مئذنة مسجد غرداية العتيق نموذجا(01)
تسمى المئذنة بلسان أهل مزاب بأعساس فيقال "أعسّاسْ نْ تْغَرْدايْتْ" أي مئذنة غرداية.
أعسّاس، من العسة والحراسة والمراقبة وذلك لتبوئها مكانا هاما فوق أعلى قمة بالمدينة زيادة لدور الأذان للصّلاة وترقب مواقيتها..
بنيت المئذنة الكبيرة لمسجد غرداية العتيق بجانب مئذنته الصغيرة لما كبرت المدينة واتسع العمران نحو الأسفل حيث وصل إلى حدود حي "بايوب أميمون" فأصبح صوت الأذان غير مسموع في حدود تلك المنطقة. ومع المئذنة الكبيرة التي أصبحت تفي بمهمة إيصال صوت الأذان إلى أرجاء المدينة، كان ذلك خلال توسعة المسجد الأولى الذي شهدها بين 889-929ه /1484-1521م.
ترتكز المئذنة على قاعدة مربعة كبيرة ثم ترتفع واجهاتها الأربعة إلى أعلاها مائلة في شكل انسيابي وتضيق في أفقها فيتخذ شكلها هرما غير مكتمل لقمته، ثم ترتفع من فوقها أربعة أعمدة من زوايا المئذنة كأنه إكليل ربما له خاصية معرفة اتجاه القبلة والحد من ضغط الرياح على قمة المئذنة فتحد من تأثيره عليها زيادة لمنظرها الفني، وشيدت المئذنة بجدران سميكة ﻻ يقل سمكها عن 1 متر في قاعدتها حتى يصل أعلاها إلى 30 سنتيمتر، ويلاحظ أنّ للمئذنة شكلا مائلا إلى جهة الشمال، ليكون لها قوة تزيد من صلابتها وصمودها أمام هبوب الرياح الشمالية عليها، وتتكون المئذنة من نواة مركزية مبنية بمثابة عماد تشدها من داخلها وتلتف حولها الدرجات على شكل سُلّم حلزوني من أول طابق إلى الطابق العلوي وهو مكان المؤذن وعددها عشر 10 طوابق، وجعل لها منافذ صغيرة لدخول الهواء والضوء وقد ابتكروا لتردد الصوت وسيلة لذلك فجعلوا في غرفة المؤذن أعلاه صحنا كبيرا وهو مصنوع من الفخار فيحدث ردة صوت قوية منطلقا من النوافذ الكبيرة أعلى المئذنة ليصل إلى أبعد مدى ويغنم صاحبه بالأجر والثواب..
أدوار المئذنة في مزاب
وللمئذنة في مزاب عدة أدوار منها:
الدور الديني:
حيث ينادي منها المؤذن للصلاة.
الدور الدفاعي:
بحكم موقعها في أعلى قمة بالنسبة للمدينة، فإن لها دور دفاعي، فهي كالمنارة منها يمكن مراقبة الجهات الأربع المحيطة بالمدينة، والمعروف تاريخيا أن المنطقة قد شهدت عدة غارات. ومن خلاله كذلك يمكن مراقبة مجرى وفيضان الوادي.
الدور الفلكي:
من خلالها يتم رصد الأهلة ومواقيت الصوم والإفطار.
ولقد شيّد المزابيون مآذن وفق هندستهم المعمارية التي تنفرد بشكلها المتميز عن غيرها، وقد بنوها بوسائل مستخرجة من طبيعة منطقتهم مع اهتمامهم بأسباب متانتها وقوتها وجمالها الفني وتوجد في النيجر وفي واحة سيوة الأمازيغية غرب مصر مآذن تشبهها من حيث الشكل مع اختلاف قليل.. مما يدل على تواصل بين تلك الحضارات والشعوب.
وصف معماري لمئذنة المسجد العتيق بتغردايت(02)
تعلو في المسجد العتيق بغرداية مئذنتان متجاورتان، الأولى صغيرة الحجم وقليلة الارتفاع والأخرى كبيرة وذات ارتفاع شاهق.
1 المئذنة الصغيرة:
تقع في الجهة الشمالية الغربية على محور المحراب متقدمة المئذنة الكبيرة تبدأ في الارتفاع من سطح المسجد، نظرا لإزالة جزئها السفلي المتمثل في القاعدة. وتنطلق المئذنة في الارتفاع حيث تميل واجهاتها الأربعة كلما زادت في العلو، لتعطي في الأخير شكل هرم ناقص على غرار المئذنة المجاورة لها، ويبلغ ارتفاعها الحالي 4.50م.
يتم الدخول إلى المئذنة عن طريق باب خشبي مصنوع من جذع النخيل، يبلغ عرضه 0.49م، وارتفاعه 1.10م. وتتألف في الداخل من نواة مركزية مستطيلة الشكل طولها 0.25م، وعرضها 0.15م، يلتف حولها سلَّم صاعد يتكون من سبع درجات على شكل حلزوني ويبلغ ارتفاع الدرجات حوالي 0.25م، باستثناء الدرجة الأخيرة التي ترتفع بحوالي 0.50م، نظرا لاستعمالها من طرف المؤذن كمقعد للجلوس أثناء ترقب أوقات الصلاة.
وتنتهي المئذنة في الأعلى بجوسق مغطى بقبيبة في شكل إناء من الفخار، ويبلغ قطر هذه القبيبة 0.45م، وعمقها 0.35م. يبدو أن وظيفة الفخار تتمثل في تردد صوت المؤذن الذي ينتقل إلى الخارج عبر أربع فتحات مستطيلة يعلوها عقد نصف دائري، ويبلغ عرض هذه الفتحات 0.40م، وارتفاعها 0.30م.
تنطلق من الأركان الخارجية للجوسق نحو الأعلى أربعة أعمدة صغيرة على شكل نتوءات منتفخة في الأسفل وضيقة في الأعلى، يبلغ ارتفاعها 1م. وتتم تهوية داخل المئذنة وإضاءتها بواسطة فتحتين صغيرتين فقط.
2 المئذنة الكبيرة:
تحتل موقعا وراء المئذنة الصغيرة ومجاورة لها، في الجهة الشمالية الغربية من المسجد على يمين الداخل من المدخل الشمالي الغربي. وتتألف من قاعدة ذات شكل مربع منحرف نوعا ما، تميل وجهاتها الأربعة كلما ارتفعت نحو الأعلى في شكل انسيابي لتعطي في النهاية شكل هرم ناقص. وبهذا الشكل فإنها تضيق كلما زاد ارتفاعها نحو الأعلى، كما يقل سمك جدرانها، إذ يبلغ سمكها عند القاعدة 1م، ليصل في القمة عند الجوسق إلى 0.30م، ويبلغ علو المئذنة الإجمالي حوالي 24.5م.
يمكن للناظر أن يلاحظ من الخارج ميلان المئذنة نحو الجهة الشمالية، وقد اعتبر بعض المهندسين المعماريين أن هذا الميلان كان مقصودا من قبل المعماري المزابي، إذ يرون أنه كان يهدف من خلال ذلك مواجهة الرياح القادمة من الشمال وبالتالي إعطاءها القدرة والقوة للتصدي لها، وجعل المعلم في معزل عن تأثيراته التي قد تؤدي إلى نتائج وخيمة. قد يكون هذا التفسير صحيحا، ولا سيما إذا علمنا أن هذه الرياح تكون شديدة ومستمرة لمدة تزيد عن خمسة أيام في بعض الأحيان خلال فترة محددة من السنة. والظاهر أن المهندس لم يكن يقصد ذلك، بل كانت هذه الظاهرة نتيجة نقص في الإمكانات الإنشائية لديه.
شُيدت المئذنة استنادا إلى ما تناقلته الرواية الشعبية خلال القرن الثالث عشر الميلادي، ويعود بناؤه بلا شك إلى عامل توسع المدينة الذي يتماشى وازدياد عدد السكان بسبب الهجرات المتتالية أو النمو الديموغرافي. ومن الطبيعي أن تصبح المئذنة الصغيرة لا تؤدي دورها المنوط بها. لذلك لجأ الأهالي إلى بناء مئذنة أكبر منها حجما وعلوا بهدف إيصال صوت المؤذن إلى كل أطراف المدينة.
تتكون المئذنة من قاعدة غير منتظمة الشكل فأضلاعها جاءت كالآتي: 3.80م – 5.10م – 4.20م. يتم الولوج إلى داخل المئذنة عبر باب عرضه 0.80م، وارتفاعه 1.90م. وتتألف في الداخل من نواة مركزية ذات مخطط غير منتظم الشكل يبلغ طول أضلاعها ابتداء من الطلع الجنوبي الغربي كالآتي: 0.80م، 1م، 1.05م، 1.5م وتشتمل على طابق أرضي وتسعة طوابق، ويتم الانتقال من طابق إلى آخر عن طريق سلم صاعد يتألف من 114 درجة يلتف حول نواة مركزية بشكل حلزوني، ولقد قيل حول هذا العدد أنه يمثل عدد سور القرآن الكريم، ربما يكون هذا التفسير معقولا ولا سيما أن العدد صحيح، لكن لا يمكن أن نعرف ما إذا كان المهندس كان فعلا يقصد ذلك وخطط له، تتخلل الدرجات بسطات يتراوح عرضها ما بين 0.70م و1م، كما يستند الدرج على أقبية نصف برميلية. وتنتهي المئذنة في الأعلى بجوسق يبلغ علوه 2.5م، وتغطيه قبيلة مثبت في مرکزها (المعروف بمفتاح القبة) إناء من الفخار يمتاز بخاصية تردد الصوت. يخرج صوت المؤذن عن طريق أربع فتحات معقودة بعقد نصف دائري مفتوحة في الجدران الأربعة للجوسق يبلغ عرض الواحدة 0.20م، وارتفاعها 1م. وتنطلق من أركان الجوسق الأربعة الخارجية أعمدة في شكل نتوءات منتفخة في الأسفل وضيقة في الأعلى متوجة المئذنة. ويصل علو هذه الأعمدة 1.30م.
فُتحت على جدران المئذنة الأربعة فتحات صغيرة لا يتعدى عرضها 0.15م، وارتفاعها 0.25م، تقوم هذه الفتحات بإدخال الضوء والهواء إلى داخل المئذنة، ويدل صغر حجم هذه الفتحات إلى الدور الدفاعي الذي تؤديه المئذنة إلى جانب دورها الديني.
--------------------------------------
(01) منقول: نورالدين الجزائري و مذكرة تخرج رسالة جامعية بعنوان "الجامع العتيق بغرداية دراسة معمارية وفنية" إعداد سليمان مسقي.
(02) كتاب العمارة الدينية الإباضية بمنطقة واد مزاب، بلحاج بن بنوح معروف، ص102-105.
المصدر nir-osra.org