الأدب المزابي في ظل إشكالية الجمع والتناول
الأدب المزابي بين الحفظ والتدوين؛ الأشكال السردية التقليدية نموذجا
د. يحيى بن بهون حاج امحمد
يطرح الأدب المزابي عمومًا إشكاليتي الجمع والتناول، أمّا الجمع فيأتي من تشتته في المصادر الشفوية هنا وهناك، بحيث أنَّ كل قصر من قصور وادي مزاب السبعة يحتفي برصيد شفهي متنوع وغني بالقيم الفنية والجمالية، في حين أنَّ إشكاليات التناول تأتي من قلة الإقبال عليه من طرف الطبلة والباحثين، وبخاصة من أبناء المنطقة ممن هم وثيقي الصلة بلغتهم الأم وأعرف أكثر من غيرهم بتفاصيل الحياة اليومية وبالعادات والتقاليد الخاصة بمجتمعهم الصغير...، ولعل ذلك راجعٌ بالأساس إلى عدم وجود مؤسسات تعنى بهذا الجانب من الذاكرة، وعدم إحاطة الهواة بمناهج البحث في هذا المضمار.
وقد وجدت فئة قليلة جداً، تنظر إلى هذا الموضوع عادة بنظرة الانتقاص أو التخوّف، لأنها في تصور بعضهم قد تكون مدعاة إلى التعصب للبربرية على حساب اللغة العربية أو إلى سبباً لبعث فوارق جهوية على حساب الوحدة الوطنية، غير أنّ الهوية الجزائرية معروفة بتنوّع لهجاتها باتساع رقعتها الجغرافية.
إذ لم يكن ليرد هذا أو ذاك فيما عرفناه وشاهدناه ، فسكان الصحراء هُم من حمى اللغة العربية ومنعها من الذوبان في بوتقة الاستعمار الفرنسي مدة 132 سنة، تماماً كما ضرب أهلها أروع الأمثلة في الفداء والوطنية، ولنا في شاعر ثورتنا المجيدة مفدي زكرياء أروع الأمثلة وأوضحها، وكانوا فيطليعة من قدموا الغالي والنفيس في سبيل وحدة التراب الوطني واستقلاله، لما عُرض عليهم فصل الصحراء عن الشمال، وجهود الشيخ الإمام إبراهيم بيُّوض لا تخفى على ذي اطلاّع بتاريخ الجزائر الحديث.
لهذه الأسباب وغيرها همّش الأدب الشعبي؛ بالرغم من أنّ القصة الشعبية على أنواعها كانت تُقدّم باللغة المحكية أو بما هو أقرب إلى اللغة المحكية، ولم يكن لها هدف الإثراء اللغوي المكتوب بل التعبير الكلامي عن العواطف من مخاوف وأُمنيات، وبالتالي بأيّ لسان سيعبّر الأديب عن هذا الأدب ؟!
من هذا المنطلق، عندما نتناول القصة الشعبية الحديثة، على اللغة الفصحى أن تلفت الانتباه إلى ذاتها، وهي هنا في صراع آخر بين اللغة الفصيحة الأدبية وبين مقدور القراّء استيعاب هذه اللغة؛ فهل نحن إذن إزاء اكتشاف وخلق لغة جديدة ما بين المحكية والفصحى؟! أم أننا أمام لغة عربية فصيحة مبنية من طبقات متعددة يستمد منها الطفل الطبقة الأولى المسطحة مع إهمال شحناتها التاريخية ؟! وما عليها أن تورده من أفكار وتجارب بعيدة المدى ؟!
كذلك فيما يتعلق بتدريس هذا النوع من الأدب في المدارس الرسمية أو المعاهد الحرة في مزاب، بالنسبة للتعليم الرسمي فهو في طور الإنشاء لندرة الإطار التربوي المتخصص من جهة، وبالنسبة للتعليم الحر فهو غير مطروق بصورة متكاملة، بل الأمر موكول فيه لبعض المجتهدين، إذ العجز مسجل وواضح ، والمبادرة إليه من طرف إدارة المدارس غير مذكورة بتاتاً، لتبقى بذلك العهدة على البيت وحده، وعلى المجتمع من بعده إن شاء تعاون في هذا الأمر أو تركه.
هذه بعض الإشكاليات التي تطرح نفسها للباحثين المتخصصين، ونفس الكلام من دون مبالغة يقال عن الألسنة البربرية الأخرى كالشَّاوية والشَّلحية والتَّارڤية... وغيرها، كما يطرح بعض الدارسين قضية الخطوالكتابة، هل تكون بالحرف العربي أم اللاتيني الفرنسي أم الأمازيغي التِّفِينَاغْ ؟!!.
مع ذلك لابد من ذكر جهود بعض المجتهدين في الأدب المژابي ومنهم:
عبد الرحمن حواش في التاريخ والتراث المزابي؛
أو لأخوين عبد السلام المتخصصين في اللغة والنحو المزابي؛
أو حمد نوح مَفْنُون في الحكاية الشعبية المزابية؛
والدكتور عبد الله نوح في الأدب المزابي المقارَن؛
وترشين صالح
وداوي عمر
وعبد الوهاب فخار
وآخرين... في كتابة وأداء الشعر المزابي؛
ولكل هؤلاء وغيرهم أعمال أدبية مطبوعة وتسجيلات سمعية في السوق الجزائرية.