مشاهد حضارية في مزاب

  • شهادات أجانب

    Icon 09شهادة أحد الضباط الذين كانوا ضمن الكتيبة العسكرية للعقيد Durrieu عند دخولهم إلى مزاب أثناء جولتهم الاستكشافية بقرى وواحات مزاب ووارجلان و المناطق المحيطة بها سنة 1854 حيث صرح بما معناه : " ...مدن مزاب على قدر كبير من النظافة التي تشكل علامة فارقة بينها و بين القصور و المدن الأخرى التي تغلب عليها الأوساخ ... هذه النظافة التي لاحظناها في مدن بني مزاب لمسناها أيضا في أثوابهم ، فلا نجد عندهم تلك البرانيس التي لم يمسسها الماء إلا يوم هطول المطر و...


    اقرأ المزيد

  • لمسات حضارية واجتماعية للمسكن

    Icon 09
    إن مما يشدّ النظر ويلفت الإنباه في مساكن مزاب تلك القيم الحضارية والاجتماعية المتجسدة في المعمار نفسه بتصاميم بسيطة في أشكالها عميقة في دلالاتها، فالحاجة هي اساس كل بناء، إذ لا توضع مواد بناء إضافية لا تؤدي دورها او...


    اقرأ المزيد

  • مصابيح الزيت نير

    Icon 09إن المجتمع المزابي ككل المجتمعات المهيكلة والمتحضرة له حساسية مفرطة في التعامل مع ما يرد إليه من جديد الأفكار والعادات والتكنولوجيات، وتلك الحساسية نابعة من الخوف على سلامة مكتسباته الحضارية التي عمل على صقلها قرونا عديدة، بخلاف انعدام تلك الحساسية عند...


    اقرأ المزيد

  • المزابي عصامي

    Icon 09مما عرف عن المزابي أنه عصامي حتى النخاع يخدم نفسه بنفسه، ولا يعيش عالة على أحد.. من قديم وهو يبني قصوره وحده .. يحفر آباره وحده.. يشق ترعه ويهندس حقوله وبساتينه ومجال عمارته وحده.. ينظم أفراحه وأتراحه وحده.. يهيكل مجتمعه ويعتمد عاداته ويرسخ أعرافه وحده.. يضع قواعد الزجر الاجتماعي لمخالفي نهجه وإيديولوجيته وحده....


    اقرأ المزيد

  • الاقتصاد في الماء

    Icon 09

    وجه من أوجوه حضارة مزاب هو الاقتصاد في الماء والعيش وفق آليات حفظ الماء تلك هي أهم مقومات حضارة مزاب التي عمّرت لقرون عديدة وأسهمت في ميلاد وتطور علوم وفنون عريقة في تقسيم المياه وازدهار بلاد الشبكة بالحياة والواحات الغنّاء...

    اقرأ المزيد

شهادات لأجانب

مشاهد حضارية في مزاب

Icon 09

 شهادات لأجانب

هذه بعض الشهادات والانطباعات للعديد من المستكشفين والمستشرقين والعسكريين الذين زاروا مزاب خلال القرن التاسع عشر، ودوّنوا ما شاهدوه وعايشوه بأنفسهم بهذه الربوع في مؤلفاتهم ومذكراتهم وتقاريرهم :

01 شهادة إميل ماسكراي

Icon 09

 Émile MASQUERAY

شهادة إميل ماسكراي في كتاب سير الأئمة وأخبارهم لابي زكرياء، المستشرق الذي قدم من أقصى شمال فرنسا سنة 1878م للتنقيب عن المخطوطات الإباضية وبعد معاناة طويلة وصل إلى مراده من بوابة قصر آت مليشت فبقيت صورة أزقتها النظيفة عالقة في ذهنه ولم يستطع نسيانها بالرغم من الكم الهائل من المشاهد والمدن التي مرّ بها خلال رحلته فذكرها في مقدمة كتابه بالعبارة التالية:
 
" Les ruelles de Melika sont plus propre que celles de nos village."
 
أي أن " شوارع آت مليشت أنظف من شوارع قرانا " ( و يقصد قرى فرنسا و أوروبا )-

كتاب سير الأئمة وأخبارهم لابي زكرياء

Icon 09

 

Chronique d'ABOU ZAKARIA traduite et commentée par Émile MASQUERAY 1878.
 
هو عبارة عن ترجمة وتعليق على كتاب سير الأئمة وأخبارهم لابي زكرياء يحيى بن أبي بكر الوارجلاني الذي عاش في القرن الخامس الهجري.

 

رابط تحميل كتاب Chronique_d_Abou_Zakaria.zip


02 شهادة ضابط

Icon 09

شهادة أحد الضباط الذين كانوا ضمن الكتيبة العسكرية للعقيد Durrieu عند دخولهم إلى مزاب أثناء جولتهم الاستكشافية بقرى وواحات مزاب ووارجلان و المناطق المحيطة بها سنة 1854 حيث صرح بما معناه :
" ...مدن مزاب على قدر كبير من النظافة التي تشكل علامة فارقة بينها و بين القصور والمدن الأخرى التي تغلب عليها الأوساخ ... هذه النظافة التي لاحظناها في مدن بني مزاب لمسناها أيضا في أثوابهم ، فلا نجد عندهم تلك البرانيس التي لم يمسسها الماء إلا يوم هطول المطر ولا تلك الخِرق المهترئة والمتسخة (....) المزابي ليس لديه إلا برنوسا واحدا لكنه أبيض، يواظب على الاغتسال و التوضؤ لذلك لا نرى على جسمه اثر تلك خطوط الأوساخ التي تظهر على أبدان ساكنة القرى الأخرى، كما لا نجد عند بني مزاب تلك الآفات المشينة التي يعيش في بؤرها الكثير من السكان و الناجمة عن كل أشكال الفساد و العلل المتولدة عن الكسل، المزابي يكدّ و يعمل؛ و لكنه يجني ثمار تعبه وهو قوي و ذو صحة جيدة ..." 
 
Les villes du Mzab sont tenues avec une propreté qui forme un contraste frappant avec la saleté habituelle des Qs'our; ....Cette propreté qu'on remarque dans les villes, des Beni-Mzab l'observent aussi dans leurs vêtements: chez eux, point de ces bernous qui n'ont été mis en rapport avec l'eau que les jours de pluie, point de ces loques éraillées et crasseuses (....) Le Mzabi n'a qu'un bernous, mais il est blanc il pratique les ablutions, car on ne voit pas sur son corps ces marques impures qui zèbrent les membres du qsourien. Aussi, chez les Beni-Mzab, point de ces hideuses maladies qui sont le lot des populations vivant au milieu de toute les corruptions et de tous les vices qu'enfante l'oisiveté, Le Mzabi travaille; mais sa peine est compensée : il est fort et bien portant ..."(1) 

رابط تحميل كتاب

 Les Français dans le désert Corneille Trumelet pdf

----------------------------------------
(01) Les Français dans le désert / C. TRUMELET.1863 

 شهادة الدكتور جوزيف هوجت

Icon 09

Joseph HUGUE

الطبيب العسكري الدكتور Joseph HUGUET الذي قدم إلى مزاب في مهمة كُلف بها من الحكومة الفرنسية سنة 1897 و مكث فيها 19 شهرا طاف خلالها على كافة قصورها السبعة ، أعد تقريرا مفصلا حول ظروف المعيشة و الوضع الصحــــــي بمزاب و نشره في مقال بدورية سنة 1903 تحت عنوان " الشروط العامة للحيـــــــاة بمزاب. التطبيب و الممارسات الطبية للأهالي " (1) تضمن معلومات دقيقة وهامة جدا نذكر منها ما يلي :

... Il est un fait qui frappe tout particulièrement le voyageur arrivé nouvellement au Mzab, c’est la propreté méticuleuse des rues et des places de chaque ville . … Pas le moindre débris animal ou végétal ne vient souiller les rues, qui sont chaque jour balayées avec le plus grand soin. L’hygiène traditionnelle adonné au Mzab les heureux résultats

Les Mzabites se mettent à la fois en règle avec leur religion et avec l’autorité administrative …. .

"...هناك واقع يثير الدهشة و يشد انتباه أي زائر حديث لمزاب على وجه الخصوص وهو النظافة الفائقة لشوارع و ساحات كل مدينة من مدنها .....لا يوجد أدنى أثر لفضلات حيوانات أو بقايا نباتات قد تسبب في تلطيخ شوارعها التي تُكنس كل يوم بعناية متناهيـــــ . النظافة التقليدية بمزاب أفضت إلى نتائج مرضية .....المزابيون يلتزمون بتعاليم دينهم و بالسلطة الإدارية في آن واحد..."

. …Ce n’est pas seulement cette propreté méticuleuse qui donne aux Ksour du Mzab un cachet tout particulier ; le voyageur est frappé aussi de l’absence totale de chiens. Je me souviens que dans ses leçons sur la rage, à l’institut Pasteur, M. le Docteur Roux nous disait : « Si en France, la surveillance des rues était, au point de vue des chiens, aussi rigoureuse qu’en Allemagne ce serait bien ; s’il n’y avait plus de chiens, ce serait mieux encore, car la rage ne sévirait plus et l’on n’aurait plus à soigner ses nombreuses victimes » Il n’est pas de jour ou, au Mzab, je n’aie eu l’occasion de constater combien notre savant maître de l’Institut Pasteur, disait vrai et combien la réalisation d’un état de chose, si profitable aux habitants des Ksour du Mzab. … .

"...ليست فقط تلك النظافة الفائقة ما يميّز قصور مزاب ويمنحها طابعا خاصا ، بـــــــل الوافد إليها أيضا يُذهل لخلوها من الكلاب ، أتذكر في دروسه حول داء الكلب بمعهــــــد باستور كان الدكتور Roux يقول لنا " إذا كانت في فرنسا مراقبة الكلاب بشوارعهـــــا صارمة مثلما هو الحال بألمانيا سيكون ذلك جيدا أما إذا لم تكن فيها كلاب أصلا فسيكون الأمر أفضل ، لأنه في هذه الحالة لن ينتشر داء الكلب و لن نضطر لعلاج ضحايــــــاه الكثيرين". فلم يمر عليّ يوم في مزاب دون أن تكون لدي فرصة التأكد كم كان عالمنا الأستاذ بمعهد باستور يقول الصواب وكم هو تجسيد ذلك ميدانيا مفيد لسكان قصـــــــور مزاب...."

. …Ce n’est pas tout ce que nous avons à dire sur l’hygiène telle qu’elle est pratiquée au Mzab. Il n’est pas de rue ou l’on ne trouve des cabinets d’aisances publics tenus dans le plus grand état de propreté. Chacun de ces endroits spéciaux est pourvu d’une fosse fixe dont la vidange est faite fréquemment. Le souci de la propreté est, même dans les cabinets d’aisances publiques. Poussé à un tel degré que les Mzabites les munissent de ce qui en France serait appelé papier hygiénique ; au Mzab ce sont de grosses boulettes ovoïdes en argile durcie .Non seulement les villes mais aussi les jardins de l’oasis possèdent des cabinets d’aisances à l’usage de tous...

-----------------------------

(1) Les conditions générales de la vie au Mzab. La médecine et les pratiques médicales indigènes / Joseph HUGUET./ Bulletins et Mémoires de la Société d'Anthropologie de Paris. article 1903

 تيشلاتين

Icon 09

Ticellatin ⵜⵉⵛⴻⵍⵍⴰⵜⵉⵏ

".. ليس هذا فحسب كل ما يمكن قوله حول النظافة الصحية المنتهجة بمزاب .إذ لا يوجد شارع لا توجد فيه مراحيض عمومية في غاية النظافة . و كل مكان من هذه الأماكن الخاصة تتوفر على حفرة ثابتة يتم تفريغها بصفة متكررة. و الحرص على النظافة حتى في داخل المراحيض العمومية دفع بالمزابيين إلى درجة تزويدها بما قد يسمى في فرنسا بالورق الصحي وفي مزاب هي عبارة عن كريات كبيرة بيضاوية الشكل من الطين الصلب . ولا تقتصر المراحيض العمومية على المدن فقط بل تنتشر أيضا في حدائق الواحة وبإمكان الجميع استعمالها ...." .

المضحك المبكي في هذه النقطة بالذات أنه إلى غاية سنة 2018 لم تتمكن جل المدن الجزائرية المتحضرة ومرافقها العمومية أن تتجاوز مشكلة المراحيض العمومية ، فهي في الغالب منعدمة و إذا توفرت !!! فلا داعي للتحدث عن حالتها. و بدون خجل نقول أن التمدن و التحضر يبدأ من المراحيض و الجهلاء لا يهتمون ببيوت الخلاء.

شهادات المستكشفون الفرنسيون

Icon 09

هذه شهادات بعض الوافدين إلى مزاب حول ما عايشوه وشاهدوه بأم أعينهم في قصورها هذه المرة من أغرم ن إقرارن، أين وصل إليها في بداية شهر ماي من عام 1861م فريق من المستكشفين الفرنسيين في رحلة بحث واستكشاف جيولوجي شملت أيضا مزاب و وارجلان والمناطق السهبية لتحديد مواقع المياه الجوفية، فخيموا أمام أحد مداخل المدينة في الجهة الغربية وتجولوا في أرجائها وهذا من بين ما رواه أحد مهندسي الوفد حول ما شاهده بقصر القرارة :

« La nuit, les rues sont éclairées par de petites lampes à huile que les propriétaires des maisons placent dans des niches percées dans les murs ; cela dénote, chez les Mozabites, un certain amour du confortable, qui est prouvé du reste par la propreté de leurs maisons. Les Mozabites sont des gens fort intelligents, fort actifs, et qui s’occupent de commerce, d’agriculture et de travaux hydrauliques avec une très grande habileté… »(1)

" في الليل، الشوارع تضاء بقناديل زيت صغيرة يضعها أصحاب المنازل في كوات على شكل ثقوب في الجدران؛ وهذا يدل على ولع المزابيين بقدر معين من الرفاهية وقد ثبت ذلك من خلال نظافة منازلهم. المزابيون هم أناس أذكياء جدا وناشطون جدا ، يمارسون التجارة والفلاحة وأشغال الري بمهارة كبيرة جدا ..."المزابيون أناس أقاموا نظام إنارة عمومية قبل أن يتوهج مصباح إيديسون بقرون وحبسوه على أنفسهم كوقف ينيرون به دروب و أزقة ومساجد قراهم؛ ومازالت عادة إنارن ن المولود التي حافظ عليها أبناء آت إزجن شاهدة على ذلك أين يتم نقل وجمع زيت المصابيح بالمسجد في مراسيم احتفالية فريدة.لم يكتف ذلك المهندس بهذا الإنطباع فقط بل أضاف وقال :
 

« Les Mozabites étant des hommes énergiques, laborieux, sobres, intelligents, et bien supérieurs, sous tous les rapports, aux nomades qui les entourent , nous pensons qu’après la description géologique du sol ingrat qu’ils ont vaincu par leurs rudes travaux… »(4)"

 
إن المزابيين رجال حيويون ، مجدون ، رصينون ، أذكياء و متفوقون كثيرا من كل النواحي على البدو الذين يحيطون بهم ، ونعتقد بعد الوصف الجيولوجي للتربة الفقيرة والغير معطاءة أنهم تغلبوا عليها بفضل أعمالهم الشاقة ..."

------------------------------

(1)  Exploration géologique du Beni Mzab, du Sahara et de la région des steppes de la province d’Alger / M. VILLE ingénieur en chef des mines . 1867 

المصدر Bakir Bennacer

كلود موريس روبير

Icon 09

Claude Maurice ROBERT

كلود موريس روبير شاعر وكاتب فرنسي رحالة أمضى فترة طويلة من حياته متجولا ومتنقلا بين مختلف مناطق شمال إفريقيا خاصة في صحاريها، كتب مقالا عن مزاب بعد وصوله إليها من إحدى رحلاته التي استغرقت عدة أشهر في أقاصي الصحراء في ثلاثينيات القرن الماضي؛ فكان مقاله الذي طغى عليه الأسلوب الأدبي متفاعلا ومعبرا عن حالته الشعورية من الموقف آنذاك، يمكن أن نلمس ذلك من بعض فقراته التالية وقد حاولت الإحاطة بمعانيها بشكل تقريبي من خلال الترجمة التي تليه :

« Le Mzab! j'en rêvais à Alger dans les rues Randon et de la Lyre, qui sont le fief, là-bas des émigrés d'ici; j'en rêvais à Constantine; j'en rêvais à Tunis; j'en rêvais depuis dix ans. J'aspirais connaitre cette mystérieuse Chebka. Dans les filets de laquelle, avais-je lu et me disais-on, rebelle à toute influence moderniste du dehors, Se terrent les fanatiques tenants de la doctrine Ibadite.....
M'y! Voici, je regarde et je bée émerveillement. Une fois de plus je constate combien est fausse et injuste l'opinion si répandue " qu'une oasis ressemble à toutes les oasis "
Le Mzab est différent de tous ce qu'on n'a vu. Ce n'est pas le Djerid, ce n'est pas le Souf; ce n'est pas le Gourara ce n'est pas l'Aurès. Afrique aux cents visages. 
La première impression pour qui arrive en droite ligne de la frontière Soudanaise, du Hoggar et du Touat, où la vie est si lente qu'on peut la croire moribonde. C'est que le Mzab est un pôle rayonnant d'énergie vivante, dont les ondes nous soulèvent, nous roulent et nous exaltent ici, on vit. Ici le sang circule et bat dans les artères. Ici l'on est des hommes et non plus des momies. Ah! Que nous voici loin des léthargies Touarègues ! Le dépaysement si grand, si brusque qu'on doute d'être lucide; on croit rêver, on est halluciné, c'est un mirage encore...
Tant de boutiques, et si pleins d'objets brillants, lorsque durant des mois on a manqué de tout....
Toutes les images qui illustrèrent notre histoire sainte enfantine, tout ce qu'on a lu dans Virgile, dans Théocrite et Odyssée, tout cela est là, visages, costumes, attitudes, hommes et bêtes miraculeusement préservés pour la joie de nos yeux et étonnement de notre esprit »(1)
 
[مزاب حلمـــــــت بها بالجزائر العاصمة في شوارع "روندون" و " لا لير" معقلهم هناك ومهجرهم هنا، حلمت بها في قسنطينة، حلمت بها في تونس، حلمت بها منذ عشر سنين. كنت أتتوق لمعرفة هذه الشبكة الغامضة التي قرأت عنها وقيل لي أنها متمردة عن أي تأثير حداثي خارجي، تحصّن وتموقع فيها متعصبون من أتباع المذهب الإباضي .....

ها أنا ذا فيها أشاهدها وأنا مشدوه ومنبهر. مرة أخرى أكتشف كم كان خاطئا وغير عادل الإعتقاد السائد بأنها "واحة تشبه جميع الواحات"

إن مزاب تختلف عن كل ما رأيناه من قبل، ليست ببلاد الجريد وليست بسوف؛ ليست بقورارة وليست بالأوراس. إفريقيا ذات مئة وجه.

إن الإنطباع الأول لكل قادم إليها مباشرة من حدود بلاد السودان، الهقار وتوات حيث الحياة بطيئة جدا إلى حد الإعتقاد أنها تحتضر، أن مزاب هو قطب يشع بطاقة حية، موجاته ترفعنا - ترفع من هممنا- و تدفعنا وتحمسنا. هنا نحيا هنا، الدم يسري و ينبض في الشرايين. هنا نحن رجال ولسنا مومياوات. آه ها نحن هنا بعيدون عن خمول التوارق. الأجواء و المشاهد مغايرة تماما ومفاجئة جدا إلى درجة أن ساورنا الشك أننا أيقاظ وظننا أننا نحلم أو نهذي و أنه سراب مرة أخرى ....

محلات تجارية كثيرة تعج بالسلع الرائعة، بعد أن كنا افتقدنا كل شيء لعدة أشهر ...

كل الصور التي إرتسمت في تاريخنا الطفولي الطاهر، كل ما قرأناه حول  Odyséeو Théocrite  Virgile كل هذا حاضر هنا، وجوه، أزياء، مظاهر، رجال و دواب محضية بشكل عجيب لتصنع البهجة لنا و تبث في روحنا الدهشة".]

شهادات متنوعة لشخصيات متعددة وفي أزمنة مختلفة تصب معظمها في إتجاه واحدة وتتفق جلها مع ما سلف ذكره وبكل تأكيد هناك العشرات منها التي أجهلها؛ ليس الغرض من عرض مثل هذه الإنطباعات الإيجابية التباهي بها والإفتخار وإنما لاستخلاص الدروس والإعتبار، هي موجهة إلينا بالأساس لنستشعر منها مدى التيهان الذي نحن فيه الآن ونتخذها كبوصلة نضبط بها الإتجاه الصحيح لمسارنا لأننا فقدنا الكثير من تلك المقومات .. وحتى لا نسقط في فخ البكاء على الأطلال والمثاليات والمبالغات وأفلاطونيات الجمهورية الفاضلة، فإن اسلافنا لم يكونوا ملائكة بل كانوا بشرا ولم يخلو مشوارهم من النكاسات والنزاعات والأزمات بل كانوا يصيبون ويخطئون ويُوفّقون ويخفقون ولكنهم كانوا يحاولون في كل مرة تقويم أخطائهم وتجاوزها والتعلم منها وفي كل الحالات كانوا يحافظون على تلك القيم الفاضلة التي إرتقوا بها إلى سلوك وفعل جماعي وممارسة يومية جسّدوها في عمرانهم ونشاطاتهم الإقتصادية وذلك هو جوهر التمدن والتحضر.

-------------------------------------------------------------------------------

(1) - L'Afrique du nord illustrée : journal hebdomadaire/ Claude Maurice ROBERT - 1936
 
المصدر: Bakir Bennacer

مصابيح الزيت نير

مصابيح الزيت نير

Icon 09لماذا تريث بنو مژاب في قبول دخول الكهرباء إلى قصورهم إبان الإستعمار(1)؟

إن المجتمع المزابي ككل المجتمعات المهيكلة والمتحضرة له حساسية مفرطة في التعامل مع ما يرد إليه من جديد الأفكار والعادات والتكنولوجيات، وتلك الحساسية نابعة من الخوف على سلامة مكتسباته الحضارية التي عمل على صقلها قرونا عديدة، بخلاف انعدام تلك الحساسية عند أشتات المجموعات البشرية التي ليس عندها ما تخاف عليه ولا ما تخسر، تقبل اليوم الكهرباء وغدا سموم السجائر وبعدها لا ندري ما ستحمله الواردات الفكرية والسلعية الملغومة.

والأمر الآخر أن المحتمع المزابي كانت له منظومة كاملة للانارة التقليدية، خاصة وعمومية، وله أوقاف ومتفرغون لإدارتها وصيانتها، فليس عنده ما يستعجله لقبول تقنية تتوغل داخل البيوت والمساجد قبل أن يتعقل جيدا مكامنها ومآلاتها.

والأمر الأخير أن العلاقة المتوترة مع المستعمر زادت من حساسية القضية، فليس من الحكمة أن تسارع في فتح ابواب بيتك ومسجدك ليدخل عدوك أسلاكه إليها دون الخوف من حيله وأغراضه الخفية.

وسيبقى المجتمع ممانعا من كل وافد جديد، فله من المكتسبات ما يشرع له تلك الممانعة، ويعطي له الحق في نصب تلك المصفاة الأخلاقية على عتباته، لتفرز أوساخ العصر عنه، ولما يتأكد من نقاء الوافد يحتضنه ويبدع فيه ويدمجه في منظومته الحضارية.

 

Icon 09شهادات بعض الوافدين إلى مزاب

هذه شهادات بعض الوافدين إلى مزاب حول ما عايشوه وشاهدوه بأم أعينهم في قصورها هذه المرة من أغرم ن إقرارن، أين وصل إليها في بداية شهر ماي من عام 1861م فريق من المستكشفين الفرنسيين في رحلة بحث واستكشاف جيولوجي شملت أيضا مزاب و وارجلان والمناطق السهبية لتحديد مواقع المياه الجوفية، فخيموا أمام أحد مداخل المدينة في الجهة الغربية وتجولوا في أرجائها وهذا من بين ما رواه أحد مهندسي الوفد حول ما شاهده بقصر القرارة :

« La nuit, les rues sont éclairées par de petites lampes à huile que les propriétaires des maisons placent dans des niches percées dans les murs ; cela dénote, chez les Mozabites, un certain amour du confortable, qui est prouvé du reste par la propreté de leurs maisons. Les Mozabites sont des gens fort intelligents, fort actifs, et qui s’occupent de commerce, d’agriculture et de travaux hydrauliques avec une très grande habileté… »(1)


" في الليل، الشوارع تضاء بقناديل زيت صغيرة يضعها أصحاب المنازل في كوات على شكل ثقوب في الجدران؛ وهذا يدل على ولع المزابيين بقدر معين من الرفاهية وقد ثبت ذلك من خلال نظافة منازلهم. المزابيون هم أناس أذكياء جدا وناشطون جدا ، يمارسون التجارة والفلاحة وأشغال الري بمهارة كبيرة جدا ..."

المزابيون أناس أقاموا نظام إنارة عمومية قبل أن يتوهج مصباح إيديسون بقرون وحبسوه على أنفسهم كوقف ينيرون به دروب و أزقة ومساجد قراهم؛ ومازالت عادة إنارن ن المولود التي حافظ عليها أبناء آت إزجن شاهدة على ذلك أين يتم نقل وجمع زيت المصابيح بالمسجد في مراسيم احتفالية فريدة.


لم يكتف ذلك المهندس بهذا الإنطباع فقط بل أضاف وقال :


« Les Mozabites étant des hommes énergiques, laborieux, sobres, intelligents, et bien supérieurs, sous tous les rapports, aux nomades qui les entourent , nous pensons qu’après la description géologique du sol ingrat qu’ils ont vaincu par leurs rudes travaux… »(2)


" إن المزابيين رجال حيويون ، مجدون ، رصينون ، أذكياء و متفوقون كثيرا من كل النواحي على البدو الذين يحيطون بهم ، ونعتقد بعد الوصف الجيولوجي للتربة الفقيرة والغير معطاءة أنهم تغلبوا عليها بفضل أعمالهم الشاقة ..."

Icon 09 المصابيح الزيتية

المصباح الزيتي هو أداة تستخدم لتوليد الضوء بإستمرار لفترة زمنية بإستخدام مركب زيتي كوقود. وكانت تستخدم قديما كبديل عن الشموع قبل استخدام الأضواء الكهربائية والمحتمع المزابي كانت له منظومة كاملة للانارة التقليدية، خاصة وعمومية، وله أوقاف ومتفرغون لإدارتها وصيانتها. والمصباح الزيتي نوعان محمول وثابت:

المصباح الزيتي الثابت:

يسمى بالمزابية تبسبوست tbusbust جمع تيبوسبوسين مشتقة من كلمة تّبّس ttebbes بمعنى تلمع، وهو عبارة عن ثقب بيضوي الشكل يكون في الجدار. يوضع فيه الزيت وفتيلة للانارة المنازل والمساجد وكذا الإنارة العمومية للأزقة حتى في الواحات عند نسح الماء من البئر وقت السحر حيث الظلمة يخصص للمصباح الزيتي مكان في سارية البئر.

Icon 09 المصباح الزيتي المحمول:

يسمى بالمزابية نير وهو وعاء نحاسي على شكل مربع بحواف غير مرتفعة نسبيا ويحمل بيد متوسطة الطول يوضع فيه الزيت وفتيلة للانارة ولا يزال قصر بن يزجن يستعمل هذه المصابيح الزيتية في إحياء مناسبة المولد النبوي. موعد الاستعراض يبدأ بعد صلاة المغرب حيث تحمل تلك المصابيح المضاءة بواسطة الزيت من طرف الأطفال المصحوبين بأوليائهم وهم يتجولون عبر مختلف أزقة القصر ويرددون الأناشيد والمدائح الدينية وذلك قبل التوجه إلى بهو أمام المسجد حيث يوضع وعاء كبير تسكب فيه زيت المصابيح المتبقي كوقف لإنارة المسجد خلال السنة. بعد إنقضاء تضاهرت المولد النبوي ترجع المصابيح إلى وظيفتها التزينية في المنازل الى حين حلول ذكرى المولد النبوي للسنة الموالية.

وأسفنا أن هذه الممانعة بدأت تفتر فأصبحنا الآن نعاني من ويلات الاستلاب لكل مستورد، وبدأنا نفقد يقظتنا الحضارية.

---------------------------

(1) مقتطف من مقال الأستاذ شخار أبونصر

(2)  Exploration géologique du Beni Mzab, du Sahara et de la région des steppes de la province d’Alger / M. VILLE ingénieur en chef des mines . 1867 

الاقتصاد في الماء

الاقتصاد في الماء

Icon 09هذه صورة مأخوذة من تربص تعليم الصلاة يظهر فيها المتربصين يتدربون على إسباغ الوضوء بالأباريق.

وجه من أوجوه حضارة مزاب هو الاقتصاد في الماء والعيش وفق آليات حفظ الماء تلك هي أهم مقومات حضارة مزاب التي عمّرت لقرون عديدة وأسهمت في ميلاد وتطور علوم وفنون عريقة في تقسيم المياه وازدهار بلاد الشبكة بالحياة والواحات الغنّاء.

 

 

 

 

 

المصدر : Slimane Hadj

 

وادي مزاب المدينة الدّولة

وادي مزاب المدينة الدّولة

Icon 09مقدّمة

لقد تعدّدت الكتابات عن وادي مزاب، وإنّك لتحسّ دائما بإعجاب أصحابها بما تختصّ به هذه المنطقة من امتيازات شتّى [1] لكنّك عبثا تحاول العثور على دراسة شاملة مستوفاة تخضع للمقاييس الّتي ضبطها Copenhagen Polis Center في دراسته عن عديد من مناطق العالم وسمّاها City-State [2] ،وقد تبيّن لعلماء هذا المركز العلمي أنّ وادي مزاب ليس ببعيد أن يخضع لهذه المقاييس فاعتبروها في إحصائهم واحدة من عديد المدن الّتي تخضع لهذه المقاييس [3]، وإنّنا سنسعى في هذه الدّراسة المتواضعة ـ تلبية لرغبة الهيئة الموقّرة المشرفة على حظوظ هذا الصّرح العلميّ الشّامخ ضمن الأكادميّة الملكيّة الدّنماركيّة العريقة في هذا البلد الصّديق ـ إلى الإجابة عن هذا السّؤال: هل يمكن اعتبار وادي مزاب City-State فعلا ؟.

وقبل الإجابة عن هذا التّساؤل الّذي يعطي لهذه الدّراسة طرافتها نرى لزاما علينا أن نضع هذه المنطقة في إطارها المكاني والزّماني، أمّا الإجابة عن الإشكاليّة المطروحة فستقوم على المحاور التّالية:

1 ـ العمران في وادي مزاب.

2 ـ المجتمع المزابي.

3 ـ الحياة الفكريّة في وادي مزاب.

4 ـ الحياة الاقتصاديّة في الوادي.

5 ـ الحياة السّياسيّة في الوادي.

تــمـهـيـد

التّعريف بوادي مزاب عبر المكان والزّمان

بلاد الشّبكة: يطلق هذا الاسم على هضبة صخريّة كلسيّة تقع شمالي صحراء الجزائر وتمتاز عن بقيّة المناطق المجاورة لها بطبيعتها القاسية، فهي صحراء، سمّيت كذلك لأنّها تتخلّلها أودية عديدة لا يتجاوز عمقها مائة متر، تتّجه كلّها من الشّمال الغربيّ نحو الجنوب الشّرقيّ عند بحيرة تكتنفها الرّمال شمال غرب ورقلة.

مساحة بلاد الشّبكة حوالي ثمانية وثلاثين ألف كلم مربّع. يحدّها شمالا وادي بوزبير، وغربا وادي زرقون، وتمتدّ شرقا فتشمل زلفانة والقرارة، وتختلط جنوبا مع بلاد الشّعانبة.مركزها الحالي مدينة غرداية الّتي تبعد عن الجزائر العاصمة ب 490 كم عن طريق الجوّ جنوبا حيث نجدها في تقاطع خطّ العرض الشّمالي32° 30’ وخطّ الطّول الشّرقيّ 3° 45’.

أهمّ الأودية:

وادي زقرير ووادي نسا ووادي مزاب ووادي متليلي.

وادي مزاب يستقبل مياه وادي العذيرة ووادي الأبيض ووادي التوزوز، ويسقي واحة غرداية وواحة مليكة، ثمّ تنسكب فيه من الغرب مياه وادي أزيول الّذي يسقي بدوره جزءا من واحة بونورة، ثمّ يتّجه إلى العطف فزلفانة، وينتهي في سبخة الهيشة على بعد 16 كلم من نقوسة شمال ورقلة.

وبلاد مزاب هي الجزء الأكبر من بلاد الشّبكة وتضمّ اليوم المدن السّبع: غرداية، مليكة، بني يزقن، بونورة، العطف، برّيان والقرارة. أمّا بنو مزاب فلا يسمّون بلادهم في لغتهم البربريّة إلاّ (أغلان) ويطلقون على وادي مزاب اسم (إغزر أو غلان) علما أنّ (إغزر) كلمة مزابيّة معناها وادي ومساحتها حوالي 8000 كلم مربّع بين خطّ العرض 32° و2’ ،33° شمالا وخطّ الطّول 0°4’و2° 30’ شرقا [4].

ولقد ظلّت وادي مزاب واصلية [5] العقيدة فيما نعلم إلى أن وصلها أبو عبد الله محمّد بن بكر الفرسطّائي (440/1049) [6] في مطلع القرن الخامس/ 11 فتحوّل أهلها إلى الإباضيّة واستمرّت على ذلك إلى يومنا هذا، بل هي اليوم أهمّ معاقل الإباضيّة في شمال إفريقيا على الإطلاق. فماذا بعجالة عن الإباضيّة وعن وصولها إلى وادي مزاب.

الإباضيّة مذهب من المذاهب الإسلاميّة وهو من أقدمها نشأة، ذاك أن كتب الفرق والتّاريخ تنسبه إلى الخوارج، لكنّ أهل المذهب جميعا يتبرأون من هذه النّسبة [7]. ذاك أنّهم يعتبرون أنّهم لم يخرجوا عن الإمام عليّ (40/660)، وإنّما بايعوا إماما لهم وهو عبد الله بن وهب الرّاسبيّ (9 صفر 38/ 17 جوان 658)، إذ اعتبروا أنّ عليّا قد تنازل عن بيعته بقبوله تحكيم الحكمين. وقد اتّضح موقفهم خاصّة عندما تجلّت خدعة عمرو بن العاص. وقد كانت لهم مناظرات مع أمير المؤمنين الّذي ناصروه قبل التّحكيم، انتهت بمعركة النّهروان (38/658) الّتي قتل فيها عبد الله بن وهب الرّاسبيّ. فتحوّلت الإمامة إلى عروة ثمّ إلى أبي بلال مرداس بن حدير الّذي كان يصدر رأيه عن الإمام جابر بن زيد (93/711) [8]. وكانت هذه الجماعة تطلق على كيانها إحدى التّسميات التّالية: جماعة المسلمين، أهل الاستقامة، أهل الدّعوة، إلى أن برز في الواجهة السّياسيّة الإمام عبد الله بن إباض (86/705) [9] وانظمّ مع المحكّمة إلى عبد الله بن الزّبير (75/695)، فلمّا تبيّن لهم أنّه عثماني المنزع اعتزلوه وعقدوا لهم اجتماعا في صومعة البصرة (64/683)، فنادى من نادى منهم بالخروج والاستعراض وتكفير المسلمين كفر شرك وعلى رأسهم نافع بن الأزرق (65/685)، فامتنع عبد الله بن إباض وهو اللّسان النّاطق باسم الجماعة الّتي يقودها الإمام جابر بن زيد سرّا عن مثل هذا الموقف ودعا إلى بالقعود والتّريّث، فوصمت جماعته بالقعدة [10]، وسمّيت الإباضيّة نسبة إلى عبد الله بن إباض. وهذا التّاريخ 64/683 يعتبر اللّحظة الحاسمة الّتي نشأت فيها هذه الفرقة سياسيّا وعقديّا ليتجلّى فقهها بعد ذلك شيئا فشيئا على يدي إمامها جابر بن زيد ذاك الّذي استقرّ في البصرة واتّخذها منطلقا للدّعوة في الكتمان رغم مضايقات الدّولة الأمويّة وتسلّط واليها على العراق الحجّاج بن يوسف (95/714).

وما أن توفّي الإمام جابر بن زيد حتّى خلفه تلميذه أبو عبيدة مسلم بن أبي كريمة التّميمي بالولاء (145/762) [11] وبإمامته تبلورت أسس المذهب سياسة وعقيدة وفقها فعرفت مسالك الدّين في السّياسة وهي الظّهور والدّفاع والشّراء والكتمان [12]، وتأصّلت في العقيدة أسس تنزيه الباري تعالى وبقيّة أسس هذه العقيدة [13]، وتجلّت الخطوط الرّئيسيّة للفقه وأصوله قائمة على الأحوط في أغلب الاختيارات، مع المرونة عند الاحتياج إلى ذلك [14].

وعلى عهد أبي عبيدة أعلنت إمامة الظّهور في اليمن والمدينة المنوّرة مع ثورة الإمام عبد الله بن يحيى طالب الحقّ (130/748) وقائده أبي حمزة الشّاري (130/748). كما أعلنت إمامة الظّهور بعمان مع الإمام الجلندى بن مسعود (134/751)، واستطاع حملة العلم إلى شمال إفريقيا أيضا وهم أبو الخطّاب عبد الأعلى المعافري (144/762) وعبد الرّحمان بن رستم (160ـ171/776ـ787)، وعاصم السّدراتي (ق2/8) وإسماعيل ابن دارار الغدامسي (ق2/8) وأبو داود القبلي النّفزاوي (ق2/8)، أن يعلنوا إمامة الظّهور سنة 140/758 بطرابلس الّتي انتهت سنة 144/762.

وبعد عشرين سنة تقريبا أعلن الإمام عبد الرّحمان بن رستم إمامة الظّهور بتاهرت بالمغرب الأوسط سنة 160/776 وتنتهي هذه الإمامة بعد أن عمّرت قرنا وثلث قرن سنة 296/787 ليتحوّل معها الإباضيّة في شمال إفريقيا إلى الكتمان، وقد حاولوا بعدها الرّجوع إلى الظّهور فشنّوا ثورتين على الدّولة الشّيعيّة [15] لكنّهم لم يتمكّنوا من ذلك فظلّوا على مسلك الكتمان إلى يومنا هذا حيث انحصر كيانهم في جبل نفوسة وزوارة بليبيا وجزيرة جربة بالبلاد التّونسيّة وبوادي مزاب بالجزائر.

وتذكر المصادر أنّ الأمازيغ اعتنقوا الإسلام عند انتهاء الفتح الإسلاميّ لشمال إفريقيا سنة 84/703، ولمّا ظهرت المذاهب الفقهيّة سبقت إلى وادي مزاب أصول المعتزلة فأخذوا بها، وكانوا يسمّون واصيلة، نسبة إلى واصل بن عطاء (131/748). يقول إبراهيم مطياز: "فالمعتزلة الّذين كانوا في هذا الموطن... كانوا منعزلين عن بني رستم، بل كانوا يحاربون الرّستميّين [16]." وأشهر علمائهم في هذا العهد سليمان بن عبد الجبّار دفين العطف، وكان معتزليّا.

ويجمع المؤرّخون على أنّ تحوّل أهل وادي مزاب إلى المذهب الإباضيّ يرجع سببه إلى الدّعوة الّتي قام بها الدّاعية أبو عبد الله محمّد بن بكر. وتذكر المصادر أنّ لأبي عبد الله راعيا كان يرسله إلى وادي مزاب، كما أنّه بعد رجوعه إلى أريغ سنّ لنفسه سنّة وهي أن يرجع هناك مع طلبته كلّ سنة وذلك في فصل الرّبيع إذ كان يقضي الشّتاء في أريغ [17]. ولم يكن أهل وادي مزاب ليقبلوا رعاية أغنام أبي عبد الله بيسر في باديتهم إذ كانوا يسطون عليها [18] ويذكر إبراهيم مطياز أنّ هذا الانتقال إلى وادي مزاب كان بعد مشورة طويلة بين مشائخ أهل الدّعوة في أريغ: "انعقد مؤتمر بأريغ حوالي 420/ 1030 للنّظر في مسائل تهمّ الوطن منها قضيّة اللاّجئين من فلول رعايا بني رستم... وقد غصّ أريغ بسكّانه وبأولئك اللاّجئين... فانتدب لذلك الشّيخ أبو عبد الله لأداء هذه المهمّة فقام بها على أحسن وجه، واستقرّ الرّأي في النّهاية على النّزوح إلى هذا الوطن ـ وادي مزاب ـ وتعميره بما يصلح سكّانه المعتزلة من العلم والألفة وحسن الجوار... وفي عام 422/1032 وصل بلدة العطف الوسط المعمور أكثر من غيره بالمعتزلة، وكان ذلك بعد موت عالم الوطن سليمان بن عبد الجبّار[19]."

ويلاحظ الشّيخ مطياز أيضا أنّ نضال أبي عبد الله كان طويلا لتحويل هؤلاء المعتزلة إلى الإباضيّة فكلّفه ذلك أن قتلوا ابنه إبراهيم. كما أنّ تحوّلهم هذا لم يكن جماعيّا ولا فوريّا ويذكر بعض الأدلّة على ذلك منها: "وجود مقبرة في بونورة من النّفوسيّين ماتوا في بعض المعارك بين المعتزلة والنّازحين إلى مزاب وذلك أواخر القرن الخامس/ 11.

هكذا عرفنا كيف استقرّ الإباضيّة في وادي مزاب فكيف عمروها ؟

تأليف فرحات بن عليّ الجّعبيري

المراجع:

[1]ـ عليّ يحيى معمّر: الإباضيّة في الجزائر. مكتبة وهبة ط 1 القاهرة. ص 409 ـ 450 . 1399/1979.

G. Marcy : Le Mzab et les bérbéres ibadhites de l’Algérie. Bultein de l’enseignement. Publié au Maroc. N° 169. Juill-Sep 1941. P 210 – 228.

L. d’Armagnac : le Mzab et le pays. Chaamba. Algérie, Baconnier, 1934…

[2]ـ Cf : Mogens Herman Hansen : Poleis and City-States, 600 – 323. A Comprehensive Research Programme.

وقد اعتمد مقال:

E.E.A. Alport : The Mzab. Arabes and Berberes (London 1972) ; 141-152. P 9-17

وقد اطّلعنا على المقال في طبعته الثّانية. وثيقة مرسلة من الكاتب نفسه وهو مدير هذا المركز.

[3]ـ نفس المقال ص 11.

[4]ـ انظر الخريطة رقم 1. ر. يوسف بن بكير الحاج سعيد: تاريخ بني مزاب. دراسة اجتماعيّة واقتصاديّة وسياسيّة. المطبعة العربيّة. غرداية 1992ص 9. MZAB 2EI .

[5]ـ نسبة إلى واصل بن عطاء (131/748). مؤسّس فرقة المعتزلة. ر. الزركلي: الأعلام. 9/121.

[6]ـ الجّعبيري: نظام العزّابة عند الإباضيّة في جربة، نشر المعهد القوميّ للآثار بتونس. المطبعة العصريّة تونس 1975 ص 29 ـ 57.

[7]ـ Of. Ennami A.K : Studies in ibadism. A thesis submited to the University of Cambridge for the degree of Doctor of Philosophy. Fitzwillam College, Cambridge. May / 1971 polycope P 1 – 53.

عليّ يحيى معمّر: الإباضيّة بين الفرق الإسلاميّة، مطابع سجلّ العرب . ط 1 1396/1976. عدّة فصول في الموضوع.

فرحات الجّعبيري: البعد الحضاري للعقيدة الإباضيّة: ط جامعة السّلطان قابوس، سلطنة عمان 1987 ص 31. 91.

Mikko. Vehkavaara : « The distinctive features of al.labàdia » . studia orientalia. Edited by the finish oriental society. Volume 82. P 129 – 145 . Helsinki 1997.

[8]ـ وقد غفل Alport تماما عن ذكر جابر بن زيد في عرضه التّاريخيّ الّذي مهّد به لبحثه عن مزاب الّذي ذكرناه في تعليق عدد 2. Ennami ; Studies p 54-93

[9]ـ عوض خليفات: نشأة الحركة الإباضيّة. مطابع دار الشّعب عمّان الأردن 1987. 75. 85.

[10]ـ لقب يقصد به التّهجين، فهو عند الخوارج من التّخاذل.

[11]ـ مبارك الرّاشدي: الإمام أبو عبيدة مسلم بن أبي كريمة وفقهه. مطبعة الوفاء. المنصورة. 1413/1993. 135ـ94 Ennami ; Studies

[12]ـ مسالك الدّين عند الإباضيّة أربعة وهي: الظّهور: الإمامة الفعليّة للإباضيّة وهي شورى بينهم. الدّفاع: تعيين إمام في حالة محاربة العدوّ وتنتهي إمامته بانتهاء الحرب. الشّراء: من شروطه أن يجتمع أربعون من المخلصين فيبيعون أنفسهم في سبيل الله، وهدفهم معسكر السّلطان، ولا يقاتلون إلاّ من قاتلهم. الكتمان: تكوين نظام داخليّ للإباضيّة. عمر بن جميع: مقدّمة التّوحيد ط 2/1392/1973 ص69.

[13]ـ الجّعبيري: البعد الحضاري للعقيدة الإباضيّة.

[14]ـ الرّاشدي: أبو عبيدة.

[15]ـ الجّعبيري: نظام: ص 5 ـ 6.

[16]ـ إبراهيم مطياز: تاريخ وادي مزاب خ مكتبة الحاج سعيد. غرداية ص 6. الحاج سعيد: عن تاريخ بني مزاب. ص 16.

[17]ـ الجّعبيري: نظام: 24ـ25.

[18]ـ ن. م: 39.

[19]ـ الحاج سعيد: تاريخ بني مزاب: 24.