيه. ولكانت ككل نساء المشرق لا تمتاز عليهن بشيء.

وكان الملوك والكبراء يرغبون في النساء البربريات للتسرى بهن، والزواج منهن، ليسعدوا بهن كزوجات يمتعن الأرواح، وربات بيوت يعمرن الديار، ويريدونهن أيضا لنجابة الأولاد، فان إعجابهم ببطولة البربر وفضائلهم جعلهم يرغبون في الزواج من البربريات، ليرث أبناؤهم فضائل الأخوال التي تضاعف فضائل الأعمام وتكملها. وقد أنجبت البربريات في المشرق كثيرا من العظماء كهارون الرشيد الذي كانت أمه بربرية، وغيره كثيرون كانوا عماد الدولة العباسية، وزينة المشرق وبهاءه.

كان الملوك والأمراء يتطلعون إلى كنوز المغرب من الجمال الباهر، والحسن الزاهر، ويرون المغرب مغربا للشمس غير أنها تختفي في بناته فتطلع في محياهن الفتان، وتودع فيهن عطرا كالذي تخلقه في الورد والرياحين، غير أن بعضه يفغم النفوس نمن فضائلهم لا تحس به إلا القلوب الشاعرة، والعقول المدركة، فاستكثر لهم موسى من السبي، فظلم البربر وجرح أكبادهم، وخلق النقط السود الأولى في صفحة الدولة الأموية عندهم.

--------------------

1- الصحيح أن الذي اخذ من حسان هو عبد الله بن مروان في عهد الوليد. وارى أن ما ذكره ابن عبد الحكم هو ما أرسله حسان إلى عبد الملك في سنة 71 من خمس السبي والغنائم في فتوحه فتعرض له عبد العزيز. إذا كان مائتا جارية هو كل السبي كان ما سباه حسان ألف رأس فقط فأين ألفه من ثلاثمائة ألف التي سباها موسى. إن حسان العظيم هو الذي تقيد بالدين في سببه.

 

محمد علي دبوز  تاريخ المغرب الكبير ج2  ص147-151

مزايا البربر

كان الرجل البربري مثالا في الشجاعة والإقدام، ونهاية في الصبر والتحمل، وغاية في حب العمل والنشاط. فجو بلادهم المعتدل جعلهم على النشاط لا على الفتور، وعلى حب العمل لا على حب الراحة، ومع الأمانة التي خلقتها فيهم النفسية العلمية والاعتداد بالنفس، وحب الكمال الذي جبلهم عليه احترامهم لأنفسهم وغرامهم بالعلو والحسن في كل الأشياء.

وكان البربر على الاعتدال في الأجسام، والمتانة في البنيان، لجودة الهواء، وقوة الغذاء، واعتدال الإقليم، ومواصلة الأعمال، وبذل الجهد فيها.

وكانوا على جمال الذوق. إن البيئة الطبيعية الجميلة التي أنشأوا فيها هذبت أذواقهم، وأرهفت نفوسهم، فنشأوا محبين للجمال، ويسبغونه على أشيائهم، ويتطلبونه في كل أمورهم. وكانوا في الذكاء اقل من ذوي المناطق الحارة، وكثير من الأمم الشرقية، ولكنهم كانوا أحسن منها في متانة الأخلاق، وفي حب العمل والنشاط، وفي التمسك بالشخصية والاعتدال بالنفس. والمرء يتفوق في الحياة بأخلاقه العظيمة وبحبه للعمل، وإتقانه له، وبأمانته وطموحه وعفته، ولا بذكائه وحده، ولا بعمله الذي لا يقترن بالأخلاق السامية !

وكان البربر لنشاطهم وحبهم، وطموحهم، ويتقنون أعمالهم، ويبذلون كل الجهد في تحسينها والبلوغ بها إلى أعلى مرتبة يستطيعونها.

وكان البربر متمسكين بشخصيتهم، ثابتين على مبدإهم، يموتون في سبيل عقيدتهم ويضحون بكل شيء في سبيل ما يؤمنون به، لا يتسرعون إلى الأخذ بالجديد حتى يوقنوا انه أحسن من القديم الذي عندهم.

وكان البربر على الاعتدال في المزاج، طبعهم بذلك جوهم المعتدل، لا يغلب عليهم المزاج والعبث، ولا يجمد بهم الوقار البالغ، والتزمت المميت. إنهم إلى الوقار أميل والجد عليهم اغلب، ولكنهم على المرح في النفوس، يحبون الدعابة في مواطنها، ويهوون المزاح في أماكنه، لا يرون الحياة كلها ضحكا ولهوا، ومزاحا وعبثا، بل يجدون في اغلب الأوقات، وإذا ركنوا إلى الراحة للاستجمام امتلأت مجالسهم بالنكتة المضحكة، وتعالت من نواديهم النغمة المطربة، ورأيت المرح والأنس الذي يقصر به الزمن و ما يعمر تلك المجالس، وما يؤثره البربر ولا يرضون غيره في تلك المواطن. لهذه الأوصاف الخلقية الحسنة والخلقية، ورغب فيهم المملوك والأمراء، ليسدوا بهم الثغور، ويستخدمونهم فيما يستدعي متانة في الأخلاق، وأمانة ورزانة، وشجاعة وقوة، واتقانا ونشاطا، وجمالا  في الذوق، وسدادا في التدبير، كالقيادة للجيوش، والحراسة للثغور، والمقارعة في بالحروب، وإدارة القصور، والقيام على المال.

ومما يمتاز به البربري ويفوق فيه الفارسي والرومي الإخلاص وصفاء النفس. إنهم لا يكنون بغضا موروثا للعرب، وعداوة قديمة لبني سام. فهو مستعد لحب كل من يعجب بكماله، ويروعه بحسن سلوكه، ويغمره بإحسانه وفضله. ليست لهم عقد نفسية موروثة تعبدهم عن العرب، بل هم يمتزجون بهم امتزاج الماء بالماء، ويخلصون لهم إخلاص الخل الوفي، والمحب الوامق. لذلك رغب الملوك الأمويون والعباسيون في استخدامهم، والاعتماد عليهم وحيازتهم في جيوشهم وقصورهم وثغورهم الكبيرة.

 

محمد علي دبوز  تاريخ المغرب الكبير ج2  ص147-148

تمسك البربر بشخصيتهم

وسابع الأسباب هو ثبات البربر على مبادئهم، وتمسكهم بالفهم. إنهم امة قوية الشخصية، معتدة بنفسها متمسكة بشخصيتها وتقاليدها بنفسها متمسكة بشخصيتها وتقاليدها، وتقلد، ولا تسارع إلى نبذ ما الفته، ولا تأخذ بالجديد حتى تتيقن انه أحسن من القديم الذي عندها. لذلك لم يسارع البربر إلى الاسلام حتى تأملوه، وعرفوا حقيقة، وتيقنوا انه هو مفتاح السعادة، وسبب النجاح، فاقبلوا عليه، ورسخوا فيه رسوخ جبالهم، وثاروا على كل الملوك المسلمين الذين يخرمون أصوله في السياسة، ويعاملون رعاياهم بغير العدل الذي أمر الله به.

ان البربر لا يسارعون كثيرا إلى الإيمان. إنهم لا يؤمنون إلا بعد التروي والتدبر، وفي أناة وتحفظ. وكذلك في الصداقة؛ فان قلب البربري لا يتفتح لك إلا بعد ان يختبرك طويلا، ويدرسك ويعرف حقيقتك، ويثق بك، وإذا تفتح لك قلبه تفاني فيك، واخلص إليك، وثبت على حبك، وكان لك في السراء والضراء، وكان حبك في قلبه درة في محارتها، ولا يؤذيها تقلب الأمواج، وثورة البحر، ولا يكسفها ظلمة للازمات تخيم عليك كظلمة اليم، وملوحة للأيام تعكر صفوك كملوحة البحار !

ان ثبات البربر على مبدئهم وتحفظهم، هو الذي جعلهم لا يفتحون قلوبهم للمسلمين ولا يسارعون إلى الإسلام إلا بعد ان تمنعوا فيه، فعرفوا حقيقته، ورأوا جماله وعظمته في سلوك المسلمين

------------------

 

محمد علي دبوز  تاريخ المغرب الكبير ج2  ص122-123

أسباب انقراض الدولة البربرية الكبرى

أننا إذا نظرنا إلى عمر الدولة البربرية الكبرى التي أنشأها نارفاس وكانت عاصمتها قرطة لا تعجب  لموتها. فهي قد استوفت عمرها، وعاشت ما يعيش أمثالها من الزمن لقد عاشت نحو ثلاثة قرون. ولكننا إذا نظرنا إلى شبابها وقوتها أيام زوالها، نعجب لذلك ونحكم بموتها سريعا. ان فيها من الطاقة والشباب ما يمسكها في الحياة قرونا أخرى من الزمان. ان الهدوء والهناء الطويل، والانغماس في الملاذ والشهوات، والركون إلى الراحة والكسل، هذه العلل الفتاكة التي تورث الهرم للأمم، وتصيبها بكل الأمراض فتلقى حتفها؛ ان هذه العلل لم تصب بها الدولة البربرية. ان كل ما ظفرت به من الهدوء والهناء إنما هو في أول عهد مصينيسا ووسطه. وكان مملوءا بأعمال الإنشاء والتعمير، فلم تركن الدولة إلى الراحة، ولم تنغمس في الملاذ والشهوات. فدامت في شبابها، بل ازدادت شبابا وقوة بما أسبغ عليها مصينيسا من علم وإصلاح.

وفي آخر عهد مصينيسا دخلت في حروب طاحنة مع البونيقيين وهذه الحروب أرهفت قواها واذكت شبابها، ومنعتها من الضعف الذي يصيب الأمم الهانئة الهناء الدائم. ثم دخلت الدولة في عهد الهناء والهدوء في عهد مصيبسا. وكان خيال العدو الجديد وهو الرومان المستقرون في افريقية يرهف قواهم، 109 ويمنعهم من الغفلة والنوم والإخلاد إلى الراحة. فشمروا عن سادهم فازدادوا قوة، واستعدوا للعدو الجديد.

وجاء عهد يوغورطة. فكان كله عهد نضال وحروب. وهو ما حفظ شباب الدولة، وزادها قوة وحيوية. ثم اتصلت حروب الدولة مع الرومان إلى وفاة يوبا الأول. ان هذه الحروب التي خاضتها الأمة، والعدو القوي الذي يجاورها جعلها تتمسك بأسباب القوة والشباب فلم تهرم، ولم تتصدع تصدع البنيان الذي يتداعى للسقوط. فلو تركت هذه الدولة لعاشت مدة طويلة من الزمان حتى تستوفي كهولتها وشيخوختها، ولكنها احتضرت، وقصفت، وفروعها ممتلئة بالزهور، ريانة يغص جذعها وغصونها بالحيوية والطاقة الكبيرة. ولكن ما هي الأسباب التي جعلت هذه الدولة تلقى حتفها في قوتها وشبابها؟

والقوة الحربة. لقد كانت أشجع من الرومان، كثيرة العَدد والعُدد. وقد صارعها الرومان طويلا فلم يصرعوها. ان في شجاعة أبنائها، وثباتهم، وفي مناعة جبالها وصحرائها التي يستطيعون بها حرب العصابات، ما يجعلها تتغلب على الرومان وتدحرهم، وتطهر المغرب منهم لو اتصلت تلك الحروب. ولكن الدولة البربرية الباسلة لا تشتبك في حرب عنيفة مع الرومان إلا ويضربها جيرانها من خلفها، ويقيدونها للرومان فيتغلبون عليها.

فهذا يوغورطة يؤسره للرومان بوكوس الأول،وكذلك يرباص قتله جيشه، ويوبا الأول ضربه أبناؤه من خلفه فقصموا ظهره. وقد كاد يهزم بوليوس قيرص، ويملك افريقية، ويظهرها من الرومان، وبسد باب المعرب في وجوههم. فلو ترك يوبا لقضي على الرومان.

وكذلك يوغورطة لو بقي فواصل حرب العصابات على الرومان لهزمهم، ولكن حسد الجيران وجبنهم وأطماعهم جعلهم يطعنون الدولة البربرية من خلفها ويصرعونها للرومان.

ان الذين طرحوا الدولة البربرية أرضا بغدرهم، ثم جثم عليها الرومان فأزهقوا روحها إنما هم البربر : بوكوس الأول وأبناؤه. فلو اتحدوا معها وحفظوا ظهرها لانتصرت على الرومان، فينجوا المغرب من سباع البحر وجراد روما الذي امتص حياته وجرده من نضارته؛ وتعيش الدولة البربرية الكبرى، وتعيش معها دولة بوكوس الأول وأبنائه، أو تتحد مع جارتها فتصير دولة واحدة من غرب الإسكندرية إلى المحيط الأطلسي، كما تمنى مصينيسا وكل الأحرار المخلصين في المغرب.

لو اتحد المغرب في الزمن القديم فكان دولة واحدة ما استطاع الرومان التغلب عليه. ولو كان متحدا في القرن الثالث عشر الهجري ما استطاع أحفاد الرومان اللاتينيون استعماره والتغلب عليه. وهكذا لا يزال المغرب ضعيفا يتعرض لتسلط الأعداء ما لم يكن دولة واحدة متماسكة على النظام الفدرالي الذي يصلح به. إذا تحقق هذا للمغرب، فانه يرفع رأسه، يكون قوة كبرى يلوذ بها الإسلام والمسلمون، ويجدي الأمة الإسلامية اكبر الجدوى.

وكانت نشأة الدولة البربرية في سنة 240 ق.م. أو قبل ذلك، وزوالها وحكم الرومان للمغرب كله حكما مباشرا في سنة 40 م. فعمرها قرنان وثمانون سنة أو أكثر.

لقد استطاع الرومان ان يمسكوا بخناق الدولة ويزهقوا روحها، ويقطعوا أوصالها في سنة 46 ق.م. لما هزموا يوبا الأول بالخديعة والدس، وتسلطوا على بعض أجزائها فحكموها حكما مباشرا. وبقيت الأجزاء الأخرى فظلت على الاستقلال الداخلي إلى سنة 40 م.

ان عمر الدولة البربرية كدولة مستقلة استقلالا تاما لا سلطان للرومان عليها هو 194 سنة فقط من سنة 240 إلى سنة 46 ق.م.

وجاء الرومان فجثموا بكلكلهم الثقيل على المغرب، فصار مستعمرة لهم ! فمن هؤلاء الرومان؟ أين وطنهم؟ وما أسباب عظمتهم؟ وما حال المغرب في عهدهم.

------------------------

 

تاريخ المغرب الكبير محمد علي دبوز ج1 ص 297-299